الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الإيلاء: هو الكتاب السابع
و"الإيلاء" بكسر الهمزة اليمين، آلى إذا حلف، وله في الفقه أحكام تخصه، وقد تسمى عندهم إيلاءً دونها، قاله ابن الأثير (1).
وقال الترمذي في السنن (2): والإيلاءُ أَنْ يحْلِفَ الرَّجُلُ ألا يَقْرَبَ امرأتَهُ أربعةَ أشهُرٍ.
109/ 1 - عَنْ أَنَسِ رضي الله عنه أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم[116/ ب] صُرِعَ مِن فَرَس فَجُحِشَ شِقُّهُ أو كَتْفَه، وآلى مِنْ نِسَائه شهراً فجلس في مَشْرَبه له درجُها من جِذِوعٍ، فأتاه أصْحَابه يعودونه فصلَّى بِهِم جَالِساً وهم قِيام، فَلَمَّا سلم قال:"إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا، وإِذَا صَلَّى قَاعِداً فصلوا قعوداً، ولا تركعوا حتى يركعَ، ولا ترفعوا حتى يَرْفَع، قال: ونزل التسع وعشرين". فقالوا: يا رسول الله! إنك آليت شهراً. فقال: "إن الشهرَ تسعٌ وعشرونَ". أخرجه البخاري (3) والترمذي (4) والنسائي (5).
وفي أخرى للشيخين (6) عن أم سلمة: إن الشهرَ يكون تسعا وعشرين.
وفي أخرى لمسلم (7) عن جابر: "ثم طبَّق يديه ثلاثاً مرتين، بأصابع يديه كلَّها ومرةً بتسع منها". [صحيح]
(1) في "جامع الأصول"(1/ 353).
(2)
في "سنن الترمذي" بإثر الحديث (1201).
(3)
في "صحيحه" رقم (1911) و (5201) و (5289) و (6684).
(4)
في "سننه" رقم (690) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(5)
في "سننه" رقم (3456).
(6)
البخاري رقم (1910) و (5202) ومسلم رقم (25/ 1085).
(7)
في "صحيحه" رقم (23/ 1084).
قوله: "صُرِعَ":
بالمهملة مبني للمجهول، أي: سقط عن ظهر دابته.
وقوله: "جُحِشَ":
بالجيم فمهملة مبني له - أيضاً - يقال: جُحِشَ جلُد الإنسان إذا أصابه شيء، فسلَخَه، أو خَدَشه.
وقوله: "كتفه":
بالمثناة الفوقية.
وقوله: "أوشك":
من الراوي.
قوله: "من مَشْرُبَة":
بفتح الميم وسكون الشين المعجمة أو ضم الراء وفتحها العُرْفَةُ والعِلَّيَّة.
والمشربة كانت في حجرة عائشة كما في رواية جابر، وكان ذلك في شهر الحجة سنة خمس، كما أفاده ابن حبان.
قوله: "فصلوا قعوداً":
يأتي الكلام عليه في كتاب الصلاة وأنه حكم باقٍ غير منسوخ، وفيه خلاف.
قوله: فقال: "إنَّ الشهر تسع وعشرون":
أي: هذا الشهر.
قوله: "والترمذي":
قلت: وقال: حسن صحيح.
واعلم أنَّ هذا الإيلاء منه صلى الله عليه وسلم اختلف في سببه على روايات:
منها: أنه سبب إفشاء حفصة إلى عائشة للحديث الذي أسره إليها، واختلف - أيضاً - في الذي أسره، فقيل: إنه تحريمه لمارية (1) أسرَّه إلى حفصة، وقال: لا تخبر به عائشة، فأخبرت به عائشة، أو تحريمه للعسل (2).
وقيل: إنه أسر إليها أن أباها يلي الأمر بعد أبي بكر، وقيل: بل سبب الإيلاء أنه صلى الله عليه وسلم فرَّق هديةً جاءت له بين نسائه، فلم ترضَ زينبُ جحشٍ بنصيبها، فزادَها مرة أخرى، فلم ترضَ فقالت عائشة: لقد أممت وجهك أن تردُّ عليك الهدية، فقال:"لأنتُن أهونُ على الله من أنْ تَغمني لا أدخل عليكن شهراً" أخرجه ابن سعد (3) عن عمرة عن عائشة من طريق الزهري.
وقيل: بل سببه طلبهن النفقة، أخرجه مسلم (4) من حديث جابر.
قال الحافظ ابن حجر (5): اللائق بمكارم أخلاقه، وسعة صدره، وكثرة صفحه أن تكون هذه الأسباب سبباً لاعتزالهن، وسيأتي في تفسير سورة التحريم الحديث بطوله إن شاء الله تعالى.
(1) أخرجه الطبراني في "الأوسط" رقم (2316).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(7/ 127) وقال: رواه الطبراني .. من طريق موسى بن جعفر بن أبي كثير، عن عمه، قال الذهبي: مجهول ساقط، وخبره ساقط، وأخرجه أيضاً العقيلي في "الضعفاء الكبير"(4/ 155) في ترجمة موسى بن جعفر هذا، وقال: لا يصح إسناده.
والخلاصة: أن الحديث ضعيف جداً، والله أعلم.
(2)
أخرجه البخاري رقم (4912) ومسلم رقم (1474) من حديث عائشة.
(3)
في "الطبقات"(8/ 190).
(4)
في "صحيحه" رقم (29/ 1478).
(5)
ذكر محمَّد بن إسماعيل الأمير في "سبل السلام"(6/ 189 - 190) بتحقيقي.
قوله: وفي أخرى للشيخين (1) عن أم سلمة.
أقول: لفظه: أنه صلى الله عليه وسلم حلف لا يدخل على بعض أهله شهراً، فلما مضى تسع وعشرون يوماً غدا عليهم، أو راح، فقيل: يا رسول الله! حلفت ألا تدخل عليهن شهراً، فذكره.
قوله: وفي أخرى لمسلم (2) عن جابر.
قوله: ثم طبق.
حذف المصنف المعطوف عليه، فإنه عطف هو عطف على قوله صلى الله عليه وسلم:"إنَّ الشهر يكون تسعاً وعشرين، تم طبق" فحذف المصنف المعطوف عليه من حديث جابر اكتفاءً بلفظه في أم سلمة.
110/ 2 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إِذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ يُوقَفُ حَتَّى يُطَلِّقَ، وَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ حَتَّى يُطَلِّقَ. يَعني: المولى. وَيُذْكَرُ ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَعَائِشَةَ رضي الله عنهم، وَاثْنَي عَشَرَ رَجُلاً مِنْ الصَّحَابَة. أخرجه البخاري (3) ومالك (4). [صحيح].
وفي أخرى للبخاري (5) قال: يعني ابنَ عمرَ: الإيلاء الذي سمى الله تعالى لا يَحلَّ لأحدٍ بعد الأجل إلا أن يُمسكَ بالمعروف، أو يعزمَ الطلاق كما أمر الله تعالى [117/ ب]، [صحيح].
(1) البخاري رقم (1910) و (5202) ومسلم رقم (25/ 1085) وقد تقدم.
(2)
في "صحيحه" رقم (23/ 1084) وقد تقدم.
(3)
في "صحيحه" رقم (5291).
(4)
في "الموطأ"(2/ 556)، وهو حديث صحيح.
(5)
في "صحيحه" رقم (5290).
قوله: "وعن ابن عمر".
أقول: في هذا الإيلاء عن وطئ الزوجة الذي أنزل الله فيه: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} (1) ولذا قال البخاري: يعني ابن عمر الإيلاء الذي سماه الله فحديث ابن عمر بيان لما في الآية، وأنها إذا مضت الأربعة الأشهر يوقف الزوج المولى حتى تطلق.
قال ابن عبد البر (2): لأنّ الله قد جعل للمولى تربص أربعة أشهر لا سبيل فيها لامرأته عليه، ومعلوم أنَّ الجماع من حقوقها، ولها تركه والمطالبة به إذا انقضى الأجل الذي جعل لزوجها عليها فيه التربص، فإن طلبته في حين يجب لها عند السلطان، وقف المولى، فأمَّا فاء، وإما طلق، والدليل أنه تعالى قال:{فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)} (3).
فإنه يدل على أنه لا يكون الطلاق إلا بإيقاعه لا بمضي الأربعة الأشهر كما قاله جماعة، وهذا مذهب الجمهور، فإن امتنع عن الفيئة، والتطليق طلق عنه السلطان.
111/ 3 - وعن عَلي كرمَ الله وجهه قال: إذا آلى الرجلُ من امرأتهِ لَم يقعْ عليه طلاقٌ، وإن مضت الأربعةُ الأشهُرُ حتَّى يوقفَ، فإمَّا أن يطلق وإمَّا أن يُفئ. أخرجه مالك (4). [إسناده ضعيف].
(1) سورة البقرة الآية: (226).
(2)
"الاستذكار"(17/ 105 رقم (25483، 25484).
(3)
سورة البقرة الآية: (226 - 227).
(4)
في "الموطأ"(2/ 556) رقم (17).
قلت: وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(7/ 377) وفي "معرفة السنن"(5/ 518 - 519 رقم 4519 - العلمية) بسند ضعيف لانقطاعه.
وقَالَ (1): من حلفَ على امرأتِهِ أنْ لا يطأَهَا حتَّى تفطمَ ولدَهَا لم يكنْ مولياً. بلغني عن علي رضي الله عنه أَنَّهُ سئلَ عن ذلكَ فلم يرهُ إيلاء.
قوله: في حديث علي لم يقع عليه طلاق، وإن خصت الأربعة الأشهر.
أقول: هذه المسألة وقع فيها بين السلف من الصحابة وغيرهم نزاع، فقول علي عليه السلام هو رأي جماهيرهم، وهذه الرواية عن علي هي الصحيحة.
وقد روي عنه أن تمضي الأربعة يقع تطليقة، وإليه ذهب جماعة من السلف.
قوله: أخرجه مالك.
أقول: منقطعاً، فإنه قال: عن جعفر بن محمَّد عن أبيه علي.
قال ابن عبد البر: الخبر عن علي، وإن كان منقطعاً في الموطأ، فإنه متصل عنهم من طرق كثيرة صحاح، ثم ساقها بأسانيدها في كتابه:"الاستذكار"(2).
قوله: بلغني عن علي أنه سئل عن ذلك فلم يجعله إيلاءً.
قال عبد الرزاق (3) عن معمر: أنه بلغه ذلك عن علي.
وذكر ابن عبد البر (4) بسنده إلى سعيد بن جبير أنَّ علياً قال له رجل: حلفت ألَّا أمس امرأتي سنتين، فأمره باعتزالها، فقال له ذلك الرجل: إنما ذلك من أجل أنها ترضع ولدي، فخلّي بينه وبينها.
(1) مالك في "الموطأ" رواية أبي مصعب الزهري (1/ 611/ 1587).
(2)
"الاستذكار"(17/ 95 - 108).
(3)
في "المصنف"(6/ 452 رقم 11634).
(4)
في "الاستذكار"(17/ 107 رقم 25496).
قال ابن عبد البر (1): ليس هذا بمضار؛ لأنه أراد إصلاح ولده، وقد همَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينهى عن الغَيْلَة لما علم أن العرب تعتقد أنه فساد بالولد، ثم تركها توكلاً على الله، إذا بلغه أنَّ فارس والروم يفعلون ذلك، ولا يضرّ أولادهم.
والغَيْلَة (2) وطئُ الرَّجُلِ امرأتَهُ الرَّضاع، وقد اختلف الفقهاء فيمن قال لامرأته: والله لا أقربك حتى تفطمي ولدك.
فقال مالك (3): لم يكن موليا؛ لأنه ليس على وجه الضرار، إنما أراد الإصلاح لولده.
وقد قال الأوزاعي (4) والشافعي (5): إن مضت أربعة أشهر قبل أن تكون شيء مما حلف عليه كان مولياً، وله قول آخر.
وللحنفية (6) قول ثالث أنه إن بقي بينه وبين مدة الفطام أربعة أشهر، فإنه مول.
الحديث الرابع: حديث عائشة:
112/ 4 - وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: آلَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مِنْ نِسَائِهِ، وَحَرَّمَ فَجَعَلَ الْحَرَامَ حَلَالاً وَجَعَلَ فِي الْيَمِينِ كَفَّارَةً. أخرجه الترمذي (7). [ضعيف].
قولها: "وحرّم":
أي: قربانهنَّ.
(1) في "الاستذكار"(17/ 107 رقم 25497).
(2)
"الاستذكار"(17/ 108 رقم 25499).
(3)
"الاستذكار"(17/ 108 رقم 25501).
(4)
"الاستذكار"(17/ 108 رقم 25502).
(5)
"الاستذكار"(17/ 108 رقم 25504).
(6)
"الاستذكار"(17/ 108 رقم 25507).
(7)
في "سننه" رقم (1201) وأخرجه ابن ماجه رقم (2072).
قوله: "فجعل الحرام":
وهو قربانهنَّ.
"حلالاً، وجعل في اليمين كفارة":
قولها: وحرم.
هو بيان لقولها: "آلى" أي: أقسم أن لا يقربهنَّ، فضرب حراماً بالقسم، ثم جعل هذا الحرام حلالاً، وكفَّر عن يمينه.
قوله: "أخرجه الترمذي":
قلت: قال (1) بعد إخراجه عن مَسْلَمَةَ بنِ عَلْقَمَةَ عن دَاودَ عن عامر عن مَسْرُوق ما لفظه: حديث مَسْلَمة بن عَلْقَمَةَ عن داودَ رَوَاهُ عليُّ بنُ مُسْهِرٍ، وغيره عن دَاوُدَ عن الشَّعبي أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً، وليس فيه عن مَسْروق عن عائشة، وهذا أصح من حديث مَسْلمة بن علقمة. انتهى كلامه.
(1) أي: الترمذي بإثر الحديث رقم (1201).