الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ فِي الْمُفَوِّضَةِ]
(الْمُفَوِّضَةُ) بِكَسْرِ الْوَاوِ وَفَتْحِهَا، فَالْكَسْرُ عَلَى إضَافَةِ الْفِعْلِ لِلْمَرْأَةِ عَلَى أَنَّهَا فَاعِلَةٌ، وَالْفَتْحُ عَلَى إضَافَتِهِ لِوَلِيِّهَا، وَالتَّفْوِيضُ فِي اللُّغَةِ الْإِهْمَالُ كَأَنَّ الْمَهْرَ أُهْمِلَ حَيْثُ لَمْ يُسَمَّ، قَالَ الشَّاعِرُ:
لَا يَصْلُحُ النَّاسُ فَوْضَى لَا سَرَاةَ لَهُمْ
…
وَلَا سَرَاةَ إذَا جُهَّالُهُمْ سَادُوا
وَالتَّفْوِيضُ (ضَرْبَانِ تَفْوِيضُ بِضْعٍ) وَهُوَ الَّذِي يَنْصَرِفُ الْإِطْلَاقُ إلَيْهِ (بِأَنْ يُزَوِّجَ أَبٌ بِنْتَهُ الْمُجْبَرَةَ) بِلَا مَهْرٍ (أَوْ) يُزَوِّجَ الْأَبُ (غَيْرَهَا بِإِذْنِهَا) بِلَا مَهْرٍ (أَوْ) يُزَوِّجَ (غَيْرَ الْأَبِ) كَأَخٍ يُزَوِّجُ مُوَلِّيَتَهُ (بِإِذْنِهَا بِلَا مَهْرٍ) سَوَاءٌ سَكَتَ عَنْ الصَّدَاقِ أَوْ شَرَطَ نَفْيَهُ، فَيَصِحُّ الْعَقْدُ، وَيَجِبُ بِهِ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: 236] وَلِحَدِيثِ «ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْمَرْأَةِ الَّتِي يَتَزَوَّجُهَا رَجُلٌ، وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا صَدَاقًا، وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَتَّى مَاتَ، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَهَا صَدَاقُ نِسَائِهَا، لَا وَكْسَ وَلَا شَطَطَ، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ، وَلَهَا الْمِيرَاثُ، فَقَامَ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ الْأَشْجَعِيُّ فَقَالَ: قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ امْرَأَةٌ مِنَّا، مِثْلَ مَا قَضَيْت» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَلِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ النِّكَاحِ الْوَصْلَةَ وَالِاسْتِمْتَاعَ، دُونَ الصَّدَاقِ، فَصَحَّ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِهِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ: زَوَّجْتُك بِغَيْرِ مَهْرٍ، أَوْ يَزِيدَ لَا فِي الْحَالِ وَلَا فِي الْمَآلِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ. قَالَ فِي " الْقَامُوسِ ": الْوَكْسُ كَالْوَعْدِ - النُّقْصَانُ. وَالشَّطَطُ: الظُّلْمُ وَالتَّبَاعُدُ عَنْ الْحَقِّ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: (تَفْوِيضُ مَهْرٍ) بِأَنْ يَجْعَلَ الْمَهْرَ إلَى رَأْيِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ أَوْ غَيْرِهِمَا (كَ) قَوْلُهُ زَوَّجْتُك بِنْتِي أَوْ أُخْتِي أَوْ نَحْوِهِمَا (عَلَى مَا شَاءَتْ) الزَّوْجَةُ (أَوْ) عَلَى مَا (شَاءَ) الزَّوْجُ، (أَوْ) عَلَى مَا شَاءَ (فُلَانٌ وَهُوَ أَجْنَبِيٌّ) غَيْرَ الزَّوْجَيْنِ، أَوْ يَقُولَ الْوَلِيُّ: زَوَّجْتُكهَا عَلَى مَا شِئْنَا أَوْ عَلَى حُكْمِنَا أَوْ حُكْمِك أَوْ حُكْمِ زَيْدٍ (فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ) فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ (وَيَجِبُ بِهِ مَهْرُ الْمِثْلِ) ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَأْذَنْ فِي تَزْوِيجِهَا إلَّا عَلَى صَدَاقٍ وَلَكِنَّهُ مَجْهُولٌ، فَسَقَطَ لِجَهَالَتِهِ، وَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ (حَالَةَ عَقْدٍ) فِي الضَّرْبَيْنِ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِكُ الْمُطَالَبَةَ بِهِ، فَكَانَ وَاجِبًا كَالْمُسَمَّى، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِبْ بِالْعَقْدِ لِمَا اسْتَقَرَّ بِالْمَوْتِ (وَلَهَا مَعَ ذَلِكَ) أَيْ: التَّفْوِيضِ طَلَبُ فَرْضِهِ، (وَ) لَهَا (مَعَ فَسَادِ تَسْمِيَةٍ) كَأَنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى نَحْوِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ (طَلَبُ فَرْضِهِ) قَبْلَ دُخُولٍ وَبَعْدَهُ، فَإِنْ امْتَنَعَ أُجْبِرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَخْلُو مِنْ مَهْرٍ، قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا.
(وَيَصِحُّ إبْرَاؤُهَا) أَيْ: الزَّوْجَةِ (لَهُ) أَيْ لِزَوْجِهَا (مِنْهُ) أَيْ: مَهْرِ الْمِثْلِ (قَبْلَ فَرْضِهِ) لِانْعِقَادِ سَبَبِ وُجُوبِهِ وَهُوَ النِّكَاحُ كَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ بَعْدَ الْجُرْحِ (فَإِذَا حَصَلَ) مِنْ الزَّوْجِ فِعْلٌ (مُقَرِّرٌ) لِصَدَاقِ مَنْ أَبْرَأَتْهُ مِنْهُ كَدُخُولِهِ بِهَا (فَلَا شَيْءَ لَهَا) لِأَنَّهَا أَبْرَأَتْهُ بِاخْتِيَارِهَا (وَإِنْ طَلُقَتْ) مَنْ أَبْرَأَتْ زَوْجَهَا مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ قَبْلَ دُخُولٍ (فَ) لَهَا عَلَيْهِ (الْمُتْعَةُ) ؛ لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ: {وَمَتِّعُوهُنَّ} [البقرة: 236] فَأَوْجَبَ لَهَا الْمُتْعَةَ بِالطَّلَاقِ.
(فَإِنْ تَرَاضَيَا) أَيْ: الزَّوْجَانِ الْجَائِزَا التَّصَرُّفِ (فِي فَرْضِهِ) أَيْ الْمَهْرِ (وَلَوْ عَلَى) شَيْءٍ (قَلِيلٍ صَحَّ) سَوَاءٌ كَانَا عَالِمَيْنِ مَهْرَ الْمِثْلِ أَوْ لَا، وَلَهَا مَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا؛ لِأَنَّهُ إنْ فَرَضَ لَهَا كَثِيرًا فَقَدْ بَذَلَ لَهَا مِنْ مَالِهِ فَوْقَ مَا يَلْزَمُهُ، وَإِنْ فَرَضَ لَهَا يَسِيرًا فَقَدْ رَضِيَتْ بِدُونِ مَا وَجَبَ لَهَا وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ لِحَظِّهِ؛ فَلَيْسَ لِوَلِيِّهِ بَذْلُ أَكْثَرِ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا، وَإِنْ كَانَتْ كَذَلِكَ
فَلَيْسَ لِوَلِيِّهَا الرِّضَى بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا (وَإِلَّا) يَتَرَاضَيَا عَلَى شَيْءٍ (فَرَضَهُ حَاكِمٌ بِقَدْرِهِ) أَيْ: مَهْرِ الْمِثْلِ، لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ مَيْلٌ عَلَى الزَّوْجِ، وَالنَّقْصُ عَنْهُ مَيْلٌ عَلَى الزَّوْجَةِ، وَلَا يَحِلُّ الْمَيْلُ، وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يُفْرَضُ بَدَلُ الْبُضْعِ فَيُقَدَّرُ بِقَدْرِهِ، كَسِلْعَةٍ أُتْلِفَتْ يُقَوِّمُهَا بِمَا يَقُولُهُ أَهْلُ الْخِبْرَةِ.
(وَيُعْتَبَرُ مَعْرِفَةُ قَدْرِ مَهْرِ مِثْلٍ لِيُتَوَصَّلَ) لِإِمْكَانِ (فَرْضِهِ) وَمَتَى صَحَّ الْفَرْضُ صَارَ الْمَهْرُ كَالْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ أَنَّهُ تَنَصَّفَ بِالطَّلَاقِ، وَلَا تَجِبُ الْمُتْعَةُ مَعَهُ (وَ) إذَا فَرَضَهُ الْحَاكِمُ فَإِنَّهُ (يَلْزَمُهَا فَرْضُهُ) لِمَهْرِ الْمِثْلِ (كَ) مَا يَلْزَمُهَا (حُكْمُهُ) يَعْنِي يَلْزَمُ الزَّوْجَيْنِ مَا فَرَضَهُ الْحَاكِمُ رَضِيَا بِهِ أَوْ لَمْ يَرْضَيَا، كَمَا يَلْزَمُهَا حُكْمُهُ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " (فَدَلَّ) عَلَى (أَنَّ ثُبُوتَ سَبَبِ الْمُطَالَبَةِ) وَهُوَ هُنَا فَرْضُ الْحَاكِمِ؛ فَإِنَّ مُجَرَّدَ فَرْضِهِ سَبَبٌ لِمُطَالَبَتِهَا قَالَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ " (كَتَقْدِيرِهِ) أَيْ: الْحَاكِمِ (أُجْرَةَ مِثْلٍ وَنَفَقَةٍ) وَكِسْوَةٍ وَمَسْكَنِ مِثْلٍ أَوْ جَعْلِ (حُكْمٍ) قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: أَيْ: مُتَضَمَّنٌ لِلْحُكْمِ، وَلَيْسَ بِحُكْمٍ صَرِيحٍ (فَلَا يُغَيِّرُهُ حَاكِمٌ آخَرُ) لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ لَا يُنْتَقَضُ بِالِاجْتِهَادِ (مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ السَّبَبُ كَيُسْرِ) مُنْفِقٍ (أَوْ عُسْرَةِ مُنْفِقٍ) فِي نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ وَغَلَاءٍ وَرُخْصٍ فِي أُجْرَةِ الْمِثْلِ، فَإِنْ تَغَيَّرَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ بِالِاجْتِهَادِ الثَّانِي، وَلَيْسَ نَقْضًا لِلْأَوَّلِ.
تَنْبِيهٌ: وَإِنْ فَرَضَ لَهَا غَيْرُ الزَّوْجِ وَالْحَاكِمِ مَهْرَ مِثْلِهَا فَرَضِيَتْهُ لَمْ يَصِحَّ فَرْضُهُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزَوْجٍ وَلَا حَاكِمٍ. (فَإِنْ حَصَلَ قَبْلَ فَرْضِهِ) أَيْ: الْحَاكِمِ (مَا يُسْقِطُ الْمَهْرَ) كَمَا لَوْ فَسَخَ نِكَاحَهَا لِرِدَّتِهَا أَوْ إرْضَاعِهَا مِمَّنْ يَنْفَسِخُ بِهِ نِكَاحُهَا (فَلَا مُتْعَةَ) لَهَا؛ لِقِيَامِ الْمُتْعَةِ مَقَامَ نِصْفِ الْمُسَمَّى، فَسَقَطَتْ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَسْقُطُ فِيهِ (أَوْ) حَصَلَ قَبْلَ قَبْضِهِ (مَا يُقَرِّرُهُ) كَالدُّخُولِ (فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ) لِأَنَّ الدُّخُولَ يُوجِبُ اسْتِقْرَارَ الْمُسَمَّى، فَكَذَا مَهْرُ الْمِثْلِ، لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمَعْنَى الْمُوجِبِ؛ لِلِاسْتِقْرَارِ (وَلَا مُتْعَةَ) لَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ بَلْ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَكَالدُّخُولِ سَائِرُ مَا يُقَرِّرُ الصَّدَاقَ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ وَجَبَ لَهَا الْمَهْرُ لَمْ تَجِبْ لَهَا مُتْعَةٌ؛ سَوَاءٌ كَانَتْ مِمَّنْ سَمَّى لَهَا صَدَاقًا أَوْ لَا، وَلِأَنَّهَا وَجَبَ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ فَلَمْ تَجِبْ لَهَا الْمُتْعَةُ، لِأَنَّهَا كَالْبَدَلِ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ (أَوْ) حَصَلَ قَبْلَ فَرْضِهِ (مَا يُنَصِّفُهُ) أَيْ الْمَهْرَ كَرِدَّةِ الزَّوْجِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَطَلَاقِهِ
الزَّوْجَةَ (فَ) لَهَا (الْمُتْعَةُ) نَصًّا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ.
(وَهِيَ) أَيْ الْمُتْعَةُ (مَا يَجِبُ عَلَى زَوْجٍ) حُرٍّ (لِ) زَوْجَةٍ (حُرَّةٍ أَوْ) مَا يَجِبُ عَلَى (سَيِّدِهِ) أَيْ: الْقِنِّ (لِ) زَوْجَةٍ (حُرَّةٍ) زَوَّجَهُ بِهَا (أَوْ) مَا يَجِبُ عَلَى (سَيِّدِ) قِنٍّ لِسَيِّدِ (أَمَةٍ) أَوْ مَا يَجِبُ عَلَى حُرٍّ لِسَيِّدِ أَمَةٍ بِطَلَاقِهَا قَبْلَ دُخُولٍ فَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَالْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ، وَالْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ، وَالْمُسْلِمَةِ وَالذِّمِّيَّةِ. (وَلَوْ عَتَقَتْ) أَمَةٌ فَوَّضَ سَيِّدُهَا مَهْرَهَا (أَوْ بِيعَتْ) ثُمَّ فَرَضَ لَهَا الْمَهْرَ؛ كَانَ الْمَهْرُ لِمُعْتَقِهَا أَوْ بَائِعِهَا (لِأَنَّ الْمَهْرَ وَجَبَ بِالْعَقْدِ لِمَنْ لَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا) أَصْلًا (أَوْ سَمَّى) لَهَا مَهْرًا (فَاسِدًا) كَخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ (خِلَافًا الْجَمْعُ) مِنْهُمْ الْخِرَقِيِّ وَالشِّيرَازِيُّ وَالْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمْ، وَاَلَّذِي اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمْ كَصَاحِبِ " الرِّعَايَتَيْنِ "" وَالنَّظْمِ " وُجُوبُ الْمُتْعَةِ دُونَ نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَهُوَ مَفْهُومُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي " التَّنْقِيحِ " وَتَبِعَهُ فِي الْمُنْتَهَى " وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ الْفَاسِدَةَ كَعَدَمِهَا، فَأَشْبَهَتْ الْمُفَوِّضَةَ (عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ) نَصًّا اعْتِبَارًا بِحَالِ الزَّوْجَةِ لِلْآيَةِ (فَأَعْلَاهَا) أَيْ: الْمُتْعَةِ (خَادِمٌ عَلَى) زَوْجٍ (مُوسِرٍ) وَالْخَادِمُ الرَّقِيقُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى (وَأَدْنَاهَا) أَيْ: الْمُتْعَةِ (كِسْوَةٌ تُجْزِئُهَا) أَيْ: الزَّوْجَةِ (فِي صَلَاتِهَا) وَهِيَ دِرْعٌ وَخِمَارٌ أَوْ ثَوْبٌ تُصَلِّي فِيهِ بِحَيْثُ يَسْتُرُ مَا يَجِبُ سَتْرُهُ (عَلَى مُعْسِرٍ) أَيْ: فَقِيرٍ؛ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَعْلَى الْمُتْعَةِ خَادِمٌ، ثُمَّ دُونَ ذَلِكَ النَّفَقَةُ، ثُمَّ دُونَ ذَلِكَ الْكِسْوَةُ، وَقُيِّدَتْ بِمَا يُجْزِئُهَا فِي صَلَاتِهَا، لِأَنَّ ذَلِكَ أَقَلُّ الْكِسْوَةِ.
(وَلَا تَسْقُطُ مُتْعَةٌ بِهِبَتِهَا) أَيْ: الْمَرْأَةِ (لَهُ) أَيْ: الزَّوْجِ وَإِبْرَائِهَا إيَّاهُ مِنْ (مَهْرِ مِثْلٍ قَبْلَ فُرْقَةٍ) لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى: {وَمَتِّعُوهُنَّ} [البقرة: 236] وَلِأَنَّهَا إنَّمَا وَهَبَتْهُ مَهْرَ الْمِثْلِ فَلَا تَدْخُلُ فِيهِ الْمُتْعَةُ، وَلَا يَصِحُّ إسْقَاطُهَا قَبْلَ الْفُرْقَةِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَجِبْ بَعْدُ
كَإِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ قَبْلَ الْبَيْعِ، وَإِنْ وَهَبَ الزَّوْجُ لِلْمُفَوِّضَةِ شَيْئًا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ دُخُولٍ وَفَرْضٍ؛ فَلَهَا الْمُتْعَةُ نَصًّا؛ لِأَنَّ الْمُتْعَةَ إنَّمَا تَجِبُ بِالطَّلَاقِ؛ فَلَا يَصِحُّ قَضَاؤُهَا قَبْلَهُ، وَكَنِصْفِ الْمُسَمَّى.
(وَتُسَنُّ مُتْعَةٌ لِمُطَلَّقَةٍ بَعْدَ دُخُولٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 241] الْآيَةَ. وَلَمْ تَجِبْ، لِأَنَّهُ تَعَالَى قَسَّمَ الْمُطَلَّقَاتِ قِسْمَيْنِ؛ وَأَوْجَبَ الْمُتْعَةَ لِغَيْرِ الْمَفْرُوضِ لَهُنَّ، وَنِصْفَ الْمُسَمَّى لِلْمَفْرُوضِ لَهُنَّ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى اخْتِصَاصِ كُلِّ قِسْمٍ بِحُكْمِهِ وَلَا مُتْعَةَ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا؛ لِأَنَّ النَّصَّ لَمْ يَتَنَاوَلْهَا، وَإِنَّمَا تَنَاوَلَ الْمُطَلَّقَاتِ، وَمُتْعَةُ الْأَمَةِ لِسَيِّدِهَا كَمَهْرِهَا، لِأَنَّهَا بَدَلٌ عَنْ نِصْفِهِ كَمَا مَرَّ.
(وَيَجُوزُ دُخُولٌ بِزَوْجَةٍ قَبْلَ إعْطَائِهَا شَيْئًا؛ وَلَوْ) كَانَتْ الزَّوْجَةُ (مُفَوِّضَةً) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ: «أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أُدْخِلَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَهَا شَيْئًا» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
وَلِأَنَّهُ عِوَضٌ فِي عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ فَلَمْ يَقِفْ جَوَازُ تَسْلِيمِ الْمُعَوَّضِ عَلَى قَبْضِ شَيْءٍ مِنْهُ، كَالثَّمَنِ فِي الْمَبِيعِ، وَالْأُجْرَةِ فِي الْإِجَارَةِ.
(وَيُسْتَحَبُّ إعْطَاؤُهَا شَيْئًا قَبْلَ الدُّخُولِ) لَمَا رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِهِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَنَّ عَلِيًّا لَمَّا تَزَوَّجَ فَاطِمَةَ أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَمَنَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى يُعْطِيَهَا شَيْئًا، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَيْسَ لِي شَيْءٌ. فَقَالَ: أَعْطِهَا دِرْعَك، فَأَعْطَاهَا دِرْعَهُ، ثُمَّ دَخَلَ بِهَا» .
وَهَذَا وَشِبْهَهُ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُعْطِيَهَا شَيْئًا قَبْلَ الدُّخُولِ مُوَافَقَةً لِلْأَخْبَارِ؛ وَلِعَادَةِ النَّاسِ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَلِتَخْرُجَ الْمُفَوِّضَةُ عَنْ شِبْهِ الْمَوْهُوبَةِ، وَلِيَكُونَ ذَلِكَ أَقْطَعَ لِلْخُصُومَةِ.
(وَمَهْرُ الْمِثْلِ مُعْتَبَرٌ بِمَنْ يُسَاوِيهَا مِنْ جَمِيعِ أَقَارِبِهَا) أَيْ: الْمُفَوِّضَةِ (كَأُمٍّ وَأُخْتٍ وَخَالَةٍ وَعَمَّةٍ وَغَيْرِهِنَّ) كَبِنْتِ أَخٍ وَبِنْتِ عَمٍّ (الْقُرْبَى فَالْقُرْبَى) لِمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «وَلَهَا صَدَاقُ نِسَائِهَا» لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تُنْكَحُ لِحَسَبِهَا، لِلْأَثَرِ، وَحَسَبُهَا يَخْتَصُّ بِهِ أَقَارِبُهَا وَيَزْدَادُ الْمَهْرُ لِذَلِكَ، وَيَقِلُّ لِعَدَمِهِ، وَيُعْتَبَرُ التَّسَاوِي (فِي مَالٍ وَجَمَالٍ وَعَقْلٍ وَأَدَبٍ وَسِنٍّ وَبَكَارَةٍ أَوْ ثُيُوبَةٍ وَبَلَدٍ) وَصَرَاحَةِ نَسَبِهَا وَكُلِّ مَا يَخْتَلِفُ لِأَجَلِهِ بِالصَّدَاقِ، لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ بَدَلُ مُتْلَفٍ وَهَذِهِ الصِّفَاتُ مَقْصُودَةٌ فِيهِ فَاعْتُبِرَتْ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ) فِي نِسَائِهَا (إلَّا دُونَهَا زِيدَتْ بِقَدْرِ فَضِيلَتِهَا) لِأَنَّ زِيَادَةَ فَضِيلَتِهَا تَقْتَضِي زِيَادَةَ مَهْرِهَا فَتُقَدَّرُ الزِّيَادَةُ بِقَدْرِ الْفَضِيلَةِ (أَوْ) لَمْ يُوجَدْ فِي نِسَائِهَا (إلَّا فَوْقَهَا نَقَصَتْ بِقَدْرِ نَقْصِهَا) كَأَرْشِ الْعَيْبِ يُقَدَّرُ بِقَدْرِ نِصْفِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَثَرًا فِي تَنْقِيصِ الْمَهْرِ، فَوَجَبَ أَنْ يَتَرَتَّبَ بِحَسَبِهِ (وَتُعْتَبَرُ عَادَةُ) نِسَائِهَا (فِي تَأْجِيلِ) مَهْرٍ أَوْ بَعْضِهِ (وَغَيْرِهِ) فَإِنْ كَانَ عَادَةُ عَشِيرَتِهَا التَّأْجِيلُ فِي الْمَهْرِ فُرِضَ مُؤَجَّلًا وَإِلَّا فُرِضَ حَالًّا؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مُتْلَفٍ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حَالًّا كَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ، وَإِنْ كَانَ عَادَتُهُمْ تَسْمِيَةُ مَهْرٍ كَثِيرٍ لَا يَسْتَوْفُونَهُ قَطُّ، فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَا يُقَالُ مَهْرُ الْمِثْلِ بَدَلُ مُتْلَفٍ، فَوَجَبَ أَنْ يَخْتَلِفَ كَسَائِرِ الْمُتْلَفَاتِ، لِأَنَّ النِّكَاحَ يُخَالِفُ سَائِرَ الْمُتْلَفَاتِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ أَعْيَانُ الزَّوْجَيْنِ، بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْمُتْلَفَاتِ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الْمَالِيَّةُ خَاصَّةً، فَلِذَلِكَ لَمْ تَخْتَلِفْ بِاخْتِلَافِ الْعَوَائِدِ (فَإِنْ اخْتَلَفَتْ) عَادَتُهُنَّ فِي الْحُلُولِ وَالتَّأْجِيلِ (أَوْ) اخْتَلَفَتْ (الْمُهُورُ) قِلَّةً وَكَثْرَةً (أَخَذَ) بِمَهْرٍ (وَسَطٍ) لِأَنَّهُ الْعَدْلُ (حَالٌّ) مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ، فَإِنْ تَعَدَّدَ فَمِنْ غَالِبِهِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مُتْلَفٍ، فَأَشْبَهَ قِيَمَ الْمُتْلَفَاتِ.
(وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَقَارِبُ) مِنْ النِّسَاءِ (كَلَقِيطَةٍ اُعْتُبِرَ شِبْهُهَا بِنِسَاءِ بَلَدِهَا) لِأَنَّ ذَلِكَ لَهُ أَثَرٌ فِي الْجُمْلَةِ (فَإِنْ عُدِمْنَ) أَيْ نِسَاءُ بَلَدِهَا بِأَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِنَّ مَنْ يُشْبِهُهَا (فَ) الِاعْتِبَارُ (بِأَقْرَبِ النِّسَاءِ شَبَهًا بِهَا مِنْ أَقْرَبِ بَلَدٍ إلَيْهَا) لِأَنَّ الْإِضَافَةَ فِي قَوْلِهِ: وَلَهَا صَدَاقُ نِسَائِهَا لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ فَإِنْ تَعَذَّرَ أَقَارِبُهَا اُعْتُبِرَ أَقْرَبُ النِّسَاءِ شَبَهًا بِهَا مِنْ غَيْرِهِنَّ، كَمَا تُعْتَبَرُ