الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله: "رجلٌ مولاه". كأنه يريد به مملوكه أو عتيقه [34/ أ]، وهو يوافق ما تقدم من قوله:"ومولاك الذي يلي".
الرابع:
156/ 4 - وَعَنْ ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاص رضي الله عنهما، أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ الله! إِنَّ لِي مَالاً وَوَلَدًا، وَإِنَّ وَالِدِي يَجْتَاحُ مَالي. فقَالَ:"أنتَ وَمَالُكَ لَأَبِيْك، إِنَّ أَوْلَادَكُمْ مِنْ أَطْيَبِ كَسْبِكُمْ فَكُلُوا مِنْ كَسْبِ أَوْلَادِكُمْ". أخرجه أبو داود (1). [صحيح لغيره].
قوله: "وإن أبي يجتاح مالي".
[قال](2) ابن الأثير (3): الاجتياح: الاستئصال، ومنه سميت الجائحة، وهي الآفة التي تصيب الزروع وغيرها، فتُعفِّي أثرها.
فقال: "أنت ومالك لأبيك". فيه إخباره بأنه أي منافعه لما علم من أن الحر لا يملك.
"ومالك". أي: ما كسبته وصار لك ملكاً لأبيك. أي: ملك له، فكيف تقول: يجتاح مالي، وأي مال لك تختص به، بل هو مالك صورة لاستيلائك عليه وكسبك له، وهو لأبيك ملك.
(1) في سننه رقم (3530).
قلت: وأخرجه أحمد في المسند (2/ 179)، وابن الجارود في "المنتقى" رقم (995)، والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 480)، وابن ماجه رقم (2292) بسند حسن.
وله شواهد من حديث عائشة، وجابر، وابن مسعود، وسمرة، وعبد الله بن عمر. انظر تخريجها في تحقيقي لـ "نيل الأوطار"(12/ 646).
(2)
زيادة يقتضيها السياق.
(3)
في "جامع الأصول"(1/ 399 - 400).
واعلم أن الحديث أخرجه البزار (1) أيضاً من حديث جابر بن عبد الله مثل لفظ أبي داود (2).
وقال الخطابي: معنى يجتاحه: يستأصله أخذاً ثم إنفاقاً. قال الترمذي في جامعه (3) على قوله: "وإن أولادكلم من كسبكم"، والعمل على هذا عند بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم قالوا: إن يد الولد مبسوطة في مال ولده [136/ ب] يأخذ ما شاء. انتهى.
قلت: وإلى العمل بالحديث ذهب جابر بن عبد الله أحد رواته فصح عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله [يقول](4): يأخذ الأب والأم من مال ولدهما بغير إذنه. أخرجه ابن حزم (5) وقال (6): إنه صح مثله عن عائشة من قولها، وعن أنس بن مالك (7)؛ وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال:"أولادكم هبة الله لكم، وأموالهم لكم"(7).
وأخرج ابن حزم أيضاً، عن عمر ابن الخطاب أنه أتاه أب وابن والابن يطلب أباه بألف درهم أقرضه إياها والأب يقول: إنه لا يقدر عليها، فأخذ عمر بيد الابن فوضعها في يد الوالد وقال: هذا وماله من هبة الله لك (7).
(1) لم أقف عليه في "كشف الأستار عن زوائد البزار" للهيثمي، ولم يعزه الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 154 - 156) للبزار، بل عزاه الهيثمي للطبراني في الأوسط، وقال: رجاله رجال الصحيح.
(2)
في "معالم السنن"(3/ 801 - مع السنن).
(3)
بإثر الحديث رقم (1358).
(4)
زيادة من "المحلى"(8/ 104).
(5)
في المحلى (8/ 103 - 104).
(6)
أي: ابن حزم في "المحلى"(8/ 104).
(7)
أخرجه ابن حزم في "المحلى"(8/ 104).
وأخرج أيضاً عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قضى بمال الولد للوالد (1).
وأخرج (2) عن جماعة من الصحابة والتابعين مثل هذا، وصح أنه مذهب علي، وعمر (3)، وابن مسعود (4)، وعائشة (5)، وجابر بن عبد الله (6)، وأنس بن مالك (7)، وابن عباس (7) من الصحابة، ومن التابعين: مذهب مسروق (8)، والحكم، ومجاهد (9).
(1) ذكره ابن حزم في "المحلى"(8/ 104).
(2)
ابن حزم عن جماعة من الصحابة والتابعين (8/ 104 - 106).
(3)
أخرجه ابن حزم في "المحلى"(8/ 104).
(4)
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" رقم (10019)، وفي الأوسط رقم (57)، وفي الصغير رقم (2)، و (947)، مع الروض الداني في قصة طويلة.
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 154)، وقال: رواه الطبراني في الثلاثة، وفيه إبراهيم بن عبد الحميد بن ذي حماية، ولم أجد من ترجمه، وبقية رجاله ثقات.
قلت: إبراهيم هذا ترجم له البخاري في "التاريخ الكبير"(1/ 304 - 305)، وسكت عنه وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (2/ 113) حيث قال: عن أبيه: ما به بأس.
وذكره ابن حبان في "الثقات"(6/ 13) وقال: من فقهاء أهل الشام. وقال الطبراني: لا يروي عن ابن مسعود إلا بهذا الإسناد تفرد به ابن ذي حماية، وكان من ثقات المسلمين.
(5)
أخرجه أحمد في المسند (6/ 31، 42)، وابن حبان في صحيحه رقم (410) و (4262) بسند ضعيف، لكن الحديث صحيح لغيره.
(6)
أخرجه ابن ماجه رقم (2291)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 158)، وفي شرح مشكل الآثار رقم (1598)، والبيهقي في دلائل النبوة (6/ 304 - 305) في قصة طويلة. وهو حديث صحيح.
(7)
أخرجه ابن حزم في "المحلى"(8/ 104).
(8)
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(7/ 161 رقم 2749).
(9)
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(7/ 292 رقم 3207).
والشعبي (1)، وعطاء (2)، وسعيد بن المسيب (3)، والحسن (4)، وقتادة (4).
فهؤلاء سبعة من الصحابة، وثمانية من التابعين، قائلون بمعنى الحديث، وأن مال الولد لأبيه، يتصرف فيه كيف شاء، كما يتصرف فيما يملكه، وكلما جاز له في مال نفسه من الإنفاق وغيره جاز له في مال ولده.
وإذا عرفت هذا فلا تغتر بقول الخطابي في معالم السنن (5) على حديث أبي داود المذكور هنا في التيسير إنه لا يعلم أن أحداً يقول: إن معنى الحديث إباحة مال الولد لأبيه، وأنه يأتي عليه إسرافاً وتبذيراً، بل معناه: إذا احتاج إلى مالك أخذ منه قدر الحاجة. انتهى.
فقوله: لا يعلم قائلاً بذلك. مصدق أنه لا يعلمه، وعلمه غيره. وأما [137/ ب] قوله: إسرافاً وتبذيراً، فكلام في غير محله، فإنه يحرم على الإنسان ذلك في مال نفسه المجمع عليه.
وأما قوله: يأخذ قدر حاجته. فهذا صرف للفظ يجتاح عن معناه الذي فسره هو به.
فالحق أن مال الولد يملكه أبوه ويتصرف فيه كيف شاء، وقد بسطنا المسألة في رسالةٍ مستقلة (6) بحمد الله.
(1) أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(7/ 160 رقم 2746).
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(7/ 160 رقم 2748).
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(7/ 159 رقم 2743).
(4)
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف"(9/ 129 رقم 16625).
(5)
في "معالم السنن"(3/ 801 - مع السنن).
(6)
عنوانها: "الكلام على حديث: "أنت ومالك لأبيك" رقمها (58) من كتاب: "عون القدير من فتاوى ورسائل ابن الأمير" بتحقيقي وجمعي.