الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خف عنه الحمل، أدى الديون وتحلل من إخوانه، إذا كان بينه وبينهم شيء، وأحضر لأهله ما يكفيهم، واستعد لسفره بما يكفي، وأقلع عن المعاصي، وتاب إلى الله منها.
196 -
بيان صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم
س: ما هي صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم مختصرة؟ وما هي الكتب التي ترشدوننا بقراءتها في هذا المجال (1)(2)؟
ج: قد بيناها، أو بيَّنها العلماء في كتب المناسك، وبيناها في كتابنا:(التحقيق والإيضاح)، وهو كتاب مختصر، بيَّنا فيه حجة النبي صلى الله عليه وسلم من حين خرج من المدينة عليه الصلاة والسلام فإنه خرج من المدينة وأحرم من الميقات عليه الصلاة والسلام في ذي الحليفة، بحج وعمرة، وقد ساق الهدي مائة من الإبل: ثلاثًا وستين من المدينة، وسبعًا وثلاثين جاءت من اليمن، ولم يزل يلبي لما أحرم من ذي الحليفة، لم يزل يلبي: «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن
(1) السؤال الثالث والعشرون من الشريط رقم (324).
(2)
السؤال الثالث والعشرون من الشريط رقم (324). ') ">
الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك» (1) في الطريق حتى وصل مكة، ثم طاف سبعة أشواط، بدأ بالحجر الأسود وقَبَّله واستلمه بيده، وقال:"الله أكبر". وطاف سبعة أشواط عليه الصلاة والسلام، ورمل في الثلاثة الأولى؛ يعني خب فيها، ومشى في الأربعة الأخيرة، ثم صلى ركعتين خلف المقام، ثم مر الحجر واستلمه، ثم بين الصفا والمروة، وسعى سبعة أشواط، يصعد الصفا ويرفع يديه، ويوحد الله ويكبره، ويدعوه ثلاث مرات، يكررها، ثم ينزل ويمشي لما جاء بطن الوادي سعى، رمل في بطن الوادي بين العلمين حتى يخرج من الوادي، ثم يمشي حتى يصعد المروة، ويكبر ويذكر الله ويهلل ويدعو ثلاث مرات، كما فعل على الصفا، سبعة أشواط، ثم بقي على إحرامه؛ لأنه معه الهدي لم يحل، وأمر الناس أن يقصروا ويحلوا، الذين ليس معهم هدي، فطافوا وسعوا وقصروا وحلوا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، أما الذين معهم هدي فأمرهم أن يبقوا على إحرامهم حتى حلوا يوم النحر، وبقية حجة النبي معروفة من أرادها يراجع كتب أهل العلم، ومن ذلك كتابنا:(التحقيق والإيضاح)، فهو مختصر ومفيد في هذا المقام.
(1) أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب التلبية، برقم (1549)، ومسلم في كتاب الحج، باب التلبية وصفتها ووقتها، برقم (1184).
س: لخصوا لنا الطريق الذي سار عليه النبي صلى الله عليه وسلم في حجه (1)؟
ج: هذا معناه بيان حجه صلى الله عليه وسلم، وعمدة المؤمنين وعمدة الفقهاء في كل مذهب من المذاهب المعروفة، عمدتهم حج النبي عليه الصلاة والسلام في بيان أحكام الحج؛ لأنه صلى الله عليه وسلم حج، وقال:«خذوا عني مناسككم» (2) فالمسلمون اعتمدوا في بيان أعمال الحج وسننه، اعتمدوا على حجته صلى الله عليه وسلم، حجة الوداع وهي حجة واحدة، لم يحج بعدما هاجر سوى حجة واحدة، وهي الحجة الأخيرة التي حجها عام عشر، ولم يعش بعدها إلا قليلاً، قريبًا من ثلاثة أشهر قريبًا من ثمانين يومًا، تزيد قليلاً، ثم توفي عليه الصلاة والسلام، ثم انتقل إلى الرفيق الأعلى عليه الصلاة والسلام، وقيل لها: حجة الوداع. لأنه ودع الناس فيها، وقال:«خذوا عني مناسككم، فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا» (3). فهو صلى الله عليه وسلم خرج من المدينة، لخمس بقيت من ذي القعدة عام عشر من
(1) السؤال من الشريط رقم (91). ') ">
(2)
أخرجه مسلم في كتاب الحج، باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبًا، برقم (1297)، بلفظ لتأخذوا عني مناسككم.
(3)
صحيح مسلم الْحَجِّ (1297)، سنن النسائي مَنَاسِكِ الْحَجِّ (3062)، سنن أبي داود الْمَنَاسِكِ (1971)، مسند أحمد (3/ 378).
الهجرة، ونزل إلى ذي الحليفة ميقات أهل المدينة، يوم السبت بعد صلاة الظهر، صلى بالناس الظهر في المدينة، وذكرهم ووعظهم وعلمهم كيفية مناسك الحج، ثم ارتحل فنزل في ذي الحليفة بالناس، وصلى فيها العصر ركعتين والمغرب ثلاثًا، والعشاء ركعتين وصلى فيها الفجر يوم الأحد، وصلى فيها الظهر يوم الأحد ركعتين، حتى تلاحق الناس، ثم توجه من ذي الحليفة بعد الظهر، أحرم بعدما صلى الظهر عليه الصلاة والسلام، بالحج والعمرة جميعًا قارنًا، وساق معه ثلاثًا وستين بدنة، وجاء عليٌّ رضي الله عنه من اليمن ببقية الهدي مائة، سبعًا وثلاثين صار الجميع مائة بدنة، ساقها عليه الصلاة والسلام، صلى الظهر بعد ما لبس الإزار والرداء، وبعد الغسل والتطيب لبى عليه الصلاة والسلام، بقوله:«اللهم لبيك عمرة وحجًا» (1) بعدما اغتسل وبعد ما لبس الإزار والرداء، وبعدما طيبته عائشة بطيب من المسك، بعد ذلك لبى بعدما ركب دابته. هذا هو السنة، إذا أتى الميقات يغتسل ويتطيب ويلبس إزاره ورداءَه إذا كان رجلاً، وتلبس ملابسها المرأة التي تريد الحج، والأفضل أن تكون ملابس لا تلفت النظر، ملابس غير جميلة
(1) أخرجه مسلم في كتاب الحج، باب في الإفراد والقران بالحج والعمرة، برقم (1232).
حتى لا تلفت النظر، فإذا فَرَغَ كلٌّ منهما من ذلك ركب دابته أو السيارة ثم لبَّى، هذه السنة يلبِّي بعدما يركب، بعدما يفرغ من حاجاته كلها، كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا كان بعد فريضة كان أفضل؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أحرم بعد فريضة الظهر، وإن كان في غير فريضة كالضحى وصلى فلا بأس، وذكر جمهور العلماء أنه يستحب له أن يتوضأ ويصلي ركعتين قبل أن يحرم، كما صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر، وأحرم بعدها يستحب للمسلم والمسلمة، عند الإحرام في غير وقت الصلاة أن يصلي ركعتين من الضحى، فيحرم بعدهما هكذا قال الجمهور، ولا أعلم نصًا واضحًا في ذلك، إلا أنهم أخذوا بفعله صلى الله عليه وسلم، لما أحرم بعد صلاة الظهر؛ ولأنه جاء في حديث صحيح رواه البخاري، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«أتاني آت من ربي، فقال: صَلِّ في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرة في حجة» (1) قال بعض أهل العلم: إن هذا في عمومه يدل على شرعية الصلاة عند الإحرام، ولكنه ليس بصريح؛ لأنه يحتمل أن المراد صلوات الفريضة التي صلاها عليه الصلاة والسلام. فالحاصل النظر في هذا واسع، إن
(1) أخرجه البخاري في كتاب المزارعة، باب من أحيا أرضًا مواتًا، برقم (2337).
كان بعد فريضة فهو أفضل، إذا وافق فريضة فهو أفضل، وإن لم يوافق فريضة، بأن كان إحرامه مثلاً الضحى، فإذا توضأ وصلى ركعتين وأحرم بعدهما كان حسنًا إن شاء الله، كما قال جموع أهل العلم، ولأن الوضوء له سُنة، إذا توضأ الإنسان شرع له سنة الوضوء، فيلبس إزاره ورداءَه ويتطيب، ويستكمل كل شيء مثلاً: إن كان شاربه طويلاً قَصَّهُ، وإن كان عنده أظفار طويلة قلمها، وهكذا إبطه وهكذا عانته، هذا من باب السنة، وإذا فعل هذا في بيته قبل ذلك كفى والحمد لله، ثم بعد ما يفعل هذا كله يتهيأ ليركب الدابة أو السيارة، والآن الموجود السيارات، والدواب الآن تركت واكتفي بالسيارة، فالسيارة تقوم مقام الدابة، فإذا ركب لبى قال: اللهم لبيك عمرةً وحجًا. إن كان قارنًا، كفعل النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لبى قارنا؛ لأنه ساق الهدي، أما إن كان ما ساق الهدي فالأفضل له أن يلبي بالعمرة، يقول: اللهم لبيك عمرة. وإن كان الوقت ضيقًا لبى بالحج: اللهم لبيك حجًا. فيكفي هذا، هذا هو الأفضل من القران، وإنما يشرع القران لمن ساق الهدي، من إبل أو بقر أو غنم، وبعدما يقول هذا يقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك. هذه تلبيته عليه الصلاة والسلام، بعد ما بين نسكه، بعدما لبى بالعمرة والحج، وهكذا الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم فعلوا مثله، كانوا يرفعون أصواتهم بذلك، وكان يرفع صوته
(لجزء رقم: 17 PgPg 323
بذلك عليه الصلاة والسلام، وهذا المشروع رفع الصوت بالتلبية، حتى يسمع القريب والبعيد، وحتى ينشط الناس ويتتابعوا في هذه التلبية العظيمة، التى فيها توحيد الله والإخلاص له، ولهذا قال جابر رضي الله عنه:«أنه صلى الله عليه وسلم لما أحرم في ذي الحليفة أَهَلَّ بالتوحيد؛ لأن قوله: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك» (1) هذا هو التوحيد وكانت العرب تشرك بالتلبية، فتقول: إلا شريكًا هو لك تملكه وما ملك (2)، فأبطل الله ذلك بفعل نبيه صلى الله عليه وسلم قولاً وعملاً عليه الصلاة والسلام، فقال:«لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك» (3) هذه التلبية الشرعية الثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وإن لبى بزيادة بأن قال:«لبيك اللهم لبيك، لبيك إله الحق لبيك» (4) فقد ورد هذا عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، أو لبى بأنواع ما جاء عن بعض
(1) أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب التلبية، برقم (1549)، ومسلم في كتاب الحج، باب التلبية وصفتها ووقتها، برقم (1184).
(2)
أخرجه مسلم في كتاب الحج، باب التلبية وصفتها ووقتها، برقم (1185). ') ">
(3)
أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب التلبية، برقم (1549)، ومسلم في كتاب الحج، باب التلبية وصفتها ووقتها، برقم (1184).
(4)
أخرجه الإمام أحمد في مسنده، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، برقم (8415)، والنسائي في كتاب مناسك الحج، باب كيف التلبية؟ برقم (2752)، وابن ماجه في كتاب المناسك، باب التلبية، برقم (2920).
الصحابة، مثل:«لبيك وسعديك والخير كله بين يديك، والشر ليس إليك» (1) ومثل: «لبيك حقًا حقًا تعبدًا ورقًا» (2) وما أشبه ذلك كله حق لا بأس به، لكن التلبية التي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم، ولازمها أفضل من غيرها، ولما كانت أسماء بنت عميس قد ولدت في ذي الحليفة ابنها محمد بن أبي بكر، واستفتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقد أمرها أن تغتسل وتلبي، وهي في نفاسها (3)، فدل ذلك على أن المرأة إذا كانت في النفاس تلبي، وهي في النفاس لا بأس، وهكذا الحائض إذا جاءت الميقات وهي حائض تلبي، تغتسل؛ لأن الرسول أمرها بالاغتسال، أمر أسماء بالاغتسال، وأمر عائشة لما حاضت وأرادت التلبية بالحج قرب مكة، فأمرها أن تغتسل، فالمقصود أنه صلى الله عليه وسلم أمر النفساء والحائض بالاغتسال عند الإحرام، وهو سنة للجميع، ولو كان لا يرفع الحدث في حق الحائض، حتى تنتهي، لكنه فيه النظافة والنشاط، وعائشة رضي الله عنها لما وصلت مكة محرمة
(1) أخرجه مسلم في كتاب الحج، باب التلبية وصفتها ووقتها، برقم (1184)، ولفظ الحديث لبيك وسعديك والخير بيديك لبيك والرغباء إليك والعمل.
(2)
أخرجه البزار في المجمع (ج13 ص 265)، برقم (6803).
(3)
أخرجه النسائي في كتاب مناسك الحج، باب الغسل للإهلال، برقم (2664). ') ">
بالعمرة نزل بها الحيض قبل أن تطوف وتسعى، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تغتسل، وأن تلبي بالحج مع العمرة، فصارت قارنة رضي الله عنها وأرضاها، ثم سار النبي صلى الله عليه وسلم من ذي الحليفة ملبيًا، وسار معه المسلمون يلبون:«لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك» (1). حتى وصل مكة في يوم الأحد الذي هو دون الأحد، الذي أحرم فيه عليه الصلاة والسلام، وصل مكة صباح يوم الأحد، ونزل بذي طوى في طرف مكة، وصلى بها الفجر عليه الصلاة والسلام، بعدما بات بها صلى الله عليه وسلم، واغتسل فيها أيضا عند دخوله مكة، فهو أفضل عند دخول مكة إذا تيسر أن يغتسل المحرم، هذا إذا تيسر، وليس بلازم، ثم لما اغتسل دخل مكة صلى الله عليه وسلم، وطاف وسعى يوم الأحد عليه الصلاة والسلام، رابع شهر ذي الحجة عام عشر من الهجرة، طاف وسعى وبقي على إحرامه؛ لأنه قارن ومعه الهدي، فلم يحل إلى يوم النحر، عليه الصلاة والسلام. وأما الصحابة الذين معه فمن كان معه الهدي فعل فعله، طاف وسعى وبقي على إحرامه، فلم يحل إلا يوم النحر، وأما الذين ليس معهم هدي وقد لبوا بالحج أو بالحج والعمرة جميعًا فإنه صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يجعلوها عمرة، وأن يفسخوا إحرامهم بالحج أو بالحج والعمرة إلى العمرة، أمرهم أن يجعلوها عمرة مفردة، فطافوا وسعوا
(1) صحيح البخاري الْحَجِّ (1549)، صحيح مسلم الْحَجِّ (1184)، سنن الترمذي الْحَجِّ (825)، سنن النسائي مَنَاسِكِ الْحَجِّ (2750)، سنن أبي داود الْمَنَاسِكِ (1812)، سنن ابن ماجه الْمَنَاسِكِ (2918)، مسند أحمد (2/ 131)، موطأ مالك الْحَجِّ (738)، سنن الدارمي الْمَنَاسِكِ (1808).
وقصروا وحلوا بأمره عليه الصلاة والسلام، ومن كان معه الهدي بقي على إحرامه مع النبي صلى الله عليه وسلم، هذه صفة دخوله مكة عليه الصلاة والسلام، وسيره من ذي الحليفة إلى أن وصل مكة عليه الصلاة والسلام، على هذا النحو والمسلمون تابعوه بهذا، عليه الصلاة والسلام، واحتجوا بعمله هذا على ما ذكر من هذه الأمور؛ لأنه صلى الله عليه وسلم المشرع المبين للناس، ولأنه قال للناس:«خذوا عني مناسككم» (1) هذا هو المشروع، كما ذكرنا عنه عليه الصلاة والسلام، ويأتي إن شاء الله بيان بقية أعماله صلى الله عليه وسلم، لما توجه إلى منى وتوجه المسلمون، في الحلقات الأخرى.
س: أرجو أن تتفضلوا بتكملة الحديث عن حجة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لِمَا في هذا الموضوع من فائدة عظيمة، ولعل الكثير يتأسون بفعله عليه أفضل الصلاة والسلام (2)؟
ج: لقد سبق أن ذكرنا صفة حجه عليه الصلاة والسلام، من حين أحرم من ذي الحليفة إلى أن خرج من منى إلى عرفات صباح اليوم التاسع، وقلنا: إنه توجه من منى إلى عرفات بعد طلوع الشمس في اليوم
(1) أخرجه مسلم في كتاب الحج، باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبًا، برقم (1297)، بلفظ لتأخذوا عني مناسككم.
(2)
السؤال الأول من الشريط رقم (91). ') ">
التاسع ملبيًا، والصحابة منهم من يلبي، ومنهم من يهل، فلم ينكر على واحد منهم، فدل ذلك على أن الحجاج إذا توجهوا من منى إلى عرفات يشرع لهم التلبية والتهليل والتكبير، والتلبية أفضل؛ لأنها عمله عليه الصلاة والسلام، وسبق أنه صلى الله عليه وسلم نزل من نمرة، ووجد فيها قبة من شعر قد ضربت له، فنزل بها حتى زالت الشمس، فلما زالت الشمس أمر بناقته فرحلت له، ثم ركب عليه الصلاة والسلام، حتى أتى بطن الوادي؛ يعني وادي عرنة، وخطب الناس خطبة طويلة عليه الصلاة والسلام، وذكرهم بالله وبحقه، وبيَّن فيها ما قدمنا من وضعه أمر الجاهلية، ووضعه الربا ووضعه دماء الجاهلية، ووصيته للمسلمين بالنساء خيرًا، وبيانه حق النساء على الأزواج، وحق الأزواج على النساء، وتقدم أيضًا أنه أوصى عليه الصلاة والسلام بكتاب الله، أوصى بالقرآن الكريم، وقال:«إنكم لن تضلوا ما اعتصمتم به» (1) وفي الرواية الأخرى: «بكتاب الله وسنته» (2) عليه الصلاة والسلام، وسبق أن هذا أمر
(1) أخرجه مسلم في كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم، برقم (1218).
(2)
أخرجه مالك في الموطأ في كتاب الجامع، باب النهي عن القول بالقدر، برقم (1661)، والبيهقي في السنن الكبرى (ج10 ص 114).
معلوم، فالوصية بكتاب الله والوصية بالسنة؛ لأنها الوحي الثاني، ولأن القرآن أمر بطاعة الله ورسوله، وطاعة الرسول هي امتثال السنة، والأخذ بها والتمسك بها، ثم إنه صلى الله عليه وسلم لما فرغ من خطبته قال لهم:«وأنتم تُسألون عني، فما أنتم قائلون؟. قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت. وجعل يرفع إصبعه إلى السماء، ثم ينكبها للناس، ويقول: "اللهم اشهد اللهم اشهد"» (1) فهذا يدل على أن الله سبحانه في السماء في العلو؛ ولهذا رفع يده إلى السماء، وهذا قول أهل السنة والجماعة: أن الله سبحانه فوق العالم، فوق جميع الخلق، وأنه سبحانه فوق العرش. هذا هو الحق الذي عليه أهل السنة والجماعة، وعِلْمه في كل مكان سبحانه وتعالى، كما قال عز وجل:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} .
وقوله سبحانه: {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} . وقوله سبحانه: {فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} . فهو سبحانه فوق العرش، فوق جميع الخلق، وعلمه لا
(1) أخرجه مسلم في كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم، برقم (1218).
يخلو منه مكان؛ ولهذا استشهد عليه الصلاة والسلام برفع أصبعه إلى السماء عليه الصلاة والسلام، وفي هذا من الفوائد شرعية خطبة الناس في عرفات، وأن ولي الأمر يخطب الناس تأسيًا بالنبي عليه الصلاة والسلام، أو يخطبهم نائبه حتى يبين لهم مناسك حجهم، وحتى يرشدهم إلى أصل الدين وأساسه، وهو شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، مع بيان معنى ذلك، وأن هاتين الشهادتين هما أصل الدين، وهما أصل الإسلام، ومعناهما توحيد الله والإخلاص له، والإيمان برسوله محمد عليه الصلاة والسلام، ويذكر لهم ما يحتاجون إليه في هذه الخطبة، من مناسك الحج ومن غير هذا من شؤون الإسلام، ثم إنه صلى الله عليه وسلم بعدما فرغ من خطبته أمر بلالاً فأذن، ثم أقام فصلى الظهر ركعتين، ثم أقام وصلى العصر ركعتين جمع تقديم، وهذا هو السنة للحجاج: أن يصلوا الظهر والعصر قصرًا وجمعًا، في أول وقت الظهر كما فعله المصطفى عليه الصلاة والسلام؛ حتى يتسع الوقت للدعاء والذكر في عرفات، تكون الخطبة قبل الأذان وقبل الصلاة، وفيه دلالة على أنه ما صلى الجمعة، رغم أنه كان يوم الجمعة، فخطب الناس قبل الأذان وذكرهم، ثم أذن فصلى الظهر ركعتين بعدما أقام بلال، ثم صلى العصر ركعتين أيضًا بعد الإقامة هكذا السنة، ويدل ذلك على أن المسافر لا يصلي لجمعة، وإنما يصلي ظهرًا، وهكذا
الحجيج إذا صادف يوم الجمعة يوم عرفة فإنهم يصلونها ظهرًا، كما فعله المصطفى عليه الصلاة والسلام، لا يصلون جمعة؛ ولهذا صلى الظهر ركعتين، وصلى العصر ركعتين، بأذان واحد وإقامتين، فهذا هو السنة للحجاج لفعله عليه الصلاة والسلام، ثم بعد ذلك تقدم إلى عرفات، فوقف عند الصخرات أو جبل الدعاء، ويسمى جبل الرحمة، وجعل وجهه إلى القبلة عليه الصلاة والسلام، وجعل طريق المشاة بين يديه، فلم يزل يدعو ويضرع إلى الله رافعًا يديه حتى غابت الشمس، فهذا يدل على أن هذا هو المشروع للحجاج، بعد صلاة الجمع الظهر والعصر، يتوجهون إلى عرفات، إن كانوا خارج عرفات، وإن كانوا في عرفات استقبلوا القبلة واجتهدوا في الدعاء والذكر، اقتداء به عليه الصلاة والسلام، وقال لهم عليه الصلاة والسلام، لما وقف عند الصخرات واستقبل القبلة، قال:«وقفت ها هنا، وعرفة كلها موقف» (1)
فدل ذلك على أن جميع أجزاء عرفة كلها موقف، وأن الحاج يقف في أي جزء من عرفات، فيكفيه ذلك، والسنة استقبال القبلة حال الدعاء والذكر، سواء كان الجبل أمامه أو عن يمينه أو شماله أو خلفه، يستقبل
(1) أخرجه مسلم في كتاب الحج، باب ما جاء أن عرفة كلها موقف، برقم (1218).
القبلة كما استقبلها النبي عليه الصلاة والسلام، ويدعو ويضرع إلى الله، ويذكره سبحانه حتى تغيب الشمس، والسنة أن يرفع يديه كما فعل المصطفى عليه الصلاة والسلام، وإن أكل أو استراح فلا بأس عليه، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أن أم الفضل أرسلت إليه بقدح لبن، فشرب وهو على راحلته عليه الصلاة والسلام (1)، فعلم الناس أنه مفطر، وهذا هو السنة أن يفطر الحجيج يوم عرفة؛ لأنه أنشط لهم على العبادة، ولأنهم ضيوف الرحمن، فناسب أن يكونوا مفطرين ينشطون للعبادة والذكر والدعاء، في هذا اليوم العظيم، وقد قال عليه الصلاة والسلام:«الحج عرفة» (2) هذا اليوم هو ركن الحج الأعظم، الوقوف فيه، فمن فاته الوقوف في عرفة فاته الحج، ويبتدئ الوقوف بعد الزوال إلى طلوع الفجر، من ليلة النحر يعني بقية يوم عرفة على الليلة كلها، ليلة النحر
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصوم، باب صوم يوم عرفة، برقم (1988)، ومسلم في كتاب الصيام، باب استحباب الفطر للحاج بعرفات يوم عرفة، برقم (1123).
(2)
أخرجه أبو داود في كتاب المناسك، باب من لم يدرك عرفة، برقم (1949)، والترمذي في كتاب الحج، باب ما جاء فيمن أدرك الإمام بجمع فقد أدرك الحج، برقم (889)، والنسائي في كتاب مناسك الحج، باب فيمن لم يدرك صلاة الصبح مع الإمام بالمزدلفة، برقم (3044)، وابن ماجه في كتاب المناسك، باب من أتى عرفة قبل الفجر ليلة جمع، برقم (3015).
غروب الشمس إلى طلوع الفجر، كل هذا موقف سواء وقف بعرفات بعد الزوال، أو بعد غروب الشمس إلى طلوع الفجر، فقد أدرك الحج، ومن لم يدرك عرفة إلا بعد طلوع الفجر فاته الحج، واختلف العلماء رحمة الله عليهم فيما قبل الزوال من يوم عرفة: هل يجزئ الوقوف فيه، أم لا يجزئ؟ على قولين: الأكثرون على أن الوقوف لا يجزئ إلا بعد الزوال؛ لأنه الموقف الذي فعله النبي عليه الصلاة والسلام. وقال آخرون: لو وقف قبل الزوال في صباح عرفة، وانصرف أجزأه ذلك، ولكن عليه دمًا؛ لأنه لم يقف إلى الغروب. واحتجوا بما ثبت من حديث عروة بن مضرس، أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال يا رسول الله، «أَكْلَلْتُ راحلتي وأتعبت نفسي، فما تركت من جبل إلا وقفت عنده، فهل لي من حج؟ فقال عليه الصلاة والسلام: من شهد صلاتنا هذه بمزدلفة، وقد وقف في عرفة قبل ذلك ليلاً أو نهارًا فقد تمَّ حجه، وقضى تفثه» (1) فقوله صلى الله عليه وسلم: «وقد وقف بعرفة قبل ذلك
(1) أخرجه أبو داود في كتاب المناسك، باب من لم يدرك عرفة، برقم (1950)، والترمذي في كتاب الحج، باب ما جاء فيمن أدرك الإمام بجمع فقد أدرك الحج، برقم (891)، والنسائي في كتاب مناسك الحج، باب فيمن لم يدرك صلاة الصبح مع الإمام بالمزدلفة، برقم (3041)، وابن ماجه في كتاب المناسك، باب من أتى عرفة قبل الفجر ليلة جمع، برقم (3016).
ليلاً أو نهارًا» (1). يعم ما قبل الزوال، ولهذا ذهب أحمد رحمه الله وجماعة، إلى أن الوقوف قبل الزوال يجزئ، ويدرك به الحج، وذهب الجمهور رحمة الله عليهم، إلى أنه لا يدرك الحج إلا بالوقوف بعد الزوال، فينبغي للمؤمن أن يحتاط لدينه، وألاّ يقف إلا بعد الزوال، كما وقف النبي عليه الصلاة والسلام، ثم بعد ما غابت الشمس توجه عليه الصلاة والسلام إلى مزدلفة، بعد غروب الشمس هذا هو المشروع للحجيج، أن يمكثوا في عرفات ذاكرين ملبين، داعين مخلصين لله خاشعين لله عز وجل، حتى تغيب الشمس، فإذا غابت انصرفوا إلى مزدلفة، وليس في يوم عرفة دعاء واجب، ولا متعين، بل يدعون الله بما تيسر بذكر الله، ويدعونه بأي دعاء، وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال «خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير» (2)
فينبغي أن يكثر من ذكر الله عز وجل، تسبيحه وتحميده وتكبيره واستغفاره، ومن الدعاء في هذا اليوم العظيم، ويسأل ربه الجنة ويستجير به من النار، ويسأله كل خير سبحانه وتعالى، ويستجير به من كل شر،
(1) سنن الترمذي الْحَجِّ (891)، سنن النسائي مَنَاسِكِ الْحَجِّ (3039)، سنن أبي داود الْمَنَاسِكِ (1950)، سنن ابن ماجه الْمَنَاسِكِ (3016)، مسند أحمد (4/ 261)، سنن الدارمي الْمَنَاسِكِ (1888).
(2)
أخرجه الترمذي في كتاب الدعوات، باب في دعاء يوم عرفة، برقم (3585)، ومالك في الموطأ في كتاب الحج، باب جامع الحج، برقم (963).
فهو يوم عظيم، فيه يتجلى الله لعباده، كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم «أن الله جل وعلا، يتجلى للعباد يوم عرفة، ويدنو منهم كما يشاء سبحانه، فيقول: ما أراد هؤلاء؟ ويقول صلى الله عليه وسلم: ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، وإنه سبحانه ليدنو فيباهي بهم الملائكة» (1) فهو يوم عظيم يباهي الله فيه ملائكته بالحجيج، ويدنو منهم كما يشاء سبحانه وتعالى دنوًا يليق بجلاله، لا يعلم كيفيته إلا هو سبحانه وتعالى، ويعتق العتقاء الكثير من النار في هذا اليوم العظيم، فينبغي لك يا عبد الله أن تجتهد في الضراعة إلى الله، واستغفاره وسؤاله القبول، وسؤاله العتق من النار في هذا اليوم العظيم، ثم بعد ما وصل مزدلفة صلى بها المغرب والعشاء، وكان في الطريق عليه الصلاة والسلام يحث الناس على السكينة وعدم العجلة، ويقول لهم في الطريق:«السكينة السكينة، فإن البر ليس بالإيضاع» (2)
(1) أخرجه مسلم في كتاب الحج، باب في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة، برقم (1348).
(2)
أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالسكينة، برقم (1671)، ولفظ البخاريعليكم بالسكينة، فإن البر ليس بالإيضاع.
يعني ليس بالإسراع، ويلبي في طريقه عليه الصلاة والسلام، هكذا السنة إذا انصرف الناس من عرفات بعد الغروب أن يلبوا، ويكثروا من التلبية، ولا يعجلوا؛ لئلا يضر بعضهم بعضًا، بل بالسكينة، فإذا وجد النص منه عليه الصلاة والسلام وجب العمل بمقتضاه، هكذا الناس ينبغي أن يكون انصرافهم بالسكينة، ومن وجد سعة في بعض الأماكن فلا مانع أن يعجل تعجيلاً لا يضر غيره، فلما وصل صلى الله عليه وسلم مزدلفة أمر بالأذان، فأذن مؤذنه ثم صلى المغرب بإقامة ثلاثًا، وصلى العشاء بإقامة ركعتين، يعني صلاهما بأذان واحد وإقامتين، كما فعل في عرفات عليه الصلاة والسلام، وهذا هو السنة للحجيج: أن يصلوا المغرب والعشاء جمعًا وقصرًا؛ يعني قصرًا للعشاء، أما المغرب فإنها لا تقصر، ثلاثًا دائما في السفر والحضر، فيصليهما بأذان واحد وإقامتين اقتداء بنبينا عليه الصلاة والسلام، ثم بعد ذلك استراح عليه الصلاة والسلام، ونام كما ثبت في حديث جابر رضي الله عنه حتى طلع الفجر، فلما طلع الفجر قام وصلى الفجر بأذان واحد وإقامة، صلاها بغلس (1). أبكر من عادته عليه الصلاة والسلام، حتى يتسع الوقت للوقوف عند المشعر
(1) أخرجه مسلم في كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم، برقم (1218). ') ">
الحرام، وأذن للضعفاء والنساء والشيوخ بالانصراف من مزدلفة ليلاً؛ لئلا يَحطِمَهم الناس، وأما الأقوياء فجلسوا معه حتى صلوا الفجر ووقفوا عند المشعر، ودعوا الله كثيرًا حتى أسفروا، فلما أسفر النبي صلى الله عليه وسلم انصرف إلى منى قبل طلوع الشمس، هكذا ينبغي للناس أن يبقوا في مزدلفة حتى يبيتوا فيها، ويصلوا فيها الفجر، أما الضعفاء من النساء والعجائز والشيوخ الكبار والصبيان ونحوهم، ومن يكون معهم فلا بأس، بل الأفضل أن ينصرفوا قبل حطمة الناس؛ أي انصرافهم من مزدلفة إلى منى في النصف الأخير من الليل، ومن انصرف معهم من محارمهم ومن هو معهم في رحلهم فلا بأس عليه، أما القوي الذي ليس معه نساء فالأفضل له أن يبقى حتى يصلي الفجر، ثم يدعو الله ويذكره كثيرًا حتى يسفر، وقد قال صلى الله عليه وسلم لما وقف يوم مزدلفة:«وقفت ها هنا، وجمع كلها موقف» (1) يعني مزدلفة، يقال لها: جمع. فالمعنى أن مزدلفة كلها موقف، كما أن عرفة كلها موقف، كل إنسان في مزدلفة يجلس في محله، ويدعو الله ويستغفر ويضرع إليه سبحانه وتعالى، ويذكر الله، وليس هناك حاجة إلى أن يتقدم إلى قزح،
(1) أخرجه مسلم في كتاب الحج، باب ما جاء أن عرفة كلها موقف، برقم (1218).
موقف النبي عليه الصلاة والسلام، الجبل المعروف، بل كل إنسان يدعو الله في مكانه والحمد لله، وكان عليه الصلاة والسلام في عرفات وفي مزدلفة يرفع يديه في الدعاء، ويلح في الدعاء، فالسنة رفع اليدين مع الإلحاح في الدعاء، والإكثار من الدعاء؛ تأسيًا به عليه الصلاة والسلام، ومن انصرف من الأقوياء إلى منى قبل دخول الفجر أجزأه على الصحيح، لكن فاته الفضل، فالأفضل له والكمال أن يجلس حتى يصلي الفجر، وحتى يقف بعد طلوع الفجر يذكر الله ويثني عليه، ويدعو إلى أن ينصرف قبل طلوع الشمس، وكان المشركون ينصرفون بعد طلوع الشمس، فخالفهم النبي صلى الله عليه وسلم، وانصرف قبل طلوع الشمس بعد ما أسفر عليه الصلاة والسلام، وهذا هو المشروع لجميع الحجاج: أن ينصرفوا قبل طلوع الشمس؛ اقتداء به عليه الصلاة والسلام.
س: في حلقة سابقة عن حجة الرسول صلى الله عليه وسلم، قد تفضلتم بشرح هذه الحجة، آمل من سماحتكم تكملة ما تبقى
من هذه الحجة المباركة، جزاكم الله خيرًا، حيث وصل بكم القول إلى انصراف الرسول صلى الله عليه وسلم من مزدلفة (1).
ج: قد سبق أن تكلمت على صفة حجه عليه الصلاة والسلام، من حين خرج من المدينة إلى أن وصل إلى مكة، عليه الصلاة والسلام، ثم عن رحلته من مكة إلى منى، وعن رحلته من منى إلى عرفات، وعن رحلته من عرفات بعد غروب الشمس إلى مزدلفة، وما فعله في مزدلفة، عليه الصلاة والسلام، وسبق أنه عليه الصلاة والسلام صلى بها الفجر، ثم أتى المشعر فارتقاه، وجعل يدعو ويذكر الله ويهلل، حتى أسفر جدًا عليه الصلاة والسلام، ورفع يديه بالدعاء، فلما أسفر انصرف إلى منى هذا هو السنة: أن يبيت الحجيج في مزدلفة، وأن يصلوا بها الفجر، وأن يدعوا الله، كل في مكانه وفي منزله؛ لأنها كلها موقف، كل يدعو في مكانه، ويضرع إلى الله، ويسأله من فضله، ويرفع يديه ويذكره كثيرًا، ويدعوه كثيرًا حتى يسفر، فإذا أسفر جدًّا انصرف إلى منى قبل طلوع الشمس؛ تأسيًا بالنبي عليه الصلاة والسلام، وتقدم أنه أذن للضعفة من النساء والشيوخ والصبيان بأن ينصرفوا إلى منى في الليل قبل حَطْمة
(1) السؤال الأول من الشريط رقم (92). ') ">
الناس، هذا هو الذي ينبغي للضعفاء: أن ينصرفوا حتى يخففوا عن الناس، وحتى يسلموا هم أيضًا من حطمة الناس، فالنساء والشيوخ ونحو ذلك، ومن يتبعهم من محارمهم، ومن صاحبهم في الرحلة إلى منى في النصف الأخير من ليلة مزدلفة، فإذا وصلوا إلى منى باتوا فيها بقية الليل، وإن رموا الجمرة فلا بأس، رموها آخر الليل لا بأس، وقد ثبت عن أم سلمة رضي الله عنها، أنها رمت الجمرة في آخر الليل (1).
وثبت عن أسماء بنت أبي بكر ما يدل على ذلك، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم أذن للضعفة، وهُن النساء في ذلك، فإذا رمين ومن معهم في آخر الليل كفى ذلك، وإن أخروا ورموا بعد ارتفاع الشمس فلا بأس، ولكن الأرفق بهن وبمن معهم أن يرموا في آخر الليل إذا وصلوا منى، هذا هو الأرفق بهم، ثم يرجعون إلى منازلهم في منى للإقامة بها وذبح الهدايا، ورمي الجمار في الأيام القادمة، وغير ذلك من شؤون الحج، أما الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد انتظر حتى صلى الفجر، ودعا ربه بعد الصلاة، وذكره ورفع يديه وألح في الدعاء، ثم انصرف قبل طلوع
(1) أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب من قدم ضعفة أهله بليل فيقفون في المزدلفة، برقم (1679)، ومسلم في كتاب الحج، باب استحباب تقديم دفع الضعفة من النساء وغيرهم، برقم (1291).
الشمس، عليه الصلاة والسلام، وسبق أنه صلى بها المغرب والعشاء قصرًا وجمعًا بأذان واحد وإقامتين، ثم نام بعد ذلك عليه الصلاة والسلام، وهكذا الفجر صلاها بأذان وإقامة مع سنتها الراتبة، وصلاها بعد طلوع الفجر مبكرًا، قال ابن مسعود رضي الله عنه:«إنه صلاها قبل ميقاتها» (1) يعني قبل ميقاتها المعتاد؛ وذلك – والله أعلم – ليتسع الوقت للدعاء والذكر بعد صلاة الفجر، ثم المشروع للمسلمين، إذا وصلوا إلى منى بعد انصرافهم من مزدلفة، أن يرموا الجمرة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم انصرف من مزدلفة قبل طلوع الشمس ملبيًا حتى أتى الجمرة ضحى، فرماها بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة، ولم يقف عندها، بل رمى وانصرف عليه الصلاة والسلام، فهكذا المسلمون من الحجاج، إذا وصلوا إلى منى بعد طلوع الشمس بدؤوا بالجمرة تحية منى، وليس في منى صلاة عيد للحجاج، ويقوم مقامها رمي الجمار ذلك اليوم، فترمى الجمرة بسبع حصيات، يرميها الرجل والمرأة والصغير والكبير بسبع حصيات، واحدة بعد واحدة، يكبر مع كل حصاة يقول: الله أكبر، مع كل
(1) أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب متى يصلي الفجر بجمع؟ برقم (1682)، ومسلم في كتاب الحج، باب استحباب زيادة التغليس بصلاة الصبح يوم النحر بالمزدلفة، والمبالغة فيه بعد تحقق طلوع الفجر، برقم (1289).
حصاة، مستشعرًا عظمة الله وطاعته سبحانه، ومستشعرًا إرغام الشيطان ودحره بهذه الحصيات التي ترجم بها مواقفه، ثم ينصرف ولا يقف؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يقف عند جمرة العقبة، بل رماها وانصرف عليه الصلاة والسلام، ووقف للناس يسألونه في منى بعد رميه الجمرة، هذا يقول:«يا رسول الله، أفضت إلى البيت قبل أن أرمي، فقال عليه الصلاة والسلام: لا حرج» (1) وآخر يقول: «نحرت قبل أن أرمي، فيقول: "لا حرج"» (2). وآخر يقول: «حلقت قبل أن أذبح، يقول له: "لا حرج"» (3). وهذا يدل على أن أفعال الحج يوم العيد فيه توسعة، وأن الرمي والطواف والسعي والحلق، أو التقصير والنحر كلها فيها سعة، والنبي صلى الله عليه وسلم رتبها، فرمى يوم العيد ثم نحر عليه الصلاة والسلام، ثم حلق رأسه ثم طيبته عائشة رضي الله عنها، ثم ركب إلى البيت، فطاف عليه الصلاة والسلام، هكذا الترتيب، هذا هو الأفضل: رمي، فنحر، فحلق أو تقصير، فطواف، وسعيٌ إن كان عليه سعي، هذا هو الترتيب، الأول: الرمي، ثم نحر الهدي، ثم حلق الرأس أو تقصيره،
(1) أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب الذبح قبل الحلق، برقم (1722)، ومسلم في كتاب الحج، باب من حلق قبل النحر أو نحر قبل الرمي، برقم (1307).
(2)
صحيح البخاري الْحَجِّ (1738)، صحيح مسلم الْحَجِّ (1306)، سنن الترمذي الْحَجِّ (916)، سنن أبي داود الْمَنَاسِكِ (2014)، سنن ابن ماجه الْمَنَاسِكِ (3052)، مسند أحمد (2/ 217)، موطأ مالك الْحَجِّ (959)، سنن الدارمي الْمَنَاسِكِ (1907).
(3)
صحيح البخاري الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ (6666)، صحيح مسلم الْحَجِّ (1307)، سنن النسائي مَنَاسِكِ الْحَجِّ (3067)، سنن أبي داود الْمَنَاسِكِ (1983)، سنن ابن ماجه الْمَنَاسِكِ (3050)، مسند أحمد (1/ 311).
وبهذا يتحلل التحلل الأول، يلبس المخيط ويغطي رأسه إن كان رجلاً، والمرأة كذلك تتطيب، تكد شعرها إن شاءت، وتقص أظافرها إن شاءت؛ لأنها حلت التحلل الأول، ولا يبقى عليهما جميعًا: الرجل والمرأة، إلا تحريم الجماع، وما يتعلق بالجماع من النساء، فإذا طافا وسعيا بعد ذلك تمَّ الحل كله، وحل للرجل الاتصال بأهله، إذا طاف وسعى بعد الرمي، وبعد الحلق أو التقصير، والسعي إنما يجب عليه إذا كان متمتعًا؛ لأن السعي الأول لعمرته، وهذا لحجه، أو كان قارنًا أو مفردًا لكن لم يسعَ مع طواف القدوم، فيسعى مع طواف الإفاضة، وإن كان سعى مع طواف القدوم فلا سَعْيَ عليه، يكفيه الطواف، الحاج المفرد والحاج القارن بين الحج والعمرة، والنبي كان قارنًا عليه الصلاة والسلام، ولهذا طاف طوافًا فقط ولم يسعَ؛ لأنه قد سعى مع طواف القدوم، عليه الصلاة والسلام، وفي هذا من الفوائد: أن الإنسان قد يشق عليه تأخير الطواف، وقد يشق عليه تأخير الحلق إلى أن يذبح؛ لأن الذبح ليس متيسرًا، فيتأخر إلى اليوم الثاني، فمن رحمة الله ومن تيسير الله عز وجل، ومن إحسانه إلى عباده ورحمته بهم، أن فسح لهم المجال، وجعل هذا الترتيب ليس بواجب، هذا هو الصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم، أنَّ له أن يبدأ بما أخره الرسول صلى الله عليه وسلم، له أن يقدمه؛ لأنه سئل عليه
الصلاة والسلام عما يقدم ويؤخر، فقال:«لا حرج، لا حرج» (1) فإذا أفاض الإنسان قبل أن يرمي، مثل المرأة إذا خافت من الحيض، فأفاضت قبل أن ترمي فلا بأس، ومثل إنسان نحر هديه صار النحر متيسرًا والرمي ما تيسر، له أن يرمي مبكرًا، فنحر قبل أن يرمي فلا بأس، أو حلق قبل أن يرمي، أو ذبح قبل أن يرمي كل ذلك لا بأس والحمد لله. فالحاصل أن الترتيب ليس بواجب، ولكن الأفضل أن يرمي ثم ينحر، ثم يحلق أو يقصر، ويتحلل التحلل الأول، ويلبس المخيط ويغطي رأسه، ثم يذهب إلى البيت فيطوف ويسعى، هذا هو الترتيب المشروع، فمن قدم بعضها على بعض فلا حرج عليه في ذلك، كما فعله المصطفى صلى الله عليه وسلم، وكما أذن للناس عليه الصلاة والسلام في ذلك، ثم بعد ذلك لما رمى الجمرة عليه الصلاة والسلام، ونحر هديه وحلق رأسه طيبته عائشة، ثم ركب إلى البيت، فطاف به عليه الصلاة والسلام، وصلى بمكة الظهر عليه الصلاة والسلام، ثم عاد من مكة وصلى بالناس الموجودين الذين ينتظرونه، صلى بهم الظهر في منى، فصلاها مرتين الأولى في مكة وهي الفريضة، والثانية في منى بمن
(1) أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب الذبح قبل الحلق، برقم (1722)، ومسلم في كتاب الحج، باب من حلق قبل النحر أو نحر قبل الرمي، برقم (1307).
بقي ينتظره، وهي نافلة له عليه الصلاة والسلام، وبهذا يستدل على صحة صلاة المفترض خلف المتنفل، كما كان معاذ يصلي بأصحابه متنفلاً، ويصلي مع النبي فريضته عليه الصلاة والسلام، كل هذا جائز بحمد الله، ثم أقام النبي صلى الله عليه وسلم في منى، الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، يرمي بعد الزوال الجمار الثلاث، كل جمرة يرميها بسبع حصيات واحدة بعد واحدة، ويكبر مع كل حصاة ويجعل الجمرة الأولى، وهي التي تلي مسجد الخيف، يجعلها عن يساره ويتقدم ويسهل؛ حتى لا يصيبه رمي الناس، وحتى لا يضايق الناس، فيرميها بسبع حصيات، ويقف عندها ويجعلها عن يساره، ويدعو ويرفع يديه، ويلح ويطيل الدعاء، كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه رفع يديه، وأكثر الدعاء عليه الصلاة والسلام بعدما رمى الجمرة يوم الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر، ثم أتى الوسطى فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة، ثم جعلها عن يمينه، وأخذ ذات الشمال عن يساره، ووقف يدعو ورفع يديه وألح في الدعاء، عليه الصلاة والسلام، هذا هو السنة لمن تيسر له ذلك، فمن لم يتيسر له ذلك فلا شيء عليه، هو سنة مؤكدة، فعلها المصطفى عليه الصلاة والسلام، أما الثالثة فكان يرميها ولا يقف عندها، جمرة العقبة يرميها يوم الحادي عشر، والثاني عشر،
والثالث عشر، ولا يقف عندها، كما أنه لم يقف عندها يوم العيد، بل رماها وانصرف عليه الصلاة والسلام، ثم أذن للناس بالتعجل، من أراد أن يتعجل يوم الثاني عشر فلا بأس؛ لقول الله سبحانه:{وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} .
من أحب أن يتعجل بعد الرمي يوم الثاني عشر فلا بأس، يرمي الجمار ثم يذهب إلى مكة لطواف الوداع، ومن أحب أن يبقى إلى اليوم الثالث عشر، كما بقي النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه بقي اليوم الثالث عشر عليه الصلاة والسلام، فلما رمى الجمار يوم الثالث عشر بعد الزوال تقدم إلى الأبطح، فنزل به، وصلى به الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، عليه الصلاة والسلام، ثم ركب في أثناء الليل إلى مكة لطواف الوداع، فطاف آخر الليل طواف الوداع، عليه الصلاة والسلام، وصلى بالناس الفجر، وقرأ فيها بـ (الطور)، ثم بعدما انتهى من صلاة الفجر توجه إلى المدينة عليه الصلاة والسلام، صباح يوم الأربعاء الرابع عشر من ذي الحجة، عليه الصلاة والسلام، وبهذا انتهت أعمال الحج بطواف الوداع، ومن انصرف في اليوم الثاني عشر، ودع، إذا كان يريد السفر
ذلك اليوم، وإن أحب أن يبقى في مكة أيامًا، أَخَّرَ الوداع، حتى يعزم على السفر، فإذا عزم على السفر، طاف ثم سافر، وهكذا من أخر إلى اليوم الثالث عشر، ولم يتعجل، فإنه إذا فرغ من الرمي، إن كان أحب أن يبقى في مكة، يبقَ في مكة، وإن أحب السفر، طاف للوداع وساف هكذا، كما فعله النبي عليه الصلاة والسلام، والرمي بعد الزوال في أيام التشريق، لا قبل الزوال، فإن عجز أو شُغل رمى بعد الغروب لهذا اليوم؛ يعني كل يوم إذا لم يتيسر في النهار، يرميه بعد الغروب لذلك اليوم الذي غابت شمسه، وهكذا اليوم الثاني عشر يرميه بعد الزوال إن تيسر، وإلا بعد الغروب، ولزمه المبيت والرمي من غد، وهكذا اليوم الثالث عشر يرميه بعد الزوال، لكن ليس فيه رمي بعد الغروب؛ لأنه انتهى الرمي بغروب الشمس، فالثالث عشر يجب عليه أن يرميه قبل الغروب، وهذا في الغالب غير متعذر، ولا متعسر؛ لأن الناس في الغالب ينصرفون في اليوم الثاني عشر، ولا يبقى إلا القليل في الثالث عشر، فلا يكون هناك صعوبة في الرمي قبل الغروب، لكن بعد الزوال، وفي أيام منى يكثر من ذكر الله، ومن التكبير والتهليل، قال النبي صلى الله عليه
وسلم: «أيام التشريق أيام أكل وشرب، وذكر الله» (1) يذبح فيها الهدايا، ويأكل ويُطْعِم، كما قال سبحانه:{فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} .
ويكثر من الدعاء والذكر، وقراءة القرآن في الأوقات المناسبة، وتعليم الناس الخير والدعوة على الخير، كل هذا مطلوب، إذا كان عنده علم، وفي العيد كذلك، إذا لم يتيسر الرمي يوم العيد يرمي بعد الغروب إلى آخر الليل، فليلة الحادي عشر تابعة ليوم العيد، إذا لم يتيسر الرمي، فيه فإنه يرمي بعد الغروب، ويجزئه ذلك والحمد لله؛ لأن بعض الناس قد ينشغل يوم العيد، وقد يحصل له مانع من الرمي يوم العيد، فيرمي على الصحيح بعد الغروب، ولا حرج في ذلك.
س: سماحة الشيخ، الذي يتابع ما تفضلتم به يلحظ أن حجة النبي صلى الله عليه وسلم كانت قرانًا، نسمع كثيرًا من المفتين أنهم يفتون بأن التمتع أفضل، كيف تناقشون هذا؟ حفظكم الله.
ج: نعم، - النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة أمر الصحابة أن
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسنده، من حديث نبيشة الهذلي رضي الله عنه، برقم (20198).
يجعلوا إحرامهم عمرة؛ الذين ليس معهم هدي، وقد أفردوا الحج، أو قرنوا، فقال:«اجعلوها عمرة، ولولا أن معي الهدي لأحللت» (1) وقال أيضًا عليه الصلاة والسلام: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت، ولجعلتها عمرة» (2) فهذا وجهه قول العلماء: النبي استحب التمتع؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام، رجع إليه وأمر به الصحابة، وأحب أن يكون فعل ذلك، لكن من أحب أن يحرم قارنًا وهو مُهْدٍ، فلا بأس؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يمنع من هذا النسك، وإنما أمر أصحابه أن يحلوا، إلا من كان معه الهدي، وبقي على حاله، فدل ذلك على أن القران باقٍ لمن معه الهدي؛ لأن الرسول لم يبطله عليه الصلاة والسلام، بل استمر عليه، لكن كونه يُحرم بالتمتع ولا يهدي أفضل، يشتريه من مكة أو منى عند الحاجة، ولا يهدي؛ لأن في الهدي والبقاء على الإحرام مشقة كبيرة، قد يندم عليها الإنسان، ولا سيما إذا طال الأمر، قد يقدم في آخر ذي القعدة، أو في أول ذي الحجة، ثم يبقى محرمًا لا يتطيب ولا يقص ظفرًا ولا شاربًا، ولا يأتي أهله، قد
(1) صحيح البخاري الْحَجِّ (1651)، سنن أبي داود الْمَنَاسِكِ (1788)، سنن ابن ماجه الْمَنَاسِكِ (2980)، مسند أحمد (3/ 305).
(2)
أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب عمرة التنعيم، برقم (1785)، ومسلم في كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم، برقم (1218).
247 -
بيان ما يحصل به التحلل الثاني
س: من رمى وحلق وطاف بالبيت ولكنه لم يذبح، هل يجوز له التحلل الأصغر أو الأكبر (1)(2)؟
ج: إذا رمى وطاف وحلق ولو لم يذبح حل له كل شيء حتى النساء، يلبس المخيط، ويغطي رأسه، ويتطيب، ويأتي زوجته؛ لأن الذبح لا يتعلق بالتحلل على الصحيح، لكن الأفضل أن يسردها كما فعلها النبي صلى الله عليه وسلم، أولاً يرمي الجمرة صباح العيد، أو في آخر الليل إن كان من المستضعفين، وإن كان من الأقوياء فالسنة أن يتأخر حتى يرميها الضحى بعد طلوع الشمس، ثم ينحر الهدي سواء كان غنمًا أو بقرًا أو إبلاً، يذبحه ويأكل منه ويتصدق، ثم يحلق رأسه، والحلق أفضل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا للمحلقين بالمغفرة والرحمة ثلاث مرات، والمقصرين واحدة، أو يقصر بدل الحلق من عموم رأسه، وبهذا يتحلل التحلل الأول؛ يعني يجوز له المخيط وتغطية رأسه والطيب ونحو ذلك، ويبقى عليه إتيان النساء، فإذا طاف طواف الإفاضة طواف الحج يوم العيد أو بعده وسعى السعي الذي عليه إن كان ما سعى مع طواف القدوم يسعى مع طواف الحج، أو كان متمتعًا قد طاف وسعى لعمرته
(1) السؤال من الشريط رقم (18).
(2)
السؤال من الشريط رقم (18). ') ">