الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[بَابُ مَا يَخْتَلِفُ بِهِ عَدَدُ الطَّلَاقِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]
ِ (وَيُعْتَبَرُ) عَدَدُ الطَّلَاقِ (بِالرِّجَالِ) حُرِّيَّةً وَرِقًّا.
رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَزَيْدٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ؛ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّ الزَّوْجِ، فَاعْتُبِرَ بِهِ كَعَدَدِ الْمَنْكُوحَاتِ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَاطَبَهُمْ بِالطَّلَاقِ، فَكَانَ حُكْمُهُ مُعْتَبَرًا بِهِمْ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا:«طَلَاقُ الْعَبْدِ اثْنَتَانِ، فَلَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، وَقُرْءُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ، وَتُتَزَوَّجُ الْحُرَّةُ عَلَى الْأَمَةِ وَلَا تُتَزَوَّجُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ» وَمَحَلُّهُ إذَا كَانَتْ الْحُرَّةُ تَعْفُهُ (وَإِلَّا) فَيُزَوَّجُ الْأَمَةَ عَلَيْهَا، وَلِأَنَّ الْحُرَّ يَمْلِكُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا فَمَلَكَ ثَلَاثَ طَلْقَاتٍ، كَمَا لَوْ كَانَ الْحُرُّ الَّذِي زَوْجَتُهُ حُرَّةٌ طَلَاقَهُ ثَلَاثًا، وَإِنَّ الْعَبْدَ الَّذِي تَحْتَهُ أَمَةٌ طَلَاقُهُ ثِنْتَانِ، وَأَمَّا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ حُرًّا وَالْآخَرُ رَقِيقًا.
إذَا تَقَرَّرَ هَذَا (فَيَمْلِكُ حُرٌّ) ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ (وَ) يَمْلِكُ (مُبَعَّضٌ ثَلَاثًا) لِأَنَّ عَدَدَ الْمَنْكُوحَاتِ يَتَبَعَّضُ؛ فَوَجَبَ أَنْ يَتَبَعَّضَ فِي حَقِّهِ كَالْحَدِّ، فَلِذَلِكَ كَانَ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ نِصْفَ مَا يَنْكِحُ الْحُرُّ وَنِصْفَ مَا يَنْكِحُ الْعَبْدُ، وَذَلِكَ ثَلَاثٌ.
وَأَمَّا الطَّلَاقُ فَلَا تُمْكِنُ قِسْمَتُهُ فِي حَقِّهِ؛ لِاقْتِضَاءِ الْحَالِ أَنْ يَكُونَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الطَّلَاقِ وَلَيْسَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ، فَكَمُلَ فِي حَقِّهِ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ إثْبَاتُ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ فِي حَقِّ كُلِّ مُطَلِّقٍ خُولِفَ فِي كَامِلِ الرِّقِّ، وَبَقِيَ فِيمَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ (وَلَوْ) كَانَ الْحُرُّ وَالْمُبَعَّضُ (زَوْجَيْ أَمَةٍ) .
(وَ) يَمْلِكُ (عَبْدٌ، وَلَوْ طَرَأَ رِقُّهُ) كَذِمِّيٍّ تَزَوَّجَ ثُمَّ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ، فَاسْتُرِقَّ قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَ طَلْقَتَيْنِ (أَوْ) كَانَ (مَعَهُ) أَيْ: الْعَبْدِ (حُرَّةٌ ثِنْتَيْنِ)
وَلَوْ مُدَبَّرًا أَوْ مُكَاتَبًا؛ لِمَا سَبَقَ (فَإِنْ طَلَّقَ ذِمِّيٌّ حُرَّةً اثْنَتَيْنِ) قَبْلَ أَنْ يُسْتَرَقَّ، ثُمَّ رُقَّ بَعْدَ سَبْيِهِ (مَلَكَ) الطَّلْقَةَ (الثَّالِثَةَ) وَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا قَبْلَ أَنْ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ.
جَزَمَ بِهِ الْمُوَفَّقُ وَمَنْ تَابَعَهُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، لِأَنَّ الطَّلْقَتَيْنِ الصَّادِرَتَيْنِ فِي حَالِ حُرِّيَّتِهِ وَقَعَتَا غَيْرَ مُحَرَّمَتَيْنِ، فَلَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُهُمَا بِالرِّقِّ الطَّارِئِ بَعْدَهُمَا، كَمَا أَنَّ الطَّلْقَتَيْنِ مِنْ الْعَبْدِ لَمَّا وَقَعَتَا مُحَرَّمَتَيْنِ؛ لَمْ يَتَغَيَّرْ حُكْمُهُمَا بِعِتْقِهِ بَعْدَهُمَا، وَجَعَلَهُ فِي " الْإِقْنَاعِ " كَالْعَبْدِ يَمْلِكُ ثِنْتَيْنِ فَقَطْ؛ وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ خِلَافًا لَهُ بَعْدَهُمَا (فَإِنْ طَلَّقَ) هَذَا الذِّمِّيُّ (وَاحِدَةً) قَبْلَ أَنْ يُسْتَرَقَّ (ثُمَّ رُقَّ) ثُمَّ أَرَادَ عَوْدَهَا (مَلَكَ) طَلْقَةً (أُخْرَى) فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَوْفِ عَدَدَ طَلَاقِ الْأَرِقَّاءِ، فَعَادَتْ لَهُ بِوَاحِدَةٍ؛ نَظَرًا لِلْحَالَةِ الرَّاهِنَةِ فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَا نَظَرْتُمْ لِلْحَالَةِ الرَّاهِنَةِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا؟ أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَوْفَى هُنَاكَ الْعَدَدَ؛ نُظِرَ لِلْحِلِّ الثَّابِتِ، وَهُنَا الْحِلُّ ثَابِتٌ، فَكَانَ الْأَحْوَطُ النَّظَرَ لِلْحَالَةِ الرَّاهِنَةِ.
(وَلَوْ عَلَّقَ عَبْدٌ) الطَّلْقَاتِ (الثَّلَاثَ بِشَرْطٍ فَوُجِدَ) الشَّرْطُ (بَعْدَ عِتْقِهِ وَقَعَتْ) الثَّلَاثُ لِمِلْكِهِ لَهَا حِينَ الْوُقُوعِ (وَإِنْ عَلَّقَهَا) أَيْ: الثَّلَاثَ (بِعِتْقِهِ) بِأَنْ قَالَ: إنْ عَتَقْت فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا (فَعَتَقَ لَغَتْ) الطَّلْقَةُ (الثَّالِثَةُ) صَحَّحَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَغَيْرِهِ (وَلَوْ عَتَقَ بَعْدَ طَلْقَةٍ؛ مَلَكَ تَمَامَ الثَّلَاثِ) لِأَنَّ الطَّلْقَةَ غَيْرُ مُحَرَّمَةٍ (وَ) لَوْ عَتَقَ (بَعْدَ طَلْقَتَيْنِ لَمْ يَمْلِكْ ثَالِثَةً) وَكَذَلِكَ لَوْ عَتَقَ هُوَ وَزَوْجَتُهُ بَعْدَ طَلْقَتَيْنِ لَمْ يَمْلِكْ ثَالِثَةً؛ لِمَا تَقَدَّمَ (وَقَوْلُهُ) أَيْ: الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ (أَنْتِ الطَّلَاقُ) أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ (أَوْ يَلْزَمُنِي) الطَّلَاقُ (أَوْ) الطَّلَاقُ (لَازِمٌ لِي أَوْ) قَالَ الطَّلَاقُ (عَلَيَّ وَنَحْوُهُ) كَعَلَيَّ يَمِينٌ بِالطَّلَاقِ (صَرِيحٌ) فَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ سَوَاءٌ كَانَ (مُنَجَّزًا) كَأَنْتِ الطَّلَاقُ وَنَحْوِهِ (أَوْ مُعَلَّقًا) بِشَرْطٍ؛ كَأَنْتِ الطَّلَاقُ إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَنَحْوِهِ (أَوْ مَحْلُوفًا بِهِ) كَأَنْتِ الطَّلَاقُ لَأَقُومَن أَوْ لَأَضْرِبَن زَيْدًا؛ فَهُوَ صَرِيحٌ، وَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ فِي عُرْفِهِمْ قَالَ الشَّاعِرُ:
فَأَنْتِ الطَّلَاقُ وَأَنْتِ
…
الطَّلَاقُ ثَلَاثًا تَمَامًا
وَكَوْنُهُ مَجَازًا لَا يَمْنَعُ كَوْنَهُ صَرِيحًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَذَّرُ حَمْلُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَلَا مَحَلَّ لَهُ يَظْهَرُ سِوَى هَذَا الْمَحَلِّ؛ فَتَعَيَّنَ فِيهِ.
(وَيَتَّجِهُ أَنَّ مَنْ قَالَ عَلَيَّ الطَّلَاقُ وَسَكَتَ عَلَيْهِ يَقَعُ) عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ؛ فَلَزِمَهُ مُقْتَضَاهُ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ (مَا لَمْ يَقُلْ أَرَدْت الْحَلِفَ، ثُمَّ أَمْسَكْت) وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَيَقَعُ بِهِ) أَيْ مَا ذُكِرَ (وَاحِدَةٌ) لِأَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ لَا يَعْتَقِدُونَهُ ثَلَاثًا، وَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ فِيهِ لِلِاسْتِغْرَاقِ؛ وَلِهَذَا يُنْكِرُ أَحَدُهُمْ أَنْ يَكُونَ طَلَّقَ ثَلَاثًا أَوْ لَا يَعْتَقِدُ أَنَّهُ طَلَّقَ إلَّا وَاحِدَةً (مَا لَمْ يَنْوِ أَكْثَرَ) مِنْ وَاحِدَةٍ؛ فَيَقَعُ مَا نَوَاهُ (فَمَنْ مَعَهُ عَدَدٌ) مِنْ زَوْجَاتٍ، وَقَالَ عَلَيَّ الطَّلَاقُ أَوْ يَلْزَمُنِي الطَّلَاقُ وَنَحْوُهُ إنْ فَعَلْت كَذَا وَفَعَلَهُ (وَثَمَّ) بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ أَيْ: هُنَاكَ (نِيَّةٍ أَوْ سَبَبٍ يَقْتَضِي تَعْمِيمًا أَوْ تَخْصِيصًا عُمِلَ بِهِ) أَيْ: بِالنِّيَّةِ أَوْ السَّبَبِ الْمُقْتَضِي لِلتَّعْمِيمِ أَوْ التَّخْصِيصِ، (وَإِلَّا) يَكُنْ هُنَاكَ مَا يَقْتَضِي تَعْمِيمًا أَوْ تَخْصِيصًا (وَقَعَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ) مِنْ الزَّوْجَاتِ (طَلْقَةٌ) لِعَدَمِ الْمُخَصِّصِ.
(وَ) مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ (أَنْتِ طَالِقٌ، وَنَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ) تَقَعُ بِهَا (كَنِيَّتِهِ الثَّلَاثَ بِ) قَوْلِهِ (أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا) لِأَنَّ الْمَصْدَرَ يَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، كَمَا لَوْ فَقَدْ نَوَى بِلَفْظِهِ مَا يَحْتَمِلُهُ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَوَاحِدٌ، لِأَنَّهَا الْيَقِينَ نَوَى وَاحِدَةً (وَ) قَوْلِهِ لَهَا (أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً؛ أَوْ) طَالِقٌ (وَاحِدَةً بِالنِّيَّةِ أَوْ) طَالِقٌ (وَاحِدَةً بَتَّةً) وَلَا عِوَضَ (فَ) وَاحِدَةٌ (رَجْعِيَّةٌ فِي مَدْخُولٍ بِهَا، وَلَوْ نَوَى أَكْثَرَ) مِنْ وَاحِدَةٍ لِوَصْفِهَا بِوَاحِدَةٍ وَالْأَصْلُ فِيهَا أَنْ تَكُونَ رَجْعِيَّةً؛ فَلَا تَخْرُجُ بِوَصْفِهَا بِذَلِكَ عَنْ أَصْلِهَا، وَإِنَّمَا كَانَتْ بَائِنًا بِالْعِوَضِ لِضَرُورَةِ الِافْتِدَاءِ.
(وَيَتَّجِهُ وَكَذَا) قَوْلُهُ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ (طَالِقٌ طَلْقَةً تَمْلِكِي بِهَا نَفْسَك) فَوَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ فِي مَدْخُولٍ بِهَا، وَلَوْ نَوَى أَكْثَرَ (وَاحْتَمَلَ) احْتِمَالٌ قَوِيٌّ.
وَقَوْلُهُ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ (طَلَاقًا تَمْلِكِي بِهَا نَفْسَك فَإِنَّهُ) يَقَعُ الطَّلَاقُ (الثَّلَاثُ فِي مَدْخُولٍ بِهَا) لِأَنَّهُ أَتَى بِالْمَصْدَرِ الصَّالِحِ لِلْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَأَعْقَبَهُ بِقَوْلِهِ: تَمْلِكِي بِهِ نَفْسَك وَلَا رَيْبَ
أَنَّهَا لَا تَمْلِكُ نَفْسَهَا بِالْوَاحِدَةِ لَا وَبِالثِّنْتَيْنِ؛ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الثَّلَاثُ، فَبَانَتْ مِنْهُ بِهَا، وَحَذْفُ النُّونِ مِنْ تَمْلِكِي خِلَافُ الْمَشْهُورِ، لِأَنَّهَا مِنْ الْأَفْعَالِ الْخَمْسَةِ، فَلَوْ أَثْبَتَهَا لَكَانَ أَصْوَبَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَ) إنْ قَالَ (أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً ثَلَاثًا أَوْ أَنْتِ) طَالِقٌ (ثَلَاثًا وَاحِدَةً، بَائِنًا، أَوْ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ أَوْ) طَالِقٌ (بِلَا رَجْعَةٍ، فَثَلَاثٌ) تَقَعُ بِذَلِكَ. لِتَصْرِيحِهِ بِالْعَدَدِ أَوْ وَصْفِهِ الطَّلَاقَ بِمَا يَقْتَضِي الْإِبَانَةَ.
(وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ أَنَّ قَوْلَهُ ذَلِكَ يَكُونُ طَلَاقًا ثَلَاثًا (فِي مَدْخُولٍ بِهَا) أَمَّا غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا، فَيَقَعُ عَلَيْهَا وَاحِدَةٌ تَبِينُ بِهَا، وَلَا يَلْحَقُهَا مَا زَادَ عَلَيْهَا، لِأَنَّهَا صَارَتْ أَجْنَبِيَّةً، وَلَعَلَّ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ ثَلَاثًا وَاحِدَةً، أَمَّا فِيهَا فَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ وُقُوعُ الثَّلَاثِ بِهَا؛ لِتَقْدِيمِهِ لَفْظَ ثَلَاثٍ عَلَى وَاحِدَةٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ.
(وَ) إنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ (أَنْتِ طَالِقٌ هَكَذَا وَأَشَارَ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ؛ فَثَلَاثٌ) تَقَعُ؛ لِأَنَّ التَّفْسِيرَ يَحْصُلُ بِالْإِشَارَةِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ لِلْبَيَانِ؛ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا» (وَإِنْ أَرَادَ الْمَقْبُوضَتَيْنِ وَيُصَدَّقُ فِي إرَادَتِهِمَا) لِاحْتِمَالِهِ (فَثِنْتَانِ) لِأَنَّ الْعَدَدَ تَارَةً يَكُونُ بِقَبْضِ الْأَصَابِعِ، وَتَارَةً يَكُونُ بِبَسْطِهَا وَالْقَبْضُ، يَكُونُ فِي أَوَّلِ الْعَدَدِ دُونَ الْبَسْطِ (وَإِنْ لَمْ يَقُلْ هَكَذَا) بَلْ أَشَارَ فَقَطْ
(فَ) طَلْقَةٌ (وَاحِدَةٌ) لِأَنَّ إشَارَتَهُ لَا تَكْفِي، وَتَوَقَّفَ أَحْمَدُ عَنْ الْجَوَابِ.
قَالَ فِي الرِّعَايَةِ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَيُعْمَلُ بِهَا.
(وَمَنْ أَوْقَعَ طَلْقَةً، ثُمَّ قَالَ جَعَلْتهَا ثَلَاثًا، وَلَمْ يَنْوِ اسْتِئْنَافَ طَلَاقٍ بَعْدَهَا فَ) طَلْقَةٌ (وَاحِدَةٌ) لِأَنَّهَا لَا تَصِيرُ ثَلَاثًا، وَظَاهِرُهُ إنْ أَرَادَ اسْتِئْنَافَ طَلَاقٍ وَهِيَ رَجْعِيَّةٌ وَقَعَ تَتِمَّةُ الثَّلَاثِ.
(وَإِنْ قَالَ) لِإِحْدَى امْرَأَتَيْهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً، بَلْ هَذِهِ مُشِيرًا لِلزَّوْجَةِ الثَّانِيَةِ (ثَلَاثًا؛ طَلُقَتْ) الْمُخَاطَبَةُ أَوَّلًا (وَاحِدَةً) لِأَنَّهُ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً، وَالْإِضْرَابُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ رَفْعٌ لِلطَّلَاقِ بَعْدَ إيقَاعِهِ (وَ) طَلُقَتْ (الْأُخْرَى ثَلَاثًا) لِأَنَّهُ أَوْقَعَهُ بِهَا كَذَلِكَ، وَلِأَنَّ الْإِضْرَابَ إثْبَاتٌ لِلثَّانِي وَنَفْيٌ لِلْأَوَّلِ؛ وَمِثْلُهُ لِزَيْدٍ عَلَيَّ هَذَا الدِّرْهَمُ، بَلْ لِعَمْرٍو هَذَانِ الدِّرْهَمَانِ؛ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الدِّرْهَمَانِ، وَلَا يَصِحُّ إضْرَابُهُ عَلَى الْأَوَّلِ.
(وَإِنْ قَالَ) لِإِحْدَاهُمَا (أَنْتِ طَالِقٌ) وَقَالَ لِلْأُخْرَى (لَا بَلْ أَنْتِ طَالِقٌ) طَلُقَتْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ إضْرَابُهُ عَمَّنْ طَلَّقَهَا أَوَّلًا (أَوْ قَالَ) عَنْ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ (هَذِهِ الْمُطَلَّقَةُ بَلْ هَذِهِ؛ طَلُقَتْ) لِمَا مَرَّ (وَ) إنْ قَالَ: (هَذِهِ بَلْ هَذِهِ بَلْ هَذِهِ) ؛ بَلْ هَذِهِ طُلِّقَ (الْأَرْبَعُ) لِمَا سَبَقَ (وَإِنْ قَالَ هَذِهِ أَوْ هَذِهِ وَهَذِهِ طَالِقٌ، وَقَعَ) الطَّلَاقُ (بِالثَّالِثَةِ) لِإِيقَاعِهِ بِهَا (وَ) وَقَعَ (بِإِحْدَى الْأُولَيَيْنِ) لِأَنَّ أَوْ لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ (تَمَيَّزَ بِقُرْعَةٍ كَ) مَا لَوْ قَالَ (هَذِهِ أَوْ هَذِهِ بَلْ هَذِهِ) فَيَقَعُ بِالثَّالِثَةِ وَإِحْدَى الْأُولَيَيْنِ (وَإِنْ) أَشَارَ إلَيْهِنَّ وَ (قَالَ هَذِهِ) طَالِقٌ (بَلْ هَذِهِ أَوْ هَذِهِ) طَالِقٌ (وَقَعَ) الطَّلَاقُ (بِالْأُولَى وَإِحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ كَ) مَا لَوْ قَالَ (هَذِهِ) طَالِقٌ (بَلْ هَذِهِ أَوْ هَذِهِ) فَتَطْلُقُ الْأُولَى وَإِحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ.
(وَ) إنْ قَالَ (هَذِهِ وَهَذِهِ أَوْ هَذِهِ وَهَذِهِ؛ فَالظَّاهِرُ طَلَّقَ ثِنْتَيْنِ لَا يُعْلَمَانِ) أَهُمَا الْأُولَيَانِ أُمّ الْأُخْرَيَانِ؟ إذْ هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ الْعِبَارَةِ، (كَ) مَا لَوْ قَالَ (طَلَّقْت هَاتَيْنِ أَوْ هَاتَيْنِ) فَيُقْرَعُ (فَإِنْ عَيَّنَ) بِأَنْ قَالَ هُمَا الْأُولَيَانِ أَوْ الْأُخْرَيَانِ (عُمِلَ بِهِ) أَيْ: عُمِلَ بِتَعْيِينِهِ، لِأَنَّهُ أَدْرَى بِإِرَادَتِهِ، وَإِنْ قَالَ لَمْ أُطَلِّقْ الْأَوَّلِينَ؛ تَعَيَّنَ الطَّلَاقُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ غَيْرُهُمَا، أَوْ قَالَ لَمْ أُطَلِّقْ الْأُخْرَيَيْنِ؛ تَعَيَّنَ فِي الْأَوَّلِينَ (فَإِنْ قَالَ إنَّمَا شَكَكْت
فِي) طَلَاقِ (الثَّانِيَةِ وَالْأُخْرَيَيْنِ؛ طَلُقَتْ الْأُولَى) لِجَزْمِهِ بِطَلَاقِهَا (وَبَقِيَ الشَّكُّ فِي الثَّلَاثِ) فَيُقْرَعُ بَيْنَهُنَّ عَلَى مَا سَبَقَ، وَمَتَى فَسَّرَ كَلَامَهُ؛ قُبِلَ مِنْهُ لِأَنَّهُ أَدْرَى بِمَا أَرَادَهُ؛ فَلَوْ قَالَ إنَّمَا أَشُكُّ فِي طَلَاقِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ؛ طَلُقَتْ الْأُولَى وَالْأَخِيرَةُ، وَأُقْرِعَ بَيْنَ الْمَشْكُوكِ فِيهِمَا (وَ) إنْ قَالَ (طَلَّقْت هَذِهِ أَوْ هَاتَيْنِ أُخِذَ بِالتَّعْيِينِ، وَلَوْ بَعْدَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا) لِأَنَّ أَوْ لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ، فَإِنْ قَالَ هِيَ الْأُولَى طَلُقَتْ؛ وَحْدَهَا، كَمَا لَوْ عَيَّنَهَا بِطَلْقَةٍ، وَإِنْ قَالَ لَيْسَتْ الَّتِي أَرَدْتهَا الْأُولَى، طَلُقَتْ الْأَخِيرَتَانِ، لِتَعَيُّنِهِمَا إذَنْ مَحَلًّا لِلْوُقُوعِ (وَلَيْسَ لَهُ وَطْءٌ قَبْلَ تَعْيِينٍ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يُقْبَلُ مِنْهُ) تَعَيُّنُهُ، كَمَا لَوْ اشْتَبَهَتْ زَوْجَتُهُ بِأَجْنَبِيَّةٍ، فَإِنْ وَطِئَ وَاحِدَةً أَوْ أَكْثَرَ؛ لَمْ يَكُنْ تَعْيِينًا لِغَيْرِهَا وَإِنْ مَاتَتْ إحْدَى الزَّوْجَتَيْنِ بَعْدَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِإِحْدَاهُمَا لَا بِعَيْنِهَا؛ لَمْ يَتَعَيَّنْ الطَّلَاقُ فِي الْأُخْرَى، بَلْ إنْ كَانَ نَوَى إحْدَاهُمَا بَيَّنَهَا؛ وَإِلَّا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا كَمَا تَقَدَّمَ، فَمَنْ خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ لَهَا بِالطَّلَاقِ لَمْ يَرِثْهَا إنْ كَانَ بَائِنًا؛ لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ، فَإِنْ مَاتَ بَعْضُهُنَّ قَبْلَهُ وَبَعْضُهُنَّ بَعْدَهُ؛ وَأَقْرَعَ وَرَثَتُهُ بَيْنَهُنَّ، فَخَرَجَتْ الْقُرْعَةُ لِمَيِّتَةٍ قَبْلَهُ؛ لَمْ يَرِثْهَا بِالزَّوْجِيَّةِ؛ لِانْقِطَاعِهَا بِالطَّلَاقِ الْبَائِنِ، وَإِنْ خَرَجَتْ الْمَيِّتَةُ بَعْدَهُ لَمْ تَرِثْهُ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ بَائِنًا حِينَ مَوْتِهِ، وَالْبَاقِيَاتُ يَرِثُهُنَّ إنْ عَاشَ بَعْدَهُنَّ؛ لِأَنَّهُنَّ زَوْجَاتُهُ، وَيَرِثْنَهُ إنْ حَيِينَ بَعْدَهُ؛ لِبَقَاءِ نِكَاحِهِنَّ، وَإِنْ ادَّعَتْ إحْدَى الزَّوْجَاتِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا طَلَاقًا تَبِينُ بِهِ، فَأَنْكَرَهَا فَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، فَإِنْ مَاتَ بَعْدَ دَعْوَاهَا الْمَذْكُورَةِ، لَمْ تَرِثْهُ مُؤَاخَذَةً لَهَا بِمُقْتَضَى اعْتِرَافِهَا، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهَا لَا يُقْبَلُ فِيمَا عَلَيْهَا.
(وَ) إنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ (طَالِقٌ كُلَّ الطَّلَاقِ أَوْ أَكْثَرَهُ أَوْ جَمِيعَهُ أَوْ مُنْتَهَاهُ أَوْ غَايَتَهُ أَوْ أَقْصَاهُ أَوْ عَدَدَ الْحَصَى أَوْ الْقَطْرِ أَوْ الرَّمْلِ أَوْ الرِّيحِ أَوْ التُّرَابِ) أَوْ عَدَدَ الْجِبَالِ أَوْ السُّفُنِ أَوْ النُّجُومِ؛ فَثَلَاثٌ وَلَوْ نَوَى وَاحِدَةً فِي الْجَمِيعِ حَتَّى فِي أَقْصَاهُ؛ صَحَّحَهُ فِي " تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ " وَ " التَّنْقِيحِ " وَتَبِعَهُ فِي الْمُنْتَهَى " خِلَافًا لِمَا قَدَّمَهُ فِي
الْإِقْنَاعِ " تَبَعًا لِتَصْحِيحِ " الْإِنْصَافِ " فِي أَنَّهُ تَقَعُ وَاحِدَةٌ، لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يَقْتَضِي عَدَدًا وَالطَّلَاقُ لَهُ أَقَلُّ وَأَكْثَرُ، فَأَقَلُّهُ وَاحِدَةٌ وَأَكْثَرُهُ ثَلَاثٌ (أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ عَدَدَ (الْمَاءِ أَوْ الزَّيْتِ أَوْ الْعَسَلِ) وَنَحْوِهِ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ؛ فَثَلَاثٌ، لِتَعَدُّدِ أَنْوَاعِهِ وَقَطَرَاتِهِ، أَشْبَهَ الْحَصَى (أَوْ) قَالَ (يَا مِائَةَ طَالِقٍ، فَثَلَاثٌ) تَقَعُ، كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مِائَةَ طَلَاقٍ (وَلَوْ نَوَى وَاحِدَةً) لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ (وَكَذَا) أَنْتِ طَالِقٌ (كَأَلْفٍ وَنَحْوِهِ) كَمِائَةٍ؛ فَثَلَاثٌ (فَلَوْ نَوَى كَأَلْفٍ فِي صُعُوبَتِهَا) دِينَ وَ (قُبِلَ حُكْمًا) لِأَنَّ لَفْظَهُ يَحْتَمِلُهُ إلَّا فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ كَعَدَدِ أَلْفٍ أَوْ كَعَدَدِ مِائَةٍ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إنَّهُ أَرَادَ بِهِ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يَحْتَمِلُهُ (وَ) وَإِنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ (أَشَدَّهُ) أَيْ الطَّلَاقِ (أَوْ أَغْلَظَهُ أَوْ أَطْوَلَهُ أَوْ أَعْرَضَهُ أَوْ أَكْبَرَهُ أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ (مِلْءَ الدُّنْيَا أَوْ مِثْلَ الْجَبَلِ أَوْ أَعْظَمَهُ) أَيْ الْجَبَلِ (وَنَحْوَهُ) كَعِظَمِ الشَّمْسِ أَوْ الْقَمَرِ (فَطَلْقَةٌ إنْ لَمْ يَنْوِ أَكْثَرَ) لِأَنَّ هَذَا الْوَصْفَ لَا يَقْتَضِي عَدَدًا تَكُونُ رَجْعِيَّةً فِي مَدْخُولٍ بِهَا إنْ لَمْ تَكُنْ مُكَمِّلَةً لِعَدَدِ الطَّلَاقِ، فَإِنْ نَوَى أَكْثَرَ وَقَعَ مَا نَوَاهُ، وَإِنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ (مِنْ طَلْقَةٍ إلَى ثَلَاثِ) طَلْقَاتٍ (فَ) طَلْقَتَانِ (ثِنْتَانِ) لِأَنَّ مَا بَعْدَ الْغَايَةِ لَا يَدْخُلُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] .
وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ وَثَلَاثٍ، فَوَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهَا الَّتِي بَيْنَهُمَا (وَ) أَنْتِ طَالِقٌ (طَلْقَةً فِي ثِنْتَيْنِ، وَنَوَى) طَلْقَةً (مَعَهُمَا فَثَلَاثُ) طَلْقَاتٍ تَقَعُ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالْأَغْلَظِ (وَإِنْ نَوَى) بِهَذَا اللَّفْظِ (مُوجِبَهُ عِنْدَ الْحِسَابِ وَهُوَ يَعْرِفُهُ أَوْ لَا يَعْرِفُهُ؛ فَثِنْتَانِ) لِأَنَّ ذَلِكَ مُوجِبُهُ عِنْدَهُمْ (وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا) بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً فِي ثِنْتَيْنِ (وَقَعَ مِنْ حَاسِبٍ طَلْقَتَانِ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِهِ إرَادَةُ الضَّرْبِ، (وَ) وَقَعَ (مِنْ غَيْرِهِ) أَيْ: غَيْرِ الْحَاسِبِ (طَلْقَةً) لِأَنَّ لَفْظَ الْإِيقَاعِ اقْتِرَانٌ بِالْوَاحِدَةِ، وَجَعَلَ الِاثْنَيْنِ ظَرْفًا، وَلَمْ يَقْتَرِنْ بِهِمَا إيقَاعٌ.
(وَ) إنْ قَالَ لَهَا (أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى مَذْهَبِ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ وَالْيَهُودُ وَالنَّصَارَى أَوْ عَلَى سَائِرِ الْمَذَاهِبِ؛ فَوَاحِدَةٌ) تَقَعُ؛ لِعَدَمِ مَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ إنْ لَمْ يَنْوِ أَكْثَرَ.
(فَرْعٌ: أَوْقَعَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (مِنْ ثَلَاثِ طَلْقَاتٍ مَجْمُوعَةٍ) تَقَعُ؛ لِعَدَمِ مَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ (أَوْ) كَلِمَاتٍ (مُتَفَرِّقَةٍ) كَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ عَشْرَ طَلْقَاتٍ، أَوْ مِائَةَ طَلْقَةٍ، أَوْ أَلْفَ طَلْقَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْعِبَارَاتِ (قَبْلَ رَجْعَةٍ طَلْقَةً وَاحِدَةً) أَمَّا إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا مُتَفَرِّقَةً بَعْدَ رَجْعَةٍ؛ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهَا ثَلَاثٌ (وَقَالَ: وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا فَرَّقَ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ) صُورَةَ مَا إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا مَجْمُوعَةً أَوْ مُتَفَرِّقَةً قَبْلَ الرَّجْعَةِ فِي أَنَّهَا تَقَعُ وَاحِدَةٌ.
لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «طَلَّقَ رُكَانَةُ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، فَحَزِنَ عَلَيْهَا حُزْنًا شَدِيدًا، فَقَالَ: فَسَأَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَيْف طَلَّقْتهَا؟ قَالَ: طَلَّقْتهَا ثَلَاثًا. قَالَ: فَقَالَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنَّ تِلْكَ وَاحِدَةٌ؛ فَأَرْجِعْهَا، قَالَ فَأَرْجَعَهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ.
وَقَوْلُهُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ يَتَنَاوَلُ مَا إذَا طَلَّقَهَا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ بِكَلِمَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِكَلِمَةٍ أَوْ بِكَلِمَاتٍ.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُغِيثٍ: رُوِينَا ذَلِكَ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَسَحْنُونٍ وَطَبَقَتُهُمْ، قَالَ: وَبِهِ قَالَ مِنْ شُيُوخِ قُرْطُبَةَ ابْنُ زِنْبَاعٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْحَسَنِيُّ فَقِيهُ عَصْرِهِ، وَبَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ وَأَصْبَغُ وَجَمَاعَةٌ سِوَاهُمْ مِنْ شُيُوخِ قُرْطُبَةَ، وَذُكِرَ هَذَا عَنْ بِضْعَةَ عَشْرَ نَفْسًا مِنْ فُقَهَاءِ طُلَيْطِلَة الْمُفْتِينَ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَقَالَ: إنَّهُ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ، وَذَكَرَ الْمَازِرِيُّ أَنَّهُ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ الرَّازِيّ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ انْتَهَى.
(وَكَانَ الْمَجْدُ يُفْتِي بِهِ أَحْيَانَا) وَقَالَ عَنْ عُمَرَ فِي إيقَاعِ الثَّلَاثِ إنَّهُ جَعَلَهُ فِي إكْثَارِهِمْ مِنْهُ، فَعَاقَبَهُمْ عَلَى
الْإِكْثَارِ مِنْهُ لَمَّا عَصَوْا بِجَمْعِ الثَّلَاثِ، فَيَكُونُ عُقُوبَةَ مَنْ لَمْ يَتَّقِ اللَّهَ مِنْ التَّغْرِيرِ الَّذِي يَرْجِعُ فِيهِ إلَى اجْتِهَادِ الْأَئِمَّةِ كَالزِّيَادَةِ عَلَى الْأَرْبَعِينَ فِي حَدِّ الْخَمْرِ لَمَّا أَكْثَرَ النَّاسُ مِنْهَا وَأَظْهَرُوهُ، سَاغَتْ الزِّيَادَةُ عُقُوبَةً. انْتَهَى.
(وَاخْتَارَهُ) أَيْ: الْقَوْلَ بِأَنَّ الثَّلَاثَ مَجْمُوعَةً (وَ) مُتَفَرِّقَةً فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ قَبْلَ رَجْعَةٍ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ (ابْنُ الْقَيِّمِ وَ) اخْتَارَهُ أَيْضًا (كَثِيرٌ مِنْ) تَلَامِذَةِ الشَّيْخِ (وَأَتْبَاعُهُ) وَمُعَاصِرِيهِ وَغَيْرُهُمْ.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: هُوَ مَذْهَبُ أَصْحَابِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَعَطَاءٍ وَطَاوُوسٍ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، نَقَلَهُ الْحَافِظُ شِهَابُ الدِّينِ بْنُ حَجَرٍ فِي " شَرْحِ الْبُخَارِيِّ " وَحَكَى الْمُوَفَّقُ عَنْ عَطَاءٍ وَطَاوُوسٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَأَبِي الشَّعْثَاءِ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ مَنْ طَلَّقَ الْبِكْرَ ثَلَاثًا، فَهِيَ وَاحِدَةٌ انْتَهَى.
أَقُولُ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَدْ أُوذِيَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بِسَبَبِ إفْتَائِهِ بِهَا، وَحَصَلَ لَهُ مِنْ الْمِحَنِ وَالْقَلَاقِلِ مِنْ حُسَّادِهِ مَا هُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ مَنْ لَهُ اطِّلَاعٌ عَلَى سِيرَتِهِ وَمَنَاقِبِهِ، وَلَهُ فِيهَا مُصَنَّفَاتٌ عَدِيدَةٌ مِنْهَا كِتَابُ " تَحْقِيقِ الْفُرْقَانِ بَيْنَ التَّطْلِيقِ وَالْأَيْمَانِ " مُجَلَّدٌ كَبِيرٌ؛ وَمِنْهَا قَاعِدَةُ الْفَرْقِ الْمُبِينِ بَيْنَ التَّطْلِيقِ وَالْيَمِينِ " وَمِنْهَا " لَمْحَةِ الْمُخْتَطِفِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْحَلِفِ " وَمِنْهَا " قَاعِدَةُ التَّفْصِيلِ بَيْنَ التَّكْفِيرِ وَالتَّحْلِيلِ " وَمِنْهَا " قَاعِدَةُ سَمَاعِ اللُّمْعَةِ " وَ " الرِّسَالَةُ الْبَغْدَادِيَّةُ " وَقَوَاعِدُ وَرَسَائِلُ وَأَجْوِبَةٌ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّنْ لَا يَنْضَبِطُ وَلَا يَنْحَصِرُ، وَلَهُ جَوَابُ اعْتِرَاضٍ وَرَدَ عَلَيْهِ مِنْ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَهُوَ جَوَابٌ طَوِيلٌ فِي ثَلَاثِ مُجَلَّدَاتٍ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَالْمَذْهَبُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خِلَافُ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ فَتَنَبَّهْ لَهُ، وَسَيَأْتِي فَرْعٌ آخَرُ مِنْ اخْتِيَارَاتِ الشَّيْخِ فِي آخِرِ الْفَصْلِ الَّذِي يَلِي بَابَ الطَّلَاقِ فِي الْمَاضِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَالصَّحِيحُ مَا تَقَدَّمَ.