المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ السنة السابعة من الهجرة * - التاريخ المعتبر في أنباء من غبر - جـ ١

[مجير الدين العليمي]

فهرس الكتاب

- ‌قَصَصُ الأنْبِياءِ وَالأُممِ السَّابِقَةِ

- ‌(1 - ذكر آدم عليه السلام

- ‌2 - ذكر نوح عليه السلام

- ‌(3 - ذكر هود وصالح عليهما السلام

- ‌(4 - ذكر إبراهيم الخليل صلوات الله وسلامه عليه)

- ‌5 - ذكر لوط عليه السلام

- ‌6 - ذكر إسماعيل عليه السلام

- ‌7 - ذكر إسحاق عليه السلام

- ‌8 - ذكر أيوب عليه السلام

- ‌9 - ذكر يوسف عليه السلام

- ‌10 - ذكر شعيب عليه السلام

- ‌11 - ذكر موسى عليه السلام

- ‌12 - ذكر يوشع عليه السلام

- ‌13 - شَمْويل النبي عليه السلام

- ‌14 - داود عليه السلام

- ‌15 - سليمان عليه السلام

- ‌16 - بُخْتَنَصَّر

- ‌17 - ذكر يونس بن مَتَّى عليه السلام

- ‌18 - ذكر أرمياء عليه السلام

- ‌19 - ذكر زكريا وابنه يحيى عليهما السلام

- ‌20 - ذكر عيسى بن مريم عليه السلام

- ‌21 - ذكر خراب بيت المقدس

- ‌22 - ذكر أُمَّة اليهود

- ‌23 - ذكري أُمَّة النصارى

- ‌24 - ذكر أمم الهند

- ‌25 - ذكر أُمَّة السِّنْد

- ‌26 - ذكر أُمم السودان

- ‌27 - ذكر أمم الصين

- ‌28 - ذكر بني كنعان

- ‌29 - ذكر البربر

- ‌30 - ذكر العمالقة

- ‌31 - ذكر أمم العرب وأحوالهم قبل الإسلام

- ‌32 - ذكر بني حِمْيَرِ بن سبأ

- ‌33 - ذكر بني كهلان بن سبأ

- ‌34 - قصة الفيل

- ‌35 - ذكر التاريخ الإسلامي

- ‌السيرة النبوية الشريفة

- ‌ذكر سيد الأولين والآخرين وخاتم الأنبياء والمرسلين وحبيب ربِّ العالمين محمدٍ البشير النذير، الداعي إلى الله بإذنه السراج المنير

- ‌ذكر أسمائه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر رضاع النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ ذكر مبعثه صلى الله عليه وسلم وابتداء الوحي *

- ‌ ذكر رمي الشياطين بالشهب لمبعثه *

- ‌ ذكر الاختلاف في أول من أسلم *

- ‌ ذكري أمر الله تعالى نبيه بإظهار دعوته *

- ‌ ذكر تعذيب المستضعفين من المسلمين *

- ‌ ذكر المستهزئين، ومن كان شديد الأذى للنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ ذكر إسلام حمزة *

- ‌ ذكر إسلام عمر بن الخطاب *

- ‌ ذكر الهجرة إلى أرض الحبشة *

- ‌ ذكر أمر الصحيفة

- ‌ ذكر نقض الصحيفة *

- ‌ ذكر المعراج *

- ‌ ذكر وفاة أبي طالب، وخديجة رضي الله عنها، وعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه على قبائل العرب *

- ‌ذكر تزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشةَ رضي الله عنها

- ‌ ذكر ابتداء أمر الأنصار *

- ‌ ذكر بيعة العقبة الأولى *

- ‌ ذكر بيعة العقبة الثانية *

- ‌ذكر الهجرة الشريفة النبوية - على صاحبها أفضلُ الصلاة والسلام

- ‌ذكر ما بين الهجرة الشريفة والتواريخ القديمة

- ‌ ذكر الحوادث في السنة الأولى من الهجرة *

- ‌ السنة الثانية من الهجرة *

- ‌ السنة الثالثة من الهجرة *

- ‌ ذكر إرسال عمرو بن أمية لقتل أبي سفيان:

- ‌ ودخلت السنة الرابعة من الهجرة *

- ‌ وفيها: كانت غزوة بدر الثانية، وتسمى - أيضًا -: غزوة السَّويق

- ‌ السنة الخامسة من الهجرة *

- ‌ السنة السادسة من الهجرة *

- ‌ ذكر قصة الإفك:

- ‌ ذكر الصلح بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وقريش:

- ‌ السنة السابعة من الهجرة *

- ‌ ذكر رسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك:

- ‌ ذكر عُمْرة القضاء:

- ‌ السنة الثامنة من الهجرة *

- ‌ ذكر إسلام عمرو بن العاص وخالد بن الوليد وعثمان بن طلحة:

- ‌ ذكر فتح مكة:

- ‌ إسلام فضالة:

- ‌ ذكر غزوة خالد بن الوليد رضي الله عنه بني جذيمة:

- ‌ ذكر غزوة هوازن بحنين:

- ‌ ذكر حصار الطائف:

- ‌ السنة التاسعة من الهجرة *

- ‌ ذكر غزوة تبوك:

- ‌ ذكر قصة كعب وصاحبيه:

- ‌ ذكر حَجِّ أبي بكر رضي الله عنه بالناس:

- ‌السنة العاشرة من الهجرة *

- ‌ ذكر حجة الوداع:

- ‌ السنة الحادية عشرة من الهجرة *

- ‌ ذكر مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ووفاته:

- ‌ فصل في ذكر صفة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ فصل في تفسير معاني الكلمات ومشكلها:

- ‌ ذكر أسمائه عليه الصلاة والسلام *

- ‌ذكر نَعْت رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة

- ‌ ذكر معجزاته صلى الله عليه وسلم

- ‌ ذكر أوصافه وأخلاقه وشمائله صلى الله عليه وسلم

- ‌ ذكر مَثَلِه ومَثَلِ الأنبياء من قبله صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر مَثَلهِ ومَثَلِ ما بُعِثَ به صلى الله عليه وسلم

- ‌ ذكر عدد غزواته صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر حجته صلى الله عليه وسلم

- ‌ ذكر أولاده صلى الله عليه وسلم

- ‌ ذكر أعمامه وعماته *

- ‌ذكر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ ذكر خدمه ومواليه صلى الله عليه وسلم

- ‌ ذكر كُتَّابه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر حرَّاسه ومن كان يضرب الأعناق بين يديه

- ‌ ذكر العشرة من الأصحاب، والحواريين وأهل الصفَّة *

- ‌ذكر سلاحه وأثاثه

- ‌ذكر خيله وحميره وإبله صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل فيمن استغاث به صلى الله عليه وسلم فأغيث في القديم والحديث

- ‌ ذكر قصة الجمل المستجير بالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ ذكر قصة رجل فقير من القراء استغاث بالنبي صلى الله عليه وسلم عند قبره:

- ‌ذكر أخبار الأسود العَنْسي، ومُسَيلمة الكذَّاب، وسَجاحِ، وطلحةَ

- ‌مجلس في فضل الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما جاء في ذلك من الثواب والتقريب ورفع الدرجات

- ‌فصل في كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الخلافة الراشدة

- ‌الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه

- ‌ ذكر نشأته:

- ‌خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه

- ‌و[أما] فضائله رضي الله عنه

- ‌ كراماته:

- ‌ فضائله رضي الله عنه

- ‌خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه

- ‌خلافة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌ ذكر مسير علي رضي الله عنه إلى البصرة:

- ‌ وقعة الجمل:

- ‌ وقعة صِفِّين:

- ‌ ذكر صفاته رضي الله عنه

- ‌ وأما فضائل علي ومناقبه كثيرة، منها:

- ‌خْلَافَةُ الحَسَن بن عَليّ بن أَبي طَلِبْ رضي الله عنهما

- ‌ومن فضائل الحسن:

- ‌[الدَّوْلَةُ الأَمَوِيَّة]

- ‌(خلفاء بنى أمية)

- ‌(خلافة الناصر لدين الله معاوية بن أبي سفيان)

- ‌(خلافة يزيدَ بنِ معاويةَ، ) ولقَّبَ نفسَه: المستنصر على أهل الزيغ

- ‌ ذكر حصار عبد الله بن الزبير:

- ‌(خلافة الراجعِ إلى الله معاوية بنِ يزيدَ بنِ معاوية رضي الله عنه

- ‌(خلافة عائذ بيت الله عبد الله بن الزبير)

- ‌(خلافة المؤتمن بالله مروان بن الحكم)

- ‌(خلافة الموفق لأمر الله عبد الملك بن مروان)

- ‌ ذكر شيء مما اتفق في أيامه:

- ‌ ذكر غير ذلك:

- ‌وفي سنة سبع وسبعين:

- ‌(خلافة المنتقم لله الوليد بن عبد الملك)

- ‌(خلافة المهدي بالله الداعي إلى الله سليمان بن عبد الملك)

- ‌ خلافة المعصوم بالله عمر بن عبد العزيز

- ‌ومن أعظم حسناته:

- ‌ خلافة القادر بصنع الله يزيدَ بنِ عبد الملك *

- ‌ خلافة المنصور هشامِ بنِ عبد الملك بنِ مروان

- ‌ خلافة الوليد بن يزيد بن عبد الملك *

- ‌خلافة الشاكر لأنعم الله يزيدَ بنِ الوليد بن عبد الملك بن مروان

- ‌ خلافة [. . . .] إبراهيم بن الوليد *

- ‌ خلافة [ .... ] مروان بن محمد *

- ‌الدَّولةُ العَبَاسيَة

- ‌ خلافة أبي العباس السفاح القائم بأمر الله *

- ‌ خلافة أبي جعفر عبد الله بن محمد بن علي المنصور *

- ‌ خلافة المهدي *

- ‌ خلافة موسى الهادي *

- ‌ خلافة هارون الرشيد *

- ‌ خلافة محمد الأمين بن هارون الرشيد *

- ‌ خلافة أمير المؤمنين المأمون بن هارون الرشيد *

- ‌ خلافة المعتصم بالله صاحب سُرَّ مَن رأى *

- ‌ خلافة الواثق بالله *

- ‌ خلافة أمير المؤمنين جعفر بن المعتصم المتوكل على الله *

- ‌خلافة المنتصر محمدِ بنِ جعفر

- ‌خلافة المعتزِّ بالله

- ‌خلافة المهتدي بالله

- ‌خلافة المعتمد على الله

- ‌خلافة المعتضد

- ‌خلافة المكتفي بالله

- ‌خلافة المقتدر بالله

- ‌خلافة القاهر بالله

- ‌خلافة الراضي بالله

- ‌خلافة المتقي لله

- ‌خلافة المستكفي بالله

- ‌خلافة المطيع لله

- ‌خلافة الطائع لله

- ‌خلافة القادر بالله

- ‌خلافة القائم بأمر الله

- ‌خلافة المقتدي بأمر الله

- ‌خلافة المستظهر بالله

- ‌خلافة المسترشد بالله

- ‌خلافة الراشد بالله

- ‌خلافة المقتفي لأمر الله

- ‌خلافة المستنجد بالله

- ‌خلافة المستضيء بأمر الله

- ‌خلافة الناصر لدين الله

- ‌خلافة الظاهر بأمر الله

- ‌خلافة المستنصر بالله

- ‌خلافة المستعصم بالله، وهو آخرهم

- ‌ذكر استيلاء التتر على بغداد، وانقراض الدولة العباسية

الفصل: ‌ السنة السابعة من الهجرة *

ثم قفلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، حتى إذا كان بين مكة والمدينة، نزلت سورة الفتح:{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} [الفتح: 1 - 2](1).

ودخل في الإسلام في هذه السنة مثلُ ما دخل فيه قبلَ ذلك وأكثرُ، وهاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نسوةٌ، فيهن أمُّ كلثومٍ بنتُ عقبةَ بنِ أبي مُعَيط، فجاء أخواها الوليدُ، وعمارة يطلبانها، فأنزل الله تعالى:{فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: 10]، فلم ترسل امرأة مؤمنة إلى مكة.

وأنزل الله تعالى: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10]، فطلق عمر رضي الله عنه امرأتين له، إحداهما: قُريبةُ بنتُ أبي أمية، فتزوجها معاوية وهما مشركان، والثانية: أم كلثوم بنة عمرو بن جَرْول الخزاعية، فتزوجها أبو جهم بن حذافة بن غانم، وهما مشركان.

* * *

*‌

‌ السنة السابعة من الهجرة *

* فيها: كانت غزوة خيبر: وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من الحديبية، أقام بالمدينة ذا (2) الحجة وبعضَ المحرم، ثم خرج في منتصف

(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(4/ 323)، عن المسور بن مخرمة رضي الله عنه.

(2)

في الأصل: "ذي".

ص: 142

المحرم سنة سبع، وسار إلى خيبر في ألف وأربع مئة فارس، وخيبرُ على ثمان بُرُدٍ من المدينة، واستخلف على المدينة سباعَ بنَ عرفطة الغفاري، ولما أشرفَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على خيبر، قال لأصحابه:"قفوا"، ثم قال:"اللهمَّ ربَّ السَّمَواتِ وَما أَظْلَلْنَ، وَرَبَّ الأَرَضيِنَ وَما أَقْلَلْنَ، وَرَبَّ الشَّيَاطِينِ وَمَا أَضْلَلْنَ، وَرَبَّ الرِّياحِ وَمَا ذَرَيْنَ، نَسْأَلُكَ خَيْرَ هَذِهِ القَرْيَةِ، وخَيْرَ أَهْلِهَا، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا، وَشَرِّ أَهْلِهَا، وَشَرِّ مَا فِيَها، أَقْدِمُوا بِاسْمِ الله"(1)، ونزل على خيبر ليلًا، ولم يعلم أهلها.

فلما أصبحوا، خرج أهلها إلى عملهم، ومعهم مَكاتِلُهم ومَساحيهم، فلما رأوه، عادوا، وقالوا: محمدٌ والخميسُ - يعنون: الجيش -، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"الله أكبرُ خَرِبَتْ خيبرُ، إِنَّا إِذا نَزَلْنا بِساحَةِ قَوْمٍ؛ فَسَاءَ صَبَاحُ المنذَرِينَ"(2)، ثم حاصرهم، وضيّق عليهم، وبدأ بالأموال يأخذها مالًا مالًا، ويفتحها حصنًا حصنًا.

وأصاب منهم سبايا، منهن: صفيةُ بنتُ حُيَيِّ بنِ أخطبَ، وكانت عندَ كِنانَة بنِ الربيع بنِ أبي الحُقَيْق، فاصطفاها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لنفسه، وتزوَّجها، وجعل عِتْقَها صَداقَها، وهذا مذهبُ الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه، وهو من مفردات مذهبه.

ثم افتتح حصنَ الصَّعْب، وما كان بخيبر حصنٌ أكثر طعامًا

(1) رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(22/ 359)، عن أبي معتب بن عمرو.

(2)

رواه البخاري (364)، ومسلم (1365)، عن أنس بن مالك رضي الله عنه.

ص: 143

ووَدكًا منه، ثم انتهى إلى الوطيح، والسلالم، وكان آخر حصون خيبر افتتاحًا.

وروي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما كانت تأخذُه الشقيقةُ، فيلبث اليومَ واليومين لا يخرج، فلما نزلَ خيبرَ، أخذته، فأخذ أبو بكر الصديق رضي الله عنه الرايةَ، وقاتل قتالًا شديدًا، ثم رجع، فأخذها عمرُ، فقاتل قتالًا شديدًا، أشدَّ من الأول، ثم رجع، فأخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:"أَمَا واللهِ! لأُعطينَّ الرايَةَ غَدًا رَجُلًا يُحِبُّ الله ورسولَهُ، ويحبُّهُ اللهُ ورسولُه، كَرّارًا غَيْرَ فَرّارٍ، يَأْخُذُها عَنْوَةً"، فتطاولَ المهاجرون والأنصار، وكان عليُّ ابن أبي طالب رضي الله عنه قد تخلف بالمدينة لرمَدٍ لَحِقَه، فلما أصبحوا، جاء عليُّ رضي الله عنه على بعير له، فتفلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم في عينه، فما اشتكى رمدًا بعدها، ثم أعطاه الراية، فنهض بها، فأتى خيبرَ، فأشرف عليه رجلٌ من يهود خيبرَ، وقال: من أنت؟ قال: أنا عليُّ بن أبي طالب، فقال اليهودي: غُلبتم يا معشَر اليهود، فخرج مَرْحَبٌ من الحصن، وعليه مغفر يماني، وعلى رأسه بيضةٌ عادية، وهو يقول:

قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَرْحَبُ

شَاكِي السِّلاحِ بَطَلٌ مُجَرَّبُ

أَطْعَنُ أَحْيَانًا وَحِينًا أَضْرِبُ

إِذَا اللُّيُوثُ أَقْبَلَتْ تَلْتَهِبُ

فسار إليه عليٌّ رضي الله عنه، وقال مجيبًا له:

ص: 144

أَنَا الَّذِي سَمَّتْنِي أُمِّي حَيْدَرَهْ

أَكِيلُهُمْ بِالسَّيْفِ كَيْلَ السَّنْدَرَهْ

لَيْثٌ بِغَابَاتٍ شَدِيدُ القَسْوَرَهْ

واختلف بينهما ضربتين، فسبقه عليٌّ رضي الله عنه بضربته، فَقَدَّ البيضة والمغفر، ورأسه، فسقط عدوُّ الله ميتًا (1).

وكان فتحُ خيبر في صفر، على يد عليٍّ رضي الله عنه، بعد حصار بضعَ عشرةَ ليلة، وحاز رسول الله صلى الله عليه وسلم الأموالَ كلَّها، وسأله اليهودُ أهلُ خيبر على أن يُساقِيَهم على النصف من ثمارهم، ويُخرجهم متى شاء، ففعل ذلك، وفعل مثل ذلك أهل فَدَك.

فكانت خيبرُ فيئًا للمسلمين، وكانت فَدَكُ خالصةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم لم يُجلبوا عليها بِخَيلٍ ولا رِكاب، ولم يزلْ يهودُ خيبرَ كذلك، إلى خلافة عمرَ رضي الله عنه، فأجلاهم منها.

ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر، انصرف إلى وادي القُرى، فحاصره ليلةً، وفتحه عَنْوَة.

ثم سار إلى المدينة، ولما قدمها، وصل إليه من الحبشة بقيةُ المهاجرين، ومنهم: جعفرُ بنُ أبي طالب، فروي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما أَدْرِي بِأَيِّهِمَا أُسَرُّ، بِفَتْحِ خَيْبَرَ، أَمْ بِقُدُومِ جَعْفَرٍ"(2).

(1) رواه البيهقي في "دلائل النبوة"(4/ 211)، عن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنهما.

(2)

رواه الحاكم في "المستدرك"(4931)، عن علي رضي الله عنه.

ص: 145

وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد كتب إلى النجاشي يطلبهم، ويخطب أمَّ حبيبةَ بنتَ أبي سفيان، وكانت هاجرتْ مع زوجها عبدِ الله بن جحش، فتنصّر عبدُ الله المذكور، وأقام بالحبشة، فزوّجها للنبي صلى الله عليه وسلم ابنُ عمِّها خالدُ بنُ سعيد بنِ العاص بنِ أمية، وكان بالحبشة من جملة المهاجرين، وأصدَقَها النجاشي عن النبي صلى الله عليه وسلم أربعَ مئة دينار، ولما بلغ أباها أبا سفيان أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم تزوجها، فقال: ذلك الفحلُ الذي لا يُجدَع أنفُه، فقدمتْ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكلّم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المسلمين، في أن يدخلوا الذين حضروا من الحبشة، في سهامهم من مَغْنَم خيبر، ففعلوا.

وفي غزوة خيبر: أهدت للنبي صلى الله عليه وسلم زينبُ بنت الحارث، امرأةُ سَلَام ابن مِشْكَم اليهوديةُ شاةً مَصْلِيَّة مسمومة، فأخذ منها قطعة، ولَاكها، ثم لَفَظَها، وقال:"تُخبرُني هذهِ الشاةُ أَنَّها مَسْمومَةٌ"، وكان معه بِشْرُ بنُ البراء بنِ مَعْرور، فأكل بشرٌ منها، ثم دعا النبيُّ صلى الله عليه وسلم المرأة، فاعترفَتْ، فتجاوز عنها.

وقيل؟ مات بِشْرٌ، فقتلَها به (1).

ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه: "إِنَّ أكلةَ خيبرَ لم تزلْ تُعاودني، وهذا زَمانُ انْقِطاعِ أَبْهَرِي"(2).

(1) رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى"(2/ 107).

(2)

رواه البخاري (4165)، عن عائشة رضي الله عنها.

ص: 146