الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وَلَا فَسْخَ) لِمَنْ تَزَوَّجَتْهُ (عَالِمَةً بِعُسْرَتِهِ) أَيْ: الزَّوْجِ حِينَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِذَلِكَ، وَحَيْثُ رَضِيَتْ بِالْمَقَامِ مَعَ الْعُسْرَةِ أَوْ تَزَوَّجَتْهُ، عَالِمَةً بِهَا، فَلَهَا مَنْعُ نَفْسِهَا حَتَّى تَقْبِضَ مَهْرَهَا الْحَالَّ، لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ عَلَيْهَا حَقُّ الْحَبْسِ وَيَأْتِي فِي النَّفَقَاتِ.
(وَالْخِيرَةُ فِي الْفَسْخِ لِزَوْجَةٍ، حُرَّةٍ مُكَلَّفَةٍ وَسَيِّدِ أَمَةٍ) إذَا أَعْسَرَ الزَّوْجُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي الْمَهْرِ لَهُمَا، وَالصَّدَاقَ عِوَضُ مَنْفَعَتِهِمَا، وَ (لَا) خِيرَةَ (لِوَلِيِّ) زَوْجَةٍ (صَغِيرَةٍ وَمَجْنُونَةٍ) لِأَنَّ الْحَقَّ لَهَا فِي الصَّدَاقِ دُونَ وَلِيِّهَا، وَقَدْ تَرْضَى بِتَأْخِيرِهِ.
(وَلَا يَصِحُّ الْفَسْخُ) فِي ذَلِكَ كُلِّهِ (إلَّا بِحُكْمِ حَاكِمٍ) لِأَنَّهُ فَسْخٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ كَالْفَسْخِ لِلْعُنَّةِ وَالْإِعْسَارِ بِالنَّفَقَةِ، وَلِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى أَنْ يَكُونَ لِلْمَرْأَةِ زَوْجَانِ، كُلٌّ يَعْتَقِدُ حِلَّهَا لَهُ وَتَحْرِيمَهَا عَلَى الْآخَرِ، وَالْقِيَاسُ عَلَى الْمُعْتَقَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ.
[بَابُ الْوَلِيمَةِ وَآدَابُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ]
َ (وَهِيَ اجْتِمَاعٌ لِطَعَامِ عُرْسٍ خَاصَّةً) لَا تَقَعُ عَلَى غَيْرِهِ، حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ ثَعْلَبٍ وَغَيْرِهِ مِنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ (وَقَدْ تُطْلَقُ عَلَى كُلِّ طَعَامٍ لِسُرُورٍ حَادِثٍ) إلَّا أَنَّ اسْتِعْمَالَهَا فِي طَعَامِ الْعُرْسِ أَكْثَرَ، قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ، وَقَوْلُ أَهْلِ اللُّغَةِ أَقْوَى؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ اللِّسَانِ، وَهُمْ أَعْرَفُ بِمَوْضُوعَاتِ اللُّغَةِ، وَأَعْلَمُ بِلُغَاتِ الْعَرَبِ، قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ " " وَالْمُبْدِعِ " وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: يُقَالُ: أَوْلَمَ الرَّجُلُ إذَا اجْتَمَعَ عَقْلُهُ وَخُلُقُهُ وَأَصْلُ الْوَلِيمَةِ
تَمَامُ الشَّيْءِ وَاجْتِمَاعُهُ، وَيُقَالُ لِلْقَيْدِ: وَلْمٌ؛ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ إلَى الْأُخْرَى، وَسُمِّيَتْ دَعْوَةُ الْعُرْسِ وَلِيمَةً، لِاجْتِمَاعِ الزَّوْجَيْنِ، يُقَالُ: أَوْلَمَ إذَا صَنَعَ وَلِيمَةً.
(وَعَقِيقَةٌ لِذَبْحٍ لِمَوْلُودٍ) وَتَقَدَّمَتْ فِي الْأُضْحِيَّةِ (وَشُنْدَخِيَّةٌ) وَيُقَالُ: شُنْدُخٌ بِضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ النُّونِ وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ (لِطَعَامِ إمْلَاكٍ عَلَى زَوْجَةٍ) مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ فَرَسٌ مُشَنْدَخٌ؛ أَيْ: يَتَقَدَّمُ غَيْرَهُ، سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَتَقَدَّمُ الدُّخُولَ.
(وَعَذِيرَةٌ وَإِعْذَارٌ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ (لِطَعَامِ خِتَانٍ) وَيُقَالُ: الْعُذْرَةُ بِضَمٍّ فَسُكُونٍ (وَخُرْسَةٌ وَخُرْسٌ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَالسِّينُ مُهْمَلَةٌ وَيُقَالُ بِالصَّادِ (لِطَعَامِ وِلَادَةٍ) أَيْ: لِخُلُوصِهَا وَسَلَامَتِهَا مِنْ الطَّلْقِ (وَحِذَاقٍ) بِكَسْرِ الْحَاءِ وَتَحْفِيفِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَآخِرُهُ قَافٌ (لِطَعَامٍ عِنْدَ حِذَاقِ صَبِيٍّ بِخَتْمِهِ) أَيْ: يَوْمَ خَتْمِهِ (الْقُرْآنَ) قَالَهُ فِي " الْقَامُوسِ ".
وَمُشْدَاخٌ لِمَأْكُولٍ فِي خِتْمَةِ (الْقَارِئِ وَنَقِيعَةٍ) مِنْ النَّقْعِ وَهُوَ الْغُبَارُ أَوْ النَّحْرُ أَوْ الْقَتْلُ تُصْنَعُ (لِقُدُومِ غَائِبٍ) ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَتْ غَيْبَتُهُ فِي سَفَرٍ طَوِيلٍ أَوْ قَصِيرٍ.
(وَتُحْفَةٌ) اسْمٌ (لِطَعَامٍ قَادِمٍ) يَصْنَعُهُ هُوَ (فَالتُّحْفَةُ مِنْهُ) أَيْ: الْقَادِمِ (وَالنَّقِيعَةُ لَهُ) وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: فِي " تُحْفَةِ الْوَدُودِ ": الْقَادِمُ هُوَ الزَّائِرُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ سَفَرٍ (وَعَتِيرَةٌ) مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَسْمَاءِ الطَّعَامِ، بَلْ هِيَ (ذَبِيحَةٌ) تُذْبَحُ (أَوَّلَ) يَوْمٍ فِي (رَجَبٍ) وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي آخِرِ الْهَدْيِ وَالْأَضَاحِيِّ (وَالْقِرَى اسْمٌ لِطَعَامِ الضَّيْفَانِ) وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ الدَّعَوَاتِ (وَوَكِيرَةٌ لِدَعْوَةِ بِنَاءٍ) قَالَ النَّوَوِيُّ: أَيْ: السَّكَنُ الْمُتَجَدِّدُ انْتَهَى مِنْ الْوَكْرِ، وَهُوَ الْمَأْوَى وَالْمُسْتَقَرُّ (وَوَضِيمَةٌ) اسْمٌ (لِطَعَامِ مَأْتَمٍ) بِالْمُثَنَّاةِ فَوْقَ، وَأَصْلُهُ اجْتِمَاعُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ (وَمَأْدُبَةٌ) بِضَمِّ الدَّالِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا اسْمٌ (لِكُلِّ دَعْوَةٍ لِسَبَبٍ وَغَيْرِهِ) وَالْآدِبُ بِوَزْنِ فَاعِلٍ صَاحِبُ الْمَأْدُبَةِ، وَفِي " الْمُنْتَهَى " (وَلَمْ يَخُصُّوهَا) أَيْ: الدَّعْوَةَ (لِإِخَاءٍ وَتَسَرٍّ بِاسْمٍ) بَلْ الْمَأْدُبَةُ تَشْمَلُهَا وَالْفَرْعُ وَالْفَرَعَةُ ذَبْحُ أَوَّلِ وَلَدٍ لِلنَّاقَةِ (وَتُسَمَّى الدَّعْوَةُ الْعَامَّةُ الْجَفَلَى) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَاللَّامِ
وَالْقَصْرُ، وَتُسَمَّى الدَّعْوَةُ (الْخَاصَّةُ النَّقَرَى) بِفَتْحِ النُّونِ وَالْقَافِ وَقَالَ الشَّاعِرُ:
نَحْنُ فِي الْمُشَتَّاتِ نَدْعُو الْجَفَلَى
…
لَا تَرَى الْآدِبَ فِينَا يَنْتَقِرُ
أَيْ: يَدْعُو قَوْمًا دُونَ آخَرِينَ.
(وَتُسَنُّ الْوَلِيمَةُ بِعَقْدٍ) قَالَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الْفُرُوعِ "" وَالْمُبْدِعِ "؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «فَعَلَهَا وَأَمَرَ بِهَا، فَقَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ حِينَ قَالَ لَهُ تَزَوَّجْت: أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ» وَقَالَ أَنَسٌ: «مَا أَوْلَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ مَا أَوْلَمَ عَلَى زَيْنَبَ، جَعَلَ يَبْعَثُنِي فَأَدْعُو النَّاسَ، فَأَطْعَمَهُمْ لَحْمًا وَخُبْزًا حَتَّى شَبِعُوا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ تُسْتَحَبُّ بِالدُّخُولِ وَفِي الْإِنْصَافِ " قُلْت: الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ وَقْتُ الِاسْتِحْبَابِ مُوَسَّعٌ مِنْ عَقْدِ النِّكَاحِ إلَى انْتِهَاءِ أَيَّامِ الْعُرْسِ؛ لِصِحَّةِ الْأَخْبَارِ فِي هَذَا وَهَذَا؛ وَكَمَالُ السُّرُورِ بَعْدَ الدُّخُولِ (وَ) لَكِنْ (جَرَتْ الْعَادَةُ بِفِعْلِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِيَسِيرٍ) انْتَهَى.
(وَهِيَ) أَيْ: الْوَلِيمَةُ (سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَلَوْ قُلْت: كَمُدَّيْنِ مِنْ شَعِيرٍ) لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «أَوْلَمَ عَلَى صَفِيَّةَ بِمُدَّيْنِ مِنْ شَعِيرٍ» (أَوْ) أَيْ: وَإِنْ (نَكَحَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ) فِي عَقْدِهِ أَوْ عُقُودٍ (وَنَوَاهَا عَنْ الْكُلِّ) أَجْزَأَتْهُ؛ لِتَدَاخُلِ أَسْبَابِهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْعَقِيقَةِ، وَكَمَا لَوْ نَوَى بِرَكْعَتَيْنِ التَّحِيَّةَ وَالسُّنَّةَ.
(وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا تَنْقُصَ) الْوَلِيمَةُ (عَنْ شَاةٍ، قَالَهُ جَمْعٌ) مِنْهُمْ " الْمُوَفَّقُ " " وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا؛ لِحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَتَقَدَّمَ.
(وَتَجِبُ حَيْثُ لَا عُذْرَ نَحْوَ حَرٍّ وَبَرْدٍ وَشُغْلٍ) كَكَوْنِهِ أَجِيرًا خَاصًّا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْمُسْتَأْجِرُ (إجَابَةُ دَاعٍ مُسْلِمٍ يَحْرُمُ هَجْرُهُ، وَلَوْ) كَانَ الدَّاعِي (أُنْثَى وَقِنٍّ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ، وَكَسْبُهُ طَيِّبٌ) إلَى وَلِيمَةِ عُرْسٍ (أَوَّلَ مَرَّةٍ) بِأَنْ يَدْعُوهُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ «شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُمْنَعُهَا مَنْ يَأْتِيهَا، وَيُدْعَى إلَيْهَا مَنْ يَأْبَاهَا، وَمَنْ لَا يُجِبْ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «أَجِيبُوا هَذِهِ الدَّعْوَةَ إذَا دُعِيتُمْ إلَيْهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَهِيَ) أَيْ: الْإِجَابَةُ (حَقٌّ لِلدَّاعِي، فَتَسْقُطُ بِعَفْوِهِ) عَنْ الْمَدْعُوِّ كَسَائِرِ حُقُوقِ الْآدَمِيِّ، (وَ) قَدَّمَ (فِي التَّرْغِيبِ لَا يَلْزَمُ قَاضِيًا حُضُورًا) أَيْ: وَلِيمَةَ الْعُرْسِ؛ لِمَظِنَّةِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ فِي دَفْعِ مَا هُوَ أَهَمُّ مِنْ ذَلِكَ.
(وَتُكْرَهُ إجَابَةُ مَنْ فِي مَالِهِ) حَلَالٌ وَ (حَرَامٌ) كَكَرَاهَةِ (أَكْلِهِ مِنْهُ وَمُعَامَلَتِهِ وَقَبُولِ هَدِيَّتِهِ وَ) قَبُولِ (هِبَتِهِ وَ) قَبُولِ (صَدَقَتِهِ) قَلَّ الْحَرَامُ أَوْ كَثُرَ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي "" وَالشَّرْحِ " وَقَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي " الْفُصُولِ " وَغَيْرِهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ:«وَمَنْ تَرَكَ الشُّبُهَاتِ فَقَدْ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ» (وَتَقْوَى الْكَرَاهَةُ وَتَضْعُفُ بِحَسَبِ كَثْرَةِ حَرَامٍ وَقِلَّتِهِ) وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ فِي الْمَالِ حَرَامًا؛ فَالْأَصْلُ الْإِبَاحَةُ، فَتَجِبُ الْإِجَابَةُ وَلَا تَحْرِيمَ بِالِاحْتِمَالِ اسْتِصْحَابًا بِالْأَصْلِ وَإِنْ كَانَ تَرْكُ الْأَكْلِ أَوْلَى حَيْثُ لَمْ يَعْلَمْ الْحِلَّ؛ لِلشَّكِّ.
فَائِدَةٌ: وَيَنْبَغِي صَرْفُ الشُّبُهَاتِ فِي الْأَبْعَدِ عَنْ الْمَنْفَعَةِ، فَالْأَقْرَبِ مَا يَدْخُلُ فِي الْبَاطِنِ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَنَحْوِهِ فَيَتَحَرَّى فِيهِ الْحَلَالَ، ثُمَّ مَا وَلِيَ الظَّاهِرَ مِنْ اللِّبَاسِ (وَاخْتَارَ جَمْعٌ) مِنْهُمْ الشِّيرَازِيُّ، وَالْأَزَجِيُّ وَغَيْرِهِمَا (تَحْرِيمَ الْأَكْلِ مُطْلَقًا) وَلَوْ قَلَّ الْحَرَامُ، كَمَا لَوْ كَانَ كُلُّهُ حَرَامًا، (وَ) اخْتَارَ (جَمْعٌ) أَيْضًا مِنْهُمْ " الْخِرَقِيِّ " وَابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي " الْمِنْهَاجِ "(وَإِنْ كَانَ الْحَرَامُ أَكْثَرَ) حَرُمَ الْأَكْلُ، وَإِلَّا فَلَا: إقَامَةً لِلْأَكْثَرِ مَقَامَ الْكُلِّ، نَقَلَ الْأَثْرَمُ وَغَيْرُهُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِيمَنْ وَرِثَ مَالًا فِيهِ حَرَامٌ إنْ عَرَفَ شَيْئًا بِعَيْنِهِ رَدَّهُ، وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ عَلَى مَالِهِ الْفَسَادُ تَنَزَّهَ عَنْهُ (وَ) اخْتَارَهُ (جَمْعٌ) مِنْهُمْ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ قَدَّمَ أَنَّهُ (إنْ زَادَ) الْحَرَامُ (عَلَى الثُّلُثِ) حَرُمَ الْأَكْلُ، وَإِلَّا فَلَا، وَالْمُعْتَمَدُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ.
(فَإِنْ دَعَّى) رَبُّ الطَّعَامِ (لِلْوَلِيمَةِ الْجَفَلَى) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَيُقَالُ: الْأَجْفَلِيُّ، كَقَوْلِهِ:(أَيُّهَا النَّاسُ تَعَالَوْا لِلطَّعَامِ) أَوْ قَالَ رَسُولُ رَبِّ الْوَلِيمَةِ: أُمِرْتُ أَنْ أَدْعُوَ كُلَّ مَنْ لَقِيتُ، أَوْ أَنْ أَدْعُوَ كُلَّ مَنْ شِئْت كُرِهَتْ إجَابَتُهُ، أَوْ دَعَاهُ رَبُّ الْوَلِيمَةِ (أَوْ) رَسُولُهُ بِعَيْنِهِ (فِي) الْمَرَّةِ (الثَّالِثَةِ) كَمَا لَوْ دَعَاهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ؛ كُرِهَتْ إجَابَتُهُ.
نَقَلَ حَنْبَلٌ إنْ أَحَبَّ أَجَابَ فِي الثَّانِي، وَلَا يُجِيبُ فِي الثَّالِثِ، وَذَلِكَ لِحَدِيثِ: «الْوَلِيمَةُ أَوَّلَ يَوْمٍ
حَقٌّ، وَالثَّانِيَ مَعْرُوفٌ وَالثَّالِثَ رِيَاءٌ وَسُمْعَةٌ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمَا.
(أَوْ دَعَاهُ ذِمِّيٌّ كُرِهَتْ إجَابَتُهُ) لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ إذْلَالُهُ؛ وَهُوَ يُنَافِي إجَابَتَهُ؛ لِمَا فِيهَا مِنْ الْإِكْرَامِ؛ وَلِأَنَّ اخْتِلَاطَ طَعَامِهِ بِالْحَرَامِ وَالنَّجِسِ غَيْرُ مَأْمُونٍ، وَكَذَا مَنْ يَحْرُمُ هَجْرُهُ كَمُبْتَدَعٍ وَمُتَجَاهِرٍ بِمَعْصِيَةٍ.
(وَتُسَنُّ) إجَابَةُ مَنْ عَيَّنَهُ دَاعٍ لِلْوَلِيمَةِ (بِثَانِي مَرَّةٍ) كَمَا لَوْ دُعِيَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي لِلْخَبَرِ، وَتَقَدَّمَ.
تَنْبِيهٌ: وَإِنْ دَعَتْ امْرَأَةٌ رَجُلًا عَيَّنَتْهُ؛ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِجَابَةُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ؛ لِعُمُومِ مَا سَبَقَ إلَّا مَعَ خَلْوَةٍ مُحَرَّمَةٍ؛ فَتَحْرُمُ الْإِجَابَةُ؛ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى مُحَرَّمٍ.
(وَفِعْلُ الدَّعَوَاتِ) غَيْرُ الْوَلِيمَةِ (مُبَاحَةٌ) فَلَا تُكْرَهُ وَلَا تُسْتَحَبُّ نَصًّا، أَمَّا عَدَمُ الْكَرَاهَةِ فَلِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا:«إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى طَعَامٍ فَلْيُجِبْ فَإِنْ شَاءَ طَعِمَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا.
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَأْتِي الدَّعْوَةَ فِي الْعُرْسِ وَغَيْرِ الْعُرْسِ، وَيَأْتِيهَا وَهُوَ صَائِمٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلَوْ كَانَتْ مَكْرُوهَةً لَمْ يَأْمُرْ بِإِجَابَتِهَا، وَلَبَيَّنَهَا، وَأَمَّا عَدَمُ اسْتِحْبَابِهَا؛ فَلِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ تُفْعَلُ فِي عَهْدِهِ عليه الصلاة والسلام وَعَهْدِ أَصْحَابِهِ. فَرَوَى الْحَسَنُ قَالَ: دُعِيَ عُثْمَانُ بْنُ الْعَاصِ إلَى أَخْتَانٍ فَأَبَى أَنْ يُجِيبَ، وَقَالَ: كُنَّا لَا نَأْتِي الْخِتَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا نُدْعَى إلَيْهِ رَوَاهُ أَحْمَدُ: (غَيْرَ عَقِيقَةٍ فَتُسَنُّ) وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا وَغَيْرَ دَعْوَةِ (مَأْتَمٍ فَتُكْرَهُ) وَتَقَدَّمَ فِي الْجَنَائِزِ.
قَالَ فِي النِّهَايَةِ: الْمَأْتَمُ فِي الْأَصْلِ مُجْتَمَعُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي الْغَمِّ وَالْفَرَحِ، ثُمَّ خُصَّ بِهِ اجْتِمَاعُ النِّسَاءِ فِي الْمَوْتِ، وَقِيلَ: هُوَ لِلشَّوَابِّ مِنْهُنَّ لَا غَيْرُ (وَالْإِجَابَةُ إلَيْهَا) أَيْ: الدَّعَوَاتِ غَيْرَ الْوَلِيمَةِ (مُسْتَحَبَّةٌ) لِحَدِيثِ الْبَرَاءِ مَرْفُوعًا: «أُمِرْنَا بِإِجَابَةِ الدَّاعِي» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَأَدْنَى أَحْوَالِ الْأَمْرِ الِاسْتِحْبَابُ، وَلِمَا فِيهَا مِنْ جَبْرِ قَلْبِ الدَّاعِي وَتَطَيُّبِ خَاطِرِهِ، وَدُعِيَ أَحْمَدُ إلَى خِتَانٍ؛ فَأَجَابَ وَأَكَلَ (غَيْرَ مَأْتَمٍ فَتُكْرَهُ) إجَابَةُ دَاعِيهِ لِمَا مَرَّ فِي الْجَنَائِزِ.
(وَيُسْتَحَبُّ) لِمَنْ حَضَرَ طَعَامًا دُعِيَ إلَيْهِ (أَكْلُهُ) مِنْهُ (وَلَوْ) كَانَ (صَائِمًا) تَطَوُّعًا؛ لِمَا رُوِيَ: أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام: «كَانَ فِي دَعْوَةٍ، وَكَانَ مَعَهُ جَمَاعَةٌ، فَاعْتَزَلَ رَجُلٌ عَنْ الْقَوْمِ نَاحِيَةً، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: دَعَاكُمْ أَخُوكُمْ وَتَكَلَّفَ لَكُمْ، كُلْ يَوْمًا ثُمَّ صُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ إنْ شِئْت» . وَلِمَا فِيهِ مِنْ إدْخَالِ السُّرُورِ عَلَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ (إلَّا) إنْ كَانَ صَوْمُهُ (صَوْمًا وَاجِبًا) لِأَنَّهُ يَحْرُمُ قَطْعُهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ، فَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيَدَعْ، وَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَفِي رِوَايَةٍ: فَلْيُصَلِّ أَيْ: يَدَعْ (وَإِنْ أَحَبَّ) الْمُجِيبُ (دَعَا) لِلْخَبَرِ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ صَائِمٌ كَمَا فَعَلَ ابْنُ عُمَرَ؛ لِتَزُولَ التُّهْمَةُ عَنْهُ فِي تَرْكِ الْأَكْلِ (وَانْصَرَفَ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ، فَإِنْ شَاءَ أَكَلَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ» .
تَتِمَّةٌ: إذَا لَمْ يَكُنْ فِي تَرْكِهِ الْأَكْلَ كَسْرُ قَلْبِ الدَّاعِي كَانَ تَمَامُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ أَوْلَى مِنْ فِطْرِهِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَهُوَ أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ، وَقَالَ: وَلَا يَنْبَغِي لِصَاحِبِ الدَّعْوَةِ الْإِلْحَاحُ فِي الطَّعَامِ أَيْ: الْأَكْلِ لَلْمَدْعُوِّ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْفِطْرِ فِي التَّطَوُّعِ أَوْ الْأَكْلِ إنْ كَانَ مُفْطِرًا؛ فَإِنَّ كِلَا الْأَمْرَيْنِ جَائِزٌ، وَإِذْ أَلْزَمَهُ بِمَا لَا يَلْزَمُهُ كَانَ مِنْ نَوْعِ الْمَسْأَلَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا، وَلَا يَحْلِفُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ صَائِمًا لِيُفْطِرَ، وَلَا إنْ لَمْ يَكُنْ صَائِمًا لِيَأْكُلَ، وَلَا يَنْبَغِي لَلْمَدْعُوِّ إذَا رَأَى أَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَى امْتِنَاعِهِ مِنْ الْأَكْلِ أَوْ الْفِطْرِ فِي النَّفْلِ مَفَاسِدُ أَنْ يَمْتَنِعَ، فَإِنَّ فِطْرَهُ جَائِزٌ انْتَهَى، وَيَحْرُمُ أَخْذُ طَعَامٍ مِنْ الْوَلِيمَةِ أَوْ غَيْرِهَا بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ، لِمَا فِيهِ مِنْ الِافْتِئَاتِ عَلَيْهِ.
(وَمَنْ دَعَاهُ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ) فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ (أَجَابَ الْكُلَّ إنْ أَمْكَنَهُ) بِأَنْ لَمْ يَتَعَارَضْ وَقْتُ الْحُضُورِ (وَإِلَّا) يُمْكِنُهُ (أَجَابَ الْأَسْبَقَ قَوْلًا) لِوُجُوبِ إجَابَتِهِ بِدُعَائِهِ، فَلَا يَسْقُطُ بِدُعَاءِ مَنْ بَعْدَهُ، وَلَمْ تَجِبْ إجَابَتُهُ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُمْكِنَةٍ