الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَاحِدَةٍ أَوْ أَكْثَرَ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَوَاحِدَةٌ كَصَرِيحِهِ بِالْعَرَبِيَّةِ (فَإِنْ زَادَ) عَلَى بِهِشْتَمْ (بِسَيَّارِ فَثَلَاثٌ) تَقَعُ؛ لِأَنَّ مُؤَادَهُ ذَلِكَ فِي لُغَتِهِمْ (وَإِنْ أَتَى بِهِ) أَيْ: لَفْظِ بِهِشْتَمْ مَنْ لَا يَعْرِفُ مَعْنَاهُ كَالْعَرَبِيِّ لَا يَقَعُ، (أَوْ) أَتَى (بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ) الْعَرَبِيِّ (أَوْ) أَتَى بِلَفْظِ (الْعِتْقِ) الْعَرَبِيِّ (مَنْ لَمْ يَعْرِفْ مَعْنَاهُ) كَالْأَعْجَمِيِّ (لَمْ يَقَعْ) عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِلَفْظِهِ مَعْنَاهُ؛ لِعَدَمِ عِلْمِهِ (وَلَوْ نَوَى فِيهِ مُوجَبَهُ) أَيْ: الْقَوْلِ الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ اخْتِيَارُهُ لِمَا لَا يَعْلَمُهُ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ نَطَقَ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ مَنْ لَا يَعْرِفُ مَعْنَاهَا.
[فَصْلٌ كِنَايَات الطَّلَاق نَوْعَانِ]
فَصْلٌ (وَكِنَايَتُهُ) أَيْ: الطَّلَاقُ (نَوْعَانِ ظَاهِرَةٌ) وَهِيَ الْأَلْفَاظُ الْمَوْضُوعَةُ لِلْبَيْنُونَةِ لِأَنَّ مَعْنَى الطَّلَاقِ فِيهَا أَظْهَرُ، وَخَفِيَّةٌ وَهِيَ الْأَلْفَاظُ الْمَوْضُوعَةُ لِطَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ مَا لَمْ يَنْوِ أَكْثَرَ (وَهِيَ) أَيْ الظَّاهِرَةُ (لِسِتَّةِ عَشْرَ) كِنَايَةً (وَهِيَ أَنْتِ خَلِيَّةٌ) هِيَ فِي الْأَصْلِ النَّاقَةُ تُطْلَقُ مِنْ عِقَالِهَا وَيُخَلَّى عَنْهَا، وَلَا يُقَالُ لِلْمَرْأَةِ خَلِيَّةٌ كِنَايَةً عَنْ الطَّلَاقِ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ (وَبَرِيَّةٌ) بِالْهَمْزِ وَتَرْكِهِ (وَبَائِنٌ) أَيْ: مُنْفَصِلَةٌ (وَبَتَّةٌ) أَيْ: مَقْطُوعَةٌ (وَبَتْلَةٌ) أَيْ: مُنْقَطِعَةٌ وَسُمِّيَتْ مَرْيَمَ الْبَتُولَ؛ لِانْقِطَاعِهَا عَنْ النِّكَاحِ بِالْكُلِّيَّةِ (وَأَنْتِ حُرَّةٌ) لِأَنَّ الْحُرَّةَ هِيَ الَّتِي لَا رِقَّ عَلَيْهَا، وَلَا شَكَّ أَنَّ النِّكَاحَ رِقٌّ، وَفِي الْخَبَرِ:«فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ؛ فَإِنَّهُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ» أَيْ: أَسْرَى، وَالزَّوْجُ لَيْسَ لَهُ عَلَى الزَّوْجَةِ إلَّا رِقَّ الزَّوْجِيَّةِ، فَإِذَا أَخْبَرَ بِزَوَالِ الرِّقِّ فَهُوَ الرِّقُّ الْمَعْهُودُ، وَهُوَ رِقُّ الزَّوْجِيَّةِ (وَأَنْتِ الْحَرَجُ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالرَّاءِ يَعْنِي الْحَرَامَ وَالْإِثْمَ (وَحَبْلُك عَلَى غَارِبِك) هُوَ مُقَدَّمُ السَّنَامِ؛ أَيْ: أَنْتِ مُرْسَلَةٌ مُطْلَقَةٌ غَيْرُ مَشْدُودَةٍ وَلَا مُمْسَكَةٍ بِعَقْدِ النِّكَاحِ (وَتَزَوَّجِي مَنْ شِئْت وَحَلَلْت لِلْأَزْوَاجِ، وَلَا سَبِيلَ) لِي عَلَيْك
السَّبِيلُ الطَّرِيقُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ (أَوْ لَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْك، وَأَعْتَقْتُك، وَغَطِّ شَعْرَك وَتَقَنَّعِي، وَأَمْرُك بِيَدِك وَيَأْتِي) فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ بَعْدَ هَذَا.
(وَ) الْكِنَايَةُ (الْخَفِيَّةُ عِشْرُونَ) سُمِّيَتْ خَفِيَّةً؛ لِأَنَّهَا أَخْفَى فِي الدَّلَالَةِ مِنْ الْأُولَى (وَهِيَ اُخْرُجِي وَاذْهَبِي وَذُوقِي وَتَجَرَّعِي وَخَلَّيْتُك وَأَنْتِ مُخَلَّاةٌ) أَيْ: مُطَلَّقَةٌ مِنْ خَلَّى سَبِيلَهُ فَهُوَ مُخَلَّى (وَأَنْتِ وَاحِدَةٌ أَيْ مُنْفَرِدَةٌ، وَلَيْسَ لِي بِامْرَأَةٍ، وَاعْتَدِّي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَدْخُولًا بِهَا لِأَنَّهَا مَحَلٌّ لِلْعِدَّةِ فِي الْجُمْلَةِ وَاسْتَبْرِئِي) مِنْ اسْتِبْرَاءِ الْإِمَاءِ، وَيَأْتِي (وَاعْتَزِلِي) أَيْ: كُونِي وَحْدَك فِي جَانِبٍ (وَشَبَهُهُ وَالْحَقِي) بِهَمْزَةِ وَصْلٍ وَفَتْحِ الْحَاءِ (بِأَهْلِك، وَلَا حَاجَةَ لِي فِيك، وَمَا بَقِيَ شَيْءٌ؛ وَأَغْنَاك اللَّهُ، وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ طَلَّقَك وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَرَاحَك مِنِّي، وَجَرَى الْقَلَمُ، وَلَفْظُ فِرَاقٍ وَلَفْظُ سَرَاحٍ وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُمَا) أَيْ: الْفِرَاقِ وَالسَّرَاحِ (غَيْرَ مَا اُسْتُثْنِيَ مِنْ لَفْظِ الصَّرِيحِ) وَهُوَ الْأَمْرُ وَالْمُضَارِعُ، وَمُفَرَّقَةٌ وَمَرِحَةٌ بِكَسْرِ الرَّاءِ: اسْمُ فَاعِلٍ (وَيَتَّجِهُ مِنْهَا) أَيْ: الْكِنَايَةِ الْخَفِيَّةِ (أَلْفَاظُ الْخُلْعِ السِّتَّةُ) الْمُقَدَّمَةُ، وَمِنْهَا قَوْلُ الزَّوْجِ (لَيْسَ لِي امْرَأَةٌ وَنَحْوُهُ مِمَّا مَرَّ) مِنْ الْأَلْفَاظِ وَمَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ مِمَّا يَسْتَعْمِلُهُ الْعَوَامُّ كَعَدَّيْت عَنْهَا، وَجُزْت مِنْهَا.
(وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّهُ يَصِحُّ عَدُّ صَرِيحِ طَلَاقِ الْمُكْرَهِ مِنْهَا) أَيْ: مِنْ الْكِنَايَاتِ الْخَفِيَّةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَعَدَّ ابْنُ عَقِيلٍ) مِنْ الْكِنَايَاتِ الْخَفِيَّةِ إنَّ اللَّهَ قَدْ طَلَّقَك (وَكَذَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَك فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَقَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (فِي) رَجُلٍ قَالَ لِزَوْجَتِهِ (إنْ أَبْرَأْتنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَقَالَتْ لَهُ أَبْرَأَك اللَّهُ مِمَّا تَدَّعِي النِّسَاءُ عَلَى الرِّجَالِ، فَظَنَّ أَنَّهُ يَبْرَأُ، فَطَلَّقَ قَالَ: يَبْرَأُ) مِمَّا تَدَّعِي النِّسَاءُ عَلَى الرِّجَالِ إنْ كَانَتْ رَشِيدَةً (وَنَظِيرُ ذَلِكَ إنَّ اللَّهَ قَدْ بَاعَك) فِي إيجَابِ الْبَيْعِ (أَوْ قَدْ أَقَالَك) فِي الْإِقَالَةِ (وَنَحْوُ ذَلِكَ) كَانَ اللَّهُ قَدْ آجَرَك أَوْ وَهَبَك وَالْبَرَاءَةُ فِيمَا تَقَدَّمَ صَحِيحَةٌ وَلَوْ جَهِلَتْ مَا أَبْرَأْت مِنْهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْهِبَةِ مِنْ صِحَّةِ الْبَرَاءِ مِنْهُ مِنْ الْمَجْهُولِ.
(وَلَا يَقَعُ بِكِنَايَةٍ، وَلَوْ ظَاهِرَةً) طَلَاقٌ لِقُصُورِ رُتْبَتِهَا عَنْ الصَّرِيحِ، فَوَقَفَ عَمَلُهَا عَلَى نِيَّةِ الطَّلَاقِ تَقْوِيَةً لَهَا لِتَلْحَقَهُ فِي الْعَمَلِ، وَلِاحْتِمَالِهَا غَيْرَ مَعْنَى الطَّلَاقِ؛ فَلَا تَتَعَيَّنُ لَهُ (إلَّا بِنِيَّةٍ مُقَارَنَةٍ لِلَّفْظِ) أَيْ: لِلَّفْظِ الْكِنَايَةِ، فَإِنْ وُجِدَتْ النِّيَّةُ فِي ابْتِدَائِهِ وَعَزَبَتْ عَنْهُ فِي بَاقِيهِ؛ وَقَعَ الطَّلَاقُ اكْتِفَاءً بِهَا فِي أَوَّلِهِ كَسَائِرِ مَا تُعْتَبَرُ لَهُ النِّيَّةُ مِنْ صَلَاةٍ وَغَيْرِهَا، وَإِنْ تَلَفَّظَ بِالْكِنَايَةِ غَيْرَ نَاوٍ لِلطَّلَاقِ، ثُمَّ نَوَاهُ بِهَا بَعْدُ؛ لَمْ يَقَعْ كَنِيَّةِ الطَّهَارَةِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا، وَقِيلَ وَكَذَا لَوْ قَارَنَتْ النِّيَّةُ الْجُزْءَ الثَّانِيَ مِنْ الْكِنَايَةِ دُونَ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمَنْوِيَّ غَيْرُ صَالِحٍ لِلْإِيقَاعِ بَعْدَ إتْيَانِهِ بِالْجُزْءِ الْأَوَّلِ بِلَا نِيَّةٍ كَصَلَاةٍ بَعْدَ إتْيَانِهِ بِبَعْضِ أَرْكَانِهَا، هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ فِي " شَرْحِ الْمُنْتَهَى "، وَصَحَّحَهُ فِي " تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ "، وَجَزَمَ بِهِ الْآدَمِيُّ فِي مُنْتَخَبِهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ مُقَارِنَةً لِلَّفْظِ؛ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تُقَارِنَ أَوَّلَهُ أَوْ غَيْرَهُ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ؛ (وَلَا تُشْتَرَطُ لِلْكِنَايَةِ) نِيَّةُ الطَّلَاقِ (حَالَ خُصُومَةٍ أَوْ حَالَ سُؤَالِ طَلَاقِهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ اكْتِفَاءً بِدَلَالَةِ الْحَالِ (فَلَوْ لَمْ يَرُدَّهُ) أَيْ: الطَّلَاقَ مَنْ أَتَى بِالْكِنَايَةِ فِي حَالٍ مِمَّا ذُكِرَ أَوْ أَرَادَ بِالْكِنَايَةِ (غَيْرَهُ) أَيْ: الطَّلَاقِ (إذَنْ) أَيْ: حَالَ خُصُومَةٍ أَوْ غَضَبٍ أَوْ سُؤَالِ طَلَاقِهَا (دُيِّنَ) فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ كَانَ صَادِقًا؛ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ شَيْءٌ (وَلَمْ يُقْبَلْ) مِنْهُ ذَلِكَ (حُكْمًا) لِتَأْثِيرِ دَلَالَةِ الْحَالِ فِي الْحُكْمِ كَمَا يُحْمَلُ الْكَلَامُ الْوَاحِدُ عَلَى الْمَدْحِ تَارَةً وَعَلَى الذَّمِّ أُخْرَى بِالْقَرَائِنِ وَلِذَا لَوْ قَالَ حَالَ الْخُصُومَةِ لَيْسَتْ أُمِّي بِزَانِيَةٍ كَانَ تَعْرِيضًا بِالْقَذْفِ لِمُخَاصِمِهِ، وَفِي غَيْرِ مُخَاصِمِهِ تَكُونُ تَنْزِيهًا لِأُمِّهِ عَنْ الزِّنَا، فَتَقُومُ دَلَالَةُ الْحَالِ مَقَامَ الْقَوْلِ فِيهِ، فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ مَا يُخَالِفُهُ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ.
(وَيَتَّجِهُ أَنَّهُ) إذَا لَمْ يُرِدْ الطَّلَاقَ مَنْ أَتَى بِكِنَايَةٍ فِي حَالِ خُصُومَةٍ أَوْ غَضَبٍ أَوْ سُؤَالِهَا يَدِينُ (إلَّا مَعَ قَرِينَةٍ) فَإِنْ كَانَ ثَمَّ قَرِينَةٌ (كَ) قَوْلِهِ (غَطِّ شَعْرَك لِمَكْشُوفَتِهِ فَلَا يُدَيَّنُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ إرَادَتَهُ الْإِيقَاعُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ) .
(وَيَقَعُ بِكِنَايَةٍ ظَاهِرَةٍ ثَلَاثُ) طَلْقَاتٍ (وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً) رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ
عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فِي وَقَائِعَ مُخْتَلِفَةٍ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُمْ مُخَالِفٌ فِي الصَّحَابَةِ، وَلِأَنَّهُ لَفْظٌ يَقْتَضِي الْبَيْنُونَةَ بِالطَّلَاقِ، فَوَقَعَ ثَلَاثًا كَمَا لَوْ طَلَّقَ ثَلَاثًا وَإِفْضَاؤُهُ إلَى الْبَيْنُونَةِ وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يُفَرِّقُوا (وَكَانَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ يَكْرَهُ الْفُتْيَا فِي الْكِنَايَاتِ الظَّاهِرَةِ مَعَ مَيْلِهِ إلَى أَنَّهَا ثَلَاثٌ) وَرَعًا مِنْهُ وَ (يَقَعُ بِ) كِنَايَةٍ (خَفِيَّةٍ) طَلْقَةٌ (رَجْعِيَّةٌ فِي مَدْخُولٍ بِهَا) لِأَنَّ مُقْتَضَاهَا التَّرْكُ كَصَرِيحِ الطَّلَاقِ دُونَ الْبَيْنُونَةِ (فَإِنْ نَوَى) بِخَفِيَّةٍ ظَاهِرَةً حَتَّى فِي قَوْلِهِ: أَنْتِ وَاحِدَةٌ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى " فَهِيَ كَغَيْرِهَا (أَكْثَرُ) مِنْ وَاحِدَةٍ (وَقَعَ) مَا نَوَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَفْظٌ لَا يُنَافِي الْعَدَدَ فَوَجَبَ وُقُوعُ مَا نَوَاهُ بِهِ، وَفِي " الْإِقْنَاعِ ": وَيَقَعُ بِالْخَفِيَّةِ مَا نَوَاهُ إلَّا أَنْتِ وَاحِدَةٌ، فَيَقَعُ بِهَا وَاحِدَةٌ، وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا، فَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ خِلَافًا لَهُ.
(وَقَوْلُهُ أَنَا طَالِقٌ) أَوْ زَادَ مِنْك لَغْوًا (أَوْ أَنَا بَائِنٌ) أَوْ زَادَ مِنْك (أَوْ) أَنَا (حَرَامٌ) أَوْ زَادَ مِنْك (أَوْ) أَنَا (بَرِيءٌ أَوْ زَادَ مِنْك لَغْوٌ) لِأَنَّهُ مَحَلٌّ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِإِضَافَتِهِ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ، فَلَمْ يَقَعْ مِنْهَا كَالْأَجْنَبِيِّ، وَلِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَنَا طَالِقٌ، وَلَمْ يَقُلْ مِنْك؛ لَمْ يَقَعْ، وَكَذَا إذَا زَادَهَا، وَلِأَنَّ الرَّجُلَ فِي النِّكَاحِ مَالِكٌ وَالْمَرْأَةَ مَمْلُوكَةٌ؛ فَلَمْ تَقَعْ إزَالَةُ الْمِلْكِ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْمَالِكِ كَالْعِتْقِ، وَلِهَذَا لَا يُوصَفُ الرَّجُلُ بِأَنَّهُ مُطَلَّقٌ بِفَتْحِ اللَّامِ، بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ وَجَاءَ رَجُلٌ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: مَلَّكْتُ امْرَأَتِي أَمْرَهَا، فَطَلَّقَتْنِي ثَلَاثًا، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إنَّ الطَّلَاقَ لَك، وَلَيْسَ لَهَا عَلَيْك رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَالْأَثْرَمُ وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ.
(وَ) مَا لَا يَدُلُّ عَلَى الطَّلَاقِ نَحْوُ (كُلِي وَاشْرَبِي وَاقْعُدِي) وَقُومِي (وَاقْرَبِي وَبَارَكَ اللَّهُ عَلَيْك، وَأَنْتِ مَلِيحَةٌ، أَوْ أَنْتِ قَبِيحَةٌ وَنَحْوُهُ) كَأَطْعِمِينِي وَاسْقِينِي، وَغَفَرَ اللَّهُ لَك، وَمَا أَحْسَنَكِ وَشِبْهُهُ (لَغْوٌ لَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ وَإِنْ نَوَاهُ) لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ، فَلَوْ وَقَعَ بِهِ لَوَقَعَ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، وَفَارَقَ ذُوقِي وَتَجَرَّعِي؛ فَإِنَّهُ
يُسْتَعْمَلُ فِي الْمَكَارِهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [آل عمران: 181]{يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ} [إبراهيم: 17] فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَلْحَقَ بِهِمَا مَا لَيْسَ مِثْلَهُمَا (وَ) قَوْلُهُ لِزَوْجَتِهِ (أَنْتِ) عَلَيَّ حَرَامٌ (أَوْ الْحِلُّ) عَلَيَّ حَرَامٌ (أَوْ مَا أَحَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ حَرَامٌ ظِهَارٌ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ فِي الْجُمْلَةِ، قَالَ فِي " الْهِدَايَةِ " وَ " الْمَذْهَبِ " وَ " مَسْبُوكِ الذَّهَبِ " وَ " الْمُسْتَوْعِبِ " هَذَا الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ، وَقَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيِّ وَصَاحِبُ " الْوَجِيزِ " وَ " الْمُنَوِّرِ " وَ " مُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ " وَغَيْرُهُمْ، وَصَحَّحَهُ فِي " النَّظْمِ " وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَ " الْخُلَاصَةِ " وَ " الْمُحَرَّرِ " وَ " الرِّعَايَتَيْنِ " وَ " الْحَاوِي الصَّغِيرِ " وَ " الْفُرُوعِ " وَغَيْرِهِمْ.
وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِيهِ، فَلَا يَكُونُ كِنَايَةً فِي الطَّلَاقِ؛ كَمَا لَا يَكُونُ الطَّلَاقُ كِنَايَةً فِي الظِّهَارِ، وَلَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ (وَلَوْ نَوَى بِهِ طَلَاقًا) هَذَا الْأَشْهَرُ فِي الْمَذْهَبِ، وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ أَحْمَدَ، قَالَهُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ " وَغَيْرُهُمْ، قَالَ فِي " الْهِدَايَةِ: وَ " الْمَذْهَبِ " وَ " مَسْبُوكِ الذَّهَبِ " وَ " الْمُسْتَوْعِبِ " وَغَيْرُهُمْ هَذَا الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ، وَقَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيِّ وَصَاحِبُ " الْوَجِيزِ " وَ " مُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ " وَغَيْرُهُمْ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ تَشْبِيهٌ بِمَنْ يَحْرُمُ عَلَى التَّأْبِيدِ، وَالطَّلَاقُ يُفِيدُ تَحْرِيمًا غَيْرَ مُؤَبَّدٍ، فَلَمْ تَصِحَّ الْكِنَايَةُ بِأَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ (كَنِيَّتِهِ) أَيْ: الطَّلَاقِ (أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي) أَوْ أُخْتِي وَنَحْوِهِ حَتَّى لَوْ صَرَّحَ بِهِ، فَقَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَعْنِي بِهِ الطَّلَاقَ؛ لَمْ يَصِرْ طَلَاقًا؛ لِأَنَّهُ لَا تَصْلُحُ الْكِنَايَةُ عَنْهُ (وَإِنْ قَالَهُ) أَيْ: مَا تَقَدَّمَ (لِزَوْجَةٍ مُحَرَّمَةٍ بِحَيْضٍ وَنَحْوِهِ) كَنِفَاسٍ أَوْ إحْرَامٍ (وَنَوَى أَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ بِهِ) أَيْ: الْحَيْضِ وَنَحْوِهِ (فَلَغْوٌ) لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٌ؛ لِمُطَابِقَتِهِ الْوَاقِعَ (وَ) لَوْ قَالَ (عَلَيْهِ الْحَرَامُ، أَوْ قَالَ يَلْزَمُهُ الْحَرَامُ، أَوْ قَالَ الْحَرَامُ يَلْزَمُهُ) فَلَغْوٌ لَا شَيْءَ فِيهِ مَعَ الْإِطْلَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْتَضِي تَحْرِيمَ شَيْءٍ مُبَاحٍ بِعَيْنِهِ، وَ (مَعَ نِيَّةِ) تَحْرِيمِ الزَّوْجَةِ (أَوْ قَرِينَةٍ)
تَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ ذَلِكَ فَهُوَ (ظِهَارٌ كَمَا يَأْتِي) فِي بَابِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُهُ، وَقَدْ صَرَفَهُ إلَيْهِ بِالنِّيَّةِ، فَتَعَيَّنَ لَهُ قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ.
قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": قُلْت: إنَّهُ مَعَ النِّيَّةِ أَوْ الْقَرِينَةِ كَقَوْلِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ (أَوْ إلَّا) تَكُنْ نِيَّةُ تَحْرِيمِ الزَّوْجَةِ، وَلَا قَرِينَةَ تَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِهَا (فَ) هُوَ (لَغْوٌ) لَا شَيْءَ فِيهِ (وَ) إنْ قَالَ (مَا أَحَلَّ اللَّهُ عَلَيَّ حَرَامٌ أَعْنِي بِهِ الطَّلَاقَ يَقَعُ ثَلَاثًا) نَصًّا، لِأَنَّهُ صَرِيحٌ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ مُعَرَّفٌ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ وَهُوَ يَقْتَضِي الِاسْتِغْرَاقَ، (وَ) إنْ قَالَ (أَعْنِي بِهِ طَلَاقًا؛ فَيَقَعُ وَاحِدَةٌ) لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الطَّلَاقِ وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي الِاسْتِغْرَاقَ، وَلَيْسَ هَذَا صَرِيحًا فِي الظِّهَارِ وَإِنَّمَا هُوَ صَرِيحٌ فِي التَّحْرِيمِ، وَهُوَ يَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ، فَإِذَا بَيَّنَ بِلَفْظِهِ إرَادَةَ؛ صَرِيحِ الطَّلَاقِ؛ صُرِفَ إلَيْهِ.
(وَ) إنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ (أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، وَنَوَى كَحُرْمَتِك عَلَى غَيْرِي) أَيْ: كَمَا أَنَّك مُحَرَّمَةٌ عَلَى غَيْرِي (فَكَطَلَاقٍ) أَيْ: كَنِيَّتِهِ بِأَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ الطَّلَاقَ؛ فَيَكُونُ ظِهَارًا لَا طَلَاقًا كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَيْسَ مُرَادُهُ أَنَّهُ يَقَعُ طَلَاقًا كَمَا يُفْهَمُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ ذَلِكَ لَمْ يَقُلْ: فَكَطَلَاقٍ، أَفَادَهُ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْبَلْبَانِيُّ.
(وَ) إنْ قَالَ (فِرَاشُهُ عَلَيْهِ حَرَامٌ، فَإِنْ نَوَى امْرَأَتَهُ؛ فَظِهَارٌ، وَإِنْ نَوَى فِرَاشَهُ) الْحَقِيقِيَّ (فَيَمِينٌ) عَلَيْهِ كَفَّارَتُهُ إنْ جَلَسَ أَوْ نَامَ عَلَيْهِ لِحِنْثِهِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَمِينٌ (وَ) إنْ قَالَ عَنْ زَوْجَتِهِ (هِيَ عَلَيْهِ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَالْخَمْرِ، يَقَعُ مَا نَوَاهُ مِنْ طَلَاقٍ) لِأَنَّهُ يَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ كِنَايَةً فِيهِ، فَإِذَا اقْتَرَنَتْ بِهِ النِّيَّةُ انْصَرَفَ إلَيْهِ.
فَإِنْ نَوَى عَدَدًا وَقَعَ، وَإِلَّا فَوَاحِدَةٌ (وَ) مِنْ (ظِهَارٍ) إذَا نَوَاهُ بِأَنْ يَقْصِدَ تَحْرِيمَهَا عَلَيْهِ مَعَ بَقَاءِ نِكَاحِهَا، لِأَنَّهُ شُبْهَةٌ (وَ) مِنْ (يَمِينٍ) بِأَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ تَرْكَ وَطْئِهَا لَا تَحْرِيمَهَا وَلَا طَلَاقَهَا؛ فَيَجِبُ فِيهَا الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ، فَإِنْ نَوَى بِذَلِكَ الطَّلَاقَ، وَلَمْ يَنْوِ عَدَدًا، وَقَعَ وَاحِدَةٌ، لِأَنَّهَا الْيَقِينُ (وَإِنْ لَمْ يَنْوِ) بِذَلِكَ (شَيْئًا) مِنْ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ (فَ) هُوَ (ظِهَارٌ) لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ