الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشافعي رضي الله عنه في سنة أربع ومئتين، وله أربع وخمسون سنة، ومات طاهر ابن الحسين، والواقدي، والأصمعي في سنة عشر ومئتين، وتوفي أبو العتاهية، وتوفيت زُبيدة زوجة الرشيد، وكانت معروفة بأفعال الخير والإفضال على العلماء والفقراء، ولها آثار كثيرة في طريق الحجاز، وحجَّت، فبلغت نفقتها أربعة وخمسين ألف ألف دينار.
ولزبيدةَ جماعةُ محارمَ من الخلفاء: المنصورُ جدُّها، والمهدي عمُّها، والرشيد زوجُها، والأمينُ ابنها، والمأمون والمعتصم ولدا زوجِها، والواثق والمتوكل ابنا زوجها.
وكان المأمون حسن الأخلاق، كثير العفو، يحب العفو ويؤثره، ولما غزا المأمون بلد الروم، وعاد، نزل بعين العشيرة، فأعجبه ماءَها من برد وصفاء، فطاب له الموضع؛ لكثرة خضرته، وحسن بهجته، فأقام هناك، ثم إنه احتُضر، ومات هناك، لثمان عشرة ليلة خلون من رجب، سنة ثماني عشرة ومئتين، وسنُّه ثمانِ وأربعون، ودُفن بطرسوس، فكانت خلافته عشرين سنة، وخمسة أشهر، وأيامًا.
والحمد لله وحدَه، وصلَّى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلَّم.
* * *
*
خلافة المعتصم بالله صاحب سُرَّ مَن رأى *
هو أبو إسحاق، محمدُ بنُ هارونَ الرشيد، وأمُّه ماردةُ مولَّدَةٌ كوفية.
وكان أبيض اللون، حسن الوجه، مربوعًا، طويل اللحية، شديد البدن، يحمل ألف رطل، ويمشي بها خطوات.
بويع له يوم مات المأمون أخوه، وكان بطرسوس، ثم قدم إلى بغداد، غُرَّة شهر رمضان، سنة ثماني عشرة ومئتين.
وكان شجاعًا، مقدامًا، فارسًا، بطلًا، صنديدًا، وكان أميا لا يقرأ ولا يكتب.
وفتح عَمُّوريَّة في شهر رمضان، سنة ثلاث وعشرين ومئتين، لما بلغه أن الروم خرجت، فنزلت زِبَطْرَةَ، فتوجَّه المعتصم إليهم بنفسه، وفتحها، وقتل ثلاثين ألفًا، وأسر ثلاثين ألفًا.
وكان بلغَه أن صاحب عمورية أسرَ امرأة من المسلمين هاشميةً، فنادت: وامعتصماه! فقال ملك عمورية: ما يأتيك المعتصم إلا على أبلق، فلما بلغ المعتصمَ ذلك، سار إليها في سبعين ألف أبلق، فلما فتحها، ودخل من بابها، نادى: لبيكِ أيتها المنادية، فقَتَلَ من قتَل، وأسَرَ من أَسَر.
ومن كرمه: أنه أقطع شاعرًا مدينةَ الموصل، وهذا شيء لم يتقدمه فيه أحد من الأوائل، وبنى المعتصم مدينة سُرَّ مَنْ رأى، أنفق على جامعها خمس مئة ألف دينار، وانتقل إليها، وجعلها مقر خلافته، وسميت بهذا الاسم؛ لأنه لما انتقل إليها بأهله وعساكره، سُرَّ كلُّ واحد منهم برؤيتها.
وكان السبب في بنائها: شكوى العامة إليه الجند من النزول عليهم
في مساكنهم، وتولعهم بحَرَم الناس وأولادهم، فبُنيت في أسرع وقت، وارتحل من بغداد إليها.
واتسع ملك المعتصم جدًا، حتى صار له سبعون ألفَ مملوك سوى الأحرار، ومن الخيل ما لا يحصى.
وهو الذي امتحنَ الإمامَ أحمدَ بن حنبل رضي الله عنه في القول بخلق القرآن، فقال له الإمام أحمد: أنا رجل علمت علمًا، ولم أعلم فيه هذا، فأحضر له الفقهاء والقضاة، فناظروه، فامتنع من أن يقول بقولهم، فضربه المعتصم، وحبسه.
وكان مدة حبسه ثمانية وعشرين شهرًا، وبقي إلى أن مات المعتصم، فلما ولي الواثق، أَمَرَهُ أن لا يخرج من بيته، إلى أن أخرجه المتوكل، وأحسن إليه.
وكانت محنة الإمام أحمد رضي الله عنه في سنة ثمان عشرة ومئتين.
وكان من وزراء المعتصم: محمد بن عبد الملك الزيات، ثم كان وزيرَ الواثق بعده، ثم إن المتوكل غضب عليه، وقتله، وكان سبب وزارته: أنه ورد على المعتصم كتابٌ من بعض العمال، وفيه ذكر الكلأ، فقرأه الوزير أحمدُ بن عمار على المعتصم، فقال له: ما الكلأ؟ قال: لا أعلم، فقال المعتصم: لا حول ولا قوة إلا بالله، خليفةٌ أُميٌّ، ووزير عاميٌّ، انظروا مَنْ بالباب، فوجدوا ابنَ الزيات، فأدخلوه إليه، فقال له: ما الكلأ؟ قال: العشب على الإطلاق، فإن كان رطبًا، فهو كلأ، وإن كان يابسًا،
فهو حشيش، وشرعَ في تقسيم أنواع النبات، فعلم المعتصم فضلَه، فاستوزره، وحكم وبسط يده، وأمر أن لا يمرَّ بأحد إلا يقوم له، وكان القاضي أحمد بن أبي دُؤاد أرصدَ له غلامًا، إذا رآه مقبلًا، أعلمه، فيقوم يصلي حتى يجوزه ابنُ الزيات، فأنشد ابن الزيات:
صَلَّى الضُّحَى لَمَّا اسْتَفَادَ عَدَاوَتِي
…
وَأَرَاهُ يَنْسُكُ بَعْدَهَا وَيَصُومُ
لَا تَعْدَمَنَّ عَدَاوَةً مَسْمُومَةً
…
تَرَكَتْكَ تَقْعُدُ تَارَةً وَتَقُومُ
وكان ابنُ الزيات يقول بخلق القرآن.
وكان يقال للمعتصم: الخليفة المثمّن، وذلك أن الله - جلَّ وعلا - وفَّق له كلَّ شيء في العدد، فأولها: أنه الخليفة الثامن من ولد العباس، وولي سنة ثمان عشرة، ومبلغُ ولايته ثمان سنين وثمانية أشهر، وثمانية أيام، ومولده سنة ثمان وسبعين، وغزا ثمان غزوات، وسنه ثمان وأربعون سنة، وخلف من المال ثمانية آلاف ألف درهم، ومثلها دنانير، وكانت أولاده يوم توفي ثمانية من الذكور، وثمانية من الإناث.
وقالوا: كان الثامنَ من ولد الرشيد، وتوفي وله ثمان وأربعون سنة، وهو أولُ من أُضيف إلى لقبه اسمُ الله تعالى من الخلفاء.
وفي أيامه زلزلت فرغانة، فمات بها أكثر من خمسةَ عشرَ ألفًا، ورجفت الأهوازُ رجفة عظيمةً تصدَّعت منها الجبال، وهرب أهل البلد