الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه
-
هو أبو عَمْروٍ، ويقال: أبو عبد الله، وأبو ليلى، عثمانُ بنُ عَفَّانَ بنِ أبي العاصِ بنِ أميةَ بنِ عبدِ شمسِ بنِ عبدِ منافِ بنِ قصيٍّ، الأمويُّ، القرشيُّ، المكيُّ، ثم المدني، أمير المؤمنين.
وأمُّه أَرْوى بنتُ كُرَيز - بضم الكاف وفتح الراء - ابنِ ربيعةَ بنِ حبيبِ ابنِ عبدِ شمسِ بنِ عبدِ منافٍ، وأمُّها أمُّ حكيمٍ البيضاءُ بنتُ عبد المطلب عمةُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم.
ويقال لعثمان: ذو النُّورَيْن؛ لأنه تزوَّج بنتَي رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، إحداهما بعد الأخرى، ولا يُعرَف أحد تزوج بنتي نبي غيره، تزوج رقية قبل النبوة، وتوفيت عنده في أيام غزوة بدر في شهر رمضان من السنة الثانية من الهجرة.
ثم تزوج بأختها أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتوفيت عنده سنة تسع من الهجرة.
وقد ولد رضي الله عنه في السنة السادسة بعد الفيل، ولما مات عمر رضي الله عنه، اجتمع أهل الشورى، وهم: علي، وعثمان، وعبد الرحمن بن عوف،
وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عمر. ومضى عليٌّ إلى العباس، وتكلم معه، فقال له: هذا الرهط لا يبرحون يدفعوننا عن هذا الأمر حتى يقوم له غيرنا، وايم الله لا ننالُه إلا بِشَرٍّ لا ينفع معه خير.
ثم جمع عبد الرحمن بن عوف الناسَ بعد أن أخرج نفسَه عن الخلافة، فدعا عليًّا، فقال: عليك عهدُ الله وميثاقُه لتعملَنَّ بكتاب الله، وسنة رسوله، وسيرة الخليفتين من بعده؟ فقال: أرجو أن أفعل وأعمل مبلغ علمي وطاقتي، ودعا بعثمان، وقال له مثلَ ما قال لعلي، فرفع عبدُ الرحمن رأسَه إلى سقف المسجد، ويدُه في يد عثمان، وقال:(اللهمَّ اسمعْ واشهد أنِّي جعلت ما في رقبتي من ذلك في رقبة عثمان)، وبايعه.
فقال علي: ليس هذا بأول يوم تظاهرتم علينا فيه، فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون، والله ما وَلَّيتَ عثمانَ إلا ليردَّ الأمر إليك، والله كل يوم هو في شأن، فقال عبد الرحمن: يا عليُّ! لا تجعل على نفسك حجة وسبيلًا.
فخرج عليٌّ وهو يقول: سيبلغ الكتاب أجله.
بويع له بالخلافة رضي الله عنه لثلاثٍ مضين من المحرم سنة أربع وعشرين، ولما بويع، رقا المنبر، وقام خطيبًا، وحمد الله، وأثنى عليه، ثم نزل، وأقرَّ ولاةَ عمر سنة؛ لأنه كان أوصى بذلك، ثم عزل وولَّى، وجهز الجيوش للغزو.
ولما دخلت سنة ثلاثين: فيها بَلَغَ عثمانَ رضي الله عنه ما وقع في أمر
القرآن؛ من أن أهل العراق يقولون: قرآننا أصحُّ من قرآن أهل الشام؛ لأننا قرأنا على أبي موسى الأشعري، وأهلُ الشام يقولون: قرآننا أصحُّ؛ لأننا قرأنا على المقداد ابن الأسود، وكذلك غيرهم من الأمصار، فأجمع رأيه ورأي الصحابة، على أن يحمل الناس على المصحف الذي كُتِب في خلافة أبي بكر رضي الله عنه، وكان مُودَعًا عند حفصةَ زوجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ويحرق ما سِواه من المصاحف التي بأيدي الناس، ففعل ذلك، ونسخ من ذلك، المصحف مصاحفَ، وحُمل كلٌّ منها إلى مصر من الأمصار، وكان الذي تولى نسخَ العثمانية بأمر عثمان: زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي.
وقال عثمان: إذا اختلفتم في كلمة، فاكتبوها بلسان قريش؛ فإنما نزل القرآن بلسانهم.
وفي هذه السنة: سقط من عثمان خاتمُ النبي صلى الله عليه وسلم، وكان من فضة، مكتوب فيه ثلاثة أسطر: محمد، رسول، الله، وكان النبي يتختم فيه، ويختم الكتب التي كان يرسلها إلى الملوك، ثم تختَّم بعدَه أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان إلى أن سقط في بئر أريس.
وفي سنة اثنتين وثلاثين: توفي عبد الله بن مسعود، وكان جليلَ القدر في الصحابة، وهو أحدُ القُرَّاء - رحمه الله تعالى -.
وفي سنة أربع وثلاثين: توفي المقداد بن الأسود، وهو المقداد ابن عمرو بن ثعلبة، ونسب إلى الأسودِ بنِ عبدِ يغوثَ؛ لأنه كان قد حالفَ الأسودَ المذكور في الجاهلية، فتبناه، فعُرف بالمقداد ابن الأسود، فلما
نزل قوله تعالى: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} [الأحزاب: 5]، قيل له: المقداد بن عمرو، ولم يكن في يوم بدر من المسلمين صاحب فرس غيرُ المقداد - في قول -، وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاهد كلها، وكان عمره نحو سبعين سنة.
ثم لما دخلت سنة خمس وثلاثين: فيها قدم من مصر جمع، قيل: ألف، وقيل: سبع مئة، وقيل: خمس مئة، وكذلك قدم من الكوفة جَمْعٌ، وكذلك من البصرة، وكان هوى المصريين مع عليٍّ، وهوى الكوفيين مع الزبير، وهوى البصريين مع طلحةَ، فدخلوا المدينة.
ولما جاءت الجمعة التي تلي دخولهم المدينة، خرج عثمان رضي الله عنه، فصلى بالناس، ثم قام على المنبر، وقال للجموع المذكورة: يا هؤلاء! الله يعلم، وأهل المدينة يعلمون: أنكم ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم.
فقام محمد بن مسلمة الأنصاري، فقال: أنا أشهد بذلك، وثار القوم بأجمعهم، فحَصَبوا الناسَ حتى أخرجوهم من المسجد، وحُصِب عثمانُ حتى خرّ على المنبر مغشيًا عليه، فأُدخل دارَه، وقاتل جماعةٌ من أهل المدينة عن عثمان، منهم: سعد بن أبي وقاص، والحسن بن علي بن أبي طالب، وزيد بن ثابت، وأبو هريرة رضي الله عنهم.
فأرسل إليهم عثمان يعزم عليهم بالانصراف، فانصرفوا، وصلى عثمان بالناس بعد ما نزلت الجموع المذكورة في المسجد ثلاثين يومًا.
ثم منعوه الصلاة، فصلى بالناس أميرُهم الغافقيُّ أميرُ جمعِ مصر،
ولزم أهلُ المدينة بيوتهم، وعثمانُ محصورٌ في داره، ودام ذلك أربعين يومًا، وقيل: خمسين يومًا، وآخر الحال أنهم تَسَوَّروا على عثمان رضي الله عنه من دار لزقَ داره، ونزل عليه جماعة، فقتلوه ظلمًا، فضربه رجل بعمود على جبهته، وضربه الآخر بسيفٍ على عاتقه، وضربه رجل بسيف، فاتقاها بيده، فقطعها، فقال: أما إنها أولُ كفٍّ خَطَّت في المصحف.
وقُتِل رضي الله عنه وهو صائم، والمصحف بين يديه يتلو فيه.
وكان مقتله رضي الله عنه يوم الأربعاء، لثمان عشرة ليلة خلت من ذي الحجة، سنة خمس وثلاثين، وكانت مدة خلافته اثنتي عشرة سنة، إلا اثني عشر يومًا.
واختلف في عمره، فقيل: خمس وسبعون، وقيل: اثنان وثمانون، وقيل: تسعون، وقيل: غير ذلك، ومكث ثلاثة أيام لم يُدفن؛ لأن المحارِبين له منعوا من ذلك، ثم أمر عليٌّ بدفنه، ودُفِن ليلًا بالبقيع، وأُخفي قبره ذلك الوقت، ثم ظهر.
وأما شمائله: فإنه كان في نهاية الجُود والكرم والسخاء، وهو الذي جهّز جيش العُسرة بجملةٍ من ماله.
وروي: أنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبَه عليه، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"كيف لا أَسْتَحْي مِمَّنْ تَسْتَحْيِي منهُ ملائِكةُ السَّماء"(1).
(1) رواه مسلم (2401)، عن عائشة رضي الله عنها.
وانفتح بقتل عثمان بابُ الشرِّ والفتن.
وحجَّ بالناس في خلافته عشر سنين متوالية، ويوم قُتِل كان له عند خازنه من المال مئة ألف وخمسون ألف دينار، وألف ألف درهم، وقيمة ضياعه مئه ألف دينار، وخلَّف خيلًا وإبلًا كثيرة.
وفي أيامه اقتنى جماعة من الصحابة الضياع والدور.
وفي زمنه كانت غزاة الإسكندرية، ثم سابور، ثم إفريقية، ثم قبرص، وإصطخر الأخيرة، وفارس الأولى والأخيرة، ثم طبرستان، وسجستان، ثم الأساورة في البحر، ثم مرو.
وكان عثمان رضي الله عنه حسنَ الوجه، رقيقَ البشرة، أسمر اللون، كثير الشعر، بين الطويل والقصير، وبشَّره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة على بَلْوى تصيبه، وهو أحدُ العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحدُ الستة أصحابِ الشورى، الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ، وأحد الخلفاء الراشدين، وأحد السابقين إلى الإسلام، وأعتق عشرين مملوكًا وهو محصور.
وكان له من الأولاد: عبد الله - الاكبر - أمُّه فاختةُ بنتُ غزوان، وعبد الله - الأصغر - أمّه رقيةُ بنتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمر، وأبان، وخالد، وسعد، والوليد، والمغيرة، وعبد الملك، وأم سعيد، وأم أبان، وأم عمرو، وأم عائشة.
ومَلَكَ أموالًا جَزِيلة انتُهبت يومَ الدار.
وكان قاضيه زيد بن ثابت، وحاجبه موران مولاهُ، وكاتبه مروان بن الحكم بن العاص ابنُ عمه رضي الله عنه.
وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
* * *