الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وَمَنْ أَوْجَبَ) أَيْ: صَدَرَ مِنْهُ إيجَابُ عَقْدٍ، (وَلَوْ) كَانَ الْإِيجَابُ (فِي غَيْرِ نِكَاحٍ كَبَيْعٍ وَإِجَارَةٍ، ثُمَّ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ قَبْلَ قَبُولٍ) لِمَا أَوْجَبَهُ (بَطَلَ) إيجَابُهُ بِذَلِكَ كَبُطْلَانِهِ، بِمَوْتِهِ أَيْ: مَوْتِ مَنْ أَوْجَبَ لَهُ، لِعَدَمِ لُزُومِ الْإِيجَابِ إذَنْ، أَشْبَهَ الْعُقُودَ الْجَائِزَةَ.
(وَيَتَّجِهُ وَ) كَذَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ (بِفِسْقِهِ) أَيْ: الْوَلِيِّ الْمُوجِبِ لِلنِّكَاحِ، وَبِحُضُورِ وَلِيٍّ أَقْرَبَ مِنْهُ قَبْلَ الْقَبُولِ؛ لِأَنَّ الْعَدَالَةَ مُعْتَبَرَةٌ فِي الْوَلِيِّ إلَى أَنْ يَتِمَّ الْعَقْدُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَلَا) يَبْطُلُ الْإِيجَابُ (إنْ نَامَ) مَنْ أَوْجَبَ عَقْدًا قَبْلَ قَبُولِهِ إنْ قُبِلَ فِي الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّ النَّوْمَ لَا يُبْطِلُ الْعُقُودَ الْجَائِزَةَ، (وَ) كَانَ (لِنَبِيِّنَا) صلى الله عليه وسلم (التَّزَوُّجُ بِلَفْظِ هِبَةٍ) دُونَ غَيْرِهِ، كَمَا كَانَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِلَا مَهْرٍ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} [الأحزاب: 50] الْآيَةَ.
[فَصْلٌ شُرُوطُ النِّكَاحِ]
(فَصْلٌ: وَشُرُوطُهُ) أَيْ: النِّكَاحِ (خَمْسَةٌ) بِالِاسْتِقْرَاءِ: (أَحَدُهَا: تَعْيِينُ الزَّوْجَيْنِ) فِي الْعَقْدِ، لِأَنَّ النِّكَاحَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ؛ أَشْبَهَ تَعْيِينَ الْمَبِيعِ فِي الْبَيْعِ (فَلَا يَصِحُّ) النِّكَاحُ إنْ قَالَ الْوَلِيُّ (زَوَّجْتُك بِنْتِي وَلَهُ) بِنْتٌ (غَيْرُهَا حَتَّى يُمَيِّزَهَا) عَنْ غَيْرِهَا (بِاسْمٍ) يَخُصُّهَا كَفَاطِمَةَ مَثَلًا (أَوْ صِفَةٍ) لَا يُشَارِكُهَا فِيهَا غَيْرُهَا مِنْ أَخَوَاتِهَا؛ كَالْكُبْرَى أَوْ الطَّوِيلَةِ أَوْ الصُّغْرَى أَوْ الْوُسْطَى أَوْ الْبَيْضَاءِ أَوْ السَّمْرَاءِ (أَوْ) يُمَيِّزُهَا (بِإِشَارَةٍ) كَ زَوَّجْتُك بِنْتِي هَذِهِ (وَإِلَّا) يَكُنْ لَهُ إلَّا بِنْتٌ وَاحِدَةٌ؛ (صَحَّ) الْعَقْدُ (وَلَوْ سَمَّاهَا) الْوَلِيُّ (بِغَيْرِ اسْمِهَا) لِأَنَّ عَدَمَ التَّعْيِينِ إنَّمَا جَاءَ مِنْ التَّعَدُّدِ، وَلَا تَعَدُّدَ هُنَا (وَكَذَا لَوْ أَشَارَ إلَيْهَا وَسَمَّاهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا) بِأَنْ قَالَ: زَوَّجْتُك بِنْتِي فَاطِمَةَ هَذِهِ وَأَشَارَ إلَى خَدِيجَةَ؛ فَيَصِحُّ الْعَقْدُ عَلَى خَدِيجَةَ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ أَقْوَى (وَإِنَّ سَمَّاهَا) الْوَلِيُّ (بِاسْمِهَا) بِأَنْ قَالَ: زَوَّجْتُك فَاطِمَةَ (وَلَمْ يَقُلْ: بِنْتِي) لَمْ يَصِحَّ
الْعَقْدُ؛ لِاشْتِرَاكِ هَذَا الِاسْمِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ سَائِرِ الْفَوَاطِمِ. (أَوْ قَالَ مَنْ لَهُ) بِنْتَانِ (عَائِشَةُ وَفَاطِمَةُ: زَوَّجْتُك بِنْتِي عَائِشَةَ فَقَبِلَ) الزَّوْجُ النِّكَاحَ (وَنَوَيَا) أَيْ: الْوَلِيُّ وَالزَّوْجُ (أَوْ) نَوَى (أَحَدُهُمَا) فِي الْبَاطِنِ (فَاطِمَةَ لَمْ يَصِحَّ) النِّكَاحُ (فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا) ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَمْ تُذْكَرْ بِمَا تَتَمَيَّزُ بِهِ؛ فَإِنَّ اسْمَ أُخْتِهَا لَا يُمَيِّزُهَا، بَلْ يَصْرِفُ الْعَقْدَ عَنْهَا، وَلِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَلَفَّظَا بِمَا يَصِحُّ الْعَقْدُ بِالشَّهَادَةِ عَلَيْهِ؛ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ: زَوَّجْتُك عَائِشَةَ فَقَطْ، أَوْ مَا لَوْ قَالَ: زَوَّجْتُك ابْنَتِي، وَلَمْ يُسَمِّهَا، وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ فِيمَا لَمْ يُسَمِّهَا فَفِيمَا إذَا سَمَّاهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا أَوْلَى، وَكَذَا إنْ قَصَدَ الْوَلِيُّ وَاحِدَةً، وَالزَّوْجُ أُخْرَى (كَمَنْ سُمِّيَ لَهُ فِي الْعَقْدِ غَيْرُ مَخْطُوبَتِهِ فَقَبِلَ يَظُنُّهَا) أَيْ: غَيْرَ الْمَخْطُوبَةِ (إيَّاهَا) أَيْ: الْمَخْطُوبَةَ؛ لِأَنَّ الْقَبُولَ انْصَرَفَ إلَى غَيْرِ مَنْ وُجِدَ الْإِيجَابُ فِيهَا (وَلَوْ رَضِيَ) الزَّوْجُ (بَعْدُ) أَيْ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْحَالِ فَلَا يَنْقَلِبُ النِّكَاحُ صَحِيحًا، فَإِنْ قَبِلَ غَيْرَ ظَانٍّ أَنَّهَا الْمَخْطُوبَةُ؛ صَحَّ النِّكَاحُ (فَإِنْ كَانَ) الَّذِي سُمِّيَ لَهُ فِي الْعَقْدِ غَيْرُ مَخْطُوبَتِهِ، وَقَبِلَ يَظُنُّهَا إيَّاهَا (قَدْ أَصَابَهَا) أَيْ: وَطِئَهَا، وَهِيَ جَاهِلَةٌ بِالْحَالِ، أَيْ: بِأَنَّهَا سُمِّيَتْ لَهُ فِي الْعَقْدِ بَعْدَ أَنْ خَطَبَ غَيْرَهَا، أَوْ جَاهِلَةٌ (بِالتَّحْرِيمِ؛ فَلَهَا الصَّدَاقُ) أَيْ: مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ وَطْءُ شُبْهَةٍ (يَرْجِعُ بِهِ) الْوَاطِئُ (عَلَى وَلِيِّهَا. قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ: لِأَنَّهُ غَرَّهُ، وَيَعْقِدُ عَلَى مَخْطُوبَتِهِ) الَّتِي خَطَبَهَا عَقْدًا جَدِيدًا، لِتَوَقُّفِ الْحِلِّ عَلَيْهِ، وَتُجَهَّزُ إلَيْهِ اسْتِحْبَابًا (إنْ شَاءَ) وَيَكُونُ الْعَقْدُ (بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ مَنْ أَصَابَهَا إنْ حَرُمَ الْجَمْعُ) بَيْنَهُمَا بِأَنْ كَانَتْ أُخْتَ الْمُصَابَةِ أَوْ عَمَّتَهَا أَوْ خَالَتَهَا وَنَحْوِهِ، لِمَا يَأْتِي فِي تَحْرِيمِ الْجَمْعِ، وَإِنْ كَانَتْ الْمُصَابَةُ وَلَدَتْ مِنْهُ؛ لَحِقَهُ الْوَلَدُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ (وَمَعَ عِلْمِهَا) أَيْ: الْمُصَابَةِ أَنَّهَا لَيْسَتْ زَوْجَتُهُ، وَأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ، وَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا، فَهِيَ زَانِيَةٌ لَا صَدَاقَ لَهَا وَعَلَيْهَا الْحَدُّ؛ لِانْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ، وَجَمِيعُ مَا تَقَدَّمَ فِي تَعْيِينِ الزَّوْجَةِ يَأْتِي نَظِيرُهُ فِي الزَّوْجِ، وَلَمْ يُنَبِّهُوا عَلَيْهِ؛ لِوُضُوحِهِ. وَلَا يَصِحُّ: زَوَّجْتُك حَمْلَ هَذِهِ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ مَجْهُولٌ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ كَوْنُهُ أُنْثَى، وَلَمْ يَثْبُتْ
لَهُ حُكْمُ الْوُجُودِ، وَكَذَا: إنْ وَضَعَتْ زَوْجَتِي بِنْتًا، فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ.
الشَّرْطُ (الثَّانِي: رِضَى زَوْجٍ مُكَلَّفٍ) أَيْ: بَالِغٍ عَاقِلٍ (رَشِيدٍ)(وَلَوْ) كَانَ الْمُكَلَّفُ (رَقِيقًا) نَصَّ عَلَيْهِ، فَلَا يَمْلِكُ سَيِّدُهُ إجْبَارَهُ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الطَّلَاقَ، فَلَا يُجْبَرُ عَلَى النِّكَاحِ كَالْحُرِّ، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ خَالِصُ حَقِّهِ، وَنَفْعُهُ لَهُ؛ فَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ كَالْحُرِّ، وَالْأَمْرُ بِإِنْكَاحِهِ فِي قَوْله تَعَالَى:{وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32] مُخْتَصٌّ بِحَالِ طَلَبِهِ، بِدَلِيلِ عَطْفِهِ عَلَى الْأَيَامَى، وَإِنَّمَا يُزَوَّجْنَ عِنْدَ الطَّلَبِ، وَلِأَنَّ مُقْتَضَى الْأَمْرِ الْوُجُوبُ، وَإِنَّمَا يَجِبُ تَزْوِيجُهُ إذَا طَلَبَ، وَأَمَّا الْأَمَةُ فَالسَّيِّدُ يَمْلِكُ مَنَافِعَ بُضْعِهَا وَالِاسْتِمْتَاعَ بِهَا، بِخِلَافِ الْعَبْدِ، وَيُفَارِقُ النِّكَاحُ الْإِجَارَةَ؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ عَلَى مَنَافِعِ بَدَنِهِ، وَسَيِّدُهُ يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَهَا، بِخِلَافِ النِّكَاحِ (وَرِضَى زَوْجَةٍ حُرَّةٍ عَاقِلَةٍ ثَيِّبٍ تَمَّ لَهَا تِسْعُ سِنِينَ) وَلَهَا إذْنٌ صَحِيحٌ مُعْتَبَرٌ، فَيُشْتَرَطُ مَعَ ثُيُوبَتِهَا، وَيُسَنُّ مَعَ بَكَارَتِهَا نَصًّا؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا:«لَا تُنْكَحُ الْأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: كَيْفَ إذْنُهَا؟ قَالَ: أَنْ تَسْكُتَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَوَجْهُ تَقْيِيدِ ذَلِكَ بِبِنْتِ تِسْعٍ، مَا رَوَى أَحْمَدُ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: إذَا بَلَغَتْ الْجَارِيَةُ تِسْعَ سِنِينَ فَهِيَ امْرَأَةٌ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: وَمَعْنَاهُ، فِي حُكْمِ الْمَرْأَةِ، وَلِأَنَّهَا تَصْلُحُ بِذَلِكَ لِلنِّكَاحِ، وَتَحْتَاجُ إلَيْهِ؛ أَشْبَهَتْ الْبَالِغَةَ. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا (فَيُجْبِرُ أَبٌ لَا جَدٌّ ثَيِّبًا دُونَ ذَلِكَ) أَيْ: دُونَ تِسْعِ سِنِينَ؛ لِأَنَّهُ لَا إذْنَ لَهَا مُعْتَبَرٌ، (وَ) يُجْبِرُ أَبٌ (بِكْرًا أَوْ لَوْ) كَانَتْ (مُكَلَّفَةً) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا:«الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ، وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، فَقَسَّمَ النِّسَاءَ قِسْمَيْنِ، وَأَثْبَتَ الْحَقَّ لِأَحَدِهِمَا، فَدَلَّ عَلَى نَفْيِهِ عَنْ الْآخَرِ، وَهِيَ الْبِكْرُ، فَيَكُونُ وَلِيُّهَا أَحَقَّ مِنْهَا بِهَا، وَدَلَّ الْحَدِيثُ
عَلَى أَنَّ الِاسْتِئْمَارَ هُنَا وَالِاسْتِئْذَانَ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ مُسْتَحَبٌّ غَيْرُ وَاجِبٍ.
(وَيُسَنُّ اسْتِئْذَانُهَا) أَيْ: الْبِكْرِ إذَا تَمَّ لَهَا تِسْعُ سِنِينَ؛ لِمَا سَبَقَ (مَعَ) اسْتِئْذَانِ (أُمِّهَا) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «آمِرُوا النِّسَاءَ فِي بَنَاتِهِنَّ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (وَيُؤْخَذُ بِتَعْيِينِ بِنْتِ تِسْعٍ فَأَكْثَرَ، وَلَوْ) كَانَتْ (مُجْبَرَةً كُفْئًا، لَا بِتَعْيِينِ أَبٍ) أَوْ وَصِيِّهِ نَصًّا، فَإِنْ عَيَّنَتْ غَيْرَ كُفْءٍ، قُدِّمَ تَعْيِينُ الْأَبِ (فَإِنْ امْتَنَعَ) الْمُجْبِرُ مِنْ تَزْوِيجِهَا مَنْ عَيَّنَتْهُ بِنْتُ تِسْعٍ فَأَكْثَرَ؛ فَهُوَ عَاضِلٌ (سَقَطَتْ وِلَايَتُهُ) وَيَفْسُقُ بِهِ إنْ تَكَرَّرَ عَلَى مَا يَأْتِي، وَلَا يَجُوزُ لِسَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ غَيْرِ الْأَبِ تَزْوِيجُ حُرَّةٍ بَالِغَةٍ ثَيِّبًا كَانَتْ أَوْ بِكْرًا، إلَّا بِإِذْنِهَا، لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ.
(وَ) يُجْبِرُ أَبٌ (مَجْنُونَةً وَلَوْ) كَانَتْ (بِلَا شَهْوَةٍ أَوْ) كَانَتْ (ثَيِّبًا أَوْ بَالِغَةً) لِأَنَّ وِلَايَةَ الْإِجْبَارِ انْتَفَتْ عَنْ الْعَاقِلَةِ بِخِبْرَةِ نَظَرِهَا لِنَفْسِهَا، بِخِلَافِ الْمَجْنُونَةِ. (وَيُزَوَّجُهَا) أَيْ: الْمَجْنُونَةَ (وَلِيُّهَا مَعَ شَهْوَتِهَا) مُجْبِرًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُجْبِرٍ؛ لِأَنَّ لَهَا حَاجَةً إلَى النِّكَاحِ؛ لِدَفْعِ ضَرَرِ الشَّهْوَةِ عَنْهَا، وَصِيَانَتِهَا عَنْ الْفُجُورِ، وَتَحْصِيلِ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ وَالْعَفَافِ، وَصِيَانَةِ الْعِرْضِ، وَلَا سَبِيلَ إلَى إذْنِهَا، فَأُبِيحَ تَزْوِيجُهَا كَالْبِنْتِ مَعَ أَبِيهَا. (وَتُعْرَفُ) شَهْوَتُهَا (بِكَلَامِهَا وَ) قَرَائِنِ أَحْوَالِهَا (بِتَتَبُّعِهَا الرِّجَالَ وَمِيلِهَا إلَيْهِمْ) وَهَذَا مِمَّا لَا يَخْفَى (وَكَذَا لَوْ قَالَ أَهْلُ الطِّبِّ) - وَلَعَلَّ الْمُرَادَ ثِقَةٌ مِنْهُمْ إنْ تَعَذَّرَ غَيْرُهُ، وَإِلَّا فَاثْنَانِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ - (إنَّ: عِلَّتَهَا تَزُولُ بِتَزْوِيجِهَا) فَلِكُلِّ وَلِيٍّ تَزْوِيجُهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ مَصَالِحِهَا (وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا) أَيْ: الْمَجْنُونَةِ ذَاتِ الشَّهْوَةِ، وَنَحْوِهَا (وَلِيٌّ إلَّا الْحَاكِمَ؛ زَوَّجَهَا) لِمَا سَبَقَ.
(وَيُجْبِرُ) أَبٌ (ابْنًا صَغِيرًا) أَيْ: غَيْرَ بَالِغٍ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ زَوَّجَ ابْنَهُ وَهُوَ صَغِيرٌ، فَاخْتَصَمُوا إلَى زَيْدٍ فَأَجَازَهُ جَمِيعًا. رَوَاهُ الْأَثْرَمُ. وَلَهُ تَزْوِيجُهُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ، إنْ رَآهُ مَصْلَحَةً، وَلَيْسَ لِلْوَصِيِّ تَزْوِيجُ الصَّغِيرِ بِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّهُ تَزْوِيجٌ لِحَاجَةٍ، وَالْكِفَايَةُ تَحْصُلُ بِذَلِكَ، لَا أَنْ تَكُونَ غَائِبَةً أَوْ صَغِيرَةً طِفْلَةً وَبِهِ حَاجَةٌ، فَيَجُوزُ أَنْ يُزَوِّجَهُ ثَانِيَةً. قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ.
(وَ) يُجْبِرُ
أَبٌ (بَالِغًا مَجْنُونًا) مُطْبَقًا وَمَعْتُوهًا (وَلَوْ كَانَ بِلَا شَهْوَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ؛ أَشْبَهَ الصَّغِيرَ، فَإِذَا جَازَ تَزْوِيجُ الصَّغِيرِ مَعَ عَدَمِ حَاجَتِهِ فِي الْحَالِ، وَتَوَقُّعِ نَظَرِهِ فَعِنْدَ حَاجَتِهِ أَوْلَى، وَرُبَّمَا كَانَ النِّكَاحُ دَوَاءً لَهُ يُرْجَى بِهِ شِفَاؤُهُ، وَقَدْ يَحْتَاجُ إلَى الْإِيوَاءِ وَالْحِفْظِ، أَوْ أَيْ: وَلِلْأَبِ تَزْوِيجُ ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ (بِفَوْقِ مَهْرِ الْمِثْلِ) كَتَزْوِيجِ الصَّغِيرَةِ بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ لِمَصْلَحَةٍ (وَيُزَوِّجُهُمَا) أَيْ: الصَّغِيرَ وَالْبَالِغَ الْمَجْنُونَ (مَعَ عَدَمِ أَبٍ وَصِيُّهُ) أَيْ: الْأَبِ فِي النِّكَاحِ؛ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْأَبِ (فَإِنْ عُدِمَ) وَصِيُّ الْأَبِ (وَثَمَّ حَاجَةٌ) إلَى نِكَاحِهِمَا (فَحَاكِمٌ) يُزَوِّجُهُمَا؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَنْظُرُ فِي مَصَالِحِهِمَا بَعْدَ الْأَبِ وَوَصِيِّهِ. تَتِمَّةٌ
: وَمَنْ يُخْنَقُ أَحْيَانًا لَمْ يَصِحَّ تَزْوِيجُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ إنْ كَانَ بَالِغًا؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَتَزَوَّجَ لِنَفْسِهِ فَلَمْ تَثْبُتْ وِلَايَةُ تَزْوِيجِهِ لِغَيْرِهِ كَالْعَاقِلِ، وَمَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِبِرْسَامٍ أَوْ مَرَضٍ مَرْجُوٍّ لِلزَّوَالِ، فَإِنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْعَاقِلِ، فَإِنْ دَامَ بِهِ صَارَ كَالْمَجْنُونِ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْمُسَوَّدَةِ، وَلَيْسَ لِلْأَبِ تَزْوِيجُ ابْنِهِ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ سَفِيهًا أَوْ يَكُونَ النِّكَاحُ أَصْلَحَ لَهُ بِأَنْ يَكُونَ زَمِنًا أَوْ ضَعِيفًا يَحْتَاجُ إلَى امْرَأَةٍ تَخْدُمُهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا إلَيْهِ؛ فَلَيْسَ لِوَلِيِّهِ تَزْوِيجُهُ. وَلِلْأَبِ قَبُولُ النِّكَاحِ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ وَلَوْ مُمَيِّزًا وَلِابْنِهِ الْمَجْنُونِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، وَكَذَا الْمَعْتُوهُ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ وَالْخِرَقِيِّ مَعَ ظُهُورِ أَمَارَاتِ الشَّهْوَةِ وَعَدَمِهَا.
(وَيَصِحُّ قَبُولُ) صَبِيٍّ (مُمَيِّزٍ لِنِكَاحِهِ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ فِي مَالِهِ لِمَصْلَحَةٍ) نَصًّا، كَمَا يَصِحُّ أَنْ يَتَوَلَّى الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ لِنَفْسِهِ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ.
، وَلَا يَصِحُّ قَبُولُ طِفْلٍ دُونَ التَّمْيِيزِ لِنِكَاحِهِ وَلَا مَجْنُونٍ وَلَوْ بِإِذْنِ وَلِيِّهِمَا، لِأَنَّ قَوْلَهُمَا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ.
(وَلِكُلِّ وَلِيٍّ) مِنْ أَبٍ وَوَصِيِّهِ وَبَقِيَّةِ الْعَصَبَاتِ (وَحَاكِمٍ تَزْوِيجُ بِنْتِ تِسْعٍ فَأَكْثَرَ بِإِذْنِهَا) نَصًّا، (وَهُوَ) أَيْ: اسْتِئْذَانُهَا (مُعْتَبَرٌ) ؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «تُسْتَأْمَرُ الْيَتِيمَةُ فِي نَفْسِهَا، فَإِنْ سَكَتَتْ فَهُوَ إذْنُهَا، وَإِنْ أَبَتْ لَمْ تُكْرَهْ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْيَتِيمَةَ تُزَوَّجُ بِإِذْنِهَا، وَأَنَّ لَهَا إذْنًا صَحِيحًا، وَقَدْ انْتَفَى ذَلِكَ فِيمَنْ لَمْ تَبْلُغْ تِسْعًا بِالِاتِّفَاقِ، فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى مَنْ بَلَغَتْ تِسْعًا. وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ
أَنَّهَا قَالَتْ: إذَا بَلَغَتْ الْجَارِيَةُ تِسْعَ سِنِينَ فَهِيَ امْرَأَةٌ. وَرُوِيَ مَرْفُوعًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَمَعْنَاهُ: فِي حُكْمِ الْمَرْأَةِ، وَلِأَنَّهَا تَصْلُحُ بِذَلِكَ لِلنِّكَاحِ، وَتَحْتَاجُ إلَيْهِ؛ أَشْبَهَتْ الْبَالِغَةَ.
وَ (لَا) يُزَوِّجُ غَيْرُ أَبٍ وَوَصِيِّهِ (مَنْ) أَيْ: صَغِيرَةً (دُونَ تِسْعِ) سِنِينَ (بِحَالٍ) مِنْ الْأَحْوَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا إذْنَ لَهَا، وَغَيْرُ الْأَبِ وَوَصِيِّهِ لَا إجْبَارَ لَهُ؛ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ قُدَامَةَ بْنَ مَظْعُونٍ زَوَّجَ ابْنَةَ أَخِيهِ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فَرَفَعَ ذَلِكَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إنَّهَا يَتِيمَةٌ، وَلَا تُنْكَحُ إلَّا بِإِذْنِهَا» وَالصَّغِيرَةُ لَا إذْنَ لَهَا بِحَالٍ (وَلَا لِلْحَاكِمِ: تَزْوِيجُهَا) أَيْ: بِنْتٍ دُونَ تِسْعِ سِنِينَ كَغَيْرِهِ، خِلَافًا لِمَا فِي " الْفُرُوعِ " فَإِنَّهُ لَمْ يُوَافِقْهُ أَحَدٌ عَلَى مَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ مِنْ أَنَّ لِلْحَاكِمِ تَزْوِيجَ الصَّغِيرَةِ، وَإِنْ مَنَعْنَا غَيْرَهُ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَلَا أَعْلَمُ لَهُ مُوَافِقًا عَلَى ذَلِكَ، بَلْ صَرَّحَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ "" وَالرِّعَايَةِ " وَغَيْرِهِمَا بِغَيْرِ ذَلِكَ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ (غَيْرَ وَصِيِّ أَبٍ) ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَبِ فِي إجْبَارِهَا.
(وَإِذْنُ ثَيِّبٍ بِوَطْءِ آدَمِيٍّ) لَا غَيْرُ (فِي قُبُلٍ وَلَوْ) كَانَ وَطْؤُهَا (بِزِنًا) لِأَنَّهُ لَوْ وَصَّى لِلثَّيِّبِ دَخَلَتْ فِي الْوَصِيَّةِ، وَلَوْ وَصَّى لِلْأَبْكَارِ لَمْ تَدْخُلْ فِيهِنَّ (أَوْ مَعَ عَوْدِ بَكَارَةٍ) بَعْدَ وَطْئِهَا بِآلَةِ الرِّجَالِ (الْكَلَامَ) لِحَدِيثِ:«الثَّيِّبُ تُعْرِبُ عَنْ نَفْسِهَا، وَالْبِكْرُ رِضَاهَا صَمْتُهَا» . رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَابْنُ مَاجَهْ؛ وَلِأَنَّ الْحِكْمَةَ الَّتِي اقْتَضَتْ التَّفْرِقَةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْبِكْرِ مُبَاضَعَةُ الرِّجَالِ وَمُخَالَطَتُهُمْ، وَهَذَا مَوْجُودٌ مَعَ عَوْدِ الْبَكَارَةِ.
(وَ) إذْنُ (بِكْرٍ وَلَوْ وُطِئَتْ فِي دُبُرٍ أَوْ زَوَّجَهَا غَيْرُ أَبٍ، الصُّمَاتُ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «تُسْتَأْمَرُ الْيَتِيمَةُ فِي نَفْسِهَا، فَإِنْ سَكَتَتْ فَهُوَ إذْنُهَا، وَإِنْ أَبَتْ لَمْ تُكْرَهْ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وَعَنْ عَائِشَةَ: «قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ الْبِنْتَ تَسْتَحِي، قَالَ: رِضَاهَا صُمَاتُهَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَلَوْ ضَحِكَتْ أَوْ بَكَتْ) كَانَ إذْنًا؛ لِمَا رَوَى أَبُو بَكْرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «تُسْتَأْمَرُ الْيَتِيمَةُ، فَإِذَا بَكَتْ أَوْ سَكَتَتْ؛ فَهُوَ رِضَاهَا، وَإِنْ أَبَتْ فَلَا جَوَازَ عَلَيْهَا» ؛ وَلِأَنَّهَا غَيْرُ نَاطِقَةٍ بِالِامْتِنَاعِ مَعَ سَمَاعِ الِاسْتِئْذَانِ، فَكَانَ ذَلِكَ إذْنًا مِنْهَا كَالصُّمَاتِ، وَالْبُكَاءُ يَدُلُّ عَلَى
فَرْطِ الْحَيَاءِ، لَا الْكَرَاهَةِ، وَلَوْ كَرِهَتْ لَامْتَنَعَتْ، فَإِنَّهَا لَا تَسْتَحِي مِنْ الِامْتِنَاعِ (وَنُطْقُهَا) أَيْ: الْبِكْرِ بِالْإِذْنِ (أَبْلَغُ) مِنْ سُكُوتِهَا؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْإِذْنِ، وَإِنَّمَا اُكْتُفِيَ بِالصُّمَاتِ مِنْ الْبِكْرِ؛ لِلِاسْتِحْيَاءِ.
(وَشُرِطَ فِي اسْتِئْذَانٍ - وَيَتَّجِهُ) إنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ (مِمَّنْ يُعْتَبَرُ إذْنُهَا) كَكَوْنِهَا ثَيِّبًا جَاوَزَ سِنُّهَا تِسْعًا بِالنِّسْبَةِ لِلْأَبِ وَوَصِيِّهِ، أَوْ كَوْنُهَا بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا جَاوَزَتْ التِّسْعَ بِالنِّسْبَةِ لِبَاقِي الْأَوْلِيَاءِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ - (تَسْمِيَةُ زَوْجٍ) نَائِبُ فَاعِلِ شُرِطَ (عَلَى وَجْهٍ تَقَعُ بِهِ) أَيْ: بِالزَّوْجِ (الْمَعْرِفَةُ) مِنْ الْمَرْأَةِ، بِأَنْ يَذْكُرَ لَهَا نَسَبَهُ وَمَنْصِبَهُ وَنَحْوَهُ مِمَّا يَتَّصِفُ بِهِ لِتَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ فِي إذْنِهَا فِي تَزْوِيجِهِ بِهَا. وَلَا يُشْتَرَطُ فِي اسْتِئْذَانٍ تَسْمِيَةُ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ رُكْنًا فِي النِّكَاحِ، وَلَا مَقْصُودًا مِنْهُ.
(وَمَنْ زَالَتْ بَكَارَتُهَا بِغَيْرِ وَطْءٍ) كَأُصْبُعٍ، أَوْ وَثْبَةٍ أَوْ شِدَّةِ حَيْضَةٍ أَوْ سُقُوطٍ مِنْ شَاهِقٍ (فَكَبِكْرٍ) فِي الْإِذْنِ، لِأَنَّهَا لَمْ تَخْتَرْ الْمَقْصُودَ، وَلَا وُجِدَ وَطْؤُهَا فِي الْقُبُلِ، فَأَشْبَهَتْ مَنْ لَمْ تَزُلْ عُذْرَتُهَا.
(وَيُجْبِرُ سَيِّدٌ عَبْدًا صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا) وَلَوْ بَالِغًا؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا مَلَكَ تَزْوِيجَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ، فَعَبْدُهُ الَّذِي كَذَلِكَ مَعَ مِلْكِهِ وَتَمَامِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ أَوْلَى، بِخِلَافِ عَبْدِهِ الْكَبِيرِ الْعَاقِلِ، وَتَقَدَّمَ، (وَ) يُجْبِرُ سَيِّدٌ (أَمَةً مُطْلَقًا) كَبِيرَةً كَانَتْ أَوْ صَغِيرَةً، بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا، قِنًّا أَوْ مُدَبَّرَةً، أَوْ أُمَّ وَلَدٍ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُ، وَالنِّكَاحُ عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَتِهَا؛ أَشْبَهَ عَقْدَ الْإِجَارَةِ، وَلِذَلِكَ مَلَكَ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا، وَبِهَذَا فَارَقَتْ الْعَبْدَ، وَلِأَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِذَلِكَ بِمَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ مَهْرِهَا وَوَلَدِهَا، وَتَسْقُطُ عَنْهُ نَفَقَتُهَا وَكِسْوَتُهَا؛ بِخِلَافِ الْعَبْدِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهَا مُبَاحَةً أَوْ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ كَأُخْتِهِ مِنْ رَضَاعٍ أَوْ مَجُوسِيَّةٍ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهَا لَهُ، وَإِنَّمَا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ لِعَارِضٍ.
وَلَا يُجْبِرُ سَيِّدٌ (مُكَاتَبًا أَوْ مُكَاتَبَةً) وَلَوْ صَغِيرَيْنِ، لِأَنَّهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْخَارِجَيْنِ عَنْ مِلْكِهِ، وَلِذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمَا، وَلَا يَمْلِكُ إجَارَتَهُمَا وَلَا أَخْذَ مَهْرِ الْمُكَاتَبَةِ
(وَيُعْتَبَرُ فِي) إنْكَاحِ (مُعْتِقِ بَعْضُهَا
إذْنُهَا) لِمَا فِيهَا مِنْ الْحُرِّيَّةِ، (وَ) يُعْتَبَرُ (إذْنُ مُعْتِقِهَا الذَّكَرِ وَإِذْنِ مَالِكِ الْبَقِيَّةِ) الَّتِي لَمْ تُعْتَقْ (كَالشَّرِيكَيْنِ) فِي أَمَةٍ فَيُعْتَبَرُ فِي نِكَاحِهَا إذْنُهُمَا (وَيَقُولُ كُلٌّ) مِنْ مَعْتُوقٍ وَمَالِكِ الْبَقِيَّةِ، أَوْ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ فِي الْمُشْتَرَكَةِ (حَيْثُ لَا تَوْكِيلَ) مِنْ وَاحِدٍ لِلْآخَرِ (زَوَّجْتُكهَا؛ فَلَا يَصِحُّ) أَنْ يَقُولَ:(زَوَّجْتُك بَعْضَهَا) لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَقْبَلُ التَّشْقِيصَ وَالتَّجَزُّؤَ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ، وَهَلْ يُعْتَبَرُ اتِّحَادُ زَمَنِ الْإِيجَابِ مِنْهُمَا، أَوْ يَجُوزُ تَرَتُّبُهُمَا، فِيهِ نَظَرٌ، قَالَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ. قَالَ فِي " شَرْحِ الْإِقْنَاعِ ": قُلْت: الْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ تَرَتُّبُهُمَا فِيهِ مَا دَامَا فِي الْمَجْلِسِ، وَلَمْ يَتَشَاغَلَا بِمَا يَقْطَعُهُ عُرْفًا، وَفِي اعْتِبَارِ اتِّحَادِهِ حَرَجٌ وَمَشَقَّةٌ.
الشَّرْطُ (الثَّالِثُ) مِنْ شُرُوطِ النِّكَاحِ (الْوَلِيُّ) نَصًّا (إلَّا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6] وَالْأَصْلُ فِي اشْتِرَاطِ الْوَلِيِّ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى مَرْفُوعًا: «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيَّ، وَصَحَّحَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَعِينٍ. قَالَهُ المروذي؛ وَقَالَ: سَأَلْت أَحْمَدَ وَيَحْيَى عَنْ حَدِيثِ: «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ» ، فَقَالَا: صَحِيحٌ، وَهُوَ لِنَفْيِ الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ، لَا اللُّغَوِيَّةِ، بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا:«أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكِحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا؛ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَنَاكِحُهَا بَاطِلٌ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا، فَإِنْ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ. لَا يُقَالُ: يُمْكِنُ حَمْلُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى عَلَى نَفْيِ الْكَمَالِ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الشَّارِعِ مَحْمُولٌ عَلَى الْحَقَائِقِ الشَّرْعِيَّةِ؛ أَيْ: لَا نِكَاحَ شَرْعِيٌ أَوْ مَوْجُودٌ فِي الشَّرْعِ إلَّا بِوَلِيٍّ، وَأَمَّا الْآيَةُ فَالنَّهْيُ عَنْ الْعَضْلِ عَمَّ الْأَوْلِيَاءَ، وَنَهْيُهُمْ عَنْهُ دَلِيلٌ عَلَى اشْتِرَاطِهِمْ؛ إذْ الْعَضَلُ لُغَةً: الْمَنْعُ، وَهُوَ شَامِلٌ لِلْعَضْلِ الْحِسِّيِّ وَالشَّرْعِيِّ، «ثُمَّ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ حِينَ امْتَنَعَ مِنْ تَزْوِيجِ أُخْتِهِ،
فَدَعَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَزَوَّجَهَا» وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِمَعْقِلٍ وِلَايَةٌ، وَأَنَّ الْحُكْمَ مُتَوَقِّفٌ عَلَيْهِ لَمَّا عُوتِبَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْإِضَافَةُ إلَيْهِنَّ، فَلِأَنَّهُنَّ مَحَلٌّ لَهُ (فَلَا يَصِحُّ) مِنْ امْرَأَةٍ (إنْكَاحُهَا لِنَفْسِهَا) لِمَا تَقَدَّمَ (أَوْ غَيْرِهَا) كَأَمَتِهَا وَبِنْتِهَا وَأُخْتِهَا وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَصِحَّ إنْكَاحُهَا لِنَفْسِهَا فَغَيْرُهَا أَوْلَى.
تَتِمَّةٌ
لَوْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا أَوْ غَيْرَهَا، أَوْ وَكَّلَتْ غَيْرَ وَلِيِّهَا فِي تَزْوِيجِهَا وَلَوْ بِإِذْنِ وَلِيِّهَا فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ؛ لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ؛ لِعَدَمِ وُجُودِ شَرْطِهِ، وَلِأَنَّهَا غَيْرُ مَأْمُونَةٍ عَلَى الْبُضْعِ؛ لِنَقْصِ عَقْلِهَا وَسُرْعَةِ انْخِدَاعِهَا؛ فَلَمْ يَجُزْ تَفْوِيضُهُ إلَيْهَا كَالْمُبَذِّرِ فِي الْمَالِ، وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ مِنْهَا لَمْ يَصِحَّ أَنْ تُوَكِّلَ فِيهِ، وَلَا أَنْ تَتَوَكَّلَ فِيهِ. وَرُوِيَ هَذَا عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَائِشَةَ، فَإِنْ حَكَمَ بِصِحَّتِهِ حَاكِمٌ، أَوْ كَانَ الْمُتَوَلِّي لِعَقْدِهِ حَاكِمًا يَرَاهُ، لَمْ يُنْقَضْ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأَنْكِحَةِ الْفَاسِدَةِ إذَا حَكَمَ بِهَا مَنْ يَرَاهَا لَمْ يُنْقَضْ؛ لِأَنَّهُ يَسُوغُ فِيهَا الِاجْتِهَادُ؛ فَلَمْ يَجُزْ نَقْضُ الْحُكْمِ بِهَا. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا (فَيُزَوِّجُ أَمَةً) لِأُنْثَى (مَحْجُورٍ عَلَيْهَا) لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ سَفَهٍ (وَلِيُّهَا فِي مَالِهَا) لِمَصْلَحَةٍ؛ لِأَنَّ الْأَمَةَ مَالٌ، وَالتَّزْوِيجَ تَصَرُّفٌ فِيهِ؛ وَكَذَا أَمَةُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ، (وَ) يُزَوِّجُ (أَمَةَ) امْرَأَةٍ (رَشِيدَةٍ مَنْ يُزَوِّجُ سَيِّدَتَهَا)، أَيْ: وَلِيُّ سَيِّدَتِهَا فِي النِّكَاحِ؛ لِامْتِنَاعِ وِلَايَةِ النِّكَاحِ فِي حَقِّهَا لِأُنُوثَتِهَا، فَتَثْبُتُ لِأَوْلِيَائِهَا كَوِلَايَةِ نَفْسِهَا، وَلِأَنَّهُمْ يَلُونَهَا لَوْ عَتَقَتْ، فَفِي حَالِ رَقِّهَا أَوْلَى (بِشَرْطِ إذْنِ السَّيِّدِ نُطْقًا، وَلَوْ) كَانَتْ سَيِّدَتُهَا (بِكْرًا) فَلَا بُدَّ مِنْ نُطْقِهَا بِالْإِذْنِ؛ لِأَنَّ صُمَاتَهَا إنَّمَا اُكْتُفِيَ بِهِ فِي تَزْوِيجِ نَفْسِهَا لِحَيَائِهَا، وَلَا تَسْتَحِي فِي تَزْوِيجِ أَمَتِهَا.
(وَلَا إذْنَ لِمَوْلَاةِ مُعْتَقَةٍ) فِي تَزْوِيجِهَا لِمِلْكِهَا نَفْسَهَا بِالْعِتْقِ، وَلَيْسَتْ الْمُعْتِقَةُ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ (وَيُزَوِّجُهَا) أَيْ: الْعَتِيقَةَ (بِإِذْنِهَا أَقْرَبُ عَصَبَتُهَا) أَيْ: الْعَتِيقَةِ نَسَبًا؛ كَأَبِيهَا، وَابْنِهَا وَأَخِيهَا وَنَحْوِهِمْ؛ لِأَنَّ عَصَبَةَ النَّسَبِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى عَصَبَةِ الْوَلَاءِ، فَإِنْ عُدِمَ عَصَبَتُهَا مِنْ النَّسَبِ، فَيُزَوِّجُهَا بِإِذْنِهَا أَقْرَبُ وَلِيٍّ لِسَيِّدَتِهَا الْمُعْتِقَةِ لَهَا؛ لِأَنَّ أَوْلِيَاءَ سَيِّدَتِهَا عَصَبَاتٌ يَرِثُونَ وَيَعْقِلُونَ،
فَكَذَلِكَ يُزَوِّجُونَ؛ وَإِذَا اجْتَمَعَ ابْنُ مُعْتِقَةِ وَأَبُوهَا (فَابْنٌ أَحَقُّ) بِتَزْوِيجِ عَتِيقَةِ أُمِّهِ (مِنْ أَبِ الْمُعْتِقَةِ) ؛ لِأَنَّ ابْنَ الْمَوْلَاةِ أَقْرَبُ مِنْ أَبِيهَا؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ بِمُقْتَضَى وَلَاءِ الْعِتْقِ، وَالْوَلَاءُ يُقَدَّمُ فِيهِ الِابْنُ عَلَى الْأَبِ.
تَنْبِيهٌ وَيُعْتَبَرُ فِي أَحَقِّيَّةِ ابْنِ الْمُعْتِقَةِ الْوِلَايَةَ مِنْ أَبِيهَا شَرْطَانِ: أَحَدُهُمَا: عَدَمُ الْعَصَبَةِ مِنْ النَّسَبِ؛ لِأَنَّ الْمُنَاسِبَ أَقْرَبُ مِنْ الْمُعْتِقِ وَأَوْلَى مِنْهُ. الثَّانِي: إذْنُ الْمُزَوَّجَةِ؛ لِأَنَّهَا حُرَّةٌ، وَلَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ إجْبَارٍ. فَإِنَّهُ أَبْعَدُ الْعَصَبَاتِ، وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى إذْنِ مَوْلَاتِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهَا وَلَا مِلْكَ؛ فَأَشْبَهَتْ الْقَرِيبَ الطِّفْلَ إذَا زَوَّجَ الْبَعِيدَ، (وَ) قِيلَ: إنَّهُ (يُجْبِرُ الْعَتِيقَةَ) أَيْ: عَتِيقَةَ الْمَرْأَةِ (مَنْ يُجْبِرُ مَوْلَاتَهَا) عَلَى النِّكَاحِ، فَلَوْ كَانَتْ الْعَتِيقَةُ بِكْرًا وَلِمَوْلَاتِهَا أَبٌ أَجْبَرَهَا كَمَوْلَاتِهَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا. وَقَالَ عَنْ عَدَمِ الْإِجْبَارِ: إنَّهُ الصَّحِيحُ الْمَقْطُوعُ بِهِ عِنْدَ صَاحِبِ " الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " وَهُوَ كَمَا قَالَ فِي الْكَبِيرَةِ، يَعْنِي إذَا كَانَتْ الْعَتِيقَةُ كَبِيرَةً فَلَا إجْبَارَ، بِخِلَافِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَمْ يَتِمَّ لَهَا تِسْعُ سِنِينَ، وَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ عَلَى التَّمْثِيلِ بِهَا فِي " شَرْحِ الْمُنْتَهَى ".
(وَالْأَحَقُّ بِإِنْكَاحِ حُرَّةٍ) مِنْ الْأَوْلِيَاءِ (أَبُوهَا) لِأَنَّ الْوَلَدَ مَوْهُوبٌ لِأَبِيهِ. قَالَ تَعَالَى: {وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى} [الأنبياء: 90] وَقَالَ إبْرَاهِيمُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} [إبراهيم: 39] وَقَالَ عليه الصلاة والسلام: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» وَإِثْبَاتُ وِلَايَةِ الْمَوْهُوبِ لَهُ عَلَى الْهِبَةِ أَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ، وَلِأَنَّ الْأَبَ أَكْمَلُ شَفَقَةً وَأَتَمَّ نَظَرًا، بِخِلَافِ الْمِيرَاثِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهَا مِنْ مَالِهِ وَلَهُ مِنْ مَالِهَا (فَأَبُوهُ وَإِنْ عَلَا) لِأَنَّ الْجَدَّ لَهُ إيلَادٌ وَتَعْصِيبٌ، فَيُقَدَّمُ عَلَى الِابْنِ وَابْنِهِ كَالْأَبِ، فَإِنْ اجْتَمَعَ أَجْدَادٌ فَأَوْلَاهُمْ أَقْرَبُهُمْ كَالْجَدِّ مَعَ الْأَبِ (فَابْنُهَا) أَيْ: الْحُرَّةِ (فَابْنُهُ وَإِنْ نَزَلَ) وَإِنْ اجْتَمَعَ أَبْنَاءُ الْأَبْنَاءِ؛ قُدِّمَ الْأَقْرَبُ؛ لِحَدِيثِ «أُمِّ سَلَمَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَرْسَلَ إلَيْهَا، فَقَالَتْ: لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَوْلِيَائِي شَاهِدًا،
فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لَيْسَ مِنْ أَوْلِيَائِك شَاهِدٌ وَلَا غَائِبٌ يَكْرَهُ ذَلِكَ، فَقَالَتْ: قُمْ يَا عُمَرُ فَزَوِّجْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَزَوَّجَهُ» . رَوَاهُ النَّسَائِيُّ. قَالَ الْأَثْرَمُ: قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ فَحَدِيثُ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، حِينَ زَوَّجَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُمَّهُ أُمَّ سَلَمَةَ، أَلَيْسَ كَانَ صَغِيرًا؟ قَالَ: وَمَنْ يَقُولُ كَانَ صَغِيرًا؟ لَيْسَ فِيهِ بَيَانٌ، وَلِأَنَّهُ عَدْلٌ مِنْ عَصَبَتِهَا، فَثَبَتَتْ لَهُ وِلَايَةُ تَزْوِيجِهَا كَأَخِيهَا (فَالْأَخُ لِأَبَوَيْنِ) كَالْمِيرَاثِ، (فَ) الْأَخُ (لِأَبٍ) لِأَنَّ وِلَايَةَ النِّكَاحِ حَقٌّ يُسْتَفَادُ بِالتَّعْصِيبِ، فَقُدِّمَ فِيهِ الْأَخُ كَالْمِيرَاثِ، وَكَاسْتِحْقَاقِ الْمِيرَاثِ بِالْوَلَاءِ (فَابْنُ أَخٍ لِأَبَوَيْنِ)(فَ) ابْنُ أَخٍ (لِأَبٍ، وَإِنْ سَفَلَا) أَيْ: ابْنُ الْأَخِ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ، وَيُقَدَّمُ مِنْهُمْ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ (فَعَمٌّ لِأَبَوَيْنِ فَعَمٌّ لِأَبٍ، ثُمَّ بَنُوهُمَا) أَيْ: الْعَمَّيْنِ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ (كَذَلِكَ) أَيْ: وَإِنْ سَفَلُوا يُقَدَّمُ ابْنُ الْعَمِّ لِأَبَوَيْنِ عَلَى ابْنِ الْعَمِّ لِأَبٍ (ثُمَّ أَقْرَبُ عَصَبَةِ نَسَبٍ) كَعَمِّ الْأَبِ، ثُمَّ بَنِيهِ، ثُمَّ عَمِّ الْجَدِّ، ثُمَّ بَنِيهِ كَذَلِكَ، وَإِنْ عَلَوْا (كَإِرْثٍ) أَيْ: تَرْتِيبِ الْوِلَايَةِ بَعْدَ الْإِخْوَةِ عَلَى تَرْتِيبِ الْمِيرَاثِ بِالتَّعْصِيبِ، فَأَحَقُّهُمْ بِالْمِيرَاثِ أَحَقُّهُمْ بِالْوِلَايَةِ، فَلَا يَلِي بَنُو أَبٍ أَعْلَى مَعَ بَنِي أَبٍ أَقْرَبَ مِنْهُ، وَإِنْ نَزَلَتْ دَرَجَتُهُمْ، وَأَوْلَى وَلَدُ كُلِّ أَبٍ أَقْرَبُهُمْ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الْوِلَايَةِ عَلَى الشَّفَقَةِ وَالنَّظَرِ، وَمَظِنَّتُهَا الْقَرَابَةُ، فَأَقْرَبُهُمْ أَشْفَقُهُمْ، وَلَا وِلَايَةَ لِغَيْرِ الْعَصَبَاتِ كَالْأَخِ لِأُمٍّ وَعَمٍّ لِأُمٍّ وَبَنِيهِ، وَالْخَالِ وَأَبِي الْأُمِّ وَنَحْوِهِمْ نَصًّا، لِقَوْلِ عَلِيٍّ: إذَا بَلَغَ النِّسَاءُ نَصَّ الْحَقَائِقِ فَالْعَصَبَةُ أَوْلَى، يَعْنِي إذَا أَدْرَكْنَ. رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي " الْغَرِيبِ " وَلِأَنَّ مَنْ لَيْسَ مِنْ عَصَبَتِهَا شَبِيهٌ بِالْأَجْنَبِيِّ مِنْهَا. (وَلَا يَسْقُطُ حَقُّ) وَلِيٍّ (أَقْرَبَ بِإِسْقَاطِهِ لَهُ) كَمَا لَوْ أَسْقَطَ نَصِيبَهُ مِنْ الْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ قَهْرًا عَلَيْهِ، وَكَذَا الْوِلَايَةُ فِي النِّكَاحِ؛ فَإِنَّهَا حَقٌّ اسْتَفَادَهُ بِسَبَبِ التَّعْصِيبِ، فَلَمْ يَسْقُطْ بِإِسْقَاطِهِ (ثُمَّ) يَلِي نِكَاحَ حُرَّةٍ عِنْدَ عَدَمِ عَصَبَتِهَا مِنْ النَّسَبِ (الْمَوْلَى الْمُنْعِمُ) بِالْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ يَرِثُهَا وَيَعْقِلُ عَنْهَا، فَكَانَ لَهُ تَزْوِيجُهَا وَقَدَّمُوا عَلَيْهِ عَصَبَةَ النَّسَبِ كَمَا قُدِّمُوا عَلَيْهِ فِي الْإِرْثِ (ثُمَّ عَصَبَتُهُ) ؛ أَيْ: الْمَوْلَى،
الْمُعْتِقِ بَعْدَهُ (فَالْأَقْرَبُ) كَالْمِيرَاثِ، ثُمَّ مَوْلَى الْمَوْلَى، ثُمَّ عَصَبَاتُهُ كَذَلِكَ ثُمَّ مَوْلَى الْمَوْلَى ثُمَّ عَصَبَاتُهُ كَذَلِكَ أَبَدًا (وَهُوَ هُنَا الِابْنُ وَإِنْ نَزَلَ) فَيُقَدَّمُ عَلَى أَبِيهِ؛ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِالْمِيرَاثِ وَأَقْوَى فِي التَّعْصِيبِ، وَإِنَّمَا قُدِّمَ الْأَبُ النَّسِيبُ؛ لِزِيَادَةِ شَفَقَتِهِ وَفَضِيلَةِ وِلَادَتِهِ، وَهَذَا مَعْدُومٌ فِي أَبِي الْمُعْتِقِ، فَرَجَعَ فِيهِ إلَى الْأَصْلِ، وَإِذَا كَانَ (ابْنَا عَمٍّ أَحَدُهُمَا أَخٌ لِأُمٍّ فَكَأَخٍ لِأَبَوَيْنِ) وَأَخٍ لِأَبٍ، أَيْ: فَيُقَدَّمُ ابْنُ الْعَمِّ الَّذِي هُوَ أَخٌ مِنْ أُمٍّ عَلَى مُقْتَضَى كَلَامِ الْقَاضِي وَطَائِفَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ (ثُمَّ) عِنْدَ عَدَمِ عَصَبَةِ النَّسَبِ وَالْوَلَاءِ يَلِي نِكَاحَ حُرَّةٍ (السُّلْطَانُ) لِأَنَّهُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا (وَهُوَ الْإِمَامُ) الْأَعْظَمُ (أَوْ نَائِبُهُ) الْحَاكِمُ أَوْ مَنْ فَوَّضْنَا إلَيْهِ الْأَنْكِحَةَ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْأَمِيرَ لَا يُزَوِّجُ، وَهُوَ مُقْتَضَى نَصِّ الْإِمَامِ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ: الْقَاضِي يَقْضِي فِي الْفُرُوجِ وَالْحُدُودِ وَالرَّجْمِ، وَصَاحِبِ الشُّرَطِ إنَّمَا هُوَ مُسَلَّطٌ فِي الْأَدَبِ وَالْجِنَايَةِ، لَيْسَ إلَيْهِ الْمَوَارِيثُ وَالْوَصَايَا وَالْفُرُوجُ وَالرَّجْمُ وَالْحُدُودُ، وَهُوَ إلَى الْقَاضِي أَوْ إلَى الْخَلِيفَةِ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ شَيْءٌ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ المروذي - فِي الرُّسْتَاقِ يَكُونُ فِيهِ الْوَالِي، وَلَيْسَ فِيهِ قَاضٍ يُزَوِّجُ إذَا احْتَاطَ لَهَا فِي الْمَهْرِ وَالْكُفْءِ -: أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى أَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِي التَّزْوِيجِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْأَظْهَرُ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ (وَلَوْ) كَانَ الْإِمَامُ أَوْ الْحَاكِمُ (مِنْ بُغَاةٍ إذَا اسْتَوْلَوْا عَلَى بَلَدٍ) لِأَنَّهُ يَجْرِي فِيهِ حُكْمُ سُلْطَانِهِمْ وَقَاضِيهِمْ مَجْرَى حُكْمِ الْإِمَامِ وَقَاضِيهِ.
وَإِذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ خُلُوَّهَا مِنْ الْمَوَانِعِ وَأَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا، زُوِّجَتْ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الْفُرُوعِ ".
فَائِدَةٌ وَمَنْ حَكَّمَهُ الزَّوْجَانِ بَيْنَهُمَا وَهُوَ صَالِحٌ لِلْحُكْمِ؛ فَهُوَ كَحَاكِمٍ مُوَلًّى مِنْ قِبَلِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ، وَلَا وِلَايَةَ لِمَنْ أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى يَدَيْهِ، وَلَا لِمُلْتَقِطٍ؛ لِأَنَّهُ لَا نَسَبَ وَلَا وَلَاءَ؛ لِحَدِيثِ:«الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» .
(فَإِنْ عُدِمَ الْكُلُّ) أَيْ: كُلُّ مَنْ ذُكِرَ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ، أَوْ عَضَلَ وَلِيُّهَا، وَلَمْ
يُوجَدْ غَيْرُهُ، وَعُدِمَ السُّلْطَانُ وَنَائِبُهُ مِنْ الْمَحَلِّ الَّذِي بِهِ الْحُرَّةُ (زَوَّجَهَا ذُو سُلْطَانٍ فِي مَكَانِهَا كَعَضْلِ) أَوْلِيَائِهَا مَعَ عَدَمِ إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ فِي مَكَانِهَا، فَيُزَوِّجُهَا وَالِي الْبَلَدِ أَوْ كَبِيرُهُ أَوْ أَمِيرُ الْقَافِلَةِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ سَلْطَنَةً؛ لِأَنَّ تَزْوِيجَ الْأَيَامَى فَرْضُ كِفَايَةٍ إجْمَاعًا، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ (فَإِنْ تَعَذَّرَ) ذُو سُلْطَانٍ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ (زَوَّجَهَا عَدْلٌ بِإِذْنِهَا قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ فِي دِهْقَانِ قَرْيَةٍ) بِكَسْرِ - الدَّالِ وَتُضَمُّ وَدَهَقَ الرَّجُلُ وَتَدَهْقَنَ: كَثُرَ مَالُهُ - (أَيْ: رَئِيسِهَا -: يُزَوِّجُ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا إذَا احْتَاطَ لَهَا فِي الْكُفْءِ وَالْمَهْرِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا قَاضٍ) لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْوَالِي فِي هَذَا الْحَالِ يَمْنَعُ النِّكَاحَ بِالْكُلِّيَّةِ فَلَمْ يَجُزْ كَاشْتِرَاطِ كَوْنِ الْوَلِيِّ عَصَبَةً فِي حَقِّ مَنْ لَا عَصَبَةَ لَهَا.
(وَإِنْ كَانَ) فِي الْبَلَدِ حَاكِمٌ (وَأَبَى التَّزْوِيجَ إلَّا بِظُلْمٍ كَطَلَبِهِ جُعْلًا لَا يَسْتَحِقُّهُ) إمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ مَا يَكْفِيهِ، أَوْ طَلَبَ زِيَادَةً عَلَى جُعْلِ مِثْلِهِ (فَوُجُودُهُ) أَيْ: الْحَاكِمِ (كَعَدَمِهِ) قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ " وَغَيْرُ عَاصِبٍ كَأَخٍ لِأُمٍّ وَخَالٍ وَعَمِّ لِأُمٍّ وَأَبِيهَا " حُكْمُهُ (كَأَجْنَبِيٍّ) إذْ لَا وِلَايَةَ بِغَيْرِ الْعَصَبَاتِ النَّسَبِيَّةِ وَالسَّبَبِيَّةِ.
(وَوَلِيُّ أَمَةٍ وَلَوْ) كَانَتْ (آبِقَةَ سَيِّدُهَا) الْمُكَلَّفُ الرَّشِيدُ؛ لِأَنَّهُ مَالِكُهَا، وَلَهُ التَّصَرُّفُ فِي رَقَبَتِهَا بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ؛ فَفِي التَّزْوِيجِ أَوْلَى (وَلَوْ) كَانَ السَّيِّدُ (فَاسِقًا) لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي مَالِهِ أَوْ كَانَ (مُكَاتَبًا أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ) فِي تَزْوِيجِ إمَائِهِ.
(وَمَنْ تَعَدَّدَ سَيِّدُهُ فَ) الْوِلَايَةُ (لِلْكُلِّ) وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ الِاسْتِقْلَالُ بِهَا بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ كَمَا لَا يَبِيعُهَا وَلَا يُؤَجِّرُهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَلَا يَتَأَتَّى تَزْوِيجُ نَصِيبِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَشَقَّصُ، فَإِنْ اشْتَجَرَ مَالِكُوهَا لَمْ يَكُنْ لِلسُّلْطَانِ وِلَايَةٌ؛ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لِمُكَلَّفٍ رَشِيدٍ حَاضِرٍ، وَلَا وِلَايَةَ عَلَيْهِ لِأَحَدٍ.
(وَيَتَّجِهُ مَعَ عَضْلِ) أَيْ: امْتِنَاعِ (بَعْضِهِمْ) أَيْ: الشُّرَكَاءِ مِنْ تَزْوِيجِهَا أَوْ غَيْبَةِ ذَلِكَ الْبَعْضِ (قِيَامُ حَاكِمٍ مَقَامَهُ) أَيْ: مَقَامَ الْمُمْتَنِعِ أَوْ الْغَائِبِ مِنْهُمْ؛ فَيُزَوِّجُهَا مَعَ مَنْ حَضَرَ مِنْهُمْ: بِطَلَبِهَا دَفْعًا لِضَرَرِهَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ فَإِنْ أَعْتَقُوهَا مَعًا أَوْ وَاحِدًا بَعْدَ آخَرَ، وَالْأَوَّلُ مُعْسِرٌ، وَلَيْسَ لَهَا عَصَبَةٌ مِنْ النَّسَبِ؛ فَهُمْ أَوْلِيَاؤُهَا
يُزَوِّجُونَهَا بِإِذْنِهَا، وَلَوْ تَفَاوَتُوا فِي الْعِتْقِ، فَإِنْ اشْتَجَرُوا قَامَ الْحَاكِمُ مَقَامَ الْمُمْتَنِعِ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ حُرَّةً، وَصَارَ نِكَاحُهَا حَقًّا لَهَا، وَلَا يَسْتَقِلُّ الْآخِرُ بِهِ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ سَبَبُهَا الْعِتْقُ، وَهُوَ إنَّمَا أَعْتَقَ بَعْضَهَا، وَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ أَوْ الْمُعْتِقَةُ وَاحِدًا وَلَهُ عَصَبَتَانِ كَالِابْنَيْنِ وَالْأَخَوَيْنِ، فَلِأَحَدِهِمَا الِاسْتِقْلَالُ بِتَزْوِيجِهَا بِإِذْنِهَا، كَمَا لَوْ كَانَ مِنْ النَّسَبِ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لَا يُورَثُ، وَإِنَّمَا زَوَّجَ بِكَوْنِهِ عَصَبَةً لِلْمُعْتِقِ، وَلَا تَبَعُّضَ فِي ذَلِكَ، بِخِلَافِ الْمُعْتَقَيْنِ وَعَصَبَتَيْهِمَا؛ وَلَا تَزُولُ الْوِلَايَةُ بِالْإِغْمَاءِ لِقِصَرِ مُدَّتِهِ عَادَةً كَالنَّوْمِ، وَلَا بِالْعَمَى لِأَنَّ الْأَعْمَى أَهْلٌ لِلشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ، فَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ كَالْبَصِيرِ، وَلَا بِالسَّفَهِ؛ لِأَنَّ رُشْدَ الْمَالِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي النِّكَاحِ، وَأَمَّا الْخَرَسُ فَإِنْ مَنَعَ فَهْمَ الْإِشَارَةِ أَزَالَ الْوِلَايَةَ، وَإِنْ لَمْ يَمْنَعْهَا لَمْ تَزُلْ الْوِلَايَةُ؛ لِأَنَّ الْأَخْرَسَ يَصِحُّ تَزَوُّجُهُ؛ فَصَحَّ تَزْوِيجُهُ، كَالنَّاطِقِ.
(وَشُرِطَ فِي وَلِيٍّ) سَبْعَةُ شُرُوطٍ: أَحَدُهَا - (ذُكُورِيَّةٌ) لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا يَثْبُتُ لَهَا وِلَايَةٌ عَلَى نَفْسِهَا فَعَلَى غَيْرِهَا أَوْلَى.
(وَ) الثَّانِي - (بُلُوغٌ) لِأَنَّ الْوِلَايَةَ يُعْتَبَرُ لَهَا كَمَالُ الْحَالِ؛ لِأَنَّهَا تَنْفِيذُ التَّصَرُّفِ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ مَوْلًى عَلَيْهِ لِقُصُورِ نَظَرِهِ؛ فَلَا تَثْبُتُ لَهُ وِلَايَةٌ كَالْمَرْأَةِ. قَالَ أَحْمَدُ: لَا يُزَوَّجُ الْغُلَامُ حَتَّى يَحْتَلِمَ، لَيْسَ لَهُ أَمْرٌ.
(وَ) الثَّالِثُ - (عَقْلٌ) فَلَا وِلَايَةَ لِمَجْنُونٍ مُطْبِقٍ (فَإِنْ جُنَّ) الْوَلِيُّ (أَحْيَانًا) أَوْ نَقَصَ عَقْلُهُ بِنَحْوِ مَنْ يُرْجَى زَوَالُهُ، أَوْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ (اُنْتُظِرَ) زَوَالُهُ ذَلِكَ (كَإِغْمَاءٍ) لِأَنَّ مُدَّتَهُ لَا تَطُولُ عَادَةً (وَلَا يَنْعَزِلُ وَكِيلُهُ) بِطَرَيَانِ مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَافِي الْوِلَايَةَ.
(وَ) الرَّابِعُ - (حُرِّيَّةٌ)
أَيْ: كَمَالُهَا؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ وَالْمُبَعَّضَ لَا يَسْتَقِلَّانِ بِالْوِلَايَةِ عَلَى أَنْفُسِهِمَا فَعَلَى غَيْرِهِمَا أَوْلَى (إلَّا مُكَاتَبًا يُزَوِّجُ أَمَتَهُ) بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، فَيَصِحُّ، وَتَقَدَّمَ.
وَالْخَامِسُ - (اتِّفَاقُ دِينِ) الْوَلِيِّ وَالْمُوَلَّى عَلَيْهَا، فَلَا وِلَايَةَ لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمَةٍ، وَكَذَا عَكْسُهُ، وَلَا لِنَصْرَانِيٍّ عَلَى مَجُوسِيَّةٍ وَنَحْوُهُ وَلَوْ بِنْتِهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ
جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَوَارُثَ بَيْنَهُمَا بِالنَّسَبِ (إلَّا السُّلْطَانَ) فَيُزَوِّجُ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا مِنْ الْكَوَافِرِ، لِعُمُومِ وِلَايَتِهِ عَلَى أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ، وَهَذِهِ مِنْ أَهْلِ الدَّارِ، فَتَثْبُتُ لَهُ الْوِلَايَةُ عَلَيْهَا كَالْمُسْلِمَةِ (وَإِلَّا أَمَةَ كَافِرٍ لِمُسْلِمٍ) فَلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا لِكَافِرٍ، وَكَذَا أَمَةٌ كَافِرَةٌ لِمُسْلِمَةٍ، فَيُزَوِّجُهَا وَلِيُّ سَيِّدَتِهَا عَلَى مَا سَبَقَ (وَإِلَّا أُمَّ وَلَدٍ لِكَافِرٍ أَسْلَمَتْ) فَيُزَوِّجُهَا لِمُسْلِمٍ؛ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَتُهُ. وَلِأَنَّهُ عَقَدَ عَلَيْهَا فَيَلِيَهُ كَإِجَارَتِهَا (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ (لَا) يَلِي كَافِرٌ نِكَاحَ (مُدَبَّرَتِهِ وَلَا مُكَاتَبَتِهِ) إذَا أَسْلَمَتَا، قَالَهُ فِي " الْهِدَايَةِ "، " وَالْمَذْهَبِ "" وَالْخُلَاصَةِ " وَغَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَبْقَيَانِ فِي مِلْكِهِ؛ لِصِحَّةِ بَيْعِهِمَا، بِخِلَافِ أُمِّ الْوَلَدِ، وَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ فِي الْمُنْتَهَى " وَغَيْرِهِ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (خِلَافًا لَهُ) أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ، فَإِنْ قَالَ: وَلَا يَلِي كَافِرٌ نِكَاحَ مُسْلِمَةٍ وَلَوْ بِنْتِهِ إلَّا إذَا أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِهِ وَمُكَاتَبَتُهُ وَمُدَبَّرَتُهُ؛ فَيَلِيَهُ، وَيُبَاشِرُهُ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمَذْهَبَ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ.
(وَ) السَّادِسُ - (عَدَالَةٌ) نَصًّا؛ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَا نِكَاحَ إلَّا بِشَاهِدَيْ عَدْلٍ وَوَلِيٍّ مُرْشِدٍ. قَالَ أَحْمَدُ: أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَرُوِيَ عَنْهُ مَرْفُوعًا. «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ، وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ أَنْكَحَهَا وَلِيٌّ مَسْخُوطٌ عَلَيْهِ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ» وَرَوَى الْبَرْقَانِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ» وَلِأَنَّهَا وِلَايَةٌ نَظَرِيَّةٌ؛ فَلَا يَسْتَبِدُّ بِهَا الْفَاسِقُ كَوِلَايَةِ الْمَالِ (وَلَوْ) كَانَتْ الْعَدَالَةُ (ظَاهِرَةً) فَيَكْفِي مَسْتُورُ الْحَالِ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْعَدَالَةِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا حَرَجٌ وَمَشَقَّةٌ، وَيُفْضِي إلَى بُطْلَانِ غَالِبِ الْأَنْكِحَةِ (إلَّا فِي سُلْطَانٍ) يُزَوِّجُ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا؛ فَلَا تُشْتَرَطُ عَدَالَتُهُ لِلْحَاجَةِ؛ (وَ) إلَّا فِي (سَيِّدِ أَمَةٍ) فَلَا تُشْتَرَطُ عَدَالَتُهُ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِهِ؛ كَمَا لَوْ أَجَرَهَا.
(وَ) السَّابِعُ - (رُشْدٌ) لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، (وَهُوَ) أَيْ: الرُّشْدُ هُنَا (مَعْرِفَةُ الْكُفْءِ وَمَصَالِحِ النِّكَاحِ) وَلَيْسَ هُوَ حِفْظَ الْمَالِ، فَإِنَّ رُشْدَ كُلِّ مَقَامٍ بِحَسَبِهِ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَهُوَ مَعْنَى مَا اشْتَرَطَهُ فِي " الْوَاضِحِ " مِنْ كَوْنِهِ عَالِمًا بِالْمَصَالِحِ، لَا شَيْخًا كَبِيرًا جَاهِلًا بِالْمَصْلَحَةِ. وَقَالَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمَا، وَيُقَدِّمُ الْوَلِيُّ أَصْلَحَ الْخَاطِبَيْنِ لِمُوَلِّيَتِهِ؛ لِأَنَّهُ أَحَظُّ لَهَا. وَفِي " النَّوَادِرِ ": يَنْبَغِي أَنْ يَخْتَارَ لِمُوَلِّيَتِهِ
حَسَنَ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ يُعْجِبُهَا مِنْ الرَّجُلِ مَا يُعْجِبُهُ مِنْهَا.
(فَإِنْ كَانَ الْأَقْرَبُ مِنْ) أَوْلِيَاءِ الْحُرَّةِ (نَحْوِ طِفْلٍ) يَعْنِي غَيْرَ بَالِغٍ (وَكَافِرٍ وَفَاسِقٍ) ظَاهِرِ الْفِسْقِ (وَقِنٍّ وَمَجْنُونٍ مُطْبِقٍ وَشَيْخٍ إذَا أَفْنَدَ) أَيْ: ضَعُفَ فِي الْعَقْلِ وَالتَّصَرُّفِ. قَالَ فِي " الْقَامُوسِ " الْفَنَدُ بِالتَّحْرِيكِ: إنْكَارُ الْعَقْلِ لِهَرَمٍ أَوْ مَرَضٍ، وَالْخَطَأُ فِي الْقَوْلِ وَالرَّأْيِ وَالْكَذِبُ كَالْإِفْنَادِ، وَلَا تَقُلْ: عَجُوزٌ مُفْنِدَةٌ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ ذَاتَ رَأْيٍ أَبَدًا (أَوْ) اتَّصَفَ الْأَقْرَبُ بِصِفَاتِ الْوِلَايَةِ، لَكِنْ (عَضَلَ بِأَنْ مَنَعَهَا كُفْئًا رَضِيَتْهُ وَرَغِبَ) فِيهَا (بِمَا صَحَّ مَهْرًا) وَلَوْ كَانَ بِدُونِ مَهْرِ مِثْلِهَا (وَيَفْسُقُ) الْوَلِيُّ (بِهِ) أَيْ: الْعَضْلِ (إنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ أَنَّهُ يَفْسُقُ إذَا تَكَرَّرَ الْعَضْلُ مِنْهُ (ثَلَاثًا) قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَلَا يُقَالُ: إنَّهُ بِالْعَضْلِ صَارَ فَاسِقًا؛ لِأَنَّ الْعَضْلَ قَدْ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ كَبِيرَةٌ حَتَّى يَتَكَرَّرَ، فَإِذَا تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ بِأَنْ خَطَبَهَا كُفْءٌ، فَمَنَعَ، وَآخَرُ فَمَنَعَ؛ وَآخَرُ فَمَنَعَ، صَارَ ذَلِكَ كَبِيرَةً تَمْنَعُ الْوِلَايَةَ؛ لِأَجْلِ الْإِضْرَارِ، وَلِأَجْلِ الْفِسْقِ: نَقَلَهُ الشَّيْخُ التَّقِيُّ فِي " الْمُسَوَّدَةِ "(وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّهُ) أَيْ الْعَاضِلَ مُوَلِّيَتَهُ عَنْ التَّزْوِيجِ بِكُفْءٍ رَضِيَتْهُ (لَا يُزَوِّجُ) مُوَلِّيَةً أُخْرَى (غَيْرَ مَعْضُولَةٍ) مِنْ جِهَتِهِ (بِفِسْقِهِ) بِعَضْلِهِ الْأُولَى وَفِقْدَانِهِ الْعَدَالَةَ الَّتِي هِيَ مِنْ أَهَمِّ شُرُوطِ الْوِلَايَةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَمِنْ) صُوَرِ (الْعَضْلِ) الْمُسْقِطِ لِوِلَايَتِهِ (لَوْ امْتَنَعَ الْخُطَّابُ لِشِدَّةِ الْوَلِيِّ. قَالَهُ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا حُرْمَةَ عَلَى الْوَلِيِّ هُنَا، لَأَنْ لَيْسَ لَهُ فِعْلٌ فِي ذَلِكَ (أَوْ غَابَ) الْأَقْرَبُ (غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً) وَلَمْ يُوَكِّلْ مَنْ يُزَوِّجَ؛ زَوَّجَ الْوَلِيُّ الْأَبْعَدُ (وَهِيَ) أَيْ: الْغَيْبَةُ الْمُنْقَطِعَةُ (مَا لَا تُقْطَعُ إلَّا بِكُلْفَةٍ وَمَشَقَّةٍ) نَصَّ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَتْ غَيْبَتُهُ (فَوْقَ مَسَافَةِ قَصْرٍ أَوْ دُونِهَا) قَالَ الْمُوَفَّقُ: وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ، فَإِنَّ التَّحْدِيدَ بَابُهُ التَّوْقِيفُ، وَلَا تَوْقِيفَ (خِلَافًا لَهُ) أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " لِتَحْدِيدِهِ الْمَسَافَةَ بِقَوْلِهِ: وَتَكُونُ فَوْقَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي " الْإِقْنَاعِ " هُوَ احْتِمَالٌ مَرْجُوحٌ (أَوْ جُهِلَ مَكَانُهُ) أَيْ الْأَقْرَبُ، بِأَنْ لَمْ يُعْلَمْ مَحَلُّهُ أَقَرِيبٌ هُوَ أَمْ بَعِيدٌ، أَوْ عُلِمَ
أَنَّهُ قَرِيبٌ، وَلَمْ يُعْلَمْ مَكَانُهُ (أَوْ تَعَذَّرَتْ مُرَاجَعَتُهُ) أَيْ: الْأَقْرَبِ (بِأَمْرٍ أَوْ) تَعَسَّرَتْ مُرَاجَعَتُهُ (بِحَبْسٍ) وَلَوْ كَانَ مَحْبُوسًا فِي مَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ (زَوَّجَ) فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا (حُرَّةً) وَلِيٌّ (أَبْعَدُ) وَهُوَ الَّذِي يَلِي الْأَقْرَبَ الْمَذْكُورَ فِي الْوِلَايَةِ أَمَّا إذَا كَانَ طِفْلًا أَوْ كَافِرًا وَهِيَ مُسْلِمَةٌ، أَوْ فَاسِقًا أَوْ عَبْدًا، فَلِعَدَمِ ثُبُوتِ الْوِلَايَةِ لِلْأَقْرَبِ مَعَ اتِّصَافِهِ بِمَا ذُكِرَ؛ فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، وَأَمَّا مَعَ عَضْلِ الْأَقْرَبِ أَوْ غَيْبَتِهِ الْغَيْبَةَ الْمَذْكُورَةَ، أَوْ تَعَذُّرِ مُرَاجَعَتِهِ فَلِتَعَذُّرِ التَّزْوِيجِ مِنْ جِهَتِهِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ جُنَّ، فَإِنْ عَضَلُوا كُلُّهُمْ زَوَّجَهَا حَاكِمٌ.
(وَ) زَوَّجَ (أَمَةً حَاكِمٌ) ؛ لِأَنَّ لَهُ نَظَرًا فِي مَالِ الْغَائِبِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ الْحَاكِمَ يُزَوِّجُ أَمَةَ مَنْ عُذِرَ بِشَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ (إنْ كَانَ لَا وَلِيَّ لَهَا) أَيْ: الْأَمَةِ (غَيْرُهُ) أَيْ: غَيْرُ سَيِّدِهَا الْمَعْذُورِ، أَمَّا إذَا كَانَتْ مُشْتَرَكَةً، وَاضْطُرَّتْ لِلْفِرَاشِ؛ فَلِلْحَاضِرِ تَزْوِيجُهَا كَالْحُرَّةِ يُزَوِّجُهَا الْأَبْعَدُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْأَقْرَبِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَإِنْ زَوَّجَ) امْرَأَةً (حَاكِمٌ) مَعَ وُجُودِ وَلِيِّهَا؛ لَمْ يَصِحَّ (أَوْ) زَوَّجَهَا وَلِيٌّ (أَبْعَدُ بِلَا عُذْرٍ لِلْأَقْرَبِ) إلَيْهَا مِنْهُ (لَمْ يَصِحَّ) وَلَوْ أَجَازَهُ الْأَقْرَبُ، لِأَنَّ الْحَاكِمَ وَالْأَبْعَدَ لَا وِلَايَةَ لَهُمَا مَعَ مَنْ هُوَ أَحَقُّ مِنْهُمَا؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ زَوَّجَهَا أَجْنَبِيٌّ (فَلَوْ كَانَ الْأَقْرَبُ) عِنْدَ تَزْوِيجِ الْحَاكِمِ، أَوْ الْأَبْعَدِ (لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ عَصَبَةٌ) ثُمَّ عَلِمَ بَعْدَ الْعَقْدِ لَمْ يُعِدْ (أَوْ) كَانَ الْمَعْهُودُ عَدَمَ أَهْلِيَّةِ الْأَقْرَبِ لِصِغَرٍ وَنَحْوِهِ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ (صَارَ) أَهْلًا (أَوْ عَادَ أَهْلًا) فَزَوَّجَ (بَعْدَ مُنَافٍ) كَالْجُنُونِ (ثُمَّ عَلِمَ) أَنَّهُ صَارَ أَهْلًا أَوْ عَادَ أَهْلًا قَبْلَ تَزْوِيجِهَا؛ لَمْ يُعِدْ الْعَقْدَ (أَوْ اسْتَلْحَقَ بِنْتَ مُلَاعَنَةٍ أَبٌ بَعْدَ عَقْدِ) وَلِيِّهَا عَلَيْهَا (لَمْ يُعِدْ) الْعَقْدَ اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ.
(وَيَلِي كِتَابِيٌّ نِكَاحَ مُوَلِّيَتِهِ) كَبِنْتِهِ وَأُخْتِهِ (الْكِتَابِيَّةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 73](حَتَّى) فِي تَزْوِيجِهَا (مِنْ مُسْلِمٍ) ؛ لِأَنَّهُ وَلِيُّهَا، فَيَصِحُّ أَنْ يُزَوِّجَهَا