الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله: "إلا أن يأخذ عليها" قال النووي (1): هذا استثناء منقطع وتقدير الكلام: ما مس امرأة قط، لكن يأخذ عليها البيعة بالكلام، فإذا أخذها بالكلام قال: اذهبي فقد بايعتك.
وهذا الحديث فيه من الأحكام ما في غيره، وأفاد عدم مصافحة النساء.
الفصل الثالث: في أحكام متفرقة
(2)
الفصل الثالث من فصول أحكام الإيمان والإسلام: في أحكام متفرقة عدَّ فيه المصنف أربعة أحاديث .. خمسة أحاديث.
45/ 1 - عَن عَمْرِو بْنِ الأَحْوَصِ رضي الله عنه قال: شَهِدتُ حِجَّةَ الْوَدَاعِ مَعَ النبي صلى الله عليه وسلم فَحَمِدَ الله وَأثْنَى عَلَيْهِ، وَذَكَّرَ وَوَعَظَ، ثُمَّ قَالَ:"أَيُّ يَوْمٍ أَحْرَمُ؟ أَيُّ يَوْمٍ أَحْرَمُ؟ أَيُّ يَوْمٍ أَحْرَمُ" قَالَ: فَقَالَ النَّاسُ: يَوْمُ الْحَجِّ الأَكْبَرِ، قَالَ: "فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا في بَلَدِكُمْ هَذَا في شَهْرِكُمْ هَذَا، أَلَا لَا يَجْنِي جَانٍ إِلَاّ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَا يَجْنِي وَالِدٌ عَلَى وَلَدهِ، وَلَا وَلَدٌ عَلَى وَالِدهِ، أَلَا إِنَّ الْمُسْلِمَ أَخُو الْمُسْلِمِ، فَلَيْسَ يَحِلُّ لمُسْلِمٍ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ إِلَاّ مَا أَحَلَّ مِنْ نَفْسِهِ، أَلَا وَإِنَّ كُلَّ رِبًا في الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ لَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ - غَيْرَ رِبَا الْعَبَّاسِ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ، أَلَا وَإِنَّ كُلَّ دَمٍ كَانَ في الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ دَمٍ أَضَعهُ مِنْ دِمَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ دَمُ الْحَارِثِ بْنِ عبد المُطَّلِبِ كَانَ مُسْتَرْضِعًا في بَنِي لَيْثٍ، فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ، أَلَا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّهُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ إِلَاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ، فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجعِ، وَاضْرُبوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، فَإِنْ أَطَعْنكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً، أَلَا إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا، وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا: فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ فَلَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ، وَلَا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ مَنْ
(1) في شرحه لـ "صحيح مسلم"(13/ 11).
(2)
زيادة من التيسير.
تَكْرَهُونَ، أَلَا وَإِن حَقَّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ، ألَا وإِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبَد فِي بلدِكُمْ هذا أبداً، وَلَكِنْ ستكونُ لهُ طاعة فيما تحتقرون من أعمالكم وسيرضى به" أخرجه الترمذي (1) وصححه. [صحيح].
"عوان": أي: أسيرات.
الأول: "عن عمرو بن أبي الأحوص" أي: ابن جعفر الجشمي له صحبة ورواية.
ولكن الذي في الجامع: عن سليمان بن عمرو بن الأحوص قال: حدثني أبي أنه شهد حجة الوداع، فحذف المصنف سليمان وقال: أبي الأحوص، ولا بأس بحذف سليمان الراوي عن أبيه لأن أباه هو الصحابي الراوي.
في "الاستيعاب"(2): عمرو بن الأحوص بن جعفر بن كلاب [الجُشَمي](3) الكلابي: اختلف في نسبه.
هو والد سليمان بن عمرو، روى [73/ ب] عنه ابنه سليمان بن عمرو بن الأحوص حديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته في حجة الوداع (4)، وفي رمي الجمار أيضاً، وحديثه في الخطبة عن النبي صلى الله عليه وسلم صحيح.
(1) في "سننه" رقم (2159) مختصراً، وقال: هذا حديث حسن صحيح. ورقم (3087) مطولاً. وقال: هذا حديث حسن صحيح. ورقم (1163) مختصراً. وقال: هذا حديث حسن صحيح، وهو حديث صحيح.
(2)
في "الاستيعاب"(ص 503) رقم (1777).
(3)
في المخطوط: الجعفري، والمثبت من الاستيعاب وهو الصواب.
(4)
أخرجه مطولاً ومختصراً أحمد (3/ 426) وأبو داود رقم (3334) والترمذي رقم (1163) و (2187) والنسائي في "الكبرى" رقم (4100) و (1123) وهو حديث صحيح، وقد تقدم.
قوله: "حجة الوداع".
أقول: هي حجته صلى الله عليه وسلم سنة عشر من الهجرة تأتي صفتها. وسميت بالوداع لأنه صلى الله عليه وسلم ودع الناس وقال: "لعلِّي لا أحج بعد عامي هذا".
وقوله: "فحمد الله وأثنى عليه" لم يعين اليوم الذي خطب فيه، وقد ثبت أنه خطب في عرفات، وفي منى، ولكنه قد عينه حديث ابن عباس عند البخاري (1)[أنه](2) يوم النحر.
قوله: "ثم قال ثلاثاً" لفظ الجامع (3): ثم قال: "أي يوم أحَرم؟ أي يوم أحرَم؟ أي يوم أحرم؟ "
قوله: "قالوا" لفظ الجامع (4): قال الناس: يوم الحج الأكبر يا رسول الله! وفيه دليل أنهم قد علموا عظمة يوم الحج الأكبر.
واختلف الناس في تعيينه قال ابن الأثير (5): يوم النحر، وقيل: هو يوم عرفة، وإنما سُميَ الحجّ الأكبر، لأنهم يسمُّون العمرةَ: الحجَّ الأصغر.
"وأعراضكم" العرض: النفس، وقيل: الحسب قاله ابن الأثير في غريب الجامع (5).
(1) في "صحيحه" رقم (1739).
(2)
في المخطوط (ب): وأنه.
(3)
في "جامع الأصول"(1/ 260).
(4)
في "جامع الأصول"(1/ 258).
(5)
في "جامع الأصول"(1/ 260).
وفي "النهاية"(1) له: العِرْض: موضعُ المدْح والذَّم من الإنسان، سواءً كان في نفسه أو في سَلَفه أو مَنْ يَلْزمه أمْرُه. وقيل: هو جَانبُه الذي يَصُوُنه وحَسَبه، ويُحَامِي عنه أن يُنْتَقَص، ويُثْلَبَ. وقال ابن قتيبة: عِرْضُ الإنسان نَفْسُه وبدَنُه لا غيرُ. انتهى.
قوله: "لا يجني جانٍ".
أقول: الجنايَةُ: الذَّنْبُ ما يفعله الإنسان مما يوجب عليه الجزاء، إمَّا في الدنيا؛ وإما في الآخرة. ويريده صلى الله عليه وسلم: أنَّه لا يُطالبُ بجناية الجاني [74/ ب] غُيرُه، من أقاربه وأباعِدِه، وقد فسَّره في الحديث:"لا يجني ولدٌ ولا يجني والدٌ على ولده" أي: إذا جنى أحدهما لا يطالَبُ به الآخر، وقد كان ذلك معتاداً بين العرب [قاله](2) ابن الأثير (3).
قلت: وهو الآن باقٍ في بوادي اليمن وغيرها.
قوله: "عوان" - بالعين المهملة - جمع عانية، وهي مؤنثة العاني: الأسير شبه. النساء بالأسرى عند الرجال، لتحكمهم فيهن، واستيلائهم عليهن قوله:[75/ ب][27/ أ].
46/ 2 - وعَن ابْن عُمَر رضي الله عنهما قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: "أَلَا أَيُّ شَهْرٍ تَعْلَمُونَهُ أَعْظَمَ حُرْمَةً؟ " قَالُوا: أَلَا شَهْرُنَا هَذَا، قَالَ:"أَلَا أَيُّ بَلَدٍ تَعْلَمُونَهُ أَعْظَمُ حُرْمَةً؟ " قَالُوا: أَلَا بَلَدُنَا هَذَا، قَالَ:"أَلَا أَيُّ يَوْمٍ تَعْلَمُونَهُ أَعْظَمُ حُرْمَةً؟ " قَالُوا: أَلَا يَوْمُنَا هَذَا، قَالَ:"فَإِنَّ الله تَعَالَى قَدْ حَرَّمَ دمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ، إِلَاّ بِحَقِّهَا، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، في بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ" - ثَلَاثًا كُلُّ ذَلِكَ يُجِيبُونَهُ [76/ ب] أَلَا نَعَمْ - قَالَ: "وَيْحكُمْ -
(1)(3/ 208 - 209).
(2)
في المخطوط (ب): قال.
(3)
في "جامع الأصول"(1/ 260).
أَوْ وَيْلكُمْ - لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ" أخرجه الشيخان (1) واللفظ للبخاري. [صحيح].
47/ 3 - وعَنْ أَبِي بَكْرَةَ بنِ الحارِث رضي الله عنه أنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الزَّمَانُ قَدِ اسْتَدَارَ كهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلقَ الله السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلَاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقَعْدةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ [77/ ب]، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ، أَيُ شَهْرٍ هَذَا؟ " قُلْنَا: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ:"أَليْسَ ذَا الْحِجَّةِ؟ " قُلْنَا: بَلَى. قَالَ: "أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ " قُلْنَا: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ:"أَليْسَ الْبَلْدَةَ الحرَامَ؟ " قُلْنَا: بَلَى. قَالَ: "فَأَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ " قُلْنَا: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أنهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ قَالَ:"أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟ " قُلْنَا: بَلَى. قَالَ: "فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هذا، وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ [78/ ب] فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ، أَلَا فَلَا تَرْجِعُوا بَعْدِى ضُلَاّلاً، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ، أَلَا لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يَبْلُغُهُ أَنْ يَكُونَ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ - وَكَانَ مُحَمَّدٌ إِذَا ذَكَرَهُ قَالَ صَدَقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَالَ:- أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ .. أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟ " قلنا: نعم، قال:"اللهمَّ اشْهدْ" أخرجه الشيخان (2) وأبو داود (3)[صحيح].
(1) أخرجه البخاري رقم (1742) و (6166) و (6785) و (6868) ومسلم رقم (66) والنسائي رقم (4125 - 4127) وابن ماجه رقم (3943) واللفظ للبخاري.
(2)
أخرجه البخاري رقم (4406) ومسلم رقم (1679).
(3)
في "سننه" رقم (1947)، وهو حديث صحيح.
زاد مسلم (1) رحمه الله: قَالَ ثُمَّ انْكَفَأَ إِلَى كَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ فَذَبَحَهُمَا، وَإِلَى جُزَيْعَةٍ مِنَ الْغَنَمِ فَقَسَمَهَا بَيْنَنَا.
وزاد رُزينٌ رحمه الله في آخره: ثَلَاثٌ لا يُغَلُّ عَليْهِنَّ قَلْبُ مؤمن أبداً: إِخْلاصُ العَمَلِ للهِ، وَمُنَاصَحَةُ ولاة الأمر، وَلُزُومِ جماعة المسلمينَ، فَإِنَّ دَّعْوَتهم تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ" قال ابن الأثير (2): ولم أرَ هذه الزيادة في الأصول.
"الجزيعة" بالزاي: القطعةُ من الغَنمِ، وقولُهُ:"لا يُغلُّ" بضم الياء من الإغلال وهو الخيانة. وقيل: بفتحها من الحقدِ، والمعنى: أن هذه الخلال الثلاث تُسْتصلَحُ بها القلوبُ فمنْ تمَسكَ بها طهُر قلبه من الخيانةِ والدغَّلِ والشر [79/ ب].
48/ 4 - وعَنِ هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَاّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ يقول: اقرءوا: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} فَأبوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ؟ " حَتَّى تَكُونوا أنْتُم تَجِدُونها" قَالَوا: يا رسول الله! أفرأيت من يموتُ صَغِيْراً؟ قال: "أعلمُ بما كانوا عاملين". أخرجه الستة إلا النسائي (3)، وهذا لفظُ الشيخين، وللباقين بنحوه.
وفي أخرى (4): "ما منْ مولودٍ يولدُ إلا وهوَ على [80/ ب] هذه الملة حتى يُبينَ عنه لسانهُ"[صحيح].
(1) في "صحيحه" رقم (30/ 1679).
(2)
في "جامع الأصول"(1/ 265).
(3)
البخاري رقم (1358) و (1359) و (1385) ومسلم رقم (2658) ومالك في "الموطأ"(1/ 241 رقم 52) وأبو داود رقم (4714) والترمذي رقم (2138)، واللفظ للبخاري ومسلم، والباقين بنحوه.
(4)
لمسلم رقم (23/ 2658).
[](1) وإنما دعا بذلك لما أوحى الله: {أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ} (2).
قلت: لا يخفى أن نوحاً قال: {مِنَ الْكَافِرِينَ (34)} والولدان لا يسمون كافرين كيف وهم مولودون على الفطرة، فلا دليل في الآية.
وأما أنهم أغرقوا، فهكذا جرت حكمة الله في إهلاك الكفرة تعميم إنزال العذاب الدنيوي بالجميع من صغير وكبير وعاقل ومجنون، فلا دليل فيه على كفر الولدان.
قال: وأما حديث: "هم من آبائهم" فذاك ورد في حكم الحرب.
وأما ما رواه أحمد (3) من حديث عائشة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ولدان المسلمين؟ قال: "في الجنة" وعن أولاد المشركين؟ قال: "في النار" فقلت: يا رسول الله! لم يدركوا الأعمال! قال: "ربك أعلم بما كانوا عاملين لو شئت أسمعتك تضاغيهم في النار" فهو حديث ضعيف جداً، لأن في إسناده أبا عقيل مولى بهية، وهو متروك.
الثالث: أنهم في برزخ بين الجنة والنار؛ لأنهم لم يعملوا حسنات يدخلون بها الجنة، ولا سيئات يدخلون بها النار (4).
(1) لعله يوجد نقص في المخطوط.
(2)
هود: (36).
(3)
في "المسند"(6/ 208) بسند ضعيف لأن في إسناده أبا عقيل مولى بهية، وهو متروك قاله ابن حجر في "الفتح"(3/ 246) وانظر "مجمع الزوائد"(7/ 217).
وخلاصة القول: أن حديث عائشة ضعيف، والله أعلم.
(4)
قال ابن القيم في كتابه: "طريق الهجرتين"(ص 393 - 394 - العلمية): وهذا قول طائفة من المفسرين، قالوا: وهم أهل الأعراف.
وقال عبد العزيز بن يحيى الكناني: هم الذين ماتوا في الفترة. =
الرابع: انهم خدم أهل الجنة، وفيه حديث عراس (1) ضعيف.
الخامس: أنهم يصيرون تراباً (2).
= والقائلون بهذا إن أرادوا أن هذا المنزل مستقرهم أبداً فباطل، فإنه لا دار لقرار إلا الجنة أو النار، وإن أرادوا أنهم يكونون به مرة، ثم يصيرون إلى دار القرار، فهذا ليس بممتنع. اهـ
(1)
كذا في المخطوط، ولم أقف عليه.
وقد أخرج الطبراني في الكبير، والأوسط، والبزار رقم (2172 - كشف) عن سمرة بن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئلَ عن أطفال المشركين؟ فقال: هم خدم أهل الجنة. قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(7/ 219) وفيه عباد بن منصور، وثقه يحيى القطان، وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات.
(2)
حكاه عياض عن أحمد، وغلطه ابن تيمية بأنه قول لبعض أصحابه، ولا يحفظ عن الإمام أصلاً كما في "فتح الباري"(3/ 246).
وقال ابن القيم في "طريق الهجرتين"(ص 389 - العلمية): هذا قول جماعة من المتكلمين، وأهل التفسير وأحد الوجهين لأصحاب أحمد.
واحتج هؤلاء بحديث عائشة قالت: قلتُ: يا رسول الله! ذَرَارَيُّ المؤمنين؟ فقال: "هم من آبائهم" فقلت: يا رسول الله! بلا عمل؟ قال: الله أعلم بما كانوا عاملين". قلت: يا رسول الله! فذراري المشركين؟ قال: "من آبائهم" قلت: بلا عمل؟ قال: "الله أعلم بما كانوا عاملين".
أخرجه أبو داود رقم (4712)، وهو حديث صحيح.
• قال ابن القيم في "طريق الهجرتين"(ص 388 - 389 - العلمية): "ففي هذا الحديث ما يدل على أن الذين يلحقون بآبائهم منهم هم الذين علم الله أنهم لو عاشوا لاختاروا الكفر، وعملوا به، فهؤلاء مع آبائهم. ولا يقتضي أن لا واحد من الذرية مع أبيه في النار. فإن الكلام في هذا الجنس سؤالاً وجواباً، والجواب يدل على التفصيل، فإن قوله صلى الله عليه وسلم: "الله أعلم بما كانوا عاملين" يدل على أنهم متباينون في التبعية بحسب نياتهم، ومعلوم الله فيهم، بقي أن يقال: فالحديث يدل على أنهم يلحقون بآبائهم من غير عمل، ولهذا فهمت ذلك منه عائشة. فقالت: بلا عمل؟ فأقرها عليه فقال: "الله أعلم بما كانوا عاملين" ويجاب عن هذا بأن الحديث إنما دل على أنهم يلحقون بهم بلا عمل عملوه في الدنيا، وهو الذي فهمته عائشة. =
السادس: أنهم يمتحنون في الآخرة بأن ترفع لهم نار، فمن دخلها كانت عليه برداً وسلاماً، ومن أبى عذب.
أخرجه البزار من حديث أنس (1) وأبي سعيد (2).
= ولا ينفي هذا أن يلحقوا بهم بأسباب أخر يمتحنهم بها
…
اهـ.
(1)
أخرج البزار رقم (2177 - كشف) وأبو يعلى كما في "مجمع الزوائد"(7/ 216) وقال الهيثمي: فيه ليث بن أبي سليم، وهو مدلس، وبقية رجال أبي يعلى رجال الصحيح. قلت: إسناده ضعيف. عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يؤتى بأربعة يوم القيامة: المولود، والمعتوه، ومن ماتَ في الفترة، وبالشيخ الفاني، كلهم يتكلم بحجته فيقول الله تبارك وتعالى لِعنقٍ من جهنم - أحسبه قال -: أبرزي، فيقول لهم: إن كنتُ أبعثُ إلى عبادي رسُلاً من أنفسهم، فإني رسول نفسي إليكم، ادخلوا هذه، فيقول من كتب عليه الشقاوة: يا رب! أتدخلُناها ومنها كنا نفرق، ومن كتب له السعادة، فيمضي فيقتحم فيها مسرعاً، قال: فيقول الله: قد عصيتموني، وأنتم لرسلي أشدَّ تكذيباً ومعصيةً، قال: فيدخل هؤلاء الجنة، وهؤلاء النار".
(2)
أخرجه البزار رقم (2176 - كشف).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(7/ 216) وقال: رواه البزار وفيه عطية، وهو ضعيف. قلت: إسناده ضعيف.
عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أحسبه قال: "يؤتى بالهالك في الفترةِ، والمعتوه، والمولود، فيقول الهالك في الفترة: لم يأتني كتابٌ ولا رسولٌ، ويقول المعتوه: أي: رب! لم تجعل لي عقلاً أعقِلُ به خيراً ولا شراً، ويقول المولود: لم أدرِك العمل. قال: فترفع لهم نارٌ فيقال لهم: ردوها، أو قال: ادخلوها، فيدخلها من كان في علم الله سعيداً، إن لو أدرك العمل. قال: ويُمسك عنها من كان في علم الله شقياً إن لو أدرك العمل، فيقول تبارك وتعالى: إياي عصيتم، فكيف برسلي وبالغيب؟! ".
• وأخرج أحمد في "المسند"(2/ 24) والبزار رقم (2174 - كشف) والبيهقي في "الاعتقاد"(ص 92)، وهو حديث صحيح.
عن الأسود بن سريع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أربعة يوم القيامة يعني: يدلون على الله بحجة: رجل أصم لا يسمع شيئاً، ورجلٌ أحمق، ورجلٌ هرم، ورجلٌ مات في فترة، فأما الأصم فيقول: رب! لقد جاء الإسلام، وما =
وحكى البيهقي في كتاب الاعتقاد (1) أنه المذهب الصحيح.
السابع: الوقف، هذا خلاصة ما في المسألة. والحق الأول عقلاً ونقلاً.
قوله: "الستة إلا النسائي".
قلت: وقال الترمذي: حسن صحيح.
"وهذا لفظ الشيخين" أقول: ساق ابن الأثير (2) ألفاظهما، وفيها بعض اختلاف ثم قال: هذه طرق البخاري ومسلم.
قوله: "وفي أخرى".
أقول: أي: لمسلم (3) كما [18/ ب] يفيده بيان ابن الأثير ولفظه: "ما من مولود يولد إلا وهو على الملة" زاد في أخرى (4): "على هذه الملة حتى يبن عنه لسانه" والمراد بالملة ملة الإسلام كما عرفت أنها المراد بالفطرة.
= أسمع شيئاً، وأما الأحمقُ فيقول: رب! لقد جاء الإسلام والصبيان يحذفونني بالبعر، وأما الهرم فيقولُ: ربَّ لقد جاء الإسلامُ وما أعقل شيئاً.
وأما الذي مات في الفترة فيقول: رب! ما أتاني لك رسول فيأخذ مواثيقهم ليطيعنهُ، فيرسل إليهم أن أدخلوا النار، قال: فوالذي نفس محمد بيده! لو دخلوها لكانت عليهم برداً وسلاماً.
وقد صحح الحديث الحافظ عبد الحق كما في "طريق الهجرتين"(ص 397 - العلمية) والألباني في "الصحيحة" رقم (1434).
(1)
في كتاب "الاعتقاد"(ص 92 - العلمية).
(2)
في "جامع الأصول"(1/ 269).
(3)
في "صحيحه" رقم (23/ 2658).
(4)
في "صحيحه" رقم (23/ 2658).