الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خلافة المستعصم بالله، وهو آخرهم
هو أبو أحمد، عبدُ الله بنُ المستنصرِ بالله منصورٍ.
لما مات المستنصر، اتفق آراءُ أرباب الدولة؛ مثل: الدوادار، والسراي على تقليد الخلافة ولدَه عبد الله، ولقبوه: المستعصم بالله.
وكان ضعيف الرأي، فاستبد كبراءُ دولته بالأمر، وحَسَّنوا له قطعَ الأجناد، وجمع المال، ومداراة التتر، ففعل ذلك، وقطعَ أكثرَ العساكر، والله سبحانه أعلم.
* * *
ذكر استيلاء التتر على بغداد، وانقراض الدولة العباسية
في أول سنة ست وخمسين وست مئة قصد هولاكو ملكُ التتر بغداد، وملكها في العشرين من المحرم، وقتل الخليفة المستعصمَ بالله.
وسبب ذلك: أن وزير الخليفة مؤيدَ الدين بنِ العلقمي كان رافضيا، وكان أهلُ الكرخ - أيضًا - روافض، فجرت فتنة بين السنة والشيعة ببغداد على جاري عادتهم.
فأمر أبو بكر بنُ الخليفة، وركنُ الدين الدوادار العسكرَ، فنهبوا الكرخ، وقتلوا النساء، وركبوا منهن الفواحش، فعظم ذلك على الوزير ابن العلقمي، وكاتبَ التترَ، وأطمعَهم في ملك بغداد.
وكان عسكر بغداد يبلغ مئة ألف فارس، ففضَّهم المستعصم؛
ليحمل إلى التتر متحصلَ إقطاعاتهم، وصار عسكرُ بغداد دون عشرين ألف فارس، وأرسل ابنُ العلقمي إلى التتر أخاه يستدعيهم، فساروا قاصدين بغداد في محفل عظيم، وخرج عسكر الخليفة لقتالهم، ومقدمهم ركن الدين الدوادار، وانصفُّوا على مرحلتين من بغداد، واقتتلوا قتالًا شديدًا، فانهزم عسكر الخليفة، ودخل بعضهم بغداد، وسار بعضهم إلى جهة الشام، ونزل هولاكو على بغداد من الجانب الشرقي، ونزل باجو - وهو مقدم كبير - في الجانب الغربي على القرنة قبالة دار الخلافة.
وخرج مؤيدُ الدين الوزيرُ العلقمي إلى هولاكو، فوثق منه لنفسه، وعاد إلى الخليفة المستعصم، وقال: إن هولاكو يُبقيك في الخلافة؛ كما فعل بسلطان الروم، ويريد أن يزوج ابنته من ابنك أبي بكر، وحَسَّن له الخروجَ إلى هولاكو، فخرج إليه المستعصم في جمع من أكابر أصحابه، فأُنزل في خيمة، ثم استدعى الوزيرُ الفقهاء والأماثل، فاجتمع هناك جميع سادات بغداد، والمدرسون، وكان منهم محيي الدين بن الجوزي وأولاده، وكذلك بقي يُخرج إلى التتار طائفة بعد طائفة، فلما تكاملوا، قتلهم التتر عن آخرهم، ثم مدوا الجسر، وعدَّا (1) باجو ومن معه، وبذلوا السيف في بغداد، وهجموا [علي] دار الخلافة، فقتلوا كلَّ من فيها من الأشراف، ولم يسلَمْ إلا من كان صغيراً، فأُخذ أسيراً، ودام القتل والنهب في بغداد نحو أربعين يوما، ثم نودي بالأمان.
(1) أي: اجتاز.
وأما الخليفة، فإنهم قتلوه، ولم يقع الاطلاع على كيفية قتله، فقيل: خنق، وقيل: وضع في عِدْل، ورفسوه حتى مات، وقيل: غرق في دجلة، والله أعلم بحقيقة ذلك.
وكان هذا المستعصم، وهو أبو أحمد عبدُ الله بن المستنصر، ضعيفَ الرأي، قد عَلَتْ عليه أمراء دولته، لسوء تدبيره، تولى الخلافة بعد موت أبيه المستنصر بالله في سنة أربعين وست مئة، وكانت خلافته نحو ست عشرة - سنة تقريباً -، وهو آخر الخلفاء العباسيين ببغداد.
وكان ابتداء دَولتهم في سنة اثنتين وثلاثين ومئة، وهي السنة التي بويع فيها السفاح بالخلافة، وقتل فيها مروان الحمار آخر خلفاء بني أمية.
وكانت مدة ملكهم خمسَ مئة سنة، وأربعا وعشرين سنة - تقريبا -، وعدةُ خلفائهم سبعة وثلاثون خليفة.
وحكى القاضي جمالُ الدين بنُ واصل، قال: لقد أخبرني مَنْ أثق به: أنه وقف على كتاب عتيق، فيه ما صورته: أن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بلغَ بعضَ خلفاء بني أمية عنه: أنه يقول: إن الخلافة تصير إلى ولده، فأمر الأموي بعلي بن عبد الله، فحُمل على جمل، وطيف به، وضرب، وكان يقول عند ضربه: هذا جزاءُ من يفتري، ويقول: إن الخلافة تكون في ولده.
وكان علي بن عبد الله رحمه الله يقول: أي والله، لتكوننَّ الخلافة في ولدي، لا تزال فيهم حتى يأتيهم العِلْج من خراسان، فينزعها منهم،
فوقع مصداقُ ذلك، وهو ورودُ هولاكو، وإزالته ملك بني العباس.
وخُتمت خلافتهم ببغداد بعبد الله المستعصم من بني العباس، كما افتتحت بعبد الله السفاح منهم.
وقد تقدم أن جملة أيام بني العباس من السفاح إلى هذه السنة خمس مئة سنة، وأربع وعشرون سنة، والخلافة التالية لزمان رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت ثلاثين سنة؛ كما نطق بها الحديث الصحيح (1)، وكان فيها أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، ثم ابنه الحسن ستة أشهر.
ثم كانت مُلكاً، فكان أول ملوك الإِسلام معاوية، ثم ابنه يزيد، ثم معاوية بن يزيد، وانقرض هذا البطن المفتتح بمعاوية، المختتم بمعاوية.
ثم ملك مروانُ بنُ الحكم بن أبي العاص بن أمية، وملك بعده الأمويون واحدًا بعد واحد، وآخرُهم مروانُ الحمار، فكان أولهم مروان، وآخرهم مروان.
وكذلك الدولة العلوية الفاطمية، كان أول خلفائهم عبيد الله المهدي، وآخرهم عبد الله العاضد، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمَّد، وعلى آله وصحبه وسلَّم.
(1) تقدم تخريجه.