المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثاني: في حقيقتهما - التحبير لإيضاح معاني التيسير - جـ ١

[الصنعاني]

فهرس الكتاب

- ‌أولاً: مقدمة المحقق

- ‌ثانياً: ترجمة المؤلف محمد بن إسماعيل الأمير

- ‌1 - اسمه ونسبه:

- ‌2 - مولده:

- ‌3 - نشأته:

- ‌4 - مشايخه:

- ‌5 - تلامذته:

- ‌6 - ورعه وزهده:

- ‌7 - وفاته:

- ‌8 - ثناء العلماء عليه:

- ‌9 - عقيدة محمد بن إسماعيل الأمير:

- ‌1 - قوله بعد ذكر اسم علي رضي الله عنه (عليه السلام

- ‌2 - ما نسب إليه من سبه الصحابة:

- ‌3 - ما ورد في كتابه "الروضة الندية شرح التحفة العلوية

- ‌10 - مؤلفاته:

- ‌فائدة (1):

- ‌فائدة (2):

- ‌ثالثاً: ترجمة مؤلف "تيسير الوصول إلى جامع الأصول

- ‌1 - اسمه:

- ‌2 - مولده:

- ‌3 - نشأته:

- ‌3 - شيوخه:

- ‌4 - تلاميذه:

- ‌6 - ثناء العلماء عليه:

- ‌7 - مؤلفاته:

- ‌8 - وفاته:

- ‌رابعاً: وصف المخطوط (أ):

- ‌خامساً: وصف المخطوط (ب):

- ‌سادساً: وصف المخطوط (ج

- ‌سابعاً: منهجي في تحقيق الكتاب، وتخريج أحاديثه، والتعليق عليه:

- ‌مقدمة ابن الديبع

- ‌باب في ذكر مناقب الستة الأئمة وأحوالهم

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌[(مناقب الأئمة الستة)]

- ‌حرف الهمزة

- ‌الكتاب الأول: (في الإيمان والإسلام)

- ‌الباب الأول: (فى تعريفهما حقيقة ومجازاً، وفيه ثلاث فصول)

- ‌الفصل الأول: في فضلهما

- ‌الفصل الثاني: في حقيقتهما

- ‌الفصل الثالث: في المجاز

- ‌الباب الثاني: (في أحكام الإيمان والإسلام)

- ‌الفصل الأول: في حكم الإقرار بالشهادتين

- ‌الفصل الثالث: في أحكام متفرقة

- ‌الباب الثالث: (في أحاديث متفرقة تتعلق بالإيمان والإسلام)

- ‌الباب الأول: (في الاستمساك بهما)

- ‌الباب الثاني: (في الاقتصاد في الأعمال)

- ‌كتاب الإيلاء: هو الكتاب السابع

- ‌كتاب: الأسماء والكنى وهو الكتاب الثامن

- ‌الفصل الأول: في المحبوب منها والمكروه

- ‌الفصل الثاني من الخمسة الفصول: في كتاب الأسماء

- ‌ الأول:

- ‌ الثاني:

- ‌ الثالث:

- ‌الرابع:

- ‌الخامس:

- ‌الفصل الثالث: فيمن غيَّر النبي صلى الله عليه وسلم اسمه

- ‌الأول:

- ‌ الثاني:

- ‌الثالث:

- ‌الرابع:

- ‌الخامس:

- ‌السابع:

- ‌الفصل الرابع من كتاب الأسماء والكنى: في التسمي باسم النبي صلى الله عليه وسلم وكنيته

- ‌الأول:

- ‌ الثاني

- ‌الثالث:

- ‌الرابع:

- ‌الفصل الخامس: من كتاب الأسماء

- ‌الأول:

- ‌الثاني:

- ‌الرابع:

- ‌كتاب: الآنية

- ‌الثاني:

- ‌الثالث:

- ‌الرابع:

- ‌الخامس:

- ‌كتاب: الأجل والأمل

- ‌الثالث: عن ابن عمر

- ‌[الرابع: "عن بريدة

- ‌[الخامس: عن أبي هريرة]

- ‌حرف الباء

- ‌ الأول

- ‌الباب الأول: (في بر الوالدين)

- ‌الثاني:

- ‌الثالث:

- ‌الرابع:

- ‌الخامس:

- ‌الباب الثاني: في بر الأولاد والأقارب

- ‌الباب الثالث: (في برّ اليتيم)

- ‌الباب الرابع: (في إماطة الأذى عن الطريق)

- ‌الباب الخامس: (في أعمال من البر متفرقة)

- ‌الباب الأول: في آدابه

- ‌الفصل الأول: في الصدق والأمانة

- ‌الفصل الثاني: في التساهل والتسامح في البيع والإقالة

- ‌الأول:

- ‌[الثاني]

- ‌[الثالث]

- ‌[الرابع]

- ‌[الخامس]

- ‌[السادس]

- ‌الفصل الثالث: الكيل والوزن وغيرهما

- ‌الأول:

- ‌ الثاني

- ‌الثالث:

- ‌الرابع:

- ‌الخامس:

- ‌الفصل الرابع: في أحاديث متفرقة

- ‌الأول:

- ‌الثاني:

- ‌الثالث:

- ‌الباب الثاني: (فيما لا يجوز بيعه)

- ‌الفصل الأول: في النجاسات

- ‌ الأول:

- ‌الثاني:

- ‌الرابع:

- ‌الخامس:

- ‌الفصل الثاني: في بيع ما لم يُقْبَضْ

- ‌الأول:

- ‌ الثاني

- ‌الثالث:

- ‌الرابع:

- ‌الخامس:

- ‌الفصل الثالث: في بيع الثمار والزروع

- ‌الفصل الرابع: في أشياء متفرقة لا يجوز بيعها [أمهات الأولاد

- ‌الفصل‌‌ الأول:في الخداع

- ‌ الأول:

- ‌الثاني:

- ‌الثالث:

- ‌الرابع:

- ‌[الفصل الثاني: في التصرية

- ‌الفصل الثالث: في النَجْش

- ‌الفصل الخامس: الأول: في الملامسة والمنابذة

- ‌الفصل السادس: في بيع الغرر وغيره

- ‌الأول:

- ‌الثاني):

- ‌الثالث:

- ‌الرابع:

- ‌الخامس:

- ‌الباب الرابع: في الربا

- ‌الفصل الأول: في ذمه

- ‌الفصل الثاني: في أحكامه

- ‌(الأول):

- ‌الثاني:

- ‌فرع: في الحيوان وغيره

- ‌الباب الخامس: في الخيار

- ‌الباب السادس: في الشفعة

- ‌الأول:

- ‌الثاني:

- ‌الثالث:

- ‌الرابع:

- ‌الخامس:

- ‌السادس:

- ‌السابع:

- ‌الثامن:

- ‌الباب الثامن: في الاحتكار والتسعير

- ‌الأول:

- ‌الثاني:

- ‌الرابع:

- ‌الباب التاسع: في الرد بالعيب

- ‌الباب العاشر: في بيع الشجر والثمر، ومال العبد والجوائح

- ‌كتاب: البخل وذم المال

- ‌(كتاب: البنيان)

- ‌حرف التاء

- ‌كتاب: التفسير

- ‌الباب الأول: في حكمه

- ‌الفصل الأول: في التحذير منه

الفصل: ‌الفصل الثاني: في حقيقتهما

‌الفصل الثاني: في حقيقتهما

14/ 1 - عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنهما، وَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَلا تَغْزُو؟ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّ الإِسْلَامَ بُنِيَ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهِ، وَأَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيْتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ الْبَيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَان" أخرجه الخمسة إلا أبا داود (1)[صحيح].

15/ 2 - وعن يحيى بن يعمر قال: كان أول من قال في القدر (2) بالبصرة معبد الجهني، فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميري حاجين أو معتمرين. فقلنا: لو لقينا أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألناه عما يقول هؤلاء في القدر، فوفق لنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما داخلاً المسجدَ فاكتنفته أنا وصاحبي: أحدُنا عن يمينه والآخر عن يساره، فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إليّ. فقلتُ: يا أبا عبد الرحمن! إنه ظهَرَ قبلنا أناسٌ يقرءون القرآن ويتقفرون العلم، وذكر من شأنهم، وأنهم يزعمون أن لا قَدَرَ، وأن الأمر أنف فقال: إذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم، وأنهم براء مني، والذي يحلف به عبد الله بن عمر! لو أن لأحدهم مثل أحدٍ ذهباً فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر.

ثم قال: حدثني أبي عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر [30/ ب] لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه. وقال: يا محمد! أخبرني عن الإسلام. فقال: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن

(1) أخرجه البخاري رقم (8) ومسلم رقم (16) والترمذي رقم (2609) والنسائي رقم (5001) وهو حديث صحيح.

(2)

أي: أول من قال بنفي القدر، فابتدع وجانب الصواب من مذهب أهل السنة في إثبات القدر.

ص: 151

محمداً عبده ورسوله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً. قال: صدقت. فعجبنا له يسأله ويصدقه. قال: فأخبرني عن الإيمان. قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره. قال: صدقت. قال: فأخبرني عن الإحسان، قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك. قال: فأخبرني عن الساعة. قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل. قال: فأخبرني عن إمارتها؟ قال: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة "وليس عند مسلم العالة" رعاء الشاء يتطاولون في البنيان. قال: ثم انطلق فلبثت ملياً" هذا لفظ مسلم، وعندهم: "فلبثت ثلاثاً ثم قال: يا عمر! أتدري من السائل؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: فإنه جبريل عليه السلام أتاكم يعلمكم دينكم" أخرجه الخمسة إلا البخاري (1)، وزاد أبو داود (2) في أخرى بعد صوم رمضان: "والاغتسال من الجنابة".

وله في أخرى (3): وسأله رجلٌ من مزينة أو جُهينة فقال: يا رسول الله! فيم نعملُ في شيء خلا ومضى؟ فقال الرجلُ: أو بعض القوم: ففيم العمل؟ قال: إن أهل الجنة ييسرون لعمل أهل الجنة، وإن أهل النار ييسرون لعمل النار".

وأخرج البخاري (4) رحمه الله نحوه عن أبي هريرة وهي رواية لهم إلا الترمذي (5) رحمه الله، وفيه أن تعبد الله لا تشرك به شيئاً مكان أن تشهد

(1) أخرجه مسلم رقم (8) وأبو داود رقم (4695) والترمذي رقم (2610) والنسائي رقم (4990) وابن ماجه رقم (63)، وهو حديث صحيح.

(2)

في "سننه" رقم (4697) وصححه المحدث الألباني مع العلم أن قوله: "والاغتسال من الجنابة" تفرد به علقمة بن مرثد، وهو ثقة، لكن تفرده بهذه الزيادة في هذا الحديث يعتبر شذوذاً عند البعض.

(3)

أي: لأبي داود رقم (4696) وهو حديث صحيح.

(4)

في صحيحه رقم (50).

(5)

مسلم رقم (9، 10) وأبو داود رقم (4698) والنسائي رقم (4991).

ص: 152

وفيه: فإذا كان الحفاة العراة رءوس الناس.

وزاد في خمس لا يعلمها إلا الله تعالى وتلا: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} الآية.

وفي أخرى بعد العُراة: الصم البكم ملوك الأرض

وعند النسائي (1) رحمه الله قال: لا والذي بعثت محمداً بالحق هادياً وبشيراً ما كنت بأعلم به من رجل منكم، وإنه لجبريل عليه السلام نزل في صورة دحية الكلبي.

ومعنى: "يتقفرون" يتتبعون، وقوله:"أنف" بضم الهمزة والنون: أي: محدث لم يسبق علم الله تعالى به. وكذب أعداء الله تعالى، بل علم الله تعالى سابقٌ للمعلومات كلها.

16/ 3 - وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "بينا نحن جلوس مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد إذ دخل رجل على جمل فأناخه في المسجد، ثم عقله. ثم قال: أيكم محمدٌ؟ قلنا: هذا الرجل الأبيض المتكئ"(2)[صحيح].

وللنسائي (3) من رواية أبي هريرة: هذا الأمغر المرتفق قال حمزة: "الأمغر: الأبيض المشرب بحمرة فقال: ابن عبد المطلب، فقال [31/ ب] النبي صلى الله عليه وسلم: "قد أجبتك. فقال: إني سائلك فمشدد عليك في المسألة فلا تجد علي في نفسك. قال: "سل عما بدا لك" فقال: أسألك بربك ورب من قبلك: الله أرسلك إلى الناس كلهم؟ قال: "اللهم! نعم" قال: أنشدك بالله تعالى الله أمرك أن تصلي الصلوات الخمس في اليوم والليلة. قال: "اللهم! نعم" قال: أنشدك بالله تعالى آلله أمرك أن تصوم هذا الشهر من السنة. قال: "اللهم! نعم" قال: أنشدك بالله تعالى

(1) في "سننه" رقم (4491) وأما ذكر دحية وهم كما قال الحافظ في "الفتح"(1/ 125).

(2)

أخرجه البخاري رقم (63) ومسلم رقم (12) والترمذي رقم (619) وأبو داود رقم (486) والنسائي رقم (2091 - 2093) وابن ماجه رقم (1402).

(3)

في "سننه" رقم (2094) بسند صحيح.

ص: 153

الله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا فتقسمها على فقرائنا. قال: "اللهم! نعم" قال الرجل: آمنت بما جئت به، وأنا رسول من ورائي من قومي، وأنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر. [إسناده صحيح] أخرجه الخمسة، وهذا لفظ البخاري.

وعند مسلم (1) جاء رجل فقال: يا محمد! أتانا رسولك فزعم أنك تزعم أن الله تعالى أرسلك؟ قال: "صدق" قال: فمن خلق السماء؟ قال: "الله" قال: فمن خلق الأرض؟ قال: "الله" قال: فمن نصب هذه الجبال وجعل فيها ما جعل؟ قال: "الله" قال: فبالذي خلق السماء وخلق الأرض ونصب الجبال آلله أرسلك؟ قال: "نعم" قال: وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا؟ قال: صدق. قال: فبالذي أرسلك الله تعالى أمرك بهذا؟ قال: نعم، ثم ذكر الزكاة، ثم الصيام، ثم الحج، كذلك قال: والنبي صلى الله عليه وسلم يقول في كل سؤال: "صدق" فيقول: فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟ فيقول: "نعم" ثم ولى وقال: والذي بعثك بالحق لا أزيدُ عليهن ولا أنقص منهن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لئن صدق ليدخلن الجنة"[صحيح].

17/ 4 - وعن طلحة بن عبيد الله قال: جار رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد ثائر الرأس نسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول. حتى دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يسأل عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"خمس صلوات في اليوم والليلة" فقال: هل عليّ غيرهن؟ قال: "لا إلا أن تطوع" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وصيام رمضان" فقال: هل علي غيره؟ قال: "لا إلا أن تطوع" وذكر له الزكاة، فقال: هل علي غيرها؟ قال: "لا إلا أن تطوع" فأدبر وهو يقول: لا أزيد على هذا ولا أنقص منه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفلح إن صدق، أو دخل الجنة إن صدق".

(1) في "صحيحه" رقم (12)، وهو حديث صحيح.

ص: 154

أخرجه الستة إلا الترمذي (1)[صحيح] وعند أبي داود (2): "أفلح وأبيه إن صدق". [شاذ بذكر وأبيه].

18/ 5 - وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وسألته امرأة عن نبيذ الجر فقال: إن وفد عبد القيس أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من الوفد، أو من القوم؟ قالوا: ربيعة. قال: مرحباً بالقوم أو بالوفد غير خزايا ولا ندامى، قالوا: إنا نأتيك من شقة بعيدة، وإن بيننا هذا لحي من كفار مضر، ولا نستطيع أن نأتيك إلا في الشهر الحرام فمرنا بأمر فصلٍ نخبر به من وراءنا، وندخل به الجنة. فأمرهم بأربع، ونهاهم عن أربع أمرهم بالإيمان بالله تعالى وحده وقال: هل تدرون ما الإيمان؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وأن تؤدوا خمساً من المغنم، ونهاهم عن الدباء، والحنتم، والمزفت، والنقير. قال شعبة: وربما قال: المقير. وقال: أحفظوهن وأخبروا بهن من وراءكم. وقال [32/ ب] للأشج أشج عبد قيس: إن فيك خصلتين يحبهما الله تعالى: الحلم، والأناة. أخرجه الخمسة، وهذا لفظ الشيخين (3). [صحيح].

"الدباء" القرع "والحنتم" جرار خضر كانوا يجعلون فيها الخمر "والنقير" أصل خشبة ينقر. و"المزفت" الوعاء المطلي بالزفت من داخل وهو المقير. وهذه الأوعية الأربعة تسرع

(1) أخرجه البخاري رقم (46) ومسلم رقم (8/ 11) وأبو داود رقم (391) ومالك (1/ 175) والنسائي رقم (458) و (2090) و (5028).

(2)

في سننه رقم (392).

قلت: وأخرجه مسلم رقم (9/ 11) شاذ بذكر: "وأبيه".

(3)

أخرجه البخاري رقم (523) ومسلم رقم (17) وأبو داود رقم (3692) والترمذي مقطعاً دون قوله: "وأنهاكم عن الدباء .. إلخ" برقم (1599) و (2611) والنسائي رقم (5031) و (5692).

ص: 155

بالشدة في الشراب وتحدث فيه القوة والمسكرة عاجلاً، وتحريم الانتباذ في هذه الظروف كان في صدر الإسلام، ثم نسخ.

19/ 6 - وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُؤْمِنَ بِأَرْبَعٍ: يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَاّ الله وَأنِّي مُحَمَّد رَسُولُ الله بَعَثَنيَ بِالحَقِّ وَيُؤْمِنُ بِالمَوْتِ، وَيُؤْمِنُ بِالْبَعْثِ بَعْدَ المَوْتِ، وَيُؤْمِنُ بِالْقَدَرِ" أخرجه الترمذي (1)[صحيح].

قوله: "وعن علي بن أبي طالب":

أقول (2): الهاشمي المكي المدني الكوفي. أسلم وهو ابن ثمان أو عشر سنين، أو أربعة عشرة، أو خمس عشرة أو ست عشرة. أقوال قيل: والصواب عدم توقيت إسلامه؛ لأنه لم يكن مشركاً فيستأنف الإسلام. أجمعوا على أنه شهد المشاهد كلها إلا تبوك، فإنه استخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة وقال له:"ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي"(3) وكان لواءه صلى الله عليه وسلم معه في أكثر حروبه، وكان له الأثر العظيم في كل مشهد حتى لا يعلم لأحد من الصحابة في الشجاعة ومبالاة الحروب ماله، وقد أثنى عليه الأئمة في كتب الصحابة وغيرها بما لا تستوفيه العبارة، ولا تفنى عنه الإشارة، وقد شرحنا من أحواله وفضائله وخصائصه ما لا يدخل تحت الحصر في كتابنا "الروضة الندية شرح التحفة

(1) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (2145) وابن ماجه رقم (81)، وهو حديث صحيح.

(2)

سقط من المخطوط (أ)، (ب).

(3)

أخرجه البخاري رقم (4416) ومسلم رقم (31/ 2404).

عن سعد بن أبي وقاص قال: خلّف رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب في غزوة تبوك، فقال: يا رسول الله! تخلفني في النساء والصبيان؟ فقال: "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ غير أنه لا نبي بعدي".

ص: 156

العلوية" (1) واستشهد بمسجد الكوفة وقت الفجر وذلك يوم الجمعة سابع عشر من شهر رمضان سنة أربعين، وأصح الأقوال: أن عمره حين استشهد ثلاث وستون سنة.

قوله: "لا يؤمن عبدٌ حتى يؤمن بأربع".

أقول: لا يتصف بالإيمان الذي ينجي من العذاب ويستحق به الثواب، فأبهم الأربع، ثم فسرها بقوله:"يشهد أن لا إله إلا الله" أي: يقر بلسانه مع اعتقاده بجنانه. ويشهد أني محمد رسول الله. كذلك أيضاً.

وقوله: "بعثني بالحق" أي: أرسلني به وهو للجنس. أي: جنس الحق [ويحتمل](2) الاستغراق أي: كل حق، ويحتمل أن يراد القرآن فإنه الحق، وهذا اللفظ متضمن لجميع شرائع الدين، فدخلت بقية أركان الإسلام إذْ هذي من الحق الذي بعث به صلى الله عليه وسلم.

والإيمان "بالموت" التصديق (3) بأنه من عند الله يرسل ملائكته لقبض الأرواح في [33/ ب] الأجل الذي قدره لعباده لا أنه كما يقوله الكفار: {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} (4).

والإيمان بالبعث التصديق: [بأن](5) الله يحيي العظام وهي رميم، وأنه يعيد الخلق كما بدأه، ويبعث من في القبور، وهذه من المطالب المهمة لله ولرسله، وكرر الله الاستدلال عليه في القرآن في عدة آيات وضرب الأمثال والأقيسة، وأشار إلى أنه معلوم عقلاً بقوله: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38)

(1) كتاب في الصحيح والضعيف والموضوع. وقد تقدم الكلام عليه.

(2)

في المخطوط (ب)(ويجعل).

(3)

في المخطوط (ب)(بالتصديق).

(4)

سورة الجاثية: (24).

(5)

في المخطوط (ب): (أنَّ).

ص: 157

فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (39) أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى (40)} (1) فأورده الكلام استفهاماً إنكارياً. أي: لا يقع هذا الحسبان والظن من إنسان، ثم استدل بأنه كان من مني ميت وهو النطفة، ثم نقله إلى علقة، ثم سواه إنساناً، أفتعجز قدرته أن تحيي الموتى؟ فإنه قد أحياه أولاً، وهو نطفة كما قال تعالى:{كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} (2) فالإماتة الأولى تعلمونها يقيناً بالمشاهدة في النطفة، فإنها ميتة أحياها بنفخ الروح فيها، فالإحياء بعد الإماتة الثانية مثل الإحياء الأول بعد الإماتة الأولى. فكيف تنكر؟ فإنه لا ينكر اتفاق المتماثلين عاقل، وقد أورده استفهاماً إنكارياً، والإيمان بهذا واجب وقد قامت أدلته، ويكفي من أدلته إخبار الرسول صلى الله عليه وسلم بوجوب تصديقه في كل ما أخبر به إذ هو معنى الإيمان به، فعطف هذا وما قبله على قوله:"وإني رسول الله" من عطف الخاص على العام رفعاً لشأنه، وإفراد لذكره، وتنويهاً بأمره.

قوله: "وأخرجه الترمذي".

قلت: وصحح بعض طرقه [12/ أ].

الحديث السابع:

20/ 7 - وعن الشريد بن سويد الثقفي قال: قلت: يا رسول الله! إني أمي أوصت أن أعتق عنها رقبة مؤمنة، وعندي جارية سوداء نوبيةٌ أفأعتقها؟ قال:"ادعها" فدعوتها، فجاءت فقال:"من ربك؟ " قالت: الله. قال: "فمن أنا؟ " قالت: رسول الله، قال:"اعتقها فإنها مؤمنة".

(1) القيامة: (36 - 40).

(2)

البقرة: (28).

ص: 158

أخرجه أبو داود (1) والنسائي (2)[حسن].

قوله: "وعن الشَرِيدْ بن سويد الثقفي".

أقول:- بفتح الشين المعجمة فراء [34/ ب] فمثناة تحتية فدال مهملة - وسُويد - بالمهملة - مصغر. قال ابن عبد البر في الاستيعاب (3): قيل: إنه من حضر موت، ولكن عداده في ثقيف روى عنه ابنه عمرو بن الشريد، ويعقوب بن عاصم، يعدّ في أهْل الحجاز [وذكر](4) بسنده أنه استنشده النبي صلى الله عليه وسلم من شعر أُميَّة بن أبي الصلت مائة قافية، فقال: كادَ يُسلمُ (5) انتهى.

قوله: "فقال لها: من ربك؟ قالت: الله".

أقول: فيه أنه يختبر إيمان من لم يعلم إيمانه بسؤاله عن ربه أي: مالكه وإلهه، فإنه صلى الله عليه وسلم لما أراد معرفة إيمانها سألها عن ربها من هو واكتفى بإقرارها بأنه الله تعالى، وهذا جوابها كان عن الفطرة التي فطر الله عباده عليها، ولم يسألها عن صفاته، ولا عن شيء بعد إقرارها بربوبيته ولم يكلفها الدليل على أنه ربها بل كفاه إقراراً به تعالى، ولم يأمرها بالنطق بكلمة التوحيد لعلمه بأنها بإقرارها بربوبيته مقرة بوحدانيته، ثم قال لها:"فمن أنا؟ " قالت: رسول الله. فقيل: إقرارها أيضاً واكتفى به عن طلب الدليل على ما أقرت به، ومن المعلوم أن مستند إقرارها برسالته صلى الله عليه وسلم هو شهرة أمره، وأنه رسول الله، وإن لم تعرف معجزة، ولا عرفت إقامة بأدلة الرسالة، ثم حكم صلى الله عليه وسلم لها بأنها مؤمنة بمجرد إقرارها بربية الله ورسالته صلى الله عليه وسلم، ولم يسألها عن

(1) في "سننه" رقم (3283).

(2)

في "سننه" رقم (3653)، وهو حديث حسن.

(3)

في "الاستيعاب"(ص 337) رقم (1186).

(4)

في المخطوط (ب): وذكره.

(5)

وهو حديث صحيح. أخرجه مسلم رقم (2255).

ص: 159

غير ذلك، لأنها بإقرارها بأنه رسول الله قد تضمن إيمانها بكل ما جاء به؛ وفي هذا دليل ناهض على الحكم بإيمان العامة القاصرين عن معرفة الأدلة لا دلائل التوحيد، ولا دلائل الرسالة، بل يكفيهم التصديق بالله، وأنه ربهم وبرسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال الزركشي في شرح الجامع (1): وقد ذكر الحديث الآتي عند مسلم، وهذا دليل على الاكتفاء بالشهادتين في صحة العقدة، وإن لم يكن عن نظر واستدلال، بل اكتفى بما فطرت عليه فإنه صلى الله عليه وسلم لم يسألها من أين علمت ذلك؟

قال النووي [35/ ب] في شرحه: وهذا هو الصحيح الذي عليه الجمهور، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم:"أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله"(2) ولم يقل: حتى يستدلوا أو ينظروا.

وقال ابن عبد السلام في "قواعده"(3):- قد ذكر ما يجب من معرفة الله - أن اعتقاد ذلك واجب في حق العامة وهو قائم مقام العلم في حق الخاصة لما في تكليفهم ذلك من المشقة الظاهرة العامة.

(1) هو شرح الجامع الصحيح للإمام البخاري.

قال ابن حجر: شرع في شرح البخاري، وتركه مسودة وقفت على بعضها، منها كتاب:"التنقيح لألفاظ الجامع الصحيح" في مجلد انظر: "الدرر الكامنة"(4/ 17).

(2)

أخرجه البخاري رقم (392) والترمذي رقم (2608) أبو داود رقم (2641) والنسائي رقم (3967) من حديث أنس وهو حديث صحيح.

(3)

في "القواعد الكبرى الموسوم بـ قواعِدِ الأحكام في إصلاح الأنام" له (1/ 91).

ص: 160

وقال صاحب الصحائف: من اعتقد أركان الدين تقليداً فاختلفوا فيه؟ فقيل: مؤمن، وإن كان عاصياً بترك النظر والاستدلال المؤدي إلى معرفة أدلة قواعد الدين، وهذا مذهب الأئمة الأربعة (1)، والأوزاعي، والثوري، وكثير من المسلمين.

وقيل: لا يستحق اسم المؤمن إلا بعد عرفان الأدلة، وهو مذهب الأشعري (2). انتهى.

وهذا الحديث والذي بعده يردان هذا القول، فإنه لو كان عدم النظر عصيان لما أقر النبي صلى الله عليه وسلم الجارية عليه، وقد سماها مؤمنة، وأما ما نقل عن الأشعري أن إيمان المقلد لا يصح،

(1) قال الشوكاني في "إرشاد الفحول"(863) بتحقيقي: واستدل الجمهورُ بأن الأمة أجمعت على وجوب معرفة الله عز وجل، وأنها لا تحصل بالتقليد، لأن المقلد ليس معه إلا الأخذ بقول من يقلده ولا يدري أهو صوابٌ أم خطأ.

قال الأستاذ أبو منصور: فلو اعتقد من غير معرفة بالدليل فاختلفوا فيه فقال أكثر الأئمة: إنه مؤمنٌ من أهل الشفاعةِ، وإن فُسِّق بترك الاستدلال، وبه قال أئمة الحديث.

وقال الأشعري: وجمهورُ المعتزلة لا يكون مؤمناً حتى يخرج فيها عن جملة المقلدين. اهـ "الوسيط"(564)"وجمع الجوامع"(3/ 402) و"المسودة"(ص 407).

ثم عقب الشوكاني على ذلك بقوله: فيا لله العجب من هذه المقالةِ التي تقشعرُّ لها الجلودُ وترجُف عند سماعِها الأفئدة، فإنها جنايةٌ على جمهور هذه الأمة المرحومة، وتكليف لهم بما ليس في وُسْعهم ولا يطيقونه، وقد كفى غالب الصحابة الذين لم يبلغوا درجةً الاجتهاد ولا قاربوها الإيمان الجُمليَّ، ولم يكلفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بين أظهرُهم بمعرفة ذلك ولا أخرجهم عن الإيمان بتقصيرهم عن البلوغ إلى العلم بذلك بأدلته.

وما حكاه الأستاذُ أبو منصور عن أئمة الحديث من أنه مؤمنٌ وإن فُسِّق فلا يصحُّ التفسيق عنهم بوجهٍ من الوجوه، بل مذهبُ سابقهم ولاحقهم الاكتفاءُ بالإيمان الجُمْليَّ، وهو الذي كان عليه خيرُ القرونِ، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، حرَّم كثيرٌ منهم النظر في ذلك وجعله من الضلالة والجهالة، ولم يخف هذا من مذهبهم حتى على أهل الأصولِ والفقه. اهـ

(2)

تقدم التعليق على كلام الأشعري في التعليقة المتقدمة آنفاً.

ص: 161

وأنه يقول بتكفير العوام. فقد أنكره أبو القاسم القشيري (1) وقال: هذا كذب وزور. وقال أبو منصور في "المقنع": أجمع أصحابنا أن العوام مؤمنون عارفون بالله وأنهم حشو الجنة للأخبار والإجماع فيه، وهذا لا ينبغي أن يرتاب فيه. قال: وقد نقل الكيا [13/ أ] في تعليقه إجماع الأصحاب أنهم مؤمنون.

قلت: وفيهم قال أبو القاسم البلخي: هنيئاً للعامة هنيئاً لهم السلامة. وقال: أموت على دين العجائز.

وقد بسطنا هذا في محله، ويأتي كلام الخطابي قريباً.

قوله: "أخرجه أبو داود (2) والنسائي"(3).

الحديث الثامن:

21/ 8 - وعن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إن لي جارية كانت ترعى غنماً لي فجئتها وقد فقدت شاة فسألتها عنها، فقالت: أكلها الذئب فأسفت عليها، وكنت من بني آدم فلطمت وجهها وعلي رقبة أفأعتقها؟ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:"أين الله تعالى؟ " قالت: في السماء، قال:"فمن أنا" قالت: أنت رسول الله فقال: "اعتقها فإنها مؤمنة". أخرجه مسلم (4)، ومالك (5)، وأبو داود (6)، والنسائي (7).

(1) ذكره الزركشي في "البحر المحيط"(6/ 278).

(2)

في "السنن" رقم (3283) وقد تقدم.

(3)

في السنن رقم (3653) وقد تقدم. وهو حديث حسن.

(4)

في صحيحه رقم (537).

(5)

في الموطأ (2/ 776 - 777).

(6)

في السنن رقم (3282).

(7)

في السنن رقم (1218)، وهو حديث صحيح.

ص: 162

قوله: "وعن معاوية بن الحكم السلمي".

أقول: في "الاستيعاب"(1)[36/ ب] كان ينزل المدينة، ويسكن في سُلِيم وهو معدود في أهل المدينة، ولم يطل في ترجمته.

قوله: "فأسِفت عليها":

أسف الرجل يأسف أسفاً فهو أسيف إذا غضب.

قوله: "رقبة" الرقبة في الأصل العتق، جعلت عبارة عن ذات الإنسان ذكراً كان أو أنثى.

قوله: "صككتها": الصك: الضرب. أراد [أنه](2) لطمها، وقد جاء في رواية:["فلطمتها"](3).

وفيه دليل أن لطم وجه المملوك لا يخرجه بمجرده عن الملك، ويأتي الكلام فيه في العتق - بالمثلة - في كتاب العتق إن شاء الله.

قوله: "أين الله":

هذا دليل لما قال العز بن عبد السلام: إن الله تعالى اغتفر للعامة اعتقاد الجهة؛ لأنهم لا يعرفون إله ذا جهة، فلم يكلفهم الله بخلاف ما يعرفونه، وعليه ورد السؤال بأين الله؟ وأقر صلى الله عليه وسلم جوابها بأنه في السماء وعليه:{وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ} الآية (4)، {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} (5) وللعلماء أبحاث طويلة في هذا بينهم وبين الحنابلة.

(1) في "الاستيعاب"(ص 671 - 672) رقم (2347).

(2)

في المخطوط (ب): به.

(3)

في المخطوط (ب): فلطمها.

(4)

الأنعام: (3).

(5)

الملك: (16). =

ص: 163

وقوله: "فإنها مؤمنة" هو كما سلف في حديث الشريد (1).

وقال الخطابي (2): هنا إما حكم بأنها مؤمنة بهذا القدر من قولها وهو: أنه لما سألها أين الله؛ فقالت: في السماء. وهذا القدر لا يكفي في ثبوت الإسلام والإيمان دون الإقرار بالشهادتين [و](3) التبري من سائر الأديان؛ لأنه صلى الله عليه وسلم رأى منها أمارة الإسلام، وأنها في دار الإسلام وبين المسلمين، وتحت رق المسلمين، وهذا القدر يكفي علماً لذلك ألا ترى إذا رأينا رجلاً وامرأة مقيمين في بيت فسألناه عنها قال: هي زوجتي [37/ ب] صدقناه في ذلك وقبلنا قولهما، ولا نكشف عن أمرهما ولا نطلب منهما شرائط العقد، فإذا جاءنا رجل وامرأة أجنبيان يريدان ابتداء عقد النكاح فإنا نطالبهما بشروط النكاح، وإحضار الولي والشهود وغير ذلك، وكذلك الكافر إذا عرض عليه الإسلام لم نقتصر منه على قوله: إني مسلم حتى يصف الإسلام بكماله وشرائطه، فإذا جاءنا من يجهل حاله في الكفر والإيمان فقال: إني مسلم قبلناه إذا كان عليه أمارة الإسلام من هيئته وشارة ودار كان قبول قوله أولى، بل يحكم عليه بالإسلام، وإن لم يقل شيئاً. انتهى.

قلت: وفيه تأمل، فإنه اكتفى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلام عامة العباد بمجرد قولهم لكلمة التوحيد، وصرح صلى الله عليه وسلم بأنه لم يؤمر أن يشق عن قلوب الناس، فهذا الذي ادعاه الخطابي من التبري من سائر الأديان لم يأت به دليل، بل الدخول في دين الإسلام هو براءة من سائر

= قال ابن الجوزي في "زاد المسير"(8/ 322): وقرأ عاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي:{أَأَمِنْتُمْ} بهمزين: {مَنْ فِي السَّمَاءِ} قال ابن عباس: أمنتم عذاب من في السماء وهو الله عز وجل؟ اهـ.

(1)

تقدم برقم (20/ 7) من كتابنا هذا.

(2)

لم أقف عليه في "معالم السنن" وفي "أعلام الحديث" والله أعلم.

(3)

في المخطوط (ب): أو.

ص: 164

الأديان، ولا علمنا أنه أتى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرف واحد بشرعية البراءة عن سائر الأديان في صحة الإسلام إلا ما يأتي في حديث معاوية بن حيدة من قوله صلى الله عليه وسلم له أن يقول: أسلمت وجهي لله وتخليت .. (1) ويأتي الكلام عليه إن شاء الله [14/ أ].

الحديث التاسع:

22/ 9 - وعن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ذَاقَ طَعْمَ الإِيْمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللهِ رَبّاً، وَبِالإِسْلَامِ دِيْنَاً، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً" أخرجه مسلم (2) والترمذي (3)[صحيح].

قوله: قوله: "عن العباس بن عبد المطلب".

أقول: في "الرياض المستطابة"(4) أنه كان أسن من النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين أو ثلاث، ولم يزل معظماً في الجاهلية والإسلام، وكان إليه أمر السقاية في الجاهلية [38/ ب] وقرره صلى الله عليه وسلم. حضر مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة، وأكّد له العقد مع الأنصار، وخرج إلى بدر مع المشركين مرآءةً لهم فأسره صلى الله عليه وسلم والمسلمون ففادى نفسه وابني أخويه عقيل بن أبي طالب، ونوفل بن الحارث، وأسلم عقيب ذلك وعذره النبي صلى الله عليه وسلم في الإقامة بمكة لأجل سقايته، ولقي النبي صلى الله عليه وسلم في سفر الفتح مهاجراً بنفسه، فرجع معه وكان سبباً لتسكين الشر وحقن الدماء، وخرج معه صلى الله عليه وسلم إلى حنين وثبت معه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعظمه ويجله ويعطيه العطاء الجزل، وكذلك

(1) يأتي برقم (24/ 11) من كتابنا هذا، وهو حديث حسن.

(2)

في صحيحه رقم (56/ 34).

(3)

في سننه رقم (2623) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وهو حديث صحيح.

(4)

في "الرياض المستطابة في جملة من روى في الصحيحين من الصحابة" للإمام يحيى بن أبي بكر العامري اليمني (ص 209 - 210).

ص: 165

الخلفاء الراشدين بعده. ومناقبه واسعة، ووفاته سنة (32) أو (34) وهو ابن (88) سنة أو نحوها ووفاته في شهر رجب وصلى عليه عثمان وقبره في وراء البقيع مشهور (1).

قوله: "ذاق طعم الإيمان".

أقول: استعارة تخييلية شبه الإيمان بشيء ذي ذوق مطوي في النفس، ثم أثبت له الذوق والطعم تخييلاً له كما عرف. وفيه تنزيل [المعقول](2) منزلة المحسوس.

قال صاحب "التحرير": يعني: رضيت بالشيء قنعت به واكتفيت به، ولم أطلب معه غيره.

فمعنى الحديث: لم يطلب غير الله، ولم يسع في غير طريق الإسلام، ولن يسلك إلا ما يوافق شريعة محمد صلى الله عليه وسلم. ولا شك في أن من كان هذه صفته فقد خلصت حلاوة الإيمان إلى قلبه، وذاق طعمه.

وقال القاضي عياض (3): معنى الحديث: صح إيمانه، واطمأنت به نفسه، وخامر باطنه، لأن رضاه بالمذكورات دليل لقوة معرفته ونفاذ بصيرته ومخالطة بشاشة قلبه، لأن من رضي أمراً سهل عليه، وكذا المؤمن إذا دخل قلبه الإيمان سهلت عليه الطاعات ولذت له. انتهى.

قلت: وتقدم الكلام بأوفى من هذا في الفصل الأول.

قوله:"أخرجه مسلم (4) والترمذي (5) ". وقال: حسن صحيح.

(1) في "الرياض المستطابة": وقبره مشهور مَزُور بالبقيع.

(2)

في المخطوط (ب): القبول.

(3)

في "إكمال المعلم بفوائد مسلم"(1/ 27).

(4)

في صحيحه رقم (56/ 34)، وقد تقدم.

(5)

في سننه رقم (2623)، وقد تقدم.

ص: 166

23/ 10 - وعن عبد الله بن معاوية الغاضري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثَلَاثٌ مَنْ فَعَلَهُنَّ فَقَدْ طَعَمَ طَعْمَ الإِيْمَانِ: مَنْ عَبَدَ الله وَحْدَهُ، وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَاّ الله، وَأَعْطَى زَكَاةَ مَالِهِ طَيِّبَةً بِهَا نَفْسه رَافِدَة عَلَيْه كُلَّ عَامٍ، وَلَمْ يُعْطِ الهَرِمَة، وَلَا الدَّرِنَة، وَلَا المَرِيْضَة، وَلَا الشّرَط اللَّئِيْمَة، وَلَكِنْ مِنْ وَسَطِ أَمْوَالِكُم، فَإِنَّ الله تَعَالَى لَمْ يَسْأَلْكُم خَيْرهُ وَلَمْ يَأْمُرْكُم بِشَرِّه" أخرجه أبو داود (1).

ومعنى: "رافدة عليه" أي: معينة له على أداء الزكاة غير محدثة نفسه بمنعها فهي ترفده وتعينه. ومعنى: "الدرنة والشرط اللئيمة" رذال المال وصغاره.

أقول: بالغين المعجمة وضاد معجمة، والنسبة إلى غضارة قبيلة من أسد (2).

قوله: "ثلاث من فعلهن فقد طعم طعْمَ الإيمان".

أي: قد ذاقه واستلذ به. وفيه استعارة كما سبق، ثم بعد طعمها حمله تشويقاً إليها فسرها بقوله:"من عبد الله وحده" العبادة غاية الخضوع والتذلل والانقياد، وهي عامة لكل ما يتذلل به لله تعالى فيما أمر به فيشمل كل عبادة أمر الله بها.

وقوله: "واعلم أن لا إله إلا الله" هذه متقدمة على الأولى وجوداً وطلباً، ولكن الواو لا تقتضي الترتيب على أنه قد يقال: عِلْمُ أن لا إله إلا الله قد استلزمه إفراده بالعبادة الدال عليه قوله: "وحده" إذ لا يفرده بها إلا بعد علمه بانفراده بالإلهية.

وقدمنا لك أنه لا بد من العلم والقول بهذه الكلمة، وإذا كان كذلك فهو من باب عطف الخاص على. العام.

(1) في "سننه" رقم (1582)، وهو حديث حسن.

(2)

قال عنه ابن عبد البر في "الاستيعاب" رقم (1406) يقول: عبد الله بن معاوية الغاضري شامي أنه صحبة، روى عنه جبير بن نفير.

ص: 167

كما أن قوله: "وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه" وذلك إذا أعطى المال من العبادة لما فيه من الامتثال للأمر، وإخراج ما هو شقيق الروح إيماناً بوجوبها، فيكون هذا تفصيل لذلك المجمل. وعدها ثلاثاً؛ لأنها كذلك، وإن شملها أمر واحد، وفي إضافة الزكاة إلى المال إعلام بأنه لا زكاة على من لا مال له، ثم هي مجملة هنا قدراً ونصاباً وزماناً ومصرفاً، وكم في كل نوع من المال؟ ومن أي المال تجب؟ ففيها إجمال واسع، وقد بينته السنة النبوية [40/ ب] بياناً شافياً [15/ أ] ثم شرط في الإعطاء أن يكون عن طيبة نفس، والمخرج لها عالماً أن هذه طاعة لا يتم الامتثال إلا بطيبة النفس وبذلها، ولا يكون في قِسْم من قال الله فيهم:{وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا} (1) بل يكون من القسم الذين قال الله فيهم: {وَمِنَ الْأَعْرَابِ}

{وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ} (2) وكيف لا تطيب نفسه بجزء حقير؛ عشراً، أو نصفه، أو ربعه، يخرجه صلةً لإخوانه الفقراء ومواساة لهم وشكراً لله، وسيذكر الله له ما أعطاه ومتاجرة له، فإنه يقول تعالى:{وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (39)} (3).

والحوامل على طيبة النفس بها كثيرة، لكن من العباد من يتزلزل قدمه عند خراج المال ويتحوشه عبودة الشح:{وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)} (4) ولذا

(1) التوبة: (98).

(2)

التوبة: (99).

(3)

الروم: (39).

(4)

الحشر: (9) التغابن: (16).

ص: 168

أفرد الزكاة هنا [مع](1) شمول الأولى لها بمشمولة لقريبتها، وهي الصلاة لشدة التكليف بها وعدم سماحة النفوس ببذلها.

وفسر المصنف قوله: "رافدة عليه كل عام، أي: معينة له على أداء الزكاة غير محدثة نفسه بمنعها، فهي ترفده وتعينه".

فقوله: "طيبة بها نفسه": حال من الزكاة، ولا بد من تقدير مضاف أي: بإخراجها أو إعطائها.

قوله: "رافدة": حال من نفسه. أي: حال كون نفسه معينة له على إعطاء زكاة ماله مهونة عليه إخراجها معظمة له أجر إعطائها واثقةً بالإخلاف من الله تعالى وعوناً له.

ولفظها "النهاية"(2): الرَّافِدَة: فاعِلَة من الرَّفْد وهو الإعانَة. يقال: رفَدْته أرفِدُهُ إذا أعنْتَه أي: تُعِينُه نفْسُه على أدائها. انتهى.

ويأتي أبحاث ذلك في كتاب الزكاة.

قوله: "الذَرِبة" بالذال المعجمة المفتوحة وراء مكسورة فموحدة (3).

و"الشَرَط" - بفتح الشين [41/ ب] المعجمة وفتح الراء - وقد فسرهما المصنف. وهذا في زكاة الأنعام، ويجري مثله في غيرها كما يفيده عموم قوله:{وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ}

(1) سقط من المخطوط (ب).

(2)

"النهاية في غريب الحديث"(2/ 241).

(3)

"النهاية في غريب الحديث"(2/ 300).

ص: 169

تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا} (1) بعد قوله: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} (2).

24/ 11 - وعن بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري عن أبيه عن جده قال: قلت: يا نبي الله! ما أتيتك حتى حلفت أكثر من عدد هؤلاء لأصابع يديه أن لا آتيك ولا آتي دينك، وإني كنت امرأً لا أعقلُ شيئاً إلا ما علمني الله تعالى ورسوله، وإني سألتك بوجه الله تعالى، بم بعثك الله إلينا؟ قال:"بالإسلام" قلت: وما آيات الإسلام؟ قال: أن تقول: "أسلمت وجهي لله تعالى، وتخليت، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، كل مسلم على مسلم محرم أخوان نصيران، لا يقبل من مشرك بعدَ ما أسلم عملٌ أو يفارق المشركين إلى المسلمين" أخرجه النسائي (3)[حسن].

قوله: " [و] (4) عن بهز":

أقول: - بفتح الموحدة وسكون الهاء فزاي - ابن حَكِيم بن معاوية بن حيدة - بفتح الحاء المهملة فمثناة تحتيه ساكنة فدال مهملة، وهو قوله: قال: قلت: أي: قال معاوية ابن حيدة.

أقول: هو أبو عبد الملك قال الحافظ ابن حجر (5): صدوق.

قوله: "ما آيات الإسلام" أي: علاماته. قال: "أن تقول: أسلمت وجهي لله".

(1) البقرة: (267).

(2)

البقرة: (267).

(3)

في "سننه" رقم (2436) ورقم (2568).

قلت: وأخرج بعضه ابن ماجه رقم (2536)، وهو حديث حسن.

(4)

سقط من المخطوط (ب).

(5)

في "التقريب" رقم الترجمة (772).

ص: 170

أي: أنفذت واستسلمت له، وإنما أوقفه على الوجه زيادة في الانقياد والاستسلام لأنه إذا انقاد أشرف أعضائه فبالأولى غيره.

وفيه دليل أنه يكفي هذا اللفظ عن التلفظ بكلمة الشهادة، وليس كذلك، بل هذا اقتصار على مفرد تحته جمل، لأن من أسلم أتى بخصال الإسلام التي رأسها وأساسها تلفظه بكلمة التوحيد.

"وتخليت" - بالخاء المعجمة - في "النهاية"(1): التخلي: التفرغ يقال: تخلى للعبادة وهو تفعال من الخلو والمراد التبري من الشرك وعقد القلب على الإيمان. انتهى.

قلت: هذا هو دليل الخطابي على أنه لا بد من التبري عن كل دين في عقد الإسلام كما أشرنا إليه إلا أنه لا يخفى أنه صلى الله عليه وسلم لم يأمر كل من أسلم بذلك، وذلك لأن من لازم الرضى بالإسلام البراءة عما عداه، وتقدم الكلام على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة.

وقوله: "كل مسلم على مسلم محرم" في "الجامع": زاد في أخرى: "كل مسلم عن مسلم محرم" هكذا بلفظ: "عن" جملة استئنافية احتفاء بحقوق العباد بعضهم على بعض، وأن كل مسلم محرم دمه وماله وعرضه على كل مسلم.

قال ابن الأثير (2) في "غريب الجامع": يقال: أحرم الرجل: إذا اعتصم بحرمةٍ تمنع عنه. انتهى.

ثم زاده بياناً بقوله: "أخوان نصيران" أي: المسلمان أخوان (3)[42/ ب].

(1)"النهاية في غريب الحديث"(2/ 74).

(2)

في "جامع الأصول"(1/ 234).

(3)

في "جامع الأصول"(1/ 234): أخوان نصيران أي: هما أخوان نصيران، أي: يتناصران ويتعاضدان، والنصير فعيل بمعنى: فاعل، ويجوز أن يكون مفعول.

ص: 171

مأخوذ من قوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (1) فهما أخوان بأخوة الإسلام.

وقوله: "النصيران" تثنية نصير، وهو المبالغ في نصرة غيره، فهو إعلام بأن كل أخ منهم نصير لأخيه [16/ أ] ويأتي إفادة إيضاحه في حقوق المسلمين بعضهم على بعض، ثم إنه صلى الله عليه وسلم أخبره بما يجب من الهجرة بقوله:"لا يقبل من مشرك بعد ما أسلم عمل من أعمال الإسلام، ولا يثاب عليه إلا أن يفارق أو إلى أن يفارق"(2) فيفارق يتصور بأن المقدرة، وأو بمعنى: إلا أو إلى كما عرف في النحو.

"المشركين إلى المسلمين" أي: يخرج من دار الشرك إلى دار الإسلام، وهذه الهجرة كانت واجبة لا يقبل عمل إلا بها إلا من عذره من المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً، ثم نسخت من مكة بعد فتحها إذ بعده صارت دار إسلام.

25/ 12 - وعن سفيان بن عبد الله الثقفي رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله! قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً بعدك. قال: "قُلْ: آمَنْتُ بِالله تَعَالَى ثُمَّ اسْتَقِم" أخرجه مسلم (3)[صحيح].

قوله: "سفيان بن عبد الله الثقفي":

أقول: في "الاستيعاب"(4): معدود في أَهْلِ الطائف، له صُحْبَةٌ وسماع ورواية كان عاملاً لعمر بن الخطاب على الطَّائِف روى عنه ابنُه عبد الله بن سفيان وغيره.

(1) الحجرات: 10.

(2)

وهو جزء من حديث بن حكيم بن معاوية بن حيدة المتقدم.

(3)

في "صحيحه" رقم (62/ 38).

(4)

في "الأستيعاب"(ص 295) رقم (960).

ص: 172

قوله: "قل لي في الإسلام" أي: في حقيقته النافعة لمن تمسك بها كما يفيده.

قوله: "قولاً لا أسأل عنه أحداً بعدك".

وقوله صلى الله عليه وسلم: "قل آمنت بالله" أي: صدقت به وبرسله، وبما جاءت به رسله. "ثم استقم" الجواب النبوي مشتق من قوله:{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} (1) قد ثبت عن السلف تفسير الاستقامة وثبت مرفوعاً.

أخرج الترمذي (2)، والنسائي (3)، والبزار (4)، وأبو يعلى (5)، وابن جرير (6)، وابن أبي حاتم (7)، وابن عدي (8) وابن مردويه (9) عن أنس قال: قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {إِنَّ الَّذِينَ [43/ ب] قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} قال: "قد قالها ناس عن الناس، ثم كفر أكثرهم فمن قالها حتى يموت فهو ممن استقام عليها".

(1) فصلت: (30).

(2)

في السنن رقم (3250) وقال: هذا حديث غريب.

(3)

في "السنن الكبرى" رقم (11406 - الرسالة).

(4)

عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور"(7/ 321).

(5)

في "المسند" رقم (3495).

(6)

في "جامع البيان"(20/ 422 - عالم الكتب).

(7)

عزاه إليه السيوطي "الدر المنثور"(7/ 321).

(8)

في "الكامل"(3/ 1288).

(9)

عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور"(7/ 321).

في إسناده سُهيل بن أبي حَزْم القطعي وهو ضعيف.

والخلاصة: أن حديث أنس حديث ضعيف، والله أعلم.

ص: 173

وأخرج ابن المبارك (1) وعبد الرزاق (2) والفريابي، وسعيد بن منصور (3) وآخرون من طريق سعيد ابن أبي [نمران] (4) عن أبي بكر الصديق في قوله:{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} قال: "الاستقامة أن لا يشركوا به شيئاً".

وأخرج ابن مردويه (5) من طريق الثوري عن بعض أصحابه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} "إلى فرائض الله".

وأخرج ابن مردويه (5) وعبد بن حميد (5) والحكيم الترمذي في نوادر الأصول (5) وابن جرير (6) والحاكم وصححه (7) من طريق الأسود بن هلال عن أبي بكر الصديق أنه قال: ما تقولون في هاتين الآيتين: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} ، {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} (8) قالوا له: الذين قالوا: ربنا الله ثم عملوا بها واستقاموا على أمره، فلم يذنبوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم لم يذنبوا. فقال: لقد حملتوهما على أمر شديد. الذين آمنوا

(1) لم أقف عليه؟!

(2)

في تفسيره (2/ 187).

(3)

عزاه إليهما السيوطي في "الدر المنثور"(7/ 321 - 322).

وزاد نسبته إلى: مسدد وابن سعد (6/ 84) وعبد بن حميد، وابن جرير - (20/ 422 - 423، عالم الكتب) - وابن المنذر، وابن أبي حاتم. إسناده ضعيف.

(4)

في المخطوط (أ)، (ب)، (ج): عمران، وهو تحريف، والصواب:(نِمْران).

انظر "الميزان"(2/ 161) رقم الترجمة (3286)، وهو مجهول.

(5)

عزاه إليهم السيوطي في "الدر المنثور"(7/ 322).

(6)

في "جامع البيان" (20/ 423 - عالم الكتب".

(7)

في "المستدرك"(2/ 440) وصحح إسناده، ووافقه الذهبي.

(8)

الأنعام: (82).

ص: 174

ولم يلبسوا إيمانهم بظلم. يقولون: بشرك. والذين قالوا: ربنا الله ثم استقاموا فلم يرجعوا إلى عبادة الأوثان.

وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات (1) عن ابن عباس في: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} قال: "على شهادة أن لا إله إلا الله".

26/ 13 - وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَأَكَلَ ذَبِيْحَتَنَا فَهُوَ المُسْلِم" أخرجه النسائي (2) وهو طرف من حديث طويل أخرجه البخاري (3) وأبو داود (4) والترمذي (5) رحمه الله. [صحيح].

قوله: "وصلى صلاتنا" أي: الخمس المفروضة علينا وهي لا تتم بجميع صفاتها وهيئاتها، ومنها: استقبال القبلة، فقوله:"واستقبل قبلتنا" ذكر لأعظم واجبات الصلاة عناية بشأنه.

وقوله: "وأكل ذبيحتنا" أي: ما ذبحه أهل الإسلام فهو المسلم؛ لأنه قد اتصف بخصال الإسلام فإن إقامة الصلاة [44/ ب] لا يكون إلا بعد التصديق بالله وبرسله، وأكل ذبائح أهل الإسلام من جملة خصاله، وإنما كان صلى الله عليه وسلم يصف لكل سائل ما يعلم أنه إلى معرفته أحوج، وأن خطابه أهم وإسلامه بفعله وقوله أتم.

(1) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور"(7/ 322).

وذكره ابن كثير في "تفسيره"(12/ 235) وعزاه إلى ابن أبي حاتم من طريق حفص عن الحكم عن عكرمة عن ابن عباس قوله.

(2)

في "سننه" رقم (3966 - 3969).

(3)

في "صحيحه" رقم (392).

(4)

في "سننه" رقم (2641).

(5)

في "سننه" رقم (2608).

ص: 175