الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال النبيَّ صلى الله عليه وسلم: "أَشْبَهُ مَنْ رَأَيْتُ بِجِبْرِيلَ دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ"(1).
وفي أيامه - أيضًا - توفيت عائشة رضي الله عنها في سنة ثمان وخمسين.
وتوفي أبو هريرة رضي الله عنه في سنة تسع وخمسين.
أولاده: يزيد، وعبد الرحمن، وعبد الله، وهند، ورملة، وصفية، وعائشة.
كاتبه: عبدُ الله بن أوس.
قاضيه: فضَالةُ بن عبيد الأنصاري.
وطبيبه: زيدٌ مولاه، ثم صفوانُ مولاه.
نقشُ خاتمه: لكلِّ عملٍ ثواب، وقيل: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، والحمد لله وحده.
وصلَّى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلَّم.
(خلافة يزيدَ بنِ معاويةَ، ) ولقَّبَ نفسَه: المستنصر على أهل الزيغ
هو يزيدُ بنُ معاوية بن أبي سفيانَ بنِ حربٍ، مولده في سنة خمس
(1) رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى"(4/ 250)، عن ابن شهاب الزهري مرسلًا. وروى مسلم نحوه (167) مرفوعًا عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
وعشرين، وأمه ميسونُ بنتُ بَحْدَلِ الكلبيةُ، أقام يزيدُ معها في البادية، وتعلم الفصاحة ونظم الشعر هناك في بادية بني كلب، وكان سبب إرساله مع أمه هناك: أن معاوية سمع ميسون تنشد هذه الأبيات، وهي:
لَلُبْسُ عَبَاءَةٍ وَتَقَرَّ عَيْنِي
…
أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ لُبْسِ الشُّفُوفِ
وَبَيْتٌ تَخْفُقُ الأَرياحُ فِيه
…
أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ قَصْرٍ مُنِيفِ
وَبَكْرٌ يَتْبَعُ الأَظْعَانَ صَعْبٌ
…
أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ بَغْلٍ زَفُوفِ
وَكَلْبٌ يَنْبَحُ الأَضْيَافَ دُوني
…
أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ هِرٍّ ألُوفِ
وَخِرْقٌ مِنْ بَنِي عَمِّي نَحِيفٌ (1)
…
أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ عِلْجٍ عَلِيفِ
فقال معاوية: ما رضيتِ يا ابنةَ بحدل، حتى جعلْتِني علجًا عليفًا؟ ! الحقي بأهلك، فمضت إلى بادية كلب، ويزيدُ معها.
بويع له بعد وفاة والده بيعة الولاية، وقد كان عقد له ولاية العهد
(1) في الأصل: "ثقيف".
- كما تقدم -، ولما أفضى الأمر إليه، دخل منزله، فلم يظهر للناس ثلاثة أيام، فاجتمع ببابه أشراف العرب، ووفود البلدان، ليعزوه بأبيه، ويهنوه بالخلافة، فلما كان اليوم الرابع، خرج وهو أشعثُ أغبرُ، وصَعِدَ المنبرَ، فحمِدَ الله، وأثنى عليه، ثم قال: إن معاوية كان حبلًا من حبال الله، أمدَّه الله ما شاء أن يمدَّه، ثم قطعه حين شاء أن يقطعه، وكان دونَ مَنْ قبله، وخيرًا ممن بعده، إن يغفر الله له، فهو أهلُه، وإن يعذبه، فبذنبه، وقد وليت الأمرَ بعده، وإذا أراد الله شيئًا، كان، فاذكروا الله، واستغفروه، ثم نزل، ودخل منزله، وأذن للناس، فدخلوا عليه، وقاموا يعزونه ويهنئونه بالخلافة، وأمر لكلِّ واحد بمال على قدره.
ودخل عليه عبدُ الملك بن مروان يومًا، فقال: يا أمير المؤمنين! أُرَيضةٌ لك إلى جانب أرض لي، ولي فيها سَعَة، فأَقطعنيها، قال: يا عبد الملك! إنه لا يتعاظمني كبير، ولا أُخْدَع عن صغير، أخبرني عنها، وإلا سألتُ غيرك، قال: يا أمير المؤمنين! ما بالحجاز مالٌ (1) أعظمُ منه قدرًا، قال: قد أقطعتك ذلك، فشكره عبد الملك، ودعا له، فلما ولَّى، قال يزيد: الناس يزعمون أن هذا خليفة، فإن صدقوا، فقد صانعناه، وإن كذبوا، فقد وصلناه.
وكان يزيد صاحبَ طُرُد وجوارح، وكلاب وقرود، تنادمه على الشراب، وفي أيامه استُعملت الملاهي، وظهر شربُ الشراب والسماع.
(1) في الأصل: "مالًا".
وكان له قرد يسمَّى: أبا (1) القيس، وكان يُحضِرُه مجلسَ منادمته، ويطرح له مُتَّكأً، وكان إذا رآه، قال: شيخ من بني إسرائيل، مسخه الله قردًا، وربما وثب القرد، فقعد على عاتقه، وربما غبَّ معه في كأسه.
وربما اجتمع الناس لركوب يزيد، فيقول: قد بدا لي في الركوب، ولكن يركب أبو قيس، فيركب القرد، ويمر على أهل الشام، فيومئ لهم بالسلام، كما يفعل يزيد.
ويزيدٌ أولُ من جمع الشراب والغناء، وكان يُنْبَذُ له من عسل الطائف، وزبيبِها، ويفتق له بالمسك، وكان يلعب بالكلاب، ويلبس المصبَّغات، ويتجاهر بشرب الخمر.
وروي: أن أباه أنكر عليه شربَ الخمر، فأنشد:
أَمِنْ شَرْبَةٍ مِنْ مَاءِ كَرْمٍ شَرِبْتُهَا
…
غَضِبْتَ عَلَيَّ الآن طَابَ لِيَ السُّكْرُ
سَأَشْرَبُ فَاغْضَبْ لَا رَضِيتَ كِلَاهُمَا
…
حَبِيبٌ إِلَى قَلْبِي عُقُوقُكَ وَالخَمْرُ
ولما مات القرد، كفَّنه ودفنه، وأمر أهل الشام، فدخلوا عليه وعزَّوه فيه.
وذُكِر في قُبح سيرة يزيد وذمِّها، ما اتفق في أيامه من قتل الحسين
(1) في الأصل: "أبو".
ابن علي رضي الله عنهما، وقَتْلِ من صَحِبَهُ مِنْ أهلِهِ، وسَبْيِ حَرِيمِهِ، وحَمْلِ رَأْسِهِ الكريمةِ على العُود، والطوافِ بها، ووضعِها بين يديه.
وسببُ قتل الحسين رضي الله عنه: أنه لما مات معاوية رضي الله عنه، أرسل أهلُ الكوفة إلى الحسين رضي الله عنه: إنّا قد حَبَسْنا أنفسَنا على بيعتك، ونحن نموتُ دونَك، ولسنا نحضُر جمعةً ولا جماعةً بسببك.
وطولب الحسين بالبيعة ليزيد بالمدينة، فسام التأخر، وخرج يتمادى بين مواليه، ولحق بمكة، وأرسل بابن عمه مسلمِ بنِ عقيل، وقال: سر إلى أهل الكوفة، فإن كان حقًا ما كتبوا به، فأرسل عَرِّفني حتى ألحقَ بك.
فخرج مسلم من مكة في النصف من شهر رمضان، حتى قدم المدينة، فودع القبر الشريف، وقدم الكوفة لخمس خلون من شوال، فلما شاع قدومه، بايعه من أهل الكوفة اثنا عشر ألفًا، وقيل: ثمانية عشر ألف رجل، فكتب مسلم بن عقيل بالخبر إلى الحسين، وسأله القدوم، فلما هم الحسين بالخروج إلى العراق، أتاه ابن عباس، ونصحه، وأمره بعدم الخروج، فلم يقبل.
واتصل الخبر بيزيد بن معاوية، فكتب إلى عبيد الله بن زياد بولاية الكوفة، فخرج ابن زياد من البصرة مسرعًا، حتى قدم الكوفة، فدخلها في أهله وحشمه، وظفر بمسلم، فضرب عنقه، وأمر بجثته، فصُلبت؛ وحُملت رأسه إلى دمشق، وهو أول قتيل صُلبت جثته من بني هاشم، وأولُ رأس حُمل من رؤوسهم إلى دمشق.
ولما وصل الحسين رضي الله عنه إلى القادسية، أُخبر بقتل مسلم بن عقيل، فهمّ بالرجوع، فلم يطعه إخوة مسلم، وقالوا والله! لا نرجع حتى نصيب بثأرنا، أو نُقتل كلُّنا، فقال الحسين رضي الله عنه: لا خير في الحياة بعدَكم، ثم سار حتى لقي خيل عبيد الله بن زياد، وقد غدا إلى كربلاء، ومعه خمس مئة فارس من أهل بيته، ونحو مئة رجل، فلما كثرت العساكر على الحسين، أيقن أنه لا (1) محيص له، فقال: اللهمَّ احكمْ بيننا وبين قومٍ دَعَونا لينصرونا، ثم هم يقتلونا، اللهمَّ اشهدْ، فلم يزل يقاتل حتى قُتل رضي الله عنه، وقاتل قاتِلَه، وكان متولي قتله رجل من مذحج، فاحتز رأسَه الكريمة، وانطلق بها إلى عبيد الله بن زياد، وهو يقول:
أَوْقِرْ رِكَابِي فِضَةً وَذَهَبَا
…
أَنَا قَتَلْتُ الْمَلِكَ المُحَجَّبَا
قَتَلْتُ خَيْرَ النَّاسِ أُمًّا وَأَبًا
…
وَخَيْرَهُمْ إِذْ يَنْسبُونَ النَّسَبَا
وأتى ذلك الرجلُ البائس بالرأس الكريمة إلى داره، فوضعها، وأكفأ عليها إناء، ونام في فراشه، فقالت له زوجته: ما الذي أتيتَ به؟ قال: أتيتك بعزِّ الأبد، وفخر الدهر، أتيتُك برأس الحسين بن علي، فقالت له: حسبُك الله! لقد خسرتَ الدنيا والآخرة، تأتي الناسُ بالذهب
(1) في الأصل: "لما".
والفضة، وتأتيني برأس ابنِ بنتِ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ! لا جمعتْ رأسي ورأسَك مخدةٌ أبدًا.
وبعث ابن زياد بالرأس الكريمة إلى يزيدَ بن معاوية، مع ذلك الرجل المذحجي، فدخل على يزيد، وعنده أبو بريرة الأسلميُّ، فوضع الرأسَ الشريفةَ بين يديه، فجعل يزيدُ ينكث ثنايا الحسين رضي الله عنه بقضيب كان في يده، ويقول:
نُفَلِّقُ هَامًا مِنْ رِجَالٍ أَعِزَّةٍ
…
عَلَيْنَا وَهُمْ كَانُوا أَعَقَّ وَأَظْلَمَا
فقال له أبو بريرة: ارفعْ قضيبك، فوالله! لربما رأيتُ فا رسولِ الله صلى الله عليه وسلم على فيه وهو يقبِّله.
وفي رواية: أنه قال له: ثكلتك أمُّك يا يزيدُ! أتنكثُ ثنايا طالما قَبَّلها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؟ !
وروي: أن الفاعل لذلك عبيد الله بن زياد لما جاء إليه رأس الحسين، جعل يقرع فم الحسين بقضيب في يده، فقال له زيدُ بنُ أرقم: ارفعْ هذا القضيبَ، فوالذي لا إله غيرُه! لقد رأيتُ شفتَي رسولِ الله صلى الله عليه وسلم على هاتين الشفتين، ثم بكى.
وبعث ابن زياد بالرأس، وبالنساء والأطفال إلى يزيد بن معاوية، فوضع يزيد رأس الحسين بين يديه، واستحضر النساء والأطفال، ثم أمر النعمان بن بشير أن يجهزهم بما يصلحهم، وأن يبعث أمينًا معهم يوصلهم
إلى المدينة، فجهزهم إلى المدينة.
وقُتل الحسين رضي الله عنه يوم عاشوراء، سنة إحدى وستين بكربلاء، وقُتل معه جماعة من إخوته وأولاده، وأولاد أخيه الحسن، وأولاد أعمامه: عقيل، وجعفر.
ومات الحسين وهو ابن خمس وخمسين سنة، ووُجد به حين قُتل ثلاثة وثلاثون طعنة، وقُتل معه من الأنصار أربعة.
واختُلف في موضع رأس الحسين، فقيل: جهز إلى المدينة، ودفن عند أمه.
وقيل: دفن عند باب الفراديس.
وقيل: إن خلفاء مصر نقلوا من عسقلان رأسًا إلى القاهرة، ودفنوه بها، وبنوا له مشهدًا معروفًا بمشهد الحسين.
ولما اشتُهر جورُ يزيدَ وظلمُه، وقتلُ آل الرسول، والتجاهرُ بشرب الخمور، اجتمع أهل المدينة على إخراج عامله عثمان بن محمد بن أبي سفيان، ومروان بن الحكم، وسائر بني أمية، بإشارة ابن الزبير، فلما بلغ ذلك يزيد، سيَّر الجيوشَ إلى أهل المدينة من الشام، وعليهم مسلم بن عقبة المزني، فانتهبَ المدينةَ، وقتل أهلَها، فبايعوه أنهم عبيدٌ ليزيد، وسمى المدينة: تَلْبَة، وقد سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم: طَيْبة، فسُمِّي مسلمٌ هذا: مجرم، وكانت وقعة عظيمة في الموضع المعروف بالحرّة، قُتل فيها خلائقُ من بني هاشم والأنصار وغيرِهم، وبضع وسبعون رجلًا من