الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث: في النَجْش
أقول: بفتح النون وسكون الجيم، ويأتي تفسيره في الكتاب. وفي النهاية (1): الأصل فيه تنفير الوحش من مكان إلى مكان وفسره بأنه أن يمدح السلعة ليبيعها ويروجها، أو يزيد في ثمنها وهو لا يريد شراءها لنفع غيره.
268/ 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تَنَاجَشُوا". أخرجه الخمسة إلا النسائي (2). [صحيح].
وقوله: "لا تَنَاجَشُوا". تفاعل من النجش، والمراد لا يناجش زيد لعمر ولا يناجش له.
269/ 2 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النجش". أخرجه الثلاثة (3) والنسائي (4).
وزاد مالك (5) قال: "والنجش" أَنْ تُعْطِيَهُ بِسِلْعتِهِ أكثر منها، وليس في نَفسِكَ اشتراؤُها فيَقتدِي بكَ غيرُكَ.
قوله: "وزاد مالك". هذا هو أحد تفسيريها في النهاية، ويأتي التصريح بعليته.
الثالث:
270/ 3 - وعن ابْنُ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنه قَالَ: النَّاجِشُ آكِلُ الرِّبًا خَائِنٌ، وَهْوَ خِداعٌ بَاطِلٌ لَا يَحِلُّ.
(1)"النهاية"(5/ 21).
(2)
البخاري رقم (2160) ومسلم رقم (1413)، وأبو داود رقم (3438) والترمذي رقم (1304) والنسائي رقم (3239)، وابن ماجه رقم (2174).
(3)
البخاري رقم (2142) ومسلم رقم (1516).
(4)
في السنن رقم (4505).
(5)
في "الموطأ"(2/ 684) رقم (97).
أخرجه البخاري موقوفاً معلقاً (1).
حديث ابن أبي أوفى وهو عبد الله بن أبي أوفى صحابي، وهو هنا موقوف عليه، وقد أخرجه الطبراني (2) عن ابن أبي أوفى من وجه آخر مرفوعاً لكن قال:"ملعون" بدل خائن. انتهى.
وهذا في بعض صور النجش واضح بأنه آكل ربا، وذلك بأن واطأه البائع على ذلك، وجعل له عليه جعلاً فيشتركان جميعاً في الخيانة.
أما إذا وقع بغير مواطأة البائع فيختص بالناجش وقد يختص به البائع كمن يخبر بأنه اشترى سلعة بأكثر مما شراها [173/ ب] به ليغر غيره بذلك.
قال ابن بطال (3): أجمع العلماء على أن الناجش عاصٍ بفعله واختلفوا في البيع إذا وقع على ذلك، فنقل ابن المنذر (4) عن طائفة من أهل الحديث فساد ذلك البيع وهو قول الظاهرية (5)، ورواية عن مالك (6) وهو المشهور عند الحنابلة.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (4/ 355 رقم الباب "60" - مع الفتح) معلقاً.
وقال الحافظ في "الفتح"(4/ 356): "هذا طرف من حديث أورده المصنف في "الشهادة" برقم (2675).
(2)
في المعجم الكبير كما في "مجمع الزوائد"(4/ 83) وقال الهيثمي: "رواه الطبراني في الكبير، ورجاله ثقات، إلا أني لا أعرف للعوام بن حوشب من ابن أبي أوفى سماع. والله أعلم". اهـ.
(3)
في شرحه لصحيح البخاري (6/ 270) وانظر: "المعرفة"(8/ 159).
(4)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(4/ 355).
(5)
في "المحلى"(8/ 448).
(6)
مدونة الفقه المالكي وأدلته (3/ 442 - 444).
قوله: "وهو خداع باطل لا يحل".
أقول: هكذا ساقه ابن الأثير كسياق المصنف وهو ظاهر أنه من كلام ابن أبي أوفى، وقال الحافظ في الفتح (1): أنه من تتمة المصنف - أي: البخاري - وليس من تتمة كلام ابن أبي أوفى.
قوله: "ذكره البخاري تعليقاً". أي: ذكر كلام ابن أبي أوفى معلقاً له مسقطاً منه [أول](2) الراوي من أوله فإنه قال البخاري (3): باب النجش، ومن قال إنه لا يجوز ذلك البيع، وقال ابن أبي أوفى
…
وساقه. فهو قد حذف السند جميعه لا أوله فقط.
الفصل الرابع: في [الشرط (4)] والاستثناء
271/ 1 - عن ابن مسعود رضي الله عنه: أَنَّه اشْتَرَى جَارِيَةً مِنِ امْرَأَتِهِ وَاشْتَرَطَتْ عَلَيْهِ أَنَّكَ إِنْ بِعْتَهَا فَهِيَ لِي بِالثَّمَنِ الَّذِي ابْتَعْتَهَا بِهِ، فَاسْتَفْتَى فِي ذَلِكَ عُمَرَ رضي الله عنه، فَقَالَ: لَا تَقْرَبْهَا وَفِيهَا شَرْطٌ لأَحَدٍ. أخرجه مالك (5). [موقوف ضعيف].
الحديث الأول:
قوله: "فقال عمر: لا تقربها وفيها شرط".
(1) في "الفتح"(4/ 356).
(2)
في المخطوط (ب): رجال.
(3)
في صحيحه (4/ 355 رقم الباب (60) - مع الفتح).
(4)
في المخطوط (ب): الشروط.
(5)
في "الموطأ"(2/ 616 رقم 5).
وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (5/ 336) وعبد الرزاق في المصنف رقم (14291) وابن أبي شيبة في المصنف (6/ 491 رقم 1798) من طرق، وسنده ضعيف لانقطاعه.
قال أبو عمر ابن عبد البر: أما ظاهر قول عمر "لا تقربها"، أنه أمضى شراءه لها ونهاه عن مسيسها، هذا هو الأظهر فيه. ويحتمل قوله "لا تقربها" أي: تنح عنها وافسخ في البيع فيها فهو بيع فاسد. قال: وحجة من قال إنه بيع فاسد أن البائع لم تطب نفسه بالبيع إلا بأن يلتزم المشتري شرطه، وعلى ذلك ملكه ما كان يملكه ولم يرض بإخراج السلعة من يده إلا بذلك، فإذا لم يسلم له شرطه لم يملك عليه ما ابتاعه بطيب نفس، فوجب فسخ البيع بينهما لفساد الشرط الذي يمنع به المبتاع من التصرف فيما ابتاعه تصرف ذي الملك في ملكه.
وحجة من رأى الشرط والبيع جائز [174/ ب] من حديث جابر في أنه صلى الله عليه وسلم شرى بعيره وشرط له ظهره إلى المدينة وسيأتي.
272/ 2 - وعن عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص عن أبيه عن جده عبد الله رضي الله عنه قال: "نَهَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْع الْعُرْبَانِ". أخرجه مالك (1) وأبو داود (2). [حسن لغيره].
وقال مالك: وذلك فيما نرى والله أعلم أن يشترى الرجل العبد أو الوليدة أو يتكارى الدابة، ثم يقول الذي اشترى منه أو تكارى منه: أعطيك ديناراً أو درهماً، أو أكثر من ذلك، أو
(1) في "الموطأ"(2/ 609) رقم (1).
(2)
في "السنن" رقم (3502).
قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (2192) و (2193) وأحمد في المسند (2/ 183) بسند ضعيف، لانقطاعه بين مالك وعمرو بن شعيب أو لجهالة شيخ مالك، ويقال: إنه ابن لهيعة.
لكن أخرجه ابن عدي في "الكامل"(4/ 1471) ومن طريقه البيهقي (5/ 343)، وابن عبد البر في "التمهيد"(24/ 17) من طريق قتيبة بن سعيد، وأسد بن موسى، كلاهما عن ابن لهيعة، عن عمرو به موصولاً، وإسناده حسن، وخلاصة القول أن الحديث حسن لغيره.
وقد حكمت عليه بالضعف في تخريج "نيل الأوطار"(10/ 46 - 47) فليعلم.
أقل على أني إن أخذت السلعة أو ركبت الدابة فالذي أعطيك هو من ثمن السلعة أو من كراء الدابة، وإن تركت ابتياع السلعة أو كراء الدابة فما أعطيك باطل بغير شيء.
الثاني: حديث عمرو بن شعيب.
قوله: "عن بيع العربان".
أقول: بضم المهملة وسكون الراء فموحدة بعد ألفه نون، ويقال: عربون وعربون بفتح المهملة وفتح الموحدة. [44/ أ].
قوله: "أو يتكارى الدابة" أدخله في البيع؛ لأن الكراء بيع منفعة.
قوله: "باطل بغير شيء". أي: أنه باطل على أجرة وقد صار لك بغير شيء.
قال ابن عبد البر (1): إن تفسير العربون بما ذكره مالك هو قول فقهاء الأمصار من الحجازيين والعراقيين. قال: وإنما نهى عنه؛ لأنه من بيع الغرور والمخاطرة، وأكل المال بالباطل، وبيع العربان بكل حال مفسوخ، ويرد على كل حال ما أخذ عرباناً في الشراء والكراء. وأما لو أنه شرى من رجل ثوباً وأعطاه من قيمته درهماً فإن رضيه أخذه وإن سخطه رده وأخذ الدرهم فأجازه مالك (2).
(1) في "التمهيد"(12/ 9 - 10 - الفاروق).
(2)
بيع العربون: هو أن يدفع المشتري جزءاً من الثمن مقدماً على أنه إن تم البغ حُسب من الثمن، وإن رجع المشتري وكره إتمام البيع لا يرجع إليه ما دفعه.
وبيع العربون على هذه الصورة ممنوع عند المالكية لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده - وهو حديث حسن لغيره - ولأنه بيع غرر وأكل مال بالباطل.
وهو أيضاً قول الشافعي، وأصحاب الرأي، وبعض الحنابلة، وقال الإمام أحمد: لا بأس به، وفعله عمر لما اشترى دار السجن من صفوان بن أمية، وضعف الحديث المروي في النهي عنه. =
قوله: "أخرجه الموطأ وأبو داود".
أقول: قال المنذري (1): وأخرجه ابن ماجه (2) وهذا منقطع. انتهى.
قلت: لأن لفظه في سنن أبي داود (3): حدثنا عبد الله بن [مسلمة](4) قال: قرأت على مالك بن أنس أنه بلغه عن عمرو بن شعيب الحديث.
قلت: ولفظه في الموطأ (5): مالك عن الثقة عنده عن عمرو بن شعيب
…
الحديث.
قال ابن عبد البر (6): هكذا قال ذلك جماعة من رواة الموطأ. وأما القعنبي وآخرون [175/ ب] معه قد عدهم ابن عبد البر فقالوا فيه: عن مالك أنه بلغه عن عمرو بن شعيب. قال: وقد تكلم الناس في الثقة عند مالك في هذا الموضع قال: وأشبه ما قيل فيه أنه ابن لهيعة؛ لأن هذا الحديث أكثر ما يعرف عند ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب
…
إلى آخره.
= وقال الجمهور: يحتمل أن الشراء الذي اشتري لعمر بالعربون كان على العربون الجائز الذي يرد فيه العربون إذا لم يتم البيع، حتى يتفق فعل عمر مع الحديث.
وقد أخذ مجمع الفقه الإسلامي في قراره (رقم 76 - 3/ و8) بجواز بيع العربون إذا قيد من الانتظار بمدة محدود، فيحسب العربون من الثمن إذا تم الشراء، وإذا ترك المشتري إتمام العقد يكون العربون من حق البائع.
[مدونة الفقه المالكي وأدلته (3/ 434 - 435) والمغني (6/ 331 - 332)، والمجموع شرح المهذب (9/ 408)].
(1)
في "المختصر"(5/ 143).
(2)
في السنن رقم (2192) وقد تقدم.
(3)
رقم (3502) وقد تقدم.
(4)
في المخطوط (ب): علي وهو تحريف من الناسخ والصواب من (أ) المثبت.
(5)
(2/ 616 رقم 5) وقد تقدم.
(6)
في "التمهيد"(12/ 7 - 8 - الفاروق).
قلت: وابن لهيعة لهم فيه كلام معروف يضعفونه في الرواية.
قال: وقد رواه حبيب (1) كاتب مالك عن عبد الله بن عامر السلمي عن عمرو بن شعيب بإسناده، ولكن حبيب متروك ما يستقل بحديثه ويقولون: إنه كذاب فيما يحدث فيه. انتهى.
قلت: وعبد الله بن عامر الأسلمي قال المنذري (2): لا يحتج به.
273/ 3 - وَعَنْ عبد الله بْنِ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّ جَدَّهُ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرِو بَاعَ ثَمَرَ حَائِطٍ لَهُ يُقَالُ لَهُ الأَفْرَاقُ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَاسْتَثْنَى بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ (3). [مقطوع ضعيف].
قوله: "إن جده محمد بن عمرو". أي: ابن حزم.
هذه مسألة فيها خلاف؛ فذهب مالك إلى جواز البيع لثمر حائط فيستثنى مالكه ما بينه وبين ثلث الثمرة لا يجاوز ذلك.
قال ابن عبد البر (4): أما فقهاء الأمصار الذين دارت عليهم الفتيا وألفت الكتب على مذاهبهم فكلهم يقول: إن ذلك لا يجوز بيعه واستثناء شيء منه معلوم قل أو كثر، بل البيع في
(1) حبيب بن أبي حبيب، كاتب الليث، واسم أبيه زريق، وقيل: مرزوق، أبو محمد المصري، وقيل المدني: قال أحمد: ليس بثقة، قال ابن معين: ليس بشيء، وقال أبو داود: كان من أكذب الناس، قال ابن عدي: أحاديثه كلها موضوعة [المجروحين (1/ 265) والميزان (1/ 452) والجرح والتعديل (3/ 100).
(2)
في "المختصر"(5/ 143).
(3)
في "الموطأ"(2/ 622 رقم 18). وأخرجه البيهقي في (المعرفة)(4/ 329 رقم 3415 - العلمية).
وإسناده ضعيف منقطع.
وقد أخرجه محمد بن الحسن الشيباني (ص 268 رقم 762) عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر، عن أبيه: أن محمداً
…
وهذا موصول، لكن محمداً هذا ضعيف، والصحيح ما أخرجه الآخرون عن مالك، والخلاصة أنه مقطوع ضعيف، والله أعلم.
(4)
الاستذكار (19/ 133 رقم 28477).
ذلك باطل، ولو استثنى مداً واحداً؛ لأن ما بعد ذلك المد ونحوه مجهول، وقال مالك: إنه لا يرى بذلك بأساً إذا لم يجاوز الثلث؛ لأن رب الحائط إنما استثنى شيئاً من ثمر حائطه نفسه، وإنما ذلك شيء احتبسه [176/ ب] من حائطه وأمسكه ولم يبعه وباع من حائطه ما سوى ذلك. انتهى.
قلت: ولم يستدل لتحديده لما دون الثلث، ولا يخفى أن فعل محمد بن عمرو بن حزم ليس بحجة ولكنه يقال: الأصل جواز هذا البيع؛ لأنه تجارة عن تراضٍ فالدليل على المانع.
وأما حديث "نهى عن استثناء" فقد فسر بأن يستثني البائع شيئاً غير معلوم.
274/ 4 - وَعَنْ مَالِكٍ رحمه الله أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ، أخرجهما مَالِكٌ (1).
قَالَ: وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ آخُذُ سِلْعَتَكَ بِكَذَا وَكَذَا عَلَى أَنْ تُسْلِفَنِي كَذَا وَكَذَا. فَإِنْ عَقَدَا بَيْعَهُمَا عَلَى هَذَا فَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ.
الخامس:
275/ 5 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عبد الله رضي الله عنه قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فتلَاحَقَ بِي رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَأَنَا عَلَى نَاضِحٍ لَنَا قَدْ أَعْيَا، قال: فتَخَلّفَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فزجَرَهُ وَدَعَا لَهُ، فَمَا زَالَ بيْنَ يَدَىِ الإِبِلِ. فَقَالَ لِي:"كَيْفَ تَرَى بَعِيرَكَ؟ ". فَقُلْتُ بِخيرٍ، قَدْ أَصَابَتْهُ بَرَكَتُكَ. قَالَ "أفَتَبِيعُنِيهِ". قَالَ: فَاسْتَحْيَيْتُ، وَلَمْ يَكُنْ لَنَا نَاضِحٌ غَيْرَهُ. قَالَ فَقُلْتُ نَعَمْ، فَبِعْتُهُ إِيَّاهُ عَلَى أَنَّ لِي فَقَارَ ظَهْرِهِ حَتَّى أَبْلُغَ الْمَدِينَةَ، قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! إِنِّي عَرُوسٌ، فَاسْتَأْذَنْتُهُ فَأَذِنَ لِي، فتقَدَّمْتُ النَّاسَ إِلَى الْمَدِينَةِ حَتَّى أَتَيْتُ الْمَدِينَةَ، فَلَقِيَنِي خَالِي فَسَأَلَنِي عَنِ الْبَعِيرِ، فَأَخبرْتُهُ بِمَا
(1) في "الموطأ"(3/ 657 رقم 69).
وأخرجه أبو داود رقم (3504) والترمذي رقم (1234) والنسائي رقم (4611) وسنده حسن. وهو حديث حسن.
صَنَعْتُ فِيهِ فَلَامَنِي، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لِي حِينَ اسْتَأْذَنْتُهُ:"هَلْ تَزَوَّجْتَ بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا". قُلْتُ: بَلْ ثَيِّبًا. قَالَ: "هَلَاّ بِكْرًا تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ"، قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله تُوُفِّىَ وَالِدِي وَلِي أَخَوَاتٌ صِغَارٌ، فَكَرِهْتُ أَنْ أتَزَوَّجَ مِثْلَهُنَّ، فَلَا تُؤَدِّبُهُنَّ، وَلَا تَقُومُ عَلَيْهِنَّ، فتزَوَّجْتُ ثَيِّبًا لِتَقُومَ عَلَيْهِنَّ وَتُؤَدِّبَهُنَّ، قَالَ فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ غَدَوْتُ عَلَيْهِ بِالْبَعِيرِ، فَأَعْطَانِي ثَمَنَهُ، وَرَدَّهُ عَلَىَّ. أخرجه الخمسة (1). [صحيح].
وفي أخرى (2) قال: "بِعْنِيهِ بِأوْقِيَّةٍ". قُلْتُ لَا. قَالَ "بِعْنيِهِ بِأوْقِيَّةٍ". فَبِعْتُهُ وَاسْتَثْنَيْتُ حُمْلَانَهُ إِلَى أَهلي، فَلَمّا قَدِمْنَا أَتَيْتُهُ بِالْجَمَلِ وَنَقَدَنِي ثَمَنَهُ ثُمَّ انْصَرَفْتُ فَأَرْسَلَ عَلَى إِثْرِي فَقَالَ:"مَا كُنْتُ لآخُذَ جَمَلَكَ، فَخُذْ جَمَلَكَ فَهُوَ لَكَ". [صحيح].
وفي أخرى (3): أفْقَرَني رَسُوْل الله صلى الله عليه وسلم ظَهْرَهُ إِلَى المَدِيْنة.
وفي أخرى (3): لك ظهره إلى المدينة.
وفي أخرى (3): فشرط ظهره إلى المدينة. قال البخاري: الاشتراط أكثر وأصحُّ.
وفي أخرى (3): بأربعة دنانير، وهذا يكون أوقية على حساب الدينار بعشرة.
وفي أخرى (3): أوقية ذهب.
وأخرى (3): مائتي درهم.
وأخرى (3): بأربع أواقي.
وأخرى (3): بعشرين ديناراً.
(1) البخاري رقم (2967) ومسلم رقم (110/ 715) والنسائي رقم (4637) وأبو داود رقم (3505) والترمذي رقم (1253) وابن ماجه (2205).
(2)
البخاري رقم (2718) ومسلم رقم (109/ 715).
(3)
البخاري بإثر الحديث رقم (2718).
وأخرى (1): "فَإِذَا قَدِمْتَ فَالْكَيْسَ الْكَيْسَ". وَفِيْها: وَقَدِمْتُ الْمَدِيْنةَ بِالْغَدَاةِ فَجِئْتُ الْمَسْجِدَ فَوَجَدْتُهُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ:"الآنَ قَدِمْتَ". قُلْتُ نَعَمْ. قَالَ: "فَدَعْ جَمَلَكَ وَادْخُلْ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ". قَالَ فَدَخَلْتُ فَصَلَّيْتُ ثُمَّ رَجَعْتُ، فَأَمَرَ بِلَالاً أَنْ يَزِنَ لِي أُوقيَّةً فَوَزَنَ لِي بِلَالٌ فَأَرْجَحَ. [صحيح].
وفي أخرى (2) قال: فَلَمَّا ذَهَبْنَا لِنَدْخُلَ قَالَ: "أَمْهِلُوا حَتَّى نَدْخُلَ لَيْلاً كَيْ تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ وَتَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ". [صحيح].
وفي أخرى لمسلم (3) قال: "بِعْني جَمَلَكَ هَذَا". قُلْتُ: لَا، بَلْ هُوَ لَكَ. قَالَ:"لَا بَلْ بِعْنِيهِ". قُلْتُ: لَا، بَلْ هُوَ لَكَ يَا رَسُولَ الله. قَالَ:"لَا بَلْ بِعْنِيِه". قُلْتُ فَإِنَّ لِرَجُلٍ عَلَىَّ أُوقِيَّةَ ذَهَبٍ فَهُوَ لَكَ بِهَا. قَالَ: "قَدْ أَخَذْتُهُ فَتبَلَّغْ عَلَيْهِ إِلَى الْمَدينَةِ". فَلَمّا قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ قَالَ لِبِلَالٍ: "أَعْطِهِ أُوقِيَّةً مِنْ ذهَبٍ وَزِدهُ". فَزَادَنِى قِيرَاطاً، فَقُلْتُ: لَا تُفَارِقُنِي زِيَادَةُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فكَانَ فِي كِيسٍ لِي إِلَى أَنْ أَخَذَهُ أَهْلُ الشَّامِ يَوْمَ الْحَرَّةِ. [صحيح].
وله في أخرى (4): أَتَبِيعُنِيهِ بِكَذَا وَكَذَا وَالله يَغْفِرُ لَكَ؟ قُلْتُ: هُوَ لَكَ، فَمَا زَالَ يَزِيْدُنِي وَيَقُول: والله تَعَالَى يَغْفِرُ لَكَ. قالها ثلاثاً. [صحيح].
وفي أخرى (5): وقال لي: "اركب بسم الله"، فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمَسْجِدَ فِي طَوَائِفِ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَدَخَلْتُ إِلَيْهِ، وَعَقَلْتُ الْجَمَلَ فِي نَاحِيَةِ الْبَلَاطِ. فَقُلْتُ لَهُ هَذَا جَمَلُكَ. فَخَرَجَ، فجَعَلَ يُطِيفُ بِالْجَمَلِ وَيَقُولُ "الْجَمَلُ جَمَلُنَا". فَبَعَثَ بأَوَاقي مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ:
(1) البخاري رقم (2097) ومسلم (2/ 1089 - الرضاع).
(2)
البخاري رقم (5079، 5245) ومسلم (2/ 1088 - الرضاع).
(3)
مسلم (3/ 1222).
(4)
مسلم (2/ 1089).
(5)
البخاري رقم (2861) ومسلم (2/ 1223).
"أَعْطُوهَا جَابِرًا". ثُمَّ قَالَ "اسْتَوْفَيْتَ الثَّمَنَ". فقُلْتُ نَعَمْ. فَقَالَ "الثَّمَنُ وَالْجَمَلُ لَك". [صحيح].
قوله: "على ناضح". الناضح: الجمل يستقى عليه الماء ليسقي عليه النخل والزرع وغيره.
واعلم أن لحديث جابر عدة ألفاظ مختلفة قد تقصاها ابن الأثير (1) وأتى المصنف ببعض وداخل ألفاظ الروايات.
قال ابن الأثير (2) بعد سياقه الحديث: "وهذا متفق عليه بين البخاري، ومسلم، والترمذي، وأبي داود، علمنا عليه علاماتهم الأربع وإن لم يكن جميع الحديث متفقاً عليه".
قوله: "فَقَار ظهره". الفقار بتقديم الفاء على القاف آخره راء، خَرَزُ الظَّهْر، يقال: أفقرتك ناقتي أعرتك فقارها لتركبها (3).
هذا اللفظ هو المراد من الحديث هنا بيع شرط.
قوله: "عروس". العروس: اسم يقع على الرجل وعلى المرأة، إذا دخل أحدهما [177/ ب] بالآخر يقال: رجل عروس، وامرأة عروس (3).
قوله: "خالي".
أقول: اسمه جد، بفتح الجيم وتشديد الدال، ابن قيس.
قوله: "وفي أخرى أفقرني ظهره إلى المدينة".
(1) في "جامع الأصول"(1/ 509 - 517 رقم 340).
(2)
في "جامع الأصول"(1/ 516).
(3)
"جامع الأصول (1/ 518).
قلت: ساق ابن الأثير (1) أربعه ألفاظ هنا للبخاري رابعها: "فبعته على أن لي فقار ظهره حتى أبلغ المدينة".
وقوله: "حُملانه"، بضم المهملة، الحمل والمنقول محذوف، أي: استثنيت حمله إياي.
قوله: "قال البخاري: الاشتراط أكثر وأصحُّ". زاد ابن الأثير (2): "عندي". وهي لفظ البخاري فما كان يحسن من المصنف حذفها؛ لأنه بقي كلام البخاري إخباراً أنه كذلك عند كل أحد.
قال ابن حجر (3): أي: أكثر طرقاً وأصح مخرجاً، وأشار بذلك إلى أن الرواة اختلفوا عن جابر في هذه الواقعة هل وقع الشرط في العقد عند البيع أو كان ركوبه للجمل بعد بيعه إباحة من النبي صلى الله عليه وسلم بعد شراءه على طريق العارية.
قال (4)[45/ أ]: والحاصل أن الذين ذكروه بصيغة الاشتراط أكثر عدداً من الذين خالفوهم، وهذا وجه من وجوه الترجيح فيكون أصح، ويترجح أيضاً بأن الذين رووه بصيغة الاشتراط معهم زيادة وهم حفاظ فيكون حجة، وليست رواية من لم يذكر الاشتراط منافية لرواية من ذكره؛ لأن قوله:"لك ظهره"[178/ ب] و"أفقرناك ظهره" و"تبلغ عليه" لا يمنع وقوع الاشتراط قبل ذلك.
ثم قال الحافظ (5): وما ذكره المصنف - أي: البخاري - من ترجيح رواية الاشتراط هو الجاري على طريقة المحققين من أهل الحديث؛ لأنهم لا يتوقفون عن تصحيح المتن إذا وقع
(1)"جامع الأصول"(1/ 511 - 512).
(2)
"جامع الأصول"(1/ 512).
(3)
في "فتح الباري"(5/ 318).
(4)
أي ابن حجر في "فتح الباري"(5/ 318).
(5)
في "فتح الباري"(5/ 318).
فيه الاختلاف إلا إذا تكافأت الروايات وهو شرط الاضطراب الذي يرد به الخبر وهو مفقود هنا مع إمكان الترجيح.
ثم نقل عن (1) الإسماعيلي أنه قال: قوله: "ولك ظهره"، وعد قائم مقام الشرط؛ لأن وعده صلى الله عليه وسلم لا خلف فيه وهبته لا رجوع فيها لتنزيه الله له عن دناءة الأخلاق، فلذلك ساغ لبعض الرواة أن يعبر عنه بالشرط، ولا يلزم أن يجوز ذلك في حق غيره صلى الله عليه وسلم.
وحاصله أن الشطر لم يقع في نفس العقد، وإنما وقع سابقاً أو لاحقاً، فتبرع بمنفعته أولاً كما تبرع برقبته آخراً. قال الحافظ (2): إن هذا عنده أقوى الوجوه في نظري.
قوله: "وأخرى بعشرين ديناراً".
أقول: عد خمس روايات في قدر الثمن، ومثله في الجامع (3) وزاد: قال البخاري: أقول: الذي بأوقية أكثر. انتهى.
وهذا هو لفظ البخاري في صحيحه إشارة إلى ترجيح رواية الأوقية، وما كان [179/ ب] يحسن من المصنف حذفها وهي في الجامع (4).
وقال القرطبي: اختلفوا في ثمن الجمل اختلافاً لا يقبل التلفيق وتكلف ذلك بعيد عن التحقيق وهو مبني على أمر لم يصح نقله، ولا استقام ضبطه مع أنه لا يتعلق بتحقيق ذلك حكم، وإنما يحصل من مجموع الروايات أنه باعه البعير بثمن معلوم بينهما وزاده عند الوفاء زيادة معلومة، ولا يضر عدم العلم بتحقيق ذلك (5).
(1) أي ابن حجر في "فتح الباري"(5/ 319).
(2)
في "فتح الباري"(5/ 319).
(3)
في "جامع الأصول"(1/ 512 - 513).
(4)
"جامع الأصول"(1/ 513).
(5)
في "المفهم"(4/ 501).
قال الإسماعيلي (1): ليس اختلافهم في قدر الثمن بضائر؛ لأن الغرض الذي سيق الحديث لأجله بيان كرمه صلى الله عليه وسلم وتواضعه وحنوه على أصحابه، وبركة دعائه، وغير ذلك، ولا يلزم من وهم بعضهم في قدر الثمن توهين لأصل الحديث. انتهى.
قال الحافظ (2) - بعد نقله - قلت: وما جنح إليه البخاري من الترجيح [أقعد](3)، وبالرجوع إلى التحقيق أسعد فليعتمد ذلك، وبالله التوفيق. انتهى.
قوله: "فالكَيْس الكَيْس"(4). بفتح الكاف وسكون المثناة التحتية فسين مهملة الجماع والعقل فكأنه جعل طلب الولد عقله.
قوله: "تمتشط [180/ ب] الشعثة"(4). الامتشاط تسريح الشعر، يعني: حتى تصلح من شأنها، بحيث إذا قدم بعلها وجدها متجملة حسنة الحال.
"الشعثة"(4). المرأة البعيدة العهد بالغسل والتسريح.
قوله: "وتستحد"(4) بالمهملات من الحديد وهو أخذ بالموسى وغيرها، وهذا أيضاً كالأول.
و"المغيبة"(4) بضم الميم [فغين](5) معجمة، التي غاب عنها زوجها.
قوله: "قد أخذته فتبلغ عليه إلى المدينة". هذا من أدلة أنه أعاره صلى الله عليه وسلم بعد تمام العقد وملكه صلى الله عليه وسلم للحمل.
(1) ذكره الحافظ في "الفتح"(5/ 321).
(2)
في "الفتح"(5/ 321).
(3)
في المخطوط (ب): (أقوت). والمثبت من (أ) والفتح.
(4)
"جامع الأصول"(1/ 518).
(5)
في المخطوط (ب): (بغين).
قوله: "قالها ثلاثاً".
أقول: وللنسائي من طريق أبي الزبير عن جابر قال: "استغفر لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة البعير خمساً وعشرين مرة".
قوله: "البلاط"(1).
أقول: بفتح الموحدة، ما تفرش به الأرض من حجارة أو غيرها، ثم سمى المكان بلاطاً على المجاز، وهو مكان معروف بالمدينة، وهو بقرب مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
السادس: حديث بريرة:
276/ 6 - وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ بَرِيرَةَ جَاءتْها لتَسْتَعِينَ فِي كِتَابَتِهَا، وَلَمْ تَكُنْ قَضَتْ مِنْ كِتَابَتِهَا شَيْئًا، فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ: ارْجِعِي إِلَى أَهْلِكِ، فَإِنْ أَحَبُّوا أَنْ أَقْضِىَ عَنْكِ كِتَابَتَكِ، وَيَكُونَ وَلَاؤُكِ لِي فَعَلْتُ. فَذَكَرَتْ ذَلِكَ بَرِيرَةُ لأَهْلِهَا فَأَبَوْا، وَقَالُوا إِنْ شَاءَتْ أَنْ تَحْتَسِبَ عَلَيْكِ فَلْتَفْعَلْ، وَيَكُونَ لَنَا وَلَاؤُكِ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فقَالَ لَهَا:"ابْتَاعِي وَأَعْتِقِي فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ". ثُمَّ قَامَ فَقَالَ: "مَا بَالُ أُنَاسٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كتَابِ الله تَعَالى! مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كتَابِ الله فَلَيْسَ لَهُ، وَإِنْ اشْتَرَطَ مِائَةَ شَرْطُ، شَرْطُ الله تَعَالى أَحَقُّ وَأَوْثَقُ". أخرجه الستة (2). [صحيح].
وفي أخرى (3) قال: "اشْتَرِيهَا وَأَعْتِقِيهَا وَلْيَشْتَرِطُوا مَا شَاءُوا"، فَاشْتَرَتْهَا وَأَعْتَقْتُهَا، وَاشْتَرَطَ أَهْلُهَا وَلَاءَهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ، وَإِنِ اشْتَرَطُوا مِائَةَ شَرْطٍ". [صحيح].
(1)"جامع الأصول"(1/ 519).
(2)
البخاري رقم (2561) و (2155) ومسلم (2/ 1141) رقم (6/ 1504) ومالك في الموطأ (2/ 780) وأبو داود رقم (3930) والنسائي رقم (3451).
(3)
البخاري رقم (2565).
قال النووي (1): هذا حديث عظيم كثير الأحكام والقواعد، وفيه مواضع تشعبت فيها مذاهب:
(أحدها): أنها كانت مكاتبة وباعها مواليها واشترتها عائشة، وأقر النبي صلى الله عليه وسلم بيعها، فيدل على جواز بيع المكاتب وهو رأي جماعة من التابعين (2)، وأحمد (3)، ومالك (4). وقال قوم منهم الشافعي (5): لا يجوز بيعه وحملوا هذه القصة على أنها عجزت نفسها وفسخت الكتابة.
(الثاني): قوله صلى الله عليه وسلم[181/ ب]: "اشتريها وأعتقيها واشترطي لهم الولاء فإن الولاء لمن أعتق". وهذا مشكل من حيث أنها اشترتها واشترطت لهم الولاء، وهذا الشرط يفسد البيع، ومن حيث أنها خدعت البائعين وشرطت لهم ما لا يصح ولا يحصل لهم فكيف أذن صلى الله عليه وسلم[46/ أ] لعائشة في هذا؟! ولهذا أنكر بعض العلماء هذا الحديث بجملته وهذا يروى عن يحيى بن أكثم (6)، واستدل بسقوط هذه اللفظة في كثير من الروايات.
(1) في شرحه لصحيح مسلم (10/ 139 - 140).
(2)
انظر "التمهيد" لابن عبد البر (13/ 343).
(3)
المغني لابن قدامة (14/ 535 رقم المسألة 2000) و"اختيارات ابن قدامة"(3/ 448 - 451).
(4)
حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (4/ 106) والتمهيد (13/ 343).
(5)
في "الأم"(10/ 154 - اختلاف الحديث).
(6)
رواه الخطابي في "معالم السنن" بسنده (4/ 246 - مع السنن). قلت: وأشار الشافعي في "الأم"(10/ 153 - اختلاف الحديث) إلى تضعيف هذه الرواية التي فيها الإذن بالاشتراط لكونه انفرد بها هشام بن عروة دون أصحاب أبيه، وأشار غيره إلى أنه روى بالمعنى الذي وقع له وليس كما ظن، وأثبت الرواية آخرون ، وقالوا: هشام ثقة حافظ، والحديث متفق على صحته فلا وجه لرده. "نيل الأوطار"(10/ 129) بتحقيقي.
وقال كثير من العلماء: هذه اللفظة صحيحة. واختلفوا في تأويلها [وذكروا](1) وجوهاً فيها. ثم قال: [والأصح](2) في تأويل الحديث ما قاله أصحابنا في كتب الفقه: إن هذا الشرط خاص في قصة عائشة واحتمل هذا الإذن وإبطاله في هذه القصة خاصة وهي قضية عين لا عموم لها.
قالوا: والحكمة في إذنه فيه ثم إبطاله أن يكون أبلغ في قطع عادتهم في ذلك وزجرهم عن مثله. قال: وقد تحتمل المفسدة اليسيرة لتحصيل مصلحة عظيمة. انتهى.
وتعقب ابن دقيق العيد (3) بأن التخصيص لا يثبت إلا بدليل ولأن الشافعي نص على خلاف هذه القاعدة.
قوله: "ليس في كتاب الله". يحتمل أن يراد بكتاب الله حكم الله ويراد بذلك في كونها في كتاب الله بواسطة أو بغير واسطة، فإن الشريعة كلها في كتاب الله بغير واسطة كالنصوصات في القرآن عن الأحكام، وأما بواسطة قوله تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} (4){وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} (5).
وقوله: [182/ ب]"وشرط الله". أي: قضاؤه وحكمه "أحق وأوثق" أي: بالاتباع من الشروط المخالفة لحكم الشرع.
قوله: "الولاء لمن أعتق ولو اشترطوا مائة شرط".
(1) في المخطوط (أ)، (ب):(وذكر) والمثبت يقتضيه المعنى.
(2)
في المخطوط (ب): مكررة.
(3)
في "إحكام الأحكام"(3/ 104).
(4)
سورة الحشر (7).
(5)
سورة التغابن (12).