الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولما مات، لم يوجد ما يكفَّن فيه، ولا ما يسخَّن فيه الماء؛ لأن عياضًا كاتبَ الوليد ختم على جميع موجوده للوليد، فاستعاروا له من الجيران قُمْقُمًا لتسخين الماء، وكان له ألفُ تكَّة للسراويلات، وعشرة آلاف قميص، فكفنه خادمٌ له من ماله.
وهذه موعظة عظيمة لمن تيقظ وتبصَّر.
وكان له من الولد عشرة ذكور وبنات، والله أعلم.
وصلَّى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلَّم.
* * *
*
خلافة الوليد بن يزيد بن عبد الملك *
هو أبو العباس، الوليدُ بن يزيدَ بن عبد الملك، وأمُّه بنت محمدِ بنِ يوسفَ الثقفيِّ أخي الحجاجِ بن يوسف.
كان مقيمًا في البرية بالأزرق؛ خوفًا من هشام، وكان في أسوأ حال في ذلك الموضع، ولما اشتد الضيق، أتاه الفرجُ بموت هشام.
وكان أبيض اللون، ربعة، قد وَخَطَه الشيب.
بويع بعد عمه هشام بعهد أبيه إليه بعد عمه، لِسِتٍّ مضين من ربيع الآخر، سنة خمس وعشرين ومئة، بعد أن جاوز الأربعين، ولم يلِ الخلافة من ولد عبد الملك أكبرُ منه.
وكان شاعرًا فصيحًا، مُجيدًا لركوب الخيل، وكان مصروفَ الهمة
إلى الشرب واللهو والطرب.
وفي أيامه ظهر يحيى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه بخراسان، منكِرًا للمظالم، وما عمَّ الناسَ من الجور، فبعث إليه الوليدُ نصرَ بن سَيَّارٍ المازنيَّ، فقَتَلَ يحيى بالمعركة بقريةٍ يقال لها: رعونة، ودفن هناك، وقبره مشهور رضي الله عنه.
ومن سيرته القبيحة، واستخفافه بالدين: أن جاريته ليلى حَظِيَتْ عنده، وكانت أخذت الغناء عن مَعْبَدٍ، وابنِ عائشةَ، وغيرهما، فغنته يومًا، فشرب حتى سكر، ووافاها وهو سكران، فلما تنحى عنها، أذن المؤذن للصلاة، فحلف أن لا يصلِّي بالناس غيرُها، فلبست ثيابه، وتعممت، وتلثَّمت، وخرجت فصلَّت بالناس، فما شكُّوا أنه الوليد.
وقرأ ذات يوم في المصحف: {وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} [إبراهيم: 15] الآية، فنصب المصحف غرضًا للسهام، وأقبل يرميه ولقول:[الوافر]
أتوعِدُ كُلَّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ
…
فَهَا أَنَا ذَاكَ جَبَّار عَنِيد
إِذَا مَا جِئْتَ رَبَّكَ يَوْمَ حَشْر
…
فَقُلْ يَارَبِّ مَزَّقَنِي الوليدُ (1)
(1) انظر: "سمط النجوم العوالي" للمكي (3/ 338)، قال ابن خلدون: ولقد =