الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتولية أخيه المعتز؛ لمحبته في أمه، فوجد المنتصرُ على أبيه في نفسه، واتفق مع الترك على قتل أبيه، فدخلوا عليه وهو مع وزيره في خلوة في الليل، فقطعوهما بالسيوف.
وكان من الاتفاق العجيب: أن المتوكل قد أُهدي له سيف من البحرين قاطع لم يَرَ أحدٌ مثلَه، فعرضه على جميع حاشيته، وكلٌّ يتمناه، فقال المتوكل: لا يصلح هذا السيف إلا لساعد ماعز التركي، فوهبه له دونَ غيره، فاتفق أنه كان أولَ من دخل عليه، فضربه به، فقطع حبلَ عاتقه، ثم تناولوه بالسيوف، فقطعوه هو والفتح قطعا، حتى اختلطت لحومُهما، ودُفنا معًا.
وكانت وفاة المتوكل بِسُرَّ من رأى، ليلة الأربعاء، لثلاثٍ خلون من شوال، سنة سبع وأربعين ومئتين، وله إحدى وأربعون سنة، ودُفِن في القصر الجعفري، فكانت خلافته أربع عشرة سنة، وعشرة أشهر، وثلاثة أيام، والله أعلم.
ورآه بعضُهم في النوم وهو بين يدي الله عز وجل، فقال له: ما تصنع ها هنا؟ فقال: انتظر محمدًا ابني، أخاصمُه بين يدي الله تعالى.
وصلَّى الله على سيدنا محمَّد، وعلى آله وصحبه وسلَّم.
* * *
خلافة المنتصر محمدِ بنِ جعفر
هو أبو جعفر، محمدُ بنُ جعفرٍ المتوكلِ، وأمّه رومية.
وكان مربوعًا، أسمر اللون، حسن الجسم، شهمًا.
بويع لأربع خلون من شوال، سنة سبع وأربعين ومئتين، وخلع أخويه: المعتز، والمؤيد، وكان أبوهما المتوكلُ عقد لهما البيعةَ، وأخذَ خَطَّيهما بخلع أنفسهما، بعد أن أهانهما، وأخافهما.
وهو أول من عدا على أبيه من بني العباس، وكان يسيء إلى العيال، ويبخل بالمال.
ورأى والدَه في النوم وهو يقول له: ويلك يا محمَّد! قتلتني وظلمتني، والله، لا تمتعتَ بالخلافة بعدي إلا أياما يسيرة، ثم مصيرُك إلى النار، فانتبه وهو لا يملك عينيه، فكان يُسَلّى، وهو لا يسلو، ولما اعتلَّ، أتته أمّه تعوده، فلما رآها، بكى، وقال: يا أماه، عاجلتُ فعوجلتُ، ولم يزل منكسراً إلى أن مات، وكانت وفاته ليلة السبت، لثلاثٍ خلون من شهر ربيع الآخر، سنة ثمان وأربعين ومئتين، بِسُرَّ مَنْ رأى، وعمرُه خمس وعشرون سنة، وستة أشهر، وكانت ولايته ستة أشهر.
ولما رتَّب المنتصر أسبابَ ملكه، ووضع كل شيء موضعه، فرش له مجلس بأنواع الفرش، وكان في جملة الفرش: بساط حرير، طوله عشرة أذرع، في عشرة أذرع منقوش بأنواع النقوش، وفي وسطه صورة الملك جالس على كرسي الملك، وعلى رأسه سطور مكتوبة بالفارسي، فقال: انظروا إلى من يقرأ هذه السطور التي على رأس الملك، فجاؤوا بمن قرأها، فإذا هي: أنا شيرويه بنُ كسرى، قتلت أبي، فلم أعشْ بعده إلا ستة أشهر، فتطَيَّر المنتصرُ من ذلك، وقام من ذلك المجلس، وأمر
الفراشين، فمزقوا ذلك الفرش بأسره، فلم يمكث بعد أبيه غيرَ ستة أشهر.
وفي أيامه توفيت شجاعُ أمُّ المتوكل، وكانت خيرةً، كثيرةَ الرغبة في الخير، وخلفت من الذهب العين خمسةَ آلاف ألف ألف دينار، وخمسين ألف دينار، ومن الجواهر ما قيمته ألف ألف دينار، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمَّد، وعلى آله وصحبه وسلم (1).
* * *
(1) لم يذكر المؤلف رحمه الله خلافة المستعين، وهو أحمد بن محمَّد بن المعتصم، ثاني عشرهم، بويع له ليلة الاثنين، لست خلون من ربيع الآخر، وهو ابن ثمان وعشرين سنة، ويكنى: أبا العباس.
وفيها: ورد عليه خبر وفاة طاهر بن عبد اللهِ بن طاهر أمير خراسان في رجب، فولى ابنه محمَّد بن طاهر خراسان.
وفيها: مات بغا الكبير، فولى مكانه ابنه موسى بن بغا.
وفيها: شغب أهل حمص على كيدر عاملهم، فأخرجوه.
وفيها: تحرك يعقوب بن الليث الصفار من سجستان نحو هراة.
وفيها: توفي محمَّد بن العلاء الهمداني من مشايخ البخاري ومسلم.
ثم دخلت سنة تسع وأربعين ومئتين، فيها التقى المسلمون والروم بمرج الأسقف، وقتل عمر بن عبد اللهِ الأقطع مقدم العسكر، وكان شجاعا، وانهزم الروم، وقتل منهم، فأغار الروم إلى الثغور الجزرية.
وفيها: شغب الجند الشاكرية والعامة ببغداد على الأتراك بسبب استيلائهم على الأمور يقتلون من شاؤوا من الخلفاء، ويستخلفون من شاؤوا من غير مصلحة، ثم اتفقت العامة بسامراء، وأطلقوا من في السجون، فقتلت الأتراك من العامة جماعة حتى سكنت الفتنة. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وفيها: قتلت الموالي أيامش، ونهبوا داره؛ فإن المستعين أطلق يد أيامش، فاستولى على الأموال.
وفيها: توفي علي بن الجهم الشاعر.
وفيها: توفي أبو إبراهيم أحمد بن الأغلب صاحبُ إفريقية، وقام موضعه أخوه أبو محمَّد زيادة اللهِ.
ثم دخلت سنة خمسين ومئتين فيها، ظهر أبو الحسين يحيى بن عمر بن يحيى ابن حسين بن زيد بن علي بن الحسين بالكوفة في جمع، واستولى على الكوفة، ثم جهز إليه محمَّد بن عبد اللهِ بن طاهر جيشًا، فقتل يحيى، وحمل رأسه إلى المستعين، ثم فيها ظهر الحسن بن زيد بن محمَّد بن إسماعيل بن زيد بن الحسن بن الحسن بطبرستان، وكثر جمعه.
وفيها: وثب أهل حمص على عاملهم الفضل بن قارن أخي مازيار، فقتلوه، فأرسل المستعين إليهم موسى بن بغا الكبير، فحاربوه بين حمص والرستن، فهزمهم، فافتتح حمص، وقتل خلقاً، وأحرقها.
وفيها: توفي زيادة الله من ولد الأغلب، وملك إفريقية بعده ابن أخيه أبو عبد اللهِ محمَّد بن أحمد بن محمَّد المذكور.
وفيها: مات الخليع الشاعر الحسين بن الضحاك، ومولده سنة اثنتين وستين ثم دخلت سنة إحدى وخمسين ومئتين، فيها قتل بغا الصغير، ووصيف باغر التركي، فشغب الجند، وحصروا المستعين في القصر بسامراء، فهرب هو وبغا ووصيف في حراقة إلى بغداد، واستقر بها المستعين، انتهى من "تاريخ ابن الوردي"(1/ 221 - 222).