المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أولا: مقدمة المحقق - التحبير لإيضاح معاني التيسير - جـ ١

[الصنعاني]

فهرس الكتاب

- ‌أولاً: مقدمة المحقق

- ‌ثانياً: ترجمة المؤلف محمد بن إسماعيل الأمير

- ‌1 - اسمه ونسبه:

- ‌2 - مولده:

- ‌3 - نشأته:

- ‌4 - مشايخه:

- ‌5 - تلامذته:

- ‌6 - ورعه وزهده:

- ‌7 - وفاته:

- ‌8 - ثناء العلماء عليه:

- ‌9 - عقيدة محمد بن إسماعيل الأمير:

- ‌1 - قوله بعد ذكر اسم علي رضي الله عنه (عليه السلام

- ‌2 - ما نسب إليه من سبه الصحابة:

- ‌3 - ما ورد في كتابه "الروضة الندية شرح التحفة العلوية

- ‌10 - مؤلفاته:

- ‌فائدة (1):

- ‌فائدة (2):

- ‌ثالثاً: ترجمة مؤلف "تيسير الوصول إلى جامع الأصول

- ‌1 - اسمه:

- ‌2 - مولده:

- ‌3 - نشأته:

- ‌3 - شيوخه:

- ‌4 - تلاميذه:

- ‌6 - ثناء العلماء عليه:

- ‌7 - مؤلفاته:

- ‌8 - وفاته:

- ‌رابعاً: وصف المخطوط (أ):

- ‌خامساً: وصف المخطوط (ب):

- ‌سادساً: وصف المخطوط (ج

- ‌سابعاً: منهجي في تحقيق الكتاب، وتخريج أحاديثه، والتعليق عليه:

- ‌مقدمة ابن الديبع

- ‌باب في ذكر مناقب الستة الأئمة وأحوالهم

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌[(مناقب الأئمة الستة)]

- ‌حرف الهمزة

- ‌الكتاب الأول: (في الإيمان والإسلام)

- ‌الباب الأول: (فى تعريفهما حقيقة ومجازاً، وفيه ثلاث فصول)

- ‌الفصل الأول: في فضلهما

- ‌الفصل الثاني: في حقيقتهما

- ‌الفصل الثالث: في المجاز

- ‌الباب الثاني: (في أحكام الإيمان والإسلام)

- ‌الفصل الأول: في حكم الإقرار بالشهادتين

- ‌الفصل الثالث: في أحكام متفرقة

- ‌الباب الثالث: (في أحاديث متفرقة تتعلق بالإيمان والإسلام)

- ‌الباب الأول: (في الاستمساك بهما)

- ‌الباب الثاني: (في الاقتصاد في الأعمال)

- ‌كتاب الإيلاء: هو الكتاب السابع

- ‌كتاب: الأسماء والكنى وهو الكتاب الثامن

- ‌الفصل الأول: في المحبوب منها والمكروه

- ‌الفصل الثاني من الخمسة الفصول: في كتاب الأسماء

- ‌ الأول:

- ‌ الثاني:

- ‌ الثالث:

- ‌الرابع:

- ‌الخامس:

- ‌الفصل الثالث: فيمن غيَّر النبي صلى الله عليه وسلم اسمه

- ‌الأول:

- ‌ الثاني:

- ‌الثالث:

- ‌الرابع:

- ‌الخامس:

- ‌السابع:

- ‌الفصل الرابع من كتاب الأسماء والكنى: في التسمي باسم النبي صلى الله عليه وسلم وكنيته

- ‌الأول:

- ‌ الثاني

- ‌الثالث:

- ‌الرابع:

- ‌الفصل الخامس: من كتاب الأسماء

- ‌الأول:

- ‌الثاني:

- ‌الرابع:

- ‌كتاب: الآنية

- ‌الثاني:

- ‌الثالث:

- ‌الرابع:

- ‌الخامس:

- ‌كتاب: الأجل والأمل

- ‌الثالث: عن ابن عمر

- ‌[الرابع: "عن بريدة

- ‌[الخامس: عن أبي هريرة]

- ‌حرف الباء

- ‌ الأول

- ‌الباب الأول: (في بر الوالدين)

- ‌الثاني:

- ‌الثالث:

- ‌الرابع:

- ‌الخامس:

- ‌الباب الثاني: في بر الأولاد والأقارب

- ‌الباب الثالث: (في برّ اليتيم)

- ‌الباب الرابع: (في إماطة الأذى عن الطريق)

- ‌الباب الخامس: (في أعمال من البر متفرقة)

- ‌الباب الأول: في آدابه

- ‌الفصل الأول: في الصدق والأمانة

- ‌الفصل الثاني: في التساهل والتسامح في البيع والإقالة

- ‌الأول:

- ‌[الثاني]

- ‌[الثالث]

- ‌[الرابع]

- ‌[الخامس]

- ‌[السادس]

- ‌الفصل الثالث: الكيل والوزن وغيرهما

- ‌الأول:

- ‌ الثاني

- ‌الثالث:

- ‌الرابع:

- ‌الخامس:

- ‌الفصل الرابع: في أحاديث متفرقة

- ‌الأول:

- ‌الثاني:

- ‌الثالث:

- ‌الباب الثاني: (فيما لا يجوز بيعه)

- ‌الفصل الأول: في النجاسات

- ‌ الأول:

- ‌الثاني:

- ‌الرابع:

- ‌الخامس:

- ‌الفصل الثاني: في بيع ما لم يُقْبَضْ

- ‌الأول:

- ‌ الثاني

- ‌الثالث:

- ‌الرابع:

- ‌الخامس:

- ‌الفصل الثالث: في بيع الثمار والزروع

- ‌الفصل الرابع: في أشياء متفرقة لا يجوز بيعها [أمهات الأولاد

- ‌الفصل‌‌ الأول:في الخداع

- ‌ الأول:

- ‌الثاني:

- ‌الثالث:

- ‌الرابع:

- ‌[الفصل الثاني: في التصرية

- ‌الفصل الثالث: في النَجْش

- ‌الفصل الخامس: الأول: في الملامسة والمنابذة

- ‌الفصل السادس: في بيع الغرر وغيره

- ‌الأول:

- ‌الثاني):

- ‌الثالث:

- ‌الرابع:

- ‌الخامس:

- ‌الباب الرابع: في الربا

- ‌الفصل الأول: في ذمه

- ‌الفصل الثاني: في أحكامه

- ‌(الأول):

- ‌الثاني:

- ‌فرع: في الحيوان وغيره

- ‌الباب الخامس: في الخيار

- ‌الباب السادس: في الشفعة

- ‌الأول:

- ‌الثاني:

- ‌الثالث:

- ‌الرابع:

- ‌الخامس:

- ‌السادس:

- ‌السابع:

- ‌الثامن:

- ‌الباب الثامن: في الاحتكار والتسعير

- ‌الأول:

- ‌الثاني:

- ‌الرابع:

- ‌الباب التاسع: في الرد بالعيب

- ‌الباب العاشر: في بيع الشجر والثمر، ومال العبد والجوائح

- ‌كتاب: البخل وذم المال

- ‌(كتاب: البنيان)

- ‌حرف التاء

- ‌كتاب: التفسير

- ‌الباب الأول: في حكمه

- ‌الفصل الأول: في التحذير منه

الفصل: ‌أولا: مقدمة المحقق

‌أولاً: مقدمة المحقق

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله.

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)} [آل عمران: 102]

{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)} [النساء: 1]

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)} [الأحزاب: 70 - 71].

أما بعد: فإنَّ أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

وبعد:

فالسنة النبوية هي التي فصلت الفروع، وأتمت بيان الكثير منها، وهي التي وضعت القواعد ليبنى عليها ما يَجّد للناس من أحداث.

وقد أجمع المسلمون على أن السنة النبوية متى ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم كانت حجة في الدين ودليلاً من أدلة الأحكام، وجب اتباعها، والرجوع إليها، والعمل بمقتضاها.

فلأهمية السنة النبوية وضرورتها، اعتنى العلماء اعتناءً بالغاً بالحفاظ عليها فألفوا المصنفات العديدة فيها، كالجوامع والسنن والمسانيد والمستخرجات وغيرها

كما صنفوا

ص: 5

كتباً تبين قواعد وقوانين قبول ورد الروايات المذكورة في كتب السنة، وتوضيح مختلف العلوم المتعلقة بأسانيدها ومتونها، وسميت بكتب علم أصول الحديث.

والسنة لغة: السيرة حسنة كانت أو قبيحة (1)، قال خالد بن عُتبة الهذلي:

فلا تجزعَنْ من سيرة أنت سِرتها

فأوَّلُ راضٍ سنة من يسيرُها

وفي التنزيل العزيز: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ} (2) قال الزجاج: سنة الأولين أنهم عاينوا العذاب، فطلب المشركون أن قالوا:{اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ} (3).

وفي الحديث: "من سَنَّ في الإسلام سنةً حسنةً فله أجرُهَا، وأجرُ من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سنَّ في الإسلام سنة سيئة، كان عليه وزرها، ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء"(4).

وإذا أطلقت في الشرع فإنما يراد بها ما أمَر به النبي صلى الله عليه وسلم، ونَهى عنه وندب إليه قولاً وفعلاً مما لم ينطق به الكتاب العزيز، ولهذا يقال في أدلة الشرع: الكتاب والسنة، أي: القرآن والحديث.

(1) قال ابن منظور في لسان العرب (13/ 225): مادة: سنن.

(2)

الكهف: (55).

(3)

الأنفال: (32).

(4)

أخرجه مسلم رقم (704).

ص: 6

فلذا أوجب الله على المسلمين اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يأمر وينهى، فقال تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (1)، أي: ما أعطاكم الرسول صلى الله عليه وسلم من الفيء فخذوه لكم حلال، وما نهاكم عن أخذه فانتهوا، واتقوا الله في أمر الفيء، إن الله شديد العقاب على ما نهاكم عنه الرسول. هذا هو المعنى الأصلي للآية الذي يدلّ عليه السياق.

ولكن الآية عامّة في كل شيء يأتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمر أو نهي أو قول أو فعل، وإن كان السبب خاصاً فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وكل شيء أتانا به من الشرع فقد أعطانا إيّاه وأوصله إلينا.

فهذه الآية الكريمة نصٌ صريح في أن كل ما أتانا به رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغه إلينا من الأوامر وغيرها، سواء كانت مذكورة في الكتاب، أي: القرآن المجيد، أو السنة، أي: كل ما صحّ رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، واجب علينا قبوله، وكذا كل ما نهانا عنه من المنهيات والمنكرات المبينة في الكتاب أو السنة، واجب علينا اجتنابه والانتهاء عنه (2).

وعن عبد الله بن مسعود قال: "لعن الله الواشمات والمستوشمات (3)، والنامصات والمتنمصات (4)، والمتفلجات (5) للحسن المغيرات خلق الله، قال: فبلغ ذلك امرأة من بني أسد

(1) الحشر: (7).

(2)

"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (18/ 17 - 19).

(3)

الواشمة: فاعلة الوشم، وهي أن تغرز إبرة أو مسلة أو نحوهما في ظهر الكف أو المعصم أو الشفة أو غير ذلك من بدن المرأة حتى يسيل الدم، ثم تحشو ذلك الموضع بالكحل أو النورة فيخضر فإن طلبت فعل ذلك بها فهي مستوشمة.

(4)

هي التي تزيل الشعر من الوجه والمتنمصة: التي تطلب فعل ذلك بها.

(5)

المتفلجات: هن اللواتي يعالجن أسنانهن بعد ما شرعن في السن حتى يكون لها تحدد ورقة وأشر فيشبهن بالشواب.

ص: 7

يقال لها: أم يعقوب، وكانت تقرأ القرآن، فأتته فقالت: ما حديث بلغني عنك أنك لعنت الواشمات، والمستوشمات والمتنمصات، والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله، فقال عبد الله: وما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله، فقالت المرأة: لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدته فقال: لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه، قال الله عز وجل:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} ، فقالت المرأة: فإنّي أرى شيئاً من هذا على امرأتك الآن قال: اذهبي فانظري، قال: فدخلت على امرأة عبد الله فلم تر شيئاً فجاءت إليه، فقالت: ما رأيت شيئاً فقال: أما لو كان ذلك لم نجامعها (1) " (2).

وقال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} (3)، والمعنى: إن اختلفتم أيها المؤمنون في شيء من أمر دينكم، فردوه إلى الله - أي فارتادوا معرفة حكم ذلك الذي استجرتم فيه من كتاب الله، فإن لم تجدوا علم ذلك في كتاب الله، فارتادوا معرفة ذلك عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان حياً، أو بالنظر في سنته إن كان ميتاً (4).

وحدَّث أبو هريرة رضي الله عنه أنه سمعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم، فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم، واختلافهم على أنبيائهم"(5).

(1) أي: لم نصاحبها، ولم نجتمع نحن وهي بل كنا نطلقها ونفارقها.

(2)

أخرجه مسلم (14/ 105 - 107/ شرح النووي).

(3)

النساء: (59).

(4)

الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (5/ 261 - 262).

(5)

أخرجه مسلم رقم (1337).

ص: 8

وقد حذر الله تعالى من مخالفة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)} (1).

وعن أبي موسى رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إنما مثلي ومثلُ ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قوماً فقال: يا قوم! إني رأيتُ الجيش بعينيَّ، وإني أنا النذير العُرْيان (2)، فالنجاء، فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا (3)، فانطلقوا على مهلهم فنجوا، وكذبت طائفة منهم، فأصبحوا مكانهم، فصبحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم، فذلك مثل من أطاعني فاتبع ما جئت به، ومثلُ من عصاني وكذب بما جئت به من الحق"(4).

واعتبر من علامات النفاق، الإعراض عن تحكيم الرسول صلى الله عليه وسلم في مواطن الخلاف، فقال تعالى:{وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50)} (5).

(1) النور: (64).

(2)

هو رجل من خثعم، حمل عليه يومَ ذي الخَلَصة

فقطع يده ويد امرأته،

"لسان العرب"(15/ 48). أو هو ربيئة القوم وعينهم يكون في مكانٍ عالٍ، فإذا رأى العدو قد أقبل نزع ثوبه وألاح به لينذر قومه ويبقى عرياناً. "النهاية في غريب الحديث"(3/ 225).

(3)

أي: ساروا من أول الليل.

(4)

أخرجه البخاري رقم (7283)، ومسلم رقم (2283).

(5)

النور: (48 - 50).

ص: 9

وأقسم تعالى على نفي إيمان من لم يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال تعالى:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)} (1).

وأخيراً فمهمة الرسول صلى الله عليه وسلم بالنسبة للقرآن الكريم تبيين المجمل، وتفسير المشكل، وتخصيص العام، قال تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44)} (2). فبيان الرسول وتفسيره صلى الله عليه وسلم في أحاديثه، ومن المعلوم أن الأخذ بهذه الأحاديث والعمل بمقتضاها واجب علينا.

واعلم أخي المسلم علماً جازماً لا يداخله الشك أننا لن نضل عن الطريق المستقيم، ولن نتيه في شعاب الباطل، ما دمنا متمسكين بكتاب الله العزيز، وبسنة الرسول الكريم. قال صلى الله عليه وسلم:"أيها الناس! فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين (3): (أولهما): كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به، فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال: وأهل بيتي (4) أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي"(5).

(1) النساء: (65).

(2)

النحل: (44).

(3)

سماهما ثقلين: لأن الأخذ بهما والعمل بهما ثقيل، أو إعظاماً لقدرهما وتفخيماً لشأنهما. "النهاية: 1/ 216".

(4)

لأنهم لم يعملوا إلا بسنتي، فالإضافة إليهم، إمّا لعملهم بها، أو لاستنباطهم واختيارهم إيّاها. فلذا ذُكِرَ أهل البيت في مقابل القرآن في هذا الحديث. انظر المرقاة للقاري (1/ 199).

(5)

أخرجه الإمام مسلم (15/ 179، 180 - شرح النووي)، من حديث زيد بن أرقم. والطحاوي في مشكل الآثار (4/ 368)، وابن أبي عاصم في "السنة"(1550 و1551)، وأحمد في المسند (4/ 366 - 367).

ص: 10

وقال صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس! إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبداً كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم"، وهو حديث صحيح (1).

ومن خالف الكتاب والسنة فقد ضل ضلالاً بعيداً، وخسر خسراناً مبيناً.

وأن العاقد عليهما بكلتا يديه مستمسك بالعروة الوثقى، ظافر بكل الخير دنيا وأخرى.

وإن السنة النبوية من الذكر، وإنها محفوظة عن الضياع، ومأمونة من الاختلاط بغيرها، بالأدلة الآتية:

1 -

قال تعالى واصفاً رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)} (2). فصح لنا بذلك أن الوحي من الله إلى رسوله صلى الله عليه وسلم ينقسم إلى قسمين:

أحدهما: وحي متلو مؤلف تأليفاً معجز النظم والتأليف وهو القرآن الكريم.

والثاني: وحي موحىً بمعناه، غير معجز النظم ولا متعبَّد بتلاوته، قال تعالى:{قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ} (3)، فأخبر تعالى كما قدمنا أنّ كلام نبيه صلى الله عليه وسلم كله وحي، والوحي بلا خلاف ذكر، والذكر محفوظ بنصّ القرآن.

قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)} (4)، فثبت بذلك أنّ كلامه صلى الله عليه وسلم محفوظ بحفظ الله، مضمون لنا، وأنه لا يضيع منه شيء ولا يحرَّف منه شيء أبداً تحريفاً لا يأتي البيان ببطلانه.

(1) أخرجه الحاكم (1/ 93) من حديث ابن عباس. وصححه ووافقه الذهبي. وانظر طرق الحديث في "الصحيحة"(4/ 355 - 361) للألباني.

(2)

النجم: (3 - 4).

(3)

الأنبياء: (45).

(4)

الحجر: (9).

ص: 11

2 -

الرسول صلى الله عليه وسلم مأمور ببيان القرآن للناس بنصّ القرآن الصريح، قال تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (1)؛ لأن في القرآن مجملاً ومطلقاً وعاماً ومشكلاً، فلا بد من تفصيل المجمل، وتقييد المطلق، وتخصيص العام، وتوضيح المشكل بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيانه، فإن كان بيانه صلى الله عليه وسلم غير محفوظ فقد بطل الانتفاع بنص القرآن، وبالتالي بطلت أكثر الشرائع المفروضة علينا فيه، لجهلنا بمراد الله تعالى منها.

3 -

إن الله تعالى جعل محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم أنبيائه ورسله، وجعل شريعته الشريعة الخاتمة، وكلف الناس بالإيمان به، واتّباع شريعته إلى يوم القيامة، ونسخ كل شريعة تخالفها، فمما تقتضيه إقامة حجة الله على خلقه أن يبقى دينه صلى الله عليه وسلم، ويحفظ شرعه، إذ من المحال أن يكلف الله عباده بأن يتبعوا شريعة معرضة للزوال أو الضياع، ومعلوم أنّ المرجعين الأساسيين للشريعة الإسلامية هما القرآن والسنة، قال تعالى:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} (2). فحجة الله على عباده لا تقوم إلا بحفظ رسالته وشرعه، وهذا الحفظ لا يتم إلا بحفظ الكتاب والسنة (3).

واعلم أخي المسلم: أن المسلمين حفظوا السنة في صدورهم وصحفهم، فساهمت الذاكرة والأقلام والصحف في حفظ السنة المطهرة، وسار الحفظ في الصدور وفي الصحف جنباً إلى جنب في سبيل هذه الغاية.

فحفظت السنة على أسلم القواعد العلمية، واهتم بها المسلمون اهتمامهم بالقرآن الكريم، لأنها المصدر الثاني للتشريع، وستبقى محفوظة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

(1) النحل: (44).

(2)

النساء: (59).

(3)

انظر: "الإحكام في أصول الأحكام" لابن حزم (1/ 96 - 99).

ص: 12

والكتاب الذي أقدمه القراء - هو أحد تلك المؤلفات الطيبة المفيدة للإمام العلامة محمد بن إسماعيل الأمير الذي شرح فيه كتاب "تيسير الوصول إلى جامع الأصول" للشيخ العلامة ابن الديبع، والذي اختصره من "جامع الأصول" لابن الأثير. والتي جمع فيها الأصول الستة المعتمدة عند الفقهاء والمحدثين: الموطأ - صحيح البخاري - صحيح مسلم - سنن أبي داود - سنن الترمذي - سنن النسائي - التي حوت معظم ما صح عن النبي الكريم، فجمعها وأدمجها كلها في مؤلف واحد، بعد أن رتَّبها وهذَّبها، وذلل صعابها، وقرب نفعها، وافتتحه بمقدمة ضافية فصل فيها الطريقة التي اتبعها في تصنيف الكتاب، وذكر جل قواعد مصطلح الحديث التي تمس الحاجة إلى معرفتها، وختمها بتراجم الأئمة الستة الذين جمع كتبهم في تأليفه هذا.

فجاء فذّاً في بابه، لم ينسج أحد - فيما نعلم على منواله.

ولكن العلامة محمد بن إسماعيل الأمير لم يكمل الشرح، فقد وافته المنية قبل إتمامه، نسأل الله لنا وله وللمسلمين أجمعين العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدنيا والآخرة.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

وكتبه:

محمد صبحي بن حسن حلاق

أبو مصعب

صنعاء 13/ 11/ 1428 هـ

الموافق 23/ 11/ 2007 م

ص: 13