الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خلافة المعتمد على الله
هو أبو العباس، أحمدُ، وقيل: أبو جعفر، المتوكل، وأمُّه أمُّ وَلَد.
وكان حسنَ الجسم، طويل اللحية، واسع العينين، طويلًا.
بويع له لأربع عشرة ليلة خلت من رجب، سنة ست وخمسين ومئتين، وكان يقبل على اللذات، ويشتغل عن الرعية، كثيرَ العزل والتولية، وجعل أخاه طلحةَ وليَّ عهده، ولقَّبه: الموفق بالله، فاستعد الموفقُ لمحاربة الخبيث صاحبِ الزنج، الذي ادعى أنه علي بن محمَّد ابن أحمد بن علي بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وليس كذلك، وإنما قيل بأنه: علي بن محمَّد بن أحمد بن رحيب، رجلٌ من المعجم، من قرية من قرى الري، ونشأ بسامراء، فتأدب بها، وخدم في الديوان، وقال الشعر، واستماح به.
ثم حدث في نفسه الكفر والخبث، ودعوى الإمامة، وعلم الغيب، والخروج عن الأئمة، فقدم البصرة، وأقام بهجر، ودعا الناس إلى طاعته، فمال إليه عبيدُ هجر، وخَلْقٌ من أهل البحرين، والتأموا عليه، وكثر أتباعه، واستغوى مَنْ لقيه من الأعراب، وأوهم أنه يعلم منطقَ الطير، وعمد إلى خرقة حرير، فكتب فيها بالأخضر:{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة: 111] إلى آخر الآية، وكتب عليها اسمه واسم أبيه، وعلَّقها، وخرج ينادي في الناس، فاجتمع عليه ألوف من الزنوج وغيرهم، فقام فيهم خطيبًا، ووعدهم أن
يملكهم الأموال، ولم يزل ينهب ويقتل، وادعى أن نساءه امتُحِنَّ بصحبته، وحرمن بعدَه على الرجال، وقال: لي بذلك أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم، وبأئمة الهدى من بعده.
فقيل له: إن أبا بكر وعمر تزوج الناسُ بنسائهما، فقال: ليس فيهما قدوة، وأما علي، فقد أثم من تزوج نساءه بعده.
وادعى أنه عبد الله الذي قام يدعوه، وأنه أنزل فيه قرآنًا.
وادعى أنه الرجل الذي جاء من أقصى المدينة يسعى، وقال: أُنزلت فيّ سورة من القرآن مجردة، ليس فيها ذكر غيري، وهي:{لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} [البينة: 1].
وادعى أنه تكلَّم في المهد صبيًا.
ثم إن الموفق انتدب لقتاله، فوجَّه ولدَه أبا العباس في نحو عشرة آلاف فارس وراجل لقتال الزنج، فسار نحوهم، وكان بينهم من القتال والوقعات المشهورة ما يطول شرحه، فنصر الله أبا العباس، وأعلى كلمته، وفتح على يديه، وأسبغ نعمه عليه، وهذا الشابّ هو الذي ولي الخلافة بعد عمه المعتمد، ولقب بالمعتضد.
وركب الموفَّق من بغداد في صفر سنة سبع وستين ومئتين في جيوش كثيفة، فدخل واسط، فتلقاه ابنه أبو العباس، وأخبره عن الجيش الذي معه، وما عملوا في حرب الزنج، فخلع عليه، وعلى الأمراء كلهم خِلَعاً سَنِيَّة.
ثم سار بجميع الجيوش إلى صاحب الزنج، وهو بالمدينة التي أنشأها، وسماها بالمنيعة، فقهرهم الموفق، ودخلها عَنْوة، وهدم أسوارها، وسار إلى غيرها من البلاد، وهدم ونهب.
ثم سار الموفق في جيوش عظيمة - نحو خمسين ألف مقاتل - إلى مدينة صاحب الزنج الكبرى التي بناها وسماها: المختارة، وقدّم ولده أبا العباس بين يديه، وحاصر قصرَ الملك محاصرة لم يحاصر مثلها، وتعجب الزنج من إقدامه وجرأته مع صغر سنه، فهزمهم بإذن الله، وفرّ الخبيث صاحب الزنج هاربا، وترك حلائله وأولاده، وأمواله فأخذها الموفق - ولله الحمد والمنة -، وشرحُ ذلك يطول.
ثم ركب الموفق، فأسر عامة من كان يصحبه من خاصته، وأبادهم بالقتل، وما انجلت الحرب حتى جاء البشير بقتل الخبيث صاحبِ الزنج في المعركة، وجيء برأسه إليه، فخر لله عز وجل ساجداً، ثم رجع، ودخل مدينته التي أنشاها، وسماها: الموفقية، وكان يوماً مشهوداً، وفرح المسلمون بذلك في المشارق والمغارب.
ثم قدم ولدُه أبو العباس بين يديه إلى بغداد، ومعه رأسُ الخبيث، فكان لدخوله يوم مشهود، وانتهت ايام صاحب الزنج الكذاب - قبحه الله تعالى -.
وفي سنة سبعين ومئتين: أقبلت الروم في مئة ألف مقاتل، فنزلوا قريبًا من طرسوس، فخرج المسلمون إليهم، وقتلوا منهم في مقتلة واحدة نحوًا من سبعين ألفا - ولله الحمد -، وغنم المسلمون منهم غنيمة عظيمة.