الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فكان جملتهم - مع من مات في حبسه - ثمانيةَ عشرَ ألفًا، وكان من أطيب الناس صوتًا بالقراءة؛ فإنه حفظ القرآن، وأتقنه، وطلب العلم، وملك الديار المصرية وعمره أربعون سنة، سنة أربع وخمسين ومئتين، فملكها بضع عشرة سنة.
وخلَّف أموالاً كثيرة، وثلاثة وثلاثين ولداً ذكرا وأنثى، وكان أبوه مملوكا، أهداه نوح بن أسد الساماني إلى المأمون في جملة رقيق، ويقال: إن طولون تبنى أحمد، ولم يكن ولدَه رحمه الله، وسامحه -.
* * *
خلافة المهتدي بالله
هو محمدُ بنُ الواثقِ بالله بنِ المعتصمِ، الخليفةُ الصالح، وأمُّه رومية.
بويع له لليلة بقيت من رجب، سنة خمس وخمسين ومئتين، وكان أسمر اللون، رقيقا، مليح الوجه، حميد الطريقة، ورعًا، زاهدا، عابداً، عدلاً، كثير العبادة، قويا في أمر الدين، بطلاً شجاعًا، لكنه لم يجد ناصراً ولا معينًا على الخير، وكان خاشعًا ناسكًا، يكاد يكون في الهاشميين كعمر بن عبد العزيز في الأمويين، ولم يكن في ملوك بني العباس أزهدُ منه، وكان قد طرح الملاهي، وحرّم الغناء، وحسم أصحاب السلطان عن الظلم، وكان له سَفَطٌ فيه جبة صوف، وكساء وبرنس، كان يلبسه بالليل، ويصلي فيه.
ولما قتله الأتراك، تضاربوا على السفط المذكور؛ ظناً منهم أن فيه ذخيرة نفيسة، فلما اطلعوا على ما فيه، أظهروا الندامة.
وكان السبب في قتله: أنه لما رأى تغلُّب الأتراك والديلم والمغاربة، علم أن سلفه أخطؤوا في تقدمتهم، وجعل يقدم الأعراب، ويأنس بهم، ثم إن الترك خرجوا عليه، فظفروا به، وعزلوه، ثم زجُّوه بالخناجر، ومَصَّ أحدُهم دمه حتى روي منه، ومات بين أيديهم - رحمه الله تعالى - لأربع عشرة ليلة خلت من رجب، سنة ست وخمسين ومئتين، وله تسع وثلاثون سنة.
وكان له من الأولاد: سبعة عشر ذكرًا، وست بنات، وأولاده أعيانُ أهل بغداد، وهم الخطباء بالجوامع، ومنهم العدول، ولم يبقَ ببغداد من أولاد الخلفاء أكثرُ من ولده.
ومن شعره:
أَمَا وَالَّذِي أَعْلى السَّمَاءَ بِقُدْرَةٍ
…
وَأَبْعَدَ مَا بَيْنَ الثُّرَيَّةِ وَالثَّرَى
لَئِنْ تَمَّ لِي التَّدْبِيرُ فِيمَا أُرِيدُهُ
…
لتفْتَقَدَنَّ التُّرْكُ يَوْما فَلَا تُرَى
وصلَّى الله على سيدنا محمَّد، وعلى آله وصحبه وسلَّم.
* * *