الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الأول، سنة سبعين ومئة.
وولايته سنة وشهر، وصلى عليه هارون الرشيد، وله أربع وعشرون سنة، وفي ليلة وفاته مات وهو خليفة، وولي خليفة، وهو الرشيد، وولد خليفة، وهو عبد الله المأمون.
ولم يحج الهادي في ولايته.
ولده: علي، وإسحاق، وجعفر، وعبد الله، وله بنات، منهن: أم عيسى، تزوجها المأمون.
قاضيه: أبو يوسف يعقوبُ بنُ إبراهيم.
ووزيره: الفضل بن الربيع، والله أعلم.
وصلَّى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلَّم.
* * *
*
خلافة هارون الرشيد *
هو أبو محمد، وقيل: أبو جعفر، هارونُ بنُ محمدٍ المهديِّ، وأمُّه الخيزران أمُّ الهادي، وكان الرشيد طويلًا، أبيض، حسن الوجه، جميلًا، سمينًا، قد وَخَطه الشيب، كبيرَ العينين.
بويع له يوم الجمعة، لأربع عشرة ليلة بقيت من ربيع الأول، سنة سبعين ومئة، وهو ابن أربع وعشرين سنة، وكان متضلعًا من العلم والأدب والشعر.
وفي ليلةِ توفي الهادي وُلد لهارونَ ولدٌ سماه: عبدَ الله المأمون، ولم يكن في سائر الزمان ليلة مات فيها خليفة، وولي فيها خليفة، ووُلد فيها خليفة إلا هذه الليلة.
ثم إن الرشيد استوزر البرامكةَ، وتقدَّموا عنده لأرفع درجات الإجلال، وقال ليحيى: قد وليتك أمورَ الناس، فاحكمْ في ذلك بما ترى من الصواب، واستعملْ من اخترتَ، ودفع إليه خاتمه.
وكان الرشيد يحبُّ الشعر، ويهوى السماع، وكان يشرب في يومين من الجمعة: الأحد، والثلاثاء، وما رآه أحد يشرب نبيذًا ظاهرًا.
وهو أول من جعل المغنين طبقات ومراتبَ على قدر إحسان المحسنِ منهم، وعلى قدر طبقاتهم ومراتبهم كانت تخرج جوائزهم وصِلاتهم.
وكان الرشيد سخيًا كريمًا، جوادًا شجاعًا، كثير الحج والغزو، وكان يحج سنة، ويغزو سنة، حج في خلافته ثمان حِجَج، وقيل: تسعة، وغزا ثماني غزوات.
وكان يصلي في كل يوم مئة ركعة، لا يتركها إلا لعارض شديد، حتى فارق الدنيا.
وكان يتصدق من ماله كلَّ يوم بألف درهم.
وعقد الرشيد البيعة لابنه محمد الأمين، وكان بنو هاشم تحب ولاية محمد الأمين تعصُّبًا من قبل أبيه وأمه.
وكان الرشيد والوزراء يعرفون لعبد الله المأمون مكانَه من العقل والذكاء والدهاء، والتفوق في العلم، فلم يزل أمره ينمو في نفس الرشيد، حتى عقد له البيعةَ بعد أخيه الأمين، ووافق في ذلك اليوم قدومُ الشافعي رضي الله عنه إلى بغداد، فوجد الناس قد بَكَّروا ليهنئوا الرشيد، فجلسوا في دار العامة ينتظرون الإذن، وجعلوا يقولون: كيف يكون قولُنا؟ إن دعونا لهما، كان دعاءً على الخليفة، وإن لم ندع لهما، كان نقصًا في حقهما، فدخل الشافعي فجلس، وقال:
لا قَصَّرَا عَنْهَا وَلَا بَلَغَتْهُمَا
…
حَتَّى يَطُولَ عَلَى يَدَيْكَ طِوَالُها (1)
وحج الرشيد بالناس في سنة خمس وثمانين ومئة، وحج معه ابناه، وولِيَّا عهده: محمد الأمين، وعبد الله المأمون، وفرَّق في أهل مكة والمدينة ما مبلغه ألفُ ألفِ دينار، وخمسون ألف دينار، وعقد بين ولديه شرطًا، وعلقه في الكعبة، فلما رُفع الكتاب ليعلَّق بالكعبة، سقط قبل أن يعلق، فقال بعض الحاضرين (2): هذا الأمر سريعٌ انتقاضُه قبل تمامه.
واجتمع للرشيد ما لم يجتمع لغيره من جدٍّ وهزل.
قاضيه أبو يوسف، وشاعره مروان بن أبي حفصة، ونديمه عم أبيه
(1) انظر: "تاريخ الطبري"(5/ 26). وفيه: إن هذا البيت لعبد الله بن مصعب ابن ثابت بن عبد الله بن الزبير.
(2)
في الأصل: "الحاضر".
العباسُ بن محمد، وحاجبه الفضلُ بن الربيع أنبهُ الناس، ومغنيه إبراهيمُ الموصليُّ أوحدُ عصره في صناعته، وزامرُه برصوما، وزوجتُه بنتُ جعفرٍ أرغبِ الناس في الخير، وأسرعِهم إلى كلِّ بِرّ، وأمُّه الخيزرانُ أمُّ الخلفاء، ووزراؤه البرامكة الذين لم يُرَ مثلُهم في الجود والسخاء، وكانت لهم عنده الرقية العلية، والمكانة المرضية، وكانوا عنده لهم الأمر والنهي، والعقد والحل، لا يقطع أمرًا دونهم، ولا يقدِّم أحدًا عليهم، فساسوا أمور الناس أحسنَ سياسة، وساعدَهم المقدور، وشهد بفضلهم الجمهور، ثم بعد ذلك قبض عليهم، وألبسهم بعد العز ثيابَ الذل، ونكَّل بهم، وقتلهم وصلبهم، وقتل جعفر بالأنبار آخر يوم من المحرم، سنة سبع وثمانين ومئة، وبعث بجثته إلى بغداد، ولم يزل يحيى وابنُه الفضل في الحبس حتى ماتا.
والسبب في قتل جعفر: أن الرشيد زوَّجه أختَه عباسة؛ ليحل له النظر إليها، وشرط عليه أن لا يقربها، فوطئها، وحبلت منه، وجاءت بغلام، وقيل غير ذلك.
وتوفي الرشيد بطوس، يوم السبت، لستٍّ خلون من جمادى الآخرة، سنة ثلاث وتسعين ومئة، وصلى عليه ابنُه صالح.
وكانت خلافته ثلائًا وعشرين سنة، وشهرين، وثمانية عشر يومًا، وكان لا يضيع عنده إحسان محسن، ولا يؤخر جزاء، وكان يحب الشعراء والشعر، ويميل إلى أهل الأدب والفقه.
أولاده: محمد الأمين، وعبد الله المأمون، ومحمد المعتصم، وصالح، ومحمد أبو عيسى، والقاسم، وإسحاق، وغيرهم، وبنات،