الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقيل: قتل في السنة الثالثة، قتله محمد بن مسلمة الأنصاري، والله تعالى أعلم.
* * *
*
السنة الثالثة من الهجرة *
* وفيها: كانت غزوة أحد: وكان من حديثها: أنه اجتمع [من] قريش ثلاثة آلاف، فيهم سبع مئة دارع (1)، ومعهم مئتا فارس، وقائدهم أبو سفيان بن حرب، ومعه زوجته هندٌ بنتُ عُتبة، وكانت جملة النساء خمسَ عشرةَ امرأة، ومعهنَّ الدفوفُ يعزفْنَ بها، ويبكين على قتلى بدر، ويحرضْنَ المشركين على حرب المسلمين.
وساروا من مكة حتى نزلوا الحليفة، مقابل المدينة، يوم الأربعاء، لأربع مَضَين من شوال سنة ثلاث.
وكان رأيُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم المقامَ بالمدينة، وقتالهم بها، ورأى الصحابةُ الخروجَ لقتالهم، فخرج النبيُّ صلى الله عليه وسلم في ألف من الصحابة، إلى أن صار بين المدينة وأُحد، ونزل الشِّعْبَ من أُحد، وجعل ظهره إلى أُحد.
ثمّ كانت الوقعة يوم السبت، لسبع مضين من شوال، وعِدَّةُ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع مئة، فيهم مئة دارع (2)، ولم يكن معهم من الخيل سوى
(1) في الأصل: "دراع".
(2)
في الأصل: "دراع".
فرسين: فرسُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفرسٌ لأبي بردة.
وكان لواءُ رسول الله صلى الله عليه وسلم مع مُصْعَب بن عُمَيْر من بني عبد الدار.
وكان على ميمنة المشركين خالدُ بن الوليد، وعلى ميسرتهم عكرمةُ ابن أبي جهل، ولواؤهم مع بني عبد الدار.
ولما التقَى الناس، ودنا بعضهم من بعض، قامت هند بنت عتبة في النسوة اللاتي معها، وضربن بالدفوف خلف الرجال [يحرضن]:
هِيهَا بَنِي عَبْدِ الدَّارِ
…
وِيهَا حُمَاةَ الأَدْبَارِ
ضَرْبًا بِكُلِّ بَتَّارِ
وتقول:
نَحْنُ بَنَاتُ طَارِقْ
…
نَمْشِي عَلَى النَّمَارِقْ
إِنْ تُقْبِلُوا نُعَانِقْ
…
أَوْ تُدْبِرُوا نُفَارِقْ
وقاتلَ حمزةُ عمُّ النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ قتالًا شديدًا، فقتل أرطاةَ حاملَ لواء المشركين، وقصدَ قتلَ سباعِ بنِ عبدِ العزى، فبينما هو مشتغلٌ بسباعٍ، إذ ضربه وحشيٌّ عبدُ جُبيرِ بنِ مطعمٍ - وكان حبشيًا - بحربة، فقتل حمزةَ رضي الله عنه.
وقتل ابنُ قَمِئةَ الليثيُّ مُصْعَبًا حاملَ لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ظنَّ أنه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فقال لقريش: إني قتلت محمدًا.
ولما قُتِل مُصعب، أعطى النبيُّ صلى الله عليه وسلم الرايةَ لعليّ بن أبي طالب رضي الله عنه.
وأنزلَ الله نصرَهُ على المسلمين، وانهزم المشركون، فطمعت الرماةُ في الغنيمة، وفارقوا المكانَ الذي أمرهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم بملازمته، فأتى خالدُ ابنُ الوليد مع خيل المشركين من خلفِ المسلمين، ووقع الصراخُ: أن محمدًا قُتِل، وانكشف المسلمون، وأصاب فيهم العدو، وكان يوم بلاء على المسلمين، وكان عدد الشهداء من المسلمين سبعين رجلًا، وعدة قتلى المشركين اثنين وعشرين رجلًا.
ووصل العدو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصابته حجارتهم حتى وقع، وأُصيبت رَبَاعِيَتُه، وشُجَّ في وجهه، وكُلِمَتْ شفتُه، وكان الذي أصابَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عتبةُ بن أبي وقاص أخو سعد بن أبي وقاص، وجعل الدمُ يسيل على وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول:"كيفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ خَضَّبُوا وَجْهَ نَبِيِّهِمْ، وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ"، فنزل في ذلك قوله تعالى:{لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} [آل عمران: 128](1).
ودخلت حلقتان من حِلَق المِغْفر في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشَّجَّة، ونزع أبو عبيدة بن الجراح إحدى الحلقتين من وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسقطت ثنيته الواحدة، ثم نزع الأخرى، فسقطت ثنيته الأخرى، وكان أبو عبيدة ساقطَ الثنيتين، ومصّ مالك بن سنانُ أبو أبي سعيد الخدري (2)
(1) رواه ابن ماجه في "سننه"(4027)، وأصله في مسلم (1791)، عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
(2)
في الأصل: "سنان بن أبي سعيد".
الدمَ من وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وازْدَرَدَهُ (1)، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ مَسَّ دَمِي [دَمَهُ] لَمْ تُصِبْهُ النَّارُ".
ومَثَّلت هندٌ وصواحبُها بالقتلى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجدَ عْنَ الآذانَ والأنوف، واتخذنَ منها قلائدَ، وبقرت هندٌ عن كبد حمزةَ، ولاكتها.
وضرب زوجُها أبو سفيان بزُجِّ الرمح شدقَ حمزة، وصعِدَ الجبل، وصرخ بأعلى صوته: الحربُ سِجال، يومٌ بيوم بدر، اعْلُ هُبَلُ؛ أي: أظهر دينك.
ولما انصرف أبو سفيان ومن معه، نادى: إن موعدَكم بدرٌ العام القابل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لواحد:"قُلْ: هُوَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ"، ثم سار المشركون.
ثم التمس رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عمه حمزةَ، فوجده، وقد بُقِر بطنُه، وجُدِع أَنفه وأُذناه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لَئِنْ أَظْهَرَني الله عَلَى قُريشٍ، لأُمَثِّلَنَّ بِثَلاثينَ مِنْهُمْ"(2)، ثم قال:"جاءني جبريلُ، فأخبرَني أَنَّ حمزةَ مكتوبٌ في أهل السماواتِ السبعِ: حمزةُ بنُ عبدِ المطلبِ أسدُ الله وأسدُ رسولِه"(3).
ثم أمر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فسُجِّي ببردة، ثم صلَّى عليه، فكبر سبعَ
(1) رواه سعيد بن منصور في "سننه"(2/ 261).
(2)
رواه الدارقطني في "سننه"(4/ 116)، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.
(3)
رواه الحاكم في "مستدركه"(3/ 219)، عن عبد الرحمن بن أبي لبينة رضي الله عنه.