المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(خلافة يزيد بن معاوية، ) ولقب نفسه: المستنصر على أهل الزيغ - التاريخ المعتبر في أنباء من غبر - جـ ١

[مجير الدين العليمي]

فهرس الكتاب

- ‌قَصَصُ الأنْبِياءِ وَالأُممِ السَّابِقَةِ

- ‌(1 - ذكر آدم عليه السلام

- ‌2 - ذكر نوح عليه السلام

- ‌(3 - ذكر هود وصالح عليهما السلام

- ‌(4 - ذكر إبراهيم الخليل صلوات الله وسلامه عليه)

- ‌5 - ذكر لوط عليه السلام

- ‌6 - ذكر إسماعيل عليه السلام

- ‌7 - ذكر إسحاق عليه السلام

- ‌8 - ذكر أيوب عليه السلام

- ‌9 - ذكر يوسف عليه السلام

- ‌10 - ذكر شعيب عليه السلام

- ‌11 - ذكر موسى عليه السلام

- ‌12 - ذكر يوشع عليه السلام

- ‌13 - شَمْويل النبي عليه السلام

- ‌14 - داود عليه السلام

- ‌15 - سليمان عليه السلام

- ‌16 - بُخْتَنَصَّر

- ‌17 - ذكر يونس بن مَتَّى عليه السلام

- ‌18 - ذكر أرمياء عليه السلام

- ‌19 - ذكر زكريا وابنه يحيى عليهما السلام

- ‌20 - ذكر عيسى بن مريم عليه السلام

- ‌21 - ذكر خراب بيت المقدس

- ‌22 - ذكر أُمَّة اليهود

- ‌23 - ذكري أُمَّة النصارى

- ‌24 - ذكر أمم الهند

- ‌25 - ذكر أُمَّة السِّنْد

- ‌26 - ذكر أُمم السودان

- ‌27 - ذكر أمم الصين

- ‌28 - ذكر بني كنعان

- ‌29 - ذكر البربر

- ‌30 - ذكر العمالقة

- ‌31 - ذكر أمم العرب وأحوالهم قبل الإسلام

- ‌32 - ذكر بني حِمْيَرِ بن سبأ

- ‌33 - ذكر بني كهلان بن سبأ

- ‌34 - قصة الفيل

- ‌35 - ذكر التاريخ الإسلامي

- ‌السيرة النبوية الشريفة

- ‌ذكر سيد الأولين والآخرين وخاتم الأنبياء والمرسلين وحبيب ربِّ العالمين محمدٍ البشير النذير، الداعي إلى الله بإذنه السراج المنير

- ‌ذكر أسمائه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر رضاع النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ ذكر مبعثه صلى الله عليه وسلم وابتداء الوحي *

- ‌ ذكر رمي الشياطين بالشهب لمبعثه *

- ‌ ذكر الاختلاف في أول من أسلم *

- ‌ ذكري أمر الله تعالى نبيه بإظهار دعوته *

- ‌ ذكر تعذيب المستضعفين من المسلمين *

- ‌ ذكر المستهزئين، ومن كان شديد الأذى للنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ ذكر إسلام حمزة *

- ‌ ذكر إسلام عمر بن الخطاب *

- ‌ ذكر الهجرة إلى أرض الحبشة *

- ‌ ذكر أمر الصحيفة

- ‌ ذكر نقض الصحيفة *

- ‌ ذكر المعراج *

- ‌ ذكر وفاة أبي طالب، وخديجة رضي الله عنها، وعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه على قبائل العرب *

- ‌ذكر تزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشةَ رضي الله عنها

- ‌ ذكر ابتداء أمر الأنصار *

- ‌ ذكر بيعة العقبة الأولى *

- ‌ ذكر بيعة العقبة الثانية *

- ‌ذكر الهجرة الشريفة النبوية - على صاحبها أفضلُ الصلاة والسلام

- ‌ذكر ما بين الهجرة الشريفة والتواريخ القديمة

- ‌ ذكر الحوادث في السنة الأولى من الهجرة *

- ‌ السنة الثانية من الهجرة *

- ‌ السنة الثالثة من الهجرة *

- ‌ ذكر إرسال عمرو بن أمية لقتل أبي سفيان:

- ‌ ودخلت السنة الرابعة من الهجرة *

- ‌ وفيها: كانت غزوة بدر الثانية، وتسمى - أيضًا -: غزوة السَّويق

- ‌ السنة الخامسة من الهجرة *

- ‌ السنة السادسة من الهجرة *

- ‌ ذكر قصة الإفك:

- ‌ ذكر الصلح بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وقريش:

- ‌ السنة السابعة من الهجرة *

- ‌ ذكر رسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك:

- ‌ ذكر عُمْرة القضاء:

- ‌ السنة الثامنة من الهجرة *

- ‌ ذكر إسلام عمرو بن العاص وخالد بن الوليد وعثمان بن طلحة:

- ‌ ذكر فتح مكة:

- ‌ إسلام فضالة:

- ‌ ذكر غزوة خالد بن الوليد رضي الله عنه بني جذيمة:

- ‌ ذكر غزوة هوازن بحنين:

- ‌ ذكر حصار الطائف:

- ‌ السنة التاسعة من الهجرة *

- ‌ ذكر غزوة تبوك:

- ‌ ذكر قصة كعب وصاحبيه:

- ‌ ذكر حَجِّ أبي بكر رضي الله عنه بالناس:

- ‌السنة العاشرة من الهجرة *

- ‌ ذكر حجة الوداع:

- ‌ السنة الحادية عشرة من الهجرة *

- ‌ ذكر مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ووفاته:

- ‌ فصل في ذكر صفة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ فصل في تفسير معاني الكلمات ومشكلها:

- ‌ ذكر أسمائه عليه الصلاة والسلام *

- ‌ذكر نَعْت رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة

- ‌ ذكر معجزاته صلى الله عليه وسلم

- ‌ ذكر أوصافه وأخلاقه وشمائله صلى الله عليه وسلم

- ‌ ذكر مَثَلِه ومَثَلِ الأنبياء من قبله صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر مَثَلهِ ومَثَلِ ما بُعِثَ به صلى الله عليه وسلم

- ‌ ذكر عدد غزواته صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر حجته صلى الله عليه وسلم

- ‌ ذكر أولاده صلى الله عليه وسلم

- ‌ ذكر أعمامه وعماته *

- ‌ذكر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ ذكر خدمه ومواليه صلى الله عليه وسلم

- ‌ ذكر كُتَّابه صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر حرَّاسه ومن كان يضرب الأعناق بين يديه

- ‌ ذكر العشرة من الأصحاب، والحواريين وأهل الصفَّة *

- ‌ذكر سلاحه وأثاثه

- ‌ذكر خيله وحميره وإبله صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل فيمن استغاث به صلى الله عليه وسلم فأغيث في القديم والحديث

- ‌ ذكر قصة الجمل المستجير بالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ ذكر قصة رجل فقير من القراء استغاث بالنبي صلى الله عليه وسلم عند قبره:

- ‌ذكر أخبار الأسود العَنْسي، ومُسَيلمة الكذَّاب، وسَجاحِ، وطلحةَ

- ‌مجلس في فضل الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما جاء في ذلك من الثواب والتقريب ورفع الدرجات

- ‌فصل في كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الخلافة الراشدة

- ‌الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه

- ‌ ذكر نشأته:

- ‌خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه

- ‌و[أما] فضائله رضي الله عنه

- ‌ كراماته:

- ‌ فضائله رضي الله عنه

- ‌خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه

- ‌خلافة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌ ذكر مسير علي رضي الله عنه إلى البصرة:

- ‌ وقعة الجمل:

- ‌ وقعة صِفِّين:

- ‌ ذكر صفاته رضي الله عنه

- ‌ وأما فضائل علي ومناقبه كثيرة، منها:

- ‌خْلَافَةُ الحَسَن بن عَليّ بن أَبي طَلِبْ رضي الله عنهما

- ‌ومن فضائل الحسن:

- ‌[الدَّوْلَةُ الأَمَوِيَّة]

- ‌(خلفاء بنى أمية)

- ‌(خلافة الناصر لدين الله معاوية بن أبي سفيان)

- ‌(خلافة يزيدَ بنِ معاويةَ، ) ولقَّبَ نفسَه: المستنصر على أهل الزيغ

- ‌ ذكر حصار عبد الله بن الزبير:

- ‌(خلافة الراجعِ إلى الله معاوية بنِ يزيدَ بنِ معاوية رضي الله عنه

- ‌(خلافة عائذ بيت الله عبد الله بن الزبير)

- ‌(خلافة المؤتمن بالله مروان بن الحكم)

- ‌(خلافة الموفق لأمر الله عبد الملك بن مروان)

- ‌ ذكر شيء مما اتفق في أيامه:

- ‌ ذكر غير ذلك:

- ‌وفي سنة سبع وسبعين:

- ‌(خلافة المنتقم لله الوليد بن عبد الملك)

- ‌(خلافة المهدي بالله الداعي إلى الله سليمان بن عبد الملك)

- ‌ خلافة المعصوم بالله عمر بن عبد العزيز

- ‌ومن أعظم حسناته:

- ‌ خلافة القادر بصنع الله يزيدَ بنِ عبد الملك *

- ‌ خلافة المنصور هشامِ بنِ عبد الملك بنِ مروان

- ‌ خلافة الوليد بن يزيد بن عبد الملك *

- ‌خلافة الشاكر لأنعم الله يزيدَ بنِ الوليد بن عبد الملك بن مروان

- ‌ خلافة [. . . .] إبراهيم بن الوليد *

- ‌ خلافة [ .... ] مروان بن محمد *

- ‌الدَّولةُ العَبَاسيَة

- ‌ خلافة أبي العباس السفاح القائم بأمر الله *

- ‌ خلافة أبي جعفر عبد الله بن محمد بن علي المنصور *

- ‌ خلافة المهدي *

- ‌ خلافة موسى الهادي *

- ‌ خلافة هارون الرشيد *

- ‌ خلافة محمد الأمين بن هارون الرشيد *

- ‌ خلافة أمير المؤمنين المأمون بن هارون الرشيد *

- ‌ خلافة المعتصم بالله صاحب سُرَّ مَن رأى *

- ‌ خلافة الواثق بالله *

- ‌ خلافة أمير المؤمنين جعفر بن المعتصم المتوكل على الله *

- ‌خلافة المنتصر محمدِ بنِ جعفر

- ‌خلافة المعتزِّ بالله

- ‌خلافة المهتدي بالله

- ‌خلافة المعتمد على الله

- ‌خلافة المعتضد

- ‌خلافة المكتفي بالله

- ‌خلافة المقتدر بالله

- ‌خلافة القاهر بالله

- ‌خلافة الراضي بالله

- ‌خلافة المتقي لله

- ‌خلافة المستكفي بالله

- ‌خلافة المطيع لله

- ‌خلافة الطائع لله

- ‌خلافة القادر بالله

- ‌خلافة القائم بأمر الله

- ‌خلافة المقتدي بأمر الله

- ‌خلافة المستظهر بالله

- ‌خلافة المسترشد بالله

- ‌خلافة الراشد بالله

- ‌خلافة المقتفي لأمر الله

- ‌خلافة المستنجد بالله

- ‌خلافة المستضيء بأمر الله

- ‌خلافة الناصر لدين الله

- ‌خلافة الظاهر بأمر الله

- ‌خلافة المستنصر بالله

- ‌خلافة المستعصم بالله، وهو آخرهم

- ‌ذكر استيلاء التتر على بغداد، وانقراض الدولة العباسية

الفصل: ‌(خلافة يزيد بن معاوية، ) ولقب نفسه: المستنصر على أهل الزيغ

قال النبيَّ صلى الله عليه وسلم: "أَشْبَهُ مَنْ رَأَيْتُ بِجِبْرِيلَ دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ"(1).

وفي أيامه - أيضًا - توفيت عائشة رضي الله عنها في سنة ثمان وخمسين.

وتوفي أبو هريرة رضي الله عنه في سنة تسع وخمسين.

أولاده: يزيد، وعبد الرحمن، وعبد الله، وهند، ورملة، وصفية، وعائشة.

كاتبه: عبدُ الله بن أوس.

قاضيه: فضَالةُ بن عبيد الأنصاري.

وطبيبه: زيدٌ مولاه، ثم صفوانُ مولاه.

نقشُ خاتمه: لكلِّ عملٍ ثواب، وقيل: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، والحمد لله وحده.

وصلَّى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلَّم.

(خلافة يزيدَ بنِ معاويةَ، ) ولقَّبَ نفسَه: المستنصر على أهل الزيغ

هو يزيدُ بنُ معاوية بن أبي سفيانَ بنِ حربٍ، مولده في سنة خمس

(1) رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى"(4/ 250)، عن ابن شهاب الزهري مرسلًا. وروى مسلم نحوه (167) مرفوعًا عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه.

ص: 293

وعشرين، وأمه ميسونُ بنتُ بَحْدَلِ الكلبيةُ، أقام يزيدُ معها في البادية، وتعلم الفصاحة ونظم الشعر هناك في بادية بني كلب، وكان سبب إرساله مع أمه هناك: أن معاوية سمع ميسون تنشد هذه الأبيات، وهي:

لَلُبْسُ عَبَاءَةٍ وَتَقَرَّ عَيْنِي

أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ لُبْسِ الشُّفُوفِ

وَبَيْتٌ تَخْفُقُ الأَرياحُ فِيه

أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ قَصْرٍ مُنِيفِ

وَبَكْرٌ يَتْبَعُ الأَظْعَانَ صَعْبٌ

أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ بَغْلٍ زَفُوفِ

وَكَلْبٌ يَنْبَحُ الأَضْيَافَ دُوني

أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ هِرٍّ ألُوفِ

وَخِرْقٌ مِنْ بَنِي عَمِّي نَحِيفٌ (1)

أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ عِلْجٍ عَلِيفِ

فقال معاوية: ما رضيتِ يا ابنةَ بحدل، حتى جعلْتِني علجًا عليفًا؟ ! الحقي بأهلك، فمضت إلى بادية كلب، ويزيدُ معها.

بويع له بعد وفاة والده بيعة الولاية، وقد كان عقد له ولاية العهد

(1) في الأصل: "ثقيف".

ص: 294

- كما تقدم -، ولما أفضى الأمر إليه، دخل منزله، فلم يظهر للناس ثلاثة أيام، فاجتمع ببابه أشراف العرب، ووفود البلدان، ليعزوه بأبيه، ويهنوه بالخلافة، فلما كان اليوم الرابع، خرج وهو أشعثُ أغبرُ، وصَعِدَ المنبرَ، فحمِدَ الله، وأثنى عليه، ثم قال: إن معاوية كان حبلًا من حبال الله، أمدَّه الله ما شاء أن يمدَّه، ثم قطعه حين شاء أن يقطعه، وكان دونَ مَنْ قبله، وخيرًا ممن بعده، إن يغفر الله له، فهو أهلُه، وإن يعذبه، فبذنبه، وقد وليت الأمرَ بعده، وإذا أراد الله شيئًا، كان، فاذكروا الله، واستغفروه، ثم نزل، ودخل منزله، وأذن للناس، فدخلوا عليه، وقاموا يعزونه ويهنئونه بالخلافة، وأمر لكلِّ واحد بمال على قدره.

ودخل عليه عبدُ الملك بن مروان يومًا، فقال: يا أمير المؤمنين! أُرَيضةٌ لك إلى جانب أرض لي، ولي فيها سَعَة، فأَقطعنيها، قال: يا عبد الملك! إنه لا يتعاظمني كبير، ولا أُخْدَع عن صغير، أخبرني عنها، وإلا سألتُ غيرك، قال: يا أمير المؤمنين! ما بالحجاز مالٌ (1) أعظمُ منه قدرًا، قال: قد أقطعتك ذلك، فشكره عبد الملك، ودعا له، فلما ولَّى، قال يزيد: الناس يزعمون أن هذا خليفة، فإن صدقوا، فقد صانعناه، وإن كذبوا، فقد وصلناه.

وكان يزيد صاحبَ طُرُد وجوارح، وكلاب وقرود، تنادمه على الشراب، وفي أيامه استُعملت الملاهي، وظهر شربُ الشراب والسماع.

(1) في الأصل: "مالًا".

ص: 295

وكان له قرد يسمَّى: أبا (1) القيس، وكان يُحضِرُه مجلسَ منادمته، ويطرح له مُتَّكأً، وكان إذا رآه، قال: شيخ من بني إسرائيل، مسخه الله قردًا، وربما وثب القرد، فقعد على عاتقه، وربما غبَّ معه في كأسه.

وربما اجتمع الناس لركوب يزيد، فيقول: قد بدا لي في الركوب، ولكن يركب أبو قيس، فيركب القرد، ويمر على أهل الشام، فيومئ لهم بالسلام، كما يفعل يزيد.

ويزيدٌ أولُ من جمع الشراب والغناء، وكان يُنْبَذُ له من عسل الطائف، وزبيبِها، ويفتق له بالمسك، وكان يلعب بالكلاب، ويلبس المصبَّغات، ويتجاهر بشرب الخمر.

وروي: أن أباه أنكر عليه شربَ الخمر، فأنشد:

أَمِنْ شَرْبَةٍ مِنْ مَاءِ كَرْمٍ شَرِبْتُهَا

غَضِبْتَ عَلَيَّ الآن طَابَ لِيَ السُّكْرُ

سَأَشْرَبُ فَاغْضَبْ لَا رَضِيتَ كِلَاهُمَا

حَبِيبٌ إِلَى قَلْبِي عُقُوقُكَ وَالخَمْرُ

ولما مات القرد، كفَّنه ودفنه، وأمر أهل الشام، فدخلوا عليه وعزَّوه فيه.

وذُكِر في قُبح سيرة يزيد وذمِّها، ما اتفق في أيامه من قتل الحسين

(1) في الأصل: "أبو".

ص: 296

ابن علي رضي الله عنهما، وقَتْلِ من صَحِبَهُ مِنْ أهلِهِ، وسَبْيِ حَرِيمِهِ، وحَمْلِ رَأْسِهِ الكريمةِ على العُود، والطوافِ بها، ووضعِها بين يديه.

وسببُ قتل الحسين رضي الله عنه: أنه لما مات معاوية رضي الله عنه، أرسل أهلُ الكوفة إلى الحسين رضي الله عنه: إنّا قد حَبَسْنا أنفسَنا على بيعتك، ونحن نموتُ دونَك، ولسنا نحضُر جمعةً ولا جماعةً بسببك.

وطولب الحسين بالبيعة ليزيد بالمدينة، فسام التأخر، وخرج يتمادى بين مواليه، ولحق بمكة، وأرسل بابن عمه مسلمِ بنِ عقيل، وقال: سر إلى أهل الكوفة، فإن كان حقًا ما كتبوا به، فأرسل عَرِّفني حتى ألحقَ بك.

فخرج مسلم من مكة في النصف من شهر رمضان، حتى قدم المدينة، فودع القبر الشريف، وقدم الكوفة لخمس خلون من شوال، فلما شاع قدومه، بايعه من أهل الكوفة اثنا عشر ألفًا، وقيل: ثمانية عشر ألف رجل، فكتب مسلم بن عقيل بالخبر إلى الحسين، وسأله القدوم، فلما هم الحسين بالخروج إلى العراق، أتاه ابن عباس، ونصحه، وأمره بعدم الخروج، فلم يقبل.

واتصل الخبر بيزيد بن معاوية، فكتب إلى عبيد الله بن زياد بولاية الكوفة، فخرج ابن زياد من البصرة مسرعًا، حتى قدم الكوفة، فدخلها في أهله وحشمه، وظفر بمسلم، فضرب عنقه، وأمر بجثته، فصُلبت؛ وحُملت رأسه إلى دمشق، وهو أول قتيل صُلبت جثته من بني هاشم، وأولُ رأس حُمل من رؤوسهم إلى دمشق.

ص: 297

ولما وصل الحسين رضي الله عنه إلى القادسية، أُخبر بقتل مسلم بن عقيل، فهمّ بالرجوع، فلم يطعه إخوة مسلم، وقالوا والله! لا نرجع حتى نصيب بثأرنا، أو نُقتل كلُّنا، فقال الحسين رضي الله عنه: لا خير في الحياة بعدَكم، ثم سار حتى لقي خيل عبيد الله بن زياد، وقد غدا إلى كربلاء، ومعه خمس مئة فارس من أهل بيته، ونحو مئة رجل، فلما كثرت العساكر على الحسين، أيقن أنه لا (1) محيص له، فقال: اللهمَّ احكمْ بيننا وبين قومٍ دَعَونا لينصرونا، ثم هم يقتلونا، اللهمَّ اشهدْ، فلم يزل يقاتل حتى قُتل رضي الله عنه، وقاتل قاتِلَه، وكان متولي قتله رجل من مذحج، فاحتز رأسَه الكريمة، وانطلق بها إلى عبيد الله بن زياد، وهو يقول:

أَوْقِرْ رِكَابِي فِضَةً وَذَهَبَا

أَنَا قَتَلْتُ الْمَلِكَ المُحَجَّبَا

قَتَلْتُ خَيْرَ النَّاسِ أُمًّا وَأَبًا

وَخَيْرَهُمْ إِذْ يَنْسبُونَ النَّسَبَا

وأتى ذلك الرجلُ البائس بالرأس الكريمة إلى داره، فوضعها، وأكفأ عليها إناء، ونام في فراشه، فقالت له زوجته: ما الذي أتيتَ به؟ قال: أتيتك بعزِّ الأبد، وفخر الدهر، أتيتُك برأس الحسين بن علي، فقالت له: حسبُك الله! لقد خسرتَ الدنيا والآخرة، تأتي الناسُ بالذهب

(1) في الأصل: "لما".

ص: 298

والفضة، وتأتيني برأس ابنِ بنتِ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ! لا جمعتْ رأسي ورأسَك مخدةٌ أبدًا.

وبعث ابن زياد بالرأس الكريمة إلى يزيدَ بن معاوية، مع ذلك الرجل المذحجي، فدخل على يزيد، وعنده أبو بريرة الأسلميُّ، فوضع الرأسَ الشريفةَ بين يديه، فجعل يزيدُ ينكث ثنايا الحسين رضي الله عنه بقضيب كان في يده، ويقول:

نُفَلِّقُ هَامًا مِنْ رِجَالٍ أَعِزَّةٍ

عَلَيْنَا وَهُمْ كَانُوا أَعَقَّ وَأَظْلَمَا

فقال له أبو بريرة: ارفعْ قضيبك، فوالله! لربما رأيتُ فا رسولِ الله صلى الله عليه وسلم على فيه وهو يقبِّله.

وفي رواية: أنه قال له: ثكلتك أمُّك يا يزيدُ! أتنكثُ ثنايا طالما قَبَّلها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؟ !

وروي: أن الفاعل لذلك عبيد الله بن زياد لما جاء إليه رأس الحسين، جعل يقرع فم الحسين بقضيب في يده، فقال له زيدُ بنُ أرقم: ارفعْ هذا القضيبَ، فوالذي لا إله غيرُه! لقد رأيتُ شفتَي رسولِ الله صلى الله عليه وسلم على هاتين الشفتين، ثم بكى.

وبعث ابن زياد بالرأس، وبالنساء والأطفال إلى يزيد بن معاوية، فوضع يزيد رأس الحسين بين يديه، واستحضر النساء والأطفال، ثم أمر النعمان بن بشير أن يجهزهم بما يصلحهم، وأن يبعث أمينًا معهم يوصلهم

ص: 299

إلى المدينة، فجهزهم إلى المدينة.

وقُتل الحسين رضي الله عنه يوم عاشوراء، سنة إحدى وستين بكربلاء، وقُتل معه جماعة من إخوته وأولاده، وأولاد أخيه الحسن، وأولاد أعمامه: عقيل، وجعفر.

ومات الحسين وهو ابن خمس وخمسين سنة، ووُجد به حين قُتل ثلاثة وثلاثون طعنة، وقُتل معه من الأنصار أربعة.

واختُلف في موضع رأس الحسين، فقيل: جهز إلى المدينة، ودفن عند أمه.

وقيل: دفن عند باب الفراديس.

وقيل: إن خلفاء مصر نقلوا من عسقلان رأسًا إلى القاهرة، ودفنوه بها، وبنوا له مشهدًا معروفًا بمشهد الحسين.

ولما اشتُهر جورُ يزيدَ وظلمُه، وقتلُ آل الرسول، والتجاهرُ بشرب الخمور، اجتمع أهل المدينة على إخراج عامله عثمان بن محمد بن أبي سفيان، ومروان بن الحكم، وسائر بني أمية، بإشارة ابن الزبير، فلما بلغ ذلك يزيد، سيَّر الجيوشَ إلى أهل المدينة من الشام، وعليهم مسلم بن عقبة المزني، فانتهبَ المدينةَ، وقتل أهلَها، فبايعوه أنهم عبيدٌ ليزيد، وسمى المدينة: تَلْبَة، وقد سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم: طَيْبة، فسُمِّي مسلمٌ هذا: مجرم، وكانت وقعة عظيمة في الموضع المعروف بالحرّة، قُتل فيها خلائقُ من بني هاشم والأنصار وغيرِهم، وبضع وسبعون رجلًا من

ص: 300