الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والاقتداء بسنته، وسنة الخلفاء الراشدين، والأئمة المهديين، الذين قضوا بالحق، وبه كانوا يعدلون، ومناقبُه أكثر من أن تحصر.
أمُّه أمُّ عاصم حفصةُ بنتُ عاصمِ بنِ عمرَ بنِ الخطاب، واسمها ليلى.
بويع بالخلافة حين مات سليمان بن عبد الملك، في صفر سنة تسع وتسعين، وكانت خلافته سنتين وخمسة أشهر، نحو خلافة أبي بكر رضي الله عنه، فملأ الأرض قسطًا وعدلًا، وسَنَّ السننَ الحسنة، وأمات الطرق السيئة.
ومن أعظم حسناته:
إبطال سبِّ عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه على المنابر؛ فإن خلفاء بني أمية كانوا يسبونه، من سنة إحدى وأربعين، وهي السنة التي خَلع الحسن فيها نفسه من الخلافة، إلى أول سنة تسع وتسعين، آخر أيام سليمان بن عبد الملك، فلما ولي عمر، أبطل ذلك، وكتب إلى نوابه بإبطاله، ولما خطب يوم الجمعة، أبطل السبَّ في آخر الخطبة بقراءة قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90]، فلم يُسَب عليٌّ بعد ذلك، واستمر الخطباء على قراءة هذه الآية.
ومدحه كثير بنُ عبد الرحمن الخزاعيُّ، فقال:
وَلِيتَ فَلَمْ تَشْتُمْ عَلِيًّا ولم تُخِفْ
…
[بَرِيًّا] وَلَمْ تَتْبَعْ سَجِيَّةَ مُجْرِمِ
وَقُلْتَ فَصَدَّقْتَ الَّذِي قُلْتَ بِالَّذِي
…
فَعَلْتَ فَأَضْحَى رَاضِيًا كُلُّ مُسْلِمِ
قال سُفيان الثوري: الخلفاء خمسة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعمر بن عبد العزيز.
وقال أحمد بن حنبل رضي الله عنه: يُروى في الحديث: "أنَّ اللهَ تعالى يَبْعَثُ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِئَةِ عَامٍ مَنْ يُصَحِّحُ لِهَذهِ الأُمَّةِ دِينَهَا"(1)، فنظرنا في المئة الأولى، فإذا هو عمر بن عبد العزيز.
وكان رضي الله عنه أسمر نحيفًا، حسن الوجه واللحية، في وجهه شَجَّة، يقال له: أَشَجُّ بني أمية، ضربَتْه دابةٌ في وجهه.
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: من ولدي رجلٌ بوجهِه شَجَّةٌ، يملأ الأرضَ عدلًا.
ولما ولي رضي الله عنه، أُتِيَ بمركب الخلافة، فقال: دابتي أوفقُ، وركب دابته، وصرفَ تلك الدواب، ولبس ثياب الصوف والقطن، وصرفَ عمال مَنْ كان قبله من بني أمية، وولَّى أصلحَ مَنْ قَدَرَ عليه، فسلك عمالُه طريقته.
وكان يردُّ المظالم إلى أهلها، وأمرَ بوضعِ المكسِ من كل أرض.
(1) رواه أبو داود (4291)، والطبراني في "المعجم الأوسط"(6527)، والحاكم في "المستدرك"(8592)، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وكان يغسل ثيابه، فما يخرج حتى تنشف؛ لأنه لم يكن له غيرُها، وما أحدث بناءً منذ ولي.
وكانت فاطمةُ بنتُ الحسن تثني على عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، وتقول: لو كان لنا عمرُ بنُ عبد العزيز، ما احتجنا بعده إلى أحد.
وكان رضي الله عنه محمودَ السيرة، ولم يكن بعد الخلفاء الأربعة إلى أيامه مثلُه.
وكان رضي الله عنه قد قسَّم عمره على ثلاثة أقسام: فيوم للقضاء، ويوم لأهله، ويوم لحوائج الناس، والليل للعبادة.
وكان إذا جَنَّه الليل، لبس جبة صوف، ووضع الغُلَّ في عنقه، والقيدَ في رجله، ونادى: يا رب! هذا عذاب الدنيا، فكيف عذابُ الآخرة؟ !
وأحواله رضي الله عنه وفضائلُه غير محصورة.
ولما مرض رضي الله عنه مرضَ موته، قالت زوجته: لما اشتد عليه المرض، سهرنا معه ليلة، فلما أصبحنا، أمرتُ وصيفًا لنا - يسمَّى فريدًا - أن يكون عنده، فإن كانت له حاجة، قضاها له، ونمنا، فلما كان الفجر، توجهت إليه، فرأيت فريدًا خارجا من عنده، فقلت: ما أخرجك؟ قال: هو أخرجني، وقال لي: إني أرى شيئًا، ما هو بإنس ولا جان، وسمعته يقرأ:{تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص: 83]، فدخلت عليه، فوجدته قد مات، بعد أن وجَّه
نفسَه إلى القبلة رحمه الله.
ودام مرضُه الذي توفِّي فيه عشرين يومًا.
وقيل له: من توصي بأهلك؟ فقال: إن وَلِيِّيَ فيهم الذي نَزَّل الكتابَ، وهو يتولى الصالحين.
وكانت وفاته بدير سمعان، من أعمال حمص، يوم الجمعة، لخمس بقين من رجب، سنة إحدى ومئة، وقبره هناك يزار ويُتبرَّك به، وهو قريب من معرة النعمان، ولم يعرض له كما عرض لقبور بني أمية.
وكان موته بالسُّم عند أكثر أهل النقل؛ فإن بني أمية علموا أنه إن امتدت أيامه، أخرج الأمرَ من أيديهم، وأنه لا يعهَد بعده إلا لمن يُصلح الأمر، فعاجَلوه، وما أمهلوه.
وكان مولدُه بمصر - على ما قيل - سنة إحدى وستين، وكان عمره أربعين سنة، وشهرًا.
وكان متحريًا سيرة الخلفاء الراشدين، وأوصى أن يُدفن معه شيء كان عنده من شعر النبي صلى الله عليه وسلم، وأظفار من أظفاره، وقال: إذا متُّ، فاجعلوه في كفني، ففعلوا ذلك.
وعن يوسفَ بن ماهك، قال: بينما نحن نسوي التراب على قبر عمر بن عبد العزيز، إذ سقط علينا رَقٌّ من السماء فيه مكتوب:
بسم الله الرحمن الرحيم، أمان من الله لعمر بن عبد العزيز من النار.
رضي الله عنه وأرضاه، وجعل مثواه الجنة.