المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ذكر أوصافه وأخلاقه وشمائله صلى الله عليه وسلم - التاريخ المعتبر في أنباء من غبر - جـ ١

[مجير الدين العليمي]

فهرس الكتاب

- ‌قَصَصُ الأنْبِياءِ وَالأُممِ السَّابِقَةِ

- ‌(1 - ذكر آدم عليه السلام

- ‌2 - ذكر نوح عليه السلام

- ‌(3 - ذكر هود وصالح عليهما السلام

- ‌(4 - ذكر إبراهيم الخليل صلوات الله وسلامه عليه)

- ‌5 - ذكر لوط عليه السلام

- ‌6 - ذكر إسماعيل عليه السلام

- ‌7 - ذكر إسحاق عليه السلام

- ‌8 - ذكر أيوب عليه السلام

- ‌9 - ذكر يوسف عليه السلام

- ‌10 - ذكر شعيب عليه السلام

- ‌11 - ذكر موسى عليه السلام

- ‌12 - ذكر يوشع عليه السلام

- ‌13 - شَمْويل النبي عليه السلام

- ‌14 - داود عليه السلام

- ‌15 - سليمان عليه السلام

- ‌16 - بُخْتَنَصَّر

- ‌17 - ذكر يونس بن مَتَّى عليه السلام

- ‌18 - ذكر أرمياء عليه السلام

- ‌19 - ذكر زكريا وابنه يحيى عليهما السلام

- ‌20 - ذكر عيسى بن مريم عليه السلام

- ‌21 - ذكر خراب بيت المقدس

- ‌22 - ذكر أُمَّة اليهود

- ‌23 - ذكري أُمَّة النصارى

- ‌24 - ذكر أمم الهند

- ‌25 - ذكر أُمَّة السِّنْد

- ‌26 - ذكر أُمم السودان

- ‌27 - ذكر أمم الصين

- ‌28 - ذكر بني كنعان

- ‌29 - ذكر البربر

- ‌30 - ذكر العمالقة

- ‌31 - ذكر أمم العرب وأحوالهم قبل الإسلام

- ‌32 - ذكر بني حِمْيَرِ بن سبأ

- ‌33 - ذكر بني كهلان بن سبأ

- ‌34 - قصة الفيل

- ‌35 - ذكر التاريخ الإسلامي

- ‌السيرة النبوية الشريفة

- ‌ذكر سيد الأولين والآخرين وخاتم الأنبياء والمرسلين وحبيب ربِّ العالمين محمدٍ البشير النذير، الداعي إلى الله بإذنه السراج المنير

- ‌ذكر أسمائه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر رضاع النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ ذكر مبعثه صلى الله عليه وسلم وابتداء الوحي *

- ‌ ذكر رمي الشياطين بالشهب لمبعثه *

- ‌ ذكر الاختلاف في أول من أسلم *

- ‌ ذكري أمر الله تعالى نبيه بإظهار دعوته *

- ‌ ذكر تعذيب المستضعفين من المسلمين *

- ‌ ذكر المستهزئين، ومن كان شديد الأذى للنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ ذكر إسلام حمزة *

- ‌ ذكر إسلام عمر بن الخطاب *

- ‌ ذكر الهجرة إلى أرض الحبشة *

- ‌ ذكر أمر الصحيفة

- ‌ ذكر نقض الصحيفة *

- ‌ ذكر المعراج *

- ‌ ذكر وفاة أبي طالب، وخديجة رضي الله عنها، وعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه على قبائل العرب *

- ‌ذكر تزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشةَ رضي الله عنها

- ‌ ذكر ابتداء أمر الأنصار *

- ‌ ذكر بيعة العقبة الأولى *

- ‌ ذكر بيعة العقبة الثانية *

- ‌ذكر الهجرة الشريفة النبوية - على صاحبها أفضلُ الصلاة والسلام

- ‌ذكر ما بين الهجرة الشريفة والتواريخ القديمة

- ‌ ذكر الحوادث في السنة الأولى من الهجرة *

- ‌ السنة الثانية من الهجرة *

- ‌ السنة الثالثة من الهجرة *

- ‌ ذكر إرسال عمرو بن أمية لقتل أبي سفيان:

- ‌ ودخلت السنة الرابعة من الهجرة *

- ‌ وفيها: كانت غزوة بدر الثانية، وتسمى - أيضًا -: غزوة السَّويق

- ‌ السنة الخامسة من الهجرة *

- ‌ السنة السادسة من الهجرة *

- ‌ ذكر قصة الإفك:

- ‌ ذكر الصلح بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وقريش:

- ‌ السنة السابعة من الهجرة *

- ‌ ذكر رسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك:

- ‌ ذكر عُمْرة القضاء:

- ‌ السنة الثامنة من الهجرة *

- ‌ ذكر إسلام عمرو بن العاص وخالد بن الوليد وعثمان بن طلحة:

- ‌ ذكر فتح مكة:

- ‌ إسلام فضالة:

- ‌ ذكر غزوة خالد بن الوليد رضي الله عنه بني جذيمة:

- ‌ ذكر غزوة هوازن بحنين:

- ‌ ذكر حصار الطائف:

- ‌ السنة التاسعة من الهجرة *

- ‌ ذكر غزوة تبوك:

- ‌ ذكر قصة كعب وصاحبيه:

- ‌ ذكر حَجِّ أبي بكر رضي الله عنه بالناس:

- ‌السنة العاشرة من الهجرة *

- ‌ ذكر حجة الوداع:

- ‌ السنة الحادية عشرة من الهجرة *

- ‌ ذكر مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ووفاته:

- ‌ فصل في ذكر صفة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ فصل في تفسير معاني الكلمات ومشكلها:

- ‌ ذكر أسمائه عليه الصلاة والسلام *

- ‌ذكر نَعْت رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة

- ‌ ذكر معجزاته صلى الله عليه وسلم

- ‌ ذكر أوصافه وأخلاقه وشمائله صلى الله عليه وسلم

- ‌ ذكر مَثَلِه ومَثَلِ الأنبياء من قبله صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر مَثَلهِ ومَثَلِ ما بُعِثَ به صلى الله عليه وسلم

- ‌ ذكر عدد غزواته صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر حجته صلى الله عليه وسلم

- ‌ ذكر أولاده صلى الله عليه وسلم

- ‌ ذكر أعمامه وعماته *

- ‌ذكر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ ذكر خدمه ومواليه صلى الله عليه وسلم

- ‌ ذكر كُتَّابه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر حرَّاسه ومن كان يضرب الأعناق بين يديه

- ‌ ذكر العشرة من الأصحاب، والحواريين وأهل الصفَّة *

- ‌ذكر سلاحه وأثاثه

- ‌ذكر خيله وحميره وإبله صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل فيمن استغاث به صلى الله عليه وسلم فأغيث في القديم والحديث

- ‌ ذكر قصة الجمل المستجير بالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ ذكر قصة رجل فقير من القراء استغاث بالنبي صلى الله عليه وسلم عند قبره:

- ‌ذكر أخبار الأسود العَنْسي، ومُسَيلمة الكذَّاب، وسَجاحِ، وطلحةَ

- ‌مجلس في فضل الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما جاء في ذلك من الثواب والتقريب ورفع الدرجات

- ‌فصل في كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الخلافة الراشدة

- ‌الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه

- ‌ ذكر نشأته:

- ‌خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه

- ‌و[أما] فضائله رضي الله عنه

- ‌ كراماته:

- ‌ فضائله رضي الله عنه

- ‌خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه

- ‌خلافة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌ ذكر مسير علي رضي الله عنه إلى البصرة:

- ‌ وقعة الجمل:

- ‌ وقعة صِفِّين:

- ‌ ذكر صفاته رضي الله عنه

- ‌ وأما فضائل علي ومناقبه كثيرة، منها:

- ‌خْلَافَةُ الحَسَن بن عَليّ بن أَبي طَلِبْ رضي الله عنهما

- ‌ومن فضائل الحسن:

- ‌[الدَّوْلَةُ الأَمَوِيَّة]

- ‌(خلفاء بنى أمية)

- ‌(خلافة الناصر لدين الله معاوية بن أبي سفيان)

- ‌(خلافة يزيدَ بنِ معاويةَ، ) ولقَّبَ نفسَه: المستنصر على أهل الزيغ

- ‌ ذكر حصار عبد الله بن الزبير:

- ‌(خلافة الراجعِ إلى الله معاوية بنِ يزيدَ بنِ معاوية رضي الله عنه

- ‌(خلافة عائذ بيت الله عبد الله بن الزبير)

- ‌(خلافة المؤتمن بالله مروان بن الحكم)

- ‌(خلافة الموفق لأمر الله عبد الملك بن مروان)

- ‌ ذكر شيء مما اتفق في أيامه:

- ‌ ذكر غير ذلك:

- ‌وفي سنة سبع وسبعين:

- ‌(خلافة المنتقم لله الوليد بن عبد الملك)

- ‌(خلافة المهدي بالله الداعي إلى الله سليمان بن عبد الملك)

- ‌ خلافة المعصوم بالله عمر بن عبد العزيز

- ‌ومن أعظم حسناته:

- ‌ خلافة القادر بصنع الله يزيدَ بنِ عبد الملك *

- ‌ خلافة المنصور هشامِ بنِ عبد الملك بنِ مروان

- ‌ خلافة الوليد بن يزيد بن عبد الملك *

- ‌خلافة الشاكر لأنعم الله يزيدَ بنِ الوليد بن عبد الملك بن مروان

- ‌ خلافة [. . . .] إبراهيم بن الوليد *

- ‌ خلافة [ .... ] مروان بن محمد *

- ‌الدَّولةُ العَبَاسيَة

- ‌ خلافة أبي العباس السفاح القائم بأمر الله *

- ‌ خلافة أبي جعفر عبد الله بن محمد بن علي المنصور *

- ‌ خلافة المهدي *

- ‌ خلافة موسى الهادي *

- ‌ خلافة هارون الرشيد *

- ‌ خلافة محمد الأمين بن هارون الرشيد *

- ‌ خلافة أمير المؤمنين المأمون بن هارون الرشيد *

- ‌ خلافة المعتصم بالله صاحب سُرَّ مَن رأى *

- ‌ خلافة الواثق بالله *

- ‌ خلافة أمير المؤمنين جعفر بن المعتصم المتوكل على الله *

- ‌خلافة المنتصر محمدِ بنِ جعفر

- ‌خلافة المعتزِّ بالله

- ‌خلافة المهتدي بالله

- ‌خلافة المعتمد على الله

- ‌خلافة المعتضد

- ‌خلافة المكتفي بالله

- ‌خلافة المقتدر بالله

- ‌خلافة القاهر بالله

- ‌خلافة الراضي بالله

- ‌خلافة المتقي لله

- ‌خلافة المستكفي بالله

- ‌خلافة المطيع لله

- ‌خلافة الطائع لله

- ‌خلافة القادر بالله

- ‌خلافة القائم بأمر الله

- ‌خلافة المقتدي بأمر الله

- ‌خلافة المستظهر بالله

- ‌خلافة المسترشد بالله

- ‌خلافة الراشد بالله

- ‌خلافة المقتفي لأمر الله

- ‌خلافة المستنجد بالله

- ‌خلافة المستضيء بأمر الله

- ‌خلافة الناصر لدين الله

- ‌خلافة الظاهر بأمر الله

- ‌خلافة المستنصر بالله

- ‌خلافة المستعصم بالله، وهو آخرهم

- ‌ذكر استيلاء التتر على بغداد، وانقراض الدولة العباسية

الفصل: ‌ ذكر أوصافه وأخلاقه وشمائله صلى الله عليه وسلم

وهذا الباب أكثرُ من أن يُحاط به.

* ومنها: إخبارُه بمصارع المشركين، فلم يَعْدُ أحدًا منهم مصرعُه، وإخبارُه قريش عن بيت المقدس، ووصفه لهم.

* ومنها: أن الملأ من قريش تعاقدوا على قتله، فخرج عليهم، فخفضوا أبصارهم، فأقبل حتى قام على رؤوسهم، فقبض قبضة من تراب، وقال:"شاهَتِ الوُجُوهُ"، وحَصَبَهم بها، فما أصاب رجلًا منهم شيء من ذلك الحصا، إلا قتل يوم بدر (1).

وبالجملة: فمعجزاته صلى الله عليه وسلم لا تُحصى، ولا يحاط بها، ولا يُستقصى، ومن ذا يحيط بالبحر الزخار، ولو أجهدَ نفسَه آناءَ الليل وأطرافَ النهار؟ ! زاده الله شرفًا، وغفر لنا ببركته وعفا.

* * *

*‌

‌ ذكر أوصافه وأخلاقه وشمائله صلى الله عليه وسلم

- *

قال الله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4].

قالت عائشة رضي الله عنها: كان خُلُقُه القرآن (2)، يغضب لغضبه،

(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(1/ 303)، وابن حبان في "صحيحه"(6502)، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.

(2)

رواه الإمام أحمد في "المسند"(6/ 91)، والطبراني في "المعجم الأوسط"(72).

ص: 196

ويرضى لرضاه - يعني: التأدب بآدابه، والتخلق بمحاسنه، والالتزام لأوامره وزواجره -، فهو صلى الله عليه وسلم لا ينتقم لنفسه، ولا يغضب لها، إلا أن تُنتهك حُرْمَةُ من حرمات الله، فيكون لله ينتقم.

وكان أحسنَ الناس خُلُقًا، وأرجحَهم حلمًا، ولما كُسرت رَباعِيَتُه، وشُجَّ وجهُه يوم أحد، شقَّ ذلك على أصحابه، وقالوا: لو دعوتَ عليهم، فقال:"إني لم أُبعث لَعّانًا، ولكني بُعِثْت دَاعِيًا ورَحْمَةً، اللَّهُمَّ اهْدِ قَوْمِي فَإِنَّهُمْ لا يَعْلَمُوَن"(1).

وكان أعظم الناس عفوًا، ولقد عفا عن اليهودية التي سمَّته بعد اعترافها على الصحيح.

وكان أسخى الناس كفًا، لا يبيت عنده دينار ولا درهم، لا يُسأل شيئًا إلا أعطاه.

وكان أشجع الناس، وكان أشد حياء من العذراء في خدرها، وإذا كره شيئًا، عُرف في وجهه، وإذا بلغه عن أحد ما يكرهه، لم يقل: ما بال فلان يقول: كذا وكذا؟ ولكن يقول: "ما بالُ أقوامٍ يصنَعون أو يقولون كذا؟ "، ينهى عنه، ولا يسمى فاعله.

ولم يكن فاحشًا ولا متفحِّشًا، ولا صَخَّابا في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح.

(1) رواه مسلم (2599)، عن أبي هريرة صلى الله عليه وسلم مختصرًا.

ص: 197

وكان أوسعَ الناس صدرًا، وأصدَقَهم لهجة، وألينَهم عريكة، وأكرمَهم عِشْرة.

وكان يخصف النعل، ويرقع الثوب، ويخدم في مهنة أهله، ويجيب الدعوة، ويقبل الهدية، ويكافح عليها، ويأكلها، ولا يأكل الصدقة.

وكان يعصب الحجر على بطنه من الجوع، يأكل ما حضر، ولا يأكل متكئًا، ولا على خِوان، منديله باطن قدميه، لم يشبع من خبزِ بُرٍّ ثلاثة أيام متوالية حتى لقي الله تعالى، يجيب الوليمة، ويعود المرضى، ويشهد الجنائز، متواضعًا، خاتمه يلبسه في خنصره الأيمن، وربما لبسه في الأيسر، يُرْدِف خلفه عبدَه، أو غيره، يركب ما أمكنه، ومرة يمشي حافيًا، يمزح ولا يقول إلا حقًا.

وقالت عائشة رضي الله عنها: سابقتُه فسبقتُه، فلما كثر لحمي، سابقتُه فسبقني، ثم ضرب كتفي، وقال:"هَذِهِ بِتِلْكَ"(1).

وكان صلى الله عليه وسلم يضحك من غير قهقهة، يرى اللعب المباح ولا يُنكره، وهو أُميٌّ لا يقرأ ولا يكتب، وإذا سئل الدعاء على أحد: مسلمٍ أو كافر، أو خاصٍّ أو عام، عدلَ عن الدعاء عليه، ودعا له، وما خُيِّر بين شيئين إلا اختار أيسرَهما، إلا أن يكون فيه إثم، أو قطيعةُ رحم، فيكون أبعدَ الناس من ذلك، مولده بمكة، ومهاجره بطيبة، وملكُه بالشام.

وكان من خُلُقِه عليه الصلاة والسلام: أن يبدأ من لَقِيَه بالسلام،

(1) رواه أبو داود (2578)، والنسائي في "السنن الكبرى"(4691).

ص: 198

ومن فاوضَه لحاجة صابَرَهُ حتى يكون هو المنصرفَ.

ولا يجلس إليه أحد وهو يصلي، إلا خفف صلاته، وأقبل عليه، وقال:"ألكَ حاجةٌ؟ "، فإذا فرغ من حاجته، عاد إلى صلاته.

يُكرِم من يدخل عليه، وُيؤثر الداخلَ عليه بالوسادة، حتى التي تكون تحته، فإن أبى أن يقبلها، عَزَم عليه حتى يفعل.

وما استصغاه أحد، إلا ظن أنه أكرمُ الناس عليه، حتى يعطي كلَّ من جلس إليه نصيبه من وجهه.

أرأفُ الناسِ، وخيرُهم، لا تُرفَع في مجلسه الأصوات، إذا قام من مجلسه، قال:"سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أشهدُ أن لا إلهَ إلا أنت، أَستغفرُكَ وأتوبُ إليك"(1).

طويل السكوت، لا يتكلم في غير حاجة، ويعظُ بالجدِّ والنصيحة، ويقول:"لا تَضْرِبوا القرآنَ بعضَه ببعضٍ، فإنه أُنزلَ على وجوه"(2).

وإذا نزل به الأمر، فوّض وتبرأ من الحول والقوة.

وأَحبُّ الطعام إليه ما كثرت عليه الأيدي، وإذا وضعت المائدة،

(1) رواه أبو داود (4860) عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه، والترمذي (3433)، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(2)

قال العراقي في "تخريج أحاديث الإحياء"(1/ 639): رواه الطبراني من حديث عبد الله بن عمرو بإسناد حسن.

ص: 199

قال: "بسم الله، اللهمَّ اجعلْها نعمةً مشكورةً نَصِلُ بها نعيمَ الجنة"(1).

وإذا جلس يأكل، جَمَع بين ركبتيه وبين قدميه كما يصلي المصلي، إلا أن الركبة تكون فوق الركبة، والقدم فوق القدم، ويقول:"إنما أَنا عبدٌ آكُلُ كما يأكلُ العبد، وأجلسُ كما يجلسُ العبد"(2).

ولا يأكلُ الحار، ويقول:"إنه غيرُ ذي بركة"(3)، و"إن الله لم يطعمنا نارًا، فأبردوه"(4).

وكان أحبُّ الفواكه إليه الرُّطَب، والبطيخ، والعنب، وأكثرُ طعامه التمر والماء، وأحبُّ الطعام إليه اللحم، ويقول:"هو يزيدُ في السَّمْعِ، وهو سيدُ الطعامِ في الدنيا والآخرة، ولو سألتُ رَبِّي أَنْ يُطْعِمَنيهِ كُلَّ يومٍ، لَفَعَلَ"(5).

(1) انظر: "إحياء علوم الدين" للغزالي (2/ 369).

(2)

رواه عبد الرزاق في "مصنفه"(19554)، وابن سعد في "الطبقات الكبرى"(1/ 371)، عن يحيى بن أبي كثير مرسلًا، وأبو يعلى في "مسنده"(4920)، عن عائشة رضي الله عنها.

(3)

رواه الطبراني في "المعجم الأوسط"(6209)، عن أبي هريرة رضي الله عنه، والحاكم في "المستدرك"(7125)، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه.

(4)

رواه الطبراني في "المعجم الأوسط"(7012)، و"المعجم الصغير"(934)، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(5)

انظر: "إحياء علوم الدين" للغزالي (2/ 371)، وعزاه إلى أبي الشيخ من رواية ابن سمعان.

ص: 200

وكان يحب القرع، ويقول:"إنها شجرةُ أخي يونس عليه السلام "(1).

وكان لا يأكل الثوم، ولا البصل، ولا الكُرَّاث. وإذا فرغ، قال:"اللهمَّ لك الحمدُ، أَطْعَمْتَ، وسقيتَ، وآوْيتَ، لكَ الحمدُ غيرَ مكفورٍ، ولا مُوَدَّعٍ، ولا مُسْتَغْنًى عنُه"(2).

وكان يشرب في ثلاث دفعات، له فيها ثلاث تسميات، وفي آخرها ثلاث تحميدات.

وكان يعجبه الثياب الخضر، وكان أكثر ثيابه البياض، ويقول:"أَلْبِسوها أحياءَكُم، وكَفِّنوا فيها موتاكم"(3).

وكان صلى الله عليه وسلم تنام عيناه ولا ينام قلبه، وكان ينظر في المرآة، وربما نظر في الماء في حجرة عائشة وسوَّى جبهته.

وكان يقول: "لا يُبَلِّغُني أحدٌ منكم عن أحدٍ من أصحابي شيئًا، فإني

(1) المرجع السابق.

(2)

رواه الإمام أحمد في "المسند"(4/ 236)، والطبراني في "المعجم الكبير"(3372)، عن الحارث بن الحارث رضي الله عنه، وروى البخاري (5143) نحوه، عن أبي أمامة رضي الله عنه.

(3)

رواه أبو داود (3878، 4061)، والنسائي (1896، 5323)، والترمذي (994، 2810) وابن ماجة (3566)، عن عبد الله بن عباس وسَمُرة بن جُندُب رضي الله عنهم.

ص: 201

أحبّ أن أخرجَ إليكُمْ وأنا سَليمُ الصَّدْرِ" (1).

وأما زهده صلى الله عليه وسلم في الدنيا، وعبادته وخوفه من ربه: فقد توفي صلى الله عليه وسلم ودرعُه مرهونةٌ عند يهودي في نفقة عياله، وما ترك دينارًا ولا درهمًا، ولا شاةً ولا بعيرًا، وعُرض عليه أن يجعل له بطحاء مكة ذهبًا، فقال:"لا يا ربِّ، بل أجوعُ يومًا، وأشبعُ يومًا، فأما اليوم الذي أجوعُ فيه، فاتضرَّعُ إليكَ وأدعوك، وأما اليومُ الذي أشبعُ فيه، فأَحْمَدُكَ واثني عليك"(2).

وكان صلى الله عليه وسلم يستاك بالأرك، وكان إذا قام من النوم، يَشُوصُ فاه بالسواك، ويستاك في الليل ثلاث مرات: قبل النوم، وبعده، وعند القيام لورده، وعند الخروج لصلاة الصبح.

ونذكر ها هنا شيئًا من آداب السواك فإن الحاجة ماسة لذلك: فمن فضيلته: قوله صلى الله عليه وسلم: "لولا أن أَشُقَّ على أُمَّتي، لأَمرتُهم بالسواكِ عندَ كلِّ صلاة"(3).

وقال ابن عباس رضي الله عنهما: في السواك عشرُ خصال: يُذهِب الحُفَر، ويجلو البصر، ويشدُّ اللّثَة، وينقِّي البلغم، ويطيِّب الفم، وتفرح له

(1) رواه أبو داود (4860)، والترمذي (3896)، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

(2)

رواه الترمذي (2347)، والإمام أحمد في "المسند"(5/ 254)، عن أبي أمامة رضي الله عنه.

(3)

رواه البخاري (847)، ومسلم (252)، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 202

الملائكة، ويرضي الربَّ تبارك وتعالى، ويوافقُ السُّنَّة، ويزيد في حسنات الصلاة، وُيصِحُّ الجسمَ.

زاد الحكيم الترمذيُّ (1): ويزيد الحافظَ حفظًا، ويُنبت الشعر، ويصفِّي اللون.

وعن الشافعي رضي الله عنه: أربعٌ تزيد في العقل: تركُ الكلام من الفضول، والسواك، ومجالسة العلماء والصالحين، والعمل بالعلم.

وعن كعب رضي الله عنه: أنه قال: من أحبَّ أن يُحبه الله، فليكثِرْ من السواكِ والتخلُّل، والصلاةِ بهما.

ويستاك عرضًا؛ فإن الشيطان يستاك طولًا، ويبدأ من الجانب الأيمن.

ويتأكد استحبابُه عند الصلاة، والوضوء، وقراءة القرآن، والانتباه من النوم، وتغير الفم.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتجم في الأخدعين، وبين الكتفين.

وهو خاتم النبيين، وسيد المرسلين، وآتاه الله علمَ الأولين والآخرين، وفضَّلَه على سائر الخلق أجمعين، ولا يُحصي مناقبه أحدٌ من العالمين، صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى أزواجه الطاهرات أمهاتِ المؤمنين، وعلينا معهم يا ربَّ العالمين، صلاة دائمة إلى يوم الدين.

* * *

(1) في الأصل: "الترمذي الحكيم".

ص: 203