الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أو صيام ثلاثة أيام مجتمعة أو متفرقة، أو ذبح شاة في مكة للفقراء، أو سبع بدنة أو سبع بقرة عن لبس المخيط الثوب مثلاً، وعليك مثل ذلك عن غطاء الرأس، إن كنت غطيت رأسك؛ لكونك تعمدت ذلك وأنت تعلم أنه لا يجوز لك، لكن للأسباب التي ذكرتها.
س: ذهبت لأداء فريضة الحج العام الماضي، وخرجت من الدمام حتى وصلت الميقات، وأحرمت من الميقات، وعندما وصلت إلى بيت الله الحرام خلعت ملابسي؛ أي ملابس الإحرام، وكنت نويت الحج متمتعًا، ولكنني جهلت هذا الموضوع، فقال لي أحد الزملاء: أنت آثم؛ لأنك لازم تعمل عمرة قبل أن تخلع ملابسك، أو ملابس الإحرام. وسألت بعض الإخوان، قالوا لي: تحرم من مسجد التنعيم، وتعمل عمرة. وفعلت ذلك وأديت فريضة الحج، فهل عملي صحيح؟
ج: لا حرج عليك إذا كنت ناسيًا الحمد لله، ليس عليك إثم إذا كنت ناسيًا أو جاهلاً، لا حرج عليك، وقد أحسنت أن فعلت العمرة، لكن ما يحتاج الذهاب إلى التنعيم، إذا وقع مثل هذا جهلاً أو نسيانًا يعيد
ملابس الإحرام، ويذهب إلى الكعبة ويطوف، إذا أحرم الإنسان من الميقات ثم دخل مكة، ثم خلع ثيابه جاهلاً؛ خلع ملابس الإحرام جاهلاً، ثم نُبِّهَ فإنه يلبس ملابس الإحرام في محله في بيته الذي هو فيه، ثم يذهب إلى المسجد الحرام يطوف ويسعى ويحلق، أو يقصر ولا حاجة أن يروح إلى التنعيم.
171 -
حكم حج من قدم مكة في مهمة رسمية
س: يقول السائل: ما حكم القادم للحج في مهمة رسمية يريد أن يحج أيضًا؟ بم تنصحونه (1)(2)؟
ج: إذا كان عمله لا يمنعه الحج، ومأذون له بالحج فلا بأس، وأما إن كان ممنوعًا من الحج فلا يحج، يبدأ بمهمته الرسمية ولا يحج، إذا كان مندوبًا لحاجة من ولي الأمر، أو مستأجرًا لحاجة يأتي بها قبل الحج، يؤدي الأمانة التي عليه، يبادر بأداء الحاجة التي كلف بها، أما إذا كان الأمر فيه سعة، والمنتدب له لا يؤثر فيه أن يبقى ويحج فلا بأس، يعلم هذا من المنتدب له، سواء كان ولي الأمر أو غيره، يعلم أنه يسمح له بذلك فلا بأس، وإلا فليبادر بالحاجة قبل الحج، ولا يؤخر حاجة الناس.
(1) السؤال من الشريط رقم (260).
(2)
السؤال من الشريط رقم (260). ') ">
س: قضيت عامًا كاملاً بمكة، وجاءت فريضة الحج والحمد لله وأديت الفريضة، فهل علي فداء أو صيام؟
ج: ليس عليك حرج، ولا فدية عليك، إذا لم تترك واجبًا من واجبات الحج، ولم تفعل محرمًا من المحرمات فلا بأس عليك، ولا حرج في كونك أحرمت بالحج من مكة، إذا جئت لمكة لعمل من الأعمال، ثم بدا لك الحج بعد ذلك فلا حرج في ذلك، وهكذا العمرة، لو جئت لمكة لعمل من الأعمال، التجارة أو غيرها، ثم بدا لك أن تعتمر فإنه لا حرج عليك أن تعتمر من الحل، تخرج من مكة إلى الحل، وتعتمر من التنعيم أو غيره، هذا لا بأس به، أما الحج فلا بأس أن تحرم به من نفس مكة، إذا كنت قدمتها بغير نية الحج أو العمرة، قدمتها لعمل ثم بدا لك أن تحج فلا حرج عليك أن تحرم من مكة بالحج، وحجك صحيح إذا كملت ما يجب فيه.
172 -
حجم من مرض بعد إحرامه بالحج والعمرة
س: ما حكم من مرض بعد نية العمرة والحج متمتعًا، ومرض بعد وصوله مكة، ولبس ثيابه لمرضه (1)(2)؟
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (33).
(2)
السؤال الثالث من الشريط رقم (33). ') ">
ج: حكمه أنه لا يزال في إحرامه، ما دام أحرم بالعمرة والحج ثم مرض بعد دخول مكة، حكمه أنه لا يزال في إحرامه، وعليه – إن شفاه الله – أن يطوف ويسعى، وعليه أن يزيل ملابس المخيط، ويبقى في الإزار والرداء، ثم إذا قال الطبيب: يحتاج إلى تدفئة، ويغطي رأسه، ويلبس لباسه. يعني مخيطًا فلا بأس، وعليه فدية إطعام ستة مساكين، أو ذبح شاة، أو صيام ثلاثة أيام عن اللبس، وهكذا عن تغطية الرأس إذا غطاه لمرض، هذا كله إذا كان لم يستثنِ، أما إذا استثنى فقال: إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني. فإنه يحل ولا شيء عليه إذا أصابه مرض منعه من أداء النسك فإنه يتحلل ولا شيء عليه؛ لأنه اشترط، والنبي عليه الصلاة والسلام قال لضباعة بنت الزبير بنت عمه الزبير، لما دخل عليها شاكية قالت:«يا رسول الله، إني أريد الحج. قال: حجي واشترطي: فمحلي حيث حبستني» (1) قال العلماء: معناه أنها إذا اشترطت المرأة، أو اشترط الرجل في إحرامه أن يحل حيث يُحبس، أو فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني. أو قال: فإن حبسني حابس
(1) أخرجه البخاري في كتاب النكاح، باب الأكفاء في الدين، برقم (5089)، ومسلم في كتاب الحج، باب جواز اشتراط المحرم التحلل بعذر المرض، برقم (1207).
فأنا حلال. أو ما أشبه ذلك من العبارات فإنه إذا حبسه حابس من مرض أو ضياع نفقة، أو ما أشبه ذلك مما يمنعه من الحج فإنه يحل.
س: نويت العمل في المملكة، لكن الخروج من السودان لا يتم إلا عن طريق الحج، فحضرت وحججت وبقيت أطلب العمل حتى الآن، ما حكم الحج والحالة هذه؟
ج: لا بأس والحمد لله نويت الحج، ولو كان لك نية أخرى، فإذا خرج الإنسان من بلده إلى الحج أو لقصد آخر للتجارة، أو العمل أو زيارة الأقارب فالأمر في هذا واسع والحمد لله، حجك صحيح، وتسأل الله أن يسهل لك العمل النافع المفيد المباح.
173 -
حكم التحاف المحرم لاتقاء المطر والبرد
س: شخص أراد العمرة، فأحرم من الميقات فصادف بردًا ومطرًا شديدًا، هل يجوز أن يلبس شيئًا على الإحرام؛ ليقيه من البرد والمطر أم لا (1)؟
ج: نعم، لا بأس أن يلتحف بعباءة أو شبه ذلك، أو لحاف ثخين
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم (86).
بطانية أو غيرها؛ حتى تقيه البرد والمطر لا بأس، لكن لا يغطي رأسه، أما إذا كان يحتاج إلى غطاء الرأس؛ لأنه يرى أن عليه خطرًا في ذلك فإنه لا مانع أن يغطي الرأس وعليه الفدية؛ وهي إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من التمر أو غيره، أو صوم ثلاثة أيام، أو ذبح شاة؛ أحد الثلاثة هذا إذا خاف على نفسه من المضرة العظيمة إذا لم يغطِّ رأسه، أما كونه يلتحف على بدنه ببطانية أو مطرحة أو عباءة يطرحها عليه، لا يلبسها اللبس العادي، بل يطرحها عليه؛ لتوقي البرد والمطر، فلا بأس في هذا، ولا شيء فيه.
174 -
حكم لبس المحرم للمخيط عند الضرورة
س: ماذا علي إذا اضطررت للبس مخيط في لبس الإحرام؛ لعذر شرعي كالمرض (1)؟
ج: إذا اضطر الإنسان ووجد عذرًا إلى لبس المخيط فلا بأس، وعليه الفدية، وهي صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين، كل مسكين له نصف الصاع، من التمر أو الأرز أو الحنطة، أو ذبح شاة: جذع ضأن أو ثَنِيّ معز، تذبح في مكة للفقراء، أحد الثلاثة، إذا احتاج إلى أن يغطي رأسه
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (301).
من أجل المرض، أو يلبس المخيط للمرض فإنه يفعل هذه الكفارة.
175 -
بيان ما يجب على من تحلل من إحرامه قبل أداء العمرة
س: في رمضان الماضي نويت أداء العمرة، فسافرت عن طريق البحر، وعند ركوب الباخرة تعطلت ثمانية أيام وقبل المكان الذي يحرم من الناس، وقمت بالإحرام، وكان معي اثنان من زملائي، وبعد نصف ساعة من الإحرام قالوا: إن الباخرة تعطلت مرة ثانية. فتحللنا من الإحرام خوفًا من أن نعود، ونحن لا نعرف شيئًا عن صحة ذلك من عدمه؛ لأنها المرة الأولى التي أعتمر فيها، لكن أحد الإخوان في الرحلة قال: إن هذا لا يصح، وإن علينا فدية. ولم يكن معي مال لأشتري فدية، فهل صحيح أن علينا فدية أم لا؟ وإذا كان علينا فدية لكل منا فأين نفدي؟ وكيف؟ نرجو الإفادة جزاكم الله خيرًا (1).
ج: الواجب في مثل هذا الصبر، وأن تبقيا على إحرامكما حتى تؤديا العمرة، وإذا كنتما خلعتما ملابس الإحرام، ثم أعدتما ملابس الإحرام
(1) السؤال من الشريط رقم (211).
لما سارت الباخرة، وأديتما العمرة فليس عليكما شيء؛ لأن خلعكما الملابس ولبس المخيط صدر عن جهل فيعفى عنكما، إذا كنتما أديتما العمرة، ولم تتركاها، أما إذا كنتما لم تؤديا العمرة، واستمررتما في التحلُّل فإن عليكما تعيدا ملابس الإحرام، وتتوجها إلى مكة لأداء العمرة التي أنتم محرمون بها سابقًا، ويكفي ذلك والحمد لله، ولا شيء بسبب الجهل، إلا إذا كنتما جامعتما زوجاتكما فعليكما شاة لكل منكما؛ لأنها تفسد العمرة بالجماع قبل الطواف والسعي، فعليكما شاة تذبح بمكة للفقراء، وعليكما أن تكملا العمرة بالطواف والسعي والتقصير، وعليكما أن تأتيا بعمرة أخرى بدلاً من العمرة الفاسدة من المكان الذي أحرمتما منه في الأول؛ لأن الجماع يفسد العمرة، فتكملا العمرة التي أحرمتما بها وتفديا، أما لبس المخيط والطيب الذي فعلتما فهذا لا شيء فيه؛ لأجل الجهل، فعليكما أن تكملا ما وقع منكما، وتسألا أهل العلم عن أمركما، وأنتما على خير إن شاء الله، والتوبة تَجُبُّ ما قبلها، وليس للعبد أن يسكت على جهل، بل عندكم – الحمد لله – العلماء، عندكم أنصار السنة، وعندكم علماء الأزهر، وعندكم المفتي، فسألوهم عما أشكل عليكما والحمد لله، وقد أوضحنا لكما بعض ما يجب، وإذا خفي عليكما شيء من ذلك فراجعا مَن لديكما من أهل العلم والبصيرة في هذا الباب، نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق.
176 -
بيان ما يجب على من ارتكب محظورًا من محظورات الإحرام
س: إذا ارتكبت شيئًا من محظورات الإحرام، وفديت بذبح شاة فهل يلزمني نقله لتوزيعه على فقراء الحرم، أم أعطيها مَن هم حولي حال ذبحها (1)؟
ج: هذا يختلف: إن كان فعل المحظور في الحرم وجب توزيعها على فقراء الحرم، فأما إن كان في خارج الحرم فيوزع في مكانه على مَن عنده على حسب الحال، فلو أنه أحرم من ميقات المدينة، واحتاج إلى حلق رأسه لمرض، أو إلى غطاء الرأس لمرض، وهو في بدر مثلاً فإنه يغطي رأسه لبردٍ شديدٍ أو مرض، ويقسم الكفارة على مَن عنده من الفقراء، وإن أخرها حتى يقسمها في مكة كفى ذلك، والفدية في مثل هذا: إطعام ستة مساكين ثلاثة أصواع؛ كل صاع بين اثنين من التمر ونحوه، أو صيام ثلاثة أيام، أو ذبح شاة، الطيب وتغطية الرأس وقلم الأظفار ونتف الإبط هذه الخمسة فيها واحد من هذه الثلاثة: صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين؛ كل مسكين نصف صاع من التمر أو نحوه من قوت البلد، أو ذبح شاة، مخير، وإذا كان فعل
(1) السؤال من الشريط رقم (44).
محظورًا خارج الحرم، مثل بدر لمن أحرم من ميقات المدينة، أو أشباه ذلك في ينبع فإنه يقسمه عنده، وإن أخره حتى يقسم الطعام أو الذبيحة في مكة كفى، أما إذا كان المحظور فعله في الحرم فيقسمه في الحرم.
177 -
حكم الصيد للمحرم
س: يسأل عن حكم صيد الطيور في الأشهر الحرم (1).
ج: الصواب أن الأشهر الحرم لا يحرم فيها الصيد، وإنما الصيد يحرم على المحرم في الحج أو العمرة، أو في أرض الحرم المكي أو المدني، أما أشهر رجب وذي القعدة وذي الحجة والمحرم، فهذه لا يحرم فيها الصيد، وقد اختلف العلماء: هل يحرم فيها القتال أو لا؟ وأما الصيد فلا يحرم.
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم (345).
178 -
حكم من قتل صيدًا وهو محرم من غير تعمد
س: أثناء سيري بسيارتي داخل منطقة الحرم، وأنا محرم اعترضني سرب من الحمام، فاصطدمت إحداهن بسيارتي وماتت، فهل علي من شيءٍ في هذا (1)؟
(1) السؤال من الشريط رقم (44).
ج: هذا فيه نظر، إذا كنت تعمدت ذلك – وطِئتها وطًا – هذا فيه كفارة، وهي شاة تذبح، وإن كان لا، إنما هي صدمت فيك، الطير صدمت في السيارة فلا شيء عليك، أما كونك وطئتها؛ يعني تعمدت صدمها فعليك الكفارة.
179 -
بيان ما يجوز قتله في الحرم من الدواب
س: الأخ: س. ص. و. من العراق، محافظة واسط، يسأل عن الأشياء التي يقتلها المحرم (1)(2).
ج: ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: «خمس من الدواب كلهن فواسق، يقتلن في الحل والحرم: الغراب والحدأة والفأرة والعقرب والكلب العقور» (3) وفي رواية أخرى: «والحية» (4) وفي رواية
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (161).
(2)
السؤال الثالث من الشريط رقم (161). ') ">
(3)
أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب ما يقتل المحرم من الدواب، برقم (1828)، ومسلم في كتاب الحج، باب ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب، برقم (1199).
(4)
أخرجه مسلم في كتاب الحج، باب ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب، برقم (1200).
أخرى: «والسبع العادي» (1) هذه وأشباهها تقتل في الحل والحرم: الغراب والحدأة والفأرة والحية والعقرب والكلب العقور، وهكذا السباع كالذئب والأسد والنمر ونحو ذلك، وهكذا الحشرات التي تؤذي كالبعوض والذباب ونحو ذلك مما يؤذي، كل ذلك لا حرج فيه على المحرم والحلال، في الحل والحرم.
س: من أم عامر من المخبر رسالة ضمنتها هذا السؤال: يوجد في منزلنا كثير من النمل، وهو مؤذٍ ولدغاته مؤلمة، ولا تشفى إلا بعد معالجتها بالمطهرات، وأحيانًا بعد تطهيرها يبقى أثر الألم لمدة يوم كامل، وأحيانًا أكثر من ذلك، والسؤال: هل يجوز لنا قتل هذا النمل؟ وهل هذا الضرر الذي يسببه نا كافٍ للقضاء عليه؟
ج: نعم، إذا آذاكم هذا النمل فاقتلوه ولا بأس، ولكن بغير النار، بغير التحريق، يقتل بالمبيدات الأخرى غير النار ولا حرج في ذلك لأذاه،
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسنده، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، برقم (10607)، وأبو داود في كتاب المناسك، باب ما يقتل المحرم من الدواب، برقم (1848)، وابن ماجه في كتاب المناسك، باب ما يقتل المحرم، برقم (3089).
كما تقتل الفواسق الخمس لأذاها، والنبي صلى الله عليه وسلم قال:«خمس من الدواب كلهن من الفواسق، يقتلن في الحل والحرم، الغراب والحدأة والفأرة والكلب العقور والحية» (1) ومثل الحية العقرب، المقصود أن المؤذيات من الحيوانات كهذه الخمس وأشباهها، والذباب والعقرب والنمل، كل شيء يؤذي من هذه الأشياء لا بأس بقتله.
(1) أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب ما يقتل المحرم من الدواب، برقم (1828)، ومسلم في كتاب الحج، باب ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب، برقم (1199).
180 -
حكم قطع الشجر في الحرم لنصب الخيام
س: أعرف أن الشجر داخل منطقة الحرم لا يجوز قطعه، ولكن أحيانًا حينما نريد نَصْبَ خيامنا يعرض لنا بعض الأشجار الصغيرة، فنضطر لقطعها حتى نقيم الخيمة في مكان نظيف ومريح، فهل علينا من إثم في ذلك (1)(2)؟
ج: لا يجوز القطع، ليس لك القطع ولو للخيمة، الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، وقال:«ولا يعضد شجرها، ولا ينفر صيدها» (3)
(1) السؤال من الشريط رقم (44).
(2)
السؤال من الشريط رقم (44). ') ">
(3)
أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب لا ينفر صيد الحرم، برقم (1833)، ومسلم في كتاب الحج، باب تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها ولقتطها، برقم (1355).
يعني الحرم، ولكن يلتمس للعمود ما يناسبه من الأرض من غير قطع، والشجر يكون ظلاًّ، المقصود يبقى على حاله، لا يقطع شجرًا لأجل الخيمة، وإذا كان فيه شوك أو شبهه يُفرَش عليه فراش، أو يجعل عليه من الرمل أو التراب، ويغطيه حتى لا يتأذى به؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:«لا ينفر صيدها، ولا يعضد شوكها، ولا يختلى خلاها» (1)
س: لقد ذهبت والدتي إلى الحج في السنة الماضية، وخلال الإحرام نسيت واقتلعت بعض الشجيرات، هل يجوز حجها؟ وماذا يجب عليها الآن أن تفعل؟ أرجو الإفادة وفقكم الله.
ج: الله جل وعلا حرم قلع شجر الحرم على المحرم وغير المحرم، ما دخلت في الحدود في الحرم، فإنه لا يعضد شجره ولا يختلى خلاه، كما قاله النبي عليه الصلاة والسلام، فإن كانت هذه الحاجة المسؤول عنها قد اقتلعت من نفس الحرم، ما دخل في الحدود فهذا لا يجوز، وعليها التوبة إلى الله جل وعلا، والاستغفار، ولا شيء عليها في أصح
(1) أخرجه البخاري في كتاب المغازي، برقم (2434)، ومسلم في كتاب: الحج، باب: تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها ولقتطها، برقم (1355).
قولي العلماء، ليس عليها فدية، وإنما عليها التوبة والاستغفار إذا كانت متعمدة، أما إذا كانت جاهلة أو ناسية فلا شيء عليها، أما إن كان قلع الشجر من عرفات وفي يوم عرفة مثلاً فعرفات ليست حرمًا، بل هي حل ولا شيء في قطع شجرها، وإنما الحرم مزدلفة ومنى ومكة، هذا الحرم، فلا يقطع شجرها، ولا يختلى حشيشها الأخضر، ولا ينفر صيدها، ولا يقتل صيدها، أما ما كان في عرفات فهذا ليس بحرم، يجوز قلع الشجر من عرفات للمحرم والحلال جميعًا، وهكذا المحرم له أن يقطع الشجر في غير الحرم في عرفات، في جدة، في بحرة، في أي مكان غير الحرم، ولو كان محرمًا، إنما يحرم عليه الصيد، والشجر ما هو بصيد، المحرم له أن يقتطع الشجر، إذا نزل منزلاً في البر بعد إحرامه له أن يقطع ما يكون في منزله من شجرات تؤذيه، أو حشيش يؤذيه لا بأس، إنما الذي يحرم عليه الصيد، كالظباء والأرانب والحبارى، الصيد من حيث هو لا يحل للمحرم أن يصيد الصيد ولا ينفره ما دام محرمًا، ولو كان في غير الحرم، أما إذا كان في داخل الحرم فإنه يحرم عليه الصيد: للحرم والإحرام جميعًا، فيصير محرمًا لأمرين: للحرم وللإحرام جميعًا، أما الشجر في الحرم فيحرم على المحرم والحلال جميعًا، شجر الحرم يحرم على المحرم، ويحرم على الحاج
جميعًا، لا يقطع الشجر ولا يختلى الخلا، إذا كان الحشيش أخضر سواء كان محرمًا أو حلالاً، وبهذا يعلم جواب السائل عن المرأة التي قطعت شجرات، إن كان ذلك في الحرم فعليها التوبة والاستغفار، ولا شيء عليها، وهي في الغالب جاهلة أو ناسية، فلا يضرها ذلك، وليس عليها فدية في أصح قولي العلماء، أما إن كانت الشجرة قد قطعتها من عرفات، أو قبل عرفات في مكان ليس من الحرم فلا شيء عليها.
181 -
بيان حقيقة مقام إبراهيم وحجر إسماعيل عليهما السلام
س: ما هي قصة مقام إبراهيم وحجر إسماعيل عليهما الصلاة والسلام (1)؟
ج: مقام إبراهيم حجر كان يقوم عليه يبني، فلما فرغ جعله تحت جدار الكعبة، فلما بُعِثَ النبي صلى الله عليه وسلم أُمِرَ بأن يصلي خلفه، أمره الله، قال:{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} . وكان قرب الكعبة، فأخره عمر في المكان المعروف، المقصود أنه حجر كان يقوم عليه إبراهيم للبناء عليه الصلاة والسلام، هذا مقام إبراهيم.
(1) السؤال من الشريط رقم (369).
أما الحجر فهذا قطعة من الكعبة، لما عمرت قريش الكعبة قصرت بهم النفقة، فأخرجوا بعض البيت، وكانت قريش جمعت أموالاً كثيرة من أكساب طيبة، وأبعدت عن النفقة الأكساب الخبيثة؛ كمهر البغي والربا ونحو ذلك، وجمعوا أكسابًا طيبة لبناء الكعبة، قصرت بهم النفقة، فأخرجوا الحجر ومعظمه وأكثره من الكعبة من عند المنحنى نحو سبعة أذرع، هذا من الكعبة، قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها:«صلي في الحجر؛ فإنه من البيت» (1) أما قول بعض الناس: إن فيه أمواتًا، وإن إبراهيم مدفون فيه. أو ما أشبه ذلك، هذا كله باطل، ليس فيه أموات؛ لا إسماعيل ولا غيره، هذه من خرافات الإسرائيليين وبعض التواريخ التي لا تبالي، فالحجر ليس فيه أموات، والمسجد ليس فيه أموات.
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسنده، من حديث عائشة رضي الله عنها، برقم (24095)، وأبو داود في كتاب المناسك، باب الصلاة في الحجر، برقم (2028)، والترمذي في كتاب الحج، باب ما جاء في الصلاة في الحجر، برقم (876).
182 -
بيان تحية المسجد الحرام
س: هل تحية دخول المسجد الحرام هو الصلاة؛ صلاة ركعتين أم الطواف (1)؟
ج: تحيته الطواف لمن تيسر له الطواف، أما من لم يتيسر له الطواف فإنه يصلي ركعتين ويجلس، أما إذا تيسر الطواف فهو الأفضل، يبدأ بالطواف، النبي كان إذا دخل المسجد بدأ بالطواف عليه الصلاة والسلام، فإذا تيسر ذلك يستحب له أن يبدأ بالطواف سبعة أشواط، ثم يصلي ركعتين؛ ركعتي الطواف، وتكفي عن تحية المسجد، وإن كان هناك راتبة كالظهر صلى الرواتب بعدها، صلى راتبة الظهر قبل الصلاة بعد ركعتي الطواف، يصلي الراتبة إذا كان طوافه قبل الظهر بعد الأذان طاف، ثم صلى ركعتي الطواف، ثم يصلي الراتبة تسليمتين للظهر.
(1) السؤال العاشر من الشريط رقم (417).
183 -
حكم من طاف للوداع ثم بات في مكة
س: بالنسبة للطواف، لو طاف طواف الوداع، وبات في مكة هل يلزمه أن يعيد الطواف، أو يخرج من دون إعادة (1)(2)؟
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (4).
(2)
السؤال الرابع من الشريط رقم (4). ') ">
ج: إذا طاف في أول الليل وبات، الأولى له أن يعيد الطواف خروجًا من خلاف العلماء، ينبغي أن يعيد الطواف، فإن تجهز وخرج لا شيء عليه إن شاء الله.
س: قدمت إلى مكة ولم آخذ عمرة؛ لأنني أخذت عمرة في هذه السنة أكثر من مرتين، ولكني أتيت إلى البيت وطفت به، ثم خرجت من مكة وعدت إليها في أقل من أسبوع، وبت فيها ثم خرجت منها ولم أطف بالبيت، علمًا أن طوافي الزيارة الأولى كان واحدًا بنية الزيارة وطواف الوداع، وإنني لم أطف هذه المرة؛ لأنني في نيتي أن أعود إلى مكة مرة أخرى في نفس الأسبوع، أفيدونا وفقكم الله.
ج: العمرة مثل الحج، إنما تجب مرة في العمر، فإذا اعتمر مرة في العمر كفاه ذلك، وصارت العُمَرُ الباقية كلها سنة، كلها نافلة، فإذا أراد المجيء إلى مكة؛ لزيارة أحد أو تجارة أو حاجة أخرى فهو مخير؛ إن شاء أحرم من الميقات، إذا مر عليه كالذي يأتي من الطائف، يحرم من ميقات الطائف، أو يأتي من نجد يحرم من ميقات الطائف، ميقات أهل
نجد، أو من المدينة يحرم من ميقات المدينة، إن أحب ذلك هو أفضل، وإن لم يحرم فلا حرج عليه؛ لأنه ما جاء للعمرة، إنما جاء لحاجات أخرى، فإن شاء أحرم ونوى العمرة وأدى مناسكها من طواف وسعي وتقصير، وإن لم يرد العمرة بأن أراد الدخول بدون إحرام؛ لأنه جاء للتجارة، أو لزيارة بعض الأقارب فلا حرج عليه، لكن متى نوى العمرة فلا بد من الإحرام، ما دام أراد العمرة فليس له أن يتجاوز الميقات إلا بإحرام، فإذا أحرم يؤدي مناسك العمرة من الطواف والسعي والحلق أو التقصير، أما إذا دخل بدون نية العمرة فهو مخير؛ إن شاء أتى البيت وطاف، وإن شاء ترك، إن طاف فلا بأس، وإن ترك فلا بأس، وليس للعمرة حد محدود، لو اعتمر مرتين في الشهر أو ثلاثًا أو مرتين في السنة، أو عشر مرات في السنة كله ليس فيه تحديد، ليس للعمرة حد محدود، أما قول بض العامة: إنه لا بد أن يكون بين العمرتين أربعون يومًا. هذا لا أصل له، ليس لهذا حد محدود.
184 -
بيان فضل ماء زمزم
س: ورد أن ماء زمزم لِمَا شُرِبَ له، فهل يلزم أن يُقْرَأَ فيه شيء من القرآن ويشربه المريض، أو نكتفي بشربه بدون قراءة (1)؟
(1) السؤال من الشريط رقم (435).
ج: ماء زمزم شفاء لما شرب له من غير حاجة إلى القراءة، يقول صلى الله عليه وسلم:«إنها مباركة، إنها طعام طعم، وشفاء سقم» (1)
فالشرب منها والاغتسال منها، كل ذلك من أسباب الشفاء والعافية، ويروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:«ماء زمزم لما شُرب له» (2)
لكن في سنده ضعفًا، ولكن الثابت أنه قال صلى الله عليه وسلم «إنها مباركة، إنها طعام طعم، وشفاء سقم» . والنبي صلى الله عليه وسلم لما فرغ من طوافه يوم العيد، يوم النحر أتاها، وشرب عليه الصلاة والسلام.
(1) أخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي ذر رضي الله عنه، برقم (2473)، دون لفظهوشفاء سقم ورواه الطيالسي في مسنده برقم (1357)، والبيهقي في السنن الكبرى، باب سقاية الحج والشرب برقم (944).
(2)
أخرجه الإمام أحمد في مسنده، من حديث جابر رضي الله عنه، برقم (14435)، وابن ماجه في كتاب المناسك، باب الشرب من زمزم، برقم (3062).
185 -
حكم نقل ماء زمزم
س: السائلة: ح. من القصيم، تقول: هل صحيح بأن نقل ماء زمزم من مكانه إلى مكان آخر يذهب بذلك أثر هذه الماء، وتنقص
قيمته (1)؟
ج: ليس بصحيح، ماء زمزم على بركته، وعلى ما فيه من الخير، ولو نقل إلى الشام واليمن أو أمريكا، هو ماء زمزم، ماء مبارك، سواء شرب في مكة، أو نقل إلى أمريكا، أو إلى نجد أو إلى الشام، أو إلى أي مكان، فضله وما فيه من نفع موجود وإن نُقِلَ.
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم (405).
186 -
حكم من هم بمعصية في مكة المكرمة
س: يسأل المستمع: ع. ف. غ. ويقول: ما حكم من هَمَّ بمعصية في مكة المكرمة، ولكنه لم يفعلها؟ هل يعد كمن فعلها؟ وهل للإقامة في مكة المكرمة والمدينة المنورة آداب وأحكام خاصة بهما (1)؟
ج: مَن هم بالمعصية في الحرم الشريف المكي استحق العقاب، هذا شيء خاص بالحرم المكي؛ لأن الله يقول سبحانه:{وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} . هذا وعيد شديد يدل على أنه إذا هَمَّ بالمعصية، ولو لم يفعل يستحق العقاب، فالواجب الحذر على مَن
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (267).
كان في مكة، وهكذا في المدينة يجب الحذر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حرم المدينة كما حرم إبراهيم مكة، فالواجب الحذر من المعاصي كلها، والهَمِّ بها والعزم عليها، أما في غير مكة والمدينة فالهَمُّ لا يؤاخذ به، إذا هَمَّ بالسيئة فلم يعملها لا تكتب عليه، وإن عملها كتبت سيئة واحدة، وإن تركها من أجل الله كتبت حسنة، كما جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، فالإنسان إذا هم بالسيئة في أي مكان غير مكة والمدينة له ثلاث حالات؛ إحداها: يهم بالسيئة ثم يتركها تشاغلاً عنها، هذا ليس عليه شيء. الثانية: يهم بها ثم يدعها لله خوفًا من الله، فهذه تكتب له حسنة. الثالث: هَمَّ بها وعمل ما استطاع من الفعل السيِّئ، فهذا يؤاخذ بذلك؛ للحديث الصحيح للرسول صلى الله عليه وسلم:«إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار قيل: يا رسول الله، هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: لأنه كان حريصًا على قتل صاحبه» (1) يعني قد فعل أشياء، فهذا الإنسان إذا هَمَّ بالسيئة، وهتك الحل وحاول أخذ المال يأثم بهذه الأشياء؛ لأنها كلها محرمة عليه.
(1) أخرجه البخاري في كتاب الديات، باب قول الله تعالى (وَمَنْ أَحْيَاهَا)، برقم (6875)، ومسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب إذا تواجه المسلمان بسيفيهما، برقم (2888).
187 -
بيان آداب الجوار في مكة والمدينة
س: المستمع يسأل ويقول: هل للإقامة في مكة المكرمة والمدينة المنورة آداب وأحكام خاصة بهما (1)(2)؟
ج: نعم، يجب على من أقام بهما أن يحذر المعاصي والسيئات، أكثر من حذره في غيرهما، يجب على من أقام بهما أن يحذر المعاصي والسيئات أكثر من الحذر لو أقام في غيرهما؛ لأن سيئاتها عظيمة وإثمها أكبر، وإن كانت السيئة بواحدة في كل مكان، لكن سيئة في مكة أعظم في الإثم من سيئة في الطائف، أو الرياض أو أبها، أو أمريكا أو غير ذلك، وحسنة في مكة أعظم من حسنة في غيرها، تضاعف وهكذا في المدينة تضاعف إلى أضعاف كثيرة في الكم والكيفية، لكن السيئة تضاعف بالكيفية، لا في الكم، السيئة في مكة والمدينة تضاعف من جهة الكيفية، من جهة عظم الإثم لا من جهة التعدد، السيئة واحدة، ويشرع لمن أقام في المدينة أو مكة الإكثار من الحسنات والواجب عليه أن يحذر السيئات، وأن يحرص على البعد عنها والسلامة من أسبابها.
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (267).
(2)
السؤال السادس من الشريط رقم (267). ') ">
س: ماذا على من يسكن في حرم المدينة؟ وما هي حدوده بالتحديد؟ جزاكم الله خيرًا.
ج: عليه أن يحذر ما حرم الله عليه في الحرم من صيد، وقطع شجر، ونحو ذلك، كما أن عليه الحذر من المعاصي والبدع كلها، في الحرم وفي غيره، لكن ما كان خاصًا بالحرم من الصيد وغير ذلك يحذره، في حرم المدينة وحرم مكة، كما أن عليه أيضًا أن يحذر المعاصي كلها؛ لأنها في الحرم إثمها أكبر، في حرم المدينة وحرم مكة، فالواجب أن يكون حذره منها أشد من حذره في بقية الأماكن، وأن يراقب الله في ذلك، وعلى سكان المدينة وسكان مكة الحذرُ غايةً من المعاصي؛ لأن إثم المعاصي في مكة والمدينة أشد من إثمها في الطائف أو في نجد أو في الشام، أو في غير ذلك، الواجب على سكان الحرمين أن يتقوا الله غاية، وأن يحذروا ما حرم الله عليهم، وأن يحاسبوا أنفسهم حتى لا يقعوا فيما حرم الله، فإن المعصية فيه عظيمة وشديدة، وإثمها أكبر من فعلها في غير الحرمين، كما أن الحسنة تضاعف في الحرمين، لها مزية وفي المسجدين لها مزية، فينبغي الإكثار من الطاعات في الحرمين، والاستكثار من أعمال الخير، والحذر كل الحذر من جميع المعاصي. أما حدود الحرم المدني فهي موجودة، إذا أراد أن يعرفها يسأل عنها ويقف عليها.
188 -
بيان حدود حرم المدينة النبوية
س: يقول: ع. من الرياض: نرجو من سماحة الشيخ توضيحًا مفصلاً لحدود حرم المدينة النبوية، حيث اتسعت رقعة العمران، ولا يدري بعض سكان المدينة، أهو داخل الحرم أم خارجه (1)؟
ج: النبي صلى الله عليه وسلم حددها، فقال:«ما بين عير إلى ثور» (2)
عير في جهة، وثور في جهة، وفي بعضها:«ما بين لابتيها» (3) وقد بلغني أنه قد وضعت حدود الآن، توضح الحرم: حرم المدينة، وفي الإمكان سؤال العلماء في المدينة، وفي حين وجودي في المدينة في الجامعة كان هناك اهتمام بوضع الحدود اللازمة، ولعلها وضعت.
(1) السؤال الثاني من الشريط رقم (393).
(2)
أخرجه البخاري في كتاب الفرائض، باب إثم من تبرأ من مواليه، برقم (6755)، ومسلم في كتاب الحج، باب فضل المدينة ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم فيها بالبركة، وبيان تحريمها وتحريم صيدها وشجرها، وبيان حدود حرمها، برقم (1370).
(3)
أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب لابتي المدينة، برقم (1873)، ومسلم في كتاب الحج، باب فضل المدينة ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم فيها بالبركة، وبيان تحريمها وتحريم صيدها وشجرها، وبيان حدود حرمها، برقم (1372).
189 -
حكم زيارة المسجد النبوي الشريف
س: يقول هذا السائل: يعتقد كثير من الحجاج – سماحة الشيخ – أن من تمام الحج وكماله زيارة المسجد النبوي الشريف، وإن لم يزره لم يكن قد حج (1)(2)؟
ج: هذا غلط ليس من شروط الحج ولا من واجباته، ولا سننه زيارة المدينة، زيارة المدينة سنة مستقلة، يستحب زيارة المدينة والمسجد النبوي، والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم من بلده رأسًا إلى المدينة، ولو ما جاء للحج إذا كان قد حج، المقصود أن زيارة المسجد النبوي ليس مربوطًا بالحج، لكن الغالب أنه أسهل على الناس، إذا جاءوا للحج سهل عليهم زيارة المسجد النبوي، وإلا فليس شرطًا، لو حج وذهب إلى وطنه فلا نقص عليه والحمد لله، لكن إذا زار المسجد النبوي يكون أفضل؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:«لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى» (3) فالسنة زيارة المسجد النبوي إذا تيسر ذلك، وإذا
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم (422).
(2)
السؤال الرابع عشر من الشريط رقم (422). ') ">
(3)
أخرجه البخاري في كتاب الصوم، باب صوم يوم النحر، برقم (1189)، ومسلم في كتاب الحج، باب لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، برقم (1397).
زار المسجد صلى فيه وسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى صاحبيه رضي الله عنهما، وسلم على أهل البقيع وعلى الشهداء، واستحب أيضًا أن يزور مسجد قباء ويصلي فيه، كل هذا سنة، لكن ما هو شرط مع الحج، لو في غير الحج، لو جاء بسفر مستقل، وإذا جاء للحج ثم زار المدينة خير إلى خير.
س: سماحة الشيخ حفظكم الله، ألا ترون أن بعض العلماء الذين صنفوا في كتب المناسك يكتبون بفضل زيارة المسجد النبوي، ألا ترون يا سماحة الشيخ أن هذا من أسباب فهم الحجاج.
ج: لأن هذا أسهل على الناس، يأتون إلى الحج من الشام أو من اليمن، أو من جهة بعيدة أسهل عليهم يزورون المدينة؛ لأن قصد المدينة بسفر مستقل قد لا يتيسر لهم، لكن إذا جاؤوا إلى الحج كان زيارة المسجد النبوي أيسر؛ ولهذا ذكر العلماء الزيارة في أبواب الحج في كتاب الحج؛ لأجل أن الزيارة أسهل على الحجاج، إذا جاؤوا إلى مكة ما بقي عليهم إلا مسافة قصيرة، ويأتون المسجد النبوي، هذا السبب وإلا ليس مربوطًا بالحج، أما حديث: «من حج ولم يزرني فقد
جفاني» (1) فحديث ضعيف غير صحيح موضوع.
(1) أورده ابن الجوزي في الموضوعات (2/ 217)، وابن عدي في الكامل (2/ 66)، برقم (1128).
190 -
حكم من اعتقد أنه لا يتم الحج إلا بزيارة المدينة النبوية
س: هل الحج لا يصح إلا بزيارة مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وكذلك السلام عليه (1)؟
ج: الحج مستقل، ما يتعلق بالزيارة، ولا يربط بالزيارة، والحج إذا أداه المؤمن كما شرعه الله تمَّ حجه، ولا يلزمه شيء، أما زيارة المدينة والصلاة في المسجد النبوي فهي سنة نافلة، مَن زاره فله أجر، ومن ترك فلا شيء عليه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:«لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: للمسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى» (2)
وقوله: «صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام خير من مائة صلاة في مسجدي هذا» (3) ودل هذا على أن الزيارة سنة، فيها مضاعفة للصلاة،
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (363).
(2)
أخرجه البخاري في كتاب الصوم، باب صوم يوم النحر، برقم (1189)، ومسلم في كتاب الحج، باب لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، برقم (1397).
(3)
أخرجه البيهقي في سننه، كتاب الحج، باب فضل الصلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، برقم (10577).
ولكن ليست واجبة، فالواجب إتيان المسجد الحرام للحج والعمرة، هذا هو الواجب مرة في العمر، إذا حج مرة، واعتمر مرة سقط عنه الواجب وزيارة المسجد النبوي سنة، وإذا أتى المسجد الحرام للحج والعمرة مرات كثيرة هذا سنة، تزور المسجد النبوي مرات، وللحج مرات، وللعمرة مرات، هذا شيء مطلوب ومشروع، وهكذا زيارة المسجد النبوي، إذا زاره للصلاة فيه والقراءة والتعبد مشروع، وإن تكرر هذا، والمسجد الأقصى تزوره، وإن تكرر، هذا بنية الصلاة فيه؛ لأن الصلاة بخمسمائة صلاة في مسجد القدس، كل هذه سنة، وزيارتها وإن تكررت كثيرًا، لكن الواجب زيارة المسجد الحرام للحج والعمرة فقط، هذا هو الواجب مرة في العمر، الحج مرة، والعمرة مرة، والبقية كلها نافلة، هذا الحج مرة واحدة، والعمرة الزائدة عن المرة نافلة، وزيارة المسجد النبوي نافلة، وزيارة المسجد الأقصى نافلة، ليس فيه فرق إلا إذا نذر، قال: أنذر لله أني أصلي في المسجد النبوي، تكون واجبة؛ حتى يؤدي النذر، أو: عليَّ أن أصلي في المسجد الأقصى. يكون واجبًا، أو نذر أن يصلي في المسجد الحرام، يكون واجبًا إذا نذر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:«من نذر أن يطيع الله فليطعه» (1) ولا شك أن الصلاة في المسجد النبوي طاعة، والمسجد
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأيمان والنذور، باب النذر في الطاعة، برقم (6696).
الأقصى طاعة، فلا بأس أن يؤدي الناذر ما نذر له، وإن لم يستطع يُكَفِّرْ.
أما لو قال: لله علي أن أصلي ركعتين في مسجد قباء. أو: في مسجد دمشق. غير المسجد الأقصى، لا يجب عليه، وليس عليه شد الرحال؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن هذا؛ شد الرحل، في أي مسجد يصلي يكفي ذلك، ولكن إذا خص الثلاثة يلزمه شد الرحل، إذا خص الثلاثة: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم؛ لقوله عليه الصلاة والسلام:«من نذر أن يطيع الله فليطعه» (1). وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى» (2) فلو نذر الصلاة في أي مكان لم يلزمه الوفاء في ذلك المكان أو الصوم إلا في هذه الثلاثة: المسجد الحرام، ومسجد النبي، والمسجد الأقصى.
(1) صحيح البخاري الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ (6700)، سنن الترمذي النُّذُورِ وَالْأَيْمَانِ (1526)، سنن النسائي الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ (3808)، سنن أبي داود الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ (3289)، سنن ابن ماجه الْكَفَّارَاتِ (2126)، مسند أحمد (6/ 36)، موطأ مالك النُّذُورِ وَالْأَيْمَانِ (1031)، سنن الدارمي النُّذُورِ وَالْأَيْمَانِ (2338).
(2)
أخرجه البخاري في كتاب الصوم، باب صوم يوم النحر، برقم (1189)، ومسلم في كتاب الحج، باب لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، برقم (1397).
191 -
حكم من اعتقد قدسية غار حراء وغار ثور
س: بعض الإخوة الذين يفدون على المملكة يقولون: إن جميع ما في المدينة من المزارات، أو في مكة – يقولون: – إنها أماكن مقدسة. وأيضًا يزورون مثلاً غار حراء وغار ثور، وجبل الرحمة،
يقولون: إنها أماكن مقدسة (1).
ج: هذا غلط، ليست هذه أماكن مقدسة، ولا يقال في غار ثور ولا في حراء، أو بيت فلان: إنه مكان مقدس؛ لأن الرسول ما قدسه صلى الله عليه وسلم، لما أنزل الله عليه النبوة لم يزر حراء بعد ذلك، ولم يصل في حراء بعد ذلك، ولم يدعُ إلى زيارته، ولا زاره الصحابة، فدل ذلك على أنه غير مقدس، ولا يزار حتى غار ثور، ما زاره بعد ذلك، ولا زاره الصحابة، فدل على أنه غير مقدس، ولا يزار ولا يستحب أن يزار، كذلك المدينة؛ إنما يُزار فيها مسجده صلى الله عليه وسلم، يصلى فيه وهكذا مسجد قباء، يصلى فيه، وهكذا البقيع يزار الموتى للسلام عليهم للرجال خاصة، وهكذا شهداء أحد يستحب أن يزاروا للسلام عليهم، والدعاء لهم من الرجال، لكن ما يقال للمقابر: إنها مقدسة؛ لأن هذا لا دليل عليه، ولكن تزار للدعاء لأهلها، والترحم عليهم، وأخذ العبرة والذكرى، والقبور فيها عبرة وذكرى، فالمسلم يزورها للسلام عليهم، والدعاء لهم، والتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في ذلك، ولكن لا يزورها الإنسان للدعاء عندها، أو يصلي عندها، هذا منكر، ولا
(1) السؤال السادس من الشريط رقم (39).
يزورها أيضًا ليقرأ عندها، هذا غير المشروع، ولكن يزورها للسلام عليهم والدعاء لهم في البقيع في المدينة، في شهداء أحد في المدينة، والمعلاة في مكة، وسائر القبور في البلد يزورها المسلم للسلام عليهم والدعاء لهم، لكن بدون شد رحل، لا تشد لها الرحال، إنما يزورها إذا كان في بلدها هذا هو المشروع، والنساء لا يزرن القبور؛ لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه لعن زائرات القبور؛ ولأنهن فتنة، وصبرهن قليل، فمن حكمة الله أن نهاهن عن زيارة القبور، وحرم عليهن ذلك، وليس في المدينة أشياء تزار غير ما عرفت، أما الآبار والجبال والمساجد الأخرى فلا تشرع زيارتها، وليست زيارتها عبادة، إنما الذي يزار في المدينة أربعة أشياء: مسجد النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة فيه والقراءة والدعاء، ومسجد قباء للصلاة فيه كما عمله النبي صلى الله عليه وسلم، وقبور البقيع للسلام عليهم والدعاء لهم، وشهداء أحد للدعاء لهم والسلام عليهم. وهكذا بقية القبور في أي مكان تزار من دون شد رحل للذكرى والعظة، أما الموالد فلا تزار وليست مقدسة، والمولد محل المولد لفلان أو فلان، كالنبي صلى الله عليه وسلم، أو عليٍّ أو غير ذلك لا يشرع زيارتها، ولا موالد غيرهم من الناس، يعني المولد لا تشرع زيارة محله، لا النبي صلى الله عليه وسلم، ولا علي ولا
العباس ولا فاطمة، ولا غيرهم؛ لأن هذا ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أصحابه، فدل ذلك على أنه بدعة، والنبي عليه الصلاة والسلام قال:«من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» (1) وقال عليه الصلاة والسلام: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» (2) فعلى المسلم أن يتحرى الشرع، ويأخذ به ويدَع ما خالف ذلك في أي مكان، هذا هو طريق النجاة، وهذا هو سبيل السعادة، وهذا هو الذي قاله أهل العلم وأهل البصيرة.
(1) أخرجه مسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأقضية الباطلة ورد محدثات الأمور، برقم (1718).
(2)
أخرجه البخاري في كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود، برقم (2697)، ومسلم في كتاب الأقضية، باب نقض الأقضية الباطلة ورد محدثات الأمور، برقم (1718).
192 -
حكم من حج ولم يزر المسجد النبوي
س: السائل ي. ع. بعث برسالة يقول في أحد أسئلتها: إذا أدى الإنسان فريضة الحج على أكمل وجه، ولم يزر قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يذهب إلى المدينة المنورة، هل عليه إثم في ذلك (1)؟
(1) السؤال من الشريط رقم (303).
ج: ليس عليه إثم، فالحج مستقل والزيارة مستقلة، وليس من شرط الحج الزيارة، ولا من أركانه ولا من واجباته، فإذا حج ولم يزر المدينة ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم فلا شيء عليه، حجه صحيح، ولكن يستحب أن يزور المدينة، وأن يصلي في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في أي وقت، يستحب أن يزور المدينة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:«صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام» (1) ثم قال صلى الله عليه وسلم: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى» (2) ويستحب أن يزور المسجد النبوي، ويسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى صاحبيه: الصديق وعمر، ويزور قباء يصلي ركعتين في مسجد قباء، ويزور البقيع ويسلم على أهل القبور، وهكذا الشهداء في أحد، ويسلم عليهم، كل هذا سُنة، لكن تشد الرحال من أجل المسجد، ويشد الرحل بالنية للمسجد، ثم إذا وصل للمدينة سلم
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة، باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، برقم (1190)، ومسلم في كتاب الحج، باب فضل الصلاة في مسجدي مكة والمدينة، برقم (1394).
(2)
أخرجه البخاري في كتاب الصوم، باب صوم يوم النحر، برقم (1189)، ومسلم في كتاب الحج، باب لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، برقم (1397).
على النبي وعلى صاحبيه، وزار مسجد قباء وسلم على المقبورين في البقيع وفي أحد، فهذا هو السنة.
193 -
حكم قراءة الفاتحة على قبر الرسول صلى الله عليه وسلم
س: ما حكم قراءة الفاتحة على قبر الرسول صلى الله عليه وسلم؟ إذ إن كثيرًا من الناس عندما يذهب إلى الحج أو العمرة يقول لك: اقرأ لي الفاتحة على قبر الرسول صلى الله عليه وسلم (1).
ج: هذا لا أصل له، هذا بدعة، والقرآن لا يُقرأ على القبور، يُقرأ في المساجد، وفي البيوت، وفي الطريق، أما على القبور لا، لا يقرأ عند القبور، النبي صلى الله عليه وسلم قال:«اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم، ولا تتخذوها قبورًا» (2)؛ «لا تجعلوا بيوتكم مقابر فإن الشيطان يفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة» (3) فدل على أن القبور لا يقرأ
(1) السؤال العاشر من الشريط رقم (35).
(2)
أخرجه الإمام أحمد في مسنده، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، برقم (7762).
(3)
أخرجه البخاري في كتاب الجمعة، باب التطوع في البيت، برقم (1187)، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاة النافلة في بيته، برقم (780).
عندها الناس، القراءة في المساجد، في البيوت، أما القبور تزار، يسلم عليهم، يدعى لهم بالمغفرة والرحمة، ولكن لا يجلس عندهم للقراءة ولا يجلس عندهم للدعاء ولا للصلاة، لا يصلي عندها ولا يقرأ عندها، ولا تتخذ محلاً للدعاء، ولكن يسلم عليهم، الزائر يدعو لهم يستغفر لهم، ثم ينصرف، هذه هي السنة، كان النبي صلى الله عليه وسلم يزور القبور في البقيع، فيسلم عليهم ثم ينصرف، وهكذا الصحابة كانوا يزورون القبور فيسلمون على القبور، ويدعون لهم ثم ينصرفون هذه السنة، أما القراءة عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، أو عند قبر غيره، أو الصلاة عند القبر، أو الجلوس عنده يتحرى الدعاء عنده، يظن أنه أقرب للإجابة هذا ليس له أصل، هذا من البدع التي أحدثها الناس.
194 -
حكم زيارة المساجد السبعة في المدينة النبوية
س: ما حكم زيارة المساجد السبعة في المدينة النبوية (1)؟
ج: ليس لها أصل وليست مشروعة؛ لأن هذه المساجد السبعة ليس لها أصل، وإنما اعتادها الناس على غير بصيرة، وليست مشروعة زيارتها، إنما المشروع زيارة المسجد النبوي، وإذا زار المسجد النبوي
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم (277).
يستحب أن يزور مسجد قباء خاصة، كان النبي يزوره صلى الله عليه وسلم، فمن زار المدينة يستحب أن يزور مسجد قباء، أما ما سوى ذلك: مسجد القبلتين، المساجد السبعة، هذه غير مشروعة، لا تشرع زيارتها، ليس عليها دليل، وإنما المشروع زيارة مسجد قباء خاصة، كان النبي يزوره صلى الله عليه وسلم كل سبت، وقال:«من تطهر في بيته، ثم أتى مسجد قباء وصلى فيه صلاة كان له كأجر عمرة» (1) وزيارة مسجده صلى الله عليه وسلم أمر مشروع مع المسجد الحرام والمسجد الأقصى؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى» (2) وقال عليه الصلاة والسلام: «صلاة في مسجدي هذا خيرٌ من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام» (3) متفق على صحته، والحاصل أن ليس في المدينة ما
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسنده، من حديث سهل بن حنيف رضي الله عنه برقم (15551)، والنسائي في كتاب المساجد، باب فضل مسجد قباء والصلاة فيه، برقم (699)، وليس فيه تطهر في بيته. وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في الصلاة في مسجد قباء، برقم (1412)، واللفظ له.
(2)
أخرجه البخاري في كتاب الصوم، باب صوم يوم النحر، برقم (1189)، ومسلم في كتاب الحج، باب لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، برقم (1397).
(3)
أخرجه البخاري في كتاب الصوم، باب صوم يوم النحر، برقم (1189)، ومسلم في كتاب الحج، باب لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، برقم (1397).
يستحب زيارته من المساجد، إلا مسجد قباء، لمن زار المدينة بعد مسجد النبي عليه الصلاة والسلام، وهكذا الأماكن ليس هناك أماكن تزار سوى مسجده صلى الله عليه وسلم، ومسجد قباء، لكن إذا زار القبور للسلام عليهم هذا مستحب في كل بلد يزور القبور، ويسلم عليهم وفي المدينة يزور قبور الشهداء، ويزور قبور البقيع، ويسلم عليهم ويدعو لهم هذا مستحب.
195 -
نصيحة فيما يشرع لمن عزم على الحج
يقول السائل: من عزم على الحج، لا بد لسماحة الشيخ من توجيه حول هذا الموضوع، بِمَ تنصحون من يعزم على الحج (1)؟
ج: إذا عزم على الحج: شُرع له أن يعتني بهذا الأمر، ويستعد له: بقضاء الدين إن كان هناك دين، وإن كانت حقوق عليه يؤدِّها، ويُعد نفقة لأهله حتى يرجع إليهم، وإن كان هناك بينه وبين أحد شحناء يجتهد في حل الشحناء وعدم التهاجر بغير حق، ويعد الزاد المناسب، والحاجات المناسبة له في سفره وفي مكة، ويبادر بالتوبة النصوح من ذنوبه وسيئاته، كل هذه ينبغي له إعدادها قبل السفر، حتى إذا سافر فإذا هو قد
(1) السؤال من الشريط رقم (260).
خف عنه الحمل، أدى الديون وتحلل من إخوانه، إذا كان بينه وبينهم شيء، وأحضر لأهله ما يكفيهم، واستعد لسفره بما يكفي، وأقلع عن المعاصي، وتاب إلى الله منها.
196 -
بيان صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم
س: ما هي صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم مختصرة؟ وما هي الكتب التي ترشدوننا بقراءتها في هذا المجال (1)(2)؟
ج: قد بيناها، أو بيَّنها العلماء في كتب المناسك، وبيناها في كتابنا:(التحقيق والإيضاح)، وهو كتاب مختصر، بيَّنا فيه حجة النبي صلى الله عليه وسلم من حين خرج من المدينة عليه الصلاة والسلام فإنه خرج من المدينة وأحرم من الميقات عليه الصلاة والسلام في ذي الحليفة، بحج وعمرة، وقد ساق الهدي مائة من الإبل: ثلاثًا وستين من المدينة، وسبعًا وثلاثين جاءت من اليمن، ولم يزل يلبي لما أحرم من ذي الحليفة، لم يزل يلبي: «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن
(1) السؤال الثالث والعشرون من الشريط رقم (324).
(2)
السؤال الثالث والعشرون من الشريط رقم (324). ') ">
الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك» (1) في الطريق حتى وصل مكة، ثم طاف سبعة أشواط، بدأ بالحجر الأسود وقَبَّله واستلمه بيده، وقال:"الله أكبر". وطاف سبعة أشواط عليه الصلاة والسلام، ورمل في الثلاثة الأولى؛ يعني خب فيها، ومشى في الأربعة الأخيرة، ثم صلى ركعتين خلف المقام، ثم مر الحجر واستلمه، ثم بين الصفا والمروة، وسعى سبعة أشواط، يصعد الصفا ويرفع يديه، ويوحد الله ويكبره، ويدعوه ثلاث مرات، يكررها، ثم ينزل ويمشي لما جاء بطن الوادي سعى، رمل في بطن الوادي بين العلمين حتى يخرج من الوادي، ثم يمشي حتى يصعد المروة، ويكبر ويذكر الله ويهلل ويدعو ثلاث مرات، كما فعل على الصفا، سبعة أشواط، ثم بقي على إحرامه؛ لأنه معه الهدي لم يحل، وأمر الناس أن يقصروا ويحلوا، الذين ليس معهم هدي، فطافوا وسعوا وقصروا وحلوا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، أما الذين معهم هدي فأمرهم أن يبقوا على إحرامهم حتى حلوا يوم النحر، وبقية حجة النبي معروفة من أرادها يراجع كتب أهل العلم، ومن ذلك كتابنا:(التحقيق والإيضاح)، فهو مختصر ومفيد في هذا المقام.
(1) أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب التلبية، برقم (1549)، ومسلم في كتاب الحج، باب التلبية وصفتها ووقتها، برقم (1184).
س: لخصوا لنا الطريق الذي سار عليه النبي صلى الله عليه وسلم في حجه (1)؟
ج: هذا معناه بيان حجه صلى الله عليه وسلم، وعمدة المؤمنين وعمدة الفقهاء في كل مذهب من المذاهب المعروفة، عمدتهم حج النبي عليه الصلاة والسلام في بيان أحكام الحج؛ لأنه صلى الله عليه وسلم حج، وقال:«خذوا عني مناسككم» (2) فالمسلمون اعتمدوا في بيان أعمال الحج وسننه، اعتمدوا على حجته صلى الله عليه وسلم، حجة الوداع وهي حجة واحدة، لم يحج بعدما هاجر سوى حجة واحدة، وهي الحجة الأخيرة التي حجها عام عشر، ولم يعش بعدها إلا قليلاً، قريبًا من ثلاثة أشهر قريبًا من ثمانين يومًا، تزيد قليلاً، ثم توفي عليه الصلاة والسلام، ثم انتقل إلى الرفيق الأعلى عليه الصلاة والسلام، وقيل لها: حجة الوداع. لأنه ودع الناس فيها، وقال:«خذوا عني مناسككم، فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا» (3). فهو صلى الله عليه وسلم خرج من المدينة، لخمس بقيت من ذي القعدة عام عشر من
(1) السؤال من الشريط رقم (91). ') ">
(2)
أخرجه مسلم في كتاب الحج، باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبًا، برقم (1297)، بلفظ لتأخذوا عني مناسككم.
(3)
صحيح مسلم الْحَجِّ (1297)، سنن النسائي مَنَاسِكِ الْحَجِّ (3062)، سنن أبي داود الْمَنَاسِكِ (1971)، مسند أحمد (3/ 378).
الهجرة، ونزل إلى ذي الحليفة ميقات أهل المدينة، يوم السبت بعد صلاة الظهر، صلى بالناس الظهر في المدينة، وذكرهم ووعظهم وعلمهم كيفية مناسك الحج، ثم ارتحل فنزل في ذي الحليفة بالناس، وصلى فيها العصر ركعتين والمغرب ثلاثًا، والعشاء ركعتين وصلى فيها الفجر يوم الأحد، وصلى فيها الظهر يوم الأحد ركعتين، حتى تلاحق الناس، ثم توجه من ذي الحليفة بعد الظهر، أحرم بعدما صلى الظهر عليه الصلاة والسلام، بالحج والعمرة جميعًا قارنًا، وساق معه ثلاثًا وستين بدنة، وجاء عليٌّ رضي الله عنه من اليمن ببقية الهدي مائة، سبعًا وثلاثين صار الجميع مائة بدنة، ساقها عليه الصلاة والسلام، صلى الظهر بعد ما لبس الإزار والرداء، وبعد الغسل والتطيب لبى عليه الصلاة والسلام، بقوله:«اللهم لبيك عمرة وحجًا» (1) بعدما اغتسل وبعد ما لبس الإزار والرداء، وبعدما طيبته عائشة بطيب من المسك، بعد ذلك لبى بعدما ركب دابته. هذا هو السنة، إذا أتى الميقات يغتسل ويتطيب ويلبس إزاره ورداءَه إذا كان رجلاً، وتلبس ملابسها المرأة التي تريد الحج، والأفضل أن تكون ملابس لا تلفت النظر، ملابس غير جميلة
(1) أخرجه مسلم في كتاب الحج، باب في الإفراد والقران بالحج والعمرة، برقم (1232).
حتى لا تلفت النظر، فإذا فَرَغَ كلٌّ منهما من ذلك ركب دابته أو السيارة ثم لبَّى، هذه السنة يلبِّي بعدما يركب، بعدما يفرغ من حاجاته كلها، كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا كان بعد فريضة كان أفضل؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أحرم بعد فريضة الظهر، وإن كان في غير فريضة كالضحى وصلى فلا بأس، وذكر جمهور العلماء أنه يستحب له أن يتوضأ ويصلي ركعتين قبل أن يحرم، كما صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر، وأحرم بعدها يستحب للمسلم والمسلمة، عند الإحرام في غير وقت الصلاة أن يصلي ركعتين من الضحى، فيحرم بعدهما هكذا قال الجمهور، ولا أعلم نصًا واضحًا في ذلك، إلا أنهم أخذوا بفعله صلى الله عليه وسلم، لما أحرم بعد صلاة الظهر؛ ولأنه جاء في حديث صحيح رواه البخاري، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«أتاني آت من ربي، فقال: صَلِّ في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرة في حجة» (1) قال بعض أهل العلم: إن هذا في عمومه يدل على شرعية الصلاة عند الإحرام، ولكنه ليس بصريح؛ لأنه يحتمل أن المراد صلوات الفريضة التي صلاها عليه الصلاة والسلام. فالحاصل النظر في هذا واسع، إن
(1) أخرجه البخاري في كتاب المزارعة، باب من أحيا أرضًا مواتًا، برقم (2337).
كان بعد فريضة فهو أفضل، إذا وافق فريضة فهو أفضل، وإن لم يوافق فريضة، بأن كان إحرامه مثلاً الضحى، فإذا توضأ وصلى ركعتين وأحرم بعدهما كان حسنًا إن شاء الله، كما قال جموع أهل العلم، ولأن الوضوء له سُنة، إذا توضأ الإنسان شرع له سنة الوضوء، فيلبس إزاره ورداءَه ويتطيب، ويستكمل كل شيء مثلاً: إن كان شاربه طويلاً قَصَّهُ، وإن كان عنده أظفار طويلة قلمها، وهكذا إبطه وهكذا عانته، هذا من باب السنة، وإذا فعل هذا في بيته قبل ذلك كفى والحمد لله، ثم بعد ما يفعل هذا كله يتهيأ ليركب الدابة أو السيارة، والآن الموجود السيارات، والدواب الآن تركت واكتفي بالسيارة، فالسيارة تقوم مقام الدابة، فإذا ركب لبى قال: اللهم لبيك عمرةً وحجًا. إن كان قارنًا، كفعل النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لبى قارنا؛ لأنه ساق الهدي، أما إن كان ما ساق الهدي فالأفضل له أن يلبي بالعمرة، يقول: اللهم لبيك عمرة. وإن كان الوقت ضيقًا لبى بالحج: اللهم لبيك حجًا. فيكفي هذا، هذا هو الأفضل من القران، وإنما يشرع القران لمن ساق الهدي، من إبل أو بقر أو غنم، وبعدما يقول هذا يقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك. هذه تلبيته عليه الصلاة والسلام، بعد ما بين نسكه، بعدما لبى بالعمرة والحج، وهكذا الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم فعلوا مثله، كانوا يرفعون أصواتهم بذلك، وكان يرفع صوته
(لجزء رقم: 17 PgPg 323
بذلك عليه الصلاة والسلام، وهذا المشروع رفع الصوت بالتلبية، حتى يسمع القريب والبعيد، وحتى ينشط الناس ويتتابعوا في هذه التلبية العظيمة، التى فيها توحيد الله والإخلاص له، ولهذا قال جابر رضي الله عنه:«أنه صلى الله عليه وسلم لما أحرم في ذي الحليفة أَهَلَّ بالتوحيد؛ لأن قوله: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك» (1) هذا هو التوحيد وكانت العرب تشرك بالتلبية، فتقول: إلا شريكًا هو لك تملكه وما ملك (2)، فأبطل الله ذلك بفعل نبيه صلى الله عليه وسلم قولاً وعملاً عليه الصلاة والسلام، فقال:«لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك» (3) هذه التلبية الشرعية الثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وإن لبى بزيادة بأن قال:«لبيك اللهم لبيك، لبيك إله الحق لبيك» (4) فقد ورد هذا عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، أو لبى بأنواع ما جاء عن بعض
(1) أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب التلبية، برقم (1549)، ومسلم في كتاب الحج، باب التلبية وصفتها ووقتها، برقم (1184).
(2)
أخرجه مسلم في كتاب الحج، باب التلبية وصفتها ووقتها، برقم (1185). ') ">
(3)
أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب التلبية، برقم (1549)، ومسلم في كتاب الحج، باب التلبية وصفتها ووقتها، برقم (1184).
(4)
أخرجه الإمام أحمد في مسنده، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، برقم (8415)، والنسائي في كتاب مناسك الحج، باب كيف التلبية؟ برقم (2752)، وابن ماجه في كتاب المناسك، باب التلبية، برقم (2920).
الصحابة، مثل:«لبيك وسعديك والخير كله بين يديك، والشر ليس إليك» (1) ومثل: «لبيك حقًا حقًا تعبدًا ورقًا» (2) وما أشبه ذلك كله حق لا بأس به، لكن التلبية التي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم، ولازمها أفضل من غيرها، ولما كانت أسماء بنت عميس قد ولدت في ذي الحليفة ابنها محمد بن أبي بكر، واستفتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقد أمرها أن تغتسل وتلبي، وهي في نفاسها (3)، فدل ذلك على أن المرأة إذا كانت في النفاس تلبي، وهي في النفاس لا بأس، وهكذا الحائض إذا جاءت الميقات وهي حائض تلبي، تغتسل؛ لأن الرسول أمرها بالاغتسال، أمر أسماء بالاغتسال، وأمر عائشة لما حاضت وأرادت التلبية بالحج قرب مكة، فأمرها أن تغتسل، فالمقصود أنه صلى الله عليه وسلم أمر النفساء والحائض بالاغتسال عند الإحرام، وهو سنة للجميع، ولو كان لا يرفع الحدث في حق الحائض، حتى تنتهي، لكنه فيه النظافة والنشاط، وعائشة رضي الله عنها لما وصلت مكة محرمة
(1) أخرجه مسلم في كتاب الحج، باب التلبية وصفتها ووقتها، برقم (1184)، ولفظ الحديث لبيك وسعديك والخير بيديك لبيك والرغباء إليك والعمل.
(2)
أخرجه البزار في المجمع (ج13 ص 265)، برقم (6803).
(3)
أخرجه النسائي في كتاب مناسك الحج، باب الغسل للإهلال، برقم (2664). ') ">
بالعمرة نزل بها الحيض قبل أن تطوف وتسعى، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تغتسل، وأن تلبي بالحج مع العمرة، فصارت قارنة رضي الله عنها وأرضاها، ثم سار النبي صلى الله عليه وسلم من ذي الحليفة ملبيًا، وسار معه المسلمون يلبون:«لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك» (1). حتى وصل مكة في يوم الأحد الذي هو دون الأحد، الذي أحرم فيه عليه الصلاة والسلام، وصل مكة صباح يوم الأحد، ونزل بذي طوى في طرف مكة، وصلى بها الفجر عليه الصلاة والسلام، بعدما بات بها صلى الله عليه وسلم، واغتسل فيها أيضا عند دخوله مكة، فهو أفضل عند دخول مكة إذا تيسر أن يغتسل المحرم، هذا إذا تيسر، وليس بلازم، ثم لما اغتسل دخل مكة صلى الله عليه وسلم، وطاف وسعى يوم الأحد عليه الصلاة والسلام، رابع شهر ذي الحجة عام عشر من الهجرة، طاف وسعى وبقي على إحرامه؛ لأنه قارن ومعه الهدي، فلم يحل إلى يوم النحر، عليه الصلاة والسلام. وأما الصحابة الذين معه فمن كان معه الهدي فعل فعله، طاف وسعى وبقي على إحرامه، فلم يحل إلا يوم النحر، وأما الذين ليس معهم هدي وقد لبوا بالحج أو بالحج والعمرة جميعًا فإنه صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يجعلوها عمرة، وأن يفسخوا إحرامهم بالحج أو بالحج والعمرة إلى العمرة، أمرهم أن يجعلوها عمرة مفردة، فطافوا وسعوا
(1) صحيح البخاري الْحَجِّ (1549)، صحيح مسلم الْحَجِّ (1184)، سنن الترمذي الْحَجِّ (825)، سنن النسائي مَنَاسِكِ الْحَجِّ (2750)، سنن أبي داود الْمَنَاسِكِ (1812)، سنن ابن ماجه الْمَنَاسِكِ (2918)، مسند أحمد (2/ 131)، موطأ مالك الْحَجِّ (738)، سنن الدارمي الْمَنَاسِكِ (1808).
وقصروا وحلوا بأمره عليه الصلاة والسلام، ومن كان معه الهدي بقي على إحرامه مع النبي صلى الله عليه وسلم، هذه صفة دخوله مكة عليه الصلاة والسلام، وسيره من ذي الحليفة إلى أن وصل مكة عليه الصلاة والسلام، على هذا النحو والمسلمون تابعوه بهذا، عليه الصلاة والسلام، واحتجوا بعمله هذا على ما ذكر من هذه الأمور؛ لأنه صلى الله عليه وسلم المشرع المبين للناس، ولأنه قال للناس:«خذوا عني مناسككم» (1) هذا هو المشروع، كما ذكرنا عنه عليه الصلاة والسلام، ويأتي إن شاء الله بيان بقية أعماله صلى الله عليه وسلم، لما توجه إلى منى وتوجه المسلمون، في الحلقات الأخرى.
س: أرجو أن تتفضلوا بتكملة الحديث عن حجة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لِمَا في هذا الموضوع من فائدة عظيمة، ولعل الكثير يتأسون بفعله عليه أفضل الصلاة والسلام (2)؟
ج: لقد سبق أن ذكرنا صفة حجه عليه الصلاة والسلام، من حين أحرم من ذي الحليفة إلى أن خرج من منى إلى عرفات صباح اليوم التاسع، وقلنا: إنه توجه من منى إلى عرفات بعد طلوع الشمس في اليوم
(1) أخرجه مسلم في كتاب الحج، باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبًا، برقم (1297)، بلفظ لتأخذوا عني مناسككم.
(2)
السؤال الأول من الشريط رقم (91). ') ">
التاسع ملبيًا، والصحابة منهم من يلبي، ومنهم من يهل، فلم ينكر على واحد منهم، فدل ذلك على أن الحجاج إذا توجهوا من منى إلى عرفات يشرع لهم التلبية والتهليل والتكبير، والتلبية أفضل؛ لأنها عمله عليه الصلاة والسلام، وسبق أنه صلى الله عليه وسلم نزل من نمرة، ووجد فيها قبة من شعر قد ضربت له، فنزل بها حتى زالت الشمس، فلما زالت الشمس أمر بناقته فرحلت له، ثم ركب عليه الصلاة والسلام، حتى أتى بطن الوادي؛ يعني وادي عرنة، وخطب الناس خطبة طويلة عليه الصلاة والسلام، وذكرهم بالله وبحقه، وبيَّن فيها ما قدمنا من وضعه أمر الجاهلية، ووضعه الربا ووضعه دماء الجاهلية، ووصيته للمسلمين بالنساء خيرًا، وبيانه حق النساء على الأزواج، وحق الأزواج على النساء، وتقدم أيضًا أنه أوصى عليه الصلاة والسلام بكتاب الله، أوصى بالقرآن الكريم، وقال:«إنكم لن تضلوا ما اعتصمتم به» (1) وفي الرواية الأخرى: «بكتاب الله وسنته» (2) عليه الصلاة والسلام، وسبق أن هذا أمر
(1) أخرجه مسلم في كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم، برقم (1218).
(2)
أخرجه مالك في الموطأ في كتاب الجامع، باب النهي عن القول بالقدر، برقم (1661)، والبيهقي في السنن الكبرى (ج10 ص 114).
معلوم، فالوصية بكتاب الله والوصية بالسنة؛ لأنها الوحي الثاني، ولأن القرآن أمر بطاعة الله ورسوله، وطاعة الرسول هي امتثال السنة، والأخذ بها والتمسك بها، ثم إنه صلى الله عليه وسلم لما فرغ من خطبته قال لهم:«وأنتم تُسألون عني، فما أنتم قائلون؟. قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت. وجعل يرفع إصبعه إلى السماء، ثم ينكبها للناس، ويقول: "اللهم اشهد اللهم اشهد"» (1) فهذا يدل على أن الله سبحانه في السماء في العلو؛ ولهذا رفع يده إلى السماء، وهذا قول أهل السنة والجماعة: أن الله سبحانه فوق العالم، فوق جميع الخلق، وأنه سبحانه فوق العرش. هذا هو الحق الذي عليه أهل السنة والجماعة، وعِلْمه في كل مكان سبحانه وتعالى، كما قال عز وجل:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} .
وقوله سبحانه: {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} . وقوله سبحانه: {فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} . فهو سبحانه فوق العرش، فوق جميع الخلق، وعلمه لا
(1) أخرجه مسلم في كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم، برقم (1218).
يخلو منه مكان؛ ولهذا استشهد عليه الصلاة والسلام برفع أصبعه إلى السماء عليه الصلاة والسلام، وفي هذا من الفوائد شرعية خطبة الناس في عرفات، وأن ولي الأمر يخطب الناس تأسيًا بالنبي عليه الصلاة والسلام، أو يخطبهم نائبه حتى يبين لهم مناسك حجهم، وحتى يرشدهم إلى أصل الدين وأساسه، وهو شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، مع بيان معنى ذلك، وأن هاتين الشهادتين هما أصل الدين، وهما أصل الإسلام، ومعناهما توحيد الله والإخلاص له، والإيمان برسوله محمد عليه الصلاة والسلام، ويذكر لهم ما يحتاجون إليه في هذه الخطبة، من مناسك الحج ومن غير هذا من شؤون الإسلام، ثم إنه صلى الله عليه وسلم بعدما فرغ من خطبته أمر بلالاً فأذن، ثم أقام فصلى الظهر ركعتين، ثم أقام وصلى العصر ركعتين جمع تقديم، وهذا هو السنة للحجاج: أن يصلوا الظهر والعصر قصرًا وجمعًا، في أول وقت الظهر كما فعله المصطفى عليه الصلاة والسلام؛ حتى يتسع الوقت للدعاء والذكر في عرفات، تكون الخطبة قبل الأذان وقبل الصلاة، وفيه دلالة على أنه ما صلى الجمعة، رغم أنه كان يوم الجمعة، فخطب الناس قبل الأذان وذكرهم، ثم أذن فصلى الظهر ركعتين بعدما أقام بلال، ثم صلى العصر ركعتين أيضًا بعد الإقامة هكذا السنة، ويدل ذلك على أن المسافر لا يصلي لجمعة، وإنما يصلي ظهرًا، وهكذا
الحجيج إذا صادف يوم الجمعة يوم عرفة فإنهم يصلونها ظهرًا، كما فعله المصطفى عليه الصلاة والسلام، لا يصلون جمعة؛ ولهذا صلى الظهر ركعتين، وصلى العصر ركعتين، بأذان واحد وإقامتين، فهذا هو السنة للحجاج لفعله عليه الصلاة والسلام، ثم بعد ذلك تقدم إلى عرفات، فوقف عند الصخرات أو جبل الدعاء، ويسمى جبل الرحمة، وجعل وجهه إلى القبلة عليه الصلاة والسلام، وجعل طريق المشاة بين يديه، فلم يزل يدعو ويضرع إلى الله رافعًا يديه حتى غابت الشمس، فهذا يدل على أن هذا هو المشروع للحجاج، بعد صلاة الجمع الظهر والعصر، يتوجهون إلى عرفات، إن كانوا خارج عرفات، وإن كانوا في عرفات استقبلوا القبلة واجتهدوا في الدعاء والذكر، اقتداء به عليه الصلاة والسلام، وقال لهم عليه الصلاة والسلام، لما وقف عند الصخرات واستقبل القبلة، قال:«وقفت ها هنا، وعرفة كلها موقف» (1)
فدل ذلك على أن جميع أجزاء عرفة كلها موقف، وأن الحاج يقف في أي جزء من عرفات، فيكفيه ذلك، والسنة استقبال القبلة حال الدعاء والذكر، سواء كان الجبل أمامه أو عن يمينه أو شماله أو خلفه، يستقبل
(1) أخرجه مسلم في كتاب الحج، باب ما جاء أن عرفة كلها موقف، برقم (1218).
القبلة كما استقبلها النبي عليه الصلاة والسلام، ويدعو ويضرع إلى الله، ويذكره سبحانه حتى تغيب الشمس، والسنة أن يرفع يديه كما فعل المصطفى عليه الصلاة والسلام، وإن أكل أو استراح فلا بأس عليه، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أن أم الفضل أرسلت إليه بقدح لبن، فشرب وهو على راحلته عليه الصلاة والسلام (1)، فعلم الناس أنه مفطر، وهذا هو السنة أن يفطر الحجيج يوم عرفة؛ لأنه أنشط لهم على العبادة، ولأنهم ضيوف الرحمن، فناسب أن يكونوا مفطرين ينشطون للعبادة والذكر والدعاء، في هذا اليوم العظيم، وقد قال عليه الصلاة والسلام:«الحج عرفة» (2) هذا اليوم هو ركن الحج الأعظم، الوقوف فيه، فمن فاته الوقوف في عرفة فاته الحج، ويبتدئ الوقوف بعد الزوال إلى طلوع الفجر، من ليلة النحر يعني بقية يوم عرفة على الليلة كلها، ليلة النحر
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصوم، باب صوم يوم عرفة، برقم (1988)، ومسلم في كتاب الصيام، باب استحباب الفطر للحاج بعرفات يوم عرفة، برقم (1123).
(2)
أخرجه أبو داود في كتاب المناسك، باب من لم يدرك عرفة، برقم (1949)، والترمذي في كتاب الحج، باب ما جاء فيمن أدرك الإمام بجمع فقد أدرك الحج، برقم (889)، والنسائي في كتاب مناسك الحج، باب فيمن لم يدرك صلاة الصبح مع الإمام بالمزدلفة، برقم (3044)، وابن ماجه في كتاب المناسك، باب من أتى عرفة قبل الفجر ليلة جمع، برقم (3015).
غروب الشمس إلى طلوع الفجر، كل هذا موقف سواء وقف بعرفات بعد الزوال، أو بعد غروب الشمس إلى طلوع الفجر، فقد أدرك الحج، ومن لم يدرك عرفة إلا بعد طلوع الفجر فاته الحج، واختلف العلماء رحمة الله عليهم فيما قبل الزوال من يوم عرفة: هل يجزئ الوقوف فيه، أم لا يجزئ؟ على قولين: الأكثرون على أن الوقوف لا يجزئ إلا بعد الزوال؛ لأنه الموقف الذي فعله النبي عليه الصلاة والسلام. وقال آخرون: لو وقف قبل الزوال في صباح عرفة، وانصرف أجزأه ذلك، ولكن عليه دمًا؛ لأنه لم يقف إلى الغروب. واحتجوا بما ثبت من حديث عروة بن مضرس، أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال يا رسول الله، «أَكْلَلْتُ راحلتي وأتعبت نفسي، فما تركت من جبل إلا وقفت عنده، فهل لي من حج؟ فقال عليه الصلاة والسلام: من شهد صلاتنا هذه بمزدلفة، وقد وقف في عرفة قبل ذلك ليلاً أو نهارًا فقد تمَّ حجه، وقضى تفثه» (1) فقوله صلى الله عليه وسلم: «وقد وقف بعرفة قبل ذلك
(1) أخرجه أبو داود في كتاب المناسك، باب من لم يدرك عرفة، برقم (1950)، والترمذي في كتاب الحج، باب ما جاء فيمن أدرك الإمام بجمع فقد أدرك الحج، برقم (891)، والنسائي في كتاب مناسك الحج، باب فيمن لم يدرك صلاة الصبح مع الإمام بالمزدلفة، برقم (3041)، وابن ماجه في كتاب المناسك، باب من أتى عرفة قبل الفجر ليلة جمع، برقم (3016).
ليلاً أو نهارًا» (1). يعم ما قبل الزوال، ولهذا ذهب أحمد رحمه الله وجماعة، إلى أن الوقوف قبل الزوال يجزئ، ويدرك به الحج، وذهب الجمهور رحمة الله عليهم، إلى أنه لا يدرك الحج إلا بالوقوف بعد الزوال، فينبغي للمؤمن أن يحتاط لدينه، وألاّ يقف إلا بعد الزوال، كما وقف النبي عليه الصلاة والسلام، ثم بعد ما غابت الشمس توجه عليه الصلاة والسلام إلى مزدلفة، بعد غروب الشمس هذا هو المشروع للحجيج، أن يمكثوا في عرفات ذاكرين ملبين، داعين مخلصين لله خاشعين لله عز وجل، حتى تغيب الشمس، فإذا غابت انصرفوا إلى مزدلفة، وليس في يوم عرفة دعاء واجب، ولا متعين، بل يدعون الله بما تيسر بذكر الله، ويدعونه بأي دعاء، وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال «خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير» (2)
فينبغي أن يكثر من ذكر الله عز وجل، تسبيحه وتحميده وتكبيره واستغفاره، ومن الدعاء في هذا اليوم العظيم، ويسأل ربه الجنة ويستجير به من النار، ويسأله كل خير سبحانه وتعالى، ويستجير به من كل شر،
(1) سنن الترمذي الْحَجِّ (891)، سنن النسائي مَنَاسِكِ الْحَجِّ (3039)، سنن أبي داود الْمَنَاسِكِ (1950)، سنن ابن ماجه الْمَنَاسِكِ (3016)، مسند أحمد (4/ 261)، سنن الدارمي الْمَنَاسِكِ (1888).
(2)
أخرجه الترمذي في كتاب الدعوات، باب في دعاء يوم عرفة، برقم (3585)، ومالك في الموطأ في كتاب الحج، باب جامع الحج، برقم (963).
فهو يوم عظيم، فيه يتجلى الله لعباده، كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم «أن الله جل وعلا، يتجلى للعباد يوم عرفة، ويدنو منهم كما يشاء سبحانه، فيقول: ما أراد هؤلاء؟ ويقول صلى الله عليه وسلم: ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، وإنه سبحانه ليدنو فيباهي بهم الملائكة» (1) فهو يوم عظيم يباهي الله فيه ملائكته بالحجيج، ويدنو منهم كما يشاء سبحانه وتعالى دنوًا يليق بجلاله، لا يعلم كيفيته إلا هو سبحانه وتعالى، ويعتق العتقاء الكثير من النار في هذا اليوم العظيم، فينبغي لك يا عبد الله أن تجتهد في الضراعة إلى الله، واستغفاره وسؤاله القبول، وسؤاله العتق من النار في هذا اليوم العظيم، ثم بعد ما وصل مزدلفة صلى بها المغرب والعشاء، وكان في الطريق عليه الصلاة والسلام يحث الناس على السكينة وعدم العجلة، ويقول لهم في الطريق:«السكينة السكينة، فإن البر ليس بالإيضاع» (2)
(1) أخرجه مسلم في كتاب الحج، باب في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة، برقم (1348).
(2)
أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالسكينة، برقم (1671)، ولفظ البخاريعليكم بالسكينة، فإن البر ليس بالإيضاع.
يعني ليس بالإسراع، ويلبي في طريقه عليه الصلاة والسلام، هكذا السنة إذا انصرف الناس من عرفات بعد الغروب أن يلبوا، ويكثروا من التلبية، ولا يعجلوا؛ لئلا يضر بعضهم بعضًا، بل بالسكينة، فإذا وجد النص منه عليه الصلاة والسلام وجب العمل بمقتضاه، هكذا الناس ينبغي أن يكون انصرافهم بالسكينة، ومن وجد سعة في بعض الأماكن فلا مانع أن يعجل تعجيلاً لا يضر غيره، فلما وصل صلى الله عليه وسلم مزدلفة أمر بالأذان، فأذن مؤذنه ثم صلى المغرب بإقامة ثلاثًا، وصلى العشاء بإقامة ركعتين، يعني صلاهما بأذان واحد وإقامتين، كما فعل في عرفات عليه الصلاة والسلام، وهذا هو السنة للحجيج: أن يصلوا المغرب والعشاء جمعًا وقصرًا؛ يعني قصرًا للعشاء، أما المغرب فإنها لا تقصر، ثلاثًا دائما في السفر والحضر، فيصليهما بأذان واحد وإقامتين اقتداء بنبينا عليه الصلاة والسلام، ثم بعد ذلك استراح عليه الصلاة والسلام، ونام كما ثبت في حديث جابر رضي الله عنه حتى طلع الفجر، فلما طلع الفجر قام وصلى الفجر بأذان واحد وإقامة، صلاها بغلس (1). أبكر من عادته عليه الصلاة والسلام، حتى يتسع الوقت للوقوف عند المشعر
(1) أخرجه مسلم في كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم، برقم (1218). ') ">
الحرام، وأذن للضعفاء والنساء والشيوخ بالانصراف من مزدلفة ليلاً؛ لئلا يَحطِمَهم الناس، وأما الأقوياء فجلسوا معه حتى صلوا الفجر ووقفوا عند المشعر، ودعوا الله كثيرًا حتى أسفروا، فلما أسفر النبي صلى الله عليه وسلم انصرف إلى منى قبل طلوع الشمس، هكذا ينبغي للناس أن يبقوا في مزدلفة حتى يبيتوا فيها، ويصلوا فيها الفجر، أما الضعفاء من النساء والعجائز والشيوخ الكبار والصبيان ونحوهم، ومن يكون معهم فلا بأس، بل الأفضل أن ينصرفوا قبل حطمة الناس؛ أي انصرافهم من مزدلفة إلى منى في النصف الأخير من الليل، ومن انصرف معهم من محارمهم ومن هو معهم في رحلهم فلا بأس عليه، أما القوي الذي ليس معه نساء فالأفضل له أن يبقى حتى يصلي الفجر، ثم يدعو الله ويذكره كثيرًا حتى يسفر، وقد قال صلى الله عليه وسلم لما وقف يوم مزدلفة:«وقفت ها هنا، وجمع كلها موقف» (1) يعني مزدلفة، يقال لها: جمع. فالمعنى أن مزدلفة كلها موقف، كما أن عرفة كلها موقف، كل إنسان في مزدلفة يجلس في محله، ويدعو الله ويستغفر ويضرع إليه سبحانه وتعالى، ويذكر الله، وليس هناك حاجة إلى أن يتقدم إلى قزح،
(1) أخرجه مسلم في كتاب الحج، باب ما جاء أن عرفة كلها موقف، برقم (1218).
موقف النبي عليه الصلاة والسلام، الجبل المعروف، بل كل إنسان يدعو الله في مكانه والحمد لله، وكان عليه الصلاة والسلام في عرفات وفي مزدلفة يرفع يديه في الدعاء، ويلح في الدعاء، فالسنة رفع اليدين مع الإلحاح في الدعاء، والإكثار من الدعاء؛ تأسيًا به عليه الصلاة والسلام، ومن انصرف من الأقوياء إلى منى قبل دخول الفجر أجزأه على الصحيح، لكن فاته الفضل، فالأفضل له والكمال أن يجلس حتى يصلي الفجر، وحتى يقف بعد طلوع الفجر يذكر الله ويثني عليه، ويدعو إلى أن ينصرف قبل طلوع الشمس، وكان المشركون ينصرفون بعد طلوع الشمس، فخالفهم النبي صلى الله عليه وسلم، وانصرف قبل طلوع الشمس بعد ما أسفر عليه الصلاة والسلام، وهذا هو المشروع لجميع الحجاج: أن ينصرفوا قبل طلوع الشمس؛ اقتداء به عليه الصلاة والسلام.
س: في حلقة سابقة عن حجة الرسول صلى الله عليه وسلم، قد تفضلتم بشرح هذه الحجة، آمل من سماحتكم تكملة ما تبقى
من هذه الحجة المباركة، جزاكم الله خيرًا، حيث وصل بكم القول إلى انصراف الرسول صلى الله عليه وسلم من مزدلفة (1).
ج: قد سبق أن تكلمت على صفة حجه عليه الصلاة والسلام، من حين خرج من المدينة إلى أن وصل إلى مكة، عليه الصلاة والسلام، ثم عن رحلته من مكة إلى منى، وعن رحلته من منى إلى عرفات، وعن رحلته من عرفات بعد غروب الشمس إلى مزدلفة، وما فعله في مزدلفة، عليه الصلاة والسلام، وسبق أنه عليه الصلاة والسلام صلى بها الفجر، ثم أتى المشعر فارتقاه، وجعل يدعو ويذكر الله ويهلل، حتى أسفر جدًا عليه الصلاة والسلام، ورفع يديه بالدعاء، فلما أسفر انصرف إلى منى هذا هو السنة: أن يبيت الحجيج في مزدلفة، وأن يصلوا بها الفجر، وأن يدعوا الله، كل في مكانه وفي منزله؛ لأنها كلها موقف، كل يدعو في مكانه، ويضرع إلى الله، ويسأله من فضله، ويرفع يديه ويذكره كثيرًا، ويدعوه كثيرًا حتى يسفر، فإذا أسفر جدًّا انصرف إلى منى قبل طلوع الشمس؛ تأسيًا بالنبي عليه الصلاة والسلام، وتقدم أنه أذن للضعفة من النساء والشيوخ والصبيان بأن ينصرفوا إلى منى في الليل قبل حَطْمة
(1) السؤال الأول من الشريط رقم (92). ') ">
الناس، هذا هو الذي ينبغي للضعفاء: أن ينصرفوا حتى يخففوا عن الناس، وحتى يسلموا هم أيضًا من حطمة الناس، فالنساء والشيوخ ونحو ذلك، ومن يتبعهم من محارمهم، ومن صاحبهم في الرحلة إلى منى في النصف الأخير من ليلة مزدلفة، فإذا وصلوا إلى منى باتوا فيها بقية الليل، وإن رموا الجمرة فلا بأس، رموها آخر الليل لا بأس، وقد ثبت عن أم سلمة رضي الله عنها، أنها رمت الجمرة في آخر الليل (1).
وثبت عن أسماء بنت أبي بكر ما يدل على ذلك، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم أذن للضعفة، وهُن النساء في ذلك، فإذا رمين ومن معهم في آخر الليل كفى ذلك، وإن أخروا ورموا بعد ارتفاع الشمس فلا بأس، ولكن الأرفق بهن وبمن معهم أن يرموا في آخر الليل إذا وصلوا منى، هذا هو الأرفق بهم، ثم يرجعون إلى منازلهم في منى للإقامة بها وذبح الهدايا، ورمي الجمار في الأيام القادمة، وغير ذلك من شؤون الحج، أما الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد انتظر حتى صلى الفجر، ودعا ربه بعد الصلاة، وذكره ورفع يديه وألح في الدعاء، ثم انصرف قبل طلوع
(1) أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب من قدم ضعفة أهله بليل فيقفون في المزدلفة، برقم (1679)، ومسلم في كتاب الحج، باب استحباب تقديم دفع الضعفة من النساء وغيرهم، برقم (1291).
الشمس، عليه الصلاة والسلام، وسبق أنه صلى بها المغرب والعشاء قصرًا وجمعًا بأذان واحد وإقامتين، ثم نام بعد ذلك عليه الصلاة والسلام، وهكذا الفجر صلاها بأذان وإقامة مع سنتها الراتبة، وصلاها بعد طلوع الفجر مبكرًا، قال ابن مسعود رضي الله عنه:«إنه صلاها قبل ميقاتها» (1) يعني قبل ميقاتها المعتاد؛ وذلك – والله أعلم – ليتسع الوقت للدعاء والذكر بعد صلاة الفجر، ثم المشروع للمسلمين، إذا وصلوا إلى منى بعد انصرافهم من مزدلفة، أن يرموا الجمرة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم انصرف من مزدلفة قبل طلوع الشمس ملبيًا حتى أتى الجمرة ضحى، فرماها بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة، ولم يقف عندها، بل رمى وانصرف عليه الصلاة والسلام، فهكذا المسلمون من الحجاج، إذا وصلوا إلى منى بعد طلوع الشمس بدؤوا بالجمرة تحية منى، وليس في منى صلاة عيد للحجاج، ويقوم مقامها رمي الجمار ذلك اليوم، فترمى الجمرة بسبع حصيات، يرميها الرجل والمرأة والصغير والكبير بسبع حصيات، واحدة بعد واحدة، يكبر مع كل حصاة يقول: الله أكبر، مع كل
(1) أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب متى يصلي الفجر بجمع؟ برقم (1682)، ومسلم في كتاب الحج، باب استحباب زيادة التغليس بصلاة الصبح يوم النحر بالمزدلفة، والمبالغة فيه بعد تحقق طلوع الفجر، برقم (1289).
حصاة، مستشعرًا عظمة الله وطاعته سبحانه، ومستشعرًا إرغام الشيطان ودحره بهذه الحصيات التي ترجم بها مواقفه، ثم ينصرف ولا يقف؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يقف عند جمرة العقبة، بل رماها وانصرف عليه الصلاة والسلام، ووقف للناس يسألونه في منى بعد رميه الجمرة، هذا يقول:«يا رسول الله، أفضت إلى البيت قبل أن أرمي، فقال عليه الصلاة والسلام: لا حرج» (1) وآخر يقول: «نحرت قبل أن أرمي، فيقول: "لا حرج"» (2). وآخر يقول: «حلقت قبل أن أذبح، يقول له: "لا حرج"» (3). وهذا يدل على أن أفعال الحج يوم العيد فيه توسعة، وأن الرمي والطواف والسعي والحلق، أو التقصير والنحر كلها فيها سعة، والنبي صلى الله عليه وسلم رتبها، فرمى يوم العيد ثم نحر عليه الصلاة والسلام، ثم حلق رأسه ثم طيبته عائشة رضي الله عنها، ثم ركب إلى البيت، فطاف عليه الصلاة والسلام، هكذا الترتيب، هذا هو الأفضل: رمي، فنحر، فحلق أو تقصير، فطواف، وسعيٌ إن كان عليه سعي، هذا هو الترتيب، الأول: الرمي، ثم نحر الهدي، ثم حلق الرأس أو تقصيره،
(1) أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب الذبح قبل الحلق، برقم (1722)، ومسلم في كتاب الحج، باب من حلق قبل النحر أو نحر قبل الرمي، برقم (1307).
(2)
صحيح البخاري الْحَجِّ (1738)، صحيح مسلم الْحَجِّ (1306)، سنن الترمذي الْحَجِّ (916)، سنن أبي داود الْمَنَاسِكِ (2014)، سنن ابن ماجه الْمَنَاسِكِ (3052)، مسند أحمد (2/ 217)، موطأ مالك الْحَجِّ (959)، سنن الدارمي الْمَنَاسِكِ (1907).
(3)
صحيح البخاري الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ (6666)، صحيح مسلم الْحَجِّ (1307)، سنن النسائي مَنَاسِكِ الْحَجِّ (3067)، سنن أبي داود الْمَنَاسِكِ (1983)، سنن ابن ماجه الْمَنَاسِكِ (3050)، مسند أحمد (1/ 311).
وبهذا يتحلل التحلل الأول، يلبس المخيط ويغطي رأسه إن كان رجلاً، والمرأة كذلك تتطيب، تكد شعرها إن شاءت، وتقص أظافرها إن شاءت؛ لأنها حلت التحلل الأول، ولا يبقى عليهما جميعًا: الرجل والمرأة، إلا تحريم الجماع، وما يتعلق بالجماع من النساء، فإذا طافا وسعيا بعد ذلك تمَّ الحل كله، وحل للرجل الاتصال بأهله، إذا طاف وسعى بعد الرمي، وبعد الحلق أو التقصير، والسعي إنما يجب عليه إذا كان متمتعًا؛ لأن السعي الأول لعمرته، وهذا لحجه، أو كان قارنًا أو مفردًا لكن لم يسعَ مع طواف القدوم، فيسعى مع طواف الإفاضة، وإن كان سعى مع طواف القدوم فلا سَعْيَ عليه، يكفيه الطواف، الحاج المفرد والحاج القارن بين الحج والعمرة، والنبي كان قارنًا عليه الصلاة والسلام، ولهذا طاف طوافًا فقط ولم يسعَ؛ لأنه قد سعى مع طواف القدوم، عليه الصلاة والسلام، وفي هذا من الفوائد: أن الإنسان قد يشق عليه تأخير الطواف، وقد يشق عليه تأخير الحلق إلى أن يذبح؛ لأن الذبح ليس متيسرًا، فيتأخر إلى اليوم الثاني، فمن رحمة الله ومن تيسير الله عز وجل، ومن إحسانه إلى عباده ورحمته بهم، أن فسح لهم المجال، وجعل هذا الترتيب ليس بواجب، هذا هو الصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم، أنَّ له أن يبدأ بما أخره الرسول صلى الله عليه وسلم، له أن يقدمه؛ لأنه سئل عليه
الصلاة والسلام عما يقدم ويؤخر، فقال:«لا حرج، لا حرج» (1) فإذا أفاض الإنسان قبل أن يرمي، مثل المرأة إذا خافت من الحيض، فأفاضت قبل أن ترمي فلا بأس، ومثل إنسان نحر هديه صار النحر متيسرًا والرمي ما تيسر، له أن يرمي مبكرًا، فنحر قبل أن يرمي فلا بأس، أو حلق قبل أن يرمي، أو ذبح قبل أن يرمي كل ذلك لا بأس والحمد لله. فالحاصل أن الترتيب ليس بواجب، ولكن الأفضل أن يرمي ثم ينحر، ثم يحلق أو يقصر، ويتحلل التحلل الأول، ويلبس المخيط ويغطي رأسه، ثم يذهب إلى البيت فيطوف ويسعى، هذا هو الترتيب المشروع، فمن قدم بعضها على بعض فلا حرج عليه في ذلك، كما فعله المصطفى صلى الله عليه وسلم، وكما أذن للناس عليه الصلاة والسلام في ذلك، ثم بعد ذلك لما رمى الجمرة عليه الصلاة والسلام، ونحر هديه وحلق رأسه طيبته عائشة، ثم ركب إلى البيت، فطاف به عليه الصلاة والسلام، وصلى بمكة الظهر عليه الصلاة والسلام، ثم عاد من مكة وصلى بالناس الموجودين الذين ينتظرونه، صلى بهم الظهر في منى، فصلاها مرتين الأولى في مكة وهي الفريضة، والثانية في منى بمن
(1) أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب الذبح قبل الحلق، برقم (1722)، ومسلم في كتاب الحج، باب من حلق قبل النحر أو نحر قبل الرمي، برقم (1307).
بقي ينتظره، وهي نافلة له عليه الصلاة والسلام، وبهذا يستدل على صحة صلاة المفترض خلف المتنفل، كما كان معاذ يصلي بأصحابه متنفلاً، ويصلي مع النبي فريضته عليه الصلاة والسلام، كل هذا جائز بحمد الله، ثم أقام النبي صلى الله عليه وسلم في منى، الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، يرمي بعد الزوال الجمار الثلاث، كل جمرة يرميها بسبع حصيات واحدة بعد واحدة، ويكبر مع كل حصاة ويجعل الجمرة الأولى، وهي التي تلي مسجد الخيف، يجعلها عن يساره ويتقدم ويسهل؛ حتى لا يصيبه رمي الناس، وحتى لا يضايق الناس، فيرميها بسبع حصيات، ويقف عندها ويجعلها عن يساره، ويدعو ويرفع يديه، ويلح ويطيل الدعاء، كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه رفع يديه، وأكثر الدعاء عليه الصلاة والسلام بعدما رمى الجمرة يوم الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر، ثم أتى الوسطى فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة، ثم جعلها عن يمينه، وأخذ ذات الشمال عن يساره، ووقف يدعو ورفع يديه وألح في الدعاء، عليه الصلاة والسلام، هذا هو السنة لمن تيسر له ذلك، فمن لم يتيسر له ذلك فلا شيء عليه، هو سنة مؤكدة، فعلها المصطفى عليه الصلاة والسلام، أما الثالثة فكان يرميها ولا يقف عندها، جمرة العقبة يرميها يوم الحادي عشر، والثاني عشر،
والثالث عشر، ولا يقف عندها، كما أنه لم يقف عندها يوم العيد، بل رماها وانصرف عليه الصلاة والسلام، ثم أذن للناس بالتعجل، من أراد أن يتعجل يوم الثاني عشر فلا بأس؛ لقول الله سبحانه:{وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} .
من أحب أن يتعجل بعد الرمي يوم الثاني عشر فلا بأس، يرمي الجمار ثم يذهب إلى مكة لطواف الوداع، ومن أحب أن يبقى إلى اليوم الثالث عشر، كما بقي النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه بقي اليوم الثالث عشر عليه الصلاة والسلام، فلما رمى الجمار يوم الثالث عشر بعد الزوال تقدم إلى الأبطح، فنزل به، وصلى به الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، عليه الصلاة والسلام، ثم ركب في أثناء الليل إلى مكة لطواف الوداع، فطاف آخر الليل طواف الوداع، عليه الصلاة والسلام، وصلى بالناس الفجر، وقرأ فيها بـ (الطور)، ثم بعدما انتهى من صلاة الفجر توجه إلى المدينة عليه الصلاة والسلام، صباح يوم الأربعاء الرابع عشر من ذي الحجة، عليه الصلاة والسلام، وبهذا انتهت أعمال الحج بطواف الوداع، ومن انصرف في اليوم الثاني عشر، ودع، إذا كان يريد السفر
ذلك اليوم، وإن أحب أن يبقى في مكة أيامًا، أَخَّرَ الوداع، حتى يعزم على السفر، فإذا عزم على السفر، طاف ثم سافر، وهكذا من أخر إلى اليوم الثالث عشر، ولم يتعجل، فإنه إذا فرغ من الرمي، إن كان أحب أن يبقى في مكة، يبقَ في مكة، وإن أحب السفر، طاف للوداع وساف هكذا، كما فعله النبي عليه الصلاة والسلام، والرمي بعد الزوال في أيام التشريق، لا قبل الزوال، فإن عجز أو شُغل رمى بعد الغروب لهذا اليوم؛ يعني كل يوم إذا لم يتيسر في النهار، يرميه بعد الغروب لذلك اليوم الذي غابت شمسه، وهكذا اليوم الثاني عشر يرميه بعد الزوال إن تيسر، وإلا بعد الغروب، ولزمه المبيت والرمي من غد، وهكذا اليوم الثالث عشر يرميه بعد الزوال، لكن ليس فيه رمي بعد الغروب؛ لأنه انتهى الرمي بغروب الشمس، فالثالث عشر يجب عليه أن يرميه قبل الغروب، وهذا في الغالب غير متعذر، ولا متعسر؛ لأن الناس في الغالب ينصرفون في اليوم الثاني عشر، ولا يبقى إلا القليل في الثالث عشر، فلا يكون هناك صعوبة في الرمي قبل الغروب، لكن بعد الزوال، وفي أيام منى يكثر من ذكر الله، ومن التكبير والتهليل، قال النبي صلى الله عليه
وسلم: «أيام التشريق أيام أكل وشرب، وذكر الله» (1) يذبح فيها الهدايا، ويأكل ويُطْعِم، كما قال سبحانه:{فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} .
ويكثر من الدعاء والذكر، وقراءة القرآن في الأوقات المناسبة، وتعليم الناس الخير والدعوة على الخير، كل هذا مطلوب، إذا كان عنده علم، وفي العيد كذلك، إذا لم يتيسر الرمي يوم العيد يرمي بعد الغروب إلى آخر الليل، فليلة الحادي عشر تابعة ليوم العيد، إذا لم يتيسر الرمي، فيه فإنه يرمي بعد الغروب، ويجزئه ذلك والحمد لله؛ لأن بعض الناس قد ينشغل يوم العيد، وقد يحصل له مانع من الرمي يوم العيد، فيرمي على الصحيح بعد الغروب، ولا حرج في ذلك.
س: سماحة الشيخ، الذي يتابع ما تفضلتم به يلحظ أن حجة النبي صلى الله عليه وسلم كانت قرانًا، نسمع كثيرًا من المفتين أنهم يفتون بأن التمتع أفضل، كيف تناقشون هذا؟ حفظكم الله.
ج: نعم، - النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة أمر الصحابة أن
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسنده، من حديث نبيشة الهذلي رضي الله عنه، برقم (20198).
يجعلوا إحرامهم عمرة؛ الذين ليس معهم هدي، وقد أفردوا الحج، أو قرنوا، فقال:«اجعلوها عمرة، ولولا أن معي الهدي لأحللت» (1) وقال أيضًا عليه الصلاة والسلام: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت، ولجعلتها عمرة» (2) فهذا وجهه قول العلماء: النبي استحب التمتع؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام، رجع إليه وأمر به الصحابة، وأحب أن يكون فعل ذلك، لكن من أحب أن يحرم قارنًا وهو مُهْدٍ، فلا بأس؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يمنع من هذا النسك، وإنما أمر أصحابه أن يحلوا، إلا من كان معه الهدي، وبقي على حاله، فدل ذلك على أن القران باقٍ لمن معه الهدي؛ لأن الرسول لم يبطله عليه الصلاة والسلام، بل استمر عليه، لكن كونه يُحرم بالتمتع ولا يهدي أفضل، يشتريه من مكة أو منى عند الحاجة، ولا يهدي؛ لأن في الهدي والبقاء على الإحرام مشقة كبيرة، قد يندم عليها الإنسان، ولا سيما إذا طال الأمر، قد يقدم في آخر ذي القعدة، أو في أول ذي الحجة، ثم يبقى محرمًا لا يتطيب ولا يقص ظفرًا ولا شاربًا، ولا يأتي أهله، قد
(1) صحيح البخاري الْحَجِّ (1651)، سنن أبي داود الْمَنَاسِكِ (1788)، سنن ابن ماجه الْمَنَاسِكِ (2980)، مسند أحمد (3/ 305).
(2)
أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب عمرة التنعيم، برقم (1785)، ومسلم في كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم، برقم (1218).
يشق عليه ذلك، فمن رحمة الله أن شرع لنا التمتع، وألاّ نكلف أنفسنا هذه الكلفة، بل نشتري هدينا من داخل مكة، ولا حاجة إلى أن نهدي من خارجها، إذا جاء يوم العيد، أو أيام التشريق اشترى الإنسان هديه، من منى أو من مكة، وذبحه والحمد لله، ولا يشق على نفسه بالبقاء محرمًا من آخر ذي القعدة إلى يوم العيد، لا يتطيب، ولا يقص شعرًا ولا ظفرا، ولا يأتي أهله، كل هذا فيه صعوبة على الرجال والنساء جميعًا، فمن رحمة الله أن شرع التمتع لما فيه من الراحة والتيسير وعدم التكلف.
197 -
حكم توكيل البنك الإسلامي في ذبح الهدي والأضاحي
س: يقول السائل: ما حكم التوكيل في الهدي والأضاحي عن طريق البنك الإسلامي، وما كان من قبل الفدية، ما رأيكم فيه سماحة الشيخ (1)(2)؟
ج: هذا الذي فعله البنك الإسلامي؛ من قبول الوكالات للتخفيف عن الحجاج، والتيسير عليهم أمر طيب، وقد رأينا بحمد الله فوائده الكثيرة، وهم – بحمد الله – موثوقون، وعندهم عناية بهذا الأمر، وعندهم مندوب منا ومن وزارة العدل لمراقبة أعمالهم، فنسأل الله أن ينفع بهم ويعينهم،
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (92).
(2)
السؤال الثالث من الشريط رقم (92). ') ">
فالأمر في الحقيقة فيه سعة للحجاج؛ لأنه ليس كل واحد يستطيع أن يشتري الهدي، ويتولى ذبحه وتوزيعه، فهؤلاء يشترونه ويذبحونه، ويوزعونه فالحمد لله، لا حرج في ذلك والحمد لله، لكن من تيسر له أن يتولى هديه ويذبحه، ويوزعه، فهذه درجة عُليا، إذا تيسر فهو أفضل بلا شك، لكن ما كل واحد يتيسر له ذلك؛ للزحمة العظيمة، وقد يكون يذبحها ويتركها، ما عنده عناية بها، فهؤلاء يعتنون بها، ويوزعون اللحم في الداخل وفي الخارج، وتحصل بها المنفعة العظيمة الواسعة والحمد لله.
س: ما هو الأولى للمرأة: أن توكل من يرمي عنها في النهار إذا كانت لا تستطيع الرمي، أو أن ترمي ليلاً بنفسها؟
ج: الذي يظهر – والله أعلم – أن توكيلها أولى؛ لأن وقوع الرمي في النهار أفضل بكل حال، ولأنه قد يحصل بعض الزحام في الليل، إذا تعالم الناس واعتادوا الرمي في الليل قد يصعب الرمي أيضًا، فتوكيلها حتى تؤدي العبادة في وقتها هو الأفضل والأولى إن شاء الله؛ لكونها مثلاً عاجزة، ما تستطيع الدخول مع الناس في الرمي، أو لكونها حبلى تخشى على حملها، أو لأسباب أخرى.
198 -
حكم تأخير رمي الجمار حتى اليوم الثالث عشر
س: في هذا الوقت يكثر الزحام في الحج، ويحصل أضرار عظيمة، فهل يجوز للحاج أن يؤخر الرمي حتى اليوم الثالث عشر، ويرمي عن الأيام الماضية (1)؟
ج: أجاز هذا جمع من أهل العلم، وأنه لا بأس به، واحتجوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الرعاة أن يؤخروا اليوم الحادي عشر، ويرموه مع الثاني عشر، قالوا: هذا جنس التأخير لعذر الرعاة، وإذا كان الرعاة يعذرون بسبب رعاية الإبل، فكون الإنسان يعذر بسبب خوفه على نفسه من الهلكة أولى، وأولى، فنفس الإنسان أغلى وأرفع من نفس الإبل، فإذا كانت الرعاية للإبل، ومصلحة الإبل، ومصلحة الحجيج من أجل إبلهم، تجعل الرعاة يرمون ليلاً، ويرمون متأخرين، فخوف الإنسان على نفسه من باب أولى، أن يكون عذرًا؛ ولهذا أجاز جمع من أهل العلم أن يؤخر الرمي إلى اليوم الثاني عشر، أو الثالث عشر، ثم يرمي الحاج بالترتيب، يبدأ بيوم العيد، ثم الحادي عشر، ثم الثاني عشر ثم الثالث عشر، إن تأخر كل هذا لا حرج فيه إن شاء الله،
(1) السؤال في الشريط رقم (92).
وهكذا كون الإنسان يوكل في الرمي لعجزه وضعفه وخشية على نفسه، كل هذا من باب رعاية المصالح العامة، ودفع الضرر العظيم؛ لأن قاعدة الشريعة دفع الضرر:«لا ضرر ولا ضرار» (1) ورعاية المصالح العامة، ومعلوم أن اجتماع النساء والرجال فيما بين الزوال إلى غروب الشمس، عند زحمة الحج فيه الأخطار العظيمة، فإذا روعي ذلك، وسُمِحَ للمرأة بالتوكيل، والشيخ الكبير، ونحوه، صار في هذا فرج للجميع، وتيسير للجميع.
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسنده، من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه، برقم (22272)، وابن ماجه في كتاب الأحكام، باب من بنى في حقه ما يضر بجاره، برقم (2340).
199 -
حكم الأضحية في الإسلام
س: ما حكم مَن لم يلتزم بشعيرة الضحية في ذي الحجة من كل عام؟ وما حكم من يغالي فيها مغالاة تكسر قلوب الفقراء (1)؟
ج: السنة في الضحية بأن يضحي الإنسان عن نفسه، وعن أهل بيته حسب التيسير، ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، إن كان موسرًا ضحى بشاة واحدة، عنه وعن أهل بيته، وإن كان معسرًا، فلا شيء عليه، ولا
(1) السؤال من الشريط رقم (92).
ينبغي له في هذا المغالاة والتشديد، بل ينبغي له الرفق في كل الأمور، وخير الأمور أوسطها، فالسنة أن يحافظ عليها، إذا كان موسرًا، ولكن الصحيح أنها لا تجب، إنما هي سنة؛ لفعله صلى الله عليه وسلم، ولا يغالي فيها مغالاة تضر بغيره، ويشدد على الفقراء في ذلك، بل من تيسر له ذلك ضحى، وتكفي الشاة الواحدة عنه، وعن أهل بيته، والحمد لله، ومن شق عليه ذلك، فلا حرج، ولا بأس أن يدَعها.
وأحكامها أنه يأكل، ويهدي، ويتصدق، كما قال تعالى:{فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} . في الهدايا والضحايا، يأكل منها ما تيسر، ويطعم الفقراء، ويهدي إلى أقاربه، كل هذا أمر مستحب، وليس فيه تحديد، قد رأى بعض أهل العلم التثليث، وأنه يستحب أن يثلث، فيأخذ ثلثًا لنفسه وأهل بيته، وثلثًا يهديه لأقاربه وجيرانه، وثلثًا للفقراء، ولكن هذا ليس بواجب، إذا فعل ذلك فلا بأس، وإذا أكل أكثر من الثلث، أو أهدى أكثر من الثلث، أو أعطى الفقراء غالبًا فلا بأس به، والحمد لله، ثم الضحية لا بد فيها أن تكون سليمة كالهدي، - يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أربع لا تجوز في الأضاحي" – ومثلها الهدايا – " العوراء
البيِّن عورها، والعرجاء البيِّن عرجها، والمريضة البيِّن مرضها، والعجفاء التي لا تنقي» (1) هذه لا تجزئ في الأضاحي، ولا في الهدايا، والعمياء من باب أولى، إذا كانت العوراء لا تجزئ، فالعمياء من باب أولى، وكذلك المريضة البيِّن مرضها بالجرب، أو غيره، وهكذا الهزيلة التي لا تنقي، لا تجزئ في الضحايا، وهكذا العرجاء التي ضلعها بيِّن، بحيث لا تستطيع المشي مع الصحاح، تتأخر عنهن، عرجها واضح، وهكذا العضباء التي ذهب أكثر قرنها، أو أذنها؛ لأحاديث وردت في ذلك، قلا يضحى بها، وهكذا مقطوع الألية لا يضحى به، بل يضحي بالشاة السليمة، أما كونها في الأذن شق، أو خرق أو نحو ذلك هذا لا يمنع، لكن ترك هذا أفضل، إذا تيسر كونها سليمة فهي أفضل، ولكن هذا الخرق والشق لا يمنع الإجزاء، تجزئ ولكن السليمة من ذلك أفضل، وهكذا التي قطع بعض قرنها؛ يعني القليل من القرن، ليس هو الأكثر
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الضحايا، باب ما يكره من الضحايا، برقم (2802)، والترمذي في كتاب الأضاحي، باب ما لا يجوز من الأضاحي، برقم (1497)، والنسائي في كتاب الضحايا، باب ما نهي عنه من الأضاحي العوراء، برقم (4369)، واللفظ له، وابن ماجه في كتاب الأضاحي، باب ما يكره أن يضحى به، برقم (3144).
تجزئ، ولكن السليمة أفضل، وهكذا ما قطع طرف أذنها، لكن أكثرها بقي تجزئ، ولكن السليمة أفضل والله المستعان.
200 -
بيان أنواع نسك الحج
س: الأخ: ن. ص. ق. يسأل ويقول: حدثونا عن أنواع الحج، جزاكم الله خيرًا (1)(2).
ج: أنساك الحج ثلاثة: الأول: الإحرام بالعمرة وحدها. الثاني: الإحرام بالحج وحده. الثالث: الإحرام بهما جميعًا. وصفة كل واحد.
أما العمرة فيقول: اللهم لبيك عمرة. أو يقول: اللهم إني أوجبت عمرة.
هذا يقال له: عمرة مفردة. سواء في أشهر الحج أو غيرها، عليه أن يحرم بها من الميقات، الذي يمر عليه من طريق المدينة، ميقات المدينة، ومن طريق مصر والشام، من طريق الساحل يحرم من الجحفة، رابغ، ومن طريق اليمن يلملم، طريق العراق ذات عرق، الضريبة، من طريق نجد قرن المنازل، وادي قرن، ويسميه الناس السيل، على من أراد الحج أو العمرة أن يحرم من هذه المواقيت إذا مر على واحد منها، فإن كان بالعمرة يقول: اللهم لبيك عمرة. أو: اللهم إني قد أوجبت عمرة. وإن
(1) السؤال الأول من الشريط رقم (259).
(2)
السؤال الأول من الشريط رقم (259). ') ">
زاد: متمتعًا بها إلى الحج. إذا كان في أشهر الحج: شوال وذي القعدة وأول ذي الحجة، فلا بأس، وإن لم يزدها فلا بأس، إذا قال: لبيك عمرة. وهو نيته الحج، وحج، فإنه يسمى متمتعًا، وإن زادها، وقال: متمتعًا بها إلى الحج. فلا بأس أيضًا، وإن قال: فإن حبسني حابس، فمحلي حيث حبستني. كذلك لا حرج، ولا سيما إذا كان يخشى حادثًا، من مرض أو غيره، فيطوف، ويسعى، ويقصر من عموم شعر رأسه، مجموع الشعر، الجوانب والوسط يعم الشعر، ثم يحل، وبهذا تمت العمرة، وإن شاء حلق الرأس حلقًا بالموسى، أو بالماكينة التي تأتي على أصله، فهذا من أنساك العمرة: طواف وسعي وتقصير، أو حلق بعد إحرامه من الميقات والإحرام النية بالقلب، كونه ينوي بقلبه الدخول في العمرة، ثم يلبي يقول: اللهم لبيك عمرة. ينوي بقلبه في الميقات، الذي يمر عليه، أنه يريد العمرة، وهي زيارة البيت العتيق، وتسمى هذه النية إحرامًا بالنية في القلب، ويشرع له التلبية، فيقول: اللهم لبيك عمرة.
ويستحب له أن يغتسل إذا تيسر، يغتسل، ويقلم أظفاره، إن كان فيها طول، أو يقص شاربه، هذا أفضل، وإن لم يفعل، فلا حرج، لو أحرم بدون اغتسال، ومن دون قص الأظفار، ولا قص شارب، فلا حرج، ويلبس الرجل إزارًا ورداء، أبيضين، أفضل، وإن كانت من نوع آخر،
كالأحمر والأسود، فلا حرج، لكن الأبيض أفضل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:«البسوا من ثيابكم البياض؛ فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم» (1) وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم، أنه دخل عام الفتح، وعليه عمامة سوداء، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه طاف مضطبعًا، لون إحرامه أخضر، فالألوان الأخرى جائزة، ولكن البياض هو الأفضل، أما المرأة فإنها تحرم فيما تيسر لها من اللباس العادي للنساء: أحمر أو أسود أو أخضر أو غيره، لكن تترك الثياب التي فيها زينة؛ لأنها قد تتعرض لفتنة الطواف والسعي، تكون ملابس عادية، ليس فيها فتنة، هذا هو الأفضل، ولكن لا تلبس القفازين في اليدين، ولا تنتقب النقاب الذي في الوجه حال إحرامها، لا في العمرة ولا في الحج، والنقاب شيء يصنع للوجه تلبسه المرأة في وجهها، وينقب فيه
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسنده، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما برقم (2220)، وأبو داود في كتاب اللباس، باب في البياض، برقم (4061)، والترمذي في كتاب الجنائز، باب ما يستحب من الأكفان، برقم (994)، وابن ماجه في كتاب اللباس، باب البياض من الثياب، برقم (3566).
نقبان أو نقب واحد للعينين، هذا، النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه، قال:«لا تنتقب المرأة» (1) والقفازان غشاءان يجعلان في اليدين، غشاءان تجعل اليدان فيهما أيضًا ممنوعة منهما المحرمة، ولكن تغطي وجهها بالجلباب، بالشيلة، تغطي يديها بجلبابها بعباءتها، لا بأس لا تلبسها في حال الإحرام مطلقًا، ولو ما عندها أحد، لا تلبس النقاب ولا القفازين، لكن عند وجود الأجنبي تغطي وجهها، ويديها بشيء غير النقاب، وغير القفازين، تقول عائشة رضي الله عنها:«كنا مع النبي في حجة الوداع، فإذا دنا منا الرجال سدلت إحدانا خمارها على وجهها ورأسها، فإذا بعدوا كشفنا» (2)
والنوع الثاني الحج: وهو أن ينوي الإنسان الحج فقط بقلبه، نية الحج فقط، من الميقات، سواء كان رجلاً أو امرأة، هذا يسمى الإفراد، إفراد الحج، فينوي الحج بقلبه ويلبي، ويقول: اللهم لبيك حجًا. أو: اللهم إني أوجبت حجة أو حجًا. من الميقات الذي يمر عليه، وإن كان في مكة كذلك، قال من محله: لبيك حجًا. أو حول مكة من الميقات
(1) أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب ما ينهى من الطيب للمحرم والمحرمة، برقم (1838).
(2)
أخرجه أبو داود، باب في المحرمة تغطي وجهها، برقم (2/ 104).
من المحل الذي ينشِئ فيه الإحرام، الذي في جدة، يقول: لبيك حجًا.
أو: عمرة. كما تقدم، أو الشرائع، أو كان في الزيمة، أو أم السلم، المقصود من كان دون المواقيت يحرم بالعمرة، إذا شاء مفردًا أو بالحج مفردًا: اللهم لبيك حجًا. من المحل الذي ينشِئ منه الإحرام، وإن كان قبل المواقيت أحرم من الميقات، كما تقدم فيقول: لبيك حجًا. هذا يسمى حج المفرد، فإذا وصل مكة شرع له أن يجعله عمرة، وإن كان الوقت واسعًا شرع له أن يجعله عمرة، يفسخه إلى عمرة، كما أمر النبي أصحابه بذلك، يطوف ويسعى ويقصر يجعله عمرة، أما إن كان الوقت ضيقًا، قصد عرفات، وحج مع الناس حج المفرد، ولكن لو تيسر له دخول مكة والطواف والسعي، ويقصر ويجعله عمرة، هذا يكون هو الأفضل، ويسمى فسخ الحج إلى العمرة، فإن بقي على إحرامه، وحج مع الناس بالحج المفرد، فلا بأس، يطوف ويسعى عند قدومه، ثم يبقى على إحرامه، حتى يحج مع الناس، أو يبقى على إحرامه، ولا يطوف ولا يسعى إلا بعد الحج في يوم النحرأو ما بعده، كله جائز، ولكن الأفضل أنه يبدأ بالطواف للقدوم والسعي للحج قبل الحج، يطوف ويسعى ويبقى على إحرامه، حتى ينتهي من عرفات، وإذا جاء يوم العيد طاف وسعى، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه حج قارنًا وطاف وسعى عند
قدومه ولم يحل؛ لأنه كان معه الهدي، صلى الله عليه وسلم، أما الذين أحرموا بالحج وليس معهم هدي أمرهم صلى الله عليه وسلم أن يجعلوها عمرة؛ فطافوا وسعوا وقصروا وحلوا بأمره عليه الصلاة والسلام، فهذا يسمى نسك إفراد، الإفراد في الحج.
وهناك نسك ثالث يسمى القران، فينوي بقلبه عمرة وحجًا جميعًا من الميقات، أو من محله الذي هو فيه، كجدة أو أم السلم، دون الميقات ينوي بقلبه حجًا وعمرة، ثم يلبي يقول: اللهم لبيك عمرة وحجًا. هذا يسمى القران، وأعماله مثل أعمال الإفراد، يطوف ويسعى أول ما يقدم مكة، ويبقى على إحرامه حتى يفرغ من حجه، فإذا فرغ من حجه من عرفات طاف يوم العيد طواف الإفاضة فقط، وأجزأه السعي السابق، ويسمى قارنًا بين الحج والعمرة، وأعماله كأعمال المفرد، لكن الأفضل له والسنة له أن يفسخ حجه إلى العمرة، يطوف ويسعى ويقصر ويحل، إذا كان ليس معه هدي، والسنة له أنه يطوف ويسعى ويقصر ويتحلل، كالذي أحرم بالحج مفردًا؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه الذين أحرموا بالحج مفردًا، أو بالحج والعمرة جميعا وليس معهم هدي، أمرهم أن يجعلوها عمرة، فطافوا وسعوا وقصروا وحلوا، وأما من كان معه الهدي فإنه يبقى على إحرامه،
والأفضل له أن يلبي بالحج والعمرة جميعًا، إذا كان معه الهدي، كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه أحرم بالحج والعمرة جميعًا وكان معه هدي، كان معه ثلاث وستون من الإبل، أتى بها من المدينة، وجاء عليٌّ من اليمن بسبع وثلاثين، صار الجمع مائة، نحرها يوم النحر عليه الصلاة والسلام، فمن كان معه هدي ولو ناقة واحدة، ولو شاة واحدة أتى بها هذا يبقى على إحرامه، ويلبي بالحج والعمرة جميعًا، والذي ليس معه هدي فإنه يلبي بالعمرة ويوف ويسعى ويقصر، ويحج، وإن لبى بالحج مفردًا، أو بالحج والعمرة جميعًا فإنه يفسخ، يطوف ويسعى ويقصر ويجعلها عمرة، كما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة الذي حجوا معه، وليس معهم هدي، هذا هو الصواب عند المحققين من أهل العلم، وأعمال القارن وأعمال المفرد شيء واحد، طواف وسعي، إن فعلهما عند القدوم أجزأه السعي، ويبقى عليه الطواف يوم العيد أو بعده، وإن لم يسعَ مع طواف القدوم سعى مع طواف الإفاضة بعد عرفات يوم العيد أو بعده، سعيًا واحدًا يجزئ المفرد ويجزئ القارن، أما المتمتع الذي طاف، وسعى، وقصر لعمرته، وحل، هذا عليه سعي ثان، مع طواف الحج يوم العيد أو بعده للحج، وذاك السعي الأول للعمرة التي خلص منها، وطاف وسعى وقصر منها.
201 -
حكم من اعتقد أنه لا يتم حجه إلا بالإتيان بالأنساك الثلاثة
س: بعض الحجاج يرى أن على المسلم أن يحج على الأنساك الثلاثة، بمعنى أن يحج مرة متمتعًا، ومرة قارنًا، ومرة مفردًا، ما حكم هذا المعتقد؟ (1)
ج: لا أصل له، بل الصواب أن يحج متمتعًا دائمًا، هذا هو الأفضل كما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، ولما فيه من زيادة العمل والعبادة؛ لأن فيه طوافًا وسعيًا للعمرة، وطوافًا وسعيًا للحج، وفيه تقصير للعمرة، وفيه تقصير للحج أو الحلق، فهو أكثر عملاً، وهو الموافق لما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم، لكن النسكان الآخران جائزان: الإفراد، والقران، لكن القران تركه أفضل إلا لمن ساق الهدي.
(1) السؤال من الشريط رقم (266).
202 -
بيان المقصود بالإفراد والقران والتمتع
س: ما معنى مفرد، وماذا يعني القران، وما معنى تمتع؟ (1)
(1) السؤال من الشريط رقم (29).
ج: الإفراد هو أن يلبي بالحج مفردًا بدون عمرة، يقول: اللهم لبيك حجًّا، ويبقى على إحرامه، حتى ينتهي من الحج، هذا يسمى مفردًا، فإن هو قال: لبيك عمرة، فيسمى متمتعًا إذا كان قبل الحج، إذا كانت عمرته بعد رمضان، أو قال: لبيك عمرة، ونيته البقاء حتى يحج، هذا يسمى متمتعًا. أو قال: لبيك عمرة وحجًّا، يسمى قارنًا، والسنة له ألاّ يبقى على حاله، بل يطوف ويسعى ويحل، ثم يكون متمتعًا، هذا هو الأفضل، لا يبقى على إحرامه، وهكذا الحاج من لبى بالحج مفردًا السنة له أن يطوف ويسعى ويقصر ويحل من العمرة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر الصحابة الذين أحرموا بالحج مفردًا، أو بالحج والعمرة جميعًا، لمن دخلوا في ذي القعدة، أمرهم أن يأخذوا عمرة، فيطوفوا ويسعوا ويقصروا، هذا السنة إلا إذا كان معه هدي؛ إبل أو بقر أو غنم، فيبقى على إحرامه، سواء مفردًا أو قارنًا أو ملبيًا بعمرة، فيبقى على إحرامه ويلبي بالحج مع العمرة، ويبقى حتى يحل من حجه جميعًا يوم النحر.
203 -
بيان الأفضل من الأنساك الثلاثة
س: يسأل صاحب الرسالة عن الأنساك الثلاثة أيهم أفضل: القران أم
التمتع أم الإفراد؟ (1)؟
ج: أفضلها التمتع، كما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم في حق من قدم بعد رمضان، أفضلها التمتع، وهو أن يحرم بالعمرة من الميقات الذي يمر عليه، ثم يطوف ويسعى ويقصر ويحل، ويبقى حتى يأتي وقت الحج، فإذا جاء اليوم الثامن من ذي الحجة، وهو يوم التروية لبى بالحج، وذهب إلى منى، ثم عرفات، وقف بعرفات يوم عرفة بعد صلاة الظهر والعصر إلى غروب الشمس، ثم ذهب إلى مزدلفة وبات بها، ووقف بعد الفجر إلى أن يسفر جدًا، إلى الإسفار، ثم ينصرف إلى منى. إلى آخره.
فالمقصود أن التمتع هو الأفضل، وهو يشتمل على طواف وسعي للعمرة، وعلى طواف وسعي بعد الحج للحج، وباقي أعمالها أعمال الحجاج كلها، أعمال المفرد والقارن، هذا هو الأفضل، وإذا أحرم بالحج وحده أو بالحج والعمرة جميعًا، فلا حرج في ذلك، لكن الأفضل أنه يلبي بالعمرة، ويطوف ويسعى، ويقصر، ويحل إلا إن كان ساق معه هديًا، جاء به معه؛ إبل أو غنم أو بقر، يذبحها في مكة، هذا يحرم بالحج والعمرة جميعًا، هذا الأفضل، يلبي بالحج والعمرة جميعًا،
(1) السؤال من الشريط رقم (352).
ويكون قارنًا، ويطوف ويسعى إذا قدم، ويبقى على إحرامه، فإذا جاء بعد الحج يوم العيد أو بعده طاف فقط طواف الإفاضة يكفي، وإذا رمى الجمار وأراد السفر طاف للوداع، هذا يسمى قارنًا، ومثله المفرد الذي أحرم بالحج وحده، عمله عمل القارن، إذا قدم مكة يطوف ويسعى ويبقى على إحرامه، ثم بعد نزوله من عرفات ومزدلفة يطوف فقط، يسده السعي الأول، وإن أخر السعي إلى ما بعد العيد وسعاه مع طواف الوداع كذلك كفى.
204 -
حكم ترك المتمتع لسعي الحج
س: حججنا ومعنا طالب علم كنا نثق به، وتمتعنا في حجنا من السيل، فطفنا وسعينا، وبعد طواف الإفاضة لم نسع، فهل حجنا هذا صحيح أم لا (1)؟
ج: المتمتع وهو الذي يحرم بالعمرة من الميقات ويفرغ منها، ثم يحج من عامه، هذا يسمى متمتعًا في اصطلاح العلماء، وهكذا من أحرم بهما جميعًا بالعمرة والحج جميعًا، وبقي على إحرامه حتى حج يسمى متمتعًا أيضًا، ويسمى قارنًا عند أهل العلم، فهذان عليهما الهدي،
(1) السؤال من الشريط رقم (18).
هذا الذي أحرم بالعمرة من الميقات وتحلل منها، ثم أحرم بالحج يسمى متمتعًا، وذاك الذي أحرم بهما جميعًا من الميقات، ميقات المدينة أو ميقات أهل نجد أو غيرهما، واستمر على إحرامه حتى فرغ من حجه كلاهما عليه هدي، والذي حل عليه سعي ثان، والذي لم يحل بل بقي على إحرامه حكمه حكم المفرد الذي حج حجًّا مفردًا، ليس عليه إلا سعي واحد.
والحاصل أن الذي تمتع بالعمرة إلى الحج وتحلل من عمرته يسعى سعيًا ثانيًا لحجه، والسعي الأول يكون لعمرته، هذا هو المشروع، والذي أفتاكم بأنكم لا تسعون أفتى بقول بعض العلماء، نسأل الله له العفو والمغفرة، ولكن الذي عليه جمهور أهل العلم وهو أرجح القولين أن المتمتع الذي فرغ من عمرته في أشهر الحج ثم أحرم بالحج في عامه أن عليه سعيًا ثانيًا لحجه، والسعي الأول لعمرته، هذا هو المشروع، وهذا هو الأرجح، وهو أرجح القولين، وعليه أكثر أهل العلم، فإذا سمعت أيها السائل هذا فعليك أن تسعى عن حجك السابق في هذا الوقت، لا بأس في هذا الوقت أو بعده، عليك أن تسعى لحجك السابق، وعليك أن تذبح احتياطًا هديًا عن جماعك أهلك إذا كان عندك زوجة وجامعتها بعد الحج، تذبح هديًا في مكة عن جماعك
لها قبل أن تسعى، صدقة عن إتيانك لزوجتك تكون في مكة لفقراء الحرم، هذا هو المشروع على سبيل الاحتياط وخروجًا من خلاف العلماء، وهو الذي دلت عليه السنة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما حج كان أصحابه ثلاثة أقسام: منهم من أهل بالعمرة وتحلل منها، ومنهم من أهل بالحج والعمرة جميعًا قارنًا، ومنهم من أحرم بالحج وحده، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم الذي أحرموا بالحج وحده أو بالحج والعمرة جميعًا أن يجعلوها عمرة، وأن يتحللوا، فأجابوا وسمعوا وأطاعوا، وتحللوا إلا من كان معه الهدي، فإنه بقي على إحرامه، وأمر الذين تحللوا من عمرتهم، أن يسعوا سعيًا ثانيًا لحجهم بعدما رجعوا من منى. كما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما، وكما جاء في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:«وأما الذين حلوا من عمرتهم فطافوا طوافًا آخر لحجهم.» (1) يعني بين الصفا والمروة. هذا هو المعتمد.
(1) أخرجه البخاري في كتاب الحج: باب طواف القارن برقم (1638)، ومسلم في كتاب الحج: باب بيان وجوه الإحرام وأنه يجوز إفراد الحج برقم (1211).
205 -
حكم طواف القدوم للمتمتع والقارن
س: هل للحاج المتمتع والقارن طواف قدوم (1)؟
(1) السؤال من الشريط رقم (4).
ج: إذا كان قارنًا فطوافه طواف قدوم، والعمرة الآن دخلت في الحج، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:«دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة» (1) فإن أحرم بهما جميعًا وقدم يطوف ويسعى، ويعتبر طاف طواف القدوم، والسعي سعي الحج، ويبقى على إحرامه إذا كان معه الهدي من إبل أو بقر أو غنم، يبقى على إحرامه إلى الحج، فإذا جاء يوم عرفة وقف بعرفات، ثم يوم العيد يرمي الجمرة جمرة العقبة، ويحلق أو يقصر، ويحصل التحلل الأول، ثم يطوف حينئذٍ، ويكون بذلك قد أدى الحج والعمرة جميعًا، وأجزأه السعي السابق، وطوافه الأول طواف قدوم، هذا إذا كان قارنًا، وهو الذي أحرم بالحج والعمرة جميعًا، وبقي على إحرامه إما لأنه ساق الهدي أو لأنه رأى أن هذا جائز ففعله واستمر على إحرامه، فإن هذا طوافه الأول يعتبر طواف قدوم، والعمرة دخلت في الحج، وصار الحكم للحج، والسعي يكون سعي الحج مقدمًا، وطواف الحج يكون بعد عرفات يوم العيد متأخرًا، طواف
(1) أخرجه مسلم في كتاب الحج: باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم برقم (1218).
207 -
حكم من اعتمر في رمضان ويريد الحج متمتعًا
س: أديت مناسك العمرة في رمضان، ونويت تأدية مناسك الحج، فإذا كان ذلك هل أحج مفردًا أم متمتعًا أم قارنًا مع العلم أنني مقيم في مكة المكرمة (1)؟
ج: ما دمت على ما ذكرت فالحج مفردًا، الأفضل لك أن تحج مفردًا؛ لأنك أديت العمرة في رمضان، تبقى في مكة في عبادة الله وطاعته، فإذا جاء اليوم الثامن لبيت بالحج مفردًا، هذا هو السنة، وإن أخذت عمرة بعد رمضان، فلا حرج.
(1) السؤال من الشريط رقم (350).
208 -
حكم من أحرم بالحج متمتعًا وعدل عنه إلى الإفراد
س: أحرمت بنية التمتع عمرة متمتعًا بها إلى الحج، ولكني حينما رأيت الزحام شديدًا حول البيت عدلت عن العمرة إلى الحج فقط، فهل يجوز ذلك (1)؟
ج: لك أن تدخل الحج بالعمرة، لك أن تلبي بالحج مع العمرة، وتكون قارنًا بذلك، يكون إحرامك قارنًا، ولكن الأفضل أن تصبر ولا
(1) السؤال من الشريط رقم (44).
تعجل، وإذا خفَّ الزحام تطوف وتسعى وتقصر، وتحل من عمرتك، هذا هو الأفضل، وهذا هو السنة، فإن شق عليك ذلك تلبي بالحج وتقول: اللهم لبيك حجًّا مع العمرة. وتكون قارنًا، وإذا تيسر لك الطواف تطوف فقط، وإن طفت وسعيت كفى، ثم تبقى على إحرامك إلى الحج، لكن السنة أنك تطوف وتسعى وتقصر وتحل، ويكفى؛ لأن الرسول أمر أصحابه بهذا عليه الصلاة والسلام، أمرهم أن يطوفوا ويسعوا ويقصروا، ولا يبقوا على إحرامهم، فأنت كذلك عليك التأسي بهم كما أمرهم النبي عليه الصلاة والسلام، فإذا خف الزحام تطوف وتسعى وتقصر – والحمد لله – وتلبي بالحج في وقته إذا جاء وقت الحج يوم الثامن، تلبي بالحج ثم تذهب إلى منى.
209 -
حكم اكتفاء القارن بسعي العمرة عن سعي الحج
س: لقد حججت مرتين، واعتمرت أربع مرات، وهذا العام حججت لوالدتي التي لم تستطع أداء المناسك، وأيضًا أخي الذي حج لوالدي الذي لم يستطع أداء المناسك، نظرًا لكبر سنهما فقد نويت عند الإحرام بالحج متمتعًا، وبعد أن وصلت إلى الأراضي
الطاهرة قمت بطواف القدوم وطواف السعي، ولم أقصر من شعري، ولم أتحلل إلا بعد رمي الجمرة الأولى، ولم أنحر، ولم أسع مرة أخرى غير طواف الإفاضة وطواف الوداع، فهل يجوز ذلك؟ وهل يحتسب حجة فقط أم ماذا؟ وما حكم الدين في ذلك؟ وهل لي حسنات أجزى بها؟ أفيدوني جزاكم الله الكريم خير الجزاء (1)(2).
ج: الذي يظهر من سؤال السائل أنه أراد التمتع بالعمرة إلى الحج، ولكنه ما صرح بالعمرة، فأحرم متمتعًا، فإذا كان أراد بقصده التمتع فالتمتع بالعمرة إلى الحج، فالقِران يسمى تمتعًا، وهذا عمل القارن، أخونا طاف وسعى وبقي على إحرامه، هذا عمل القارن، ثم طاف بعد ذلك ولم يسع، يجزئ السعي الأول عن السعي بعد الحج إذا كان نوى أن يؤدي حجًّا وعمرة جميعا فقط ولم يقصد أن يتحلل بعد السعي عند قدومه مكة، إنما أراد التمتع بالعمرة إلى الحج، يعني أن يجمع بينهما وأن يقرن بينهما، فهو قد طاف وسعى، ثم طاف بعد الحج وطاف للوداع فهذا يكفي، لكن عليه هدي، عليه أن يرسل من يذبح
(1) السؤال من الشريط رقم (5).
(2)
السؤال من الشريط رقم (5). ') ">
هديًا في مكة؛ لأن القارن مثل من حلَّ بالعمرة سواء بسواء، فعليه هديٌ يذبحه بمكة، أما إن كان أراد بقوله متمتعًا بالحج لا بالعمرة، وأن قصده حج مفرد، فهذا ليس عليه هدي، فالطواف والسعي الأول كافٍ، وطواف الحج طواف الإفاضة الذي فعله بعد ذلك يكفي، وطواف الوداع كذلك، وليس عليه سعيٌ آخر، وهكذا إذا كان أراد حجًا وعمرة جميعًا، فليس عليه إلا سعي واحد، وهو السعي الأول الذي فعله يكفيه، ولكن إذا كانت العمرة يعرفها ويقصدها فإن عليه الهدي، عليه أن يأتي ويذبح في مكة، أو يوكل ثقة من الثقات يذبحه في مكة عن قرانه، ويكون بذلك قد أدى الواجب، وهو واجب هدي التمتع، وليس عليه سوى ذلك، والله أعلم.
س: أنا وصلت من بلدي لأداء العمرة، واعتمرت، ثم ذهبت إلى المدينة للزيارة، وجلست في المدينة أسترزق عدة شهور، ثم جاء وقت الحج وأريد أن أحج، فما هو الحكم في عملي هذا ولا سيما أنني قدمت فقط للعمرة والزيارة (1)؟
ج: تحج من المدينة والحمد لله، هذا من فضل الله عليك أن يسر
(1) السؤال من الشريط رقم (312). ') ">
لك الحج، تحرم من ميقات المدينة بالحج والحمد لله، وإذا أخذت عمرة ثانية من ميقات المدينة، ثم يوم الثامن من ذي الحجة تلبي بالحج مع الناس يكون أفضل، وتكون متمتعًا، ويكون عليك الدم ذبيحة واحدة، تذبحها يوم النحر يوم العيد، أو سبع بدنة، أو سبع بقرة، هذا هو الواجب على المتمتع، وإذا أحرمت بحج مفرد فلا بأس، لكن الأفضل لك أن ترحم بالعمرة، هذا هو السنة، تطوف وتسعى وتقصر وتحل، ثم في اليوم الثامن بعد ذلك عند الذهاب إلى منى تلبي بالحج، هذا هو الذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه لما قدموا من المدينة في حجة الوداع، أمرهم أن يحلوا ويجعلوها عمرة إلا من كان معه الهدي، إلا من ساق الهدي من المدينة، أو من الطريق، هذا يبقى على إحرامه، أما الذي لبى بالحج وليس معه هدي فالرسول صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يحلوا بالطواف والسعي والتقصير، ويجعلوها عمرة، ثم يلبون بالحج يوم الثامن، وقد فعلوا رضي الله عنهم.
س: أريد أن أحج حجًّا بدون عمرة؛ لأنني ليس عندي الاستطاعة للفدية، لكني لا أعرف الطرق الصحيحة التي أتبعها حتى يكون
حجي صحيحًا وبدون فدية علمًا بأنني أقيم وأعمل في جدة؟
ج: الحج الذي ليس فيه فدية أن تحرم بالحج مفردًا، تقول: اللهم لبيك حجًّا مع النية في قلبك إذا كنت في جدة، من جدة تلبي بالحج ناويًا الحج مفردًا، فتذهب إلى مكة وقت الحج، وتطوف وتسعى، أو تبقى على إحرامك حتى تقف في عرفات، وحتى ترمي جمرة العقبة، فإذا رميت جمرة العقبة فالأفضل أن تحلق، وإن قصرت فلا بأس، ثم تحل، ومن حل بعد الرمي أجزأه، لكن الأفضل يكون بعد الرمي والحلق أو التقصير، ثم يلبس ثيابه إذا شاء، ويتطيب إذا شاء، ثم يطوف ويسعى طوافًا بالبيت سبعة أشواط، ويصلي ركعتين، ثم يسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط، هذا هو الحج المفرد، ليس فيه هدي، تحرم من مكانك في جدة، أو من الميقات إن كنت من غير جدة، إذا مررت بالميقات تحرم من الميقات بالحج فقط، تقول: اللهم لبيك حجًّا. ثم إذا جئت مكة تطوف بدون أن تسعى، وتبقى على إحرامك حتى تخرج إلى عرفات، وحتى ترمي الجمرة يوم العيد، ثم تحل وتحلق أفضل أو تقصر، ثم تحل وتتطيب وتلبس ملابسك، ثم عليك الطواف بعد ذلك طوافًا فقط بدون سعي، إلا إذا كنت أخرت السعي إلى ما بعد
العيد، تسعى مع الطواف، ليس عليك إلا سعي واحد، إن قدمته مع طواف القدوم كفى، وإن أخرته مع طواف الإفاضة فلا بأس، وإذا رميت الجمرة حصل التحلل الأول، لكن الأفضل والأحوط أن يكون مع الرمي الحلق أو التقصير خروجًا من الخلاف، ثم تحل – يعني تلبس الملابس، تتطيب – ثم يبقى عليك الطواف والسعي إن كنت ما سعيت مع طواف القدوم، ويبقى عليك الطواف والسعي، وبهذا يحصل التحلل كله، إن كان لك زوجة تحل لك الزوجة، ويبقى عليك الرمي في الحادي عشر والثاني عشر، رمي الجمار الثلاث، والمبيت ليلة إحدى عشرة، وليلة اثنتي عشرة، وإن شئت بقيت يوم الثالث عشر، يكون أفضل، تبقى اليوم الثالث عشر، وإن تعجلت اليوم الثاني عشر بعد الرمي فلا بأس، ترمي الجمرة بعد الزوال في اليوم الثاني عشر، وتعجل إلى مكة، تطوف طواف الوداع، ثم تخرج إلى أهلك بعد طواف وداع بدون سعي، وإن بقيت في منى يوم الثالث عشر ترمي الجمار الثلاث، هذا أفضل كما بقي النبي صلى الله عليه وسلم، ثم بعد رمي الجمار بعد الزوال تخرج إلى مكة للوداع، وإن بقيت في مكة أيامًا فلا بأس، لكن إذا عزمت على السفر تطوف للوداع سبعة أشواط قبل السفر، وتصلي ركعتين سنة بعد الطواف، وليس فيه سعي.
210 -
حكم الفصل بين الطواف والسعي بزمن
س: أحرمت بالحج مفردًا من مكان إقامتي في جدة ليلة الثامن من ذي الحجة، وطفت طواف القدوم قبل يوم التروية، ثم سعيت سعي الحج بعد صلاة فجر يوم التروية، فهل الترتيب الزمني الذي أديت فيه المناسك المذكورة صحيح؟ جزاكم الله خيرًا (1).
ج: لا حرج في ذلك والحمد لله، لكن لو سعيت مع الطواف مبادرة فهو أفضل، ولكن تأخيره كونك طفت يوم الثامن أو في اليوم الثامن، ثم سعيت في صباح اليوم التاسع أو في يوم التروية لا بأس، المقصود الفصل بين السعي وبين الطواف لا يضر، لكن كون السعي يلي الطواف هذا هو الأفضل، فإذا طاف الإنسان في اليوم الثامن، أو في السابع ثم سعى بعد ذلك في اليوم الذي بعده أو في الليلة فلا حرج في ذلك.
(1) السؤال من الشريط رقم (301).
211 -
حكم الشك بعد أداء العبادة
س: يقول السائل: أديت فريضة الحج، وأكملت الحج تمامًا – ولله الحمد – وعند عودتي شعرت بأني لم أكمل الحج على الوجه المطلوب علمًا بأني أديت مناسك الحج والعمرة بالشكل
المطلوب، وجهوني حول هذه الخواطر، جزاكم الله خيرًا (1).
ج: هذه الخواطر من الشيطان، فلا تلتفت إليها، والشكوك التي ترد بعد الفراغ من العبادة لا يعول عليها ولا يلتفت إليها، وأنت بحمد الله قد أديت ما عليك، وعرفت ذلك، فهذه الشكوك والأوهام كلها من الشيطان، الواجب إطراحها وعدم الالتفات إليها، والتعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
(1) السؤال من الشريط رقم (285).
212 -
بيان أن الواجب في حق الحاج أن يؤدي الحج كما أمر الله
س: بعض الحجاج لا يبالي بحجه، فهو لا يسأل عما أشكل عليه، أو أنه يسأل عاميًّا أو شخصًا لا يعرف بالعلم، وتعلمون سماحتكم ما يترتب على ذلك، فبم تنصحون الناس؟ جزاكم الله خيرًا (1).
ج: إن وصيتي لكل مسلم ولكل حاج أن يعني بحجه وعباداته من صلاة وصوم وزكاة وغير ذلك، المؤمن من شأنه أن يهتم بدينه، وأن يحرص على دينه حتى يؤدي ما أوجب الله عليه على بصيرة، وحتى يحذر ما حرم الله عليه على بصيرة، والحجاج جاؤوا من أقطار الأرض
(1) السؤال من الشريط رقم (91).
من كل فج عميق يريدون رحمة الله وفضله، وعتقه لهم من النار، ويريدون أداء ما أوجب الله عليهم من مناسك الحج والعمرة، الواجب عليهم أن يهتموا بذلك وأن يعتنوا بذلك، وأن يسألوا عما أشكل عليهم أهل العلم، وهم بحمد الله موجودون، ومن أشكل عليه سأل عنهم في المسجد الحرام والمسجد النبوي، وقد عينت الحكومة السعودية – وفقها الله – علماء في المسجد الحرام والمسجد النبوي وفي المشاعر يبصرون الناس ويعلمونهم مناسكهم، ويرشدونهم إلى كا ما ينفعهم في الدنيا والآخرة، وهم يقومون بالوعظ والتذكير والتدريس والإفتاء، فعلى الحاج أن يسأل من وجد منهم في المسجد الحرام وفي المشاعر في المسجد النبوي، وهكذا يسأل من يعرف من العلماء من جماعته من رفقته، ومن غيرهم من علماء الشريعة المعروفين بالاستقامة والغيرة لله والعلم بشريعته، يسألهم من أي جنس كانوا، من الشام، من العراق، من مصر من أفريقيا، من أي مكان، ما دام يعرفهم بكل خير، ويعرفهم بالعلم والفضل، والغيرة لله والبصيرة في دينهم، حتى يفقهوه، وحتى يعلموه ما يحتاج إليه في حجه وعمرته وصلاته وسفره وإقامته وغير ذلك.
ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: «من يرد الله به
خيرًا يفقهه في الدين» (1) متفق على صحته. هذا يدلنا على أن من علامات الخير ومن علامات التوفيق للعبد أن يتفقه في دين الله، وأن يتبصر في دين الله، كما يدل على أن من علامات الخذلان وعدم التوفيق الجهل بالدين والإعراض عن الدين والغفلة، فعليك يا أخي أيها الحاج، وعليك أيتها الأخت في الله الحاجة، عليكما جميعًا العناية بالحج، والعناية بجميع أمور الدين في مكة وفي المدينة، وفي بلادكم وفي كل مكان، الواجب على المكلف من الرجال والنساء العناية والتبصر في الدين، لماذا؟ لأننا مخلوقون لنعبد الله، يقول الله سبحانه:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَاّ لِيَعْبُدُونِ} والله أرسل الرسل لهذا الأمر؛ ليبصروا الناس ويعلموهم، وعلى رأسهم نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم، فهو أفضل الرسل، وهو إمامهم، وهو خاتمهم، وهو نصيبنا منهم عليه الصلاة والسلام، فالواجب علينا جميعًا أن نتعلم ديننا من كتاب ربنا، ومن سنة نبينا عليه الصلاة والسلام حتى نعلم العبادة التي خلقنا لها، ما هي العبادة التي خلقنا لها، نتعلمها من
(1) أخرجه البخاري في كتاب العلم، باب من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين برقم (71)، ومسلم في كتاب الزكاة، باب النهي عن المسألة برقم (1037).
كلام ربنا، ومن كلام رسوله، فما أمر الله به ورسوله فهو العبادة، وما نهى عنه الله ورسوله فهو المنكر الذي يترك، والطريق إلى هذا العلم والعلماء الشرعيون، العلماء الفقهاء في دين الله، المعروفون بالخير والاستقامة هم الواسطة بين العامة وبين كتاب الله، وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، هم الذين يعلمون الناس دينهم، فمن كان عنده علم رجع إلى كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وتبصر منهما وعلم الناس، ومن لم يكن له علم من عامة المسلمين من الحجاج وغيرهم عليهم أن يسألوا أهل العلم، والله يقول سبحانه:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} فوصيتي للحجاج جميعًا من الرجال والنساء أن يتقوا الله وأن يحرصوا غاية الحرص على إكمال حجهم وعلى العناية به، وعلى كل ما أوجب الله عليهم من صلاة وصوم، وحق الزوج وحق الزوجة، وحق الأقارب، وحق الوالدين، وحق الجار، إلى غير ذلك.
المؤمن يتبصر في دينه، والمؤمنة كذلك وبالأخص في الحج وقت أداء الحج، يخص ذلك بمزيد العناية حتى يؤدي حجه على بصيرة، والله سبحانه يقول:
{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ} ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه» (1) يعني رجع مغفورًا له إذا أدى الحج كما ينبغي. والرفث: الجماع ودواعيه من قبلة ومس بشهوة ونحو ذلك، فالحاج لا يجوز له جماع زوجته، وليس لها أن تمكنه من ذلك حتى يحل من حجه، وحتى يحل التحلل الثاني الكامل برمي الجمار يوم العيد، وبالحلق أوالتقصير وبالطواف والسعي، هذا هو التحلل الكامل، وبعده يحل للرجل جماع أهله، وفي العمرة ليس له جماع ولا وسائل ذلك من القبلة والملامسة بشهوة، ليس له ذلك حتى يطوف كل منهما، وحتى يسعى كل منهما، وحتى يحلق الجل أو يقصر، وحتى تقصر المرأة؛ لأنه ليس لها إلا التقصير، فإذا طاف الرجل وسعى وحلق أو قصر حل من عمرته، وإذا طافت وسعت وقصرت من رأسها حلت من عمرتها، فبعد ذلك يحل لهما الجماع
(1) أخرجه البخاري في كتاب الحج: باب فضل الحج المبرور برقم (1521)، ومسلم في كتاب الحج: باب في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة برقم (1350).
الذي أباح الله من الرفث مثل ما تقدم، دواعي الجماع، كونه يلمسها بشهوة، أو يداعبها المداعبة التي تجر إلى الجماع، هذا محرم لأنه من الرفث. والفسوق: المعاصي جميعها، كل المعاصي تسمى فسوقًا كالسب والشتم للناس، وضربهم وإيذائهم، والغيبة والنميمة، والسرقة سرقة أموال الناس أو نهبها، كل هذا من الفسوق، فيجب على الحاج أن يحذر ذلك، وهكذا غير الحاج يجب الحذر من هذه المعاصي، ولكن الحاج بصفة خاصة يجب أن يحذر ذلك فلا يؤذي أحدًا لا عند الطواف ولا في السعي، ولا في أي مكان لا بيده ولا برجله ولا بكلامه، ولا يأخذ مال أحد إلا بحق، ولا يغتاب الناس ولا ينم عن الناس، ولا يشهد بالزور ولا يكذب، ولا يفعل شيئًا مما حرم الله، حتى يكمل حجه، حتى يتممه، وحتى يرجع مغفورًا له بإذن الله. والجدال: معناه المراء في الدين بغير حق، ولا جدال في الحج: يعني لا مراء في غير الحق، يعني يجادل بالباطل مع إخوانه، أو مع آخرين غير جماعته، لا يجادل، أما بيان الحق بالدليل وبالتي هي أحسن فهذا لا بأس به؛ لأن الله قال في كتابه العظيم:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}
وغيره مناسك أخرى، المقصود أن طالب العلم والمسلم الذي يريد الحج يستطيع أن يحصل منسكًا من مناسك أهل العلم يفيده في مسائل الحج، وهكذا سؤاله أهل العلم قبل أن يتوجه إلى مكة عما قد يخفى عليه، وهكذا سؤاله المدرسين في مكة في الحرم عما أشكل عليه.
س: أنا مقيم في الرياض، وأريد أن أؤدي فريضة الحج في العام القادم إن شاء الله، لكني لا أعرف كيف أبدأ، وجهوني إلى الصواب، وهل من إرشاد إلى كتاب معين يفيدني في أن أؤدي فريضة الحج على الطريق الصحيح؟ جزاكم الله خيرًا (1).
ج: نعم، يوجد كتاب مختصر كتبناه في مناسك الحج أسميناه التحقيق والإيضاح لكثير من مسائل الحج والعمرة والزيارة على ضوء الكتاب والسنة، تراجع المكتب في الرياض ويعطونك نسخة منه أو أكثر لتستفيد، ولك أن تبدأ بالعمرة، وتعتمر في رمضان أو في غيره، والعمرة أن تتوجه إلى مكة، فإذا وصلت الميقات تقول: اللهم لبيك عمرة. تغتسل وتتوضأ الوضوء الشرعي، وتصلي ركعتين سنة الوضوء، ثم تقول: اللهم لبيك عمرة. من الميقات، ميقات الرياض إن كنت من طريق الرياض،
(1) السؤال من الشريط رقم (284). ') ">
247 -
بيان ما يحصل به التحلل الثاني
س: من رمى وحلق وطاف بالبيت ولكنه لم يذبح، هل يجوز له التحلل الأصغر أو الأكبر (1)(2)؟
ج: إذا رمى وطاف وحلق ولو لم يذبح حل له كل شيء حتى النساء، يلبس المخيط، ويغطي رأسه، ويتطيب، ويأتي زوجته؛ لأن الذبح لا يتعلق بالتحلل على الصحيح، لكن الأفضل أن يسردها كما فعلها النبي صلى الله عليه وسلم، أولاً يرمي الجمرة صباح العيد، أو في آخر الليل إن كان من المستضعفين، وإن كان من الأقوياء فالسنة أن يتأخر حتى يرميها الضحى بعد طلوع الشمس، ثم ينحر الهدي سواء كان غنمًا أو بقرًا أو إبلاً، يذبحه ويأكل منه ويتصدق، ثم يحلق رأسه، والحلق أفضل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا للمحلقين بالمغفرة والرحمة ثلاث مرات، والمقصرين واحدة، أو يقصر بدل الحلق من عموم رأسه، وبهذا يتحلل التحلل الأول؛ يعني يجوز له المخيط وتغطية رأسه والطيب ونحو ذلك، ويبقى عليه إتيان النساء، فإذا طاف طواف الإفاضة طواف الحج يوم العيد أو بعده وسعى السعي الذي عليه إن كان ما سعى مع طواف القدوم يسعى مع طواف الحج، أو كان متمتعًا قد طاف وسعى لعمرته
(1) السؤال من الشريط رقم (18).
(2)
السؤال من الشريط رقم (18). ') ">