المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثالث: في المجاز - التحبير لإيضاح معاني التيسير - جـ ١

[الصنعاني]

فهرس الكتاب

- ‌أولاً: مقدمة المحقق

- ‌ثانياً: ترجمة المؤلف محمد بن إسماعيل الأمير

- ‌1 - اسمه ونسبه:

- ‌2 - مولده:

- ‌3 - نشأته:

- ‌4 - مشايخه:

- ‌5 - تلامذته:

- ‌6 - ورعه وزهده:

- ‌7 - وفاته:

- ‌8 - ثناء العلماء عليه:

- ‌9 - عقيدة محمد بن إسماعيل الأمير:

- ‌1 - قوله بعد ذكر اسم علي رضي الله عنه (عليه السلام

- ‌2 - ما نسب إليه من سبه الصحابة:

- ‌3 - ما ورد في كتابه "الروضة الندية شرح التحفة العلوية

- ‌10 - مؤلفاته:

- ‌فائدة (1):

- ‌فائدة (2):

- ‌ثالثاً: ترجمة مؤلف "تيسير الوصول إلى جامع الأصول

- ‌1 - اسمه:

- ‌2 - مولده:

- ‌3 - نشأته:

- ‌3 - شيوخه:

- ‌4 - تلاميذه:

- ‌6 - ثناء العلماء عليه:

- ‌7 - مؤلفاته:

- ‌8 - وفاته:

- ‌رابعاً: وصف المخطوط (أ):

- ‌خامساً: وصف المخطوط (ب):

- ‌سادساً: وصف المخطوط (ج

- ‌سابعاً: منهجي في تحقيق الكتاب، وتخريج أحاديثه، والتعليق عليه:

- ‌مقدمة ابن الديبع

- ‌باب في ذكر مناقب الستة الأئمة وأحوالهم

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌[(مناقب الأئمة الستة)]

- ‌حرف الهمزة

- ‌الكتاب الأول: (في الإيمان والإسلام)

- ‌الباب الأول: (فى تعريفهما حقيقة ومجازاً، وفيه ثلاث فصول)

- ‌الفصل الأول: في فضلهما

- ‌الفصل الثاني: في حقيقتهما

- ‌الفصل الثالث: في المجاز

- ‌الباب الثاني: (في أحكام الإيمان والإسلام)

- ‌الفصل الأول: في حكم الإقرار بالشهادتين

- ‌الفصل الثالث: في أحكام متفرقة

- ‌الباب الثالث: (في أحاديث متفرقة تتعلق بالإيمان والإسلام)

- ‌الباب الأول: (في الاستمساك بهما)

- ‌الباب الثاني: (في الاقتصاد في الأعمال)

- ‌كتاب الإيلاء: هو الكتاب السابع

- ‌كتاب: الأسماء والكنى وهو الكتاب الثامن

- ‌الفصل الأول: في المحبوب منها والمكروه

- ‌الفصل الثاني من الخمسة الفصول: في كتاب الأسماء

- ‌ الأول:

- ‌ الثاني:

- ‌ الثالث:

- ‌الرابع:

- ‌الخامس:

- ‌الفصل الثالث: فيمن غيَّر النبي صلى الله عليه وسلم اسمه

- ‌الأول:

- ‌ الثاني:

- ‌الثالث:

- ‌الرابع:

- ‌الخامس:

- ‌السابع:

- ‌الفصل الرابع من كتاب الأسماء والكنى: في التسمي باسم النبي صلى الله عليه وسلم وكنيته

- ‌الأول:

- ‌ الثاني

- ‌الثالث:

- ‌الرابع:

- ‌الفصل الخامس: من كتاب الأسماء

- ‌الأول:

- ‌الثاني:

- ‌الرابع:

- ‌كتاب: الآنية

- ‌الثاني:

- ‌الثالث:

- ‌الرابع:

- ‌الخامس:

- ‌كتاب: الأجل والأمل

- ‌الثالث: عن ابن عمر

- ‌[الرابع: "عن بريدة

- ‌[الخامس: عن أبي هريرة]

- ‌حرف الباء

- ‌ الأول

- ‌الباب الأول: (في بر الوالدين)

- ‌الثاني:

- ‌الثالث:

- ‌الرابع:

- ‌الخامس:

- ‌الباب الثاني: في بر الأولاد والأقارب

- ‌الباب الثالث: (في برّ اليتيم)

- ‌الباب الرابع: (في إماطة الأذى عن الطريق)

- ‌الباب الخامس: (في أعمال من البر متفرقة)

- ‌الباب الأول: في آدابه

- ‌الفصل الأول: في الصدق والأمانة

- ‌الفصل الثاني: في التساهل والتسامح في البيع والإقالة

- ‌الأول:

- ‌[الثاني]

- ‌[الثالث]

- ‌[الرابع]

- ‌[الخامس]

- ‌[السادس]

- ‌الفصل الثالث: الكيل والوزن وغيرهما

- ‌الأول:

- ‌ الثاني

- ‌الثالث:

- ‌الرابع:

- ‌الخامس:

- ‌الفصل الرابع: في أحاديث متفرقة

- ‌الأول:

- ‌الثاني:

- ‌الثالث:

- ‌الباب الثاني: (فيما لا يجوز بيعه)

- ‌الفصل الأول: في النجاسات

- ‌ الأول:

- ‌الثاني:

- ‌الرابع:

- ‌الخامس:

- ‌الفصل الثاني: في بيع ما لم يُقْبَضْ

- ‌الأول:

- ‌ الثاني

- ‌الثالث:

- ‌الرابع:

- ‌الخامس:

- ‌الفصل الثالث: في بيع الثمار والزروع

- ‌الفصل الرابع: في أشياء متفرقة لا يجوز بيعها [أمهات الأولاد

- ‌الفصل‌‌ الأول:في الخداع

- ‌ الأول:

- ‌الثاني:

- ‌الثالث:

- ‌الرابع:

- ‌[الفصل الثاني: في التصرية

- ‌الفصل الثالث: في النَجْش

- ‌الفصل الخامس: الأول: في الملامسة والمنابذة

- ‌الفصل السادس: في بيع الغرر وغيره

- ‌الأول:

- ‌الثاني):

- ‌الثالث:

- ‌الرابع:

- ‌الخامس:

- ‌الباب الرابع: في الربا

- ‌الفصل الأول: في ذمه

- ‌الفصل الثاني: في أحكامه

- ‌(الأول):

- ‌الثاني:

- ‌فرع: في الحيوان وغيره

- ‌الباب الخامس: في الخيار

- ‌الباب السادس: في الشفعة

- ‌الأول:

- ‌الثاني:

- ‌الثالث:

- ‌الرابع:

- ‌الخامس:

- ‌السادس:

- ‌السابع:

- ‌الثامن:

- ‌الباب الثامن: في الاحتكار والتسعير

- ‌الأول:

- ‌الثاني:

- ‌الرابع:

- ‌الباب التاسع: في الرد بالعيب

- ‌الباب العاشر: في بيع الشجر والثمر، ومال العبد والجوائح

- ‌كتاب: البخل وذم المال

- ‌(كتاب: البنيان)

- ‌حرف التاء

- ‌كتاب: التفسير

- ‌الباب الأول: في حكمه

- ‌الفصل الأول: في التحذير منه

الفصل: ‌الفصل الثالث: في المجاز

واعلم أن هذه الأحاديث التي سردها المصنف وقبله ابن الأثير في حقيقة الإيمان والإسلام هي، وإن اختلفت ألفاظها وعُدَّ في بعضها ما لم يعد في غيره فهي عائدة إلى مراد واحد وهو بيان الإيمان، وإيضاح مسماه وأوضح شيء في ذلك حديث جبريل (1) ولهذا سماه النبي صلى الله عليه وسلم تعليماً للدين، وما عداه مما نقص عن الخصال التي عدت فيه كحديث الجارية (2) الذي اقتصر فيه عن سؤالها عن الله وعن النبي صلى الله عليه وسلم يحمل على أنه اقتصار على الأهم، وإلا فكل خصال الإيمان التي بني عليها مراده على أن بعض أحاديث هذا الفصل يدخل ويناسب الفصل الذي في مجاز الإيمان والإسلام.

قوله: "أخرجه النسائي" هكذا في الجامع.

وقول المصنف: "وهو طرف من حديث طويل أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي" هذا ليس في الجامع زاده المصنف (3).

‌الفصل الثالث: في المجاز

أقول: هو اللفظ المستعمل في غير ما وضع له ولا بد له من علاقة وقرينة ومراده فيما [17/ أ] يستعمل فيه لفظ الإيمان مجازاً لا حقيقة، وهو أنه قد أتى إطلاق لفظ الإيمان على أحد أركانه من باب إطلاق اسم الكل على الجزء.

27/ 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الإِيْمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ" وفي رواية: "بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، وَالحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيْمَانِ". أخرجه الخمسة.

(1) تقدم برقم (15/ 2) من كتابنا هذا.

(2)

تقدم برقم (20/ 7) و (21/ 8) من كتابنا هذا.

(3)

أي: ابن الدبيع في كتابه: "تيسير الوصول إلى جامع الأصول" الذي شرحه ابن الأمير بهذا الكتاب "التحبير".

ص: 176

زاد في رواية: "فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق"(1)[صحيح].

قوله: "الإيمان بضع":

أقول: - بكسر أوله، وحكي الفتح - لغة لعدد مبهم مقيد بما بين الثلاث إلى التسع، وفيه أقوال، وأما بضعة اللحم بالفتح لا غير.

"وسبعون"[45/ ب] هذا لفظ السنن الثلاث (2) ورواية لمسلم بلفظ (3): "سبعين".

وقوله: "وفي رواية وستون" هي رواية البخاري (4) واعلم أن القاعدة في علوم الحديث أ، هـ إذا انفرد البخاري قدم على غيره، وهنا قدم ابن الأثير (5) رواية الثلاثة على رواية البخاري، وتبعه المصنف، وأنه كان على ابن الأثير سياق الأربع الروايات لأنه بصدد جمع متون الأصول الستة.

وبقي رواية ثالثة، وهي في مسلم (6) رواية بلفظ:"بضع وسبعون أو بضع وستون".

(1) البخاري رقم (9) ومسلم رقم (35) وأبو داود رقم (4676) والترمذي رقم (2614) والنسائي رقم (5004 - 5005).

وأسقط الترمذي من روايته: "الحياء شعبة من الإيمان".

وفي رواية بإثر الحديث (2614): "الإيمان أربعة وستون باباً".

وعند النسائي رقم (5006): "والحياء شعبة من الإيمان" مختصراً.

(2)

أبو داود رقم (4676) والترمذي رقم (2614) والنسائي رقم (5004 - 5005).

(3)

في "صحيحه" رقم (57، 58/ 35): بلفظ: "سبعون".

(4)

في "صحيحه" رقم (9).

(5)

في "جامع الأصول"(1/ 235 رقم 19).

(6)

في صحيحه رقم (58/ 35).

ص: 177

ورواية رابعة عند الترمذي بلفظ (1): "أربع وستون".

قيل: وهي لا تخالف رواية البخاري لأن غاية ما فيها تعيين البضع أنه أربع، وهو أحد ما يطلق عليه لفظ البضع إلا أنه قال الحافظ (2): أنها رواية معلولة، ثم اختلف العلماء في أي الروايات أرجح، فرجح البيهقي (3) رواية البخاري بأنه المتيقن وما عداه مشكوك، ومنهم من رجح رواية الأكثر أعني: بضع وسبعون، وقد ذكر ذلك النووي في شرح مسلم (4).

وقوله: "شعبة" - بضم الشين المعجمة - أي: قطعة، والمراد الخصلة أو الجزء، وفي لفظ للترمذي (5):"باباً" عوض "شعبة".

أقول: بالمد هو لغة: تغير وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يعاب به.

وفي الشرع: خلوص يبعث على اجتناب القبيح، ويمنع من التقصير في حق ذي الحق.

ولا يقال: رب حياء يمنع عن قول الحق، أو فعل الخير فإن [46/ ب] ذلك ليس حياءً شرعياً.

قال ابن الصلاح: ذلك ليس بحياء، بل عجز وخور ومهابة، وإنما أفرد الحياء بالذكر وخصه من الشعب؛ لأنه كالداعي إلى باقي الشعب إذ الحي يخاف فضيحة الدنيا والآخرة، فيتألم وينزجر.

(1) وهي في "سننه" بإثر الحديث رقم (2614).

(2)

في "فتح الباري"(1/ 52).

(3)

في "شعب الإيمان"(1/ 88) ط: مكتبة الرشد ناشرون.

(4)

في "شرح مسلم"(2/ 4) للنووي.

(5)

في "سننه" بإثر الحديث رقم (2614).

ص: 178

قال الشيخ ابن الصلاح. إن الكلام في تعيين هذه الشعب يطول، وقد صنفت في ذلك مصنفات، ومن أغزرها فوائد كتاب "المنهاج"(1) لأبي عبد الله الحليمي إمام الشافعيين ببخارى، وكان من رفعاء أئمة المسلمين وحذا حذوه الحافظ أبو بكر البيهقي في كتابه الجليل الحفيل بـ "شعب الإيمان"(2).

قوله: "وزاد" أي: أبو هريرة. "في رواية" مسلم بلفظ (3): "فأفضلها قول: لا إله إلا الله وأدناها إماطة" أي: إزالة ما يؤذي المسلمين في طرقهم من شوك وحجارة وقذر وعذرة، ومن ثمة نهى عن التخلي في الطرقات.

وأسقط الترمذي (4). قلت: وقد قال في روايته: حسن صحيح.

قال النووي (5): إن كمال الإيمان بالأعمال، وتمامه بالطاعات، وأن التزام هذه الطاعات وضم هذه الشعب من جملة التصديق والدلائل عليه، وأنها خلق أهل التصديق، فليست خارجة عن اسم الإيمان الشرعي ولا اللغوي، وقد نبه صلى الله عليه وسلم على أن أفضلها:[التوحيد](6) المتعين على كل أحد، والذي لا يصح شيء من الشعب إلا بعد صحته، وأدناها ما يتوقع

(1) طبع بـ (3) مجلدات ط: دار الفكر - بيروت.

(2)

طبع بتحقيق: محمد السعيد بن بسيوني زغلول، في دار الكتب العلمية، بـ (7) مجلدات + (2) فهارس، بعنوان:"شعب الإيمان"، وطبع بتحقيق الدكتور: عبد العلي عبد الحميد حامد في مكتبة الرشد ناشرون بـ (13) مجلد + (1) فهارس بعنوان: "الجامع لشعب الإيمان".

قلت: وكتاب: "شعب الإيمان" للإمام أبي محمد عبد الجليل بن موسى بن عبد الجليل القصري. ط: دار الحديث - القاهرة بـ (2) مجلد.

(3)

في "صحيحه" رقم (58/ 35).

(4)

في "سننه" رقم (2614).

(5)

في شرحه لـ "صحيح مسلم" رقم (2/ 4).

(6)

زيادة من شرح "صحيح مسلم" للنووي (2/ 4).

ص: 179

ضرره بالمسلمين من إماطة الأذى عن طريقهم، وبقي بين هذين [الطريقين](1) أعداد لو تكلف المجتهد تحصيلها بغلبة الظن وشدة التتبع لأمكنه، وقد فعل ذلك بعض من تقدم، وفي الحكم بأن ذلك مراد النبي صلى الله عليه وسلم[47/ ب] صعوبة، ثم إنه لا يلزم معرفة أعيانها، ولا يقدح جهل ذلك في الإيمان؛ إذ أصول الإيمان وفروعه معلومة محققة، والإيمان بأن هذا العدد واجب في الجملة. هذا كلام القاضي عياض (2).

قال ابن حبان (3): تتبعتُ معنى هذا الحديث مُدِّة وعددت الطاعات، فإذا هي تزيدُ على هذا العدد شيئاً كثيراً، فرجعتُ إلى السنن، فعددتُ كل طاعةٍ عدَّها رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإيمان، فإذا هي تنقص عن البضع والسبعين، فرجعتُ إلى كتاب الله فقرأته بالتدبر وعددت كُلَّ طاعةٍ عدَّها الله ونبيه صلى الله عليه وسلم سبع وسبعون شعبة لا تزيد عليها ولا تنقص، فعلمتُ أنّ مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن هذا العدد في الكتاب والسنن. انتهى.

قلت: وقد يقال: إنه صلى الله عليه وسلم لم يبين عددها ليحافظ المؤمن على كل خصلة خير ورد فيها الوعد [18/ أ] بالإثابة كما قيل في إخفاء ليلة القدر وساعة الجمعة، ويمكن أنه لم يرد العدد المتابعة بل المبالغة نحو:{إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} (4) ولا ينافيها ذكر البضع؛ لأنه في نفسه مجهول القدر، ويحتمل أن كل خصلة تحتها خلال من الخير، فإن مثل بر الوالدين فيه إنفاق المال لأجلهما وصلة أرحامهما وغير ذلك.

28/ 2 - وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيْهِ وَجَدَ بِهِنَّ طَعْمَ الإِيْمَانِ: مَنْ كَانَ الله وَرَسُولهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سُواهُمَا، وَمَنْ أَحَبَّ عَبْدَاً لَا يُحِبُّهُ إِلَا للهِ، وَمَنْ يَكْفُرهُ

(1) كذا في المخطوط، والصواب كما في شرح صحيح مسلم للنووي (2/ 4) الطرفين.

(2)

في "إكمال العلم بفوائد مسلم"(1/ 272).

(3)

في "صحيحه"(1/ 387).

(4)

المنافقون: (6).

ص: 180

أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللهُ تَعَالى مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ" أخرجه الخمسة إلا أبا داود (1)[صحيح].

وفي أخرى للنسائي (2) رحمه الله بعد قوله: "مما سواهما" وأن يحب في الله ويبغض في الله. [صحيح].

قوله: "ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان":

أقول: قال النووي (3): هذا حديث عظيم أصل من أصول الدين، ومعنى حلاوة الإيمان استلذاذه بالطاعات، وتحمل المشاق في رضى الله تعالى ورسوله، وإيثار ذلك على عرض الدنيا. انتهى.

"وثلاث" مبتدأ، وإن كانت نكرة لأن التنوين عوض [المضاف](4) إليه، أي: ثلاث خصال. والجملة خبر.

"وكن" من كان التامة [48/ ب] أي: وجدن.

"وحلاوة الإيمان" استعارة تخييلية شبه رغبة المؤمن في الإيمان بشيء حلو وأثبت له لازم ذلك الشيء، وأضاف إليه.

وقوله: "من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما" أول الثلاث، تفسير بعد الإبهام. قال بعضهم: المحبة مواطأة القلب على ما يرضاه الرب، فيحب ما أحب ويكره ما يكره.

(1) أخرجه البخاري رقم (16) ومسلم رقم (431) والترمذي رقم (2624) وقال: هذا حديث حسن صحيح، والنسائي رقم (4987، 4988)، وهو حديث صحيح.

(2)

في "سننه" رقم (4989)، وهو حديث صحيح.

(3)

في شرحه لـ "صحيح مسلم"(2/ 13).

(4)

في المخطوط (ب): المضافة.

ص: 181

وبالجملة أصل المحبة: الميل إلى ما نوى في المحب، ثم الميل قد يكون لما يستلذه الإنسان ويستحسنه كحسن الصورة والصوت [والطعم](1) ونحوها.

كمحبة الصالحين والعلماء، وأهل الفضل مطلقاً، وقد يكون لإحسانه إليه ودفع المضار والمكاره عنه، والعبد إذا تأمل أن المنعم بالذات هو الله تعالى، وأنه لا مانع ولا مانح سواه، وأن كل ما عداه وسائط يسخرهم له، وأن الرسول هو [الذي](2) يبين له مراد ربه اقتضى ذلك أن يتوجه بكليته نحوه، فلا يحب إلا ما يحبه ولا يحب من يحب إلا من أجله، ومن نظر في المعاني التي سردناها مما يستجلب المحبة وجدها كلها قد جمعها رسول الله من جمال الظاهر والباطن، وكمال خلال الكمال، وأنواع الفضائل وإحسانه إلى جميع العباد بهدايتهم الصراط المستقيم، ودوام النعيم والإنقاذ من الجحيم.

وقوله: "مما سواهما" لم يقل: "ممن" ليعم من يعقل ومن لا يعقل.

فإن قيل: قد نهى صلى الله عليه وسلم الخطيب عن تثنيته لضمير الله وضميره صلى الله عليه وسلم وجمعهما حيث قال: ومن يعصهما. قال: بئس الخطيب أنت! (3) وهنا جمعهما؟

أجيب: بأن ذلك لأن مقام الخطابة يقتضي [49/ ب] الإيضاح، وهنا المراد الإيجاز في اللفظ ليحفظ.

(1) سقط من المخطوط (ب).

(2)

في المخطوط (ب): يهدي.

(3)

وهو جزء من حديث عدي بن حاتم.

أخرجه أحمد (4/ 256) ومسلم رقم (48/ 870) وأبو داود رقم (1099) والنسائي رقم (3279)، وهو حديث صحيح.

ص: 182

وقيل: بل الجمع خاص به صلى الله عليه وسلم[لأن](1) غيره إذا جمع أوهم إطلاقه التسوية بخلافه صلى الله عليه وسلم فإن [منصبه](2) لا يتطرق إليه احتمال إيهام ذلك (3).

قوله: "ومن أحب عبداً لا يحبه إلا لله":

أقول: لفظ البخاري (4): "وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله" وهو لفظ مسلم (5) ولفظ الترمذي (6) أيضاً.

قال يحيى بن معاذ (7): حقيقة الحب في الله أن لا يزيده بالبر ولا ينقصه بالجفاء.

(1) في المخطوط (ب): لأنه.

(2)

كلمة غير مقروءة في المخطوط، وهي في "الفتح" (1/ 61): منصبه كما أثبتناه.

(3)

قال القاضي عياض في "إكمال العلم بفوائد مسلم"(3/ 275) وجماعة منا لعلماء: إن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أنكر على الخطيب تشريكه في الضمير المقتضي للتسوية، وأمره بالعطف تعظيماً لله تعالى بتقديم اسمه كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث:"لا يقل أحدكم: ما شاء الله وشاء فلان، ولكن ليقل: ما شاء الله ثم ما شاء فلان" أخرجه أحمد (5/ 384) وأبو داود رقم (4980) والنسائي في "عمل اليوم والليلة"(985) وغيرهم من حديث حذيفة، وهو حديث صحيح، ويرد على هذا ما قدمناه من جمعه صلى الله عليه وسلم بين ضمير الله وضميره.

ويمكن أن يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أنكر على ذلك الخطيب التشريك؛ لأنه فهم منه اعتقاد التسوية فنبهه على خلاف معتقده، وأمره بتقديم اسم الله على اسم رسوله ليعلم بذلك فساد ما اعتقده.

وانظر ما قاله الإمام الشافعي في "الأم"(2/ 415 - 416) والقرطبي في "المفهم"(2/ 510 - 512) حول هذا الموضوع فهو مفيد.

(4)

في "صحيحه" رقم (16).

(5)

في "صحيحه" رقم (67/ 43).

(6)

في "السنن" رقم (2624).

(7)

ذكره الحافظ في "الفتح"(1/ 62).

ص: 183

والمراد بالمرء: جنس المرء، والمراد به المؤمن فيكون حبه له لأجل إيمانه بالله فهو حب لله ولا يضره أن ينضاف إليه حبه لصداقة ورحامة وإحسان.

قوله: "ومن يكره أن يعود في الكفر" لفظ الشيخين: "براءة يكره أن يعود في الكفر" وقوله: "بعد أن أنقذه الله منه" ليس في البخاري (1) هذا، وهو لأحد رواته. قال الحافظ ابن حجر (2): والإنقاذ أعم من يكون بالعصمة منه ابتداءً بأن يولد على الإسلام ويستمر، أو بالإخراج من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان، فعلى الأول يحمل قوله: يعود على الصيرورة بخلاف الثاني، فإن العود فيه على ظاهره.

وزاد النسائي (3): "وأن يحب في الله ويبغض في الله".

أقول: وأتى بغيرها من الروايات، وقد تضمن قوله:"غيره" في الحديث الآخر: "وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله"[19/ أ] والبغض في الله هو: أن يبغض من يبغضه الله ممن عصاه، ونبذ طاعته وراءه، وقد حصر الإيمان في بعض الحديث على الحب في الله والبغض بلفظ: وهل الإيمان إلا الحب في الله والبغض] (4) في الله [50/ ب].

(1) قال ابن حجر في "الفتح"(1/ 62): زاد أبو نعيم في المستخرج من طريق الحسن بن سفيان عن محمد بن المثنى شيخ المصنف: "بعد أن أنقذه الله منه" وكذا هو في طريق أخرى للمصنف، والإنقاذ أعم من أن يكون بالعصمة منه ابتداء بأن يولد على الإسلام ويستمر، أو بالإخراج من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان كما وقع لكثير من الصحابة

اهـ.

(2)

في "الفتح"(1/ 62).

(3)

في "سننه" رقم (4987) وهو حديث صحيح.

(4)

سقط من المخطوط (ب).

ص: 184

29/ 3 - وعنه رضي الله عنه قَالَ: سمعتُ صلى الله عليه وسلم يقول: "لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ والدهِ، وولَدِه، والنَّاسِ أَجْمَعِينَ" أخرجه الشيخان (1) والنسائي (2).

وفي أخرى للنسائي (3) رحمه الله: "أَحَبَّ إِلَيْهِ مالِه وأهْلِه".

قوله: "وعنه": أي: عن أنس (4)، وترجمه البخاري بباب حب الرسول من الإيمان.

قوله: "لا يؤمن أحدكم": المراد بالنفي نفي الكمال، ونفي اسم الشيء، بمعنى: نفي الكمال عنه مستفيض في كلامهم كقولهم: فلان ليس بإنسان، هكذا يقولونه، ولكن حب رسول الله صلى الله عليه وسلم عمدة الإيمان، فلا بد منه في نفس الإيمان، فيحتمل إن أحببته على كل ما ذكر ليست شرطاً في الإيمان فيفهم أنها لنفي الكمال.

وقوله: "أحب إليه": هو أفعل بمعنى: المفعول، وقال النحاة: إنه خلاف القياس والفصل بينه وبين مفعوله بقوله: "إليه" جائز، إنما يمتنع بالأجنبي.

وقوله: "من والده" قُدِم للأكثرية، لأن كل ولد له والد من غير عكس، وهل تدخل الأم في لفظ الوالد؟ إن أريد به من له الولد فيتم، أو يقال: اكتفى بأحدهما كما يكتفى بأحد الضدين عن الآخر، والمراد الأعز به كأنه قال: من أعزته.

وقد ثبت رواية بتقديم الولد على الوالد ولها وجه صحيح. قال الخطابي (5): والمراد بالمحبة هنا حب الاختيار لا حب الطبع؛ لأن حب الإنسان نفسه طبع لا سبيل إلى قلبه،

(1) البخاري رقم (15) ومسلم رقم (44).

(2)

في "سننه" رقم (5013)، وهو حديث صحيح.

(3)

في "سننه" رقم (5014)، وهو حديث صحيح.

(4)

انظر ترجمة أنس بن مالك في "الاستيعاب"(ص 53/ 54 رقم 43).

(5)

ذكره الحافظ ابن حجر في "الفتح"(1/ 59).

ص: 185

فمعناه: لا تصدق في حبي يعني: في طاعتي نفسك، وتؤثر رضاي على هواك، وإن كان فيه هلاكك. انتهى.

وقوله: "والناس أجمعين" يشمل النفس، أي: نفس المحب، وقد وقع التنصيص على النفس في رواية أخرى.

قوله: وفي أخرى للنسائي: "أحب إليه من ماله وأهله".

أقول: هكذا في الجامع (1)، وهي بهذا اللفظ في "صحيح مسلم"(2) إنما قدم هنا [51/ ب] الأهل على المال.

قال القرطبي (3): كل من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم إيماناً صحيحاً لا يخلو عن وجدان شيء من تلك المحبة الراجحة غير أنهم متفاوتون: فمنهم من أخذ من تلك المرتبة بالحظ الأوفى، ومنهم من أخذ بالحظ الأدنى كمن كان مستغرقاً بالشهوات محجوباً في الغفلات في أكثر الأوقات، لكن الكثير منهم إذا ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتاق إلى رؤيته بحيث يؤثرها على أهله وماله وولده ووالده.

30/ 4 - وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ" أخرجه الخمسة إلا أبا داود (4)، وزاد النسائي في أخرى (5):"من الخير"[صحيح].

(1) في "جامع الأصول"(1/ 238).

(2)

رقم (69/ 44).

(3)

في "المفهم"(1/ 226 - 227).

(4)

أخرجه البخاري رقم (13) ومسلم رقم (71/ 45) والترمذي رقم (2515) والنسائي رقم (5016) وابن ماجه رقم (66) وأحمد (3/ 176، 272، 278).

(5)

النسائي في "سننه" رقم (5017)، وهو حديث صحيح.

ص: 186

قوله: "وعنه" أي: أنس، وهذا الحديث عقد له البخاري (1): باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، وترجم له النووي (2): بباب الدليل على أن من خصال الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه.

والمراد من نفي الإيمان نفي كماله؛ لأنه لو لم يحب لأخيه ذلك لم يخرج عن الملة، ويكون كالمرتد قطعاً، فكان هذا قرينة على أنه مجاز أطلق الإيمان على الكامل منه، ثم نفى الكمال.

قوله: "حتى يحبَ" بالنصب بحتى، وهي الجارة، وأنَّ بعدها مضمرة.

وقوله: "لأخيه" أي: في الإيمان، فإن أخوة الإيمان التي حكم الله بها بين أهله آكد من أخوة النسب، بل أخوة النسب إنما تعتبر مع ثبوت الإيمان، وإلا فإنه لا يجوز له حُبُّ قريبه الكافر ولا توارث بينهما:{فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ (101)} (3).

وفي صحيح مسلم بلفظ (4): "لأخيه أو لجاره" على الشك.

وقوله: "ما يحب لنفسه" أي: من الخير كما صرحت به رواية النسائي (5) وهي في رواية الإسماعيلي وابن مندة (6).

(1) في "الفتح"(1/ 56) رقم الباب (7) مع الفتح.

(2)

في شرحه لـ "صحيح مسلم" للنووي (2/ 16).

(3)

المؤمنون: (101).

(4)

رقم (71/ 45).

(5)

في "سننه" رقم (5017).

(6)

ذكره الحافظ في "الفتح"(1/ 57).

ص: 187

والخير كلمة جامعة تعم الطاعات والمباحات الدنيوية والأخروية، وتخرج المنهيات لأن اسم الخير [52/ ب] لا يتناولها، والمحبة [إرادة](1) ما يعتقده خيراً. وتقدم البحث في المحبة وأسبابها.

قالوا: والمراد أن يحب لأخيه أن يحصل لأخيه ما حصل له لامع سلبه عنه ولامع بقائه بعينه له إذ مقام الجوهر أو العرض بمحلين محال، هذا وقال الكرماني (2): ومن الإيمان أن يبغض لأخيه من يبغضه لنفسه من الشر، ولم يذكره لأن حب الشيء مستلزم لبغض نقيضه، فترك التنصيص عليه اكتفاء.

واعلم: أنه جعل الفقهاء حقيقة الموالاة أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، واستصعب هذا التكليف، ومن حقق لم يجد منه صعوبة أصلاً، لأن غايته أن يريد ويحب لأخيه في الإيمان ما يحبه لنفسه [20/ أ].

وهذه إرادة قلبية ليس فيها فوات أمر بل فيها كمال إيمانه ولا تنقصه إرادته بغيره من ماله ولا حاله.

31/ 5 - وعَنْ أَبي أُمَامَةَ رضي الله عنه أن رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ أَحَبَّ لله، وَأَبْغَضَ لله، وَأَعْطَى لله، وَمَنَعَ لله فَقَدِ اسْتكمَلَ الإِيمَانَ" أخرجه أبو داود (3)[حسن].

(1) في المخطوط (ب) مكررة.

(2)

في شرحه لـ "صحيح البخاري"(1/ 93).

(3)

في "سننه" رقم (4681).

قلت: وأخرجه أحمد في "المسند"(438، 440)، وهو حديث حسن.

ص: 188

قوله: "وعن أبي أمامة".

أقول: هو الباهلي. اسمه: صُدَيً (1) - بمهملتين مصغراً - ابن عَجْلان سكن مصر، ثم انتقل منها فسكن حمص ومات بها، وكان من المكثرين في الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر حديثه عند الشاميين، توفي سنة إحدى وثمانين، أو ست وثمانين، وهو آخر من مات من الصحابة بالشام.

قوله: "من أحب لله

" الحديث. أي: لوجهه وابتغاء مرضاته أيُّ محبوبٍ كان من عمل أو ترك أو شخص أو قول أو أيُّ محبوب قصد بحبه وجه الله؛ لأجل أنه تعالى يحبه ويريده ويرضاه. ومثله البغض يبغض لأجل أنه تعالى يكره ذلك وينهى عنه ويأمر بالبعد عنه، وهو أيضاً عام، ومثله الإعطاء والمنع، فالحديث شامل لاعتقادات كلها وشامل للأفعال كلها من عطاء ومنع، ومن لاحظ في ذلك [53/ ب] وجه الله فقد بلغ غاية الإيمان به والانقياد لمراده، فلذا قال: فقد استكمل الإيمان.

32/ 6 - وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهمْ" أخرجه الترمذي (2) والنسائي (3)[صحيح].

قوله: "وعن أبي هريرة" عقد البخاري (4) له باب: أيُّ الإسلام أفضل.

(1)"الاستيعاب" لابن عبد البر (ص 348 رقم 1227).

(2)

في "سننه" رقم (2672).

(3)

في "سننه" رقم (4995)، وهو حديث صحيح.

(4)

في "صحيحه"(1/ 54) رقم الباب (5).

ص: 189

وذكر فيه حديث أبي موسى (1) أنهم قالوا: يا رسول الله! أي الإسلام أفضل؟ قال: "من سلم المسلمون من لسانه ويده".

أقول: من أقواله الضارة في الدنيا والآخرة، فإن اللسان بيت كل شهر:"وهل يكب الناس على وجوههم في النار إلا حصائد ألسنتهم"(2) وعبر باللسان ليدخل فيه من مدها لسخرية واستهزاء بالعباد.

والسلامة من اليد تعم سلامته عن الضرب بها أو أخذ المال، أو كتب ما يضر المسلمين، فيدخل كَتْبُ كُتُبْ الضلالة من كُتُب الزنادقة والفلاسفة والباطنية، وكُتب الاستهزاء والسخرية، وكتب السحر.

وعلى الجملة كل بدعة تضر العباد، ويدخل فيه كُتَّاب المكوس والمجابي ونحوها مما لا يسلم من ضره المسلمون.

ويشمل الأحياء والأموات، فإنهم مسلمون، فالهاتك لأعراض الأموات لم يسلموا من لسانه، بل ويشمل الملائكة حفظته وغيرهم إذا أذاهم بارتكاب المعاصي، بل المباحات فإنه نهى صلى الله عليه وسلم عن دخول المسجد لمن أكل الكراث وقال:"إن الملائكة [تتأذى] (3) مما يتأذى منه بنو آدم".

وعلى الجملة فهذا الحديث من جوامع الكلم، وفي الحديث جناس الاشتقاق والمراد به كامل الإسلام كما أنه المراد من قوله:"والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم" أو على أحدهما، وعلى أسرارهم، وغير ذلك، فهذا الذي استحق اسم المؤمن من الناس، والمراد من

(1) أخرجه البخاري رقم (11) ومسلم رقم (42).

(2)

أخرجه الترمذي رقم (2616) وابن ماجه رقم (3973) من حديث معاذ بن جبل، وهو حديث صحيح.

(3)

زيادة يقتضيها السياق.

ص: 190

عُرف بالأمانة وشُهر بها حتى أمنه الناس على ما ذكرناه، وأمنوه [على](1) أديانهم من عالم بفتواه ومعلم بهدايته طريق الهدى، ويدخل تحته [54/ ب] ما لا يتسع له هذا التحبير.

وعبر في الأول بالمسلمين ليوافق حسن الاشتقاق، وإلا فالمراد الناس كما صرح في قسيمة بدخول من له ذمة وعهد.

قوله: أخرجه الترمذي (2) والنسائي (3).

قلت: وقال الترمذي: حديث أبي هريرة حسن صحيح.

33/ 7 - وعَنْ عبد الله بْنِ عَمْرٍو بن العاصِ رضي الله عنهما قَالَ: قالَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم: "الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى الله عَنْهُ" أخرجه الخمسة إلا الترمذي (4)، وهذا لفظ البخاري (5)[صحيح].

• وفي أخرى للشيخين (6) والنسائي (7): أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يا رسولَ الله! أَيُّ الإِسْلَامِ خَيْرٌ؟ قَالَ: "تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلَامَ، عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ"[صحيح].

قوله: عن عبد الله بن عمرو.

(1) في المخطوط (ب) مكررة.

(2)

في "سننه" رقم (2627)، وقد تقدم.

(3)

في "سننه"(4995)، وقد تقدم.

(4)

أخرجه البخاري رقم (10) ومسلم رقم (64/ 40) وأبو داود رقم (2481) والنسائي رقم (4996)، وهو حديث صحيح.

(5)

رقم (10).

(6)

البخاري رقم (12)، (28) ومسلم رقم (63/ 39).

(7)

في "سننه" رقم (5000)، وهو حديث صحيح.

ص: 191

أقول: هو من بني هُصَيص بن كعب بن لؤي القرشيّ. قال ابن معين: كنيته أبو عبد الرحمن.

قال ابن عبد البر (1): والأشهر أبو محمَّد كان أبوه أسنَّ منه باثنتي عشرة سنة. أسلم قبل أبيه، وكان حافظاً فاضلاً عالماً قرأ:[الكتب](2) واستأذن النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتب حديثه (3) فأذن له. قال: يا رسول الله! أكتب كما أسمع منك في الرضى والغضب؟ قال: "نعم فإني لا أقول إلا حقاً"(4).

قلت: ويأتي في الاقتصاد بيان ما كان عليه من العبادة.

(1) في "الاستيعاب"(ص 421 - 422) رقم (1440).

(2)

في "الاستيعاب" الكتاب.

(3)

يشير المؤلف إلى الحديث الذي أخرجه أحمد (2/ 192، 162) وأبو داود رقم (3646) والحاكم (1/ 105 - 106) وقال عقبه: رواة هذا الحديث قد احتجا بهم عن آخرهم غير الوليد هذا، وأظنه: الوليد ابن أبي الوليد الشامي، فإنه الوليد بن عبد الله، وقد غلبت على أبيه الكنية، فإن كان كذلك فقد احتج به مسلم، ووافقه الذهبي.

وتعقبهما الألباني في "الصحيحة"(4/ 46) بقوله: "كذا قال" وإنما هو الوليد بن عبد الله بن أبي مغيث مولى بني الدار، حجازي، وهو ثقة كما قال ابن معين وابن حبان.

والخلاصة: أن الحديث صحيح، وقد صححه الألباني في "صحيح الجامع" رقم (1196).

(4)

ولفظ الحديث: قال: "كنت أكتبُ كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريدُ حفظهُ فنهَتني قريشٌ، فقالوا: إنك تكتبُ كل شيء تسمعهُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشرٌ، يتكلم في الغضب والرضا، فأمسكتُ عن الكتاب، فذكرتُ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "اكتبْ والذي نفسي بيده! ما خرجَ مني إلا حقٌ".

ص: 192

قال ابن عبد البر (1): واعتذر عن شهوده صفين، وأقسم أنه لم يَرْم فيها برمح ولا سهم، وإنما شهدها لعزيمة أبيه عليه في ذلك، وقد قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أطع أباك"(2)، وساق بسنده إلى أبي مليكة عن عبد الله بن عمرو أنه كان يقول:"مالي ولصفين مالٍ ولقتال المسلمين! والله لوددت أني متُّ قبل هذا بعشر سنين - ثم يقول -: أما والله ما ضربتُ فيها بسيف لا طعنتُ فيها برمح، ولا رميت بسهم، ولوددت أني لم أحضر شيئاً منها، واستغفر الله من ذلك وأتوب إليه". وأسنده من وجه آخر.

واختلف في وفاته قال ابن حنبل: مات ليالي الحرَّة [21/ أ] في ولاية يزيد، وكان الحرَّة يوم الأربعاء لليلتين [55/ ب] بقيتا من ذي الحجة سنة (63) وفيه أقوال غير هذا، ثم في محل وفاته قيل: بالطائف، وقيل: بمصر، وقيل: بمكة، وقيل: بأرضه من فلسطين.

قوله: "والمهاجر من هجر [ما] (3) نهى الله عنه" قال الحافظ في "الفتح"(4): هذه الهجرة ضربان: باطنة، وظاهرة، فالباطنة ترك ما تدعو إليه النفس الأمارة بالسوء والشيطان، والظاهرة الفرار بالدين من الفتن.

قوله: "الخمسة إلا الترمذي".

أقول: بل وإلا مسلماً فإنه لم يخرجه (5). قال الحافظ في "الفتح"(6) بعد سرده وشرحه: هذا الحديث من أفراد البخاري عن مسلم. انتهى.

(1) في "الاستيعاب"(ص 422).

(2)

أخرجه أحمد في المسند (2/ 164) من حديث عبد الله بن عمر، وسنده حسن.

(3)

في المخطوط (ب): "من".

(4)

في "فتح الباري"(1/ 54).

(5)

قلت: بل اقتصر على شطره الأول.

(6)

في "فتح الباري"(1/ 54).

ص: 193

وقد سبق للمصنف أنه إذا قال: الخمسة فهم من عدا مالكاً، فاستثنى من الخمسة الترمذي فبقي مسلم داخلاً في الأربعة، فكان عليه أن يستثنيه مع الترمذي.

وأما ابن الأثير (1) فإنه قال - بعد سرده رواية البخاري التي ذكرها المصنف -: وأخرجه مسلم فقال: إن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم أي المسلمين خير؟ قال: "من سلم المسلمون من لسانه ويده" انتهى.

ونعم. أخرج مسلم هذا من حديث عبد الله من طريق آخر، والحاصل أنه لا يصح ضم مسلم إلى من أخرج لفظ البخاري كما فعل المصنف، وإن أتى بلفظ مسلم ابن الأثير.

قوله: "هذا لفظ البخاري".

زاد ابن الأثير (2): وأبي داود (3) والنسائي (4) إلا أن النسائي قال: "من هجر ما حرم الله".

قوله: "أي الإسلام خير" أي: خصاله. عقد له البخاري (5) ترجمة بقوله: باب إطعامُ الطعامِ من الإيمان.

وقوله: "يطعم الطعام" هو في تقدير [المصدر](6)[أي](7): [أَنْ](8) يطعم من باب [56/ ب] تسمع بالمعيدي، وهو من هجر جانب اللفظ إلى جانب المعنى.

(1) في "جامع الأصول"(1/ 241).

(2)

في "جامع الأصول"(1/ 241).

(3)

في "سننه" رقم (2481)، وقد تقدم.

(4)

في "سننه" رقم (4996)، وقد تقدم.

(5)

في "صحيحه"(1/ 55) رقم الباب 6 - مع الفتح) وفيه: باب إطعام الطعام من الإسلام.

(6)

في المخطوط: "المصور" وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه:"المصدر".

(7)

في المخطوط (ب) مكررة.

(8)

سقط من المخطوط: (ب).

ص: 194

وقوله: "وتقرأ" بلفظ مضارع القراءة بمعنى: يقول.

وقوله: "من عرف ومن لم يعرف" أي: لا تخص به أحداً تكبراً وتصنعاً، بل تعظيماً لشعار الإسلام، ومراعاة لأخوة المسلم.

فإن قيل: اللفظ عام فيدخل الكافر والفاسق؟

أجيب: بأنه مخصوص بأدلة أخرى.

34/ 8 - عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِي رضي الله عنه قال: قال رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَعْتَادُ الْمَسَاجِدَ فَاشْهَدُوا لَهُ بِالإِيمَانِ، فَإِنَّ الله تَعَالَى يَقُوْلُ:{إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} (1) الآيَةَ. أخرجه الترمذي (2)[ضعيف].

قوله: "إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان".

أقول: أي: معتادة لأداء الطاعات والعبادات، وفي البخاري (3) أن أحد السبعة الذين يظلهم الله في ظله:"رجل قلبه معلق بالمساجد كما خرج منها عاد إليها".

والاستدلال بالآية دال على أنه بالعمارة التعبد والطاعة، ويحتمل حمل يعتادها بذلك، وبالتنظيف والتطييب، فيشمل الأمرين كما في بعض كتب التفسير.

(1) سورة التوبة: (18).

(2)

في "سننه" رقم (2617) و (3093) وقال: هذا حديث حسن غريب.

قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (802)، وهو حديث ضعيف.

وانظر مزيد كلام عليه في تحقيقي للترغيب والترهيب للمنذري. الترغيب في لزوم المساجد.

(3)

في "صحيحه" رقم (660) و (1423) و (6479) و (6809). قلت: وأخرجه مسلم رقم (91/ 1031) والترمذي رقم (2391) والنسائي رقم (5380) ومالك في "الموطأ"(2/ 952 - 953)، وهو حديث صحيح.

ص: 195

قوله: "أخرجه الترمذي".

أقول: أخرجه في تفسير سورة براءة، ورواه بلفظ (1):(يتعاهد)، وبلفظ (2):(يعتاد) وقال: "فاشهدوا له بالإيمان" قال الله: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} (3) فقط، ثم قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.

35/ 9 - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ثَلَاثَةٌ مِنْ أَصْلِ الإِيَمانِ: الْكَفُّ عَمَّنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَاّ الله، وَلَا تُكَفِّرْهُ بِذَنْبٍ، وَلَا تُخْرِجْهُ عَنِ الإِسْلَامِ بِعَمَلٍ، وَالْجِهَادُ مَاضٍ مُنْذُ بَعَثَنِيَ الله إِلَى أَنْ يُقَاتِلَ آخِرُ أُمَّتِي الدَّجَّالَ، لَا يُبْطِلُهُ جَوْرُ جَائِرٍ، وَلَا عَدْلُ عَادِلٍ وَالإِيمَانُ بِالأَقْدَارِ" أخرجه أبو داود (4). [ضعيف].

قوله: "ثلاثة من أصل الإيمان: الكف عمن قال: لا إله إلا الله".

أقول: أي: كف اللسان عن ذمه كما أشار إليه، ولا يكفره بذنب ولا يخرجه عن الإسلام. (الواو) في:"ولا يكفره" في رواية أبي داود: "بعمل" فإنه مع قوله لكلمة التوحيد قد حقن دمه وماله وعرضه، وصار من جملة المسلمين.

وفيه رد على الخوارج المكفرين بالذنوب، وهذا [57/ ب] الأصل متفق عليه، وهو مخصص بمن قالها ولم يأت بحقها من لوازمها من بقية أركان الإسلام.

(1) أي: الترمذي برقم (2617)، وهو حديث ضعيف.

(2)

وأخرجه الترمذي برقم (3093)، وهو حديث ضعيف.

(3)

التوبة: (18).

(4)

في "سننه" رقم (2532) وفي سنده يزيد بن أبي نشْبة الراوي عن أنس بن مالك، وهو مجهول كما في "التقريب" رقم الترجمة (7785)، والخلاصة: أن الحديث ضعيف.

ص: 196

والأصل الثاني: مضي الجهاد لتكون كلمة الله هي العليا، فإنه واجب وفرض كفاية ما بقيت دار الدنيا، سواءً كان القتال لذلك مع خليفة جائر أو عادل. وهو رد على من زعم أنه لا جهاد إلا مع إمام حق عادل.

والأصل الثالث: قوله: "والإيمان بالأقدار" تقدم فيه الكلام.

"أخرجه أبو داود". قلت: أخرجه في باب الغزو مع أئمة الجور.

36/ 10 - وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَن نَاسَاً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَأَلُوهُ: إِنَّا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ. قَالَ: "وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ". قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: "ذَاكَ صَرِيحُ الإِيمَانِ". أخرجه مسلم (1)، وأبو داود (2). [صحيح].

• وفي أخرى (3): الحمدُ للهِ الذي ردَّ كَيدَه إلى الوسوَسة" [صحيح].

• ولمسلم (4) رحمه الله عن ابن مسْعُود رضي الله عنه قالوا: يا رسول الله! إنَّ أَحَدَنا ليَجدُ في نفسه ما لأنْ يَحترِق حتى يصيرَ حَمَمَة أو يَخرَّ من السماء إلى الأرض أحبُّ إليه منْ أن يتكلم به، قال: ذلك محضُ الإيمان.

ومعنى: "المحض" الخالصُ.

(1) في "صحيحه" رقم (132).

(2)

في "سننه" رقم (5111).

(3)

هذه الرواية أخرجها أحمد (رقم 2097 - شاكر) وأبو داود رقم (5112) من حديث ابن عباس، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إن أحدنا يجد في نفسه يعرض بالشيء لأن يكون حممة أحب إليه من أن يتكلم به فقال: "الله أكبر الله أكبر، الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة"، وهو حديث صحيح.

(4)

هذه الرواية لم يخرجها مسلم، ولعله من المستخرجات على مسلم.

بل أخرج مسلم رقم (133) من حديث عبد الله بن مسعود، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوسوسة؟ فقال: تلك محض الإيمان".

ص: 197

قوله: "وعن أبي هريرة أن أناساً".

أقول: عقد له النووي ترجمة في شرح مسلم (1) بلفظ: باب: بيان الوسوسة في الإيمان وما يقوله من وجدها.

قوله: "ذلك صريح الإيمان"[22/ أ] يريد أن استعظامكم الكلام به هو صريح الإيمان، فإن استعظام هذا وشدة الخوف منه من التكلم به فضلاً عن اعتقاده، إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالاً محققاً، وانتفت عنه الشبهة والشكوك.

قوله: "الذي رد كيده إلى الوسوسة" معناه: أن الشيطان إنما يوسوس لمن أيس من إغوائه، فيكيد عليه بالوسوسة لعجزه عن إغوائه، وأما الكافر فإنه يأتيه من حيث شاء، ولا يقتصر في حقه على الوسوسة، بل يتلاعب به كيف أراد.

قلت: وزاد مسلم (2) أنه قال صلى الله عليه وسلم: "فمن وجد ذلك فليقل: آمنت بالله"، وفي لفظ فيه (3):"فليستعذ بالله ولينته". فمراده بالأمر الأمر بالإعراض عن هذا الخاطر الباطل، والالتجاء إلى الله في إذهابه [58] قال المازري (4): أمرهم أن يدفعوا الخواطر بالإعراض عنها والرد لها من غير استدلال، ولا نظر في إبطالها. قال: والذي يقال في هذا المعنى: أن الخواطر على قسمين: فأما التي ليست بمستقرة ولا اجتلبتها شبهة طرأت، فهي تدفع بالإعراض عنها، وعلى هذا يحمل الحديث، وعلى حملها يطلق اسم الوسوسة.

فأما الخواطر المستقرة التي أوجبتها الشبهة، فإنها لا تدفع إلا باستدلال ونظر. انتهى.

قوله: "حممة" الحُممة: بالضم للمهملة الفحمة جمعها حمم.

(1)(2/ 153).

(2)

في "صحيحه" رقم (212/ 134).

(3)

لمسلم رقم (214/ 134).

(4)

في: "المعلم بفوائد مسلم"(1/ 210)، وذكره النووي في شرحه على "صحيح مسلم"(2/ 155).

ص: 198