الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم قفلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، حتى إذا كان بين مكة والمدينة، نزلت سورة الفتح:{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} [الفتح: 1 - 2](1).
ودخل في الإسلام في هذه السنة مثلُ ما دخل فيه قبلَ ذلك وأكثرُ، وهاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نسوةٌ، فيهن أمُّ كلثومٍ بنتُ عقبةَ بنِ أبي مُعَيط، فجاء أخواها الوليدُ، وعمارة يطلبانها، فأنزل الله تعالى:{فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: 10]، فلم ترسل امرأة مؤمنة إلى مكة.
وأنزل الله تعالى: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10]، فطلق عمر رضي الله عنه امرأتين له، إحداهما: قُريبةُ بنتُ أبي أمية، فتزوجها معاوية وهما مشركان، والثانية: أم كلثوم بنة عمرو بن جَرْول الخزاعية، فتزوجها أبو جهم بن حذافة بن غانم، وهما مشركان.
* * *
*
السنة السابعة من الهجرة *
* فيها: كانت غزوة خيبر: وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من الحديبية، أقام بالمدينة ذا (2) الحجة وبعضَ المحرم، ثم خرج في منتصف
(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(4/ 323)، عن المسور بن مخرمة رضي الله عنه.
(2)
في الأصل: "ذي".
المحرم سنة سبع، وسار إلى خيبر في ألف وأربع مئة فارس، وخيبرُ على ثمان بُرُدٍ من المدينة، واستخلف على المدينة سباعَ بنَ عرفطة الغفاري، ولما أشرفَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على خيبر، قال لأصحابه:"قفوا"، ثم قال:"اللهمَّ ربَّ السَّمَواتِ وَما أَظْلَلْنَ، وَرَبَّ الأَرَضيِنَ وَما أَقْلَلْنَ، وَرَبَّ الشَّيَاطِينِ وَمَا أَضْلَلْنَ، وَرَبَّ الرِّياحِ وَمَا ذَرَيْنَ، نَسْأَلُكَ خَيْرَ هَذِهِ القَرْيَةِ، وخَيْرَ أَهْلِهَا، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا، وَشَرِّ أَهْلِهَا، وَشَرِّ مَا فِيَها، أَقْدِمُوا بِاسْمِ الله"(1)، ونزل على خيبر ليلًا، ولم يعلم أهلها.
فلما أصبحوا، خرج أهلها إلى عملهم، ومعهم مَكاتِلُهم ومَساحيهم، فلما رأوه، عادوا، وقالوا: محمدٌ والخميسُ - يعنون: الجيش -، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"الله أكبرُ خَرِبَتْ خيبرُ، إِنَّا إِذا نَزَلْنا بِساحَةِ قَوْمٍ؛ فَسَاءَ صَبَاحُ المنذَرِينَ"(2)، ثم حاصرهم، وضيّق عليهم، وبدأ بالأموال يأخذها مالًا مالًا، ويفتحها حصنًا حصنًا.
وأصاب منهم سبايا، منهن: صفيةُ بنتُ حُيَيِّ بنِ أخطبَ، وكانت عندَ كِنانَة بنِ الربيع بنِ أبي الحُقَيْق، فاصطفاها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لنفسه، وتزوَّجها، وجعل عِتْقَها صَداقَها، وهذا مذهبُ الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه، وهو من مفردات مذهبه.
ثم افتتح حصنَ الصَّعْب، وما كان بخيبر حصنٌ أكثر طعامًا
(1) رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(22/ 359)، عن أبي معتب بن عمرو.
(2)
رواه البخاري (364)، ومسلم (1365)، عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
ووَدكًا منه، ثم انتهى إلى الوطيح، والسلالم، وكان آخر حصون خيبر افتتاحًا.
وروي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما كانت تأخذُه الشقيقةُ، فيلبث اليومَ واليومين لا يخرج، فلما نزلَ خيبرَ، أخذته، فأخذ أبو بكر الصديق رضي الله عنه الرايةَ، وقاتل قتالًا شديدًا، ثم رجع، فأخذها عمرُ، فقاتل قتالًا شديدًا، أشدَّ من الأول، ثم رجع، فأخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:"أَمَا واللهِ! لأُعطينَّ الرايَةَ غَدًا رَجُلًا يُحِبُّ الله ورسولَهُ، ويحبُّهُ اللهُ ورسولُه، كَرّارًا غَيْرَ فَرّارٍ، يَأْخُذُها عَنْوَةً"، فتطاولَ المهاجرون والأنصار، وكان عليُّ ابن أبي طالب رضي الله عنه قد تخلف بالمدينة لرمَدٍ لَحِقَه، فلما أصبحوا، جاء عليُّ رضي الله عنه على بعير له، فتفلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم في عينه، فما اشتكى رمدًا بعدها، ثم أعطاه الراية، فنهض بها، فأتى خيبرَ، فأشرف عليه رجلٌ من يهود خيبرَ، وقال: من أنت؟ قال: أنا عليُّ بن أبي طالب، فقال اليهودي: غُلبتم يا معشَر اليهود، فخرج مَرْحَبٌ من الحصن، وعليه مغفر يماني، وعلى رأسه بيضةٌ عادية، وهو يقول:
قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَرْحَبُ
…
شَاكِي السِّلاحِ بَطَلٌ مُجَرَّبُ
أَطْعَنُ أَحْيَانًا وَحِينًا أَضْرِبُ
…
إِذَا اللُّيُوثُ أَقْبَلَتْ تَلْتَهِبُ
فسار إليه عليٌّ رضي الله عنه، وقال مجيبًا له:
أَنَا الَّذِي سَمَّتْنِي أُمِّي حَيْدَرَهْ
…
أَكِيلُهُمْ بِالسَّيْفِ كَيْلَ السَّنْدَرَهْ
لَيْثٌ بِغَابَاتٍ شَدِيدُ القَسْوَرَهْ
واختلف بينهما ضربتين، فسبقه عليٌّ رضي الله عنه بضربته، فَقَدَّ البيضة والمغفر، ورأسه، فسقط عدوُّ الله ميتًا (1).
وكان فتحُ خيبر في صفر، على يد عليٍّ رضي الله عنه، بعد حصار بضعَ عشرةَ ليلة، وحاز رسول الله صلى الله عليه وسلم الأموالَ كلَّها، وسأله اليهودُ أهلُ خيبر على أن يُساقِيَهم على النصف من ثمارهم، ويُخرجهم متى شاء، ففعل ذلك، وفعل مثل ذلك أهل فَدَك.
فكانت خيبرُ فيئًا للمسلمين، وكانت فَدَكُ خالصةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم لم يُجلبوا عليها بِخَيلٍ ولا رِكاب، ولم يزلْ يهودُ خيبرَ كذلك، إلى خلافة عمرَ رضي الله عنه، فأجلاهم منها.
ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر، انصرف إلى وادي القُرى، فحاصره ليلةً، وفتحه عَنْوَة.
ثم سار إلى المدينة، ولما قدمها، وصل إليه من الحبشة بقيةُ المهاجرين، ومنهم: جعفرُ بنُ أبي طالب، فروي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما أَدْرِي بِأَيِّهِمَا أُسَرُّ، بِفَتْحِ خَيْبَرَ، أَمْ بِقُدُومِ جَعْفَرٍ"(2).
(1) رواه البيهقي في "دلائل النبوة"(4/ 211)، عن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنهما.
(2)
رواه الحاكم في "المستدرك"(4931)، عن علي رضي الله عنه.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد كتب إلى النجاشي يطلبهم، ويخطب أمَّ حبيبةَ بنتَ أبي سفيان، وكانت هاجرتْ مع زوجها عبدِ الله بن جحش، فتنصّر عبدُ الله المذكور، وأقام بالحبشة، فزوّجها للنبي صلى الله عليه وسلم ابنُ عمِّها خالدُ بنُ سعيد بنِ العاص بنِ أمية، وكان بالحبشة من جملة المهاجرين، وأصدَقَها النجاشي عن النبي صلى الله عليه وسلم أربعَ مئة دينار، ولما بلغ أباها أبا سفيان أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم تزوجها، فقال: ذلك الفحلُ الذي لا يُجدَع أنفُه، فقدمتْ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكلّم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المسلمين، في أن يدخلوا الذين حضروا من الحبشة، في سهامهم من مَغْنَم خيبر، ففعلوا.
وفي غزوة خيبر: أهدت للنبي صلى الله عليه وسلم زينبُ بنت الحارث، امرأةُ سَلَام ابن مِشْكَم اليهوديةُ شاةً مَصْلِيَّة مسمومة، فأخذ منها قطعة، ولَاكها، ثم لَفَظَها، وقال:"تُخبرُني هذهِ الشاةُ أَنَّها مَسْمومَةٌ"، وكان معه بِشْرُ بنُ البراء بنِ مَعْرور، فأكل بشرٌ منها، ثم دعا النبيُّ صلى الله عليه وسلم المرأة، فاعترفَتْ، فتجاوز عنها.
وقيل؟ مات بِشْرٌ، فقتلَها به (1).
ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه: "إِنَّ أكلةَ خيبرَ لم تزلْ تُعاودني، وهذا زَمانُ انْقِطاعِ أَبْهَرِي"(2).
(1) رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى"(2/ 107).
(2)
رواه البخاري (4165)، عن عائشة رضي الله عنها.