الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فبكيت، وقلت: هذه خصالٌ سألتُ ربي، فأعطانيها، ومنعني هذه، وأخبرني جبريل عن الله: ألا إن فناء أمتك بالسيف، جرى القلم بما هو كائن" (1).
*
ذكر قصة رجل فقير من القراء استغاث بالنبي صلى الله عليه وسلم عند قبره:
كان بعض المتصدِّرين في القراءة بالجامع العتيق بمصر، قد حلف بالطلاق الثلاث أنه لا يجيز أحدًا يقرأ عليه القرآن مستحقًا الإجازة إلا بعشرة دنانير، فاتفق أن قرأ عليه رجل فقير، فلما أكمل، سأله الإجازة فلم يجزه بيمينه، فتألم خاطره، فاجتمع بأصحابه، فجمعوا له خمسة دنانير، فأتى بها الشيخَ، فلم يأخذها، فخرج من عنده، فرأى المحمل يُدار به، فقال: والله! لا أنفقت هذه إلا في الحج، فاشترى ما يحتاجه، وسار حتى وصل إلى مكة، فلما قضى مناسكه، رحل إلى المدينة الشريفة، فلما وصل إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: السلام عليكَ يا رسول الله، ثم قرأ عشرًا جمع فيه الأئمة السبعة، وقال: هذه قراءتي على فلان عن فلان عنك عن جبريل عليه السلام عن الله تعالى، وقد سألت شيخي الإجازة، فأبى، وقد استغثت بك يا رسول الله في تحصيلها.
(1) عزاه المنذري في "الترغيب والترهيب"(3/ 144) إلى ابن ماجه، ولم أجده فيه. وذكره ابن كثير في "البداية والنهاية" (6/ 142) عن أبي محمد عبد الله ابن حامد الفقيه في "دلائل النبوة" بإسناده. ثم قال ابن كثير: هذا حديث غريب جدًا، لم أر أحدًا من هؤلاء المصنفين في الدلائل أورده سوى هذا المصنف، وفيه غرابة ونكارة في إسناده ومتنه أيضًا، والله أعلم.
ثم نام، فرأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال له: سلِّمْ على شيخك، وقل له: رسولُ الله يقول لكَ: أجِزني بلا شيء، فإن لم يصدِّقْك، فقل له: بأمارة زُمرًا زُمرًا.
فلما وصل الفقير إلى مصر، اجتمع بشيخه، وبلّغه الرسالة بغير أمارة، فلم يصدِّقه، فقال له: بأمارة زُمرًا زُمرًا، فصاح الشيخ، وخرّ مغشيًا عليه.
فلما أفاق، سأله أصحابه عن ذلك، قال: كنت كثيرًا ما أتلو القرآن، فمررت يومًا على قوله تعالى:{وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (78)} [البقرة: 78]، فحلفت أن لا أقرأ القرآن إلا متدَبِّرًا فهمًا، فأقمتُ لا أتجاوز من القرآن إلا اليسير مدّة طويلة، حتى نسيتُه، فكفرت عن يميني، وشرعت في حفظه، فبينما أنا أتلو ذات يوم، إذ مررتُ على قوله عز وجل:{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} [فاطر: 32] الآية. فقلت: ليت شعري، من أي الأقسام أنا؟ ثم قلت: لست من الثاني، ولا من الثالث بيقين، فيعني أن أكون من القسم الأول، فنمت تلك الليلة حزينًا، فرأيت النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال لي: بشّر قُرَّاءَ القرآن أنهم يدخلون زُمَرًا زُمَرًا.
ثم أقبلَ على ذلك الفقير يقبِّل وجهَه، وقال: أُشهِدكم عليَّ: أنني قد أجزتُه، ليقرأ ويُقرِئ من شاء أين شاء.