الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كل باب، فشدخوه بالحجارة، فانصرع، فانكبَّ عليه موليان له، فقتلوا جميعًا، وتفرق أصحابه، فأمر به الحجاجُ، فصُلب، وكان ذلك يوم الثلاثاء، لأربع عشرة ليلة خلت من جمادى الآخرة، سنة ثلاث وسبعين، بعد قتال سبعة أشهر.
ولما قُتل ابن الزبير، كَبَّر أهلُ الشام؛ لفرحهم بقتله، وكان له من العمر حين قتل نحو ثلاث وسبعين سنة، وهو أول من ولِد من المهاجرين بعد الهجرة، وكان كثير العبادة، مكث أربعين سنة لم ينزع ثوبه عن ظهره، وبعد قتله بثلاثة أشهر توفي عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وعمره سبع وثمانون سنة.
وكانت خلافة ابن الزبير تسع سنين؛ لأنه بويع له سنة أربع وستين، وكان سلطانه بالحجاز والعراق وخراسان وأعمال الشرق، وكانت له رضي الله عنه جُمَّة مفروقة طويلة، ولما صُلب، علَّق الحجاجُ إلى جانبه كلبًا ميتًا، ومنع والدتَه من دفنه، وكان لها من العمر مئة سنة، ثم كتب الحجاج إلى عبد الملك يخبره بصلبه، فكتب إليه يلومه، ويقول له: هلَّا خلَّيت بينه وبين أمه؟ فأذن لها الحجاج، فدفنته، وماتت بعده بقليل، وهي أسماء بنتُ أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وكانت تُدعى: ذات النطاقين.
وتقدم في ترجمة ابن الزبير ذكرُ هدم الحجاج الكعبة، وإعادتها.
وفي سنة سبع وسبعين:
أمر عبد الملك بضرب الدراهم والدنانير، وهو أول من أحدث ضربها في الإسلام، فانتفع الناس بذلك، وكان
النقش عليها على الجانب الواحد: الله أحد، وعلى الآخر: الله الصمد، وكانت الدنانير والدراهم قبل ذلك روميةً وكِسْرَوية.
وكان عبد الملك يسرع إلى سفك الدماء، وكذلك كان عماله، ولو لم يكن غير الحجاج بن يوسف، لكفاه في الظلم والجَور، وسفك دماء الأخيار الصالحين، وخَتَم أيدي جماعة منهم بالرصاص استخفافًا بهم، كما يفعل بأهل الذمة، منهم: جابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، وسهل ابن سعد.
ويكفي في قبح سيرته قتلُ سعيد بن جبير، ولم يعش الحجاج بعدَه إلا نحو شهر أو شهرين، وما مات الحجاج حتى وقعت في جوفه الآكلة، فمات.
وعِدّة من قتله الحجاج صبرًا مئة ألف، وعشرون ألفًا.
ومات وفي حبسه خمسون ألف رجل، وثلاثون ألف امرأة، وركب في يوم جمعة، فسمع ضجة المحبوسين، فالتفت إلى ناحيتهم، وقال:{اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون: 108]، فلم يركب بعدها، ومات في تلك الجمعة.
وتوفي عبد الملك في يوم الخميس، لخمس عشرة ليلة مضت من شوال، سنة ست وثمانين، وعمره ستون سنة، وكانت خلافته منذ قتل ابن الزبير، واجتمع له الناس ثلاث عشرة سنة، وأربعة أشهر تنقص سبع ليال، وكان بالشام وما والاها قبل قتل ابن الزبير سبع سنين، ونحو تسعة أشهر.