المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب في ذكر مناقب الستة الأئمة وأحوالهم - التحبير لإيضاح معاني التيسير - جـ ١

[الصنعاني]

فهرس الكتاب

- ‌أولاً: مقدمة المحقق

- ‌ثانياً: ترجمة المؤلف محمد بن إسماعيل الأمير

- ‌1 - اسمه ونسبه:

- ‌2 - مولده:

- ‌3 - نشأته:

- ‌4 - مشايخه:

- ‌5 - تلامذته:

- ‌6 - ورعه وزهده:

- ‌7 - وفاته:

- ‌8 - ثناء العلماء عليه:

- ‌9 - عقيدة محمد بن إسماعيل الأمير:

- ‌1 - قوله بعد ذكر اسم علي رضي الله عنه (عليه السلام

- ‌2 - ما نسب إليه من سبه الصحابة:

- ‌3 - ما ورد في كتابه "الروضة الندية شرح التحفة العلوية

- ‌10 - مؤلفاته:

- ‌فائدة (1):

- ‌فائدة (2):

- ‌ثالثاً: ترجمة مؤلف "تيسير الوصول إلى جامع الأصول

- ‌1 - اسمه:

- ‌2 - مولده:

- ‌3 - نشأته:

- ‌3 - شيوخه:

- ‌4 - تلاميذه:

- ‌6 - ثناء العلماء عليه:

- ‌7 - مؤلفاته:

- ‌8 - وفاته:

- ‌رابعاً: وصف المخطوط (أ):

- ‌خامساً: وصف المخطوط (ب):

- ‌سادساً: وصف المخطوط (ج

- ‌سابعاً: منهجي في تحقيق الكتاب، وتخريج أحاديثه، والتعليق عليه:

- ‌مقدمة ابن الديبع

- ‌باب في ذكر مناقب الستة الأئمة وأحوالهم

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌[(مناقب الأئمة الستة)]

- ‌حرف الهمزة

- ‌الكتاب الأول: (في الإيمان والإسلام)

- ‌الباب الأول: (فى تعريفهما حقيقة ومجازاً، وفيه ثلاث فصول)

- ‌الفصل الأول: في فضلهما

- ‌الفصل الثاني: في حقيقتهما

- ‌الفصل الثالث: في المجاز

- ‌الباب الثاني: (في أحكام الإيمان والإسلام)

- ‌الفصل الأول: في حكم الإقرار بالشهادتين

- ‌الفصل الثالث: في أحكام متفرقة

- ‌الباب الثالث: (في أحاديث متفرقة تتعلق بالإيمان والإسلام)

- ‌الباب الأول: (في الاستمساك بهما)

- ‌الباب الثاني: (في الاقتصاد في الأعمال)

- ‌كتاب الإيلاء: هو الكتاب السابع

- ‌كتاب: الأسماء والكنى وهو الكتاب الثامن

- ‌الفصل الأول: في المحبوب منها والمكروه

- ‌الفصل الثاني من الخمسة الفصول: في كتاب الأسماء

- ‌ الأول:

- ‌ الثاني:

- ‌ الثالث:

- ‌الرابع:

- ‌الخامس:

- ‌الفصل الثالث: فيمن غيَّر النبي صلى الله عليه وسلم اسمه

- ‌الأول:

- ‌ الثاني:

- ‌الثالث:

- ‌الرابع:

- ‌الخامس:

- ‌السابع:

- ‌الفصل الرابع من كتاب الأسماء والكنى: في التسمي باسم النبي صلى الله عليه وسلم وكنيته

- ‌الأول:

- ‌ الثاني

- ‌الثالث:

- ‌الرابع:

- ‌الفصل الخامس: من كتاب الأسماء

- ‌الأول:

- ‌الثاني:

- ‌الرابع:

- ‌كتاب: الآنية

- ‌الثاني:

- ‌الثالث:

- ‌الرابع:

- ‌الخامس:

- ‌كتاب: الأجل والأمل

- ‌الثالث: عن ابن عمر

- ‌[الرابع: "عن بريدة

- ‌[الخامس: عن أبي هريرة]

- ‌حرف الباء

- ‌ الأول

- ‌الباب الأول: (في بر الوالدين)

- ‌الثاني:

- ‌الثالث:

- ‌الرابع:

- ‌الخامس:

- ‌الباب الثاني: في بر الأولاد والأقارب

- ‌الباب الثالث: (في برّ اليتيم)

- ‌الباب الرابع: (في إماطة الأذى عن الطريق)

- ‌الباب الخامس: (في أعمال من البر متفرقة)

- ‌الباب الأول: في آدابه

- ‌الفصل الأول: في الصدق والأمانة

- ‌الفصل الثاني: في التساهل والتسامح في البيع والإقالة

- ‌الأول:

- ‌[الثاني]

- ‌[الثالث]

- ‌[الرابع]

- ‌[الخامس]

- ‌[السادس]

- ‌الفصل الثالث: الكيل والوزن وغيرهما

- ‌الأول:

- ‌ الثاني

- ‌الثالث:

- ‌الرابع:

- ‌الخامس:

- ‌الفصل الرابع: في أحاديث متفرقة

- ‌الأول:

- ‌الثاني:

- ‌الثالث:

- ‌الباب الثاني: (فيما لا يجوز بيعه)

- ‌الفصل الأول: في النجاسات

- ‌ الأول:

- ‌الثاني:

- ‌الرابع:

- ‌الخامس:

- ‌الفصل الثاني: في بيع ما لم يُقْبَضْ

- ‌الأول:

- ‌ الثاني

- ‌الثالث:

- ‌الرابع:

- ‌الخامس:

- ‌الفصل الثالث: في بيع الثمار والزروع

- ‌الفصل الرابع: في أشياء متفرقة لا يجوز بيعها [أمهات الأولاد

- ‌الفصل‌‌ الأول:في الخداع

- ‌ الأول:

- ‌الثاني:

- ‌الثالث:

- ‌الرابع:

- ‌[الفصل الثاني: في التصرية

- ‌الفصل الثالث: في النَجْش

- ‌الفصل الخامس: الأول: في الملامسة والمنابذة

- ‌الفصل السادس: في بيع الغرر وغيره

- ‌الأول:

- ‌الثاني):

- ‌الثالث:

- ‌الرابع:

- ‌الخامس:

- ‌الباب الرابع: في الربا

- ‌الفصل الأول: في ذمه

- ‌الفصل الثاني: في أحكامه

- ‌(الأول):

- ‌الثاني:

- ‌فرع: في الحيوان وغيره

- ‌الباب الخامس: في الخيار

- ‌الباب السادس: في الشفعة

- ‌الأول:

- ‌الثاني:

- ‌الثالث:

- ‌الرابع:

- ‌الخامس:

- ‌السادس:

- ‌السابع:

- ‌الثامن:

- ‌الباب الثامن: في الاحتكار والتسعير

- ‌الأول:

- ‌الثاني:

- ‌الرابع:

- ‌الباب التاسع: في الرد بالعيب

- ‌الباب العاشر: في بيع الشجر والثمر، ومال العبد والجوائح

- ‌كتاب: البخل وذم المال

- ‌(كتاب: البنيان)

- ‌حرف التاء

- ‌كتاب: التفسير

- ‌الباب الأول: في حكمه

- ‌الفصل الأول: في التحذير منه

الفصل: ‌باب في ذكر مناقب الستة الأئمة وأحوالهم

‌باب في ذكر مناقب الستة الأئمة وأحوالهم

مالك (1): هو أبو عبد الله مالكُ بن أنس بن مالك الأصبحيُّ إمام دار الهجرة، ولد سنة خمس وتسعين، ومات بالمدينة سنة تسع وسبعين ومائة، وله يومئذ أربع وثمانون سنة.

هو إمام الحجاز بل إمام الناس في الفقه والحديث، وكفاه فخراً أن الشافعي رحمه الله من أصحابه، خذ العلم عن: ابن شهاب الزهري، ويحيى بن سعيد الأنصاري، ونافع مولى ابن عمر رضي الله عنه وغيرهم، وأخذ عنه العلم خلق لا يحصون كثرة منهم الشافعي رحمه الله، ومحمد بن إبراهيم بن دينار، وابن عبد الرحمن المخزومي، وعبد العزيز بن أبي حازم، وهؤلاء نظراؤه من أصحابه، ومعن بن عيسى القزاز، وعبد الملك بن عبد العزيز الماجشون، ويحيى بن يحيى الأندلسي، وعبد الله بن مسلمة القعنبي، وعبد الله بن وهب، وأصبغ بن الفرج، وهؤلاء هم مشايخ البخاري ومسلم، وأبي داود، والترمذي، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وغيرهم من أئمة الحديث.

وروى الترمذي في "جامعه"(2) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يوشك أن يضربَ الناسُ أكباد الإبلِ، يطلبُون العلم فلا يجدون أحداً أعلمَ من عالم المدينة" قال: وهذا حديث حسن قال عبد الرزاق وسفيان بن عيينة: إنه مالك بن أنس.

(1) انظر ترجمته في:

"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (2/ 75 - 79)"وفيات الأعيان"(4/ 135 - 139)"تذكرة الحفاظ للذهبي"(1/ 207 - 213)"طبقات القراء"(2/ 35)"المعارف لابن قتيبة"(ص 498 - 499)"سير أعلام النبلاء"(8/ 48 - 135) رقم الترجمة (10).

(2)

في سننه رقم (2680).

قلت: وأخرجه الحميدي في المسند رقم (1147) وابن حبان رقم (3736) والحاكم في "المستدرك"(1/ 90 - 91) والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" رقم (4017)، (4018) وابن أبي حاتم في "الجرح =

ص: 93

قال مالك رحمه الله: قل من كتبت عنه العلم مات حتى يجيئني ويستفتيني، ولقد حدث يوماً عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن فاستزاده القوم من حديثه. فقال: ما تصنعون بربيعة وهو نائم في ذلك الطاق، فأتى ربيعة فقيل له: أأنت ربيعة الذي يحدث عنك مالك؟ قال: نعم، فقيل له: كيف حظِيَ بك مالك ولم تحظ أنت بنفسك؟ قال: أما علمتم أن مثقالاً من دولة خير من حمل علم، وكان مالك رحمه الله مبالغاً في تعظيم العلم إذا أراد أن يحدث توضأ وجلس على وقار وهيبة، واستعمل الطيب، وكان مهاباً، ولبعض المدنيين فيه:

يدَعُ الجوابَ فلا يُراجَعُ هَيْبَةً

والسَّائِلون نَوَاكِسُ الأذْقَانِ

أَدبُ الوَقَارِ وعِزُّ سُلْطَانِ التُّقى

فَهُو المطاعُ ولَيْس ذَا سُلْطَانِ (1)

= والتعديل" (1/ 11 - 12) وابن عدي في "الكامل" (1/ 101) والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 386) وفي "المعرفة" (1/ 87 - العلمية) والخطيب في "تاريخ بغداد" (5/ 306 - 307)، (6/ 376 - 377) و (13/ 17) والذهبي في "السير" (8/ 55) من طرق سبعة، عن سفيان بن عيينة، حدثنا ابن جريج عن أبي الزبير عن أبي صالح عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "يوشك أن يضرب

" الحديث.

قال الترمذي: هذا حديث حسن.

وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.

وقال الذهبي في "السير"(8/ 56): هذا حديث نظيف الإسناد، غريب المتن.

قلت: فيه عنعنة ابن جريج - عبد الملك بن عبد العزيز - المدلس، وهو لا يدلس إلا عن ضعيف، وكذا أبو الزبير - محمد بن مسلم بن تدرس - المدلس وقد عنعن.

وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف. والله أعلم.

(1)

"حلية الأولياء"(6/ 318، 319) و"ترتيب المدارك"(1/ 167 - الحياة).

ص: 94

قال يحيى بن سعيد القطان: ما في القوم أصح حديثاً من مالك [7/ 1 ب]، وقال الشافعي رحمه الله (1): إذا ذُكر العلماء فمالك النجم.

وروى أن المنصور منعه من رواية الحديث في طلاق المكره، ثم دس عليه من يسأله فروى على ملأ من الناس: ليس على مستكره طلاق (2) فضربه بالسياط ولم يترك رواية

(1)"حلية الأولياء"(6/ 318) و"تذكرة الحفاظ"(1/ 208) و"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (1/ 206).

(2)

أخرج الإمام مالك في "الموطأ"(2/ 487 رقم 78) عن ثابت بن الأحنف أنَّهُ تزوج أُمّ ولد لعبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، قال: فدعاني عبد الله بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، فجئته، فدخلتُ عليه، فإذا سياطٌ موضوعةٌ، وإذا قيدان من حديدٍ وعبدان له قد أجلسهما، فقال: طلِّقها؛ وإلا فالذي يُحلف به فعلتُ بك كذا وكذا، قال: فقلت: هي الطلاقُ ألفاً، قال: فخرجتُ من عنده، فأدركت عبد الله بن عمر بطريق مكةَ، فأخبرته بالذي كان من شأني، فتغيظ عبد الله بن عمر، وقال: ليسَ ذلكَ بطلاق، وإنها لم تحرم عليكَ، فارجع إلى أهلِكَ، قال: فلم تقررني نفسي حتى أتيتُ عبد الله بن الزبير، وهو يومئذ بمكة أميرٌ عليها فأخبرتهُ بالذي كان من شأني، وبالذي قال لي عبد الله بن عمر، قال: فقال لي عبد الله بن الزبير: لم تحرم عليك، فارجع إلى أهلك.

وكتبَ إلى جابر بن الأسود الزُّهري، وهو أمير المدينة، يأمره أن يعاقب عبد الله بن عبد الرحمن، وأن يخلي بيني وبين أهلي، قال: فقدمتُ المدينة فجهزت صفية - امرأة عبد الله بن عمر - امرأتي حتى أدخلتها عليَّ بعلم عبد الله بن عمر، ثم دعوتُ عبد الله بن عمر يوم عُرسي لوليمتي فجاءني.

وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(7/ 358) و"معرفة السنن والآثار"(5/ 494 رقم 4474 - العلمية) وعبد الرزاق في "المصنف" من طريقين عن ثابت به بنحوه، بسند صحيح.

وخلاصة القول: أن الأثر صحيح. والله أعلم.

• طلاق المكره لا يقع، وبه قال جماعة من أهل العلم، حُكي ذلك عن علي بن أبي طالب، وعمر، والزبير، والحسن البصري، وعطاء، ومجاهد، وطاوس، وشريح، والأوزاعي، والحسن بن صالح، ومالك، والشافعي. =

ص: 95

الحديث (1)، ولما حج الرشيد سمع عليه الموطأ وأعطاه ثلاثة آلاف دينار، ثم قال له: ينبغي أن تخرج معنا فإني عزمت على أن أحمل الناس على الموطأ كما حمل عثمان رضي الله عنه الناس على القرآن. فقال: أما حمل الناس على الموطأ فليس إلى ذلك سبيل، فإن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم افترقوا بعده في البلاد، فعند أهل كل مصر علم (2) وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"اختلاف أمتي رحمة"(3) وأما الخروج معك فلا سبيل إليه.

= انظر تخريج هذه الآثار، والكلام على هذه المسألة بالتفصيل في تحقيقي "لنيل الأوطار من أسرار منتقى الأخبار" للشوكاني عند شرح الأحاديث رقم (20/ 2861 - 23/ 2864).

(1)

"ترتيب المدارك"(1/ 228 - الحياة) و"وفيات الأعيان"(4/ 137) و"حلية الأولياء"(6/ 316).

(2)

انظر "ترتيب المدارك"(1/ 192، 193 - الحياة) و"سير أعلام النبلاء"(8/ 78 - 79).

وفيهما يقول مالك: لما حجَّ المنصور، دعاني فدخلتُ عليه، فحادثته، وسألني فأجبته، فقال: عزمتُ أن آمر بكتبك هذه - يعني: الموطأ - فتنسخ نُسخاً، ثم أبعث إلى كل مصرٍ من أمصار المسلمين بنسخة، وآمُرهُم أن يعملوا بما فيها، ويَدَعوا ما سوى ذلك من العلم المحدث، فإني رأيت أصْل العلم رواية أهل المدينة وعلمهم. قلت: يا أمير المؤمنين! لا تفعل، فإن الناسَ قد سيقت إليهم أقاويل، وسمعوا أحاديث، ورَوَوْا رواياتٍ، وأخذ كُلُّ قوم بما سيق إليهم، وعملوا به، ودانوا به من اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهم، وإن رَدَّهم عما اعتقدوه شديدٌ، فدعِ الناس، وما هم عليه، وما اختار أهل كل بلد لأنفسهم فقال: لعمري! لو طاوعتني لأمرتُ بذلك. اهـ.

(3)

لا أصل له. ولقد جهد المحدثون في أن يقفوا له على سند، فلم يوفقوا، حتى قال السيوطي في "الجامع الصغير" رقم (288). "ولعله خُرِّج في بعض كتب الحفاظ التي لم تصل إلينا".

وتعقبه المحدث الألباني في "الضعيفة"(1/ 141 رقم 57): "وهذا بعيد عندي، إذ يلزم منه أنه ضاع على الأمة بعض أحاديثه صلى الله عليه وسلم، وهذا مما لا يليق بمسلم اعتقاده".

ونقل المناوي في "فيض القدير"(1/ 212) عن السبكي أنه قال: "وليس بمعروف عند المحدثين، ولم أقف له على سند صحيح ولا ضعيف، ولا موضوع. =

ص: 96

قال صلى الله عليه وسلم: "المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون".

وهذه دنانيركم كما هي فلا أوثر الدنيا على مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقال الشافعي رحمه الله: رأيت على باب مالك كراعاً من أفراس خراسان وبغال مصر، ما رأيت أحسن منه. فقلت له: ما أحسنه فقال: هو هدية مني إليك. فقلت: دَعْ لنفسك منها دابة تركبها. فقال: إني أستحي من الله تعالى أن أطأ تربة فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بحافر دابة، ومناقبه أكثر من أن تحصى رحمة الله عليه (1).

البخاري (2): هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة الجعفي البخاري، وإنما قيل له: الجعفي لأن المغيرة أبا جَده كان مجوسياً أسلم على [يد](3) يمان البخاري، وهو الجُعْفي فنسب إليه، وجُعْفي: أبو قبيلة من اليمن، ولدَ يومَ الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلَتْ من شوال سنة أربع وتسعين ومائة، وتوفي ليلة الفطر سنة ست وخمسين ومائتين، وله اثنتان وستون سنة، إلا ثلاثة عشرَ يوماً، وَلَم يُعْقِبْ ولداً ذكراً، رحل في طلب العلم إلى جميع مُحدثي

= • وانظر تفصيلاً أوسع حول هذا القول في تحقيقي لـ "تنوير شرح الجامع الصغير"(ج 1 رقم 288) لمحمد ابن إسماعيل الأمير الصنعاني.

(1)

قال الإمام مالك: "سن رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاه الأمر بَعْده سُنناً، الأخذُ بها اتباع لكتاب الله، واستكمالٌ بطاعة الله، وقوةٌ على دين الله، ليس لأحد تغييرهَا، ولا تَبديلُها، ولا النظرُ في شيء خالفها، من اهتدى بها، فهو مهتدٍ، ومن استنصر بها، فهو منصور، ومن تركها، اتبع غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولَّى، وأصلاهُ جهنم وساءت مصيراً" اهـ.

"الحلية لأبي نعيم"(6/ 324) و"سير أعلام النبلاء"(9/ 98).

(2)

انظر ترجمته في: "الجرح والتعديل"(7/ 191 رقم 1086) و"تاريخ بغداد"(2/ 4 - 34) و"طبقات الحنابلة"(1/ 271 - 279 رقم 387) و"تذكرة الحفاظ"(2/ 555 - 557 رقم 578) و"طبقات الشافعية" للسبكي (2/ 212 - 241 رقم 54).

(3)

في المخطوط (ب): (يدي) والصواب ما أثبتناه.

ص: 97

الأمصار، وكتبَ عن الحفاظ كمكي بن إبراهيم البَلْخِي، وعبد الله بن عثمان المروزي، وعبيد الله بن موسى العبسي، وأبي نعيم الفضل بن دكين، وعليُّ بن المديني، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين وغيرهم رحمهم الله تعالى، وأخذ عنه الحديث خلق كثير.

قال الفربري: سَمِعَ كتابَ "البخاري" تسعون ألف رجل، ولم يبق منهم أحد يرويه عنه غيري، وطلب العلم وله عشر سنين ورد على المشايخ، وله إحدى عشرة سنة.

قال البخاري رحمه الله: خرجت كتابي الصحيح [8/ 1 ب] من زهاء ستمائة ألف حديث، وما وضعت فيه حديثاً إلا وصليت ركعتين، ولما قدم بغداد جاءه أصحاب الحديث وأرادوا امتحانه فعمدوا إلى مائة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها ودفعوها إلى عشرة رجال وأمروهم أن يلقوها إليه، فانتدب رجل منهم فسأله عن حديث منها. فقال: لا أعرفه، فسأله عن آخر فقال: لا أعرفه حتى فرغ من العشرة والبخاري يقول: لا أعرفه، ثم انتدب آخر من العشرة فكان حاله معهم كذلك إلى تمام العشرة، والبخاري لا يزيدهم على قوله: لا أعرفه، فأما العلماء فعرفوا بإنكاره أنه عارف، وأما غيرهم فلم يدركوا ذلك، فلما فرغوا التفت البخاري إلى الأول منهم فقال: أما حديثك الأول فهو كذا، وأما حديثك الثاني فكذا على النسق إلى آخر العشرة، فردّ كل متن إلى إسناده، وكل إسناد إلى متنه، ثم فعل بالباقين مثل ذلك فأقر الناس له بالحِفْظِ، وأذعنوا له بالفضل.

مسلم (1): هو أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري، ولد سنة أربع ومائتين، وتوفي لست بقين من رجب سنة إحدى وستين ومائتين، وله سبع وخمسون سنة، رحل في طلب العلم إلى الأقطار، وأخذ الحديث عن يحيى بن يحيى، وقُتَيْبَة بن سعيد،

(1) انظر ترجمته في "الجرح والتعديل"(8/ 182 رقم 797) و"تاريخ بغداد"(13/ 100 - 104 رقم 7089) و"طبقات الحنابلة"(1/ 337 - 339 رقم 488) و"تذكرة الحفاظ"(2/ 588 - 590 رقم 613) و"تهذيب الأسماء واللغات"(2/ 89 - 92 رقم 131).

ص: 98

وإسحاق بن راهويه، وأحمد بن حنبل، والقعنبي، وحرملَة بن يحيى وغيرهم من أئمة الحديث.

قَدِمَ بغداد غير مرةٍ وحدَّث بها، وأخذ عنه الحديث خلق كثير، وكان يُقدَّم في معرفة الصحيح على أهل عصره. وقال: صنَّفتُ المسند من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة.

وقال الخطيب البغدادي (1): إنما قفا مسلم طريق البخاري نظر في علمه وحذا حذوه.

أبو داود (2): هو سليمان بن الأشعث بن إسحاق الأسدي السجستاني رحلَ في طلب العلم وطوَّف وجمع وصنف كتباً كثيرة، وكتب عن أهل العراق والشام ومصر وخراسان.

ولِدَ سنة اثنتين ومائتين، وتوفي بالبصرة لأربع عشرةَ ليلة بقيت من شوال سنة خمس وسبعين ومائتين، وأخذ الحديثَ عن مشايخ البخاري ومسلم: كأحمد بن حنبل، وعثمان بن أبي شيبة، وقتيبة بن سعيد وغيرهم من أئمة الحديث وأخذ عنه: ابنه عبد الله، وأبو عبد الرحمن النسائي، وأبو علي اللؤلؤي، وخلق سواهم.

عرض كتابه السنن على أحمد بن حنبل فاستجاده واستحسنه.

قال أبو داود رحمه الله (3): كتبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسمائة ألف حديث فانتخبت منها أربعة آلاف حديث وثمانمائة حديث ضمنتها هذا الكتاب [9/ 1 ب] ذكرت الصحيح وما يشبهه ويقاربه.

(1) في "تاريخ بغداد"(13/ 102).

(2)

انظر ترجمته في: "الجرح والتعديل"(4/ 10 - 102 رقم 456) و"معجم المؤلفين"(4/ 255 - 256) و"تاريخ بغداد"(9/ 55 - 59) رقم (4638) و"المنتظم"(5/ 97 - 98 رقم 219) و"طبقات الحنابلة"(1/ 159 - 162 رقم 216) و"تذكرة الحفاظ"(2/ 591 - 593 رقم 615).

(3)

أبو داود حياته وسننه (ص 44).

ص: 99

ويكفي الإنسان لدينه من ذلك أربعة أحاديث:

أحدها: قوله صلى الله عليه وسلم: "الأعمال بالنيات"(1).

والثاني: قوله صلى الله عليه وسلم: "من حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه"(2).

والثالث: قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يكون المؤمن مؤمناً حتى يرضى لأخيه ما يرضى لنفسه"(3).

والرابع: "الحلال بين والحرام بين"(4) الحديث، وكان أبو داود في أعلا درجة من العلم والنسك والورع، روي أنه كان له كمّ واسع وكمّ ضيق فقيل له: ما هذا؟ فقال: الواسع للكتب، والآخر لا يحتاج إليه.

قال الخطابي (5): لم يصنف في علم الدين مثل كتاب السنن لأبي داود، وقد رزق القبول من كافة الناس على اختلاف مذاهبهم.

(1) أخرجه البخاري رقم (54) ومسلم رقم (1907) وأبو داود رقم (2201) والترمذي رقم (1647) وابن ماجه رقم (4227) والنسائي رقم (75، 3437، 3794) من حديث عمر بن الخطاب. وهو حديث صحيح.

(2)

أخرجه الترمذي رقم (2317) وابن ماجه رقم (3976) من حديث أبي هريرة وهو حديث صحيح.

وأخرجه الترمذي رقم (2318) من حديث علي بن حسين مرسلاً. وهو حديث صحيح بما قبله.

(3)

أورده ابن كثير في "البداية والنهاية"(14/ 617) باللفظ المذكور.

وأخرج البخاري رقم (13) ومسلم رقم (71/ 45) عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يؤمن أحدُكم حتى يُحبَّ لأخيه - أو قال لجاره - ما يحب لنفسه". وهو حديث صحيح.

(4)

أخرجه البخاري رقم (52) ومسلم رقم (1599) وأبو داود رقم (3322) و (3323) والترمذي رقم (1205) والنسائي رقم (4465) وابن ماجه رقم (3984) من حديث النعمان بن بشير. وهو حديث صحيح.

(5)

في "معالم السنن"(1/ 10 - 11 - مع المختصر).

ص: 100

قال أبو داود (1): ما ذكرت في كتابي حديثاً أجمع الناس على تركه. قال ابن الأعرابي: لو أن رجلاً لم يكن عنده من العلم إلا الصحف، وهذا الكتاب - يعني: السنن لأبي داود - لم يحتج معهما إلى شيء من العلم، وكان علماء الحديث قبل أبي داود صنفوا الجوامع والمسانيد ونحوها فتجمع تلك الكتب إلى ما فيها من السنن والأحكام أخباراً وقصصاً ومواعظ وآداباً، فأما السنن المحضة فلم يقصد أحداً منهم إفرادها واستخلاصها، ولا اتفق له ما اتفق لأبي داود، وقال إبراهيم الحربي: لما صنف أبو داود هذا الكتاب أُلين له كما أُلين لداود الحديدُ.

الترمذي (2): هو أبو عيسى محمد بن عيسى بن سَورْة الترمذي، ولد سنة مائتين وتوفي بترمذ ليلة الإثنين الثالث عشر من رجب سنة تسع وسبعين ومائتين، هو أحد العلماء الحفاظ، لقي الصدر الأول من المشايخ: مثل قتيبة بن سعيد، ومحمد بن بشار، وعلي بن حُجْر وغيرهم من أئمة الحديث، وأخذ عنه خلق كثير، وله تصانيف كثيرة في علم الحديث، وهذا كتابه الصحيح (3) أحسن الكتب [10/ 1 ب] وأكثرها فائدة وأقلها تكراراً.

(1)"قواعد التحديث"(ص 331) و"مختصرالمنذري"(1/ 8).

وانظر رسالة الإمام أبي داود إلى أهل مكة في وصف سننه تحقيق د: محمد الصباغ. وكذلك حققها الشيخ عبد الفتاح أبو غدة ضمن ثلاث رسائل في علم مصطلح الحديث.

(2)

انظر ترجمته في "تذكرة الحفاظ"(2/ 633 - 635 رقم 658) و"ميزان الاعتدال"(3/ 678 رقم 8035) و"معجم البلدان"(2/ 26 - 27) ومقدمة شرح الترمذي لأحمد محمد شاكر، و"تهذيب التهذيب" (9/ 344 - 345 رقم 638 - دار الفكر) ومقدمة الشيخ عبد الرحمن المباركفوري شارح "سنن الترمذي" باسم:"تحفة الأحوذي".

(3)

الاسم الصحيح لسنن الترمذي هو: "الجامع المختصر من السنن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعرفة الصحيح والمعلول وما عليه العمل".

انظر "تحقيق اسمي الصحيحين واسم جامع الترمذي" للشيخ عبد الفتاح أبو غُدة (ص 76 - 77).

ص: 101

قال الترمذي (1) رحمه الله: عرضت هذا الكتاب على علماء الحجاز والعراق وخراسان فرضوا به واستحسنوه، ومن كان في بيته فكأنما في بيته نبي يتكلم.

النسائي (2): هو أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي بن بكر. ولد سنة خمس عشرة ومائتين، ومات بمكة سنة ثلاث وثلاثمائة، وهو أحد العلماء الأئمة الحفاظ، أخذ الحديث عن قتيبة بن سعيد، وعلي بن خَشْرم، وإسحاق بن إبراهيم، ومحمد بن بشار، وأبي داود السجستاني وغيرهم، وأخذ عنه خلق كثير؛ وله كتب كثيرة في الحديث، وكان شافعي المذهب وله مناسك على مذهب الإمام الشافعي رحمه الله، وكان ورعاً متحرِّياً.

قال علي بن عمر الحافظ: أبو عبد الرحمن النسائي مقدم على كل من يذكر في زمانه في هذا العلم. اجتمع به جماعة من الشيوخ والحفاظ: منهم عبد الله بن أحمد بن حنبل بطرسوس وكتبوا كلهم بانتخابه، وسأله بعض الأمراء عن كتابه السنن: أكله صحيح؟ فقال: فيه الصحيح والحسن وما يقاربهما.

قال: فاكتب لنا الصحيح منه مجرداً، فصنع المجتبى، فهو المجتبى من السنن، ترك كل حديث تكلم في إسناده بالتعليل.

هذا قليل من كثير من أحوال هؤلاء الأئمة يستدل به على جلالة قدرهم، وعلوّ مرتبتهم في هذا العلم رحمة الله تعالى عليهم أجمعين. [11/ 1 ب].

(1)"جامع الأصول"(1/ 194).

(2)

انظر ترجمته في: "وفيات الأعيان"(1/ 77 - 78 رقم 29) و"تذكرة الحفاظ"(2/ 698 - 701 رقم 719) و"العبر"(1/ 444 - 445) و"تهذيب التهذيب" (1/ 32 - 34 رقم 66 - دار الفكر".

ص: 102