المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ السنة الخامسة من الهجرة * - التاريخ المعتبر في أنباء من غبر - جـ ١

[مجير الدين العليمي]

فهرس الكتاب

- ‌قَصَصُ الأنْبِياءِ وَالأُممِ السَّابِقَةِ

- ‌(1 - ذكر آدم عليه السلام

- ‌2 - ذكر نوح عليه السلام

- ‌(3 - ذكر هود وصالح عليهما السلام

- ‌(4 - ذكر إبراهيم الخليل صلوات الله وسلامه عليه)

- ‌5 - ذكر لوط عليه السلام

- ‌6 - ذكر إسماعيل عليه السلام

- ‌7 - ذكر إسحاق عليه السلام

- ‌8 - ذكر أيوب عليه السلام

- ‌9 - ذكر يوسف عليه السلام

- ‌10 - ذكر شعيب عليه السلام

- ‌11 - ذكر موسى عليه السلام

- ‌12 - ذكر يوشع عليه السلام

- ‌13 - شَمْويل النبي عليه السلام

- ‌14 - داود عليه السلام

- ‌15 - سليمان عليه السلام

- ‌16 - بُخْتَنَصَّر

- ‌17 - ذكر يونس بن مَتَّى عليه السلام

- ‌18 - ذكر أرمياء عليه السلام

- ‌19 - ذكر زكريا وابنه يحيى عليهما السلام

- ‌20 - ذكر عيسى بن مريم عليه السلام

- ‌21 - ذكر خراب بيت المقدس

- ‌22 - ذكر أُمَّة اليهود

- ‌23 - ذكري أُمَّة النصارى

- ‌24 - ذكر أمم الهند

- ‌25 - ذكر أُمَّة السِّنْد

- ‌26 - ذكر أُمم السودان

- ‌27 - ذكر أمم الصين

- ‌28 - ذكر بني كنعان

- ‌29 - ذكر البربر

- ‌30 - ذكر العمالقة

- ‌31 - ذكر أمم العرب وأحوالهم قبل الإسلام

- ‌32 - ذكر بني حِمْيَرِ بن سبأ

- ‌33 - ذكر بني كهلان بن سبأ

- ‌34 - قصة الفيل

- ‌35 - ذكر التاريخ الإسلامي

- ‌السيرة النبوية الشريفة

- ‌ذكر سيد الأولين والآخرين وخاتم الأنبياء والمرسلين وحبيب ربِّ العالمين محمدٍ البشير النذير، الداعي إلى الله بإذنه السراج المنير

- ‌ذكر أسمائه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر رضاع النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ ذكر مبعثه صلى الله عليه وسلم وابتداء الوحي *

- ‌ ذكر رمي الشياطين بالشهب لمبعثه *

- ‌ ذكر الاختلاف في أول من أسلم *

- ‌ ذكري أمر الله تعالى نبيه بإظهار دعوته *

- ‌ ذكر تعذيب المستضعفين من المسلمين *

- ‌ ذكر المستهزئين، ومن كان شديد الأذى للنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ ذكر إسلام حمزة *

- ‌ ذكر إسلام عمر بن الخطاب *

- ‌ ذكر الهجرة إلى أرض الحبشة *

- ‌ ذكر أمر الصحيفة

- ‌ ذكر نقض الصحيفة *

- ‌ ذكر المعراج *

- ‌ ذكر وفاة أبي طالب، وخديجة رضي الله عنها، وعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه على قبائل العرب *

- ‌ذكر تزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشةَ رضي الله عنها

- ‌ ذكر ابتداء أمر الأنصار *

- ‌ ذكر بيعة العقبة الأولى *

- ‌ ذكر بيعة العقبة الثانية *

- ‌ذكر الهجرة الشريفة النبوية - على صاحبها أفضلُ الصلاة والسلام

- ‌ذكر ما بين الهجرة الشريفة والتواريخ القديمة

- ‌ ذكر الحوادث في السنة الأولى من الهجرة *

- ‌ السنة الثانية من الهجرة *

- ‌ السنة الثالثة من الهجرة *

- ‌ ذكر إرسال عمرو بن أمية لقتل أبي سفيان:

- ‌ ودخلت السنة الرابعة من الهجرة *

- ‌ وفيها: كانت غزوة بدر الثانية، وتسمى - أيضًا -: غزوة السَّويق

- ‌ السنة الخامسة من الهجرة *

- ‌ السنة السادسة من الهجرة *

- ‌ ذكر قصة الإفك:

- ‌ ذكر الصلح بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وقريش:

- ‌ السنة السابعة من الهجرة *

- ‌ ذكر رسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك:

- ‌ ذكر عُمْرة القضاء:

- ‌ السنة الثامنة من الهجرة *

- ‌ ذكر إسلام عمرو بن العاص وخالد بن الوليد وعثمان بن طلحة:

- ‌ ذكر فتح مكة:

- ‌ إسلام فضالة:

- ‌ ذكر غزوة خالد بن الوليد رضي الله عنه بني جذيمة:

- ‌ ذكر غزوة هوازن بحنين:

- ‌ ذكر حصار الطائف:

- ‌ السنة التاسعة من الهجرة *

- ‌ ذكر غزوة تبوك:

- ‌ ذكر قصة كعب وصاحبيه:

- ‌ ذكر حَجِّ أبي بكر رضي الله عنه بالناس:

- ‌السنة العاشرة من الهجرة *

- ‌ ذكر حجة الوداع:

- ‌ السنة الحادية عشرة من الهجرة *

- ‌ ذكر مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ووفاته:

- ‌ فصل في ذكر صفة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ فصل في تفسير معاني الكلمات ومشكلها:

- ‌ ذكر أسمائه عليه الصلاة والسلام *

- ‌ذكر نَعْت رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة

- ‌ ذكر معجزاته صلى الله عليه وسلم

- ‌ ذكر أوصافه وأخلاقه وشمائله صلى الله عليه وسلم

- ‌ ذكر مَثَلِه ومَثَلِ الأنبياء من قبله صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر مَثَلهِ ومَثَلِ ما بُعِثَ به صلى الله عليه وسلم

- ‌ ذكر عدد غزواته صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر حجته صلى الله عليه وسلم

- ‌ ذكر أولاده صلى الله عليه وسلم

- ‌ ذكر أعمامه وعماته *

- ‌ذكر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ ذكر خدمه ومواليه صلى الله عليه وسلم

- ‌ ذكر كُتَّابه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر حرَّاسه ومن كان يضرب الأعناق بين يديه

- ‌ ذكر العشرة من الأصحاب، والحواريين وأهل الصفَّة *

- ‌ذكر سلاحه وأثاثه

- ‌ذكر خيله وحميره وإبله صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل فيمن استغاث به صلى الله عليه وسلم فأغيث في القديم والحديث

- ‌ ذكر قصة الجمل المستجير بالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ ذكر قصة رجل فقير من القراء استغاث بالنبي صلى الله عليه وسلم عند قبره:

- ‌ذكر أخبار الأسود العَنْسي، ومُسَيلمة الكذَّاب، وسَجاحِ، وطلحةَ

- ‌مجلس في فضل الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما جاء في ذلك من الثواب والتقريب ورفع الدرجات

- ‌فصل في كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الخلافة الراشدة

- ‌الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه

- ‌ ذكر نشأته:

- ‌خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه

- ‌و[أما] فضائله رضي الله عنه

- ‌ كراماته:

- ‌ فضائله رضي الله عنه

- ‌خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه

- ‌خلافة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌ ذكر مسير علي رضي الله عنه إلى البصرة:

- ‌ وقعة الجمل:

- ‌ وقعة صِفِّين:

- ‌ ذكر صفاته رضي الله عنه

- ‌ وأما فضائل علي ومناقبه كثيرة، منها:

- ‌خْلَافَةُ الحَسَن بن عَليّ بن أَبي طَلِبْ رضي الله عنهما

- ‌ومن فضائل الحسن:

- ‌[الدَّوْلَةُ الأَمَوِيَّة]

- ‌(خلفاء بنى أمية)

- ‌(خلافة الناصر لدين الله معاوية بن أبي سفيان)

- ‌(خلافة يزيدَ بنِ معاويةَ، ) ولقَّبَ نفسَه: المستنصر على أهل الزيغ

- ‌ ذكر حصار عبد الله بن الزبير:

- ‌(خلافة الراجعِ إلى الله معاوية بنِ يزيدَ بنِ معاوية رضي الله عنه

- ‌(خلافة عائذ بيت الله عبد الله بن الزبير)

- ‌(خلافة المؤتمن بالله مروان بن الحكم)

- ‌(خلافة الموفق لأمر الله عبد الملك بن مروان)

- ‌ ذكر شيء مما اتفق في أيامه:

- ‌ ذكر غير ذلك:

- ‌وفي سنة سبع وسبعين:

- ‌(خلافة المنتقم لله الوليد بن عبد الملك)

- ‌(خلافة المهدي بالله الداعي إلى الله سليمان بن عبد الملك)

- ‌ خلافة المعصوم بالله عمر بن عبد العزيز

- ‌ومن أعظم حسناته:

- ‌ خلافة القادر بصنع الله يزيدَ بنِ عبد الملك *

- ‌ خلافة المنصور هشامِ بنِ عبد الملك بنِ مروان

- ‌ خلافة الوليد بن يزيد بن عبد الملك *

- ‌خلافة الشاكر لأنعم الله يزيدَ بنِ الوليد بن عبد الملك بن مروان

- ‌ خلافة [. . . .] إبراهيم بن الوليد *

- ‌ خلافة [ .... ] مروان بن محمد *

- ‌الدَّولةُ العَبَاسيَة

- ‌ خلافة أبي العباس السفاح القائم بأمر الله *

- ‌ خلافة أبي جعفر عبد الله بن محمد بن علي المنصور *

- ‌ خلافة المهدي *

- ‌ خلافة موسى الهادي *

- ‌ خلافة هارون الرشيد *

- ‌ خلافة محمد الأمين بن هارون الرشيد *

- ‌ خلافة أمير المؤمنين المأمون بن هارون الرشيد *

- ‌ خلافة المعتصم بالله صاحب سُرَّ مَن رأى *

- ‌ خلافة الواثق بالله *

- ‌ خلافة أمير المؤمنين جعفر بن المعتصم المتوكل على الله *

- ‌خلافة المنتصر محمدِ بنِ جعفر

- ‌خلافة المعتزِّ بالله

- ‌خلافة المهتدي بالله

- ‌خلافة المعتمد على الله

- ‌خلافة المعتضد

- ‌خلافة المكتفي بالله

- ‌خلافة المقتدر بالله

- ‌خلافة القاهر بالله

- ‌خلافة الراضي بالله

- ‌خلافة المتقي لله

- ‌خلافة المستكفي بالله

- ‌خلافة المطيع لله

- ‌خلافة الطائع لله

- ‌خلافة القادر بالله

- ‌خلافة القائم بأمر الله

- ‌خلافة المقتدي بأمر الله

- ‌خلافة المستظهر بالله

- ‌خلافة المسترشد بالله

- ‌خلافة الراشد بالله

- ‌خلافة المقتفي لأمر الله

- ‌خلافة المستنجد بالله

- ‌خلافة المستضيء بأمر الله

- ‌خلافة الناصر لدين الله

- ‌خلافة الظاهر بأمر الله

- ‌خلافة المستنصر بالله

- ‌خلافة المستعصم بالله، وهو آخرهم

- ‌ذكر استيلاء التتر على بغداد، وانقراض الدولة العباسية

الفصل: ‌ السنة الخامسة من الهجرة *

*‌

‌ السنة الخامسة من الهجرة *

* وفيها: كانت غزوة الخندق: وكانت في شوال من هذه السنة (1)، وكان من حديثها: أن نفرًا من اليهود - وهم الذين حرّضوا الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجوا حتى قدموا على قريش بمكة، يدعونهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: إنا سنكون معكم عليه حتى نستأصله، وقالوا: دينُكم خيرٌ من دينه، وأنتم أَوْلى بالحقِّ منه، فأنزل الله تعالى فيهم:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا (51) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ} الآية إلى قوله: {وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا} [النساء: 51 - 55](2).

ولما سمع رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بهم، وما أجمعوا عليه، أمر بحفر الخندق حولَ المدينة، قيل: إنه بإشارة سلمانَ الفارسيِّ، وهو أولُ مشهد شهدَه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وظهرت في حفر الخندق عدة معجزات:

* منها: ما رواه جابر، قال: اشتدَّت عليهم كديةٌ - أي: صخرة -،

(1) انظر: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (2/ 65).

(2)

رواه الطبري في "تاريخه"(2/ 90)، والبيهقي في "دلائل النبوة"(3/ 408)، عن محمد بن كعب القرظي.

ص: 130

فدعا النبيُّ صلى الله عليه وسلم بماءٍ، وتفل فيه، ونضحه عليها، فانهالت تحت المساحي (1).

* ومنها: أن أُبية بنتَ بشير بن سعيد الأنصاري، وهي أخت النعمان ابن بشير، بعثتها أمها بقليل تمر غداء أبيها بشير، وخالِها عبدِ الله بن رواحة، فمرّت برسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعاها، وقال:"هاتي ما مَعَك يا بُنَيَّة"، فصبّتْ ذلك التمر في كَفَّي رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فما امتلأتا، ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بثوب، وبدَّدَ ذلك التمر عليه، ثم قال لإنسان:"اصرخْ في أهلِ الخندقِ أَنْ هَلُمُّوا إلى الغداءِ"، فجعلوا يأكلون منه، وجعل يزيدُ حتى صدر أهلُ الخندق عنه، وإنه ليسقطُ من أطراف الثوب.

* ومنها: ما رواه جابر، قال: كانت عندي شُوَيْهَةٌ غيرُ سمينة، فأمرتُ امرأتي أن تخبز قرصَ شعير، وأن تشوي تلكَ الشاةَ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وكنا نعملُ في الخندق نهارًا، وننصرفُ إذا أمسينا، فلما انصرفنا من الخندق، قلت: يا رسول الله! صنعتُ لكَ شويهةً، ومعها شيءٌ من خبز الشعير، وأنا أحبُّ أن تنصرفَ إلى منزلي، فأمر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من يصرخُ في الناس: أنِ انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيتِ جابر.

قال جابر: إنا لله وإنا إليه راجعون - وكان ظنَّ أن يمضي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وحده -، وأقبل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم والناسُ معه، وقدَّمنا له ذلك، فبرَّكَ وسمّى، ثم أكل، وتواردها الناس، كلما صدر عنها قوم، جاء ناس،

(1) رواه البخاري (3875).

ص: 131

حتى صدر أهل الخندق عنها (1).

وروى سلمان الفارسي، قال: كنت قريبًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا أعمل في الخندق، فتغلظ عليَّ الموضعُ الذي كنت أعمل فيه، فلما رأى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، أخذ المِعولَ، وضرب ضربة لمعت تحت المِعول بَرْقَةٌ، ثم ضرب أخرى، فلمعت برقةٌ أخرى، ثم ضرب أخرى، فلمعت برقة أخرى، قال فقلت: بأبي أنت وأمي! ما هذا الذي يلمع تحت المعول؟ فقال: "أرأيتَ ذلكَ يا سلمانُ؟ "، فقلت: نعم. قال: "أَمَّا الأُولى، فإنَّ الله فتحَ عَلَيَّ بها اليَمَنَ، وأَمَّا الثانيةُ، فإن الله فتحَ عَلَيَّ بها الشَّامَ والمَغْرِبَ، وأَمَّا الثالثةُ، فإنَّ الله فتحَ عَلَيَّ بها المَشْرِقَ"(2).

وعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخندق ترغيبًا للمسلمين في الأجر، وعمل معه المسلمون، وفرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخندق.

وأقبلت قريش في أحابيشها ومَنْ تبعها من كنانةَ في عشرة آلاف، وأقبلت غَطَفان ومن تبعها من أهل نجد، وكان بنو قريظة وكبيرُهم كعبُ ابنُ أسدٍ قد عاهد النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فما زال عليهم أصحابهم من اليهود حتى نقضوا العهد، وصاروا مع الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وعَظُم عند ذلك الخَطْبُ، واشتد البلاء، حتى ظن المؤمنون كل الظن، ونَجَمَ النفاق، حتى قال معتب بن قشير: كان محمد يعدنا أن نأكل

(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(3/ 377).

(2)

رواه البيهقي في "دلائل النبوة"(3/ 419)، عن عمرو بن عوف المزني رضي الله عنه.

ص: 132

كنوزَ قيصر، وأحدُنا اليومَ لا يأمَنْ على نفسه أن يذهب إلى الغائط (1).

وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم والمشركون بضعًا وعشرين ليلة، ولم يكن بين القوم حربٌ إلا الرمي، وتقدم فوارسُ من قريش يلتمسون القتال، فأقبلوا حتى وقفوا على الخندق، فلما رأوه، قالوا: والله! إن هذه لمَكَيدةٌ، ما كانت العربُ تكيدها، ثم قَتَل عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه عَمْرَو بن عبدِ ودٍّ، وخرجتْ خيلُ قريش منهزمةً، وقال علي رضي الله عنه في ذلك:

نَصَرَ الْحِجَارَةَ مِنْ سَفَاهَةِ رَأْيِهِ

وَنَصَرْتُ دِينَ مُحَمَّدٍ بِضِرَابِ

فَصَدَدْتُ حِينَ تَرَكْتُهُ مُتَجَدّلًا

كَالجِذْعِ بَيْنِ دَكادِكٍ وَرَوَابي

لا تَحْسَبُنَّ الله خَاذِلَ دِيِنهِ

وَنبِيِّهِ يا مَعْشَرَ الأَحْزَابِ

ثم نصر الله نبيَّه على المشركين، وخذَلهم، واختلفت كلمتُهم، ثم إن الله تعالى أهبَّ ريح الصَّبا، كما قال الله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} [الأحزاب: 9]، فجعلت الريح تقلِب آنيتهم، وتَكْفَأُ قُدورهم، وانقلبوا خاسرين.

(1) رواه البيهقي في "دلائل النبوة"(3/ 435)، عن عثمان بن كعب القرظي.

ص: 133

وبلغ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أمرُهم، وأنهم عادوا راجعين إلى بلادهم، وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"الآنَ نَغْزُوهُمْ، وَلا يَغْزُوناَ"(1)، فكان كذلك حتى فتحِ مكة، والله أعلم.

* وفيها: كانت غزوة بني قريظة في ذي القعدة: ولما عاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة من غزوة الأحزاب، وضع المسلمون السلاح، فلما كان الظُّهر أتى جبريلُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال: أقدْ وضعتَ السلاح؟ قال: "نعم"، قال: ما وضعت الملائكةُ السلاح، إن الله عز وجل يأمرُك بالمسير إلى بني قريظَة (2)، فإني عامدٌ إليهم، فَمُزَلْزِلٌ بهم (3).

فأمر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مناديًا، فنادى: مَنْ كان سامعًا مطيعًا، فلا يصلينَّ العصرَ إلا في بني قريظة، وقدَّم عليًا رضي الله عنه إليهم برايته، ثم تلاحق الناسُ، ونزل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وحاصرهم خمسًا وعشرين ليلة، وقذفَ الله في قلوبهم الرعبَ، ولما اشتد بهم الحصار، نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فردَّ الحكمَ فيهم إلى سعد بن معاذ، فحكَمَ أن تُقتل المقاتلة، وتُسبى الذرية والنساء، وتقسم الأموال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لَقَدْ حَكَمْتَ بِحُكْمِ الله مِنْ فَوْقِ سَبْعَةِ أَرْقِعَةٍ"(4).

(1) رواه البخاري (4109)، عن سليمان بن صرد رضي الله عنه.

(2)

رواه البخاري (2658)، ومسلم (1769)، عن عائشة رضي الله عنها.

(3)

رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى"(2/ 74).

(4)

رواه البخاري (3592)، ومسلم (1768)، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، واللفظ لابن سعد في "الطبقات الكبرى"(2/ 75).

ص: 134

ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وحبس بني قريظة في دار بنت الحارث: امرأة من بني النجار، ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سوق المدينة، فخندقَ بها خنادقَ، ثم بعث إليهم، فضرب أعناقهم في تلك الخنادق، وكانوا ست مئة، أو تسع مئة، وقيل: ما بين الثمان والسبع مئة.

ثم قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم الأموال، فكان للفارس ثلاثة أسهم: للفرس سهمان، ولفارسه سهم، وللراجل سهم، وكانت الخيل يومئذ ستة وثلاثين فرسًا.

ثم قسم سبايا بني قريظة، فأخرج الخمس، واصطفى لنفسه ريحانةَ بنتَ عمرٍو، فكانت في ملكه حتى مات.

واستُشهد في غزوة بني قريظة خلادُ بن زيد بن ثعلبة، شهد العقبة وبدرًا وأُحدًا والخندق ويوم بني قريظة، وقُتل يومئذ شهيدًا، دلَّت عليه امرأةٌ من بني قريظة رَحًى، شَدَخَتْ رأسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"له أَجْرُ شهيدينِ"(1)، وقتلها به (2)، ولم يستشهد في غزوة بني قريظة غيره.

وفي هذه السنة: توفي سعد بن معاذ بن النعمان بن زيد بن عبد الأشهل رضي الله عنه، ولما مات، نزل جبريل عليه السلام على النبيِّ صلى الله عليه وسلم معتجرًا بعمامة من إِستبرق، وقال: يا محمد! مَنْ هذا الذي فُتحت له

(1) رواه أبو داود في "سننه"(2488)، عن قيس بن شماس رضي الله عنه.

(2)

رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى"(3/ 530).

ص: 135