الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: بلى والله! لقد أُخبِرتُ أنكما تابعتما محمدًا، وبطشَ بسعيد بن زيد، فقامت أختُه لتكفَّه عنه، فضربها فشجَّها، فلما فعل ذلك، قالت أخته: نعم، والله! قد أسلَمْنا، وآمنا بالله ورسوله، فاصنعْ ما شئتَ، فندم، وطلب الصحيفة التي يقرؤونها، قالت: إنك نجس على شركك، فلا تمسها، فكان عمر يقول: ما عرفتُ ذُلّ الشرك إلا ذلك اليوم، فقام واغتسل، فأعطته الصحيفة فقرأها، وفيها:{طه} [طه: 1]، فلما قرأ بعضها، قال: ما أحسنَ هذا الكلامَ وأكرمَه! ثم أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم وهو بدارٍ عندَ الصفا، وعنده قريبُ أربعين نفسًا، ما بين رجال ونساء، منهم: حمزة، وأبو بكر الصديق، وعلي بن أبي طالب، فقصدهم عمر وهو متوشِّح بسيفه، واستأذن في الدخول، فأذن له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فلما دخل، نهض إليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حتى لقيه، وأخذ بمجمع ردائه، ثم جذبه جذبة شديدة، وقال:"ما جاءَ بكَ يا بنَ الخَطَّاب؟ ما أراكَ تنتهي حتى تَنْزِلَ بكَ قارعَةٌ"، فقال عمر: يا رسول الله! جئت لأومن بالله ورسوله، فكبّر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم تكبيرة، علم مَنْ في البيت أن عمر قد أسلم، ثم قال عمر: يا رسول الله! ألسنا على الحق؟ قال: "إي والذي بعثني بالحقِّ نبيًا"، قال: أما والذي بعثك بالحق نبيًا! لا يُعبد الله بَعدَ اليوم سِرًّا.
* * *
*
ذكر الهجرة إلى أرض الحبشة *
لما رأى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ما يصيب أصحابه من البلاء، وما هو فيه من
العافية؛ بمكانه من الله عز وجل، وعمِّه أبو طالب، وأنه لا يقدر على أن يمنعهم، قال لأصحابه:"لو خَرَجْتُم إلى أرضِ الحبشة؛ فإنَّ بها ملكًا لا يُظلَم أحدٌ عندَه، حتى يجعلَ اللهُ لكم فَرَجًا ومَخْرَجًا مما أنتمْ فيه"(1).
فخرج المسلمون إلى أرض الحبشة مخافةَ الفتنة، وفرارًا إلى الله بدينهم، فكانت أول هجرة في الإسلام، فخرج عثمان بن عفان، وزوجته رقيةُ بنتُ النبي صلى الله عليه وسلم معه، وأبو حذيفة بنُ عتبةَ بنِ ربيعة، وزوجتُه سهلَةُ بنتُ سهيلِ بنِ عمرٍو معه، والزبيرُ بن العوام، وتمامُ الأحدَ عشرَ رجلًا، وأربعُ نسوة، وكان مسيرُهم في رجب، سنة خمس من النبوة، فأقاموا شعبان، وشهر رمضان، ثم بلغهم أن قريشًا أسلموا، فقدِموا في شوال، فلما قربوا من مكة، بلغهم أن قريشا على ما هم عليه، فلم يدخل أحد منهم إلا بجوارٍ، أو مستخفيًا.
وأقام المسلمون بمكة يُؤْذَون، فلما رأوا ذلك، رجعوا مهاجرين إلى الحبشة ثانية، فخرج جعفر بن أبي طالب، وتتابع المسلمون إلى الحبشة، فكمل بها اثنان وثمانون رجلًا، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم مقيم بمكة يدعو إلى الله سرًا وجهرًا.
ولما رأت قريش أن المهاجرين قد اطمأنوا بالحبشة وأمِنوا، وأن النجاشي قد أحسن إليهم، ائتمروا بينهم، فبعثوا عَمْرَو بنَ العاص، وعبد الله بن أبي ربيعة، ومعهما هديةٌ إلى النجاشي وإلى أصحابه؛ ليردَّ
(1) انظر: "السيرة" لابن إسحاق (2/ 154).