المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ذكر فتح مكة: - التاريخ المعتبر في أنباء من غبر - جـ ١

[مجير الدين العليمي]

فهرس الكتاب

- ‌قَصَصُ الأنْبِياءِ وَالأُممِ السَّابِقَةِ

- ‌(1 - ذكر آدم عليه السلام

- ‌2 - ذكر نوح عليه السلام

- ‌(3 - ذكر هود وصالح عليهما السلام

- ‌(4 - ذكر إبراهيم الخليل صلوات الله وسلامه عليه)

- ‌5 - ذكر لوط عليه السلام

- ‌6 - ذكر إسماعيل عليه السلام

- ‌7 - ذكر إسحاق عليه السلام

- ‌8 - ذكر أيوب عليه السلام

- ‌9 - ذكر يوسف عليه السلام

- ‌10 - ذكر شعيب عليه السلام

- ‌11 - ذكر موسى عليه السلام

- ‌12 - ذكر يوشع عليه السلام

- ‌13 - شَمْويل النبي عليه السلام

- ‌14 - داود عليه السلام

- ‌15 - سليمان عليه السلام

- ‌16 - بُخْتَنَصَّر

- ‌17 - ذكر يونس بن مَتَّى عليه السلام

- ‌18 - ذكر أرمياء عليه السلام

- ‌19 - ذكر زكريا وابنه يحيى عليهما السلام

- ‌20 - ذكر عيسى بن مريم عليه السلام

- ‌21 - ذكر خراب بيت المقدس

- ‌22 - ذكر أُمَّة اليهود

- ‌23 - ذكري أُمَّة النصارى

- ‌24 - ذكر أمم الهند

- ‌25 - ذكر أُمَّة السِّنْد

- ‌26 - ذكر أُمم السودان

- ‌27 - ذكر أمم الصين

- ‌28 - ذكر بني كنعان

- ‌29 - ذكر البربر

- ‌30 - ذكر العمالقة

- ‌31 - ذكر أمم العرب وأحوالهم قبل الإسلام

- ‌32 - ذكر بني حِمْيَرِ بن سبأ

- ‌33 - ذكر بني كهلان بن سبأ

- ‌34 - قصة الفيل

- ‌35 - ذكر التاريخ الإسلامي

- ‌السيرة النبوية الشريفة

- ‌ذكر سيد الأولين والآخرين وخاتم الأنبياء والمرسلين وحبيب ربِّ العالمين محمدٍ البشير النذير، الداعي إلى الله بإذنه السراج المنير

- ‌ذكر أسمائه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر رضاع النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ ذكر مبعثه صلى الله عليه وسلم وابتداء الوحي *

- ‌ ذكر رمي الشياطين بالشهب لمبعثه *

- ‌ ذكر الاختلاف في أول من أسلم *

- ‌ ذكري أمر الله تعالى نبيه بإظهار دعوته *

- ‌ ذكر تعذيب المستضعفين من المسلمين *

- ‌ ذكر المستهزئين، ومن كان شديد الأذى للنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ ذكر إسلام حمزة *

- ‌ ذكر إسلام عمر بن الخطاب *

- ‌ ذكر الهجرة إلى أرض الحبشة *

- ‌ ذكر أمر الصحيفة

- ‌ ذكر نقض الصحيفة *

- ‌ ذكر المعراج *

- ‌ ذكر وفاة أبي طالب، وخديجة رضي الله عنها، وعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه على قبائل العرب *

- ‌ذكر تزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشةَ رضي الله عنها

- ‌ ذكر ابتداء أمر الأنصار *

- ‌ ذكر بيعة العقبة الأولى *

- ‌ ذكر بيعة العقبة الثانية *

- ‌ذكر الهجرة الشريفة النبوية - على صاحبها أفضلُ الصلاة والسلام

- ‌ذكر ما بين الهجرة الشريفة والتواريخ القديمة

- ‌ ذكر الحوادث في السنة الأولى من الهجرة *

- ‌ السنة الثانية من الهجرة *

- ‌ السنة الثالثة من الهجرة *

- ‌ ذكر إرسال عمرو بن أمية لقتل أبي سفيان:

- ‌ ودخلت السنة الرابعة من الهجرة *

- ‌ وفيها: كانت غزوة بدر الثانية، وتسمى - أيضًا -: غزوة السَّويق

- ‌ السنة الخامسة من الهجرة *

- ‌ السنة السادسة من الهجرة *

- ‌ ذكر قصة الإفك:

- ‌ ذكر الصلح بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وقريش:

- ‌ السنة السابعة من الهجرة *

- ‌ ذكر رسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك:

- ‌ ذكر عُمْرة القضاء:

- ‌ السنة الثامنة من الهجرة *

- ‌ ذكر إسلام عمرو بن العاص وخالد بن الوليد وعثمان بن طلحة:

- ‌ ذكر فتح مكة:

- ‌ إسلام فضالة:

- ‌ ذكر غزوة خالد بن الوليد رضي الله عنه بني جذيمة:

- ‌ ذكر غزوة هوازن بحنين:

- ‌ ذكر حصار الطائف:

- ‌ السنة التاسعة من الهجرة *

- ‌ ذكر غزوة تبوك:

- ‌ ذكر قصة كعب وصاحبيه:

- ‌ ذكر حَجِّ أبي بكر رضي الله عنه بالناس:

- ‌السنة العاشرة من الهجرة *

- ‌ ذكر حجة الوداع:

- ‌ السنة الحادية عشرة من الهجرة *

- ‌ ذكر مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ووفاته:

- ‌ فصل في ذكر صفة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ فصل في تفسير معاني الكلمات ومشكلها:

- ‌ ذكر أسمائه عليه الصلاة والسلام *

- ‌ذكر نَعْت رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة

- ‌ ذكر معجزاته صلى الله عليه وسلم

- ‌ ذكر أوصافه وأخلاقه وشمائله صلى الله عليه وسلم

- ‌ ذكر مَثَلِه ومَثَلِ الأنبياء من قبله صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر مَثَلهِ ومَثَلِ ما بُعِثَ به صلى الله عليه وسلم

- ‌ ذكر عدد غزواته صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر حجته صلى الله عليه وسلم

- ‌ ذكر أولاده صلى الله عليه وسلم

- ‌ ذكر أعمامه وعماته *

- ‌ذكر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ ذكر خدمه ومواليه صلى الله عليه وسلم

- ‌ ذكر كُتَّابه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر حرَّاسه ومن كان يضرب الأعناق بين يديه

- ‌ ذكر العشرة من الأصحاب، والحواريين وأهل الصفَّة *

- ‌ذكر سلاحه وأثاثه

- ‌ذكر خيله وحميره وإبله صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل فيمن استغاث به صلى الله عليه وسلم فأغيث في القديم والحديث

- ‌ ذكر قصة الجمل المستجير بالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ ذكر قصة رجل فقير من القراء استغاث بالنبي صلى الله عليه وسلم عند قبره:

- ‌ذكر أخبار الأسود العَنْسي، ومُسَيلمة الكذَّاب، وسَجاحِ، وطلحةَ

- ‌مجلس في فضل الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما جاء في ذلك من الثواب والتقريب ورفع الدرجات

- ‌فصل في كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الخلافة الراشدة

- ‌الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه

- ‌ ذكر نشأته:

- ‌خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه

- ‌و[أما] فضائله رضي الله عنه

- ‌ كراماته:

- ‌ فضائله رضي الله عنه

- ‌خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه

- ‌خلافة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌ ذكر مسير علي رضي الله عنه إلى البصرة:

- ‌ وقعة الجمل:

- ‌ وقعة صِفِّين:

- ‌ ذكر صفاته رضي الله عنه

- ‌ وأما فضائل علي ومناقبه كثيرة، منها:

- ‌خْلَافَةُ الحَسَن بن عَليّ بن أَبي طَلِبْ رضي الله عنهما

- ‌ومن فضائل الحسن:

- ‌[الدَّوْلَةُ الأَمَوِيَّة]

- ‌(خلفاء بنى أمية)

- ‌(خلافة الناصر لدين الله معاوية بن أبي سفيان)

- ‌(خلافة يزيدَ بنِ معاويةَ، ) ولقَّبَ نفسَه: المستنصر على أهل الزيغ

- ‌ ذكر حصار عبد الله بن الزبير:

- ‌(خلافة الراجعِ إلى الله معاوية بنِ يزيدَ بنِ معاوية رضي الله عنه

- ‌(خلافة عائذ بيت الله عبد الله بن الزبير)

- ‌(خلافة المؤتمن بالله مروان بن الحكم)

- ‌(خلافة الموفق لأمر الله عبد الملك بن مروان)

- ‌ ذكر شيء مما اتفق في أيامه:

- ‌ ذكر غير ذلك:

- ‌وفي سنة سبع وسبعين:

- ‌(خلافة المنتقم لله الوليد بن عبد الملك)

- ‌(خلافة المهدي بالله الداعي إلى الله سليمان بن عبد الملك)

- ‌ خلافة المعصوم بالله عمر بن عبد العزيز

- ‌ومن أعظم حسناته:

- ‌ خلافة القادر بصنع الله يزيدَ بنِ عبد الملك *

- ‌ خلافة المنصور هشامِ بنِ عبد الملك بنِ مروان

- ‌ خلافة الوليد بن يزيد بن عبد الملك *

- ‌خلافة الشاكر لأنعم الله يزيدَ بنِ الوليد بن عبد الملك بن مروان

- ‌ خلافة [. . . .] إبراهيم بن الوليد *

- ‌ خلافة [ .... ] مروان بن محمد *

- ‌الدَّولةُ العَبَاسيَة

- ‌ خلافة أبي العباس السفاح القائم بأمر الله *

- ‌ خلافة أبي جعفر عبد الله بن محمد بن علي المنصور *

- ‌ خلافة المهدي *

- ‌ خلافة موسى الهادي *

- ‌ خلافة هارون الرشيد *

- ‌ خلافة محمد الأمين بن هارون الرشيد *

- ‌ خلافة أمير المؤمنين المأمون بن هارون الرشيد *

- ‌ خلافة المعتصم بالله صاحب سُرَّ مَن رأى *

- ‌ خلافة الواثق بالله *

- ‌ خلافة أمير المؤمنين جعفر بن المعتصم المتوكل على الله *

- ‌خلافة المنتصر محمدِ بنِ جعفر

- ‌خلافة المعتزِّ بالله

- ‌خلافة المهتدي بالله

- ‌خلافة المعتمد على الله

- ‌خلافة المعتضد

- ‌خلافة المكتفي بالله

- ‌خلافة المقتدر بالله

- ‌خلافة القاهر بالله

- ‌خلافة الراضي بالله

- ‌خلافة المتقي لله

- ‌خلافة المستكفي بالله

- ‌خلافة المطيع لله

- ‌خلافة الطائع لله

- ‌خلافة القادر بالله

- ‌خلافة القائم بأمر الله

- ‌خلافة المقتدي بأمر الله

- ‌خلافة المستظهر بالله

- ‌خلافة المسترشد بالله

- ‌خلافة الراشد بالله

- ‌خلافة المقتفي لأمر الله

- ‌خلافة المستنجد بالله

- ‌خلافة المستضيء بأمر الله

- ‌خلافة الناصر لدين الله

- ‌خلافة الظاهر بأمر الله

- ‌خلافة المستنصر بالله

- ‌خلافة المستعصم بالله، وهو آخرهم

- ‌ذكر استيلاء التتر على بغداد، وانقراض الدولة العباسية

الفصل: ‌ ذكر فتح مكة:

يقوم عليه، كما يئنّ الصبيُّ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ هَذَا بَكَى لِمَا فَقَدَ مِنَ الذِّكْرِ"(1)، فنزل، فمسحه بيده حتى سكن، فلما هدم المسجد وتغير، أخذ ذلك الجذعَ أُبَيُّ بن كعب، فكان عندَه في داره حتى بَلي.

*‌

‌ ذكر فتح مكة:

وسبب ذلك: أن بني بكر بن عبد مناة عَدَتْ على خُزاعة، وهم على ماءٍ لهم بأسفلِ مكة، يقال له: الوثير، وكانت خزاعة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبنو بكر في عهد قريش في صلح الحديبية، وكانت بينهم حروب في الجاهلية.

فكلمت بنو بكر أشرافَ قريش أن يُعينوهم على خزاعةَ بالرجال والسلاح، فوعدوهم، ووافَوْهم متنكرين، فبيتوا خزاعةَ ليلًا، فقتلوا منهم عشرين، ثم ندمت قريشٌ على ما فعلوا، وعلموا أن هذا نقض العهد الذي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وخرج عَمْرُو بنُ سالم الخزاعيُّ في طائفة من قومه، فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم مستغيثين به، فوقف عمرٌو عليه، وهو جالس بالمسجد، وأنشده أبياتًا، يسأله أن ينصره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"نُصِرْتَ يا عَمْرُو بْنَ سَاِلمٍ"، ثم قدم بُدَيلُ بنُ ورقاءَ الخزاعيُّ في نفرٍ من خزاعةَ على النبي، وأخبره، فقال:"كأنكم بأبي سفيانَ قد جاءكمُ يشدُّ العَقْدَ، ويَزيدُ في المدَّةِ"، فكان كذلك.

(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(3/ 300)، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.

ص: 153

ثم قدم أبو سفيان المدينة، فدخل على ابنته أمِّ حبيبة أمِّ المؤمنين زوجِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما ذهب ليجلسَ على فِراش رسول الله صلى الله عليه وسلم، طَوَتْه عنه، فقال: ما أدري أرغبتِ بي عن هذا الفراش، أمن رغبتِ به عني؟ قالت: بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنت رجل مشرك نجس، قال: والله! لقد أصابك بعدي يا بنية شرٌّ.

ثم خرج، فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فكلمه، فلم يردَّ عليه شيئًا، فذهب إلى أبي بكر، ثم إلى عمر، ثم إلى عليٍّ رضي الله عنه على أن يكلموا النبي صلى الله عليه وسلم في أمره، وتشفَّع بهم، فلم يفعلوا، فقال لعلي: يا أبا الحسن! إني أرى الأمور قد اشتدَّت عليَّ، فانصحْني، قال: والله! لا أعلم شيئًا يغني عنك، ولكنك سيدُ بني كنانة، فقم فَأَجِرْ بين الناس، والحقْ بأرضك، قال: أو ترى ذلك مغنيًا عني شيئًا؟ قال: لا والله! ما أظنه، ولكن لا أجدُ لك غيرَ ذلك، فقام أبو سفيان في المسجد، فقال: أيها الناس! إني قد أجرت بين الناس.

ثم ركب بعيرًا، وانطلق، فلما قدم إلى قريش، قالوا: ما وراءك؟ فقص شأنه، وأنه قد أجار بين الناس، قالوا: فهل أجاز محمدٌ ذلك؟ قال: لا، قالوا: والله! إن زادَ الرجلُ على أن لعب بك (1).

قال: ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجهاز، وأمر أهلَه أن يجهزوه، ثم أعلم الناسَ بأنه يريد مكة، وقال: "اللهمَّ خُذِ العُيونَ والأخبارَ عن قريش

(1) رواه البيهقي في "دلائل النبوة"(5/ 6)، عن المسور بن مخرمة رضي الله عنه.

ص: 154

حَتَّى نَبْغَتَهُمْ في بِلادِهِمْ"، ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لسفره، واستخلف على المدينة كلثومَ بنَ الحصين الغفاريَّ، فخرج لعشرٍ مضين من شهر رمضان، ومعه المهاجرون والأنصار، وطوائفُ من العرب، فكان جيشُه عشرة آلاف، فصام، وصام الناس معه، حتى إذا كان بالكديد، أفطر.

فخرج أبو سفيان بنُ حرب، وحكيمُ بن حزام، وبديلُ بنُ ورقاء يتجسسون الأخبار، وكان العباس بن عبد المطلب قد خرج قبل ذلك بعياله مسلمًا مهاجرًا، فلقي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بالجُحْفَة، وقيل: بذي الحليفة، ثم حضر أبو سفيان بن حرب على يد العباس إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن استأمن له، فأسلم، وأسلم معه حكيمُ بن حزام، وبديلُ بن ورقاء، وقال العباس: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم! إن أبا سفيان يحب الفخر، فاجعلْ له شيئًا يكون في قومه، فقال:"مَنْ دخلَ دارَ أبي سُفيانَ فهو آمِنٌ، ومن دخلَ المسجدَ فهو آمنٌ، ومن دخلَ دارَ حكيمِ بنِ حزامٍ فهو آمِنٌ، ومن أغلقَ عليه بابَهُ فهو آمِنٌ"(1).

وكان فيمن خرج ولقي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ببعض الطريق: أبو سفيان بنُ الحارث، وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة بالأبواء، فأعرضَ عنهما، فجاء إليه أبو سفيان بنُ الحارث بنِ عبد المطلب، فقبل وجهه، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:{لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف: 92]، وقبل منهما إسلامهما، فأنشده أبو سفيان

(1) رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(15/ 107)، عن عروة بن الزبير.

ص: 155

معتذرًا إليه أبياتًا، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره، وقال:"أنتَ طردتني كُلَّ مطرد؟ "(1).

وكان أبو سفيان بعد ذلك ممن حَسُن إسلامه، فيقال: إنه ما رفع رأسَه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلم حياءً منه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبه، ويشهد له بالجنة، ويقول:"أَرْجُو أَنْ يَكُونَ خَلَفًا مِنْ حَمْزَةَ".

وأمر النبي صلى الله عليه وسلم الزبيرَ بنَ العوام أن يدخل ببعض الناس من كدى، وأمر سعدَ بن عبادة سيدَ الخزرج أن يدخل ببعض الناس من ثنية كَداء، ثم أمر عليًا أن يأخذ الرايةَ منه، فيدخل بها؛ لما بلغه من قول سعد: اليومَ يومُ الملحَمة، اليومَ نستحلُّ الحرمة، وأمر خالدَ بن الوليد أن يدخل من أسفل مكة في بعض الناس، وكلُّ هؤلاء الجنود لم يقاتلوا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن القتال، إلا أن خالد بن الوليد لقيه جماعةٌ من قريش، فرمَوْه بالنبل، ومنعوه من الدخول، فقاتلهم خالد، فقتلَ من المشركين ثمانيةً وعشرين رجلًا، فلما ظهر النبيُّ صلى الله عليه وسلم على ذلك، قال:"أَلَمْ أَنْهَهُ عَنِ القِتَالِ؟ ! "، فقالوا له: إن خالدًا قوتل فقاتل، وقُتل من المسلمين رجلان (2).

وكان فتح مكة يوم الجمعة، لعشر بقين من رمضان، ودخل رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومَلَكَها عنوةً بالسيف، وإلى ذلك ذهبَ الشافعيُّ، وهو الصحيحُ من مذهب أحمد بن حنبل رضي الله عنهما، وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: إنها

(1) رواه الحاكم في "المستدرك"(3/ 46)، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.

(2)

رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى"(2/ 133).

ص: 156

فتُحت صُلْحًا، والله أعلم.

ولما دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة، كان على الكعبة ثلاثُ مئة وستون صنمًا، قد شدَّ لهم إبليسُ أقدامَها بالرصاص، فجاء ومعه قضيبٌ، فجعل يومي إلى كل صنم منها، فيخرُّ لوجهه، فيقول:{جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء: 81]، حتى مرَّ عليها كلها.

وقدم على النبي صلى الله عليه وسلم وَحْشِيُّ بنُ حربٍ قاتلُ حمزةَ رضي الله عنه، وهو يقول: أشهدُ أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أَوَحْشِيُّ؟ "، فقال: نعم، قال:"أَخْبِرْني كيفَ قتلتَ عَمِّي"، فأخبره، فبكى، وقال:"غَيِّبْ وَجْهَكَ عَنِّي"(1).

ولما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، كانت عليه عِمامةٌ سوداءُ، فوقف على باب الكعبة، وقال:"لا إلهَ إلا الله وحدَه، صدقَ وعدَه، ونصرَ عبدَه، وهزمَ الأحزابَ وحدَه"(2).

ثم قال: "يا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ! مَا تَرَوْنَ أَنِّي فاعِلٌ بِكُمْ؟ "، قالوا: خيرًا، أخٌ كريم، وابن أخ كريم، قال:"اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ"، فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الله تعالى أمكَنَه منهم، وكانوا له فيئًا، فبذلك سمي أهل مكة: الطلقاء (3).

(1) رواه البخاري (36844)، عن وحشي رضي الله عنه.

(2)

رواه أبو داود (4547)، وابن ماجه (2628)، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه.

(3)

رواه الطبري في "تاريخه"(2/ 161)، عن قتادة السدوسي.

ص: 157

ولما اطمأن الناس، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطواف، فطاف بالبيت سبعًا على راحلته، واستلم الركن بِمحْجَنٍ كان بيده (1)، ودخل الكعبة، ورأى فيها الشخوصَ، على صورة الملائكة، وصورةَ إبراهيم، وفي يده الأزلامُ يستقسمُ بها، فقال:"قاتَلَهُمُ اللهُ! جَعَلُوا شَيْخَنا يَسْتَقْسِمُ بالأَزْلامِ، ما شَأْنُ إِبراهيمَ وَالأَزْلام"، ثم أمر بتلك الصور فطُمست، وصلَّى بالبيت (2).

ثم جلس صلى الله عليه وسلم على الصفا، واجتمع الناس لبيعته على الإسلام، فكان يبايعهم على السمع والطاعة لله ولرسوله، فبايع الرجال، ثم النساء.

وأهدر دمَ ستة رجالٍ، وأربعِ نسوةٍ:

فأولهم: عكرمةُ بن أبي جهل، ثم استأمنت له زوجتُه أمُّ حكيم، فآمنه، فقدم عكرمةُ، وأسلمَ.

ثانيهم: هَبَّارُ بن الأَسود.

ثالثهم: عبدُ الله بن سعدِ بنِ أبي سَرْحٍ، وكان أخا عثمانَ بن عفان من الرضاعة، فأتى عثمانُ به النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وسأله فيه، فصمتَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم طويلًا، ثم آمنه، فأسلم، وقال لأصحابه:"إنما صَمَتُّ لِيَقُومَ أَحَدُكُمْ فَيَقْتُلَهُ"، فقالوا: هلَاّ أومأت إلينا، فقال لهم: "إنَّ الأنبياءَ لا تَكُون لهم

(1) رواه أبو داود (1878)، وابن ماجه (2947)، عن صفية بنت شيبة رضي الله عنها.

(2)

رواه ابن هشام في "السيرة النبوية"(5/ 75)، وأصله عند البخاري (3174)، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

ص: 158

خائِنَةُ الأَعْيُنِ" (1)، - وكان عبدُ الله المذكورُ قد أسلم من قبل الفتح، وكتبَ الوحي، فكان يبدِّلُ القرآنَ، ثم ارتدَّ - وعاش إلى خلافة عثمان رضي الله عنه، وولاه عثمانُ مصرَ.

ورابعُهم: مِقْيَسُ بنُ صبابةَ؛ لقتله الأنصاريَّ الذي قتل أخاه خطأ، وارتدَّ.

وخامسهم: عبد الله بن هلال، كان قد أسلم، ثم قتل مسلمًا، وارتدَّ.

وسادسهم: الحويرث بنُ نُفيل، كان يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويهجوه، فلقيه علي بن أبي طالب، فقتله.

وأما النساء، فأولهن: هندٌ زوجُ أبي سفيان، أمُّ معاوية، التي أكلت من كبد حمزة، تنكَّرت مع نساء قريش، وبايعتْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فلما عرفَها، قالت: أنا هند، فاعفُ عما سلف، فعفا (2).

ولما جاء وقتُ الظهر يومَ الفتح، أذّن بلالٌ على ظهر الكعبة، وقال الحارث بن هشام: ليتني مِتُّ قبل هذا.

وقال خالد بن أسيد: لقد أكرم الله أبي، فلم يرَ هذا اليوم، فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ذكر لهم ما قالوه، فقال الحارث بن هشام: أشهدُ أنك رسول الله، ما اطَّلع على هذا أحد، فنقول: أخبركَ.

(1) رواه أبو داود (2683)، والنسائي (4067)، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.

(2)

رواه الطبري في "تاريخه"(2/ 161)، عن قتادة السدوسي.

ص: 159