الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وَلَا يَصِحُّ) الطَّلَاقُ (إلَّا مِنْ زَوْجٍ) لِحَدِيثِ: «إنَّمَا الطَّلَاقُ لِمَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ» وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ مُمَيِّزًا (يَعْقِلُهُ) فَيَصِحُّ طَلَاقُهُ كَالْبَالِغِ؛ لِعُمُومِ الْخَبَرِ؛ لِحَدِيثِ: «كُلُّ الطَّلَاقِ جَائِزٌ إلَّا طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ وَالْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ» .
وَعَنْ عَلِيٍّ اُكْتُمُوا الصِّبْيَانَ النِّكَاحَ فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ فَائِدَتَهُ أَنْ لَا يُطَلِّقُوا، وَأَنَّهُ طَلَاقٌ مِنْ عَاقِلٍ صَادَفَ مَحَلَّ الطَّلَاقِ، فَوَقَعَ كَطَلَاقِ الْبَالِغِ، وَمَعْنَى كَوْنِ الْمُمَيِّزِ يَعْقِلُ الطَّلَاقَ (بِأَنْ يَعْلَمَ) الْمُمَيِّزُ (أَنَّ زَوْجَتَهُ تَبِينُ مِنْهُ) وَتَحْرُمُ عَلَيْهِ إذَا طَلَّقَهَا (وَ) إلَّا (مِنْ وَكِيلِهِ) أَيْ: الزَّوْجِ الَّذِي يَصِحُّ مِنْهُ الطَّلَاقُ وَ (إلَّا مِنْ حَاكِمٍ عَلَى مُولٍ) بَعْدَ التَّرَبُّصِ إنْ أَبَى الْفَيْئَةَ وَالطَّلَاقَ، وَيَصِحُّ الطَّلَاقُ مِنْ كِتَابِيٍّ وَمَجُوسِيٍّ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْكُفَّارِ، وَمِنْ سَفِيهٍ، وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ، وَمِنْ عَبْدٍ وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ مَقْصُودُهُ، وَيَصِحُّ الطَّلَاقُ أَيْضًا مِمَّنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ.
[فَائِدَةٌ طَلَاقُ الْمُرْتَدِّ بَعْدَ الدُّخُولِ]
ِ مَوْقُوفٌ، فَإِنْ أَسْلَمَ فِي الْعِدَّةِ تَبَيَّنَّا وُقُوعَهُ وَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ حَتَّى انْقَضَتْ الْعِدَّةُ أَوْ ارْتَدَّ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ فَطَلَاقُهُ بَاطِلٌ؛ لِانْفِسَاخِ النِّكَاحِ قَبْلَهُ بِاخْتِلَافِ الدِّينِ، وَتَزْوِيجُهُ أَيْضًا ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى بَاطِلٌ (وَتُعْتَبَرُ إرَادَةُ لَفْظِ الطَّلَاقِ لِمَعْنَاهُ) أَيْ: لَا يُرِيدُ بِهِ غَيْرَ مَا وُضِعَ لَهُ، وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ الصَّرِيحَ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى إيقَاعِ شَيْءٍ بِهِ (فَلَا طَلَاقَ) وَاقِعٌ (لِفَقِيهٍ) أَيْ: عَلَيْهِ (يُكَرِّرُهُ) أَيْ الطَّلَاقَ لِلتَّعْلِيمِ، (وَ) لَا طَلَاقَ عَلَى (حَاكٍ) طَلَاقًا (وَلَوْ عَنْ نَفْسِهِ) أَوْ غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ مَعْنَاهُ، بَلْ التَّعْلِيمَ أَوْ الْحِكَايَةَ.
(وَ) طَلَاقُ (مُكْرَهٍ قَاصِدٍ دَفْعَ الْإِكْرَاهِ) وَيَأْتِي (وَلَا) عَلَى (مَنْ سَبَقَ لِسَانُهُ مِنْ) غَيْرِ قَصْدٍ (وَلَا) يَقَعُ الطَّلَاقُ (مِنْ نَائِمٍ) لَا مِنْ (زَائِلٍ عَقْلُهُ بِجُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ أَوْ بِرْسَامٍ) وَهُوَ وَرَمٌ حَارٌّ يَعْرِضُ لِلْحِجَابِ الَّذِي بَيْنَ الْكَبِدِ وَالْأَمْعَاءِ ثُمَّ يَتَّصِلُ بِالدِّمَاغِ (أَوْ نَشَّافٍ) وَلَوْ حَصَلَ ذَلِكَ بِضَرْبِهِ نَفْسَهُ، بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ كَسَرَ سَاقَ نَفْسِهِ جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا، وَلَوْ ضَرَبَتْ الْمَرْأَةُ بَطْنَهَا فَنَفِسَتْ؛ سَقَطَتْ عَنْهَا الصَّلَاةُ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ مَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِغَيْرِ سُكْرٍ مُحَرَّمٍ
كَالنَّوْمِ وَالْإِغْمَاءِ وَالْجُنُونِ وَشُرْبِ الدَّوَاء الْمُزِيلِ لِلْعَقْلِ وَالْمَرَضِ؛ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ؛ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «كُلُّ الطَّلَاقِ جَائِزٌ إلَّا طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ وَالْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ» .
وَحَدِيثِ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ، عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ» وَلِأَنَّ الطَّلَاقَ قَوْلٌ يُزِيلُ الْمِلْكَ، فَاعْتُبِرَ لَهُ الْعَقْلُ كَالْبَيْعِ (أَوْ) أَيْ: وَلَا يَقَعُ طَلَاقٌ عَلَى مَنْ (سَكِرَ بِجَامِدٍ كَبَنْجٍ وَحَشِيشٍ) لِأَنَّهُ لَا لَذَّةَ بِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: قَصْدُ إزَالَةِ الْعَقْلِ بِلَا سَبَبٍ شَرْعِيٍّ مُحَرَّمٌ، وَفَرَّقَ أَحْمَدُ بَيْنَ نَحْوِ أَكْلِ الْبَنْجِ، وَبَيْنَ السَّكْرَانِ، فَأَلْحَقَهُ بِالْمَجْنُونِ.
(وَيَقَعُ) طَلَاقُ (مَنْ أَفَاقَ مِنْ نَحْوِ جُنُونٍ وَإِغْمَاءٍ فَذَكَرَ أَنَّهُ طَلَّقَ) لِأَنَّهُ إذَا ذَكَرَ الطَّلَاقَ، وَعَلِمَ بِهِ؛ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ عَاقِلًا حَالَ صُدُورِهِ مِنْهُ، فَلَزِمَهُ.
(وَ) يَقَعُ الطَّلَاقُ (مِمَّنْ غَضِبَ) وَلَمْ يَزُلْ عَقْلُهُ بِالْكُلِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ فِي حَالِ غَضَبِهِ بِمَا يَصْدُرُ مِنْهُ مِنْ كُفْرٍ وَقَتْلِ نَفْسٍ وَأَخْذِ مَالٍ بِغَيْرِ حَقٍّ وَطَلَاقٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ النَّوَوِيَّةِ ": مَا يَقَعُ مِنْ الْغَضْبَانِ مِنْ طَلَاقٍ وَعَتَاقٍ أَوْ يَمِينٍ، فَإِنَّهُ يُؤَاخَذُ بِهِ وَفِي نُسْخَةٍ بِذَلِكَ كُلِّهِ بِغَيْرِ خِلَافٍ.
وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِأَدِلَّةٍ صَحِيحَةٍ مِنْهَا: حَدِيثُ خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ امْرَأَةِ أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ الْآتِي فِي الظِّهَارِ، وَمِنْهُ «غَضِبَ زَوْجُهَا، فَظَاهَرَ مِنْهَا فَأَتَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَتْهُ بِذَلِكَ، وَقَالَتْ: إنَّهُ لَمْ يُرِدْ الطَّلَاقَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مَا أَرَاك إلَّا حَرُمْتِ عَلَيْهِ» أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَذَكَرَ الْقِصَّةَ بِطُولِهَا، فَفِي آخِرِهَا قَالَ «فَحَوَّلَ اللَّهُ الطَّلَاقَ فَجَعَلَهُ ظِهَارًا» .
وَمِنْهَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ وَغَيْرِهِمَا فِي ذَلِكَ وَأَطَالَ، وَذَلِكَ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ السَّادِسَ عَشَرَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ، وَأَنْكَرَ عَلَى مَنْ يَقُولُ بِخِلَافِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ عَلَى مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَخْبَارُ، وَقَوْلُهُ (خِلَافًا لِابْنِ الْقَيِّمِ) فِيهِ نَظَرٌ؛ فَإِنَّ ابْنَ الْقَيِّمِ لَمْ يَقُلْ بِعَدَمِ وُقُوعِ طَلَاقِ الْغَضْبَانِ مُطْلَقًا، بَلْ أَفْرَدَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِرِسَالَةٍ سَمَّاهَا " إغَاثَةَ اللَّهْفَانِ فِي حُكْمِ طَلَاقِ الْغَضْبَانِ "
وَفَصَّلَ فِيهَا، فَقَالَ: الْغَضَبُ ثَلَاثَةُ أَقَسَامً: أَحَدُهَا: أَنْ يَحْصُلَ لِلْإِنْسَانِ مَبَادِئُهُ وَأَوَائِلُهُ بِحَيْثُ لَا يَتَغَيَّرُ عَلَيْهِ عَقْلُهُ وَلَا ذِهْنُهُ، وَيَعْلَمُ مَا يَقُولُ، وَيَقْصِدُهُ؛ فَهَذَا الْإِشْكَالُ فِي وُقُوعِ طَلَاقِهِ وَعِتْقِهِ وَصِحَّةِ عُقُودِهِ، وَلَا سِيَّمَا إذَا وَقَعَ مِنْهُ ذَلِكَ بَعْدَ تَرَدُّدِ فِكْرِهِ.
الْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَبْلُغَ بِهِ الْغَضَبُ نِهَايَتَهُ بِحَيْثُ يَنْغَلِقُ عَلَيْهِ بَابُ الْعِلْمِ وَالْإِرَادَةِ؛ فَلَا يَعْلَمُ مَا يَقُولُ وَلَا يُرِيدُهُ، فَهَذَا لَا يَتَوَجَّهُ خِلَافٌ فِي عَدَمِ وُقُوعِ طَلَاقِهِ، وَالْغَضَبُ غُفُولُ الْعَقْلِ، فَإِذَا اغْتَالَ الْغَضَبُ عَقْلَهُ حَتَّى لَمْ يَعْلَمْ مَا يَقُولُ فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ شَيْءٌ مِنْ أَقْوَالِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، فَإِنَّ أَقْوَالَ الْمُكَلَّفِ إنَّمَا تَنْفُذُ مَعَ عِلْمِ الْقَائِلِ بِصُدُورِهَا مِنْهُ وَمَعْنَاهَا وَإِرَادَتِهِ لِلتَّكَلُّمِ، فَالْأَوَّلُ يَخْرُجُ مِنْ النَّائِمِ وَالْمَجْنُونِ وَالْمُبَرْسَمِ وَالْغَضْبَانِ، وَالثَّانِي يَخْرُجُ مِمَّنْ تَكَلَّمَ بِاللَّفْظِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ مَعْنَاهُ أَلْبَتَّةَ، وَهُوَ لَا يَلْزَمُ مُقْتَضَاهُ، وَالثَّالِثُ يَخْرُجُ مِمَّنْ تَكَلَّمَ بِهِ مُكْرَهًا وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِمَعْنَاهُ.
الْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَنْ تَوَسَّطَ فِي الْغَضَبِ بَيْنَ الْمَرْتَبَتَيْنِ، فَتَعَدَّى مَبَادِئَهُ، وَلَمْ يَنْتَهِ إلَى آخِرِهِ بِحَيْثُ صَارَ كَالْمَجْنُونِ، فَهَذَا مَوْضِعُ الْخِلَافِ، وَمَحَلُّ النَّظَرِ، وَالْأَدِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ نُفُوذِ طَلَاقِهِ وَعِتْقِهِ وَعُقُودِهِ الَّتِي يُعْتَبَرُ فِيهَا الِاخْتِيَارُ وَالرِّضَا، وَهُوَ فَرْعٌ مِنْ الْإِغْلَاقِ كَمَا فَسَّرَهُ بِهِ الْأَئِمَّةُ انْتَهَى.
وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَشَارَ لِخِلَافِ ابْنِ الْقَيِّمِ فِي هَذَا الْقِسْمِ الثَّالِثِ مَعَ أَنَّ ابْنَ الْقَيِّمِ لَمْ يَجْزِمْ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ فِي هَذَا الْقِسْمِ غَيْرَ أَنَّهُ مَالَ إلَيْهِ، وَقَدْ ذَكَرَ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ أَقْسَامٍ أَيْضًا فِي " الْهَدْيِ النَّبَوِيِّ " بِاخْتِصَارِ وَأَمَّا فِي هَذِهِ الرِّسَالَةِ فَقَدْ أَطَالَ وَأَكْثَرَ فِيهَا مِنْ الْأَدِلَّةِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَقْوَالِ الْأَئِمَّةِ.
وَقَالَ: وَأَمَّا الِاعْتِبَارُ وَأُصُولُ الشَّرِيعَةِ فَمِنْ وُجُوهٍ وَسَاقَ لَهَا أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ وَجْهًا.
قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " وَيَدْخُلُ ذَلِكَ فِي كَلَامِهِمْ مَنْ غَضِبَ حَتَّى أُغْمِيَ أَوْ أُغْشِيَ عَلَيْهِ؛ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَدْخُلُ ذَلِكَ فِي كَلَامِهِمْ بِلَا رَيْبٍ.
(أَوْ) أَيْ: يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَى مَنْ (شَرِبَ طَوْعًا عَالِمًا) بِالتَّحْرِيمِ
(مُسْكِرًا مَائِعًا) أَخْرَجَ الْحَشِيشَةَ وَنَحْوَهَا (بِلَا حَاجَةِ غُصَّةٍ) أَمَّا إذَا غُصَّ بِلُقْمَةٍ فَلَهُ دَفْعُهَا (وَلَوْ خَلَطَ فِي كَلَامِهِ أَوْ سَقَطَ تَمْيِيزُهُ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ) فَلَا يَعْرِفُ مَتَاعَهُ مِنْ مَتَاعِ غَيْرِهِ، أَوْ لَمْ يَعْرِفْ السَّمَاءَ مِنْ الْأَرْضِ، وَلَا الذَّكَرَ مِنْ الْأُنْثَى (وَيُؤَاخَذُ) السَّكْرَانُ الَّذِي يَقَعُ طَلَاقُهُ (بِسَائِرِ أَقْوَالِهِ) وَأَفْعَالِهِ (وَبِكُلِّ فِعْلٍ يُعْتَبَرُ لَهُ الْعَقْلُ فِيمَا عَلَيْهِ كَإِقْرَارٍ وَقَذْفٍ وَظِهَارٍ وَإِيلَاءٍ وَسَرِقَةٍ وَزِنًا وَبَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَوَقْفٍ وَعَارِيَّةٍ وَقَبْضِ أَمَانَةٍ وَإِسْلَامٍ وَرِدَّةٍ) لِأَنَّ الصَّحَابَةَ جَعَلُوهُ كَالصَّاحِي بِالْحَدِّ فِي الْقَذْفِ وَلِأَنَّهُ فَرَّطَ بِإِزَالَةِ عَقْلِهِ فِيمَا يُدْخِلُ فِيهِ ضَرَرًا عَلَى غَيْرِهِ؛ فَأَلْزَم عَلَى حُكْمِ تَفْرِيطِهِ عُقُوبَةً لَهُ، وَ (لَا) يُؤَاخَذُ (فِيمَا لَهُ) بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ فِعْلٌ يَعُودُ إلَيْهِ نَفْعُهُ (كَوُقُوفٍ وَطَوَافٍ وَسَعْيٍ وَصَوْمٍ وَصَلَاةٍ) ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ تَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ، وَالسَّكْرَانُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا (قَالَ جَمَاعَةٌ) مِنْ الْأَصْحَابِ (لَا تَصِحُّ عِبَادَةُ السَّكْرَانِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا حَتَّى يَتُوبَ) لِلْخَبَرِ: وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالْحَشِيشَةُ الْخَبِيثَةُ كَالْبَنْجِ.
وَأَبُو الْعَبَّاسِ يَرْوِي أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الشَّرَابِ الْمُسْكِرِ حَتَّى فِي إيجَابِ الْحَدِّ، وَيُفَرِّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْبَنْجِ بِأَنَّهَا تُشْتَهَى وَتُطْلَبُ؛ فَهِيَ كَالْخَمْرِ، بِخِلَافِ الْبَنْجِ، فَالْحُكْمُ عِنْدَهُ مَنُوطٌ بِاشْتِهَاءِ النَّفْسِ وَطَلَبِهَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى وَشَرْحِهِ " " بِمَا قَالَهُ الشَّيْخُ مِنْ حَيْثُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ، وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يُشِيرَ عَلَى خِلَافِهِ.
(وَلَا يَقَعُ) طَلَاقٌ (مِنْ مُكْرَهٍ شَرِبَ) مُسْكِرًا (وَلَمْ يَأْثَمْ) بِشُرْبِهِ، هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ: وَالْمَعْذُورُ بِالسُّكْرِ كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ (بِخِلَافِ مُكْرَهٍ عَلَى) شُرْبِ (يَسِيرٍ) مِنْ الْمُسْكِرِ (فَشَرِبَ) مِنْهُ (كَثِيرًا) فَيَقَعُ طَلَاقُهُ كَالْمُخْتَارِ؛ لِمَا يَجِدُ مِنْ اللَّذَّةِ (وَلَا) يَقَعُ طَلَاقٌ (مِمَّنْ أُكْرِهَ) عَلَى الطَّلَاقِ (ظُلْمًا) لِلْخَبَرِ (لَا بِحَقٍّ) فَإِنْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ بِحَقٍّ (كَ) حَاكِمٍ يُكْرِهُ (فِي) نِكَاحٍ (فَاسِدٍ وَإِيلَاءٍ) بَعْدَ التَّرَبُّصِ، وَأَبَى الْفَيْئَةَ فَإِنَّهُ يَقَعُ (بِعُقُوبَةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِإِكْرَاهٍ (أَوْ إخْرَاجِهِ مِنْ دِيَارِهِ أَوْ تَهْدِيدٍ لَهُ، أَوْ لِوَلَدِهِ، وَفِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَّجِهُ أَوْ لِوَالِدِهِ) وَيَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ
وُقُوعُ مَا هُدِّدَ بِهِ، وَعَجْزُهُ عَنْ دَفْعِهِ وَالْهَرَبِ مِنْهُ وَالِاخْتِفَاءِ؛ فَهُوَ إكْرَاهٌ لَا يَقَعُ مَعَهُ طَلَاقٌ (وَفِي " الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ " وَيَتَوَجَّهُ تَعَدِّيهِ إلَى كُلِّ مَنْ يَشُقُّ عَلَيْهِ مَشَقَّةً عَظِيمَةً مِنْ وَالِدٍ وَزَوْجَةٍ) وَيُشْتَرَطُ حُصُولُ الْإِكْرَاهِ (مِنْ قَادِرٍ بِسَلْطَنَةٍ أَوْ تَغَلُّبٍ كَلِصٍّ) وَقَاطِعِ طَرِيقٍ (بِقَتْلٍ أَوْ قَطْعِ طَرَفٍ أَوْ ضَرْبٍ) شَدِيدٍ (أَوْ حَبْسٍ) أَوْ قَيْدٍ طَوِيلَيْنِ (أَوْ أَخْذِ مَالٍ يَضُرُّهُ) أَخْذُهُ مِنْهُ ضَرَرًا (كَثِيرًا فِي الْكُلِّ) أَيْ: كُلِّ مَا تَقَدَّمَ (وَ) يُشْتَرَطُ غَلَبَةُ (ظَنِّ إيقَاعِهِ) أَيْ: مَا هَدَّدَهُ بِهِ مِمَّا ذُكِرَ (وَلَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ بِنَحْوِ هَرَبٍ وَاخْتِفَاءٍ، فَطَلَّقَ تَبَعًا لِقَوْلِهِ) أَيْ: الْمُكْرِهِ - بِكَسْرِ الرَّاءِ - وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِيمَنْ يُلْزِمُهُ اللُّصُوصُ فَطَلَّقَ: لَيْسَ بِشَيْءٍ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ.
وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» .
وَلِحَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: «لَا طَلَاقَ وَلَا عِتْقَ فِي إغْلَاقٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ.
وَالْإِغْلَاقُ الْإِكْرَاهُ؛ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ مُغْلَقٌ عَلَيْهِ فِي أَمْرِهِ مَضِيقٌ عَلَيْهِ فِي تَصَرُّفِهِ، كَمَنْ أُغْلِقَ عَلَيْهِ بَابٌ، وَلِأَنَّهُ قَوْلٌ حُمِلَ عَلَيْهِ بِلَا حَقٍّ أَشْبَهَ كَلِمَةَ الْكُفْرِ (بَلْ يَجِبُ طَلَاقُهُ إنْ هَدَّدَهُ بِقَتْلٍ أَوْ قَطْعِ طَرَفٍ) قَادِرٌ (وَ) غَلَبَ عَلَى (ظَنِّهِ) إيقَاعُ ذَلِكَ (مِنْهُ) إنْ لَمْ يُطَلِّقْ؛ لِئَلَّا يُلْقِيَ بِيَدِهِ إلَى التَّهْلُكَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا.
وَرَوَى سَعِيدٌ وَأَبُو عُبَيْدٍ أَنَّ رَجُلًا عَلَى عَهْدِ عُمَرَ تَدَلَّى فِي حَبْلٍ لِيَشْتَارَ عَسَلًا، فَأَقْبَلَتْ امْرَأَتُهُ، فَجَلَسَ عَلَى الْحَبْلِ، فَقَالَتْ لَهُ: لِتُطَلِّقْهَا ثَلَاثًا، وَإِلَّا قَطَعَتْ الْحَبْلَ، فَذَكَرَ اللَّهَ وَالْإِسْلَامَ، فَأَبَتْ، فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا، ثُمَّ خَرَجَ إلَى عُمَرَ فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ ارْجِعْ إلَى أَهْلِكَ؛ فَلَيْسَ هَذَا طَلَاقًا (وَكَمُكْرَهٍ) ظُلْمًا فِي عَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهِ (مَنْ سُحِرَ لِيُطَلِّقَ) قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الْفُرُوعِ " قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " قُلْتُ: بَلْ هُوَ مِنْ أَعْظَمُ الْإِكْرَاهَاتِ (إذَا بَلَغَ بِهِ السِّحْرُ إلَى أَنْ لَا يَعْلَمُ مَا يَقُولُ قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ؛ لِأَنَّهُ لَا قَصْدَ لَهُ إذَنْ (وَضَرْبٌ يَسِيرٌ) فِي حَقٍّ لَا يُبَالِي بِهِ (لَيْسَ بِإِكْرَاهٍ إلَّا لِذِي مُرُوءَةٍ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ إخْرَاقًا) أَيْ: إهَانَةً لِصَاحِبِهِ وَغَضَاضَةً (وَشُهْرَةً) فِي
حَقِّهِ فَهُوَ كَالضَّرْبِ الْكَثِيرِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ (قَالَ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ: وَلَا يَكُونُ) السَّبُّ وَلَا (الشَّتْمُ وَلَا الْإِخْرَاقُ وَأَخْذُ الْمَالِ الْيَسِيرِ إكْرَاهًا) لِأَنَّ ضَرَرَهُ يَسِيرٌ.
قَالَ الْقَاضِي: الْإِكْرَاهُ يَخْتَلِفُ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَهُوَ قَوْلٌ حَسَنٌ (وَيَنْبَغِي لِمُكْرَهٍ) عَلَى طَلَاقٍ (التَّأْوِيلُ) فَيَنْوِي بِقَلْبِهِ عَلَى غَيْرِ امْرَأَتِهِ، أَوْ يَنْوِي بِطَلَاقٍ مِنْ عَمَلٍ؛ وَبِثَلَاثٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْقَعَ طَلَاقَ الْمُكْرَهِ إذَا لَمْ يَتَأَوَّلْ، وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي نِيَّتِهِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُعْلَمُ إلَّا مِنْ قِبَلِهِ، وَهُوَ أَدْرَى بِهَا (فَإِنْ قَصَدَ إيقَاعَهُ) أَيْ: الطَّلَاقِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ (دُونَ دَفْعِ إكْرَاهٍ) عَنْهُ؛ وَقَعَ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَهُ وَاخْتَارَهُ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَظُنَّ إيقَاعَ مَا هُدِّدَ بِهِ، أَوْ أَمْكَنَهُ التَّخَلُّصُ مِنْ الْإِكْرَاهِ بِنَحْوِ هَرَبٍ أَوْ اخْتِفَاءٍ أَوْ دَفْعِ إكْرَاهٍ، (أَوْ أُكْرِهَ عَلَى طَلَاقِ مُعَيَّنَةٍ) مِنْ نِسَائِهِ كَفَاطِمَةَ (فَطَلَّقَ غَيْرَهَا) كَخَدِيجَةَ وَقَعَ بِهَا طَلَاقُهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكْرَهٍ عَلَى طَلَاقِهَا (أَوْ) أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَ (طَلْقَةً) وَاحِدَةً (فَطَلَّقَ أَكْثَرَ) مِنْ طَلْقَةٍ (وَقَعَ) طَلَاقُهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكْرَهٍ عَلَيْهِ.
قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ ": قُلْتُ: فَظَاهِرُهُ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَ، فَطَلَّقَ ثَلَاثًا؛ لَمْ يَقَعْ إنْ لَمْ يَقْصِدْ الْإِيقَاعَ دُونَ دَفْعِ الْإِكْرَاهِ وَ (لَا) يَقَعُ طَلَاقُهُ (إنْ أُكْرِهَ عَلَى) طَلَاقِ (مُبْهَمَةٍ) مِنْ نِسَائِهِ (فَطَلَّقَ) وَاحِدَةً (مُعَيَّنَةً) مِنْهُنَّ؛ لِأَنَّ الْمُبْهَمَةَ الَّتِي أُكْرِهَ عَلَى طَلَاقِهَا، تُحَقَّقُ فِي الْمُعَيَّنَةِ، فَلَا قَرِينَةَ تَدُلُّ عَلَى اخْتِيَارِهِ (أَوْ تَرَكَ التَّأْوِيلَ، وَلَوْ بِلَا عُذْرٍ) لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ؛ لِعُمُومِ الْخَبَرِ (أَوْ إكْرَاهٍ عَلَى نَحْوِ عِتْقٍ) كَظِهَارٍ (وَ) عَلَى (يَمِينٍ) بِاَللَّهِ (كَ) إكْرَاهٍ (عَلَى طَلَاقٍ) فَلَا يُؤَاخَذُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِي حَالٍ لَا يُؤَاخَذُ فِيهَا بِالطَّلَاقِ، وَلَا يُقَالُ لَوْ كَانَ الْوَعِيدُ إكْرَاهًا لَكُنَّا مُكْرَهِينَ عَلَى الْعِبَادَاتِ فَلَا ثَوَابَ؛ لِأَنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إنَّنَا مُكْرَهُونَ، وَالثَّوَابُ بِفَضْلِهِ لَا مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ عِنْدَنَا، ثُمَّ الْعِبَادَاتُ تُفْعَلُ لِلرَّغْبَةِ.
ذَكَرَهُ فِي " الِانْتِصَارِ "(وَيَقَعُ) الطَّلَاقُ بَائِنًا (وَلَا يُسْتَحَقُّ عِوَضٌ سُئِلَ) الْمُطَلَّقُ (عَلَيْهِ فِي نِكَاحٍ قِيلَ) أَيْ: قَالَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ (بِصِحَّتِهِ كَبِلَا وَلِيٍّ أَوْ شَهَادَةِ فَاسِقٍ وَنِكَاحِ مُحَلِّلٍ وَ) نِكَاحِ، (شِغَارٍ وَعِدَّةِ زِنًا) وَنِكَاحِ الْأُخْتِ
فِي عِدَّةِ أُخْتهَا الْبَائِنِ، وَنِكَاحِ الْمُحْرِمِ، وَنِكَاحٍ بِلَا شُهُودٍ (وَلَا يَرَاهَا) أَيْ: الصِّحَّةَ (مُطَلِّقٌ) أَوْ كَانَ يَرَاهَا.
نَصَّ عَلَى وُقُوعِهِ أَحْمَدُ كَبَعْدِ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِصِحَّتِهِ إذَا كَانَ يَرَاهَا، فَيَصِيرُ كَالصَّحِيحِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، وَيَقَعُ رَجْعِيًّا، وَيَسْتَحِقُّ عِوَضًا سُئِلَ عَلَيْهِ، وَالْحَاكِمُ إنَّمَا يَكْشِفُ خَافِيًا أَوْ يُنَفِّذُ وَاقِعًا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ إزَالَةُ مِلْكٍ بُنِيَ عَلَى التَّغْلِيبِ وَالسِّرَايَةِ، فَجَازَ أَنْ يَنْفُذَ فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي نُفُوذِهِ إسْقَاطُ حَقِّ الْغَيْرِ كَالْعِتْقِ يَنْفُذُ فِي الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ بِالْأَدَاءِ كَمَا يَنْفُذُ فِي الصَّحِيحَةِ.
(وَلَا يَكُونُ) الطَّلَاقُ فِي نِكَاحٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ (بِدْعِيًّا فِي حَيْضٍ) فَيَجُوزُ فِيهِ وَلَا يُسَمَّى طَلَاقَ بِدْعَةٍ؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ لَا تَجُوزُ اسْتِدَامَتُهُ كَابْتِدَائِهِ، وَيَثْبُتُ فِي النِّكَاحِ الْمُخْتَلَفِ فِي صِحَّتِهِ النَّسَبُ إنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ، وَالْعِدَّةُ إنْ دَخَلَ بِهَا وَخَلَا بِهَا، وَالْمَهْرُ الْمُسَمَّى إنْ دَخَلَ بِهَا كَالصَّحِيحِ، وَيَسْقُطُ أَيْضًا بِهِ الْحَدُّ، وَ (لَا) يَصِحُّ (خُلْعٌ) فِيهِ (لِخُلُوِّهِ عَنْ الْعِوَضِ) لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا بِلَا عِوَضٍ: فَلَا يَسْتَحِقُّ عِوَضًا بِبَذْلِهِ، لِأَنَّهُ لَا مُقَابِلَ لِلْعِوَضِ.
وَ (لَا) يَقَعُ طَلَاقٌ (فِي) نِكَاحٍ (بَاطِلٍ إجْمَاعًا) كَنِكَاحِ مُعْتَدَّةٍ وَخَامِسَةٍ (وَلَا فِي نِكَاحِ فُضُولِيٍّ قَبْلَ إجَازَتِهِ) وَلَوْ قُلْنَا إنَّهُ يَنْفُذُ بِهَا، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ إلَّا إنْ حُكِمَ بِصِحَّتِهِ مِمَّنْ يَرَاهُ فَيَصِيرُ كَالصَّحِيحِ فِي سَائِرِ أَحْكَامِهِ.
(وَيَصِحُّ عِتْقٌ فِي شِرَاءٍ فَاسِدٍ) أَيْ: مُخْتَلَفٍ فِيهِ؛ فَيَنْفُذُ، وَيَضْمَنُهُ مُعْتِقُهُ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ عِتْقٍ مَعَ ضَمَانِ نَقْصِهِ وَأُجْرَتِهِ إلَى حِينِ الْعِتْقِ.
(وَيَتَّجِهُ احْتِمَالٌ) قَوِيٌّ فِي الْأُولَى (وَيُجْزِئُ) عِتْقُ قِنٍّ مُلِكَ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ (فِي كَفَّارَةِ) نَحْوِ ظِهَارٍ، (وَ) يُجْزِئُ عِتْقُ أَمَةٍ فِي (صَدَاقٍ) كَذَا قَالَ، أَمَّا كَوْنُهُ يُجْزِئُ فِي كَفَّارَةٍ فَظَاهِرٌ مُوَافِقٌ لِلْقَوَاعِدِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ يُجْزِئُ فِي صَدَاقٍ فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ.
قَالَ فِي " حَاشِيَةِ الْخَلْوَتِيِّ " وَبِخَطِّهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ شَيْخُنَا: وَإِنْ قَالَ لِمَنْ اشْتَرَاهَا بِعَقْدٍ فَاسِدٍ