الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكل ذلك ببركة الاستغاثة برسول الله صلى الله عليه وسلم (1).
وقال إبراهيمُ بنُ طريف: سمعت أبي يقول: ظهرتْ لي لُمعةُ برص في كتفي، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، فقلت: يا رسول الله! ألا ترى ما حلَّ بي؟ فمسح بيده على كتفي، فانتبهتُ وقد ذهب البرصُ عني.
* * *
ذكر أخبار الأسود العَنْسي، ومُسَيلمة الكذَّاب، وسَجاحِ، وطلحةَ
* أما الأسود، فاسمه عَبْهَلَة بنُ كعب، ويقال له: ذو الخِمار، وكان يُشَعْبِذ لقومه، ويُري الجهّال الأعاجيب، وَيسبي بمنطقه قلبَ من يسمعه، وقيل له: ذو الخِمار؛ لأنه كان يقول: يأتيني ذو خمار، وهو ممن ارتدَّ وتنبأ من الكذابين، وكاتَبَه أهلُ نجران، وكان هناك من المسلمين عمرُو ابنُ حَزْم، وخالد بنُ سعيد بن العاص، فأخرجهما أهلُ نجران، وسلَّموهما إلى الأسود، ثم سار الأسود من نجران إلى صنعاء، فملَكَها، وصفا له
(1) الاستغاثة بالميت أو الغائب وسؤاله - نبيًا كان أو غيره - لم يرد عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وما يروى في هذا الباب من الأحاديث والآثار لا ترقى إلى درجات الصحة المقبولة التي يسوغ الاحتجاج بها؛ كهذه الآثار التي ذكرها المؤلف، وقد كره العلماء كمالك رحمه الله وغيره أن يقوم الرجل عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم يدعو لنفسه، وكذا كرهوا أن تقصد قبور الأنبياء وغيرهم للدعاء والصلاة عندها، والله أعلم.
ملكُ اليمن، واستفحلَ أمرهُ، وجعل يستطير استطارةَ الحريق، وكان خليفته في مذحِج عمرُو بنُ مَعْد يكرب.
فلما بلغ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ذلك، أرسل إلى نفر من أهل اليمن: أن يحاولوا الأسود، إما غِيلةً، أو مصادمة، وأمرهم أن يستنجدوا رجالًا سماهم لهم، وأرسل إلى أولئك النفر أن يُنجدوهم، فاجتمعوا بامرأة الأسود، وكان الأسود قد قتل أباها، فقالت: والله! إنه أبغضُ الناس إليَّ، ولكن الحرس محيطون بقصره، فانقِبوا عليه البيت، فنَقَبوا، ودخلوا إليه، وخالطوه فقتلوه، واحتزُّوا رأسه، فخار كخُوار الثور، فابتدرت الحرس الباب، فقالوا: ما هذا؟ فقالت زوجته: النبي يوحى إليه، وكان الشيطان قبل ذلك يأتي إليه، فيوسوس له، فيغطُّ، ويعمل بما قال، فلما طلع الفجر، أمروا بالمؤذن، فقال: أشهد أن محمدًا رسول الله، وأن عبهلَة كذاب.
وأرسل أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه بخبر الأسود، فسبق خبرُ السماء إليه، فأخبر الناسَ بذلك، وذلك قبل وفاته عليه الصلاة والسلام بقليل، ووصل الكتاب بقتل الأسود في خلافة أبي بكر رضي الله عنه، فكان كما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان قتله قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بيوم وليلة، وكان من أول خروج الأسود إلى قتله أربعة أشهر.
* ذكر أخبار مسيلمة: وقد ذكرنا أنه قَدِمَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد بني حنيفة، فلما عاد الوفد، ارتدَّ، وكان فيه دهاء، فكذب لهم، وادعى النبوَّة، وتسمَّى: رحمان اليمامة، وخاف أن لا يتم له مرادُه،
فقال: إن محمدًا قد أشرَكَني معه، وجعل يسجَعُ لقومه، ويضاهي القرآن، فمن قوله: لقد أنعم الله على الحبلى، أخرج منها نسمة تسعى، من بين صِفاقٍ وحَشَا.
ومن قوله: سبح اسم ربك الأعلى، الذي يسر على الحبلى، فأخرج منها نسمة تسعى، من بين أضلاع وحَشَا، يا ضفدعَةُ بنتَ الضفدعين، نِقِّي فجاد ما تنقين، وسجي، فحسن ما تسجين، إلا الماء تكدرين، وإلا الشاربَ تمنعين، والليلِ الأسحم، والدبِّ الأدلم، والجدع الأزلم، ما انتهكت أسيدٌ من مَحْرَم.
ومنه: والليلِ الدامس، والذيب الهامس، ما قطعت أُسيد من رَطْب ولا يابس.
وكان يقصد بذلك نصرة أسيد على خصومهم.
ومنه: والشاة وألوانها، وأعجبها السودان وألبانها، والشاة السوداء، واللبن الأبيض، وإنه لعجب محض، وقد حرم المذق، ما لكم لا تمجعون.
وكان يقول: والمبذرات زرعًا، والحاصدات حصدًا، والذاريات قمحًا، والطاحنات طحنًا، والخابزات خبزًا، والثاردات ثردًا، واللاقمات لقمًا، لحما وسمنًا، لقد فُضِّلتم على أهل الوبر، وما سبقكم أهل المدر.
وكان صاحب نيروجات، ويقال: إنه أولُ من أدخلَ البيضةَ في القارورة، وأول من وصل جناحَ الطير المقصوص.
وجاءته امرأة، فقالت: ادعُ الله لنخلِنا ولمائنا؛ فإن محمدًا دعا للقوم، فجاشت آبارهم، قال: كيف صنع؟ قالت: دعا بإناء فيه ماء، فتمضمض، ومجه فيه، فأفرغوه في تلك الآبار، فعمت، ففعل هو كذلك، فغارت تلك المياه.
وقال له رجل: بارك على ولدي؛ فإن محمدًا يبارك على أولاد أصحابه، فلم يؤتَ بصبيٍّ مسح على رأسه، وحنّكه، إلا قرع ولثغ.
وتوضأ في حائط، وصب ماء وضوئه فيه، فلم ينبت.
وكانوا إذا سمعوا سجعه، قالوا: نشهد أنك نبي.
ثم وضع عنهم الصلاة، وأحلَّ لهم الخمر والزنا، ونحو ذلك، فتبعه بنو حنيفة إلا القليل.
وكتب مسيلمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مسيلمةَ رسولِ الله إلى محمد رسولِ الله، أما بعد: فإن لنا نصفَ الأرض، ولقريشٍ نصف الأرض، ولكن قريشًا قوم يعتدون.
وبعث الكتاب مع رجلين: عبد الله بن النوَّاحة، وحِجْر بن عُمير، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أتشهدا أني رسولُ الله؟ "، قالا: نعم، قال:"أتشْهَدا أنَّ مسيلمةَ رسولُ الله؟ "، قالا: نعم، إنه قد أُشْرِكَ معك، قال:"لولا أنَّ الرسولَ لا يُقتل، لَضربْتُ أعناقَكُما"(1).
ثم كتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من محمدٍ رسولِ الله إلى مسيلمةَ
(1) رواه أبو داود (2761)، عن نعيم بن مسعود الأشجعي.
الكذَّاب، أَمَّا بعدُ: فإِنَّ الأرضَ للهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ من عبادِه، والعاقبةُ للمتَّقين" (1)، وقد أهلكتَ اليمامةَ - أبادَكَ اللهُ ومن ضربَ معكَ -.
وقُتِل مسيلمةُ الكذابُ في أيام أبي بكر رضي الله عنه، وكان أبو بكر قد أرسل لقتاله جيشًا، وقدّم عليهم خالدَ بنَ الوليد، فقتله وَحْشِيٌّ بالحربة التي قتلَ بها حمزةَ عمَّ النبي صلى الله عليه وسلم، وشاركَه في قتله رجل من الأنصار.
وكان مقام مسيلمةَ باليمامة.
وقُتِل من المسلمين جماعة من القراء من المهاجرين والأنصار.
ولما رأى أبو بكر رضي الله عنه كثرةَ من قُتِل، أمرَ بجمع القرآن من أفواه الرجال، وجريد النخل، والجلود، وترك ذلك المكتوبَ عندَ حفصةَ بنتِ عمر زوج النبي صلى الله عليه وسلم.
ولما تولى عثمان رضي الله عنه، ورأى اختلافَ الناس في القرآن، كتب من ذلك المكتوب الذي كان عند حفصة نسخًا، وأرسلها إلى الأمصار، وأبطل ما سواها - والله أعلم -.
* ذِكرُ سَجاحِ بنتِ الحارثِ بن سويدٍ التميميةِ: كانت قد تنبأت في الرِّدَّة بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجزيرة في بني تغلب، فاستجاب لها هذيل، وجماعة، واتبعها بنو تميم، وأخوالها من تغلب، وغيرهم من بني ربيعة، فقصدت قتال أبي بكر رضي الله عنه، فراسلت مالك بن نُوَيرة،
(1) انظر: "تاريخ الطبري"(2/ 203 - 204)، و"دلائل النبوة" للبيهقي (5/ 331).
ودعته إلى الموادعة، فأجابها، ومنعها من قصد أبي بكر، وحملَها على أحياء من بني تميم، فأجابت، وقالت: أعدوا الركاب، واستعدوا للنهاب، ثم أغيروا على الرباب، فليس دونهم حجاب، فذهبوا، فكانت بينهم مقتلة، ثم ذهبت إلى اليمامة، فهابها مسيلمة، وخاف أن يتشاغل بحربها، فيغلبه ثُمامةُ بنُ أثال عاملُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأهدى لها هدية، واستأمنها، وقال لأصحابه: اضربوا لها قبة، وخمروها بالطيب، لعلها تذكر الباه، ففعلوا، فلما أتته، قالت له: اعرضْ لي ما عندك، فقال: إني أريد أن أخلو معك حتى نتدارسَ، فلما خلت معه، قالت له: اقرأْ عليَّ ما يأتيك به جبريل، فقال: ألم تر إلى ربك كيف فعل بالحبلى، أخرج منها نسمة تسعى، من بين صفاق وحَشَا، فقالت: وما أنزل عليك أيضًا؟ قال: ألم تر أن الله خلق النساء أفراجًا، وجعل الرجال لهن أزواجًا، فنولج لهن إيلاجًا، ثم نخرج ما شئنا إخراجا، فينتجن لنا إنتاجًا.
قالت: صدقت، إنك نبي، فقال لها: هل لك أن أتزوجك، فيقال: نبي تزوج نبية، فقالت: نعم، فقال لها:
أَلَا قُومِي إِلَى النَّيْكِ
…
فَقَدْ هُيِّي لَكِ المَضْجَعْ
فَإِنْ شِئْتِ فَفِي البَيْتِ
…
وَإِنْ شِئْتِ فَفِي المَخْدع
فَإِنْ شِئْتِ فَمُلْقاةً
…
وَإِنْ شِئْتِ عَلَى أَرْبَعْ
وإنْ شِئْتِ بِثُلْثَيْهِ
…
وَإِنْ شِئْتِ بِهِ أَجْمَعْ
فقالت: بل به أجمع، يا رسول الله؛ فإنه للشمل أجمع.
فقال: بذلك أوحي إلى.
فأقامت معه ثلاثًا، ثم خرجت إلى قومها، فقالت: إني قد سألته، فوجدت نبوته حقًا، وإني تزوجته، فقالوا: مثلك لا يتزوج بغير مهر، فقال مسيلمة: مهرها أني قد رفعتُ عنكم صلاة الفجر والعتمة.
ولم تزل سجاح في أخوالها من تغلب، حتى نفاهم معاوية عامًا بريع فيه، فأسلمت سجاحِ، وحَسُن إسلامها، وانتقلت إلى البصرة، وماتت بها - والله أعلم -.
* ذكر طليحة بن خويلد: فإنه ادعى النبوة، وتبعه جماعة، وقوي أمره.
ومن كلامه: والحمام واليمام، والصرد الصوَّام، قد صمن قبلكم [بـ]ـأعوام، وليبلغن ملكنا العراق والشام.
وقاتله خالد بن الوليد في الردَّة، ثم أسلم، وخرج نحو مكة معتمرًا في خلافة أبي بكر رضي الله عنه، فمر بجنبات المدينة، فقيل لأبي بكر: هذا طليحة، فقال: ما أصنع به؟ خلُّوا عنه؛ فقد أسلم، وصحَّ إسلامه، وقاتلَ في الفتوحات، فقُتل يوم نهاوند.
ووقعت نهاوند مع الأعجام في سنة إحدى وعشرين في خلافة عمر رضي الله عنه.
* * *