الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاتَ اليمين في نفر من المهاجرين والأنصار وأهل بيته، ولما انهزم المسلمون، أظهر أهلُ مكة ما في نفوسهم من العقد، فقال أبو سفيان بن حرب: لا تنتهي هزيمتهم دونَ البحر، وكانت الأزلامُ معه في كنانته.
وصرخ كلدةُ: الآن بطل السحر، وكلدة أخو صفوان بن أمية لأمه، وكان صفوان حينئذ مشركًا، فقال صفوان: اسكتْ فَضَّ الله فاك، والله! لأنْ يَرُبَّني رجلٌ من قريش، أحبُّ إلى أن يَرُبَّني رجل من هوازن (1).
واستمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابتًا، وتراجع المسلمون، واقتتلوا قتالًا شديدًا، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لبغلته دلدل:"البدي"، فوضعت بطنَها على الأرض، وأخذ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حفنةَ تراب، فرمى بها في وجه المشركين، فكانت الهزيمة، ونصر الله المسلمين، واتبع المسلمون المشركين يقتلونهم ويأسرونهم، وكان في السبي: الشيماءُ بنتُ الحارث، وأمها حليمةُ السعدية، وكانت أختَ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاع، فعرَّفته بذلك، وأرتْه العلامة، وهي عضَّة النبي صلى الله عليه وسلم في ظهرها، فعرفها، وبسط لها رداءه، وزَوَّدها، وردَّها إلى قومها، حسبما سألت.
*
ذكر حصار الطائف:
ولما انهزمت ثقيف من حنين إلى الطائف، سار النبي صلى الله عليه وسلم إليهم، فأغلقوا باب مدينتهم، وحاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم نيفًا وعشرين يومًا، وقاتلهم
(1) انظر: "السيرة النبوية" لابن هشام (5/ 112).
بالمنجنيق، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع أعناب بني ثقيف، فقطعت، ثم أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرحيل، فرحل عنهم، حتى نزل بالجِعرانة، وكان قد ترك بها غنائم هوازن.
وأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض هوازن، ودخلوا عليه، فردَّ عليهم نصيبه ونصيب بني عبد المطلب، وردَّ الناس أبناءهم ونساءهم، ثم لحق مالكُ ابنُ عوف مقدَّمُ هوازنَ برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأسلمَ، وحسن إسلامه، واستعمله رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على قومه، وعلى مَنْ أسلم من تلك القبائل.
وكان عدة السبي: ستة آلاف رأس أطلقه رسول الله، وكانت عدة الإبل: أربعة وعشرين ألف بعير، والغنم أكثر من أربعين ألف شاة، ومن الفضة أربعة آلاف أوقية.
وأعطى المؤلَّفة قلوبُهم مثلَ أبي سفيان، وابنيه: يزيد، ومعاوية، وسهيل بن عمرو، وعكرمة بن أبي جهل، والحارث بن هشام أخي أبي جهل، وصفوان بن أمية، وهؤلاء من قريش، وأعطى الأقرعَ بنَ حابس التميميَّ، وعُيينة بنَ حصن بنِ حذيفةَ بنِ بدر الفزاريَّ (1)، ومالكَ بنَ عوف مقدَّمَ هوازن، وأمثالهم، فأعطى لكل واحد من الأشراف مئةً من الإبل، وأعطى الآخرين أربعين أربعين، وأعطى للعباس بن مرداس السلمي أباعر لم يرضَها، وقال في ذلك من أبيات:
(1) في الأصل: "الذبياني".
فَأَصْبَحَ نهْبِي وَنَهْبُ العُبَيْـ
…
ـد بَيْنَ عُيَيْنَةَ وَالأَقْرَعِ
وَمَا كَانَ حِصْنٌ وَلَا حَابِسٌ
…
يَفُوقَانِ مِرْدَاسَ فِي مَجْمَعِ
وَمَا كُنْتُ دُونَ امْرِئٍ مِنْهُمَا
…
وَمَنْ تَضَعِ اليَوْمَ لَمْ يُرْفَعِ
فروي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اقْطَعُوا عَنِّي لِسَانَهُ"، فأُعطي حتى رضي (1).
لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنائم، لم يعطِ الأنصار شيئًا، فوجدوا في أنفسهم، فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال:"أَوَجَدْتُمْ يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ في لُعَاعَةٍ مِنَ الدُّنْيَا، أَلَّفْتُ بِها قَوْمًا لِيُسْلِمُوا، وَوَكَلْتُكُمْ إِلَى إِسْلامِكُمْ؟ ، أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالبَعِير وَالشَّاةِ، وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم إِلَى رِحَالِكُمْ؟ أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَوْلَا الهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأَنْصَارِ، وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ شِعْبًا، وَسَلَكَتِ الأَنْصَارُ شِعْبًا، لَسَلَكْتُ شِعْبَ الأَنْصَارِ، اللَّهُمَّ ارْحَمِ الأَنْصَارَ، وَأَبْنَاءَ الأَنْصَارِ، وَأَبْنَاءَ أَبْنَاءِ الأَنْصَارِ".
فبكى القومُ حتى اخضلَّت لِحاهم، وقالوا: رضينا برسول الله صلى الله عليه وسلم
(1) رواه الطبري في "تاريخه"(2/ 175)، عن عبد الله بن أبي بكر.