الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثاني: عن أنس قال: خط رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذا الخط ليس فيه إلا الإنسان وأجله وأمله.
وقوله: "بينما هو كذلك" أي: الإنسان، أي: بينما هو يؤمل، وورد في رواية بهذا اللفظ البخاري والترمذي.
قلت: لفظ الترمذي (1): مختصر ساقه ابن الأثير (2) بلفظ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا ابن آدم، [وهذا] (3) أجله" ووضع يده عند قفاه، ثم بسطها وقال: وثمة أمله، وثمة أجله". وقال: حسن صحيح، وهذه الأحاديث كلها مخبرة بأن أمل الإنسان أطول من أجله، وأنه ينبغي له أن يقصر أمله ليجتهد في العمل الصالح، ويسابق إلى الخيرات، ويبادر بها أجله.
الثالث: عن ابن عمر
(4):
150/ 3 - وعَن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِمَنْكِبِي وَقَالَ: "كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ، أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ". وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ الْمَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صحَّتِكَ لمِرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لمَوْتِكَ. أخرجه البخاري (5) والترمذي (6).
وزاد بعد قوله: "أو عابر سبيل: وعُدّ نفسكَ من أهل القبور. [صحيح].
(1) في "السنن" رقم (2334) وأخرجه ابن ماجه رقم (4232)، وهو حديث صحيح.
(2)
في "جامع الأصول"(1/ 391 - 392).
(3)
في المخطوط (ب) مكررة.
(4)
في المخطوط متأخرة، والصواب ثبتها هنا.
(5)
في "صحيحه" رقم (6416).
(6)
في "سننه" رقم (2333) وأخرجه ابن ماجه رقم (4114)، وهو حديث صحيح.
قوله: "بمنكبي": بفتح الميم وكسر الكاف، فجمع العضد والكتف، وضبط بالإفراد والتثنية.
قوله: "أو عابر سبيل": قال الطيبي (1): ليست "أو" للشك بل للتخيير والإباحة، والأحسن أن تكون بمعنى:"بل" تشبيه للناسك السالك بالغريب الذي ليس له سكن يأويه، ولا مسكن يسكنه، ثم ترقى، وأضرب عنه إلى عابر سبيل [129/ ب] لأن الغريب قد سكن في بلد الغربة بخلاف عابر السبيل القاصد لبلد شاسع وبينهما أودية ومفاوز مهلكة وقطاع الطريق، فإن من شأنه لا يقيم لخطة ولا يسكن لمحة، ومن ثمة عقبه بقوله: "إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح
…
" إلى آخره، وبقوله: "عدَّ نفسك من أهل القبور" فإن المراد استمر سايراً، ولا تفتر فإنك إن قصرت انقطعت وهلكت في تلك الأودية.
قالوا: وفيه إشارة إلى إيثار الزهد في الدنيا، وأخذ البلغة منها والكفاف، فكما لا يحتاج المسافر إلى أكثر مما يبلغه إلى غاية سفره، فكذلك لا يحتاج المؤمن في الدنيا إلى أكثر مما يبلغه المحل. وقالوا: هذا أصل في الحث على الفرار من الدنيا والزهد فيها والاحتقار لها، والقناعة بالبلغة فيها.
وقال النووي (2): معنى الحديث لا تركن إلى الدنيا ولا تتخذها وطناً، ولا تحدث نفسك بالبقاء فيها، ولا تتعلق منها إلا بما يتعلق الغريب في غير وطنه.
وقال غيره: عابر السبيل: هو المار على الطريق طالباً وطنه فالمرء في الدنيا كعبد أرسله سيده في حاجة إلى غير بلده، فشأنه أن يبادر ويفعل ما أرسل له، وقد استشكل عطف عابر سبيل على غريب.
(1) في شرح الطيبي على "مشكاة المصابيح"(3/ 341).
(2)
حكاه عنه الحافظ في "الفتح"(11/ 234).
وأجيب: بأنه من عطف الخاص على العام، وفيه نوع من الترقي لأن تعلقاته أقل من تعلقات الغريب المقيم.
قوله: "وكان ابن عمر يقول
…
".
أقول: هو استنباط منه من الحديث كما قال بعض العلماء: كلام ابن عمر منتزع من الحديث المرفوع، وهو يتضمن النهاية في قصر الأمل، وأن العاقل ينبغي له إذا أمسى لا ينتظر الصباح، وإذا أصبح لا ينتظر المساء يظن أن أجله يدركه قبل ذلك، وهذا الذي أتى به ابن عمر قد ثبت. أخرجه الحاكم مرفوعاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل وهو يعظه:"اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك"(1).
قوله: "وزاد": أي: الترمذي [130/ ب].
أقول: لفظه في الجامع (2) بعد سياق ما ساقه "المصنف": هذه رواية البخاري وأخرجه الترمذي [32/ أ] قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض جسدي، وقال:"كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل، وعدَّ نفسك من أهل القبور" قال مجاهد: قال لي ابن عمر: إذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء، وإذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح، وخذ من صحتك لسقمك، ومن حياتك قبل موتك، فإنك لا تدري يا عبد الله ما اسمك غداً. انتهى.
أي: هل يقال: شقي أو سعيد، ولم يرد اسمه الخاص به فإنه لا يتعين.
وقيل: المراد هل يقال: حي أو ميت.
(1) أخرجه الحاكم في المستدرك (4/ 306) موصولاً من حديث ابن عباس رفعه بسند صحيح. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
(2)
في "جامع الأصول"(1/ 392).