المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر أخبار الأسود العنسي، ومسيلمة الكذاب، وسجاح، وطلحة - التاريخ المعتبر في أنباء من غبر - جـ ١

[مجير الدين العليمي]

فهرس الكتاب

- ‌قَصَصُ الأنْبِياءِ وَالأُممِ السَّابِقَةِ

- ‌(1 - ذكر آدم عليه السلام

- ‌2 - ذكر نوح عليه السلام

- ‌(3 - ذكر هود وصالح عليهما السلام

- ‌(4 - ذكر إبراهيم الخليل صلوات الله وسلامه عليه)

- ‌5 - ذكر لوط عليه السلام

- ‌6 - ذكر إسماعيل عليه السلام

- ‌7 - ذكر إسحاق عليه السلام

- ‌8 - ذكر أيوب عليه السلام

- ‌9 - ذكر يوسف عليه السلام

- ‌10 - ذكر شعيب عليه السلام

- ‌11 - ذكر موسى عليه السلام

- ‌12 - ذكر يوشع عليه السلام

- ‌13 - شَمْويل النبي عليه السلام

- ‌14 - داود عليه السلام

- ‌15 - سليمان عليه السلام

- ‌16 - بُخْتَنَصَّر

- ‌17 - ذكر يونس بن مَتَّى عليه السلام

- ‌18 - ذكر أرمياء عليه السلام

- ‌19 - ذكر زكريا وابنه يحيى عليهما السلام

- ‌20 - ذكر عيسى بن مريم عليه السلام

- ‌21 - ذكر خراب بيت المقدس

- ‌22 - ذكر أُمَّة اليهود

- ‌23 - ذكري أُمَّة النصارى

- ‌24 - ذكر أمم الهند

- ‌25 - ذكر أُمَّة السِّنْد

- ‌26 - ذكر أُمم السودان

- ‌27 - ذكر أمم الصين

- ‌28 - ذكر بني كنعان

- ‌29 - ذكر البربر

- ‌30 - ذكر العمالقة

- ‌31 - ذكر أمم العرب وأحوالهم قبل الإسلام

- ‌32 - ذكر بني حِمْيَرِ بن سبأ

- ‌33 - ذكر بني كهلان بن سبأ

- ‌34 - قصة الفيل

- ‌35 - ذكر التاريخ الإسلامي

- ‌السيرة النبوية الشريفة

- ‌ذكر سيد الأولين والآخرين وخاتم الأنبياء والمرسلين وحبيب ربِّ العالمين محمدٍ البشير النذير، الداعي إلى الله بإذنه السراج المنير

- ‌ذكر أسمائه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر رضاع النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ ذكر مبعثه صلى الله عليه وسلم وابتداء الوحي *

- ‌ ذكر رمي الشياطين بالشهب لمبعثه *

- ‌ ذكر الاختلاف في أول من أسلم *

- ‌ ذكري أمر الله تعالى نبيه بإظهار دعوته *

- ‌ ذكر تعذيب المستضعفين من المسلمين *

- ‌ ذكر المستهزئين، ومن كان شديد الأذى للنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ ذكر إسلام حمزة *

- ‌ ذكر إسلام عمر بن الخطاب *

- ‌ ذكر الهجرة إلى أرض الحبشة *

- ‌ ذكر أمر الصحيفة

- ‌ ذكر نقض الصحيفة *

- ‌ ذكر المعراج *

- ‌ ذكر وفاة أبي طالب، وخديجة رضي الله عنها، وعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه على قبائل العرب *

- ‌ذكر تزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشةَ رضي الله عنها

- ‌ ذكر ابتداء أمر الأنصار *

- ‌ ذكر بيعة العقبة الأولى *

- ‌ ذكر بيعة العقبة الثانية *

- ‌ذكر الهجرة الشريفة النبوية - على صاحبها أفضلُ الصلاة والسلام

- ‌ذكر ما بين الهجرة الشريفة والتواريخ القديمة

- ‌ ذكر الحوادث في السنة الأولى من الهجرة *

- ‌ السنة الثانية من الهجرة *

- ‌ السنة الثالثة من الهجرة *

- ‌ ذكر إرسال عمرو بن أمية لقتل أبي سفيان:

- ‌ ودخلت السنة الرابعة من الهجرة *

- ‌ وفيها: كانت غزوة بدر الثانية، وتسمى - أيضًا -: غزوة السَّويق

- ‌ السنة الخامسة من الهجرة *

- ‌ السنة السادسة من الهجرة *

- ‌ ذكر قصة الإفك:

- ‌ ذكر الصلح بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وقريش:

- ‌ السنة السابعة من الهجرة *

- ‌ ذكر رسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك:

- ‌ ذكر عُمْرة القضاء:

- ‌ السنة الثامنة من الهجرة *

- ‌ ذكر إسلام عمرو بن العاص وخالد بن الوليد وعثمان بن طلحة:

- ‌ ذكر فتح مكة:

- ‌ إسلام فضالة:

- ‌ ذكر غزوة خالد بن الوليد رضي الله عنه بني جذيمة:

- ‌ ذكر غزوة هوازن بحنين:

- ‌ ذكر حصار الطائف:

- ‌ السنة التاسعة من الهجرة *

- ‌ ذكر غزوة تبوك:

- ‌ ذكر قصة كعب وصاحبيه:

- ‌ ذكر حَجِّ أبي بكر رضي الله عنه بالناس:

- ‌السنة العاشرة من الهجرة *

- ‌ ذكر حجة الوداع:

- ‌ السنة الحادية عشرة من الهجرة *

- ‌ ذكر مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ووفاته:

- ‌ فصل في ذكر صفة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ فصل في تفسير معاني الكلمات ومشكلها:

- ‌ ذكر أسمائه عليه الصلاة والسلام *

- ‌ذكر نَعْت رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة

- ‌ ذكر معجزاته صلى الله عليه وسلم

- ‌ ذكر أوصافه وأخلاقه وشمائله صلى الله عليه وسلم

- ‌ ذكر مَثَلِه ومَثَلِ الأنبياء من قبله صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر مَثَلهِ ومَثَلِ ما بُعِثَ به صلى الله عليه وسلم

- ‌ ذكر عدد غزواته صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر حجته صلى الله عليه وسلم

- ‌ ذكر أولاده صلى الله عليه وسلم

- ‌ ذكر أعمامه وعماته *

- ‌ذكر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ ذكر خدمه ومواليه صلى الله عليه وسلم

- ‌ ذكر كُتَّابه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر حرَّاسه ومن كان يضرب الأعناق بين يديه

- ‌ ذكر العشرة من الأصحاب، والحواريين وأهل الصفَّة *

- ‌ذكر سلاحه وأثاثه

- ‌ذكر خيله وحميره وإبله صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل فيمن استغاث به صلى الله عليه وسلم فأغيث في القديم والحديث

- ‌ ذكر قصة الجمل المستجير بالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ ذكر قصة رجل فقير من القراء استغاث بالنبي صلى الله عليه وسلم عند قبره:

- ‌ذكر أخبار الأسود العَنْسي، ومُسَيلمة الكذَّاب، وسَجاحِ، وطلحةَ

- ‌مجلس في فضل الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما جاء في ذلك من الثواب والتقريب ورفع الدرجات

- ‌فصل في كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الخلافة الراشدة

- ‌الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه

- ‌ ذكر نشأته:

- ‌خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه

- ‌و[أما] فضائله رضي الله عنه

- ‌ كراماته:

- ‌ فضائله رضي الله عنه

- ‌خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه

- ‌خلافة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌ ذكر مسير علي رضي الله عنه إلى البصرة:

- ‌ وقعة الجمل:

- ‌ وقعة صِفِّين:

- ‌ ذكر صفاته رضي الله عنه

- ‌ وأما فضائل علي ومناقبه كثيرة، منها:

- ‌خْلَافَةُ الحَسَن بن عَليّ بن أَبي طَلِبْ رضي الله عنهما

- ‌ومن فضائل الحسن:

- ‌[الدَّوْلَةُ الأَمَوِيَّة]

- ‌(خلفاء بنى أمية)

- ‌(خلافة الناصر لدين الله معاوية بن أبي سفيان)

- ‌(خلافة يزيدَ بنِ معاويةَ، ) ولقَّبَ نفسَه: المستنصر على أهل الزيغ

- ‌ ذكر حصار عبد الله بن الزبير:

- ‌(خلافة الراجعِ إلى الله معاوية بنِ يزيدَ بنِ معاوية رضي الله عنه

- ‌(خلافة عائذ بيت الله عبد الله بن الزبير)

- ‌(خلافة المؤتمن بالله مروان بن الحكم)

- ‌(خلافة الموفق لأمر الله عبد الملك بن مروان)

- ‌ ذكر شيء مما اتفق في أيامه:

- ‌ ذكر غير ذلك:

- ‌وفي سنة سبع وسبعين:

- ‌(خلافة المنتقم لله الوليد بن عبد الملك)

- ‌(خلافة المهدي بالله الداعي إلى الله سليمان بن عبد الملك)

- ‌ خلافة المعصوم بالله عمر بن عبد العزيز

- ‌ومن أعظم حسناته:

- ‌ خلافة القادر بصنع الله يزيدَ بنِ عبد الملك *

- ‌ خلافة المنصور هشامِ بنِ عبد الملك بنِ مروان

- ‌ خلافة الوليد بن يزيد بن عبد الملك *

- ‌خلافة الشاكر لأنعم الله يزيدَ بنِ الوليد بن عبد الملك بن مروان

- ‌ خلافة [. . . .] إبراهيم بن الوليد *

- ‌ خلافة [ .... ] مروان بن محمد *

- ‌الدَّولةُ العَبَاسيَة

- ‌ خلافة أبي العباس السفاح القائم بأمر الله *

- ‌ خلافة أبي جعفر عبد الله بن محمد بن علي المنصور *

- ‌ خلافة المهدي *

- ‌ خلافة موسى الهادي *

- ‌ خلافة هارون الرشيد *

- ‌ خلافة محمد الأمين بن هارون الرشيد *

- ‌ خلافة أمير المؤمنين المأمون بن هارون الرشيد *

- ‌ خلافة المعتصم بالله صاحب سُرَّ مَن رأى *

- ‌ خلافة الواثق بالله *

- ‌ خلافة أمير المؤمنين جعفر بن المعتصم المتوكل على الله *

- ‌خلافة المنتصر محمدِ بنِ جعفر

- ‌خلافة المعتزِّ بالله

- ‌خلافة المهتدي بالله

- ‌خلافة المعتمد على الله

- ‌خلافة المعتضد

- ‌خلافة المكتفي بالله

- ‌خلافة المقتدر بالله

- ‌خلافة القاهر بالله

- ‌خلافة الراضي بالله

- ‌خلافة المتقي لله

- ‌خلافة المستكفي بالله

- ‌خلافة المطيع لله

- ‌خلافة الطائع لله

- ‌خلافة القادر بالله

- ‌خلافة القائم بأمر الله

- ‌خلافة المقتدي بأمر الله

- ‌خلافة المستظهر بالله

- ‌خلافة المسترشد بالله

- ‌خلافة الراشد بالله

- ‌خلافة المقتفي لأمر الله

- ‌خلافة المستنجد بالله

- ‌خلافة المستضيء بأمر الله

- ‌خلافة الناصر لدين الله

- ‌خلافة الظاهر بأمر الله

- ‌خلافة المستنصر بالله

- ‌خلافة المستعصم بالله، وهو آخرهم

- ‌ذكر استيلاء التتر على بغداد، وانقراض الدولة العباسية

الفصل: ‌ذكر أخبار الأسود العنسي، ومسيلمة الكذاب، وسجاح، وطلحة

وكل ذلك ببركة الاستغاثة برسول الله صلى الله عليه وسلم (1).

وقال إبراهيمُ بنُ طريف: سمعت أبي يقول: ظهرتْ لي لُمعةُ برص في كتفي، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، فقلت: يا رسول الله! ألا ترى ما حلَّ بي؟ فمسح بيده على كتفي، فانتبهتُ وقد ذهب البرصُ عني.

* * *

‌ذكر أخبار الأسود العَنْسي، ومُسَيلمة الكذَّاب، وسَجاحِ، وطلحةَ

* أما الأسود، فاسمه عَبْهَلَة بنُ كعب، ويقال له: ذو الخِمار، وكان يُشَعْبِذ لقومه، ويُري الجهّال الأعاجيب، وَيسبي بمنطقه قلبَ من يسمعه، وقيل له: ذو الخِمار؛ لأنه كان يقول: يأتيني ذو خمار، وهو ممن ارتدَّ وتنبأ من الكذابين، وكاتَبَه أهلُ نجران، وكان هناك من المسلمين عمرُو ابنُ حَزْم، وخالد بنُ سعيد بن العاص، فأخرجهما أهلُ نجران، وسلَّموهما إلى الأسود، ثم سار الأسود من نجران إلى صنعاء، فملَكَها، وصفا له

(1) الاستغاثة بالميت أو الغائب وسؤاله - نبيًا كان أو غيره - لم يرد عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وما يروى في هذا الباب من الأحاديث والآثار لا ترقى إلى درجات الصحة المقبولة التي يسوغ الاحتجاج بها؛ كهذه الآثار التي ذكرها المؤلف، وقد كره العلماء كمالك رحمه الله وغيره أن يقوم الرجل عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم يدعو لنفسه، وكذا كرهوا أن تقصد قبور الأنبياء وغيرهم للدعاء والصلاة عندها، والله أعلم.

ص: 225

ملكُ اليمن، واستفحلَ أمرهُ، وجعل يستطير استطارةَ الحريق، وكان خليفته في مذحِج عمرُو بنُ مَعْد يكرب.

فلما بلغ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ذلك، أرسل إلى نفر من أهل اليمن: أن يحاولوا الأسود، إما غِيلةً، أو مصادمة، وأمرهم أن يستنجدوا رجالًا سماهم لهم، وأرسل إلى أولئك النفر أن يُنجدوهم، فاجتمعوا بامرأة الأسود، وكان الأسود قد قتل أباها، فقالت: والله! إنه أبغضُ الناس إليَّ، ولكن الحرس محيطون بقصره، فانقِبوا عليه البيت، فنَقَبوا، ودخلوا إليه، وخالطوه فقتلوه، واحتزُّوا رأسه، فخار كخُوار الثور، فابتدرت الحرس الباب، فقالوا: ما هذا؟ فقالت زوجته: النبي يوحى إليه، وكان الشيطان قبل ذلك يأتي إليه، فيوسوس له، فيغطُّ، ويعمل بما قال، فلما طلع الفجر، أمروا بالمؤذن، فقال: أشهد أن محمدًا رسول الله، وأن عبهلَة كذاب.

وأرسل أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه بخبر الأسود، فسبق خبرُ السماء إليه، فأخبر الناسَ بذلك، وذلك قبل وفاته عليه الصلاة والسلام بقليل، ووصل الكتاب بقتل الأسود في خلافة أبي بكر رضي الله عنه، فكان كما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان قتله قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بيوم وليلة، وكان من أول خروج الأسود إلى قتله أربعة أشهر.

* ذكر أخبار مسيلمة: وقد ذكرنا أنه قَدِمَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد بني حنيفة، فلما عاد الوفد، ارتدَّ، وكان فيه دهاء، فكذب لهم، وادعى النبوَّة، وتسمَّى: رحمان اليمامة، وخاف أن لا يتم له مرادُه،

ص: 226

فقال: إن محمدًا قد أشرَكَني معه، وجعل يسجَعُ لقومه، ويضاهي القرآن، فمن قوله: لقد أنعم الله على الحبلى، أخرج منها نسمة تسعى، من بين صِفاقٍ وحَشَا.

ومن قوله: سبح اسم ربك الأعلى، الذي يسر على الحبلى، فأخرج منها نسمة تسعى، من بين أضلاع وحَشَا، يا ضفدعَةُ بنتَ الضفدعين، نِقِّي فجاد ما تنقين، وسجي، فحسن ما تسجين، إلا الماء تكدرين، وإلا الشاربَ تمنعين، والليلِ الأسحم، والدبِّ الأدلم، والجدع الأزلم، ما انتهكت أسيدٌ من مَحْرَم.

ومنه: والليلِ الدامس، والذيب الهامس، ما قطعت أُسيد من رَطْب ولا يابس.

وكان يقصد بذلك نصرة أسيد على خصومهم.

ومنه: والشاة وألوانها، وأعجبها السودان وألبانها، والشاة السوداء، واللبن الأبيض، وإنه لعجب محض، وقد حرم المذق، ما لكم لا تمجعون.

وكان يقول: والمبذرات زرعًا، والحاصدات حصدًا، والذاريات قمحًا، والطاحنات طحنًا، والخابزات خبزًا، والثاردات ثردًا، واللاقمات لقمًا، لحما وسمنًا، لقد فُضِّلتم على أهل الوبر، وما سبقكم أهل المدر.

وكان صاحب نيروجات، ويقال: إنه أولُ من أدخلَ البيضةَ في القارورة، وأول من وصل جناحَ الطير المقصوص.

ص: 227

وجاءته امرأة، فقالت: ادعُ الله لنخلِنا ولمائنا؛ فإن محمدًا دعا للقوم، فجاشت آبارهم، قال: كيف صنع؟ قالت: دعا بإناء فيه ماء، فتمضمض، ومجه فيه، فأفرغوه في تلك الآبار، فعمت، ففعل هو كذلك، فغارت تلك المياه.

وقال له رجل: بارك على ولدي؛ فإن محمدًا يبارك على أولاد أصحابه، فلم يؤتَ بصبيٍّ مسح على رأسه، وحنّكه، إلا قرع ولثغ.

وتوضأ في حائط، وصب ماء وضوئه فيه، فلم ينبت.

وكانوا إذا سمعوا سجعه، قالوا: نشهد أنك نبي.

ثم وضع عنهم الصلاة، وأحلَّ لهم الخمر والزنا، ونحو ذلك، فتبعه بنو حنيفة إلا القليل.

وكتب مسيلمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مسيلمةَ رسولِ الله إلى محمد رسولِ الله، أما بعد: فإن لنا نصفَ الأرض، ولقريشٍ نصف الأرض، ولكن قريشًا قوم يعتدون.

وبعث الكتاب مع رجلين: عبد الله بن النوَّاحة، وحِجْر بن عُمير، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أتشهدا أني رسولُ الله؟ "، قالا: نعم، قال:"أتشْهَدا أنَّ مسيلمةَ رسولُ الله؟ "، قالا: نعم، إنه قد أُشْرِكَ معك، قال:"لولا أنَّ الرسولَ لا يُقتل، لَضربْتُ أعناقَكُما"(1).

ثم كتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من محمدٍ رسولِ الله إلى مسيلمةَ

(1) رواه أبو داود (2761)، عن نعيم بن مسعود الأشجعي.

ص: 228

الكذَّاب، أَمَّا بعدُ: فإِنَّ الأرضَ للهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ من عبادِه، والعاقبةُ للمتَّقين" (1)، وقد أهلكتَ اليمامةَ - أبادَكَ اللهُ ومن ضربَ معكَ -.

وقُتِل مسيلمةُ الكذابُ في أيام أبي بكر رضي الله عنه، وكان أبو بكر قد أرسل لقتاله جيشًا، وقدّم عليهم خالدَ بنَ الوليد، فقتله وَحْشِيٌّ بالحربة التي قتلَ بها حمزةَ عمَّ النبي صلى الله عليه وسلم، وشاركَه في قتله رجل من الأنصار.

وكان مقام مسيلمةَ باليمامة.

وقُتِل من المسلمين جماعة من القراء من المهاجرين والأنصار.

ولما رأى أبو بكر رضي الله عنه كثرةَ من قُتِل، أمرَ بجمع القرآن من أفواه الرجال، وجريد النخل، والجلود، وترك ذلك المكتوبَ عندَ حفصةَ بنتِ عمر زوج النبي صلى الله عليه وسلم.

ولما تولى عثمان رضي الله عنه، ورأى اختلافَ الناس في القرآن، كتب من ذلك المكتوب الذي كان عند حفصة نسخًا، وأرسلها إلى الأمصار، وأبطل ما سواها - والله أعلم -.

* ذِكرُ سَجاحِ بنتِ الحارثِ بن سويدٍ التميميةِ: كانت قد تنبأت في الرِّدَّة بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجزيرة في بني تغلب، فاستجاب لها هذيل، وجماعة، واتبعها بنو تميم، وأخوالها من تغلب، وغيرهم من بني ربيعة، فقصدت قتال أبي بكر رضي الله عنه، فراسلت مالك بن نُوَيرة،

(1) انظر: "تاريخ الطبري"(2/ 203 - 204)، و"دلائل النبوة" للبيهقي (5/ 331).

ص: 229

ودعته إلى الموادعة، فأجابها، ومنعها من قصد أبي بكر، وحملَها على أحياء من بني تميم، فأجابت، وقالت: أعدوا الركاب، واستعدوا للنهاب، ثم أغيروا على الرباب، فليس دونهم حجاب، فذهبوا، فكانت بينهم مقتلة، ثم ذهبت إلى اليمامة، فهابها مسيلمة، وخاف أن يتشاغل بحربها، فيغلبه ثُمامةُ بنُ أثال عاملُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأهدى لها هدية، واستأمنها، وقال لأصحابه: اضربوا لها قبة، وخمروها بالطيب، لعلها تذكر الباه، ففعلوا، فلما أتته، قالت له: اعرضْ لي ما عندك، فقال: إني أريد أن أخلو معك حتى نتدارسَ، فلما خلت معه، قالت له: اقرأْ عليَّ ما يأتيك به جبريل، فقال: ألم تر إلى ربك كيف فعل بالحبلى، أخرج منها نسمة تسعى، من بين صفاق وحَشَا، فقالت: وما أنزل عليك أيضًا؟ قال: ألم تر أن الله خلق النساء أفراجًا، وجعل الرجال لهن أزواجًا، فنولج لهن إيلاجًا، ثم نخرج ما شئنا إخراجا، فينتجن لنا إنتاجًا.

قالت: صدقت، إنك نبي، فقال لها: هل لك أن أتزوجك، فيقال: نبي تزوج نبية، فقالت: نعم، فقال لها:

أَلَا قُومِي إِلَى النَّيْكِ

فَقَدْ هُيِّي لَكِ المَضْجَعْ

فَإِنْ شِئْتِ فَفِي البَيْتِ

وَإِنْ شِئْتِ فَفِي المَخْدع

فَإِنْ شِئْتِ فَمُلْقاةً

وَإِنْ شِئْتِ عَلَى أَرْبَعْ

وإنْ شِئْتِ بِثُلْثَيْهِ

وَإِنْ شِئْتِ بِهِ أَجْمَعْ

ص: 230

فقالت: بل به أجمع، يا رسول الله؛ فإنه للشمل أجمع.

فقال: بذلك أوحي إلى.

فأقامت معه ثلاثًا، ثم خرجت إلى قومها، فقالت: إني قد سألته، فوجدت نبوته حقًا، وإني تزوجته، فقالوا: مثلك لا يتزوج بغير مهر، فقال مسيلمة: مهرها أني قد رفعتُ عنكم صلاة الفجر والعتمة.

ولم تزل سجاح في أخوالها من تغلب، حتى نفاهم معاوية عامًا بريع فيه، فأسلمت سجاحِ، وحَسُن إسلامها، وانتقلت إلى البصرة، وماتت بها - والله أعلم -.

* ذكر طليحة بن خويلد: فإنه ادعى النبوة، وتبعه جماعة، وقوي أمره.

ومن كلامه: والحمام واليمام، والصرد الصوَّام، قد صمن قبلكم [بـ]ـأعوام، وليبلغن ملكنا العراق والشام.

وقاتله خالد بن الوليد في الردَّة، ثم أسلم، وخرج نحو مكة معتمرًا في خلافة أبي بكر رضي الله عنه، فمر بجنبات المدينة، فقيل لأبي بكر: هذا طليحة، فقال: ما أصنع به؟ خلُّوا عنه؛ فقد أسلم، وصحَّ إسلامه، وقاتلَ في الفتوحات، فقُتل يوم نهاوند.

ووقعت نهاوند مع الأعجام في سنة إحدى وعشرين في خلافة عمر رضي الله عنه.

* * *

ص: 231