الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ إعْفَافُ مَنْ تَجِبُ لَهُ النَّفَقَةُ]
فَصْلٌ:
(وَيَجِبُ إعْفَافُ مَنْ تَجِبُ لَهُ) النَّفَقَةُ (مِنْ عَمُودَيْ نَسَبِهِ وَغَيْرِهِمْ) ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا تَدْعُو حَاجَتُهُ إلَيْهِ وَيَسْتَضِرُّ بِفَقْدِهِ، وَلَا يُشْبِهُ ذَلِكَ الْحَلْوَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَضِرُّ بِتَرْكِهَا؛ فَيَجِبُ إعْفَافُ مَنْ يَجِبُ نَفَقَتُهُ مِنْ الْآبَاءِ وَالْأَجْدَادِ وَالْأَوْلَادِ وَالْإِخْوَةِ، وَالْأَعْمَامِ، وَيُقَدَّمُ إنْ ضَافَ الْفَاضِلُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ كَالنَّفَقَةِ (بِزَوْجَةٍ حُرَّةٍ أَوْ سُرِّيَّةٍ تُعِفُّهُ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهَا (وَلَا يَمْلِكُ) مَنْ أَعَفَّ بِسُرِّيَّةٍ (اسْتِرْجَاعَهَا مَعَ غِنَاهُ) أَيْ الْفَقِيرِ كَالزَّكَاةِ (وَلَا) يَمْلِكُ أَنْ يُزَوِّجَهُ (بِزَوْجَةٍ قَبِيحَةٍ) أَوْ يَمْلِكُ أَمَةً قَبِيحَةً؛ لِعَدَمِ حُصُولِ الْإِعْفَافِ، وَلَا أَنْ يُزَوِّجَهُ وَلَا أَنْ يُمَلِّكَهُ كَبِيرَةً لَا اسْتِمْتَاعَ فِيهَا لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهَا، وَلَا أَنْ يُزَوِّجَهُ أَمَةً؛ لِمَا فِيهِ مِنْ ضَرَرٍ عَلَيْهِ بِاسْتِرْقَاقِ أَوْلَادِهِ (وَ) إنْ عَيَّنَ أَحَدُهُمَا امْرَأَةً وَالْآخَرُ غَيْرَهَا، فَإِنَّهُ (يُقَدَّمُ تَعْيِينُ قَرِيبٍ) مُنْفِقٍ (وَالْمَهْرُ سَوَاءٌ) إذَا اسْتَوَى الْمَهْرُ (عَلَى) تَعْيِينِ (زَوْجٍ) ؛ لِأَنَّهُ الْمَطْلُوبُ بِنَفَقَتِهَا (وَيُصَدَّقُ) مُنْفَقٌ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَائِقٌ لِلنِّكَاحِ بِلَا يَمِينٍ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ، وَيُعْتَبَرُ لِوُجُوبِ إعْفَافٍ عَجْزُهُ، أَيْ: الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ عَنْ مَهْرِ حُرَّةٍ أَوْ ثَمَنِ أَمَةٍ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَجِبْ عَلَى غَيْرِهِ وَيَكْفِي إعْفَافُهُ (بِوَاحِدَةٍ)(زَوْجَةٍ أَوْ سُرِّيَّةٍ) ؛ لِانْدِفَاعِ الْحَاجَةِ بِهَا (فَإِنْ مَاتَتْ) زَوْجَةٌ أَوْ سُرِّيَّةٌ أَعَفَّهُ بِهَا (أَعَفَّهُ ثَانِيًا) ؛ لِأَنَّهُ لَا صُنْعَ لَهُ فِي ذَلِكَ (لَا إنْ طَلَّقَ بِلَا عُذْرٍ أَوْ أَعْتَقَ السُّرِّيَّةَ مَجَّانًا) بِأَنْ لَمْ يَجْعَلْ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا، فَلَا يَلْزَمُهُ إعْفَافُهُ ثَانِيًا، لِأَنَّهُ الَّذِي فَوَّتَ عَلَى نَفْسِهِ.
(وَيَلْزَمُهُ إعْفَافُ أُمٍّ كَأَبٍ) أَيْ كَمَا يَلْزَمُهُ إعْفَافُ أَبٍ إذَا طَلَبَتْ ذَلِكَ وَخَطَبَهَا كُفْءٌ قَالَ الْقَاضِي: وَلَوْ سَلَّمَ فَالْأَبُ آكَدُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ؛ لِأَنَّ الْإِعْفَافَ لَهَا
بِالتَّزْوِيجِ وَنَفَقَتُهَا عَلَى الزَّوْجِ قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ أَيْ: زَوْجِ الْأُمِّ إنْ تَعَذَّرَ تَزْوِيجٌ بِدُونِهَا، وَبِنْتٌ وَنَحْوُهَا كَأُمٍّ.
تَنْبِيهٌ: وَإِنْ اجْتَمَعَ جَدَّانِ، وَلَمْ يَمْلِكْ إلَّا إعْفَافَ أَحَدِهِمَا، قُدِّمَ الْأَقْرَبُ كَالنَّفَقَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مِنْ جِهَةِ الْأَبِ فَيُقَدَّمُ وَإِنْ بَعُدَ عَلَى الَّذِي مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ؛ لِامْتِيَازِهِ بِالْعُصُوبَةِ.
(وَ) يَلْزَمُ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ نَفَقَةُ (خَادِمٍ لِلْجَمِيعِ) أَيْ: جَمِيعِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ (لِلْحَاجَةِ) إلَى الْخَادِمِ (كَزَوْجَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ الْكِفَايَةِ.
(وَمَنْ تَرَكَ مَا وَجَبَ) عَلَيْهِ مِنْ إنْفَاقٍ عَلَى قَرِيبٍ أَوْ عَتِيقٍ (مُدَّةً، لَمْ يَلْزَمْهُ) شَيْءٌ (لِمَا مَضَى) مِنْ الْمُدَّةِ الَّتِي لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهِ فِيهَا. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " وَمَنْ تَرَكَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ الْمَاضِي (أَطْلَقَهُ الْأَكْثَرُ) وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْفُصُولِ (وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ) مِنْهُمْ " الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ " (إلَّا بِفَرْضِ حَاكِمٍ) جَزَمَ بِهِ فِي " الرِّعَايَتَيْنِ "؛ لِأَنَّهُ تَأَكَّدَ بِفَرْضِهِ كَنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ انْتَهَى كَلَامُهُ فِي " الْفُرُوعِ " (وَزَادَ غَيْرُهُ) أَيْ: غَيْرُ ذَلِكَ الْبَعْضِ وَهُوَ صَاحِبُ " الْمُحَرَّرِ " (أَوْ أَذِنَهُ) أَيْ: الْحَاكِمُ لِمَنْ وَجَبَتْ لَهُ النَّفَقَةُ فِي الْإِنْفَاقِ مِنْ مَالِهِ لِيَرْجِعَ بِهِ لِغِيبَتِهِ أَوْ امْتِنَاعِهِ، (أَوْ) إذْنِهِ (لِقَرِيبٍ فِي اسْتِدَانَةٍ) قَالَ فِي " الْمُحَرَّرِ ": وَأَمَّا نَفَقَةُ أَقَارِبِهِ فَلَا تَلْزَمُهُ لِمَا مَضَى وَإِنْ فُرِضَتْ، إلَّا أَنْ يَسْتَدِينَ عَلَيْهِ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ (وَلَوْ غَابَ زَوْجٌ، فَاسْتَدَانَتْ) زَوْجَتُهُ (لَهَا وَلِأَوْلَادِهَا الصِّغَارِ رَجَعَتْ) ؛ بِمَا اسْتَدَانَتْهُ، نَقَلَهُ أَحْمَدُ بْنُ هَاشِمٍ.
قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ: قُلْت: وَكَذَا لَوْ كَانَ أَوْلَادُهَا مَجَانِينَ، أَوْ وَجَبَتْ نَفَقَتُهُمْ لِعَجْزِهِمْ عَنْ التَّكَسُّبِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
(وَيَتَّجِهُ وَمِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْحُكْمِ (قَرِيبٌ) فَقِيرٌ عَاجِزٌ عَنْ التَّكَسُّبِ غَابَ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ، فَاسْتَدَانَ لِيُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ؛ فَلَهُ الرُّجُوعُ؛ لِقِيَامِهِ عَنْهُ بِوَاجِبٍ، وَهَذَا الِاتِّجَاهُ فِيهِ مَا فِيهِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَمَنْ أُنْفِق بِإِذْنِ حَاكِمٍ رَجَعَ عَلَيْهِ، وَبِلَا إذْنٍ فِيهِ خِلَافٌ. انْتَهَى.
(وَلَوْ امْتَنَعَ مِنْهَا زَوْجٌ) أَيْ: النَّفَقَةِ: (أَوْ قَرِيبٌ أَوْ مَالِكُ رَقِيقٍ أَوْ بَهَائِمَ) بِأَنْ تَطْلُبَ مِنْهُ فَيَمْتَنِعَ، فَأَنْفَقَ عَلَيْهِمَا غَيْرُهُ (رَجَعَ مُنْفِقٌ عَلَيْهِ) عَلَى زَوْجَتِهِ أَوْ قَرِيبٍ وَنَحْوِهِ (بِنِيَّةِ رُجُوعٍ) ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ قَدْ يَكُونُ لِضَعْفِ مَنْ وَجَبَتْ لَهُ وَقُوَّةِ، مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ: فَلَوْ لَمْ يَمْلِكْ الْمُنْفِقُ الرُّجُوعَ لَضَاعَ الضَّعِيفُ، وَحَيْثُ رَجَعَ فَيَرْجِعُ (بِالْأَقَلِّ مِمَّا أَنْفَقَ أَوْ نَفَقَةُ مِثْلٍ) ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إنَّمَا تَنْدَفِعُ بِذَلِكَ.
(وَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَةُ صَغِيرٍ) ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنْ أَبٍ أَوْ وَارِثٍ غَيْرِهِ عِنْدَ عَدَمِهِ (نَفَقَةُ ظِئْرِهِ) أَيْ: مُرْضِعَتِهِ (حَوْلَيْنِ) كَامِلَيْنِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: 233] الْآيَةَ وَقَوْلِهِ: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] وَلِأَنَّ الطِّفْلَ إنَّمَا يَتَغَذَّى بِمَا يَتَوَلَّدُ فِي الْمُرْضِعَةِ مِنْ اللَّبَنِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْغِذَاءِ، فَوَجَبَتْ النَّفَقَةُ لِلْمُرْضِعَةِ؛ لِأَنَّهَا فِي الْحَقِيقَةِ لَهُ، وَلَا تَجِبُ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ؛ لِانْقِضَاءِ مُدَّةِ الْحَاجَةِ إلَى الرَّضَاعِ (وَلَا يُفْطَمُ قَبْلَهَا) أَيْ الْحَوْلَيْنِ لِلْآيَةِ؛ لِأَنَّهَا خَبَرٌ أُرِيدَ بِهِ الْأَمْرُ (إلَّا بِرِضَى أَبَوَيْهِ أَوْ) بِرِضَى (سَيِّدِهِ) إنْ كَانَ رَقِيقًا فَيَجُوزُ (مَا لَمْ يَضُرَّهُ) أَيْ: الصَّغِيرُ (رَضَاعٌ) فَإِنْ تَضَرَّرَ بِالرَّضَاعِ فَلَا، وَلَوْ رَضِيَا، لِحَدِيثِ:«لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» (وَلَيْسَ لِأَبِيهِ) أَيْ: الصَّغِيرِ (مَنْعُ أُمِّهِ مِنْ خِدْمَتِهِ) أَيْ: إذَا طَلَبَتْ ذَلِكَ. هَذَا الْمَذْهَبُ وعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهَا، فَلَا يَمْنَعُهَا مِنْهُ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ (خِلَافًا لَهَا) أَيْ: لِلْإِقْنَاعِ " " وَالْمُنْتَهَى "، وَعِبَارَةُ الْإِقْنَاعِ " وَلِلْأَبِ مَنْعُ امْرَأَتِهِ مِنْ خِدْمَةِ وَلَدِهَا مِنْهُ. وَعِبَارَةُ " الْمُنْتَهَى " وَلِأَبِيهِ مَنْعُ أُمِّهِ مِنْ خِدْمَتِهِ، وَمَا جَزَمَا بِهِ (هُنَا) هُوَ قَوْلٌ مَرْجُوحٌ، وَمُقْتَضَى مَا صَرَّحَا بِهِ فِي بَابِ عِشْرَةِ النِّسَاءِ أَنَّ الْمُعْتَدَّ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، كَمَا لَا يَمْنَعُهَا مِنْ رَضَاعِهِ إذَا طَلَبَتْ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَتْ فِي حِبَالِ الزَّوْجِ؛
لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ} [البقرة: 233] الْآيَةَ. وَلِأَنَّهَا أَشْفَقُ وَأَحَقُّ بِالْحَضَانَةِ، وَلَبَنُهَا أَمْرَأُ، وَإِنْ امْتَنَعَتْ أُمٌّ حُرَّةٌ مِنْ رَضَاعِ وَلَدِهَا، لَمْ يُجْبِرْهَا أَبٌ (وَلَوْ أَنَّهَا فِي حِبَالِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} [الطلاق: 6] وَإِذَا اخْتَلَفَا فَقَدْ تَعَاسَرَا وقَوْله تَعَالَى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ} [البقرة: 233] مَحْمُولٌ عَلَى حَالِ الْإِنْفَاقِ وَعَدَمِ التَّعَاسُرِ.
(وَهِيَ) أَيْ: الْأُمُّ (أَحَقُّ) بِرَضَاعِ وَلَدِهَا (بِأُجْرَةٍ مِثْلِهَا لَا بِأَكْثَرَ) مِنْهَا (وَيَسْقُطُ حَقُّهَا) بِطَلَبِهَا الْأَكْثَرَ وَلَوْ يَسِيرًا (حَتَّى) وَلَوْ طَلَبَتْ الْأُمُّ عَلَى إرْضَاعِهِ أُجْرَةَ مِثْلِهَا (مَعَ) وُجُودِ مُرْضِعَةٍ (مُتَبَرِّعَةٍ) فَالْأُمُّ أَحَقُّ، لِمَا تَقَدَّمَ، (أَوْ) كَانَتْ الْأُمُّ مَعَ (زَوْجٍ ثَانٍ وَيَرْضَى) لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ} [البقرة: 233] وقَوْله تَعَالَى {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] " وَهُوَ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ، وَإِنْ كَانَ طَلَبُ الْأُمِّ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ مِثْلِهَا مَعَ وُجُودِ مَنْ تُرْضِعُهُ بِأُجْرَةِ مِثْلِهَا أَوْ مُتَبَرِّعَةٍ، سَقَطَ حَقُّهَا، وَلِلْأَبِ أَخْذُهُ مِنْهَا؛ لِتَعَاسُرِهَا، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ مُرْضِعَةً إلَّا بِمَا طَلَبَتْهُ الْأُمُّ؛ فَالْأُمُّ أَحَقُّ؛ لِمَا سَبَقَ، وَإِنْ مَنَعَ الْأُمَّ زَوْجُهَا غَيْرُ أَبِي الطِّفْلِ مِنْ إرْضَاعِهِ؛ سَقَطَ حَقُّهَا لِتَعَذُّرِ وُصُولِهَا إلَيْهِ.
(وَيَلْزَمُ حُرَّةً إرْضَاعُ وَلَدِهَا بِأُجْرَةِ مِثْلِهَا مَعَ خَوْفَ تَلَفٍ) بِأَنْ لَمْ يَقْبَلْ ثَدْيَ غَيْرِهَا، أَوْ لَمْ يُوجَدْ مَنْ يُرْضِعُهُ سِوَاهَا حِفْظًا لَهُ عَنْ الْهَلَاكِ، كَمَا لَوْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهَا، وَلَهَا أُجْرَةُ مِثْلِهَا، فَإِنْ لَمْ يَخَفْ تَلَفَهُ لَمْ تُجْبَرْ دَنِيئَةً كَانَتْ أَوْ شَرِيفَةً، فِي حِبَالِهِ أَوْ مُطْلَقَةً؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] " (وَ) يَلْزَمُ (أُمَّ وَلَدٍ) إرْضَاعَ وَلَدِهَا (مُطْلَقًا) أَيْ: خِيفَ عَلَى الْوَلَدِ أَمْ لَا، مِنْ سَيِّدِهَا
أَوْ غَيْرِهِ (مَجَّانًا) أَيْ: بِلَا أُجْرَةٍ؛ لِأَنَّ نَفْعَهَا لِسَيِّدِهَا.
(وَمَتَى عَتَقَتْ) أُمُّ الْوَلَدِ (فَكَحُرَّةٍ بَائِنٍ) لَا تُجْبَرُ عَلَى إرْضَاعِهِ، فَإِنْ فَعَلَتْ فَلَهَا أُجْرَةُ مِثْلِهَا، وَإِنْ بَاعَهَا أَوْ وَهَبَهَا أَوْ زَوَّجَهَا سَقَطَ حَقُّهَا مِنْ الرَّضَاعِ، قَالَهُ ابْنُ رَجَبٍ (وَلِزَوْجٍ ثَانٍ) أَيْ: غَيْرِ أَبِي الرَّضِيعِ (مِنْ) حِينَ عَقَدَ مَنْعَهَا مِنْ (إرْضَاعِ وَلَدِهَا مِنْ غَيْرِهِ) سَوَاءٌ كَانَ مِنْ زَوْجٍ قَبْلَهُ أَوْ مِنْ شُبْهَةٍ أَوْ زِنًى؛ لِأَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ يَقْتَضِي تَمَلُّكَ الزَّوْجِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ فِي كُلِّ الزَّمَانِ سِوَى أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ فَالرَّضَاعُ يُفَوِّتُ عَلَيْهِ الِاسْتِمْتَاعَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ؛ فَكَانَ لَهُ مَنْعُهَا مِنْهُ كَالْخُرُوجِ مِنْ مَنْزِلِهِ (إلَّا لِضَرُورَتِهِ) أَيْ: الْوَلَدِ بِأَنَّ لَا يُوجَدَ مَنْ يُرْضِعُهُ، أَوْ لَا يَقْبَلُ الِارْتِضَاعَ مِنْ غَيْرِهَا؛ فَيَجِبُ التَّمْكِينُ مِنْ إرْضَاعِهِ؛ لِأَنَّهُ حَالُ ضَرُورَةٍ وَحِفْظٍ، فَقُدِّمَ عَلَى حَقِّ الزَّوْجِ كَتَقْدِيمِ الْمُضْطَرِّ عَلَى الْمَالِكِ إذَا لَمْ يَكُنْ بِهِ مِثْلُ ضَرُورَتِهِ (أَوْ شَرْطُهَا) بِأَنْ شَرَطَتْ فِي الْعَقْدِ أَنْ لَا يَمْنَعَهَا إرْضَاعَ وَلَدِهَا؛ فَلَهَا شَرْطُهَا؛ لِحَدِيثِ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى «الْمُؤْمِنُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» . لِقَوْلِهِ تَعَالَى
تَتِمَّةٌ: وَمَنْ أَرْضَعَتْ وَلَدَهَا وَهِيَ فِي حِبَالِ أَبِيهِ فَاحْتَاجَتْ لِزِيَادَةِ نَفَقَةٍ، لَزِمَهُ ذَلِكَ؛ إذْ كِفَايَتُهَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ بِحَقِّ الزَّوْجِيَّةِ وَلِرَضَاعِ وَلَدِهِ.
وَإِنْ أَجَّرَتْ نَفْسَهَا لِلرَّضَاعِ، ثُمَّ تَزَوَّجَتْ؛ لَمْ يَمْلِكْ الزَّوْجُ فَسْخَ الْإِجَارَةِ وَلَا مَنْعُهَا مِنْ الرَّضَاعِ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهَا مُلِكَتْ بِعَقْدٍ سَابِقٍ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ اشْتَرَى أَمَةً مُسْتَأْجَرَةً، فَإِنْ نَامَ الصَّبِيُّ أَوْ اشْتَغَلَ، فَلِلزَّوْجِ الِاسْتِمْتَاعُ. وَإِنْ أَجَّرَتْ الزَّوْجَةُ نَفْسَهَا لِلرَّضَاعِ بِإِذْنِ زَوْجِهَا صَحَّ، وَلَزِمَ الْعَقْدُ، وَبَعِيرٌ إذْنُهُ لَمْ يَصِحَّ؛ لِتَضَمُّنِهِ تَفْوِيتَ حَقِّ زَوْجِهَا.