الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ تَلْزَمُ السَّيِّدَ نَفَقَةٌ وَكِسْوَةٌ وَسُكْنَى عُرْفًا بِالْمَعْرُوفِ لِرَقِيقِهِ]
فَصْلٌ:
(وَتَلْزَمُهُ) أَيْ: السَّيِّدَ (نَفَقَةٌ وَكِسْوَةٌ وَسُكْنَى عُرْفًا) أَيْ: بِالْمَعْرُوفِ (لِرَقِيقِهِ وَلَوْ كَانَ آبِقًا) أَوْ مَرِيضًا أَوْ انْقَطَعَ كَسْبُهُ أَوْ عَمِيَ أَوْ زَمِنَ (أَوْ) كَانَ أَمَةً (نَاشِزًا أَوْ) كَانَ (كَافِرًا أَوْ) كَانَ (ابْنَ أَمَتِهِ مِنْ حُرٍّ) ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِأُمِّهِ حَيْثُ لَا شَرْطَ وَلَا غُرُورَ (مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ) مُتَعَلِّقٌ بِتَلْزَمُهُ سَوَاءٌ كَانَ قُوتَ سَيِّدِهِ أَوْ دُونَهُ أَوْ فَوْقَهُ، وَأَدَمَ مِثْلِهِ، وَكَذَا الْكِسْوَةُ تَلْزَمُ مِنْ غَالِبِ كِسْوَةِ الْبَلَدِ لِأَمْثَالِهِ مِنْ الْعَبِيدِ بِذَلِكَ الْبَلَدِ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَالِكُ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا أَوْ مُتَوَسِّطًا؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا:«لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَا يُكَلَّفُ مِنْ الْعَمَلِ مَا لَا يُطِيقُ» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ ".
وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ نَفَقَةَ الْمَمْلُوكِ عَلَى سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ نَفَقَةٍ وَمَنَافِعُهُ لِسَيِّدِهِ، وَهُوَ أَحَقُّ النَّاسِ بِهِ فَوَجَبَتْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ كَبَهِيمَةٍ (وَلِمُبَعَّضٍ عَلَى مَالِكِ بَعْضِهِ مِنْ نَفَقَتِهِ وَكِسْوَتِهِ وَسُكْنَاهُ) بِقَدْرِ رِقِّهِ، (وَبَقِيَّتُهَا) أَيْ: النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَالسُّكْنَى (عَلَيْهِ) أَيْ: الْمُبَعَّضِ، لِاسْتِقْلَالِهِ بِجُزْئِهِ الْحُرِّ، فَإِنْ أَعْسَرَ وَعَجَزَ عَنْ الْكَسْبِ؛ فَعَلَى وَارِثِهِ، وَلِلسَّيِّدِ أَنْ يَجْعَلَ نَفَقَةَ رَقِيقِهِ فِي كَسْبِهِ وَأَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ وَيَأْخُذَ كَسْبَهُ، أَوْ يَسْتَخْدِمَهُ وَيُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ لَهُ، وَإِنْ جَعَلَهَا فِي كَسْبِهِ وَفَضَلَ مِنْهُ شَيْءٌ فَلِسَيِّدِهِ؛ وَإِنْ أَعْوَزَ فَعَلَيْهِ تَمَامُهُ، وَإِنْ مَاتَ الرَّقِيقُ فَعَلَى سَيِّدِهِ تَكْفِينُهُ وَتَجْهِيزُهُ وَدَفْنُهُ، كَمَا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ حَالَ الْحَيَاةِ.
(وَعَلَى حُرَّةٍ نَفَقَةُ وَلَدِهَا مِنْ عَبْدٍ) وَطِئَهَا بِزَوْجِيَّةٍ أَوْ شُبْهَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُهَا فِي الْحُرِّيَّةِ. وَذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ نَصًّا (فَإِنْ كَانَ لَهُ وَرَثَةٌ مَعَهَا فَعَلَى كُلٍّ) مِنْهُمْ النَّفَقَةُ (بِقَدْرِ إرْثِهِ) كَمَا سَبَقَ (وَكَذَا مُكَاتَبَةٌ، وَلَوْ أَنَّهُ) أَيْ: وَلَدُهَا الَّذِي
وَلَدَتْهُ بَعْدَ كِتَابَتِهَا (مِنْ مُكَاتَبٍ) فَنَفَقَةُ وَلَدِهَا عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُهَا (وَكَسْبُهُ لَهَا) لِتَبَعِيَّتِهِ لَهَا (وَيُزَوَّجُ) رَقِيقٌ (وُجُوبًا) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى (بِطَلَبِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32] وَلِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَى النِّكَاحِ غَالِبًا، وَكَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ، وَلِأَنَّهُ يَخَافُ مِنْ تَرْكِ إعْفَافِهِ الْوُقُوعَ فِي الْمَحْظُورِ، بِخِلَافِ طَلَبِ الْحَلْوَى (غَيْرَ أَمَةٍ يَسْتَمْتِعُ بِهَا) سَيِّدُهَا (وَلَوْ) كَانَتْ (مُكَاتَبَةً بِشَرْطِهِ) أَيْ: بِشَرْطِ أَنْ يَطَأَهَا زَمَنَ كِتَابَتِهَا؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ قَضَاءُ الْحَاجَةِ وَإِزَالَةُ ضَرَرِ الشَّهْوَةِ، وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِاسْتِمْتَاعِهِ بِهَا.
(وَتُصَدَّقُ) أَمَةٌ طَلَبَتْ تَزْوِيجًا وَادَّعَى سَيِّدُهَا أَنَّهُ يَطَؤُهَا (فِي أَنَّهُ لَمْ يَطَأْ) لِتَعَذُّرِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ.
تَنْبِيهٌ: وَإِنْ زَوَّجَهَا السَّيِّدُ بِمِنْ عَيْبُهُ غَيْرُ الرِّقِّ، فَلَهَا الْفَسْخُ لِلْعَيْبِ؛ لِمَا سَبَقَ، وَإِنْ كَانَ لِلْعَبْدِ زَوْجَةٌ فَعَلَى سَيِّدِهِ تَمْكِينُهُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا لَيْلًا، لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِذَلِكَ.
(وَمَنْ غَابَ عَنْ أَمَةٍ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً) وَهِيَ مَا لَا تُقْطَعُ إلَّا بِكُلْفَةٍ وَمَشَقَّةٍ كَمَا تَقَدَّمَ (فَطَلَبَتْ التَّزْوِيجَ زَوَّجَهَا مَنْ يَلِي مَالَهُ) أَيْ: مَالَ الْغَائِبِ قَالَ فِي " الِانْتِصَارِ " أَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الْفُرُوعِ " وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَتَقَدَّمَ فِي النِّكَاحِ زَوَّجَهَا الْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْإِقْنَاعِ " قَالَ الْقَاضِي: هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا، وَنَقَلَهُ عَنْ الْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ، وَلَمْ يَعْتَرِضْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ (وَكَذَا
أَمَةُ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ) طَلَبَتْ التَّزْوِيجَ، فَيُزَوِّجُهَا مَنْ يَلِي مَالَهُ عَلَى مَا هُنَا.
(وَإِنْ غَابَ) سَيِّدٌ (عَنْ أُمِّ وَلَدِهِ، زُوِّجَتْ لِحَاجَةِ نَفَقَةٍ) لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ.
قَالَ فِي الرِّعَايَةِ " زَوَّجَهَا الْحَاكِمُ، وَحَفِظَ مَهْرَهَا لِلسَّيِّدِ؛ لِأَنَّهُ يَلِي مَالَ الْغَائِبِ كَمَا يَأْتِي فِي الْقَضَاءِ (قَالَ الْمُنَقِّحُ وَكَذَا) تُزَوَّجُ أُمُّ وَلَدِ (ل) حَاجَةِ (وَطْءٍ) لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ كَالنَّفَقَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ (وَيَتَّجِهُ) تَزَوُّجُ أُمِّ الْوَلَدِ بِطَلَبِهَا وُجُوبًا (إنْ كَانَتْ غَيْبَتُهُ) أَيْ: سَيِّدِهَا عَنْهَا (فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) قِيَاسًا لَهَا عَلَى الْحُرَّةِ، أَمَّا لَوْ كَانَتْ غَيْبَتُهُ دُونَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَلَا تُزَوَّجُ؛ لِاحْتِمَالِ قُدُومِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَيَجِبُ خَتْنُهُمْ) أَيْ: الْأَرِقَّاءِ (وَأَنْ لَا يُكَلَّفُوا مَشْقًا كَثِيرًا) بِحَيْثُ يَقْرُبُ مِنْ الْعَجْزِ عَنْهُ، فَإِنْ كَلَّفَهُمْ مُشِقًّا أَعَانَهُمْ عَلَيْهِ؛ لِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ مَرْفُوعًا:«إخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَ) يَجِبُ (أَنْ يُرَاحُوا وَقْتَ قَيْلُولَةٍ وَ) وَقْتَ (نَوْمٍ وَلِأَدَاءِ صَلَاةٍ مَفْرُوضَةٍ) وَكَذَا سُنَنُهَا. قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ؛ لِأَنَّهُ الْعَادَةُ، وَلِأَنَّ تَرْكَهُ إضْرَارٌ بِهِمْ وَلَا يَجُوزُ تَكْلِيفُ أَمَةٍ رَعْيًا؛ لِأَنَّ السَّفَرَ مَظِنَّةُ الطَّمَعِ فِيهَا لِبُعْدِ مَنْ يَدْفَعُ عَنْهَا، (وَ) يَجِبُ (أَنْ يُرْكِبَهُمْ) عُقْبَةً بِوَزْنِ غُرْفَةٍ (لِحَاجَةٍ) إذَا سَافَرَ بِهِمْ، لِئَلَّا يُكَلِّفَهُمْ مَا لَا يُطِيقُونَ (وَمَنْ بُعِثَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ (مِنْهُمْ) أَيْ: الْأَرِقَّاءِ (فِي حَاجَةٍ وَقْتَ صَلَاةٍ، فَوَجَدَ) الرَّقِيقُ (مَسْجِدًا) فِي طَرِيقِهِ، أَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَجِدُ مَسْجِدًا يُصَلِّي فِيهِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ فِي التَّأْخِيرِ (صَلَّى أَوَّلًا) ثُمَّ قَضَى حَاجَتَهُ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ ذَلِكَ، نَقَلَهُ صَالِحٌ؛ لِأَنَّهُ قَضَاءُ حَقِّ اللَّهِ وَحَقِّ سَيِّدِهِ (فَإِنْ) عُذِرَ بِأَنْ (خَافَ) الرَّقِيقُ إضْرَارَ (سَيِّدِهِ) بِتَأْخِيرِهِ عَنْهُ (قَضَى الْحَاجَةَ) ثُمَّ صَلَّى،
لِأَنَّ حَقَّ الْآدَمِيِّ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُشَاحَّةِ.
(وَتُسَنُّ مُدَاوَاتُهُمْ فِي مَرَضٍ) قَالَهُ فِي " التَّنْقِيحِ " قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ يُسْتَحَبُّ وَهُوَ أَظْهَرُ (وَاخْتَارَ جَمْعٌ) مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ مُدَاوَاتَهُمْ (تَجِبُ) عَلَى سَيِّدِهِمْ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فِي كَفَنِ الزَّوْجَةِ: الْعَبْدُ لَا مَالَ لَهُ فَالسَّيِّدُ أَحَقُّ بِنَفَقَتِهِ وَمُؤْنَتِهِ، وَلِهَذَا النَّفَقَةُ الْمُخْتَصَّةُ بِالْمَرَضِ تَلْزَمُهُ مِنْ الدَّوَاءِ وَأُجْرَةِ الطَّبِيبِ، بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ انْتَهَى. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَالْمَذْهَبُ أَنَّ تَرْكَ الدَّوَاءِ أَفْضَلُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ لَهُ أَوَّلَ كِتَابِ الْجَنَائِزِ، وَوُجُوبُ الدَّوَاءِ قَوْلٌ ضَعِيفٌ.
(وَيُسَنُّ) لِسَيِّدٍ (إطْعَامُهُمْ) أَيْ: الْأَرِقَّاءِ (مِنْ طَعَامِهِ) وَإِلْبَاسُهُمْ مِنْ لُبْسِهِ؛ لِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ وَتَقَدَّمَ (وَمَنْ وَلِيَهُ) أَيْ: الطَّعَامَ مِنْ رَقِيقِهِ (فَمَعَهُ أَوْ مِنْهُ) يُطْعِمُهُ، وَلَوْ لَمْ يَشْتَهِهِ؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، مَرْفُوعًا:«إذَا وَلِيَ أَحَدُكُمْ خَادِمَهُ طَعَامَهُ حَرَّهُ وَدُخَانَهُ فَلْيَدْعُهُ وَلْيُجْلِسْهُ مَعَهُ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُزَوِّغْ لَهُ اللُّقْمَةَ وَاللُّقْمَتَيْنِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَمَعْنَى التَّزْوِيغِ غَمْسُهَا فِي الْمَرَقِ وَالدَّسَمِ وَدَفْعُهَا إلَيْهِ، وَلِأَنَّ الْحَاضِرَ تَتُوقُ نَفْسُهُ إلَى ذَلِكَ.
(وَ) تُسَنُّ (تَسْوِيَةٌ بَيْنَهُمْ) أَيْ: عَبِيدِهِ (فِي نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ أَطْيَبُ لِنُفُوسِهِمْ وَأَقْرَبُ لِلْعَدْلِ، وَكَذَا تُسَنُّ تَسْوِيَةٌ بَيْنَ إمَائِهِ إنْ كُنَّ لِلْخِدْمَةِ أَوْ الِاسْتِمْتَاعِ، وَإِنْ اخْتَلَفْنَ فَلَا بَأْسَ بِتَفْضِيلِ مَنْ هِيَ لِلِاسْتِمْتَاعِ فِي الْكِسْوَةِ؛ لِأَنَّهُ الْعُرْفُ
(وَلَا يَأْكُلُ) رَقِيقٌ مِنْ مَالِ سَيِّدِهِ (بِلَا إذْنِهِ) نَصًّا؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الِافْتِئَاتِ عَلَيْهِ لَكِنْ إنْ مَنَعَهُ مَا وَجَبَ لَهُ فَلَهُ أَخْذُ قَدْرِهِ بِالْمَعْرُوفِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الزَّوْجَةِ وَالْقَرِيبِ.
(وَلَهُ) أَيْ الزَّوْجِ (تَأْدِيبُ زَوْجَتِهِ وَيَتَّجِهُ) أَنَّ لَهُ تَأْدِيبَهَا (فِي ارْتِكَابِهَا)(مَا) أَيْ: فِعْلًا أَوْ قَوْلًا (يُخِلُّ بِمُرُوءَتِهِ) أَيْ الزَّوْجِ كَمُسَاحَقَةٍ (أَوْ تَرْكِ أَدَبٍ)(كَضَحِكٍ) فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ وَتَشَدُّقٍ فِي الْكَلَامِ وَتَمَسْخُرٍ وَمَا أَشْبَهَهُمَا، أَوْ تَرْكِهَا لِفَرْضٍ مِنْ الْفُرُوضِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ تَأْدِيبُهَا (مُطْلَقًا) مِنْ غَيْرِ مُقْتَضٍ شَرْعِيٍّ؛ كَمَا
لَوْ تَرَكَتْ شَيْئًا مِنْ الْآدَابِ الْمُحْدَثَةِ مِنْ تَمَثُّلٍ بَيْنَ يَدَيْهِ إلَى أَنْ يَأْذَنَ لَهَا فِي الْجُلُوسِ وَنَحْوِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مِمَّا أَحْدَثَتْهُ الْجَبَابِرَةُ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ تَأْدِيبُهَا عَلَى تَرْكِهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ دِينِ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَ) لِلْأَبِ (تَأْدِيبُ وَلَدِهِ وَلَوْ) كَانَ (مُكَلَّفًا مُتَزَوِّجًا) مُنْفَرِدًا فِي بَيْتٍ (بِضَرْبٍ غَيْرِ مُبَرِّحٍ)
(وَكَذَا) لِلسَّيِّدِ تَأْدِيبُ (رَقِيقٍ) وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الزِّيَادَةِ فِي الرَّقِيقِ عَلَى الزَّوْجَةِ، مِنْهَا مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد عَنْ لَقِيطٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ «لَا تَضْرِبْ ظَعِينَتَك ضَرْبَ أَمَتِكَ» وَلِأَحْمَدَ وَالْبُخَارِيِّ:«لَا يَجْلِدْ أَحَدُكُمْ امْرَأَتَهُ جَلْدَ الْعَبْدِ ثُمَّ لَعَلَّهُ يُجَامِعُهَا أَوْ يُضَاجِعُهَا مِنْ آخِرِ الْيَوْمِ.» وَلِابْنِ مَاجَهْ بَدَلَ الْعَبْدِ الْأَمَةُ؛ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ضَرْبَ الرَّقِيقِ أَشَدُّ مِنْ ضَرْبِ الْمَرْأَةِ، وَيُسَنُّ الْعَفْوُ عَنْهُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ نَصًّا.
(وَ) نَقَلَ حَرْبٌ (لَا يَضْرِبُهُ) شَدِيدًا، وَلَا يَضْرِبُهُ (إلَّا فِي ذَنْبٍ عَظِيمٍ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«إذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَجْلِدْهَا» (وَيُقَيِّدُهُ) بِقَيْدٍ يَضَعُهُ فِي رِجْلَيْهِ (وَإِنْ خَافَ إبَاقَهُ) نَصًّا (وَهُوَ) أَيْ الْإِبَاقُ (كَبِيرَةٌ) لِلتَّوَعُّدِ عَلَيْهِ وَمَحَلُّ كَوْنِ إبَاقِ الْعَبْدِ مُحَرَّمًا إذَا لَمْ تَكُنْ ضَرُورَةٌ، وَلِهَذَا (قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ) الرَّقِيقُ (بِمَحَلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ حُكْمُ الْبِدَعِ) فَيَجُوزُ إبَاقُهُ فِرَارًا بِدِينِهِ، وَقَالَ فِي مُسْلِمٍ نُحِسَ فِي بِلَادِ التَّتَارِ أَبَى بَيْعَ عَبْدِهِ وَعِتْقَهُ، وَيَأْمُرُهُ بِتَرْكِ الْمَأْمُورِ وَفِعْلِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ؛ فَهَرَبُهُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَاجِبٌ لِإِقَامِهِ دِينِهِ، كَمَا تَجِبُ الْهِجْرَةُ عَلَى مَنْ عَجَزَ عَنْ إظْهَارِ دِينِهِ بَيْنَ كُفَّارٍ أَوْ أَهْلِ بِدَعٍ مُضِلَّةٍ؛ فَإِنَّهُ لَا حُرْمَةَ لِهَذَا النَّحِسِ الْآمِرِ بِتَرْكِ الْمَأْمُورِ وَفِعْلِ الْمَنْهِيِّ، وَلَوْ كَانَ فِي طَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ. وَلِلسَّيِّدِ تَأْدِيبُ رَقِيقِهِ عَلَى تَرْكِهِ فَرَائِضَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، وَعَلَى مَا إذَا كَلَّفَهُ فَامْتَنَعَ مِنْ امْتِثَالِهِ.
(وَحَرُمَ لَطْمُهُ فِي وَجْهِهِ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «مَنْ لَطَمَ غُلَامَهُ فَكَفَّارَتُهُ عِتْقُهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (وَ) يَحْرُمُ (خِصَاهُ
وَالتَّمْثِيلُ بِهِ) بِجَدْعِ أَنْفِهِ وَنَحْوِهِ، وَيُعْتَقُ بِذَلِكَ، وَتَقَدَّمَ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: كُنْت أَضْرِبُ غُلَامًا لِي وَإِذَا رَجُلٌ مِنْ خَلْفِي يَقُولُ: اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:" اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ لَلَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْك مِنْك عَلَى هَذَا الْغُلَامِ "(وَيَحْرُمُ إفْسَادُهُ عَلَى سَيِّدِهِ كَ) مَا يَحْرُمُ إفْسَادُ زَوْجَتِهِ (عَلَى) زَوْجِهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ السَّعْيِ بِالْفَسَادِ
(وَلَا يَشْتِمُ أَبَوَيْهِ الْكَافِرَيْنِ قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ: لَا يُعَوِّدُ لِسَانَهُ الْخَنَا وَالرَّدَى) الْخَنَا - بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ الْفُحْشُ فِي الْقَوْلِ.
(وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ يُؤْخَذُ (مِنْهُ) أَيْ: قَوْلُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ (تَحْرِيمُ لَعْنِ الْحَجَّاجِ) وَإِنْ فَعَلَ مَا فَعَلَ مِنْ الْقَبَائِحِ وَالْعَظَائِمِ وَارْتِكَابَاتِ التَّحْرِيمِ مِمَّا وَرَدَ فِي سِيرَتِهِ الْخَبِيثَةِ لَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْهَا إلَّا التَّجَرُّؤُ عَلَى الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَكَفَى؛ فَقَدْ ذَكَرَ الْإِمَامُ الْعَارِفُ بِاَللَّهِ الشَّعْرَانِيُّ فِي مِيزَانِهِ أَنَّ الْحَجَّاجَ قَتَلَ مِائَةَ أَلْفٍ وَعِشْرِينَ أَلْفًا مَا بَيْنَ صَحَابِيٍّ وَتَابِعِيٍّ، فَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ أَفْعَالِهِ الشَّنِيعَةِ وَقَبَائِحِهِ الْفَظِيعَةِ (وَ) تَحْرِيمُ لَعْنِ (يَزِيدَ) ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ لَعْنِ الْمُصَلِّينَ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ (وَقَوَاعِدُ الشَّرِيعَةِ تَقْتَضِيه) أَيْ تَقْتَضِي عَدَمَ جَوَازِ اللَّعْنِ عَلَى مُعَيَّنٍ حَيٍّ، حَتَّى وَلَوْ كَانَ كَافِرًا؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُخْتَمَ لَهُ بِخَيْرٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ ثُمَّ (رَأَيْته) أَيْ: عَدَمَ جَوَازِ اللَّعْنِ (نَصَّ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ) طَيَّبَ اللَّهُ ثَرَاهُ.
فَفِي " الْفُرُوعِ " مَا نَصُّهُ: مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ أَخْرَجَ الْحَجَّاجَ عَنْ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ أَخَاف الْمَدِينَةَ، وَانْتَهَكَ حَرَمَ اللَّهِ وَحَرَمَ رَسُولِهِ؛ فَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ يَزِيدُ وَنَحْوُهُ، ثُمَّ قَالَ وَنَصَّ أَحْمَدُ خِلَافَ ذَلِكَ (وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ) وَلَا يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِاللَّعْنَةِ (خِلَافًا لِأَبِي الْحُسَيْنِ وَ) الْحَافِظِ (ابْنِ الْجَوْزِيِّ وَجَمَاعَةٍ) مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ كَالْجَلَالِ السُّيُوطِيّ وَالسَّعْدِ التَّفْتَازَانِيُّ وَابْنِ مُحِبِّ الدِّينِ الْحَنَفِيِّ وَبَعْضِ الْعِرَاقِيِّينَ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِهِ " السِّرِّ الْمَصُونِ " مِنْ الِاعْتِقَادَاتِ الْعَامَّةِ الَّتِي غَلَبَتْ عَلَى جَمَاعَةٍ مُنْتَسِبِينَ إلَى السُّنَّةِ
أَنْ يَقُولُوا إنَّ يَزِيدَ كَانَ عَلَى الصَّوَابِ وَإِنَّ الْحُسَيْنَ أَخْطَأَ فِي الْخُرُوجِ عَلَيْهِ، وَلَوْ نَظَرُوا فِي السِّيَرِ لَعَلِمُوا كَيْفَ عُقِدَتْ لَهُ الْبَيْعَةُ، وَأُلْزِمَ النَّاسُ بِهَا وَلَقَدْ فَعَلَ فِي ذَلِكَ كُلَّ قَبِيحٍ؛ ثُمَّ لَوْ قَدَّرْنَا صِحَّةَ خِلَافَتِهِ فَقَدْ بَدَتْ مِنْهُ بَوَادِرُ كُلُّهَا تُوجِبُ فَسْخَ الْعَقْدِ مِنْ رَمْيِ الْمَدِينَةِ وَالْكَعْبَةِ بِالْمَجَانِيقِ، وَقَتْلِ الْحُسَيْنِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ، وَضَرْبِهِ عَلَى ثَنِيَّتِهِ بِالْقَضِيبِ وَإِنْشَادِهِ حِينَئِذٍ:
نَفْلِقُ هَامًا مِنْ رِجَالٍ أَعِزَّةً
…
عَلَيْنَا وَهُمْ كَانُوا أَعَقَّ وَأَظْلَمَا
وَحَمْلِهِ الرَّأْسَ عَلَى خَشَبَةٍ، وَإِنَّمَا يَمِيلُ جَاهِلٌ بِالسِّيرَةِ عَامِّيُّ الْمَذْهَبِ يَظُنُّ أَنَّهُ يُغِيظُ بِذَلِكَ الرَّافِضَةَ. انْتَهَى.
وَقَدْ صَرَّحَ بِلَعْنِهِ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ، وَقَالَ التَّفْتَازَانِيُّ: نَحْنُ لَا نَتَوَقَّفُ فِي شَأْنِهِ بَلْ فِي إيمَانِهِ، فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى أَعْوَانِهِ وَقَالَ ابْنُ مُحِبِّ الدِّينِ: نَحْنُ نَلْعَنُهُ عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّاعِنِينَ، وَلَعْنَةُ الْخَلَائِقِ أَجْمَعِينَ. انْتَهَى.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ يَزِيدَ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَاعْتَدَى عَلَى أَهْلِ بَيْتِ النُّبُوَّةِ، وَفَعَلَ فِيهِمْ الْأَفَاعِيلَ، وَقَتَلَ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ مَعَ الْحُسَيْنِ مِنْ إخْوَتِهِ وَأَوْلَادِهِ وَبَنِي أَخِيهِ الْحَسَنِ، وَمِنْ أَوْلَادِ جَعْفَرٍ وَعَقِيلٍ تِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، وَحُمِلَ إلَيْهِ آلُ الْبَيْتِ عَلَى أَقْتَابِ الْجِمَالِ مُوثَقِينَ بِالْحِبَالِ، وَأَوْقَفَهُمْ وَحَرَمَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُكَشِّفَاتِ الرُّءُوسِ وَالْوُجُوهِ عَلَى دَرَجِ جَامِعِ دِمَشْقَ مَوْقِفَ الْأَسَارَى. وَزَادَ بِذَلِكَ عُجْبًا وَاسْتِكْبَارًا فَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ أَفْعَالِهِ الْقَبِيحَةِ. قَالَ الْوَافِي فِي الْوَفِيَّاتِ ": إنَّ السَّبْيَ لَمَّا وَرَدَ مِنْ الْعِرَاقِ عَلَى يَزِيدَ خَرَجَ فَلَقِيَ الْأَطْفَالَ وَالنِّسَاءَ مِنْ ذُرِّيَّةِ عَلِيٍّ وَالْحُسَيْنِ وَالرُّءُوسِ عَلَى أَسِنَّةِ الرِّمَاحِ، وَقَدْ أَشْرَفُوا عَلَى ثَنِيَّةِ الْعِقَابِ، فَلَمَّا رَآهُمْ الْخَبِيثُ أَنْشَأَ يَقُولُ:
لَمَّا بَدَتْ تِلْكَ الْحُمُولُ وَأَشْرَفَتْ
…
تِلْكَ الرُّءُوسُ عَلَى شَفَا جَيْرُونِي
نَعَقَ الْغُرَابُ فَقُلْت قُلْ أَوْ لَا تَقُلْ
…
فَقَدْ اقْتَضَيْت مِنْ الرُّءُوسِ دُيُونِي
يَعْنِي بِذَلِكَ قَتْلَى بَدْرٍ مِنْ الْكُفَّارِ مِثْلَ جَدِّهِ أَبِي أُمِّهِ عُتْبَةُ وَخَالِدٍ وَلَدَ عُتْبَةُ وَنَحْوَهُمَا انْتَهَى.
قُلْت: فَإِنْ صَحَّ عَنْهُ هَذَا الْكَلَامُ فَلَا رَيْبَ فِي خُرُوجِهِ مِنْ رِبْقَةِ الْإِسْلَامِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ كَرَاهَةُ لَعْنِهِ.
وَقَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ الشَّافِعِيُّ: نَحْنُ نَبْرَأُ مِمَّنْ قَتَلَ الْحُسَيْنَ أَوْ أَعَانَ عَلَيْهِ أَوْ أَشَارَ بِهِ ظَاهِرًا
وَبَاطِنًا، وَنَكِلُ سَرِيرَتَهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى.
وَقَالَ الْكَمَالُ بْنُ أَبِي شَرِيفٍ؛ وَأَمَّا نَحْنُ فَلَمْ يَخْرُجْ عِنْدَنَا يَعْنِي الْقَوْلُ بِكُفْرِهِ عَنْ حَدِّ الشُّهْرَةِ إلَى التَّوَاتُرِ، وَلَكِنْ إنْ ثَبَتَ عَنْهُ مَا نُسِبَ إلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ قَالَ: لَيْتَ أَشْيَاخِي بِبَدْرٍ شَهِدُوا جَزَعَ الْخَزْرَجِ مِنْ وَقْعِ الْأَسَلِّ فَذَلِكَ مُؤْذِنٌ بِالْكُفْرِ، وَبِالْجُمْلَةِ فَالْأَوْلَى لِمَنْ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ عِنْدَهُ قَطْعًا الْإِمْسَاكُ؛ إذْ لَا خَطَرَ فِي السُّكُوتِ عَنْ لَعْنَةِ إبْلِيسَ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِ. انْتَهَى.
(وَفِي) كِتَابِ (" السِّرِّ الْمَصُونِ " لِابْنِ الْجَوْزِيِّ مُعَاشَرَةُ الْوَلَدِ بِاللُّطْفِ وَالتَّأَنِّي وَالتَّعْلِيمِ، وَإِذَا اُحْتِيجَ إلَى ضَرْبِهِ ضُرِبَ) يَعْنِي غَيْرَ مُبَرِّحٍ (وَيُحْمَلُ) الْوَلَدُ (عَلَى أَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ) وَيُجَنَّبُ سَيِّئَهَا لِيَعْتَادَ ذَلِكَ وَيَنْشَأَ عَلَيْهِ (فَإِذَا كَبُرَ الْوَلَدُ فَالْحَذَرَ مِنْهُ، وَلَا يُطْلِعُهُ عَلَى كُلِّ الْأَسْرَارِ، وَمِنْ الْغَلَطِ تَرْكُ تَزْوِيجِهِ إذَا بَلَغَ فَإِنَّك تَدْرِي مَا هُوَ فِيهِ بِمَا كُنْت فِيهِ، فَصُنْهُ عَنْ الزَّلَلِ عَاجِلًا خُصُوصًا الْبَنَاتِ) فَإِنَّ عَارَهُنَّ عَظِيمٌ (وَإِيَّاكَ أَنْ تُزَوِّجَ الْبِنْتَ بِشَيْخٍ أَوْ شَخْصٍ مَكْرُوهٍ) فَرُبَّمَا حَمَلَهَا ذَلِكَ عَلَى مَا لَا يَنْبَغِي (وَأَمَّا الْمَمْلُوكُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَسْكُنَ إلَيْهِ بِحَالٍ بَلْ كُنْ مِنْهُ عَلَى حَذَرٍ، وَلَا تُدْخِلْ الدَّارَ مِنْهُمْ مُرَاهِقًا وَلَا خَادِمًا؛ فَإِنَّهُمْ رِجَالٌ مَعَ النِّسَاءِ، وَنِسَاءٌ مَعَ الرِّجَالِ؛ وَرُبَّمَا امْتَدَّتْ عَيْنُ امْرَأَةٍ إلَى غُلَامٍ مُحْتَقَرٍ انْتَهَى) . وَكَذَا خِدْمَتُهُ.
(وَلَا يَلْزَمُهُ) أَيْ: السَّيِّدَ (بَيْعُهُ بِطَلَبِهِ) أَيْ: الرَّقِيقِ (مَعَ الْقِيَامِ بِحَقِّهِ) ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لِلسَّيِّدِ، وَالْحَقُّ لَهُ، كَمَا لَا يُجْبَرُ عَلَى طَلَاقِ زَوْجَتِهِ مَعَ قِيَامِهِ بِمَا يَجِبُ لَهَا فَإِنْ لَمْ يَقُمْ بِحَقِّهِ؛ وَطَلَبَ بَيْعَهُ، لَزِمَهُ إجَابَتُهُ.
(وَحَرُمَ أَنْ تُسْتَرْضَعَ أَمَةٌ) لَهَا وَلَدٌ (لِغَيْرِ وَلَدِهَا) إنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ إضْرَارًا بِوَلَدِهَا لِلنَّقْصِ مِنْ كِفَايَتِهِ، وَصَرْفِ اللَّبَنِ الْمَخْلُوقِ لَهُ إلَى غَيْرِهِ مَعَ حَاجَتِهِ إلَيْهِ كَنَقْصِ الْكَبِيرِ عَنْ كِفَايَتِهِ (إلَّا) أَنْ يَكُونَ يَفْضُلُ عَنْهُ شَيْءٌ (بَعْدَ رِيِّهِ) ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ، وَقَدْ اسْتَغْنَى عَنْهُ الْوَلَدُ فَكَانَ لَهُ اسْتِغْنَاؤُهُ، كَمَا لَوْ مَاتَ وَلَدُهَا وَبَقِيَ لَبَنُهَا.
(وَلَا تَصِحُّ إجَارَتُهَا) أَيْ: الْمُزَوَّجَةِ (بِلَا إذْنِ زَوْجٍ زَمَنَ حَقِّهِ) أَيْ: الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ فِيهَا تَفْوِيتًا لِحَقِّ زَوْجِهَا بِاشْتِغَالِهَا عَنْهُ بِمَا اُسْتُؤْجِرَتْ لَهُ؛ وَيَجُوزُ إيجَارُهَا فِي مُدَّةِ حَقِّ السَّيِّدِ؛ لِأَنَّ لَهُ اسْتِيفَاءَ حَقِّهِ بِنَفْسِهِ وَنَائِبِهِ.
(وَحَرُمَ جَبْرُهُ) أَيْ: الرَّقِيقِ (عَلَى مُخَارَجَةٍ، وَهِيَ) أَيْ الْمُخَارَجَةُ (جَعْلُ سَيِّدٍ عَلَى رَقِيقٍ كُلَّ يَوْمٍ أَوْ كُلَّ شَهْرٍ شَيْئًا مَعْلُومًا) أَيْ: السَّيِّدِ (وَمَا فَضَلَ فَلِلْعَبْدِ) ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ بَيْنَهُمَا، فَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا كَالْكِتَابَةِ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا (فَلَهُ) أَيْ: الْعَبْدِ (هَدِيَّةُ طَعَامٍ وَإِعَارَةُ مَتَاعٍ وَعَمَلِ دَعْوَةٍ) قَالَ فِي الْفُرُوعِ " وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ كَعَبْدٍ (مَأْذُونٌ) لَهُ فِي التَّصَرُّفِ، وَجَزَمَ بِمَعْنَاهُ فِي " الْمُبْدِعِ " (وَفِي " الْهَدْيِ النَّبَوِيِّ ") لِابْنِ الْقَيِّمِ (لَهُ) أَيْ: الْعَبْدِ (التَّصَرُّفُ بِمَا زَادَ عَلَى خَرَاجِهِ) قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " كَذَا قَالَ (وَتَجُوزُ) الْمُخَارَجَةُ (بِاتِّفَاقِهِمَا إنْ كَانَتْ قَدْرَ كَسْبِهِ فَأَقَلَّ بَعْدَ نَفَقَتِهِ) لِمَا رُوِيَ: «أَنَّ أَبَا طَيْبَةَ حَجَمَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَعْطَاهُ أَجْرَهُ، وَأَمَرَ مَوَالِيَهُ أَنْ يُخَفِّفُوا عَنْهُ مِنْ خَرَاجِهِ.» وَكَانَ كَثِيرٌ مِنْ الصَّحَابَةِ يَضْرِبُونَ عَلَى رَقِيقِهِمْ خَرَاجًا وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ كَانَ لَهُ أَلْفُ مَمْلُوكٍ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ دِرْهَمٌ كُلَّ يَوْمٍ.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ كَسْبٌ أَوْ وَضَعَ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ كَسْبِهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ تَكْلِيفٌ لَهُ بِمَا لَا يُطِيقُهُ
(وَلَا يَتَسَرَّى عَبْدٌ وَلَوْ أَذِنَ سَيِّدُهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ وَالْوَطْءُ لَا يَكُونُ إلَّا فِي نِكَاحٍ أَوْ مِلْكِ يَمِينٍ (خِلَافًا لِلْأَكْثَرِ) مِنْ قُدَمَاءِ الْأَصْحَابِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ لَهُ التَّسَرِّيَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْخِرَقِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ وَابْنِ أَبِي مُوسَى وَابْنِ شَاقِلَا، وَرَجَّحَهَا الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ، وَصَحَّحَهَا فِي " الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ " وَالنَّاظِمُ وَصَاحِبُ " الْإِنْصَافِ " (وَعَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَجُوزُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ سَيِّدُهُ (فِي التَّسَرِّي بِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ كَالنِّكَاحِ فَلَا يَمْلِكُ سَيِّدٌ رُجُوعًا بَعْدَ تَسَرٍّ) مِنْ الْعَبْدِ بِإِذْنِهِ (وَتَحِلُّ) الْأَمَةُ لِلْعَبْدِ (ب) قَوْلِ سَيِّدِهِ لَهُ (تَسَرَّهَا أَوْ أَذِنْت لَك فِي وَطْئِهَا أَوْ مَا دَلَّ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْإِذْنِ بِالتَّسَرِّي؛ لِأَنَّهُ مَلَّكَهُ بُضْعًا أُبِيحَ لَهُ وَطْؤُهُ، كَمَا لَوْ زَوَّجَهُ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ