الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(لَهُ وَلِيٌّ غَيْرُهُ) إنْ كَانَ، وَلَوْ أَبْعَدَ مِنْهُ (أَوْ حَاكِمٌ) إنْ لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ إنَّمَا جُعِلَ لِلنَّظَرِ لِلْمَوْلَى عَلَيْهِ وَالِاحْتِيَاطِ لَهُ؛ فَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ لِنَفْسِهِ فِيمَا هُوَ مَوْلًى عَلَيْهِ لِإِمْكَانِ التُّهْمَةِ؛ كَالْوَكِيلِ فِي الْبَيْعِ لَا يَبِيعُهُ لِنَفْسِهِ.
[فَصْلٌ قَالَ لِأَمَتِهِ الَّتِي يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا لَوْ كَانَتْ حُرَّةً إذَنْ أَيْ وَقْتَ الْقَوْلِ]
فَصْلٌ (وَمَنْ قَالَ لِأَمَتِهِ الَّتِي يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا لَوْ كَانَتْ حُرَّةً إذَنْ) أَيْ: وَقْتَ الْقَوْلِ (لِخُلُوِّهَا عَنْ نَحْوِ اسْتِبْرَاءٍ) كَإِحْرَامٍ. (وَ) خُلُوِّهَا عَنْ (عِدَّةٍ) مِنْ الْغَيْرِ (وَعَنْ رَضَاعٍ) بِأَنْ لَمْ تَكُنْ أَرْضَعَتْهُ هِيَ أَوْ أُمُّهَا وَإِنْ عَلَتْ، أَوْ بِنْتُهَا وَإِنْ سَفَلَتْ أَوْ أُخْتُهَا وَلَا أَرْضَعَتْ أَبَاهُ وَلَا زَوْجَتَهُ الصَّغِيرَةَ؛ فَتَدْخُلُ الْكِتَابِيَّةُ الَّتِي أَبَوَاهَا كِتَابِيَّانِ، وَتَخْرُجُ الْمَجُوسِيَّةُ وَالْوَثَنِيَّةُ مَعَ مَا ذُكِرَ مِنْ الَّتِي لَمْ تُسْتَبْرَأْ، وَالْمُحْرِمَةُ وَالْمُعْتَدَّةُ، وَالْمُحَرَّمَةُ عَلَيْهِ بِرَضَاعٍ. وَقَوْلُهُ: لَوْ كَانَتْ حُرَّةً؛ لِدَفْعِ اعْتِبَارِ عَدَمِ الطَّوْلِ وَخَوْفِ الْعَنَتِ الْمُعْتَبَرِ فِي نِكَاحِ الْأَمَةِ (مِنْ) بَيَانٌ لِأَمَتِهِ (قِنٍّ وَمُدَبَّرَةٍ وَمُكَاتَبَةٍ وَمُعَلَّقٍ عِتْقُهَا بِصِفَةٍ أَوْ أُمِّ وَلَدِهِ: أَعْتَقْتُك وَجَعَلْت عِتْقَك صَدَاقَك، أَوْ قَالَ: جَعَلْت عِتْقَ أَمَتِي صَدَاقَهَا، أَوْ قَالَ: جَعَلْت صَدَاقَ أَمَتِي عِتْقَهَا) صَحَّ ذَلِكَ نَصَّ عَلَيْهِ. (وَيَتَّجِهُ وَ) إنْ أَتَى السَّيِّدُ بِإِحْدَى هَاتَيْنِ الْجُمْلَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ (مَعَ تَعَدُّدِ) إمَائِهِ إذَا لَمْ يُفِضْ إلَى الزِّيَادَةِ عَلَى أَرْبَعٍ (وَثَمَّ) أَيْ: هُنَاكَ (نِيَّةٌ) مِنْ إرَادَةِ تَعَدُّدٍ أَوْ لَا (عَمِلَ بِهَا) أَيْ: بِالنِّيَّةِ، وَصَحَّ الْعَقْدُ وَالنِّكَاحُ (وَإِلَّا) تَكُنْ نِيَّةٌ (احْتَمَلَ صِحَّتَهُ فِيهِنَّ) أَيْ: إمَائِهِ (لِأَنَّهُ) أَيْ: قَوْلُهُ: أَمَتِي (مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ) جَمِيعَ إمَائِهِ، كَمَا لَوْ قَالَ مَنْ مَعَهُ عَدَدٌ مِنْ الزَّوْجَاتِ: زَوْجَتِي طَالِقٌ، وَأَطْلَقَ، وَلَمْ يَنْوِ مُعَيَّنَةً؛ طَلَّقَ كُلَّ زَوْجَاتِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَتَقَدَّمَ فِي الْعِتْقِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(أَوْ قَالَ: قَدْ أَعْتَقْتُهَا، وَجَعَلْت عِتْقَهَا صَدَاقَهَا، أَوْ قَالَ: أَعْتَقْتهَا عَلَى أَنَّ عِتْقَهَا صَدَاقُهَا، أَوْ قَالَ: أَعْتِقُك عَلَى أَنْ أَتَزَوَّجَك وَعِتْقِي) صَدَاقُك (أَوْ عِتْقُك صَدَاقُك؛ صَحَّ) الْعِتْقُ وَالنِّكَاحُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا (وَإِنْ لَمْ يَقُلْ وَتَزَوَّجْتُك أَوْ) لَمْ يَقُلْ: وَ (تَزَوَّجْتهَا) لِتَضَمُّنِ قَوْلِهِ: وَجَعَلْت عِتْقَهَا وَنَحْوَهُ صَدَاقَهَا، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَى أَنَسٌ:«أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَعْتَقَ صَفِيَّةَ، وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ. وَرَوَى الْأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ «صَفِيَّةَ قَالَتْ: أَعْتَقَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَجَعَلَ عِتْقِي صَدَاقِي» . وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إذَا أَعْتَقَ الرَّجُلُ أُمَّ وَلَدِهِ فَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا؛ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَفَعَلَهُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَلِأَنَّ الْعِتْقَ يَجِبُ تَقْدِيمُهُ عَلَى النِّكَاحِ لِيَصِحَّ، وَقَدْ شَرَطَهُ صَدَاقًا، فَتَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الْعِتْقِ عَلَى صِحَّةِ النِّكَاحِ لِيَكُونَ الْعِتْقُ صَدَاقًا فِيهِ، وَقَدْ ثَبَتَ الْعِتْقُ؛ فَيَصِحُّ النِّكَاحُ (إنْ كَانَ) الْكَلَامُ (مُتَّصِلًا حَقِيقَةً) بِأَنْ لَمْ يَسْكُتْ بَعْدَ قَوْلِهِ أَعْتَقْتُك سُكُوتًا يُمْكِنُهُ التَّكَلُّمُ فِيهِ، أَوْ يَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ أَجْنَبِيٍّ، ثُمَّ يَقُولُ: وَجَعَلْت عِتْقَك صَدَاقَك، فَإِنْ فَعَلَ؛ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ بِالْعِتْقِ حُرَّةً، فَيَحْتَاجُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِرِضَاهَا بِصَدَاقٍ جَدِيدٍ، (أَوْ) كَانَ الْكَلَامُ مُتَّصِلًا (حُكْمًا) فَلَوْ قَالَ: أَعْتَقْتُك، ثُمَّ ذَرَعَهُ قَيْءٌ أَوْ سُعَالٌ أَوْ عُطَاسٌ، ثُمَّ قَالَ: وَجَعَلْت عِتْقَك صَدَاقَك؛ صَحَّ، وَلَا يُعَدُّ مَا نَابَهُ مِنْ ذَلِكَ فَاصِلًا، وَلَوْ طَالَ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِاخْتِيَارِهِ، وَلَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا، وَمَحَلُّ الصِّحَّةِ إنْ كَانَ (بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْنِ) نَصًّا؛ لِقَوْلِهِ عليه السلام:«لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْنِ» . ذَكَرَهُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ، (وَ) كَانَ حِينَهُ (قَصَدَ بِالْعِتْقِ جَعْلَهُ) أَيْ: الْعِتْقِ (صَدَاقًا) لِمَا فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ إذَا قَالَ: أَجْعَلُ عِتْقَك صَدَاقَك، أَوْ صَدَاقَك عِتْقَك، كُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ إذَا كَانَتْ لَهُ نِيَّةٌ.
(وَيَصِحُّ جَعْلُ صَدَاقِ مَنْ بَعْضُهَا حُرٌّ، عِتْقُ الْبَعْضِ الْآخَرِ) إنْ أَذِنَتْ هِيَ، وَمُعْتِقُ
الْبَقِيَّةِ عَلَى قِيَاسِ مَا تَقَدَّمَ يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ: (وَيَتَّجِهُ) فِيمَنْ بَعْضُهَا حُرٌّ جَعْلُ ذَلِكَ (بِإِذْنِهَا) لِمَا فِيهَا مِنْ الْحُرِّيَّةِ (وَإِذْنُ مُعْتَقِهَا) لِمَا لَهُ مِنْ الْوَلَاءِ عَلَى الْجُزْءِ الَّذِي أَعْتَقَهُ، فَيَثْبُتُ الْعِتْقُ وَالنِّكَاحُ جَمِيعًا إذَا كَانَ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ شُهُودٍ، سَوَاءٌ قُدِّمَ لَفْظُ الْعِتْقِ عَلَى الْعَقْدِ أَوْ لَفْظُ الْعَقْدِ عَلَى الْعِتْقِ إذَا كَانَ كَلَامًا مَوْصُولًا، وَلَا خِيَارَ لِلْأَمَةِ، وَلَا امْتِنَاعَ مِنْ التَّزْوِيجِ إذَا وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَمَنْ بَانَتْ قَبْلَ دُخُولٍ) وَقَدْ جَعَلَ عِتْقَهَا أَوْ عِتْقَ بَعْضِهَا صَدَاقَهَا (رَجَعَ مُعْتَقُهَا) عَلَيْهَا (بِنِصْفِ قِيمَةِ مَا أَعْتَقَ) مِنْهَا نَصًّا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ قَبْلَ الدُّخُولِ يُوجِبُ الرُّجُوعَ فِي نِصْفِ مَا فَرَضَ لَهَا، وَقَدْ فَرَضَ لَهَا نَفْسَهَا، وَلَا سَبِيلَ إلَى الرُّجُوعِ فِي الرِّقِّ بَعْدَ زَوَالِهِ، فَرَجَعَ بِنِصْفِ قِيمَةِ مَا أَعْتَقَ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ صَدَاقُهَا (فَإِنْ فَسَخَتْ) هِيَ النِّكَاحُ كَأَنْ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ، أَوْ أَرْضَعَتْ زَوْجَتَهُ الصَّغِيرَةَ، (فَ) يَرْجِعُ عَلَيْهَا (بِكُلِّهِ) أَيْ: كُلِّ ثَمَنِهَا، وَيُعْتَبَرُ وَقْتُ الْإِعْتَاقِ، وَتُجْبَرُ عَلَى الْإِعْطَاءِ إنْ كَانَتْ مَلِيئَةً (وَيُجْبِرُ عَلَى الِاسْتِسْعَاءِ) أَيْ: التَّكَسُّبِ (غَيْرَ مَلِيئَةٍ) لِتُعْطِيهِ أَوْ مَا بَقِيَ مِنْهُ، وَكَذَا كُلُّ مَنْ لَزِمَهُ دَيْنٌ مُسْتَقَرٌّ.
(وَمَنْ أَعْتَقَهَا بِسُؤَالِهَا) عِتْقِهَا (عَلَى أَنْ تَنْكِحَهُ، أَوْ قَالَ) لَهَا مِنْ غَيْرِ سُؤَالِهَا (أَعْتَقْتُك عَلَى أَنْ تَنْكِحِينِي) وَيَكُونُ عِتْقُك صَدَاقَك، أَوْ قَالَ: عَلَى أَنْ تَنْكِحِينِي (فَقَطْ) دُونَ أَنْ يَقُولَ: وَيَكُونُ عِتْقُك صَدَاقَك (وَرَضِيَتْ، صَحَّ) الْعِتْقُ وَلَمْ يَلْزَمْهَا أَنْ تَتَزَوَّجَهُ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ وَقَعَ سَلَفًا فِي النِّكَاحِ فَلَمْ يَلْزَمْهَا، كَمَا لَوْ أَسْلَفَ حُرَّةً أَلْفًا عَلَى أَنْ يَتَزَوَّجَهَا (ثُمَّ إنْ نَكَحَتْهُ) لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ أَزَالَ مِلْكَهُ عَنْهَا بِشَرْطِ عِوَضٍ، وَقَدْ سُلِّمَ لَهُ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهُ (وَإِلَّا) تَنْكِحَهُ، (فَعَلَيْهَا قِيمَةُ مَا أَعْتَقَ) مِنْهَا، كُلًّا كَانَ أَوْ بَعْضًا، لِأَنَّهُ أَزَالَ مِلْكَهُ عَنْهَا بِشَرْطِ عِوَضٍ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ، فَاسْتَحَقَّ الرُّجُوعَ بِبَدَلِهِ، كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ إذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ بِيَدِ الْمُشْتَرِي، وَسَوَاءٌ امْتَنَعَتْ مِنْ تَزَوُّجِهِ أَوْ بَذَلَتْهُ، فَلَمْ يَتَزَوَّجْهَا هُوَ كَمَا فِي " الشَّرْحِ "" وَالِاخْتِيَارَاتِ "، وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ وَقْتَ الْإِعْتَاقِ، لِأَنَّهُ وَقْتُ الْإِتْلَافِ.
(وَ) لَوْ قَالَ: (أَعْتَقْتُك وَزَوِّجِينِي نَفْسَك؛ عَتَقَتْ) لِتَنْجِيزِ عِتْقِهَا (وَلَمْ يَلْزَمْهَا أَنْ تَتَزَوَّجَهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا) مِنْ قِيمَةِ نَفْسِهَا إذَا لَمْ تَتَزَوَّجْهُ؛ لِأَنَّهُ أَلْزَمَهَا بِمَا لَا يَلْزَمْهَا، وَلَمْ تَلْتَزِمْهُ. وَإِنْ قَالَ السَّيِّدُ لِأَمَتِهِ (زَوَّجْتُك لِزَيْدٍ، وَجَعَلْت عِتْقَك صَدَاقَك) وَنَحْوَهُ كَزَوَّجْتُ أَمَتِي لِزَيْدٍ، وَعِتْقُهَا صَدَاقُهَا؛ صَحَّ عَلَى قِيَاسِ مَا سَبَقَ أَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ (أَعْتِقُك، وَزَوَّجْتُك لَهُ) أَيْ: لِزَيْدٍ (عَلَى أَلْفٍ وَقَبِلَ) زَيْدٌ النِّكَاحَ (فِيهِمَا) أَيْ: فِي الصُّورَتَيْنِ (صَحَّ) الْعِتْقُ وَالنِّكَاحُ، كَمَا لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ (أَعْتِقُك وَأَكْرَيْتُك مِنْهُ) أَيْ: مِنْ زَيْدٍ مَثَلًا (سَنَةً بِأَلْفٍ) فَيَصِحُّ الْعِتْقُ وَالْإِجَارَةُ إنْ قَبِلَهَا زَيْدٌ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ اسْتِثْنَاءِ الْخِدْمَةِ، وَلَوْ قَالَ: وَهَبْتُك هَذِهِ الْجَارِيَةَ وَزَوَّجْتهَا مِنْ فُلَانٍ، أَوْ وَهَبْتُكهَا وَأَكْرَيْتُهَا مِنْ فُلَانٍ، أَوْ بِعْتُكهَا وَزَوَّجْتُهَا أَوْ أَكْرَيْتُهَا مِنْ فُلَانٍ؛ فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ صِحَّتُهُ، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ لِلْمَنْفَعَةِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّا نُجَوِّزُ الْعِتْقَ وَالْوَقْفَ وَالْهِبَةَ وَالْبَيْعَ مَعَ اسْتِثْنَاءِ مَنْفَعَةِ الْخِدْمَةِ وَقَدْ جَوَّزْنَا أَنْ يَكُونَ الْإِعْتَاقُ وَالْإِنْكَاحُ بِمَنْزِلَةِ الْإِنْكَاحِ قَبْلَ الْإِعْتَاقِ، لِأَنَّهَا حِينَ الْإِعْتَاقِ لَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ. ذَكَرَهُ فِي " الِاخْتِيَارَاتِ " (وَلَا بَأْسَ بِعِتْقِهِ) أَيْ: السَّيِّدِ (أَمَتَهُ ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا) سَوَاءٌ أَعْتَقَهَا لِلَّهِ سُبْحَانَهُ؛ أَوْ أَعْتَقَهَا لِيَتَزَوَّجَهَا إذْ لَا مَحْظُورَ فِيهِ، وَقَالَ عليه الصلاة والسلام:«مَنْ كَانَ عِنْدَهُ جَارِيَةٌ فَعَلَّمَهَا. وَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا أَوْ أَحْسَنَ إلَيْهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا؛ فَلَهُ أَجْرَانِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَ) إذَا قَالَ مُكَلَّفٌ لِآخَرَ (اعْتِقْ عَبْدَك عَلَى أَنْ أُزَوِّجَك ابْنَتِي، فَأَعْتَقَهُ) لَمْ يَلْزَمْ الْقَائِلَ أَنْ يُزَوِّجَهُ ابْنَتَهُ؛ لِأَنَّهُ وَعْدٌ لَا يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهِ (فَإِنْ زَوَّجَهُ) ابْنَتَهُ فَلَا كَلَامَ (وَإِلَّا) يُزَوِّجْهُ إيَّاهَا (لَزِمَهُ) أَيْ: قَائِلَ ذَلِكَ لِلْمُعْتِقِ (قِيمَتُهُ) أَيْ: الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ، كَمَا لَوْ قَالَ: أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي وَعَلَيَّ ثَمَنُهُ، وَتَقَدَّمَ.
الشَّرْطُ (الرَّابِعُ: الشَّهَادَةُ) عَلَى النِّكَاحِ احْتِيَاطًا لِلنَّسَبِ خَوْفَ الْإِنْكَارِ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا:«لَا بُدَّ فِي النِّكَاحِ مِنْ حُضُورِ أَرْبَعَةٍ: الْوَلِيُّ وَالزَّوْجُ وَالشَّاهِدَانِ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْبَغَايَا اللَّوَاتِي يُنْكِحْنَ أَنْفُسَهُنَّ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ غَيْرِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَهُوَ الْوَلَدُ، فَاشْتُرِطَتْ الشَّهَادَةُ فِيهِ لِئَلَّا يَجْحَدَهُ أَبُوهُ، فَيَضِيعُ نَسَبُهُ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْعُقُودِ، وَمَا رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ مِنْ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَعْتَقَ صَفِيَّةَ، وَتَزَوَّجَهَا مِنْ غَيْرِ شُهُودٍ» فَمِنْ خَصَائِصِهِ كَمَا سَبَقَ، وَلِذَلِكَ قَالَ:(إلَّا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) إذَا نَكَحَ أَوْ أَنْكَحَ لِأَمْنِ الْإِنْكَارِ.
مَسْأَلَةٌ قَالَ فِي " شَرْحِ الْمُحَرَّرِ ": إذَا كَانَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فِي سَفَرِ لَيْسَ مَعَهُمَا وَلِيٌّ وَلَا شُهُودٌ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا وَإِنْ خَافَ الزِّنَا بِهَا. ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ، قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الزَّرْكَشِيّ: هَذَا الْقَوْلُ بِهَذَا الْقَيْدِ فِيهِ بَشَاعَةٌ؛ فَإِنَّ مُوَافَقَةَ الزِّنَا مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ، فَإِذَا أَمْكَنَ الْعُدُولُ عَنْ صَرَاحَتِهِ إلَى مَا فِيهِ شُبْهَةٌ مَا؛ فَهُوَ أَوْلَى، وَلَا شَكَّ أَنَّ النِّكَاحَ بِلَا وَلِيٍّ مُخْتَلَفٌ فِي صِحَّتِهِ؛ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْوُقُوعِ فِي زِنًا مُجْمَعٍ عَلَى تَحْرِيمِهِ.
(فَلَا يَنْعَقِدُ) النِّكَاحُ (إلَّا بِشَهَادَةِ ذَكَرَيْنِ) لِمَا رَوَى أَبُو عُبَيْدَةَ فِي الْأَمْوَالِ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مَضَتْ السُّنَّةُ أَنْ لَا يَجُوزَ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ، وَلَا فِي النِّكَاحِ، وَلَا الطَّلَاقِ (بَالِغَيْنِ عَاقِلَيْنِ) لِأَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ (مُتَكَلِّمَيْنِ) لِأَنَّ الْأَخْرَسَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ (سَمِيعَيْنِ) لِأَنَّ الْأَصَمَّ لَا يَسْمَعُ الْعَقْدَ فَيَشْهَدُ بِهِ (مُسْلِمَيْنِ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ» رَوَاهُ الْخَلَّالُ (وَلَوْ أَنَّ الزَّوْجَةَ ذِمِّيَّةٌ عَدْلَيْنِ وَلَوْ ظَاهِرًا) لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ الشَّهَادَةِ إعْلَانُ النِّكَاحِ وَإِظْهَارُهُ، وَلِذَلِكَ يَثْبُتُ بِالِاسْتِفَاضَةِ، فَإِذَا حَضَرَ مَنْ يُشْتَهَرُ بِحُضُورِهِ، صَحَّ (فَلَا يُنْقَضُ لَوْ بَانَا) أَيْ: الشَّاهِدَانِ (فَاسِقَيْنِ) لِوُقُوعِ النِّكَاحِ فِي الْقُرَى وَالْبَوَادِي بَيْنَ عَامَّةِ النَّاسِ مِمَّنْ لَا يَعْرِفُ حَقِيقَةَ الْعَدَالَةِ، فَاعْتِبَارُ ذَلِكَ يَشُقُّ، فَاكْتُفِيَ بِظَاهِرِ الْحَالِ فِيهِ، وَكَذَا لَا يُنْقَضُ إنْ بَانَ الْوَلِيُّ فَاسِقًا (مِنْ غَيْرِ أَصْلِ وَفَرْعِ الزَّوْجَيْنِ) أَيْ: مِنْ غَيْرِ عَمُودَيْ نَسَبِ الزَّوْجَيْنِ وَالْوَلِيِّ، فَلَا تَصِحُّ شَهَادَةُ أَبِي الزَّوْجَةِ أَوْ جَدِّهَا فِيهِ، وَلَا ابْنِهَا وَابْنِهِ فِيهِ، وَكَذَا أَبُو الزَّوْجِ
وَجَدُّهُ وَابْنُهُ وَابْنُ ابْنِهِ وَإِنْ نَزَلَ، لِلتُّهْمَةِ. وَكَذَا أَبُو الْوَلِيِّ وَابْنُهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الشَّاهِدَيْنِ حُرَّيْنِ أَوْ بَصِيرَيْنِ، فَتَصِحُّ (وَلَوْ أَنَّهُمَا قِنَّانِ أَوْ ضَرِيرَانِ) لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى قَوْلٍ أَشْبَهَتْ الِاسْتِفَاضَةَ، وَيُعْتَبَرُ أَنْ يَتَيَقَّنَ الصَّوْتَ، فَلَا يَشُكُّ فِي الْعَاقِدَيْنِ كَمَا يَعْلَمْهُ مَنْ رَآهُمَا، (أَوْ) أَيْ: وَلَوْ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ (عَدُّوا الزَّوْجَيْنِ) أَوْ عَدُّوا أَحَدِهِمَا أَوْ عَدُّوا الْوَلِيِّ؛ لِعُمُومِ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ» وَلِأَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِهِمَا غَيْرُ هَذَا النِّكَاحِ؛ فَالْعَقْدُ هُوَ أَيْضًا بِهِمَا كَسَائِرِ الْعُقُودِ.
(وَيَتَّجِهُ هَذَا) أَيْ شَهَادَةُ عَدُوِّي الزَّوْجَيْنِ مَقْبُولَةٌ فِي النِّكَاحِ (مِنْ حَيْثُ الصِّحَّةِ) أَيْ: صِحَّةِ الْعَقْدِ بِشَهَادَتِهِمَا وَإِبَاحَةِ مَا يَقْتَضِيهِ (وَأَمَّا لَوْ تَنَاكَرَا) أَيْ: الزَّوْجَانِ النِّكَاحَ، أَوْ أَنْكَرَهُ أَحَدُهُمَا، فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعَدَاوَةَ الدُّنْيَوِيَّةَ مِنْ مَوَانِعِ الشَّهَادَةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَلَا يُبْطِلُ الْعَقْدَ تَوَاصٍ بِكِتْمَانِهِ) لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مَعَ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ مَكْتُومًا (فَلَوْ كَتَمَهُ) أَيْ النِّكَاحَ (وَلِيٌّ وَشُهُودٌ وَزَوْجَانِ؛ صَحَّ) الْعَقْدُ (وَكُرِهَ) كِتْمَانُهُمْ لَهُ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ إعْلَانُ النِّكَاحِ. تَنْبِيهٌ
: وَلَا يَنْعَقِدُ نِكَاحُ مُسْلِمٍ بِشَهَادَةِ ذِمِّيَّيْنِ، وَلَا بِشَهَادَةِ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] : وَلَوْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ ذِمِّيَّةً كِتَابِيَّةً أَبَوَاهَا كِتَابِيَّانِ.
(وَلَوْ أَقَرَّ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ بِزَوْجِيَّةِ الْآخَرِ؛ ثَبَتَ النِّكَاحُ بِإِقْرَارِهِمَا) لِعَدَمِ الْمُخَاصِمِ فِيهِ (وَلَوْ لَمْ يَقُولَا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْنِ) لِأَنَّهُ لَا مُنَازَعَ لَهُمَا فِيهِ، وَوَرِثَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخَرَ بِالزَّوْجِيَّةِ؛ لِقِيَامِهَا بِهَا بِالْإِقْرَارِ، (وَلَوْ) أَقَرَّ الزَّوْجُ بِالزَّوْجِيَّةِ فَ (جَحَدَتْهُ) الْمَرْأَةُ (ثُمَّ أَقَرَّتْ لَهُ) أَيْ: الزَّوْجِ صَحَّ الْإِقْرَارُ مِنْهَا وَ (لَمْ تَحِلَّ) لَهُ (إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ) لِاحْتِمَالِ صِدْقِهَا فِي جُحُودِهَا، وَتَرِثُهُ إنْ مَاتَ بَعْدَ إقْرَارِهَا لَهُ، لَا إنْ بَقِيَتْ عَلَى
جُحُودِهَا حَتَّى مَاتَ؛ لِلتُّهْمَةِ فِي تَصْدِيقِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ.
(فَإِنْ أَقَرَّ وَلِيُّ مُجْبِرٌ) أَنَّهُ زَوَّجَ مُوَلِّيَتَهُ مِنْ زَيْدٍ (صَحَّ إقْرَارُهُ) عَلَيْهَا، لِأَنَّهَا لَا قَوْلَ لَهَا إذَنْ، وَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ إنْشَاءَ الْعَقْدِ، فَمَلَكَ الْإِقْرَارَ بِهِ كَالْوَكِيلِ (وَإِلَّا) يَكُنْ الْوَلِيُّ مُجْبِرًا (فَلَا) يَصِحُّ إقْرَارُهُ عَلَى مُوَلِّيَتِهِ، لِأَنَّ لَهَا إذْنًا مُعْتَبَرًا (وَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ) بِأَتَمِّ مِنْ هَذَا.
(وَلَا تُشْتَرَطُ الشَّهَادَةُ بِخُلُوِّهَا) أَيْ: الزَّوْجَةِ إذَا لَمْ يُعْلَمْ لَهَا سَابِقَةُ تَزَوُّجٍ، وَإِلَّا اُشْتُرِطَ ذِكْرُ خُلُوِّهَا (مِنْ الْمَوَانِعِ لِلنِّكَاحِ) كَالْعِدَّةِ وَالرِّدَّةِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهَا (أَوْ) أَيْ: وَلَا تُشْتَرَطُ الشَّهَادَةُ عَلَى (إذْنِهَا) لِوَلِيِّهَا فِي الْعَقْدِ عَلَيْهَا؛ اكْتِفَاءً بِالظَّاهِرِ (وَالِاحْتِيَاطُ الْإِشْهَادُ) بِخُلُوِّهَا مِنْ الْمَوَانِعِ وَبِإِذْنِهَا؛ قَطْعًا لِلنِّزَاعِ.
(وَإِنَّ ادَّعَى زَوْجٌ إذْنَهَا) لِوَلِيِّهَا فِي الْعَقْدِ (وَأَنْكَرَتْ) الزَّوْجَةُ إذْنَهَا لِوَلِيِّهَا (صُدِّقَتْ قَبْلَ دُخُولِ) زَوْجٍ بِهَا مُطَاوَعَةً؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَ (لَا) تُصَدَّقُ فِي إنْكَارِهَا الْإِذْنَ (بَعْدَهُ) أَيْ: الدُّخُولِ بِهَا مُطَاوَعَةً؛ لِأَنَّ دُخُولَهُ بِهَا كَذَلِكَ دَلِيلُ كَذِبِهَا.
(وَإِنْ ادَّعَتْ) زَوْجَةٌ (الْإِذْنَ) لِوَلِيِّهَا فِي الْعَقْدِ (فَأَنْكَرَ وَرَثَتُهُ) ذَلِكَ (صُدِّقَتْ) لِأَنَّ الْوَلِيَّ غَيْرَ الْمُجْبِرِ لَا يُزَوِّجُ مُوَلِّيَتَهُ بِدُونِ إذْنِهَا.
الشَّرْطُ (الْخَامِسُ: خُلُوُّ الزَّوْجَيْنِ مِنْ الْمَوَانِعِ) الْآتِيَةِ فِي بَابِ الْمُحَرَّمَاتِ (بِأَنْ لَا يَكُونَ بِهِمَا) أَيْ: الزَّوْجَيْنِ (أَوْ بِأَحَدِهِمَا مَا يَمْنَعُ التَّزْوِيجَ مِنْ نَسَبٍ أَوْ سَبَبٍ أَوْ اخْتِلَافِ دِينٍ) بِأَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا، وَهِيَ مَجُوسِيَّةً وَنَحْوُهُ مِمَّا يَأْتِي، وَكَوْنُهَا فِي (نَحْوِ عِدَّةٍ) كَكَوْنِ أَحَدِهِمَا مُحْرِمًا.
(وَالْكَفَاءَةُ) فِي الزَّوْجِ (لَيْسَتْ شَرْطًا لِلصِّحَّةِ) أَيْ: لِصِحَّةِ الْعَقْدِ (خِلَافًا لِأَكْثَرِ الْمُتَقَدِّمِينَ) مِنْهُمْ الْخِرَقِيِّ، وَصَحَّحَهُ فِي " الْمَذْهَبِ " " وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ " " وَالْخُلَاصَةِ " وَابْنِ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ (بَلْ) هِيَ شَرْطٌ (لِلُّزُومِ) أَيْ: لُزُومِ النِّكَاحِ، هَذَا الْمَذْهَبُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْمُتَأَخِّرِينَ. قَالَ فِي " الْمُقْنِعِ "" وَالشَّرْحِ " وَهِيَ أَصَحُّ، وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم:«أَمَرَ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ أَنْ تَنْكِحَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ مَوْلَاهُ، فَنَكَحَهَا بِأَمْرِهِ» .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ: وَرَوَتْ عَائِشَةُ أَنَّ أَبَا حُذَيْفَةَ بْنَ عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ تَبَنَّى سَالِمًا، وَأَنْكَحَهُ ابْنَةَ أَخِيهِ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، وَهُوَ مَوْلًى لِامْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ. وَعَنْ أَبِي حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ الْجُمَحِيُّ عَنْ أُمِّهِ قَالَتْ: رَأَيْت أُخْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ تَحْتَ بِلَالٍ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، فَعَلَى هَذَا (يَصِحُّ) النِّكَاحُ (مَعَ فَقْدِهَا) أَيْ: فَقْدِ الْكَفَاءَةِ، فَهِيَ حَقٌّ لِلْمَرْأَةِ وَالْأَوْلِيَاءِ كُلِّهِمْ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ، لِتَسَاوِيهِمْ فِي لُحُوقِ الْعَارِ بِفَقْدِ الْكَفَاءَةِ. (وَ) إذَا زُوِّجَتْ بِغَيْرِ كُفْءٍ (لِمَنْ لَمْ يَرْضَ) بِالنِّكَاحِ بَعْدَ عَقْدٍ (مِنْ امْرَأَةٍ وَعَصَبَةٍ حَتَّى مَنْ يَحْدُثُ) مِنْ عَصَبَتِهَا بَعْدَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْعَارَ فِي تَزْوِيجِ مَنْ لَيْسَ بِكُفْءٍ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ (وَهُوَ) أَيْ: خِيَارُ الْفَسْخِ لِفَقْدِ الْكَفَاءَةِ، (عَلَى التَّرَاخِي) لِأَنَّهُ خِيَارٌ لِنَقْصٍ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ؛ أَشْبَهَ خِيَارَ الْعَيْبِ (فَلَا يَسْقُطُ) الْخِيَارُ (إلَّا بِإِسْقَاطِ عَصَبَةٍ بِقَوْلٍ) بِأَنْ يَقُولُوا: أَسْقَطْنَا الْكَفَاءَةَ، أَوْ رَضِينَا بِهِ غَيْرَ كُفْءٍ وَنَحْوِهِ، وَأَمَّا سُكُوتُهُمْ فَلَيْسَ رِضًى (أَوْ بِمَا يَدُلُّ عَلَى رِضَاهَا) أَيْ: الْمُزَوَّجَةِ (مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ) كَأَنْ مَكَّنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا عَالِمَةً أَنَّهُ غَيْرُ كُفْءٍ.
(وَيَحْرُمُ) عَلَى وَلِيِّ الْمَرْأَةِ (تَزْوِيجُهَا بِغَيْرِ كُفْءٍ بِلَا رِضَاهَا) لِأَنَّهُ إضْرَارٌ بِهَا، وَإِدْخَالٌ لِلْعَارِ عَلَيْهَا (وَيَفْسُقُ بِهِ) أَيْ: بِتَزْوِيجِهَا (وَلِيٌّ) بِغَيْرٍ كُفْءٍ بِلَا رِضَاهَا إنْ تَعَمَّدَ.
(وَلَوْ زَالَتْ الْكَفَاءَةُ بَعْدَ عَقْدٍ فَلَهَا) أَيْ: الزَّوْجَةِ (فَقَطْ الْفَسْخُ) دُونَ أَوْلِيَائِهَا كَعِتْقِهَا تَحْتَ عَبْدٍ، وَلِأَنَّ حَقَّ الْأَوْلِيَاءِ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ، لَا فِي اسْتِدَامَتِهِ.
(وَالْكَفَاءَةُ) لُغَةً: الْمُمَاثَلَةُ وَالْمُسَاوَاةُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:«الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ» ، أَيْ: تَتَسَاوَى، فَيَكُونُ دَمُ الْوَضِيعِ مِنْهُمْ كَدَمِ الرَّفِيعِ، وَهِيَ هُنَا (مُعْتَبَرَةٌ فِي خَمْسَةِ أَشْيَاءَ) :
أَوَّلُهَا: (دِينٌ، فَلَا تُزَوَّجُ عَفِيفَةٌ) عَنْ الزِّنَا (بِفَاجِرٍ) أَيْ: بِفَاسِقٍ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ اعْتِقَادٍ. قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ: لَا يُزَوِّجُ بِنْتَهُ مِنْ حَرُورِيٍّ قَدْ
مَرَقَ مِنْ الدِّينِ، وَلَا مِنْ الرَّافِضِيِّ، وَلَا مِنْ الْقَدَرِيِّ، فَإِنْ كَانَ لَا يَدْعُو فَلَا بَأْسَ. قَالَ الْقَاضِي: الْمُبْتَدِعُ إنْ حَكَمْنَا بِكُفْرِهِ؛ فَنِكَاحُهُ بَاطِلٌ كَالْمُرْتَدِّ، وَإِنْ حَكَمْنَا بِفِسْقِهِ؛ فَنِكَاحُهُ بَاطِلٌ؛ لِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ، وَإِنْ لَمْ نَحْكُمْ بِكُفْرِهِ وَلَا فِسْقِهِ وَهُوَ إذَا كَانَ مُقَلِّدًا لَا يَدْعُو إلَى ذَلِكَ؛ صَحَّ النِّكَاحُ. انْتَهَى.
(وَ) لَا تُزَوَّجُ امْرَأَةٌ (عَدْلٌ بِفَاسِقٍ) كَشَارِبِ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكُفْءٍ، سَكِرَ مِنْهَا أَوْ لَمْ يَسْكَرْ، وَكَذَلِكَ مَنْ سَكِرَ مِنْ خَمْرٍ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الْمُسْكِرِ لَمْ يَكُنْ كُفْئًا. قَالَ الْكَرْمَانِيُّ: قُلْت لِإِسْحَاقَ فِي الرَّجُلِ يُزَوِّجُ ابْنَتَهُ وَأُخْتَهُ مِمَّنْ يُشْرِبُ الْخَمْرَ. قَالَ: لَا، هَذَا فَاسِقٌ، فَإِذَا زَوَّجَ كَرِيمَتَهُ مِنْ فَاسِقٍ فَقَدْ قَطَعَ رَحِمَهُ، وَلِأَنَّ مَنْ اتَّصَفَ بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرَ مَرْدُودُ الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ، وَذَلِكَ نَقْصٌ فِي إنْسَانِيَّتِهِ؛ فَلَيْسَ كُفْءٌ لِعَدْلٍ.
(وَ) الثَّانِي (مَنْصِبٌ، وَهُوَ النَّسَبُ فَلَا تُزَوَّجُ عَرَبِيَّةٌ) مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ (بِعَجَمِيٍّ) وَهُوَ مَنْ لَيْسَ مِنْ الْعَرَبِ، وَلَا: بِوَلَدِ زِنًا؛ لِقَوْلِ عُمَرَ: لَأَمْنَعَنَّ تَزَوُّجَ ذَوَاتِ الْأَحْسَابِ إلَّا مِنْ الْأَكْفَاءِ. رَوَاهُ الْخَلَّالُ وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَلِأَنَّ الْعَرَبَ يَعْتَقِدُونَ الْكَفَاءَةَ فِي النَّسَبِ، وَيَأْنَفُونَ مِنْ نِكَاحِ الْمَوَالِي، وَيَرَوْنَ ذَلِكَ نَقْصًا وَعَارًا. وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ «إنَّ اللَّهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى مِنْ كِنَانَةَ قُرَيْشًا، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ» وَلِأَنَّ الْعَرَبَ فَضَلَتْ الْأُمَمَ بِرَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم.
(وَ) الثَّالِثُ (حُرِّيَّةٌ، فَلَا تُزَوَّجُ حُرَّةٌ وَلَوْ عَتِيقَةٌ بِعَبْدٍ أَوْ مُبَعَّضٍ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لِأَنَّهُ مَنْقُوصٌ بِالرِّقِّ، مَمْنُوعٌ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي كَسْبِهِ، غَيْرَ مَالِكٍ لَهُ، وَلِأَنَّ مِلْكَ السَّيِّدِ لِرَقَبَتِهِ يُشْبِهُ مِلْكَ الْبَهِيمَةِ، فَلَا يُسَاوِي الْحُرَّةَ لِذَلِكَ (وَيَصِحُّ) النِّكَاحُ (إنْ عَتَقَ) الْعَبْدُ (مَعَ قَبُولِهِ) النِّكَاحَ (كَ) قَوْلِ سَيِّدِهِ لَهُ (أَعْتَقْتُك مَعَ قَبُولِك النِّكَاحَ) أَوْ يَكُونُ السَّيِّدُ وَكِيلًا عَنْ عَبْدِهِ فِي قَبُولِ النِّكَاحِ، فَيَقُولُ بَعْدَ إيجَابِ النِّكَاحِ لِعَبْدِهِ: قَبِلْت لَهُ هَذَا النِّكَاحَ، وَأَعْتَقْته؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْضِ زَمَنٌ بَعْدَ الْعَقْدِ يُمْكِنُ الْفَسْخُ فِيهِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْعَتِيقَ كُلَّهُ كُفْءٌ لِحُرَّةِ الْأَصْلِ.
(وَ) الرَّابِعُ (صِنَاعَةٌ غَيْرُ رَزِيَّةٍ) أَيْ: دَنِيئَةٍ (فَلَا تُزَوَّجُ بِنْتُ بَزَّازٍ) أَيْ: تَاجِرٍ فِي الْبَزِّ وَهُوَ الْقُمَاشُ (بِحَجَّامٍ، وَلَا) تُزَوَّجُ (بِنْتُ تَانِئٍ صَاحِبَ عَقَارٍ بِحَائِكٍ) وَنَحْوِهِ كَكَسَّاحٍ وَزَبَّالٍ وَنَفَّاطٍ وَدَبَّاغٍ وَحَارِسٍ وَمُكَارٍ؛ لِأَنَّهُ نَقْصٌ فِي عُرْفِ النَّاسِ؛ أَشْبَهَ نَقْصَ النَّسَبِ، وَرُوِيَ فِي حَدِيثٍ «الْعَرَبُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَكْفَاءُ إلَّا حَائِكًا أَوْ حَجَّامًا» قِيلَ لِأَحْمَدَ: كَيْف تَأْخُذُ بِهِ وَأَنْتَ تُضَعِّفُهُ؟ قَالَ: الْعَمَلُ عَلَيْهِ يَعْنِي أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِأَهْلِ الْعُرْفِ.
(وَ) الْخَامِسُ (يَسَارٌ بِحَسَبِ مَا يَجِبُ لَهَا مِنْ مَهْرٍ وَنَفَقَةٍ) فَأَمَّا مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَلَا، وَإِنْ كَانَ مَالُ الْمَرْأَةِ يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ؛ وَلِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ الْمَالِ هُوَ الَّذِي يُحْتَاجُ إلَيْهِ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ (وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ) : قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنْ لَا يَتَقَدَّرَ الْمَالُ بِمِقْدَارِ مِلْكِ النِّصَابِ أَوْ غَيْرِهِ، بَلْ إنْ كَانَ حَالُ أَبِيهَا مِمَّنْ لَا يُزْرِي عَلَيْهَا بِتَزْوِيجِهَا بِالزَّوْجِ، بِأَنْ يَكُونَ مُوَازِيًا أَوْ مُسَاوِيًا لَهُ فِي الْمَالِ الَّذِي يَقْدِرُ بِهِ عَلَى نَفَقَةِ الْمُوسِرِينَ (بِحَيْثُ لَا تَتَغَيَّرُ عَلَيْهَا عَادَتُهَا عِنْدَ أَبِيهَا فِي بَيْتِهِ) فَذَلِكَ الْمُعْتَبَرُ. انْتَهَى.
(فَلَا تُزَوَّجُ مُوسِرَةٌ بِمُعْسِرٍ) لِأَنَّ عَلَيْهَا ضَرَرًا فِي إعْسَارِ زَوْجِهَا؛ لِإِخْلَالِهِ بِنَفَقَتِهَا وَمُؤْنَةِ أَوْلَادِهِ، وَلِهَذَا مَلَكَتْ الْفَسْخَ بِإِعْسَارِهِ بِالنَّفَقَةِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ نَقْصًا فِي عُرْفِ النَّاسِ يَتَفَاضَلُونَ بِهِ كَتَفَاضُلِهِمْ فِي النَّسَبِ (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ (وَ) مِمَّا يَنْبَغِي اشْتِرَاطُهُ فِي الْكَفَاءَةِ (فَقْدُ الْعُيُوبِ) الْمُثْبَتَةِ لِخِيَارِ الْفَسْخِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ أَصْحَابُنَا، لَكِنْ عِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ وَأَبِي مُحَمَّدٍ أَنَّهُ شَرْطٌ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَقَدْ أَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ أَنَّهَا لَا تُزَوَّجُ بِمَعِيبٍ، وَإِنْ أَرَادَتْ، فَعَلَى هَذَا السَّلَامَةُ مِنْ الْعُيُوبِ مِنْ جُمْلَةِ خِصَالِ الْكَفَاءَةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ أَصْحَابُنَا الْكَفَاءَةُ هُنَا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَيْضًا، لِأَنَّهُمْ ذَكَرُوا الْكَفَاءَةَ الْمُخْتَلَفِ فِي اشْتِرَاطِهَا فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ الَّتِي هِيَ حَقٌّ لِلَّهِ، أَوْ لِمَنْ يَحْدُثُ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ، وَالسَّلَامَةُ مِنْ الْعُيُوبِ لَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ بِفَقْدِهَا مَعَ رِضَى الْمَرْأَةِ وَالْأَوْلِيَاءِ قَوْلًا وَاحِدًا. انْتَهَى. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا (فَلَا تُزَوَّجُ صَحِيحَةٌ بِنَحْوِ مَجْذُومٍ) كَمَنْ