الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثاني: (في أحكام الإيمان والإسلام)
وفيه ثلاثة فصول
الفصل الأول: في حكم الإقرار بالشهادتين
(1)
37/ 1 - عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَاّ الله وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا [59/ ب] الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالُهمْ إِلَاّ بِحَقِّ الإِسْلَامِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى الله" أخرجه الشيخان (2)، ولم يذكر مسلم:"إلا بحق الإسلام"[صحيح].
38/ 2 - وعَنْ عبيد الله بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ أَنَّهُ قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَسَارَّهُ فَلَمْ نَدْرَ مَا سَارَّهُ بِهِ حَتَّى جَهَرَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَإِذَا هُوَ يَسْتَأْذِنُهُ في قَتْلِ رَجُلٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ. فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حِينَ جَهَرَ: "أَلَيْسَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَاّ الله وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله". فَقَالَ الرَّجُلُ: بَلَى، وَلَا شَهَادَةَ لَهُ. فَقَالَ:"أَلَيْسَ يُصَلِّي؟ "[60/ ب] قَالَ: بَلَى، وَلَا صَلَاةَ لَهُ. فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:"أُولَئِكَ الَّذِينَ نَهَانِي الله عَنْ قَتلِهم" أخرجه مالك (3)[صحيح].
(1) ما بين الحاصرتين زيادة من "جامع الأصول"(1/ 245).
(2)
البخاري رقم (25) ومسلم رقم (22).
قلت: وأخرجه ابن مندة في الإيمان رقم (25) والبيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 367) و (8/ 177) والبغوي في "شرح السنة" رقم (33) وابن حبان رقم (175)، وهو حديث صحيح.
وانظر تخريج طرقه في تحقيقي لـ "نيل الأوطار من أسرار منتقى الأخبار"(3/ 21).
(3)
في "الموطأ"(1/ 171 رقم 84).
قلت: وأخرجه الشافعي في "المسند" رقم (8 - ترتيب) والبيهقي في "السنن الكبرى"(8/ 196) وفي "المعرفة"(3/ 118 رقم 2053، 2054) و (6/ 301 رقم 5026 - العلمية).
قال البيهقي: وهذا مرسل. =
39/ 3 - وَعَنْ طَارِق الأشجعي رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَاّ الله، وَكفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ الله، حَرُمَ مَالُهُ وَدَمُهُ وَحِسَابُهُ عَلَى الله" أخرجه مسلم (1)[صحيح].
وفي أخرى له (2): من وحَّد الله، وذكر مثله [61/ ب].
الفصل [الثاني](3): في أحكام البيعة
40/ 1 - عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه قَالَ: لَنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فِي مَجْلِسٍ فقال: "أَلَا تبَايِعُونِي عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِالله شَيْئًا، وَلَا تَسْرِقُوا، وَلَا تَزْنُوا، وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْس التي حَرَّمَ الله إلَّا بِالحَقَّ"(4)[صحيح].
وفي أخرى: "وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ، وَلَا تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ، وَلَا تَعْصُونِي فِي مَعْرُوفٍ، فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى الله، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَسَتَرَهُ الله عَلَيه فَأَمْرُهُ إِلَى الله تَعالى، إِنْ شَاءَ عَفا عَنْه وإنْ شَاء عَذبُه فبايعناهُ على ذَلِكْ" أخرجه الخمسة إلا أبا داود (5)[صحيح].
= وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف" رقم (18688) وأحمد في "المسند"(5/ 432 - 433، 433) وابن حبان رقم (5971) والبيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 367) و (8/ 196) موصولاً بسند صحيح. وصححه الألباني في "صحيح موارد الظمآن" رقم (12)، وهو حديث صحيح.
(1)
في "صحيحه" رقم (37/ 23).
(2)
في "صحيحه" رقم (38/ 23)، وهو حديث صحيح.
(3)
في المخطوط (الثالث) وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه.
(4)
أخرجه البخاري رقم (18) ومسلم رقم (41/ 1709) والترمذي رقم (1439) والنسائي رقم (5002) وهو حديث صحيح.
(5)
البخاري رقم (3893) ومسلم رقم (43/ 1709) والترمذي رقم (1439) والنسائي رقم (4162).
• وزاد النسائي (1) في أخرى بعد قوله: "فأجره على الله تعالى"، "وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَأُخذَ بِهِ فِي الدُّنْيَا فَهْوَ كَفَّارةٌ لَهُ وَطَهُورٌ".
• وفي أخرى للثلاثة (2) والنسائي (3): بَايَعْت رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم علَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ في الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ، وَالْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ، وَعَلَى أَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَعَلَى أَنْ لَا نُنَازِعَ لأَمْرَ أَهْلَهُ، وَعَلَى أَنْ نَقُولَ بِالْحَقِّ أَيْنَمَا كُنَّا لَا نَخَافُ فِي الله لَوْمَةَ لَائِمٍ".
• وفي أخرى (4): أَنْ لَا نُنَازِع الأَمْرَ أَهْلَهُ، إِلَاّ أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ الله فِيهِ بُرْهَانٌ.
والبواح: الظاهرُ الذي لا يحتملُ التأويلَ.
أقول: ذكر المصنف في هذا الفصل أربعة أحاديث، وفي الجامع ذكر فيه تسعة أحاديث. قال ابن الأثير في "النهاية" (5): وفي الحديث قال: "ألا تُبايعونِي على الإسلام؟ ".
هو عبارة عن المُعَاقَدة عليه والمُعَاهدة كأنَّ كلَّ واحد منهم باع ما عنده من صاحبه وأعطاه خالِصَة نفسِه وطاعته ودَخِيلةَ أمره".
الحديث الأول:
قوله: "على أن لا تشركوا" هو المباح عليه، وذكر أربعاً هي أمهات الكبائر في حق الله وحق العباد فيما يتعلق بالأموال والفروج والدماء، وكل المباح عليه نفي لما أن من لازم عدم
(1) في "سننه" رقم (4178) وهو حديث صحيح، بل أخرجه الشيخان كما يأتي.
(2)
البخاري رقم (7199) و (7200) ومسلم رقم (41، 42/ 1709) ومالك (2/ 445 - 446).
(3)
في "سننه" رقم (4150).
(4)
لمسلم في كتاب الإمارة رقم (42/ 1709).
(5)
(1/ 174).
الإشراك التوحيد؛ للعلم بأن كل مكلف مأمور به، والشرك: الكفر كما في "النهاية"(1) وفيها أنه فعل الكفر على أربع:
• إما كفر إنكار بأن لا يعرف الله أصلاً ولا يعترف به.
قلت: وهذا لا وجود له إذ الكل من الكفار يعترفون بالله حتى الفلاسفة المنكرين لحدوث العالم، فإنهم يعترفون، لكنهم يسمونه علة.
• قال: وكفر جحود. ككفر إبليس فإنه يعرف الله بقلبه ولا يقر بلسانه.
قلت: فيه تأمل بل هو مقر بلسانه: {خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12)} (2){رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (36)} (3) وغير ذلك. إنما كفره بعدم امتثاله لأمر الله وإصراره على عصيانه كبراً وحسداً كما قال تعالى له: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} (4) الآية، فكفره [63/ ب] من القسم الآتي، وهو قول ابن الأثير.
• وكفر عناد، وهو أن يقر بقلبه، ويعترف بلسانه، ولا يدين حسداً وبغياً ككفر أبي جهل وأضرابه.
قلت: فكفر إبليس من هذا القسم.
• قال: وكفر نفاق، وهو أن يقر بلسانه ولا يعتقد بقلبه. انتهى.
وسرقه كما في "القاموس"(5) سرقه واسَترَقَهُ جاءَ مُسْتتِراً إلى حِرْزٍ، فأخذَ مالاً لغيرِه.
(1)(2/ 466).
(2)
سورة الأعراف: (12).
(3)
سورة ص: (791).
(4)
سورة الأعراف: (12).
(5)
"القاموس المحيط"(ص 1153).
وقوله: "إلا بالحق" وذلك كالقتل قصاصاً، أو قتل الزاني المحصن، أو المبدل لدينه، فإن هذا قتل بالحق.
"وفي أخرى" أقول: هي رواية البخاري.
"ولا تقتلوا أولادكم" كان أهل الجاهلية يقتلون أولادهم لأحد أمرين:
الأول: لئلا يأكل معه طعامه، إما لقلة الطعام وحاجة الآباء، وهو المراد من قوله تعالى:{وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ} (1) أي: لأجل إملاقكم وفقركم، ولذا وعدهم تعالى بالرزق فقال:{نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} (2) وقدم الآباء هنا لحاجتهم.
أو لغير قلة، بل الآباء في غنى، لكن يقتلون الأولاد خشية أن يفتقروا إن قاموا بإطعامهم، وهؤلاء هم الذين أشار الله إليهم بقوله:{وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ} (3) أي: لخشية أن تفتقروا، ولذا وعد الأولاد والآباء بالرزق فقال:{نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ} (4) وقدم الأولاد هنا؛ لأنهم الفقراء والآباء أغنياء، فلله كلام الله وما ينطوي عليه.
والثاني: من حوامل قتل الآباء للأبناء. قتلهم البنات [64/ ب] خشية العار، وهذه هي الموؤدة التي ذكرها الله تعالى، ولذا عده صلى الله عليه وسلم من أعظم الأمور بعد الشك في حديث مسلم (5):"وأن تقتل ولدك مخافة أن يأكل معك"[23/ أ].
(1) الأنعام: (151).
(2)
الأنعام: (151).
(3)
الإسراء: (31).
(4)
الإسراء: (31).
(5)
في "صحيحه" رقم (142/ 86).
قوله: "ببهتان" في "النهاية"(1): وفي حديث بيعة النساء: {وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ} هو الباطل الذي يتحير منه، وهو من البُهْت التَّحيِّر، والألِف والنُّون زائدتان، والبُهْتُ (2): الكذب والافتراء. انتهى. وفسر البهتان في بيعة النساء بأن يأتين بولد من غير أزواجهن فينسبنه إليهم.
وقوله: "ولا تعصوني في معروف". قيد له، وإلِّا فكل ما يأمر به معروف إشارة إلى أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وهذه البيعة هي بلفظ: بيعة النساء المذكورة في القرآن.
وقد روى الطبراني (3) من حديث جرير: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل بيعة النساء في القرآن.
وفي "فتح الباري"(4): البهتان: الكذب الذي يبهت سامعه.
وقوله: "بين أيديكم وأرجلكم" نسب إلى الأيدي لأن غالب كسب الرجل بيديه ومنه بما كسبت أيديكم، وذكر الأرجل تأكيداً، وقيل: يحتمل أن يراد بما بين الأيدي والأرجل القلب؛ لأنه هو الذي يترجم اللسان عنه، فلذا نسب إليه الافتراء كان المراد لا ترمون أحداً بكذب تزورونه في أنفسكم، ثم تبهتون به صاحبكم بألسنتكم.
واقتصر على المنهيات دون المأمورات قيل: لأن المأمورات قد دخلت في قوله: "ولا تعصون" والعصيان مخالفة الأمر والحكمة في التنصيص على المنهيات دون المأمورات أن الكف أيسر من إنشاء الفعل، ولأن اجتناب الفاسد مقدم على اجتلاب المصالح.
(1)(1/ 165).
(2)
هنا في المخطوط (ب): زيادة: "و" وهو مقحم.
(3)
في "المعجم الكبير" كما في "مجمع الزوائد"(6/ 36 - 37) وقال الهيثمي: رواه الطبراني، وفيه سيف بن هارون وثقه أبو نعيم، وضعفه جماعة، وبقية رجاله رجال الصحيح.
(4)
في "لفتح"(1/ 65).
وقوله: "فمن وفى منكم" أي: ثبت [65/ ب] على العهد يروي (وفى) بالتخفيف والتشديد، وهما بمعنى.
"فأجره على الله" تعظيم وتفخيم لما وعد به على الوفاء، وجاء صريحاً تعيين العوض بالجنة.
قوله: "ومن أصاب من ذلك شيئاً فستره الله".
أقول: لفظ البخاري (1): "ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب به في الدنيا فهو كفارة، ومن أصاب من ذلك شيئاً، ثم ستره الله فهو إلى الله إن شاء عفى عنه، وإن شاء عاقبه، فبايعناه على ذلك". انتهى.
وهو هكذا في الجامع (2) وفيه زيادة بعد قوله: "كفارة له وطهور" ونسب ابن الأثير اللفظ إلى البخاري (3) ومسلم (4)، فقول المصنف: "وزاد النسائي
…
" إلى آخره في أخرى بعد قوله: "فأجره على الله" هذه الزيادة هي لفظ الشيخين كما قاله ابن الأثير، وساقها في لفظهما، فلا وجه لحذف "المصنف" لها، وإفراد نسبتها إلى النسائي، فراجعت النسائي (5) فرأيت لفظه: "فمن وفي منكم فأجره على الله" ومن أصاب من ذلك شيئاً فستره الله عليه فهو إلى الله إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له".
انتهى بلفظه فظهر وهم "المصنف" في أنه جعل لفظ الشيخين للنسائي، وليس له، ولنرجع إلى الشرح.
(1) في "صحيحه" رقم (18).
(2)
في "جامع الأصول"(1/ 250).
(3)
في "صحيحه" رقم (18).
(4)
في "صحيحه" رقم (1709).
(5)
في "سننه" رقم (4178)، وقد تقدم.
قوله: "فأخذ به في الدنيا".
أقول: لفظه في الجامع (1) وفي البخاري (2) فعوقب به في الدنيا فهو، أي: العقاب كفارة له.
قال القاضي عياض (3): ذهب أكثر العلماء إلى أن الحدود كفارات، واستدلوا بهذا الحديث، ومنهم من وقف لحديث أبي هريرة (4) أنه صلى الله عليه وسلم قال:"لا أدري الحدود كفارة لأهلها أم لا؟ " قال: لكن حديث عبادة أصح إسناداً.
قلت: صحح ابن حجر (5) إسناده، ثم قال: وإذا كان صحيحاً فالجمع الذي جمع به القاضي حسن، يريد أنه قال القاضي: ويمكن على طريق الجمع بينهما أن يكون حديث أبي هريرة ورد أولاً قبل أن يعلمه الله، ثم أعلمه بعد ذلك. انتهى.
قال النووي (6): عموم هذا الحديث أي: حديث [66/ ب] عبادة مخصوص بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} (7) فالمرتد إذا قتل على ارتداده لا يكون القتل له كفارة.
(1) في "جامع الأصول"(1/ 250).
(2)
في "صحيحه" رقم (18).
(3)
في "إكمال المعلم بفوائد مسلم"(5/ 550).
(4)
أخرجه البزار كما في "مجمع الزوائد"(6/ 265) بإسنادين رجال أحدهما رجال الصحيح غير أحمد بن منصور الرمادي وهو ثقة.
(5)
في "الفتح"(1/ 66).
(6)
في شرحه لـ "صحيح مسلم"(12/ 223).
(7)
النساء: (48).
قال الحافظ ابن حجر (1): قلت: وهذا بناء على أن قوله شيئاً من ذلك يتناول جميع ما ذكر وهو ظاهر، وقد قيل: يحتمل أن يكون المراد ما ذكر بعد الشرك بقرينة أن المخاطب بذلك المسلمون، فلا يدخل حتى يحتاج إلى إخراجه ويؤيده رواية مسلم (2):"من أتى منكم حداً" إذ القتل على الشرك لا يسمى حداً، لكن يعكر على هذا القائل أن الفاء في قوله:"فمن" ترتب ما بعدها على ما قبلها، وخطاب المسلمين بذلك لا يمنع التحذير من الإشراك. فالصواب ما قال النووي. اهـ
والقول بأنه أريد بالإشراك في الحديث الرياء غير صحيح، لأن عرف أنه إذا أطلق الشرك إنما يريد به مقابل التوحيد [24/ أ]، [ولأنَّ] (3) قوله: أنه قال فعوقب، أي: في الدنيا والرياء لا عقاب فيه في الدنيا.
وقوله: "فعوقب" أعم من أن تكون العقوبة حداً أو تعزيراً فيدخل فيه الجلد والقطع في السرقة وتعزيز الأب على قتل ولده مثلاً، وإن كان قد قيل: إن قتل القاتل ليس إلا ردع لغيره، وإلا فإن للمقتول في الآخرة الطلب بدمه؛ لأنه لم يصل إليه حق، وتعقب بأنه قد صار إليه حق، وأي حق، فإن المقتول ظلماً تكفر عنه ذنوبه بالقتل كما ثبت في الحديث:"أن السيْفَ مَحَّاءْ للخطايَا" صححه ابن حبان (4) وغيره، وأي حق يصل إليه أعظم من هذا، وهل يدخل في العقوبة المذكورة المصائب الدنيوية من الأسقام والألم وغيرها؟
(1) في "فتح الباري"(1/ 65).
(2)
في "صحيحه" رقم (43/ 1709).
(3)
في المخطوط (ب): ولأنه.
(4)
في "صحيحه"(ج / 10 رقم 4663) بسند حسن.
قلت: وأخرجه الطيالسي رقم (1267) ومن طريقه البيهقي في "السنن الكبرى"(9/ 164). =
قال الحافظ ابن حجر (1): فيه نظر، ويدل للمنع قوله:"ومن أصاب من ذلك شيئاً فستره الله" فإن هذه المصائب لا تنافي الستر، لكن بينت الأحاديث الكثيرة أن المصائب تكفر الذنوب، فيحتمل أن يراد أنها تكفر ما لا حدَّ فيه، ويفيد الحديث إن إقامة الحد على من وجب عليه كفارة لذنبه [67/ ب] ولو لم يتب، وهو قول الجمهور.
وقيل: لا بد من التوبة وهو قول المعتزلة، ووافقهم ابن حزم، ومن المفسرين البغوي وطائفة، واستدلوا بآية المحاربين:{إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} (2).
وأجيب: بأنه في عقوبة الدنيا، ولذلك قيدت بالقدرة عليه.
قلت: ولأنه من القول بأنه آية المحاربين مخصوصة بإسقاط توبتهم لعقوبتهم، وإلا فإن التائب من الشرب والسرقة وغيرهما مما فيه حد لا يسقط بالتوبة حدَّه في الدنيا.
قوله: "فهو إلى الله".
أقول: هذا لفظ البخاري، وفيه رد على الخوارج الذين يكفرون بالذنوب، وعلى المعتزلة الذين يوجبون [تعذيب](3) الفاسق إذا مات بلا توبة.
واعلم أنه اشتمل الحديث من أحكام البيعة على ثلاثة أحكام:
الأولى: من وفى فأجره على الله.
الثاني: من أصاب شيئاً مما نهى عنه، فعوقب كان كفارة.
والثالث: إن لم يعاقب بأن ستره الله، فأمره إليه إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه.
= وأخرجه أحمد (4/ 185 - 186) والدارمي (2/ 206) والطبراني في "المعجم الكبير"(ج 17 رقم 310، 311) من طرق.
(1)
في "فتح الباري"(1/ 68).
(2)
المائدة: (34).
(3)
سقط من المخطوط، وأثبتت من "الفتح"(1/ 68) للزومها للمعنى.
قوله: "وفي أخرى للثلاثة وللنسائي".
أقول: يأتي من حديث عبادة: "على السمع والطاعة" أي: له صلى الله عليه وسلم في كل ما يقوله، ويأمر به في العسر واليسر. أي: في الرخاء والشدة والمنشط والمكره.
في "النهاية"(1): المَنْشَط: مَفْعَل من النَّشاط، وهو الأمر الذي تَنْشَط له وتَخِفُّ إليه وتُؤثِرُ فعله وهو مصدر بمعنى: النشاط.
والمكره: المكروه وهو أيضاً مصدر مثله. وفسر المنشط أيضاً بالمحبوب.
والأثرة: بفتح الهمزة والمثلثة، ويقال: بضم الهمزة، وإسكان الثاء فراء في "النهاية" (2): الأثرة: بفتح الهمزة والثاء الاسم من أثر يؤثر إيثاراً إذا أعطى.
وفي "غريب الجامع"(3): الأثَرَةُ: الاستبشارُ بالشيء، والإنفرادُ به، والمرادُ في الحديث: إنْ مُنِعْنَا حقَّنا من الغنائم، والفيء، وأُعطِي غيرنا، نَصْبِرْ على ذلك، "وعلى أن لا ننازع الأمر أهله" المراد بالأمر: الأمارة، أي: لا نجاذب أهل الأمارة أمارتهم بالخروج عليهم، والخلاف وإثارة الفتنة، وتأتي أبحاث في الباب [68/ ب].
واعلم أن هذا أخذ بيعة منه صلى الله عليه وسلم لكل من يأتي من الأمة، وأنهم يطيعون أمراءهم، وإن استأثروا عليهم، وليس هذا من صفاته صلى الله عليه وسلم ولا من أخلاقه، بل من صفات خلفاء السوء الذين يأتون من بعده، ويأتي تحقيق ذلك في محله.
وقوله: "وأن نقول بالحق أين ما كنا [25/ أ] لا نخاف في الله" أي: لأجله: "لومة لائم" يلومنا على قول الحق والتكلم به، وقول الحق سبيل إبلاغ الشرائع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعطفه على النهي عن منازعة الأمر للتنبيه على أن الصبر على أمراء الجور وعدم
(1)(5/ 57).
(2)
(1/ 22).
(3)
في "جامع الأصول"(1/ 254).
نزاعهم لا يكون سبباً لكتم الحق، بل يصبر عليهم ويتكلم [69/ ب] بالحق، ولا يطيعهم في معصية، بل إن أمروه بها قال: هذه لا تحل ويبين أنها معصية.
وقوله: "إلَّا أن يروا كفراً بواحاً" لفظه في "الجامع"(1): وفي رواية بمعناه وفيه: "لا ينازع الأمر أهله. قال: إلا أن تروا كفراً بواحاً" الحديث.
"والبَواح": - بفتح الموحدة وتخفيف الواو - فسره المصنف بما ترى، وفسره ابن الأثير (2) بالجهاد من باح بالشيء يبوح به إذا أعلنه.
وقال "البرهان": الحجة والدليل.
واعلم أنه استعمل حديث عُبادة الأخير على وجوب طاعة ذوي الأمر في كل حال من الأحوال الخمسة، وعلى عدم منازعة أهل الأمر، وعلى قوله الحق في كل حال ما لم يؤد إلى فتنة، وإلى أنكر مما أنكره لأدلة في ذلك.
قال النووي (3): فإذا خاف من ذلك على نفسه وماله أو على غيره سقط الإنكار بيده ولسانه ووجبت كراهية فعلته، هذا مذهبنا.
وعلى وجوب منازعة أولي الأمر إن أتوا كفراً بواحاً فهما حكمان: الطاعة على كل حال، وقتالهم عند الكفر البواح.
وقال النووي (4): معنى الحديث لا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم، ولا تعترضوا عليهم إلا أن تروا منهم منكراً محققاً تعلمونه من قواعد الإسلام، فإذا رأيتم ذلك، فأنكروه
(1) في "جامع الأصول"(1/ 253).
(2)
في "جامع الأصول"(1/ 254).
(3)
في شرحه لـ "صحيح مسلم"(2/ 22).
(4)
في شرحه لـ "صحيح مسلم"(12/ 229).
عليهم وقولوا بالحق حيثما كنتم، وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين، وإن كانوا فسقة ظالمين. انتهى.
قلت: ودعواه الإجماع باطلة فقد قال القاضي عياض (1): إنه قد ادعى الإجماع على هذا أبو بكر بن مجاهد، وقد رد عليه بعضهم بقيام الحسن وابن الزبير، وأهل المدينة على بني أمية وبقيام جماعة عظيمة من التابعين والصدر الأول مع ابن الأشعث على الحجاج.
وتأول هذا القائل قوله: "وأن لا ننازع الأمر أهله" في أئمة العدل. وقد قيل: إن خروج من خرج على الحجاج لتغييره الشريعة، وظهور شعار الكفر.
قال القاضي عياض (2): لو طرأ عليه كفر أو تغيير للشرع أو بدعة خرج عن حكم الولاية وسقطت طاعته، ووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه ونصب إمام عادل إن أمكنهم ذلك فإن لم يقع ذلك لطائفة وجب عليهم القيام بخلع الكافر، ولا يجب على المبتدع إلا إذا ظنوا القدرة عليه، فإن تحققوا لم يجب القيام وليهاجر المسلم من أرضه إلى غيرها، ويفر بدينه. انتهى.
قلت: وهذا مبني على إيجاب الهجرة من دار الفسق والحق عدم وجوبها ما لم يحمل فيها على ارتكاب المعصية.
41/ 2 - وعَن عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ الأَشْجَعِيُّ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم تِسْعَةً، أَوْ ثَمَانِيَةً، أَوْ سَبْعَةً فَقَالَ:"أَلَا تُبَايِعُونَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم" فَبَسَطْنَا أَيْدِيَنَا وَقُلْنَا: قَدْ بَايَعْنَاكَ يَا رَسُولَ الله! فَعَلَى مَا نُبَايِعُكَ يا رسول الله؟! قَالَ: "عَلَى أَنْ تَعْبُدُوا الله وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَتُطِيعُوا، وَأَسَرَّ كَلِمَةً خَفِيَّةً، وَلَا تَسْأَلُوا النَّاسَ شَيْئًا". فَلَقَدْ رأيْتُ بَعْضُ أُولَئِكَ
(1) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم"(6/ 247).
(2)
في "إكمال المعلم بفوائد مسلم"(6/ 246).
النَّفَرِ يَسْقُطُ سَوْطُ أَحَدِهِمْ فَمَا يَسْأَلُ أَحَدًا يُنَاوِلُهُ إِيَّاهُ. أخرجه مسلم (1)، وأبو داود (2)، والنسائي (3). [صحيح].
قوله: "وعن عوف بن مالك الأشجعي".
أقول: في "الاستيعاب"(4): يكنى أبو عبد الرحمن، ويقالُ: أبو حماد، ويقالُ:[أبو عمرو](5) وأول مشاهده خيبر، وكانت معه راية أشجع يوم الفتح.
سكن الشام وعمر ومات في خلافة عبد الملك بن مروان سنة (73) روى عنه جماعة.
فقال: "ألا تبايعوني".
أقول: الحديث اشتمل على ما اشتمل عليه ما قبله.
قال النووي (6): المبايعة: المعاهدة، وهي مأخوذة من البيع، لأن كل واحد كان يمد يده إلى صاحبه، وكذا هذه البيعة يكون بأخذ الكف، وقيل: سميت مبايعة لما فيها من المعاوضة لما وعدهم الله من عظيم الجزاء.
قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} (7).
(1) في "صحيحه" رقم (1043).
(2)
في "سننه" رقم (1642).
(3)
في سننه رقم (460)، وهو حديث صحيح.
(4)
في "الاستيعاب"(ص 573) رقم (1947).
(5)
كذا في المخطوط وفي "الاستيعاب": أبو عمر.
(6)
في شرحه لـ "صحيح مسلم"(12/ 229 - 230).
(7)
التوبة: (111).
قوله: "وأسر كلمة خفية" فسرها قوله: "ولا تسألوا الناس شيئاً" وهو حث على العفة، وإفراد الله بإنزال الحاجات به وعدم سؤال أحد من العباد شيئاً من الأشياء، ويأتي تحريم السؤال وجواز ما يجوز منه [71/ ب].
42/ 3 - وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا إذا بايَعْنَا رَسُولَ الله قال: صلى الله عليه وسلم: عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فَيَقُولُ لَنَا: "فِيمَا اسْتَطَعْتُمْ" أخرجه الستة (1). [صحيح].
الحديث الثالث: تقدم معناه، وفيه زيادة أنه كان صلى الله عليه وسلم يلقنهم:"فيما استطعتم".
قال النووي (2): وهذا من كمال شفقته ورأفته بأمته يلقنهم أن يقول أحد: فيما استطعت لئلا يدخل في عموم تنفيذ ما لا يطيقه، وفيه: أنه إذا رأى الإنسان من يلتزم ما لا يطيقه ينبغي له أن يقول: لا تلتزم ما لا تطيق فيضرك تنفيذه، وهو من نحو قوله صلى الله عليه وسلم:"عليكم من الأعمال ما تطيقونه"(3) انتهى.
والحديث فيه حكم واحد، وهو أنه لا تكليف إلا بما يطاق.
الحديث الرابع:
43/ 4 - وعَنْ أُمَيْمَةَ بِنْتِ رُقَيْقَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: أَتَيْتُ النَّبي صلى الله عليه وسلم فِي نِسْوَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ الله! نُبَايِعُكَ عَلَى أَنْ لَا نُشْرِكَ بِالله شَيْئًا، وَلَا نَسْرِقَ، وَلَا نَزْنِي، وَلَا نَأْتِي بِبُهْتَانٍ نَفْتَرِيهِ بَيْنَ أَيْدِينَا وَأَرْجُلِنَا، وَلَا نَعْصِيَكَ فِي مَعْرُوفٍ، قَالَ:"فِيمَا اسْتَطَعْتُنَّ وَأَطَقْتُنَّ". فقلنا: الله وَرَسُوُلهُ أَرْحَمُ بِنَا مِنَّا بأنْفُسِنَا، هَلُمَّ نُبَايِعْكَ. قال سفيان رحمه الله: تعني صافحنا؟ فقال: "إِنِّي لَا
(1) البخاري رقم (7202) ومسلم رقم (1867) وأبو داود رقم (2940) والترمذي رقم (1593) والنسائي رقم (4187، 4188) مالك في "الموطأ"(2/ 982).
(2)
في شرحه لـ "صحيح مسلم"(13/ 11).
(3)
وهو جزء من حديث عائشة الصحيح.
أخرجه البخاري رقم (43) ومسلم رقم (785) ومالك في "الموطأ"(1/ 118) والنسائي رقم (1642).
أُصَافِحُ النِّسَاءَ، إنَّمَا قَوْلي لمِائَةِ امْرَأَةٍ كَقَوْلي لِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ مِثْلِ قَوْلي لامْرَأَةٍ واحِدَةٍ" أخرجه مالك (1) والترمذي (2) والنسائي (3). [صحيح].
44/ 5 - وللشيخين (4) وأبي داود (5) رحمهم الله تعالى عن عائشة رضي الله عنها: مَا مَسَّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَدَ امْرأَةٍ قَطُّ إِلَاّ أَنْ يَأْخذَ عَلَيْهَا، فَإِذَا أَخَذَ عَلَيْهَا فَأَعْطَتْهُ قَالَ:"اذْهَبِي فَقَدْ بَايَعْتُكِ". [صحيح].
قوله: "وعن أميمة بنت رقيقة":
أقول: في التقريب (6): أميمة بنت رقيقة - بالتصغير فيهما - وفي "الاستيعاب"(7): أميمة بنت رُقَيقة أمها رقيقة بنت خُويلد بن أسد بن عبد العزَّى (8) أخت خَديجة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وأميمة بنت عبد [بن](9) بَجاد وهو - بكسر الباء الموحدة - من بني تَيمْ مُرَّة روى عن أميمة محمد بن المنكدر وابنتها حكيمة بنت أمية [26/ أ].
(1) في "الموطأ"(2/ 982).
(2)
في "السنن" رقم (1597) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(3)
في "السنن" رقم (4181)، وهو حديث صحيح.
(4)
البخاري رقم (5288) ومسلم رقم (1866).
(5)
في "سننه" رقم (2941).
قلت: وأخرجه الترمذي رقم (3306) وابن ماجه رقم (2875)، وهو حديث صحيح.
(6)
في "التقريب" رقم الترجمة (8536).
(7)
في "الاستيعاب"(ص 874) رقم (3210).
(8)
في المخطوط (ب) زيادة "العزى" وهي زائدة عن الأصل، وما في "الاستيعاب".
(9)
سقط من المخطوط (ب).
قوله: "فقلنا: نبايعك":
أقول: من الطالِبات للبيعة، وكأنهن قد علمن بآية بيعة النساء فبايعن بما اشتملت عليه، [وتقدم] (1) تفسير البهتان بأنهن:[لا](2) يأتين بولد من غير أزواجهن [فيلصقنه](3) بهم كذباً وافتراءً.
قوله: "فقال: فيما استطعتن وأطقتن"، هذا ينبغي أن يعاد إلى عدم العصيان في معروف لا إلى الخمسة الأولى، فإنها مطاقة ولا يباح منها شيء.
قوله: "لا أصافح النساء".
قال النووي (4): فيه أن بيعة النساء الكلام من غير أخذ كف، وفيه: أن بيعة الرجال بأخذ الكف مع الكلام، وفيه: أن [72/ ب] كلام الأجنبية يباح سماعه عند الحاجة، وأن صوتها ليس بعورة، وأنه لا يمس بشرة الأجنبية من غير ضرورة، فإن كان ضرورة كطب وحجامة وقلع ضرس وكحل عين ونحوها ما لم توجد امرأة تفعل جاز للرجل الأجنبي فيه للضرورة.
قوله: "إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة" قيل: فيه قلب، والمراد إنما قولي لامرأة واحدة كقولي لمائة امرأة لأن غالب الخطاب مع الواحد فما فوقه دون المائة ويحتمل أن لا قلب، والمراد: إنما قولي للكثير كقولي للقليل.
(1) في المخطوط (ب): "وتقديم".
(2)
في المخطوط (ب): "لما".
(3)
في المخطوط (ب): "فيصلقنه".
(4)
في شرحه لـ "صحيح مسلم"(13/ 10).