الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أنهم سمعوا في ذلك اليوم وتلك الساعة - حين جاوزوا الجبل - صوتًا يشبه صوتَ عمر: يا سارية بن حصين! الجبلَ الجبلَ، فعدلنا إليه، ففتح الله علينا.
*
فضائله رضي الله عنه
-: وفضائلُه أشهرُ من أن تُذكر، وأكثر من أن تُحصر، جاهد في الله حقَّ جهاده، فجيّش الجيوش، وفتح البلاد، ومَصَّرَ الأمصار، وأعزَّ الإسلام، وأذلَّ الكفر، وهو أولُ مَنْ جمع الناسَ لصلاة التراويح، وكان متواضعًا، يشتمل بالحياء، ويحمل القِرْبة على كتفه، وأكثرُ مركوبه الإبل.
ومن عماله: سعيد بن عامر بن حكيم على حمص.
ومن عماله على المدائن: سلمان الفارسي، وكان ناسكًا زاهدًا.
* ذكر وفاته رضي الله عنه: ذُكر أنه خرج لصلاة الصبح في جماعة، فضربه أبو لؤلؤة غلامُ المغيرة بن شعبةَ - لما وقف يصلِّي - بخنجر برأسين، فطعنه ثلاث طعنات، إحداهن تحت سُرَّته، وهي التي قتلته، وطَعَن اثني عشر رجُلًا من أهل المسجد، فمات منهم ستة، ثم نحر نفسه بخنجره، فمات - لعنه الله -.
ولما طعنه أبو لؤلؤة، وقع على الأرض، ثم قال: أفي الناس عبدُ الرحمن بن عوف؟ قالوا: نعم يصلي بالناس، وقال لولده عبدِ الله: انظر مَنْ قتلني؟ فقال: يا أمير المؤمنين! قتلك أبو لؤلؤةَ غلامُ المغيرة ابن شعبة، فقال: الحمد لله الذي لم يجعل قتلي على يد رجُل سجدَ لله سجدةً واحدة.
ثم بعث ابنهَ عبدَ الله إلى عائشة رضي الله عنها، وقال: قل لها: يقرأ عليك عمرُ السلام، ولا تقل: أمير المؤمنين؛ فإني لست اليوم أميرًا، ويقول لك: إنه لاحِقٌ بربه، أفتأذنين له أن يُدفَن مع صاحبيه؟
فجاء عبد الله إلى عائشة، فاستأذن عليها، فأذنت له، فبلّغها رسالة أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، فتأوهت، وبكت، وقالت: لقد كنت أشمُّ رائحةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في أبي بكر، فلما مات، كنت أشم رائحته في أمير المؤمنين عمر، مالي وللدنيا أفقِدُ فيها الأحبابَ واحدًا بعد واحد؟ !
ثم قالت له: أبلغْ أميرَ المؤمنين مني السلام، وقل له: ألا إنها كانت ادَّخرت ذلك لنفسها، ولكنها آثرتْكَ اليوم على نفسها.
فلما رجع عبد الله، قال له عمر: ما وراءك يا عبد الله؟ قال: الذي تُحبّ، قد أَذِنت لك عائشة، قال: الحمدُ لله، ما كان شيء أهمَّ إليَّ من ذلك، فإذا أنا قُبِضت، فارجعْ إلى عائشة، فاستأذنها ثانيةً، فربما تكون استحيت مني وأنا حَيّ، فلا تستحيى مني وأنا ميت.
وأوصاهم أن يقتصروا في كفنه، ولا يتغالوا.
وتوفي يوم السبت سلخ ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين، ودُفِن يوم الأحد هلال المحرم سنة أربع وعشرين، وغسّله ابنُه عبد الله، وحُمِل على سريرِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وصُلِّي عليه في مسجده، وصلَّى بهم عليه صُهيبٌ، وكبّر عليه أربعًا، ونزل في قبره ابنه عبدُ الله، وعثمان بن عفان، وسعيد بن زيد، وعبد الرحمن بن عوف.
وكانت خلافته رضي الله عنه عشر سنين، وستة أشهر، وثمانية أيام، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين - على الصحيح المشهور -.
والصحيح: أن سِنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسنَّ أبي بكر، وعمر، وعلي، وعائشة ثلاث وستون سنة.
وعهِدَ بالخلافة إلى النفر الذين مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ، وهم: عليٌّ، وعثمان، وطلحة، والزبير، وسعدٌ رضي الله عنهم، بعد أن عرضها على عبد الرحمن بن عوف، فأبى، وشرطَ أن يكون ابنُه عبدُ الله شريكًا في الرأي، ولا يكون له حظٌّ في الخلافة، وجعل لهم مدة ثلاثة أيام، وقال: لا يمضي اليوم الرابع إلا ولكم أمير، وإن اختلفتم، فكونوا مع الذين معهم عبد الرحمن بن عوف.
وكان عمر رضي الله عنه طُوالًا، أصلعَ، أبيضَ، يعلوه حمرة.
وقيل: كان آدمَ اللون، شديدَ الأُدمة، وعليه أكثر أهل العلم (1).
وكان له من الولد: عبد الله، وحفصة، أمُّهما زينبُ بنتُ مظعون، وعبيدُالله، أمُّه مُلَيْكَة بنت جَرْول الخزاعية، وعاصم، أمُّه جميلةُ بنت عاصم، وفاطمة وزيد، أمُّهما أمُّ كلثوم بنتُ علي بن أبي طالبٍ من فاطمة رضي الله عنهم، وعبد الرحمن، وفاطمة، وبنات أُخَر.
(1) جاء على هامش الأصل: "قال في "الاستيعاب" في ترجمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه: آدم شديد الأدمة، طوالًا كث اللحية أصلع أعسر بَسِرًا، وكان يخضب بالحناء والكتم".
وكان له من الموالي: أسلم، وأبو أمية جدُّ المبارَكِ بن فضالةَ بن أبي أمية، ومهجع، استشهد يوم بدر، وذكوان وهو الذي سار من مكة إلى المدينة في يوم وليلة.
ولعمر رضي الله عنه أخبار كثيرة في أسفاره مع كثير من ملوك العرب والعجم، وما كان في أيامه من الكوائن والأحداث، وفضائلُه وأحوالُه غير محصورة رضي الله تعالى عنه.
* * *