الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعن حذيفة قال: لَمَّا أسلم عمر، كان الإسلامُ كالرجلِ المقبِلِ لا يزداد إلا قربًا، فلما قُتل عمر، كان الإسلامُ كالرجل المدبِرِ لا يزداد إلا بعدًا (1).
وكان إسلامه رضي الله عنه في السنة الخامسة من النبوة، وهاجر إلى المدينة حين أراد النبي صلى الله عليه وسلم الهجرة، فتقدم قدامه.
وكان شديدًا على الكفار والمنافقين، وهو الذي أشار بقتل أسارى بدر، فنزل القرآن على وفق قوله.
وأمّا زهده وتواضعه: فمن المشهورات التي استوى الناس في العلم بها وكان قميصه فيه أربعة عشر رقعة، أحدها من أديم.
و[أما] فضائله رضي الله عنه
- الثابتةُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيح، فأكثرُ من أن تُحصر.
وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه قال لعمر بن الخطاب: "والَّذِي نَفْسِي بِيَده! ما لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ سَالِكًا فَجًّا، إلَّا سلكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ"(2).
وتولى عمر رضي الله عنه الخلافة باستخلاف أبي بكر الصديق رضي الله عنه بعد أن شاور الصحابة، فأشاروا به، ثم دعا أبو بكر عثمانَ بنَ عفان، فقال: (اكتبْ: بِسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قُحافَة في آخر عهده بالدنيا خارجًا منها، وعند أول عهده بالآخرة داخلًا فيها، حين
(1) رواه الحاكم في "المستدرك"(4488).
(2)
رواه البخاري (3120)، ومسلم (2396)، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.
يؤمِن الكافر، ويوقِن الفاجر، ويَصْدُق الكاذب، إني مستخلِفٌ عليكم عمر بن الخطاب، فاسمعوا له وأطيعوا، فإن عَدَل، فذلك ظنّي به، وعلمي فيه، وإن بدّل، فلكلِّ امرئٍ ما اكتسب، والخيرَ أردتُ، ولا أعلمُ الغيبَ، وسيعلم الذين ظلموا أيَّ مُنقلَبٍ ينقلبون، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته).
ثم أمره، فختم الكتاب، وخرج به إلى الناس، فبايعوا عمر جميعًا، ورضوا به.
ولما أراد أبو بكر أن يقلِّد عمرَ الخلافة، قال له عمر: أَعْفِني يا خليفةَ رسول الله؛ فإني غنيٌّ عنها.
قال: بل هي فقيرةٌ إليك، قال: ليس لي بها حاجة، قال: هي محتاجة إليك، فقلده الخلافة على كُره منه، ثم أوصاه بما أوصاه.
فلما خرج، رفع أبو بكر يديه، ثم قال:(اللهمَّ إني لم أُرِدْ بذلك إلا صلاحَهم، وخفتُ عليهم الفتنةَ، فولَّيت عليهم خيارَهم، وقد حضرني من أمرك ما حضرني، فاخْلُفني فيهم؛ فهم عبادك، ونواصيهم في يديك، وأصلِحْ لهم وُلاتَهم، واجعله من خلفائك الراشدين، يتبع هدي نبي الرحمة، وأصلح له رعيته).
وبويع له بالخلافة في اليوم الذي مات فيه أبو بكر رضي الله عنه.
وأول خطبة خطبها، قال: (يا أيها الناس! والله! ليس فيكم أحد أقوى من الضعيف عندي حتى آخذَ الحقَّ له، ولا أضعف عندي من
القوي حتى آخذَ الحقَّ منه.
ثم أولُ شيءٍ أمر به: أنْ عزل خالد بن الوليد عن الإمرةِ، وولَّى أبا عبيدة بن الجراح على الجيش والشام، وأرسل بذلك إليهما، ثم سار أبو عبيدة، ونازل دمشق من جهة باب الجابية، ونزل خالد من جهة باب توما وباب شرقي، ونزل عمرو بن العاص بناحية أخرى، وحاصروها قريبًا من سبعين ليلة، وفتح خالد ما يليه بالسيف، فخرج أهل دمشق، وبذلوا الصلح لأبي عبيدة من الجانب الآخر، وفتحوا له الباب، فآمَنهم، ودخل، والتقى مع خالد في وسط البلد، وبعث أبو عبيدة بالفتح إلى عمر رضي الله عنه.
وفي أيامه فتح العراق، وأمر ببناء البصرة، فاخْتُطَّت في سنة أربعَ عشرةَ، وقيل: في سنة خمس عشرة.
ثم فُتِحَت حِمْص بعد حصار طويل على يد أبي عبيدة، ثم سار إلى حماة، وكانت في زمن داود وسليمان عليهما السلام مدينة عظيمة، وكذلك كانت في زمن اليونان، إلا أنها في زمن الفتوح وقبلَه كانت صغيرة، فخرج الروم الذين (1) بها إليه، فصالحهم على الجزية لرؤوسهم، والخراج على أرضهم، وجعل كنيستهم العظمى جامعًا، وهو الجامع بالسوق الأعلى من حماة.
ثم سار أبو عبيدة إلى شَيْزَر، فصالحه أهلها على صلح أهل حماة، وكذلك أهلُ المعرَّة.
(1) في الأصل: "التي".
ثم فتح اللاذقيةَ عَنوةً، وفتح جبلة، وانطرسوس.
ثم فتح بعد ذلك حلب، وأنطاكية، ومنبج، ودلوك، وسرمين، ومرعش في سوريا.
ولما فُتِحت هذه البلاد، وهي سنة خمس عشرة، وقيل: ست عشرة، أيسَ هرقلُ من الشام، وسار إلى قسطنطينية من الرها، ولما سار هرقل علا على نشَز من الأرض، ثم التفتَ إلى الشام، وقال: السلامُ عليك يا سوريا، سلام لا اجتماعَ بعده، ولا يعود إليك رومي بعدها إلا خائفًا حتى يولد الولد المشؤم، وليته لم يولد، فما أَجَلَّ فِعْلَهُ، وأَمَرَّ فِتْنَتَهُ على الروم.
ثم فتحت قيسارية، وصبصطية وبها قبر يحيى بن زكريا، ونابلس، ولُدّ، ويافا، وتلك البلاد جميعها.
وأمّا بيت المقدس، فطال حصاره، وطلب أهله من أبي عبيدة أن يصالحهم على صلح أهل الشام؛ بشرط أن يكون عمر بن الخطاب رضي الله عنه متوليًا أمرَ الصلح، فكتب أبو عبيدة إلى عمر بذلك، فتقدم عمر رضي الله عنه إلى القدس، وفتحها، واستخلف على المدينة عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه، وذلك في سنة خمس عشرة من الهجرة.
ويوم فتح عمر رضي الله عنه بيت المقدس، قال لكعب: أين ترى أن أبني مُصَلَّى للمسلمين أمامَ الصخرة، أو خلفَها؟ قال: خلفَها، فقال: يا بن اليهود! خالطتك يهودية، بل أبنيه أمامها؛ إِنَّ لنا صدورَ المساجد.
ثم وضع الدواوين وفرض العطاء للمسلمين.
ثم فتح المسلمون تكريت، والموصل.
وفي سنة سبع عشرة اختُطَّت الكوفة، وفي هذه السنة اعتمر عمر ابن الخطاب رضي الله عنه، وأقام بمكة عشرين ليلة، ووسَّع في المسجد الحرام، وهدم منازل قوم أَبَوا أن يبيعوها، وجعل أثمانها في بيت المال، وتزوج أمَّ كلثوم بنتَ عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه، وأمُّها فاطمةُ رضي الله عنها.
وفتح المسلمون الأهواز.
وفي سنة ثمان عشرة كان طاعون عمواس بالشام، مات فيه أبو عبيدة بن الجراح، واسمه: عامر بن عبد الله بن الجراح الفِهْري، أحدُ العشرة المشهود لهم بالجنة.
وفي سنة تسع عشرة فُتِحَت مصر، والإسكندرية على يد عمرو بن العاص، والزبير بن العوام.
وفي سنة عشرين توفي بلال مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مولى أبي بكر الصديق، ولم يؤذِّن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، توفي بدمشق، ودُفِنَ عند الباب الصغير.
وفي سنة إحدى وعشرين كانت وقعة نهاوند مع الأعاجم، وانتصر المسلمون، وفُتِحَت الدينَور، والضميرة، وهمدان، وأصفهان.
وفي هذه السنة توفي خالد بن الوليد وقبرُه بحمص، وقيل: بالمدينة.