الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شرب، ولو كان بينه وبين ندمائه حجاب من حديد، لخرقه إذا طرب، وخرج إليهم، وكان كواحد منهم.
وكان كثير السفك للدماء، ضعيف الرأي، ليس عنده تبصرة في الأمور، ولا نظر في العواقب.
وتوفي الأمين لخمس بقين من المحرم، سنة ثمان وتسعين ومئة، ومات قتلًا، قتله طاهر بن الحسين، لما جهَّزه لقتاله المأمونُ؛ لخلاف وقع بينهما، وأخذ رأسه، وجهزه للمأمون بخراسان، وكانت خلافته أربع سنين، وسبعة أشهر، والله أعلم.
* * *
*
خلافة أمير المؤمنين المأمون بن هارون الرشيد *
هو أبو العباس، وقيل: أبو جعفر، عبدُ الله المأمونُ بنُ هارونَ الرشيد، وأمه مراجلُ أُمُّ وَلَد، وكان أبيض اللون، تعلوه صفرة، أقنى الأنف، طويل اللحية، بخده خالٌ أسود.
بويع له البيعة العامة يوم قتل أخيه، وقيل: بويع له يوم الاثنين، لخمس بقين من رجب، سنة ثمان وتسعين ومئة، وهو ابن ثمان وعشرين سنة.
وكان كامل الفضل، كثير العفو، جوادًا، حسنَ التدبير.
وهو أول من اتخذ الأتراك للخدمة، فكان يشتري الواحد منهم بمئة ألف، ومئتي ألف.
وكان يحب أهل العلم، ويجلس مع العلماء من أول النهار إلى آخره، يتناظرون بين يديه، فيرشدهم، ويمدهم بالأموال، ويفتقدهم إذا غابوا عنه، ويزورهم في منازلهم.
وكان يحضر مع الناس على الطعام، ويخرج من الليل يطوف في عسكره، وكان يحب [أن] يسمع أخبار الناس، وكان في سخائه لا يوصف، حتى قال فيه بعضهم: إنه أجود من السحاب الحافل، والريح العاصف.
وكان قاضيه: القاضي يحيى بن أكثم، وهو من ولد أكثمَ بنِ صَيْفي حكيمِ العرب، كان عالمًا بالفقه، بصيرًا بالأحكام، ذكره الدارقطني في أصحاب الشافعي رضي الله عنه، وكان يحيى سليمًا من البدعة، ينتحل مذهب أهل السنة، وروى عنه الترمذي، والقاضي إسماعيل، وكان أحد الأئمة المجتهدين.
قال الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه: ما عرفت فيه بدعة، وكان واسع العلم كثير الأدب.
ونقل عنه حكايات في أمر المُرْد، وكان ميلُه إليهم في الشبيبة، فلما تكهل، أقبل على شأنه، ونفيت تلك الشناعة عنه.
ولما أراد المأمون أن يوليه القضاء، دخل عليه، فاستحقره، فعلم يحيى بذلك، فقال: يا أمير المؤمنين! إن كان القصد علمي لا خَلقي، فسلني، فعرف المأمون فضله، فولاه.
وكان يحيى من أدهى الناس، وأخبرهم بالأمور، وتوفي يحيى يوم
الجمعة، منتصف ذي الحجة، في السنة الثانية والأربعين بعد المئتين، وعمره ثلاث وثلاثون سنة رحمه الله، وعفا عنه -.
وكان من وزراء المأمون: الحسن بن سهل السَّرخسي، وَزَر له بعد أخيه ذي الرياستين الفضل بن سهل، وحظي عند المأمون، وتزوج المأمون ابنتَه بوران، وولاه المأمون جميعَ البلاد التي افتتحها طاهرُ بن الحسين، وكان عالي الهمة، كثير العطايا للشعراء وغيرهم، وكان الحسن أحدَ الأجواد، وقيل: إنه أنفق في وليمة ابنته بوران - حين تزوج بها المأمون - أموالًا تجلُّ عن الوصف، وأوقد الحسن بن سهل للمأمون ليلة دخوله على ابنته بوران شمعة من عنبر، وزنها أربعون مَنًّا، في شمعدان من ذهب، وكان العرس في شهر رمضان، سنة عشر ومئتين.
وعاشت بوران بعد المأمون إلى سنة إحدى وسبعين ومئتين، فتوفيت وعمرها ثمانون سنة، وكانت قيمة بعلم النجوم والحساب - رحمها الله تعالى -.
وكان من ندماء المأمون: إسحاقُ بن إبراهيم الموصلي النديم، وكان نديمًا للرشيد قبل المأمون.
غزا المأمون الروم، وفتح منها حصونًا وقلاعًا، وكان أمره نافذًا من إفريقية الغرب إلى أقصى خراسان ووراء النهر.
وفي أيامه جاء سيل بمكة حتى بلغ الماءُ الحجر والباب، وهدم ألف دار، ومات نحو من ألف إنسان.
ومات سفيان بن عُيينة، ومعروف الكرخي في أيامه، وتوفي