الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ الْقَاضِي: يُبَاحُ عَلَى رِوَايَةٍ مَا يَظْهَرُ غَالِبًا كَالرَّأْسِ وَالْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ (وَهِيَ مَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ أَبَدًا بِنَسَبٍ) كَأُخْتِهِ وَعَمَّتِهِ وَخَالَتِهِ (أَوْ سَبَبٍ مُبَاحٍ) كَأُخْتِهِ مِنْ رَضَاعٍ وَزَوْجَةِ أَبِيهِ وَابْنِهِ وَأُمِّ زَوْجَتِهِ، بِخِلَافِ أُخْتِهَا وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَهَا إلَى أَمَدٍ، وَيُبَاحُ النَّظَرُ إلَى رَبِيبَةٍ دَخَلَ بِأُمِّهَا (لِحُرْمَتِهَا) إخْرَاجٌ لِلْمُلَاعَنَةِ؛ لِأَنَّهَا تَحْرُمُ عَلَى الْمَلَاعِنِ أَبَدًا عُقُوبَةً عَلَيْهِ، لَا لِحُرْمَتِهَا (إلَّا نِسَاءَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) فَلَا يُبَاحُ النَّظَرُ إلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ الْمَذْكُورِينَ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب: 53](وَلَا) يُبَاحُ لَهُ أَنْ (يَنْظُرَ) إلَى (نَحْوِ أُمٍّ مَزْنِيٍّ بِهَا) كَبِنْتِهَا وَأُمٍّ مَلُوطٍ بِهِ وَبِنْتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُنَّ مَحْرَمًا وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ (وَيَتَّجِهُ احْتِمَالٌ) أَنَّ أُمَّ الْمَزْنِيِّ بِهَا لَا يُبَاحُ لِلزَّانِي النَّظَرُ إلَيْهَا (وَلَوْ نَكَحَهَا) أَيْ: الْمَزْنِيَّ بِهَا (بَعْدَ) ذَلِكَ، (لِأَنَّ التَّحْرِيمَ) أَيْ: تَحْرِيمَ نَظَرِهِ لِأُمِّهَا (قَدْ سَبَقَ) مِنْهُ (بِسَبَبِ مَحْرَمٍ) وَهُوَ الزِّنَا، فَامْتَنَعَ عَلَيْهِ النَّظَرُ؛ عُقُوبَةً لَهُ، وَتَغْلِيظًا عَلَيْهِ، وَهَذَا الِاتِّجَاهُ تَمِيلُ إلَيْهِ النَّفْسُ؛ لِتَضَمُّنِهِ (الْوَرَعَ)(وَكَذَا مُحَرَّمَةٌ بِلِعَانٍ) يَحْرُمُ عَلَى الْمُلَاعِنِ النَّظَرُ إلَيْهَا، (وَ) كَذَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ نَظَرٌ (نَحْوَ بِنْتِ مَوْطُوءَةٍ، بِشُبْهَةٍ) كَأُمِّهَا، لِأَنَّ السَّبَبَ لَيْسَ مُبَاحًا.
[تَنْبِيهٌ لَا تُسَافِرُ مُسْلِمَةٌ مَعَ أَبِيهَا الْكَافِرِ]
تَنْبِيهٌ: وَلَا تُسَافِرُ مُسْلِمَةٌ مَعَ أَبُوهَا الْكَافِرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحْرَمًا لَهَا فِي السَّفَرِ، نَصًّا، وَإِنْ كَانَ مَحْرَمًا فِي النَّظَرِ. وَإِنْ كَانَتْ الْأَمَةُ جَمِيلَةً وَخِيفَتْ الْفِتْنَةُ بِهَا؛ حَرُمَ النَّظَرُ إلَيْهَا، كَالْغُلَامِ الْأَمْرَدِ الَّذِي تُخْشَى الْفِتْنَةُ بِنَظَرِهِ (لِوُجُودِ الْعِلَّةِ فِي تَحْرِيمِ) النَّظَرِ، وَهُوَ الْخَوْفُ مِنْ الْفِتْنَةِ، وَالْفِتْنَةُ تَسْتَوِي فِيهَا الْحُرَّةُ وَالْأَمَةُ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى، وَنَصَّ أَحْمَدُ أَنَّ الْأَمَةَ الْجَمِيلَةَ تَتَنَقَّبُ، وَلَا يُنْظَرُ إلَى الْمَمْلُوكَةِ، فَكَمْ نَظْرَةٍ أَلْقَتْ فِي قَلْبِ صَاحِبِهَا الْبَلَابِلَ
(وَلِعَبْدٍ لَا مُبَعَّضٍ وَمُشْتَرَكٍ خِلَافًا لِلْمُوَفَّقِ) فِي جَعْلِهِ الْمُشْتَرَكَ كَالْعَبْدِ (نَظَرُ ذَلِكَ) أَيْ: الْوَجْهِ وَالرَّقَبَةِ وَالْيَدِ وَالْقَدَمِ وَالسَّاقِ وَالرَّأْسِ (مِنْ مَوْلَاتِهِ) أَيْ: مَالِكَةِ كُلِّهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} [النور: 31] الْآيَةَ إلَى قَوْلِهِ: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} [النور: 31] ؛ وَلِأَنَّهُ يَشُقُّ عَلَى رَبَّةِ الْعَبْدِ التَّحَرُّزُ مِنْهُ (وَكَذَا) أَيْ كَالْعَبْدِ وَالْمَحْرَمِ، (غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ) مِنْ الرِّجَالِ - أَيْ: غَيْرِ أُولِي الْحَاجَةِ مِنْ النِّسَاءِ - قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: هُوَ الْمُخَنَّثُ الَّذِي لَا يَقُومُ عَلَيْهِ زُبُّهُ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ: الَّذِي لَا إرْبَ لَهُ فِي النِّسَاءِ، وَهُوَ مَنْ لَا شَهْوَةَ لَهُ (كَعِنِّينٍ وَكَبِيرٍ) وَمُخَنَّثٍ شَدِيدِ التَّأْنِيثِ فِي الْخِلْقَةِ حَتَّى يُشْبِهَ الْمَرْأَةَ فِي اللِّينِ وَالْكَلَامِ وَالنَّغْمَةِ وَالنَّظَرِ وَالْعَقْلِ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي النِّسَاءِ إرْبٌ (وَمَرِيضٍ) وَهُوَ مَنْ ذَهَبَتْ شَهْوَتُهُ لِمَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ} [النور: 31](وَيُنْظَرُ مِمَّنْ لَا تُشْتَهَى كَعَجُوزٍ وَبَرْزَةٍ) قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: الْبَرْزَةُ هِيَ تَخْرُجُ وَتَدْخُلُ آمِنَةً عَلَى نَفْسِهَا، وَإِنْ كَانَتْ شَابَّةً (وَقَبِيحَةٍ) وَهِيَ الشَّوْهَاءُ الَّتِي لَا تُشْتَهَى، وَمَرِيضَةٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهَا (لِلْوَجْهِ خَاصَّةً) . جَزَمَ بِهِ فِي " التَّنْقِيحِ " وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ.
وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ ": نَظَرُ كُلِّ عَجُوزَةٍ بَرْزَةٍ هِمَّةٍ، وَمَنْ لَا يُشْتَهَى مِثْلُهَا غَالِبًا، وَمَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ مِنْهَا، وَلَمْسُهُ، وَمُصَافَحَتُهَا وَالسَّلَامُ عَلَيْهَا، إنْ أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ.
(وَلِشَاهِدٍ) نَظَرُ وَجْهٍ مَشْهُودٍ عَلَيْهَا تَحَمُّلًا، وَأَدَاءً عِنْدَ الْمُطَالَبَةِ مِنْهُ؛ لِتَكُونَ الشَّهَادَةُ وَاقِعَةً عَلَى عَيْنِهَا. قَالَ أَحْمَدُ: لَا يَشْهَدُ عَلَى امْرَأَةٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ عَرَفَهَا بِعَيْنِهَا (وَ) كَذَا (مُعَامِلٌ) فِي بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ وَنَحْوِهِ يُبَاحُ (نَظَرُهُ) وَجْهَ مَنْ يُعَامِلُهَا (مَعَ كَفَّيْهَا) فَيَنْظُرُ لِوَجْهِهَا لِيَعْرِفَهَا بِعَيْنِهَا، فَيَرْجِعُ عَلَيْهَا بِالدَّرْكِ، وَإِلَى كَفَّيْهَا
(لِحَاجَةٍ) نَصًّا. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَنْظُرُ إلَى وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا إذَا كَانَتْ تُعَامِلُهُ. انْتَهَى. وَأَمَّا الشَّاهِدُ فَلَيْسَ لَهُ النَّظَرُ إلَى غَيْرِ الْوَجْهِ؛ إذْ الشَّهَادَةُ لَا دَخْلَ لَهَا فِي الْكَفَّيْنِ. أَفَادَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. (وَلِطَبِيبٍ وَمَنْ يَلِي خِدْمَةَ مَرِيضٍ) أَوْ أَقْطَعَ يَدَيْنِ (وَلَوْ أُنْثَى فِي وُضُوءٍ وَاسْتِنْجَاءٍ نَظَرٌ وَمَسُّ مَا دَعَتْ إلَيْهِ حَاجَةٌ) حَتَّى الْفَرْجَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَوْضِعُ حَاجَةٍ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ ذِمِّيًّا قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي " " وَالْمُبْدِعِ " (وَكَذَا لَوْ حَلَقَ عَانَةَ مَنْ لَا يُحْسِنُهُ) أَيْ: حَلَقَ عَانَةَ نَفْسِهِ، نَصًّا، فَيُبَاحُ لِلْحَلَّاقِ النَّظَرُ إلَى الْمَحَلِّ الَّذِي يَحْلِقُهُ (وَيَسْتُرُ غَيْرَ مَوْضِعِ الْحَاجَةِ) وُجُوبًا؛ لِأَنَّهَا عَلَى الْأَصْلِ فِي التَّحْرِيمِ، وَكَذَا لِمَعْرِفَةِ بَكَارَةٍ وَثُيُوبَةٍ وَبُلُوغٍ؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «لَمَّا حَكَّمَ سَعْدًا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ كَانَ يَكْشِفُ عَنْ مُؤْتَزِرِهِمْ» . وَعَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ أُتِيَ بِغُلَامٍ قَدْ سَرَقَ، فَقَالَ: اُنْظُرُوا إلَى مُؤْتَزَرِهِ فَلَمْ يَجِدُوهُ أَنْبَتَ الشَّعْرِ، فَلَمْ يَقْطَعْهُ (وَلْيَكُنْ) نَظَرُ مَنْ يُطَبِّبُ أُنْثَى (مَعَ حُضُورِ مَحْرَمٍ) لَهَا أَوْ زَوْجٍ، لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مَعَ الْخَلْوَةِ مُوَاقَعَةُ الْمَحْظُورِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إلَّا كَانَ الشَّيْطَانُ ثَالِثَهُمَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَلَا امْرَأَةٌ مَعَ امْرَأَةٍ وَلَوْ كَافِرَةٌ مَعَ مُسْلِمَةٍ) نَظَرُ غَيْرِ مَا بَيْنَ سُرَّةٍ وَرُكْبَةٍ، لِأَنَّ النِّسَاءَ الْكَوَافِرَ كُنَّ يَدْخُلْنَ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَكُنَّ يَحْجُبْنَ، وَلَا أَمَرَ بِحِجَابٍ.
فَائِدَةٌ: يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْكَافِرَةُ قَابِلَةً لِلْمُسْلِمَةِ لِلضَّرُورَةِ، وَإِلَّا فَلَا. نَصَّ عَلَيْهِ (وَلِرَجُلٍ مَعَ رَجُلٍ وَلَوْ أَمْرَدَ وَسَيِّدٌ مَعَ أَمَتِهِ الْمَحْرَمَةِ كَمُزَوَّجَةٍ، وَمَجُوسِيَّةٍ نَظَرُ غَيْرِ مَا بَيْنَ سُرَّةٍ وَرُكْبَةٍ) لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «احْفَظْ عَوْرَتَك إلَّا مِنْ زَوْجَتِك أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُك» (وَلِامْرَأَةٍ نَظَرُ ذَلِكَ) أَيْ غَيْرِ مَا بَيْنَ سُرَّةٍ وَرُكْبَةٍ (مِنْ رَجُلٍ)«لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ: اعْتَدِّي فِي بَيْتِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ؛ فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى تَضَعِينَ ثِيَابَك فَلَا يَرَاك» . وَقَالَتْ عَائِشَةُ: «كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتُرنِي بِرِدَائِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إلَى الْحَبَشَةِ يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلَمَّا «فَرَغَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ خُطْبَةِ الْعِيدِ مَضَى إلَى النِّسَاءِ فَذَكَّرَهُنَّ وَمَعَهُ بِلَالٌ، فَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ» . وَلِأَنَّهُنَّ لَوْ مُنِعْنَ النَّظَرَ لَوَجَبَ الْحِجَابُ عَلَى الرِّجَالِ كَمَا وَجَبَ عَلَى النِّسَاءِ؛ لِئَلَّا يَنْظُرْنَ إلَيْهِمْ. فَأَمَّا حَدِيثُ نَبْهَانَ عَنْ «أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: كُنْت قَاعِدَةً عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَا وَحَفْصَةُ، فَاسْتَأْذَنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم احْتَجِبَا مِنْهُ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ ضَرِيرٌ لَا يُبْصِرُ، فَقَالَ: أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا، أَلَسْتُمَا تُبْصِرَانِهِ» ؟ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. فَقَالَ أَحْمَدُ: نَبْهَانُ رَوَى حَدِيثَيْنِ عَجِيبَيْنِ، هَذَا الْحَدِيثُ، وَالْآخَرُ:«إذَا كَانَ لِإِحْدَاكُنَّ مُكَاتَبًا فَلْتَحْتَجِبْ مِنْهُ» . كَأَنَّهُ أَشَارَ إلَى ضَعْفِ حَدِيثِهِ، إذْ لَمْ يَرْوِ إلَّا هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ الْمُخَالِفَيْنِ لِلْأُصُولِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: نَبْهَانُ مَجْهُولٌ، لَا يُعْرَفُ إلَّا بِرِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْهُ هَذَا الْحَدِيثُ. وَحَدِيثُ فَاطِمَةَ صَحِيحٌ، فَالْحُجَّةُ بِهِ لَازِمَةٌ، ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنَّ حَدِيثَ نَبْهَانَ خَاصٌّ بِأَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ، قَالَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد، لَكِنَّهُ يُعَارِضُ حَدِيثَ عَائِشَةَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ
(وَمُمَيِّزٌ لَا شَهْوَةَ لَهُ مَعَ امْرَأَةٍ كَامْرَأَةٍ) لِأَنَّهُ لَا شَهْوَةَ لَهُ؛ أَشْبَهَ الطِّفْلَ، وَلِأَنَّ الْمُحَرِّمَ لِلرُّؤْيَةِ فِي حَقِّ الْبَالِغِ كَوْنُهُ مَحَلًّا لِلشَّهْوَةِ، وَهُوَ مَعْدُومٌ هُنَا، وَمُمَيِّزٌ (ذُو شَهْوَةٍ مَعَهَا) أَيْ: الْمَرْأَةِ كَمُحَرَّمٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَّقَ بَيْنَ الْبَالِغِ وَغَيْرِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} [النور: 59] وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ النَّظَرُ لَمَّا كَانَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ.
(وَبِنْتُ تِسْعٍ مَعَ رَجُلٍ كَمُحَرَّمٍ) لِأَنَّ عَوْرَتَهَا مُخَالِفَةٌ لِعَوْرَةِ الْبَالِغَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ» يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ صَلَاةِ مَنْ لَمْ تَحِضْ مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ، وَكَقَوْلِنَا فِي الْغُلَامِ الْمُرَاهِقِ مَعَ النِّسَاءِ.
(وَخُنْثَى مُشْكِلٌ فِي نَظَرِ) رَجُلٍ (إلَيْهِ كَامْرَأَةٍ) تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْحَظْرِ. قَالَ الْمُنَقِّحُ: (وَنَظَرُهُ) أَيْ: الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ (لِرَجُلٍ كَنَظَرِ امْرَأَةٍ إلَيْهِ، وَ) نَظَرُهُ لِامْرَأَةٍ (كَنَظَرِ رَجُلٍ إلَيْهَا) تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْحَظْرِ (وَلِكُلِّ) وَاحِدٍ (مِنْ الزَّوْجَيْنِ نَظَرُ جَمِيعِ بَدَنِ الْآخَرِ وَلَمْسِهِ بِلَا كَرَاهَةٍ حَتَّى فَرْجِهَا) لِمَا رَوَى بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: «قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ، قَالَ: احْفَظْ عَوْرَتَك إلَّا مِنْ زَوْجِك أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُك» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ؛ لِأَنَّ الْفَرْجَ مَحَلُّ الِاسْتِمْتَاعِ فَجَازَ النَّظَرُ إلَيْهِ كَبَقِيَّةِ الْبَدَنِ، وَالسُّنَّةُ أَنْ لَا يَنْظُرَ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَى فَرْجِ الْآخَرِ. قَالَتْ عَائِشَةُ:«مَا رَأَيْت فَرْجَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَطُّ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَفِي لَفْظٍ «قَالَتْ: مَا رَأَيْتُهُ مِنْ النَّبِيِّ وَلَا رَآهُ مِنِّي»
(كَ) مَا لَا يُكْرَهُ النَّظَرُ إلَى عَوْرَةِ (وَلَدٍ دُونَ سَبْعِ) سِنِينَ نَصًّا وَلَا يَجِبُ سَتْرُهَا مَعَ أَمْنِ الشَّهْوَةِ؛ لِأَنَّ «إبْرَاهِيمَ ابْنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم غَسَلَهُ النِّسَاءُ» (وَكُرِهَ نَظَرُ فَرْجٍ حَالَ طَمْثٍ) أَيْ: حَيْضٍ، يُقَالُ: طَمِثَتْ الْمَرْأَةُ تَطْمِثُ، كَبَصِرَ وَسَمِعَ، إذَا حَاضَتْ، فَهِيَ طَامِثٌ، فَيَكُونُ أَيْضًا بِمَعْنَى الْجِمَاعِ، وَزَادَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى " وَحَالَ الْوَطْءِ (وَ) كُرِهَ (تَقْبِيلُهُ) أَيْ: الْفَرْجِ (بَعْدَ جِمَاعٍ لَا قَبْلَهُ) قَالَهُ الْقَاضِي فِي " الْجَامِعِ " وَذَكَرَهُ عَنْ عَطَاءٍ (وَكَذَا سَيِّدٌ مَعَ أَمَتِهِ الْمُبَاحَةِ لَهُ) لِكُلٍّ مِنْهُمَا نَظَرُ بَدَنِ الْآخَرِ وَلَمْسُهُ بِلَا كَرَاهَةٍ حَتَّى فَرْجِهَا؛ لِحَدِيثِ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ. وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ الْمُبَاحَةُ عَنْ الْمُشْتَرَكَةِ وَالْمُزَوَّجَةِ وَالْوَثَنِيَّةِ وَنَحْوِهَا مِمَّنْ لَا
تَحِلُّ لَهُ (وَمَنْ لَا يَمْلِكُ إلَّا بَعْضًا) وَلَوْ أَكْثَرَهَا (كَمَنْ لَا حَقَّ لَهُ) فِيهَا فِي تَحْرِيمِ الِاسْتِمْتَاعِ وَالنَّظَرِ إلَى الْعَوْرَةِ؛ لِأَنَّ مَا حَرَّمَ الْوَطْءَ حَرَّمَ دَوَاعِيَهُ (وَحَرُمَ فِي غَيْرِ مَا مَرَّ قَصْدُ نَظَرِ حُرَّةٍ أَجْنَبِيَّةٍ) لِمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا النَّظَرُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ فَلَيْسَ بِحَرَامٍ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«الْأُولَى لَك» أَيْ: مَا كَانَ فَجْأَةً مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ (حَتَّى) قَصْدِ نَظَرِ (شَعْرٍ مُتَّصِلٍ) بِهَا كَسَائِرِ أَجْزَائِهَا وَ (لَا) يَحْرُمُ قَصْدُ نَظَرِ شَعْرٍ (بَائِنٍ) أَيْ: مُنْفَصِلٍ مِنْهَا؛ لِزَوَالِ حُرْمَتِهِ بِالِانْفِصَالِ (قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ: ظُفْرُهَا) الْمُتَّصِلُ بِهَا (عَوْرَةٌ، فَإِذَا خَرَجَتْ فَلَا يَبِنْ) أَيْ: يَظْهَرُ مِنْهَا (شَيْءٌ وَلَا خُفَّهَا) غَيْرَ الصَّفِيقِ (فَإِنَّهُ يَصِفُ الْقَدَمَ، وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ تَجْعَلَ لِكُمِّهَا زِرًّا عِنْدَ يَدَيْهَا) انْتَهَى.
(وَعِنْدَ الْقَاضِي يَجُوزُ النَّظَرُ لِوَجْهِ وَكَفِّ أَجْنَبِيَّةٍ لِغَيْرِ) حَاجَةٍ وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَى وَجْهِ الْأَجْنَبِيَّةِ (مَعَ أَمْنِ فِتْنَةٍ) انْتَهَى. (وَ) قَالَ (فِي " الْإِنْصَافِ ") قُلْت: وَ (هَذَا الَّذِي لَا يَسَعُ النَّاسُ غَيْرَهُ خُصُوصًا الْجِيرَانُ) وَالْأَقَارِبُ غَيْرُ الْمَحَارِمِ الَّذِي نَشَأَ بَيْنَهُمْ
(وَنَظَرُ خَصِيٍّ وَمَجْبُوبٍ وَمَمْسُوحٍ كَفَحْلٍ) فَيَحْرُمُ، وَلِذَلِكَ لَا تُبَاحُ خَلْوَةُ الْفَحْلِ بِالرَّتْقَاءِ مِنْ النِّسَاءِ (وَاسْتَعْظَمَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ إدْخَالُ الْخُصْيَانِ عَلَى النِّسَاءِ) لِأَنَّ الْعُضْوَ وَإِنْ تَعَطَّلَ أَوْ عُدِمَ، فَشَهْوَةُ الرَّجُلِ لَا تَزُولُ مِنْ قُلُوبِهِمْ وَلَا يُؤْمَنُ التَّمَتُّعُ بِالْقُبْلَةِ وَغَيْرِهَا (وَحَرُمَ نَظَرٌ لِشَهْوَةٍ أَوْ مَعَ خَوْفِ ثَوَرَانِهَا) أَيْ: الشَّهْوَةِ نَصًّا (لِأَحَدٍ مِمَّنْ ذَكَرْنَا) أَيْ: مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَخُنْثَى غَيْرِ زَوْجَةٍ وَسُرِّيَّةٍ؛ لِمَا فِي النَّظَرِ مِنْ الدُّعَاءِ إلَى الْفِتْنَةِ (قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (وَمَنْ اسْتَحَلَّهُ) أَيْ: النَّظَرَ (لِشَهْوَةٍ كَفَرَ إجْمَاعًا. وَحَرُمَ نَظَرُهُ لِدَابَّةٍ بِشَهْوَةٍ) وَلَا يُعْفَ عَنْهَا (وَخَلْوَةٌ لَهُ بِهَا) لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ (كَ) مَا تَحْرُمُ الْخَلْوَةُ (بِقِرْدٍ تَشْتَهِيهِ الْمَرْأَةُ) أَوْ يَشْتَهِيهَا. ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ؛ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ (وَمَعْنَى الشَّهْوَةِ التَّلَذُّذُ بِالنَّظَرِ)
إلَى الشَّيْءِ (قَالَهُ فِي " الْإِنْصَافِ ")
وَيَجُوزُ النَّظَرُ إلَى الْغُلَامِ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ، لِأَنَّهُ ذَكَرٌ أَشْبَهَ الْمُلْتَحِي، مَا لَمْ يَخَفْ ثَوَرَانَ الشَّهْوَةِ، فَيَحْرُمُ النَّظَرُ إلَيْهِ إذَا كَانَ مُمَيِّزًا؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْفِتْنَةِ (وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ) فِي كِتَابِ " الْقَضَاءِ " (تَكْرَارُ النَّظَرِ لِلْأَمْرَدِ مُحَرَّمٌ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ (وَقَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ:(مَنْ كَرَّرَ النَّظَرَ إلَى الْأَمْرَدِ أَوْ دَاوَمَهُ، وَقَالَ: إنِّي لَا أَنْظُرُ لِشَهْوَةٍ فَقَدْ كَذَبَ فِي ذَلِكَ وَقَالَ: الْخَلْوَةُ بِأَمْرَدَ حَسَنٌ وَمُضَاجَعَتُهُ كَامْرَأَةٍ)
أَيْ: فَتَحْرُمُ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ (وَلَوْ لِمَصْلَحَةِ تَعْلِيمٍ وَتَأْدِيبٍ وَالْمُقِرُّ مُوَلِّيهِ عِنْدَ مَنْ يُعَاشِرُهُ كَذَلِكَ) أَيْ: مَعَ الْخَلْوَةِ أَوْ الْمُضَاجَعَةِ (مَلْعُونٌ وَدَيُّوثٌ، وَمَنْ عُرِفَ بِمَحَبَّتِهِمْ أَوْ مُعَاشَرَةٍ بَيْنَهُمْ مُنِعَ مِنْ تَعْلِيمِهِمْ انْتَهَى. قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ لِرَجُلٍ) صَدِيقٍ لَهُ قَدِمَ مِنْ خُرَاسَانَ وَ (مَعَهُ غُلَامٌ جَمِيلٌ هُوَ ابْنُ أُخْتِهِ: الَّذِي أَرَى لَك أَنْ لَا يَمْشِيَ مَعَك فِي طَرِيقٍ) وَقَالَ لَهُ: إذَا جِئْتنِي لَا يَكُونُ مَعَك، فَقَالَ لَهُ: إنَّهُ ابْنُ أُخْتِي. قَالَ: وَإِنْ كَانَ، لَا يَأْثَمُ النَّاسُ فِيك (وَكَرِهَ أَحْمَدُ مُجَالَسَةَ الْغُلَامِ الْحَسَنِ الْوَجْهِ) خَشْيَةَ الِافْتِتَانِ بِهِ، وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: كَانَ السَّلَفُ يَقُولُونَ فِي الْأَمْرَدِ: هُوَ أَشَدُّ فِتْنَةً مِنْ الْعَذَارَى، فَإِطْلَاقُ الْبَصَرِ مِنْ أَعْظَمِ الْفِتْنَةِ. وَرَوَى الْحَاكِمُ فِي تَارِيخِهِ " قَالَ: مَنْ أُعْطِيَ أَسْبَابَ الْفِتْنَةِ مِنْ نَفْسِهِ أَوَّلًا؛ لَمْ يَنْجُ مِنْهَا آخِرًا، وَإِنْ كَانَ جَاهِدًا. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَالْأَمْرَدُ يُنْفِقُ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، فَهُوَ شَبَكَةُ الشَّيْطَانِ فِي حَقِّ النَّوْعَيْنِ.
تَكْمِلَةٌ: قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذَبَارِيُّ: قَالَ لِي أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ الْمُؤَدِّبُ: يَا أَبَا عَلِيٍّ مِنْ أَيْنَ أَخَذَ صُوفِيَّةُ عَصْرِنَا هَذَا الْأُنْسَ بِالْأَحْدَاثِ؟ فَقُلْت لَهُ: يَا سَيِّدِي أَنْتَ بِهِمْ أَعْرَفُ، وَقَدْ تَصْحَبُهُمْ السَّلَامَةُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأُمُورِ فَقَالَ: هَيْهَاتَ قَدْ رَأَيْنَا مَنْ كَانَ أَقْوَى إيمَانًا مِنْهُمْ إذَا رَأَى الْحَدَثَ قَدْ
أَقْبَلَ يَفِرُّ كَفِرَارِهِ مِنْ الزَّحْفِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى حَسَبِ الْأَوْقَاتِ الَّتِي تَغْلِبُ الْأَحْوَالُ عَلَى أَهْلِهَا، فَتَأْخُذُهَا عَنْ تَصَرُّفِ الطِّبَاعِ، مَا أَكْثَرَ الْخَطَرَ، مَا أَكْثَرَ الْغَلَطَ. قَالَ أَبُو عَلِيٍّ: وَسَمِعْته حِينَئِذٍ يَقُولُ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ وَمَعَهُ غُلَامٌ حَسَنُ الْوَجْهِ، فَقَالَ لَهُ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: ابْنِي، فَقَالَ لَهُ أَحْمَدُ: لَا تَجِئْ بِهِ مَعَك مَرَّةً أُخْرَى، فَلَمَّا قَامَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَافِظُ: أَيَّدَ اللَّهُ الشَّيْخَ، إنَّهُ رَجُلٌ مَسْتُورٌ، وَابْنُهُ أَفْضَلُ مِنْهُ، فَقَالَ أَحْمَدُ: الَّذِي قَصَدْنَا لَهُ مِنْ هَذَا الْبَابِ لَيْسَ يَمْنَعُ مِنْهُ سِتْرُهُمَا، عَلَى هَذَا رَأَيْنَا أَشْيَاخَنَا، وَبِهِ أَخْبَرُونَا عَنْ أَشْيَاخِهِمْ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ: سَمِعْت إبْرَاهِيمَ بْنَ هَانِئٍ يَقُولُ: سَمِعْت يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ يَقُولُ: مَا طَمِعَ أَمْرَدُ بِصُحْبَتِي وَلَا لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي طَرِيقٍ، وَعَنْ الْحَسَنِ بْنِ ذَكْوَانَ: لَا تُجَالِسُوا أَوْلَادَ الْأَغْنِيَاءِ، فَإِنَّ لَهُمْ صُوَرًا كَصُوَرِ النِّسَاءِ، وَهُمْ أَشَدُّ فِتْنَةً مِنْ الْعَذَارَى. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: النَّظَرُ إلَى الْمُرْدَانِ جَائِزٌ عَلَى طَرِيقِ الْجُمْلَةِ إذَا لَمْ تَعْرِضْ شَهْوَةٌ، وَلَمْ يُوقَظْ نَظَرُهُمْ مِنْ النَّفْسِ الْتِذَاذًا أَوْ مَيْلًا؛ لِكَوْنِ الشَّرْعِ لَمْ يَأْمُرْ؛ بِتَغْطِيَتِهِمْ، وَجَوَّزَ دُخُولَهُمْ وَخُرُوجَهُمْ، وَالِاجْتِمَاعَ بِالرِّجَالِ فِي الْحَمَّامَاتِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُجْعَلْ الشَّرْعُ مَبْنِيًّا عَلَى شَهَوَاتِ الْفُسَّاقِ، فَصَارَتْ الشَّهْوَةُ لَهُمْ كَمَنْ يَشْتَهِي الْبَهَائِمَ وَالرِّجَالَ. انْتَهَى، أَفَادَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُحَرَّرِ ".
(وَلَمْسٌ كَنَظَرٍ) فَيَحْرُمُ حَيْثُ يَحْرُمُ النَّظَرُ، (بَلْ) اللَّمْسُ (أَوْلَى) لِأَنَّهُ أَبْلَغُ مِنْ النَّظَرِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ حِلِّ النَّظَرِ حِلُّ اللَّمْسِ كَالشَّاهِدِ وَنَحْوِهِ (وَكَرِهَ أَحْمَدُ مُصَافَحَةَ النِّسَاءِ، وَشَدَّدَ أَيْضًا حَتَّى لِمَحْرَمٍ، وَجَوَّزَهُ لِوَالِدٍ) قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ: وَمَحْرَمٌ (وَ) جُوِّزَ (أُخِذَ يَدِ عَجُوزٍ) وَفِي " الرِّعَايَةِ "(وَشَوْهَاءَ) ، (وَلَا بَأْسَ بِتَقْبِيلِ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ مَعَ أَمْنِ فِتْنَةٍ
لِقَادِمٍ مِنْ سَفَرٍ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، وَذَكَرَ حَدِيثَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «قَدِمَ مِنْ غَزْوٍ فَقَبَّلَ فَاطِمَةَ»
(لَكِنْ لَا يَفْعَلُهُ عَلَى الْفَمِ أَبَدًا، بَلْ الْجَبْهَةِ وَالرَّأْسِ) وَنَقَلَ حَرْبٌ فِيمَنْ تَضَعُ يَدَهَا عَلَى بَطْنِ رَجُلٍ لَا تَحِلُّ لَهُ، قَالَ: لَا يَنْبَغِي إلَّا لِضَرُورَةٍ؛ وَنَقَلَ المروذي: تَضَعُ يَدَهَا عَلَى صَدْرِهِ، قَالَ: ضَرُورَةً.
(وَكُرِهَ نَوْمُ رَجُلَيْنِ أَوْ امْرَأَتَيْنِ أَوْ مُرَاهِقَيْنِ مُتَجَرِّدَيْنِ تَحْتَ ثَوْبٍ أَوْ لِحَافٍ وَاحِدٍ) ذَكَرَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَ " الرِّعَايَةِ ". وَقَدْ «نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ مُبَاشَرَةِ الرَّجُلِ الرَّجُلَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَالْمَرْأَةِ الْمَرْأَةَ» . قَالَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ ": مَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا ثَوْبٌ، فَلَا يُكْرَهُ نَوْمُهَا تَحْتَ ثَوْبٍ وَاحِدٍ، أَوْ لِحَافٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ مَفْهُومٌ مِنْ قَوْلِهِ: مُتَجَرِّدَيْنِ.
(وَيَتَّجِهُ) أَنَّ كَرَاهَةَ (هَذَا) النَّوْمِ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمَذْكُورَةِ (مَعَ أَمْنِ فِتْنَةٍ) عَلَيْهِمَا أَوْ عَلَى أَحَدِهِمَا (وَ) أَمْنِ (نَظَرِ عَوْرَةٍ)(وَ) أَمْنِ (لَمْسِ) بَشَرَةٍ (وَإِلَّا) يُؤْمَنُ ذَلِكَ أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا غَيْرَ زَوْجٍ وَسَيِّدٍ، وَالْآخَرُ أُنْثَى، أَوْ كَانَ رَجُلٌ مَعَ أَمْرَدَ (حَرُمَ) نَوْمُهُمَا تَحْتَ ثَوْبٍ وَاحِدٍ، أَوْ لِحَافٍ وَاحِدٍ؛ لِمَا يَأْتِي فِي الْإِخْوَةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَإِذَا بَلَغَ الْإِخْوَةُ عَشْرَ سِنِينَ) ذُكُورًا كَانُوا أَوْ إنَاثًا، أَوْ إنَاثًا وَذُكُورًا (فَرَّقَ) أَيْ: فَرَّقَ وَلِيُّهُمْ (بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ) لِقَوْلِهِ عليه السلام: «وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ» أَيْ: حَيْثُ كَانُوا يَنَامُونَ مُتَجَرِّدِينَ كَمَا فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَ " الرِّعَايَةِ ". قَالَ فِي الْآدَابِ: هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ، وَاخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ.
وَالْمَنْصُوصُ: وَاخْتَارَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا وُجُوبَ التَّفْرِيقِ فِي ابْن سَبْعٍ فَأَكْثَرَ، وَأَنَّ لَهُ عَوْرَةً يَجِبُ حِفْظُهَا، أَيْ: عَنْ الْمُبَاشَرَةِ