الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولما قتل الموفق صاحبَ الزنج، وكسر جيوشه، تلقب بناصر دين الله، وصار إليه الحل والعقد، والولاية والعزل، وكان يُخطب له على المنابر، فيقال: اللهمَّ أصلح الأميرَ الناصرَ لدين الله أحمدَ الموفقَ بالله، وليَّ عهد المسلمين، أخا أمير المؤمنين.
وتوفي طلحةُ الموفقُ قبل أخيه المعتمد، وكان غزير العقل، حسن التدبير، كريما، محمود السيرة، وله محاسن كثيرة، وكانت وفاته في صفر سنة ثمان وسبعين ومئتين.
واستمر المعتمد في الخلافة ثلاثا وعشرين سنة، وستة أيام.
وتوفي المعتمد لإحدى عشرة ليلة بقيت من رجب، سنة تسع وسبعين ومئتين ببغداد، وكان عمره يوم مات خمسين سنة، وستة أشهر، وكان أسنَّ من أخيه الموفق بستة أشهر، وكان أول خليفة انتقل من سامراء إلى بغداد، ولم يَعُدْ إليها أحد من الخلفاء، بل جعلوا دار إقامتهم بغداد.
والحمد لله وحده، وصلَّى الله على سيدنا محمَّد، وعلى آله وصحبه وسلَّم.
* * *
خلافة المعتضد
هو أبو العباس، أحمدُ بنُ طلحةَ الموفقِ بنِ جعفرٍ المتوكل، وأمه ضرار أمُّ وَلَد، وكان نحيفاً، ربعة، خفيف العارضين.
بويع له لإحدى عشرة ليلة بقيت من رجب، سنة تسع وسبعين
ومئتين، وكان عادلاً، ضابطًا، وأمر بردِّ المظالم، وأسقط المكوس التي كانت تؤخذ بالحرمين، وبذل المال، وحجَّ وغزا، وجالس المحدِّثين وأهلَ الفضل والدين، وأحسن التدبير، وقمع الفجار، وبالغ في العمارة، ورفق بالرعية، وأمر أتباعه بلزوم الطرائق الحميدة، وعرَّفهم أن من أفسد من غلمانهم، أُخذ به مولاه، فأخذ بعضُ غلمان الأجناد حِصْرِماً من كرم، فأحضر أستاذَه الأمير، وضرب عنقه، ثم قال لوزيره عبيدِ الله بن سليمان: لعلك أنكرتَ قتلَ هذا الأمير بجرمٍ جَنَاهُ عبدُه؟ قال: هو ذلك يا أمير المؤمنين، قال: كنتُ في خلافة المعتمد قد رأيتُ هذا الأمير قتل رجلًا بغير ذنب عمدًا، ولم يكن له وارث، فنذرتُ لله تعالى إن ولاني الخلافة، قتلتُه به، فلما ولاني الله الخلافة، طلبتُ له العثرات حتى قتلتُه.
وهذا من فقه هذا الخليفة ودينه، وقال: والله ما حللت سراويلي على حرام قَطّ.
ومحاسنهُ كثيرة، ولم يل الخلافة من بني العباس بعدَ السفاح مَنْ لم يكن أبوه خليفة إلا المستعين، والمعتضد.
وتزوج قطرَ الندى ابنةَ خمارويه بن أحمد بن طولون، سنة إحدى وثمانين، وأصدَقَها ألف ألف درهم.
ثم توفي المعتضد ببغداد، ليلة الاثنين، لسبعٍ بقين من شهر ربيع الآخر، سنة تسع وثمانين ومئتين، وعمره ست وأربعون سنة.
ويقال: إن وزيره إسماعيلَ بنَ بلبل سَمَّه.