الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَوْجَبَ الشَّرْعُ عَلَيْهَا وَنَدَبَهَا، إلَيْهِ كَصَوْمِ رَمَضَانَ (أَوْ) سَافَرَتْ (لِحَاجَتِهِ) أَيْ: الزَّوْجِ (بِإِذْنِهِ) فَلَهَا النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّهَا سَافَرَتْ فِي شُغْلِهِ وَمُرَادَهُ؛ (أَوْ) طَرَدَهَا الزَّوْجُ وَ (أَخْرَجَهَا مِنْ مَنْزِلِهِ) فَلَهَا النَّفَقَةُ؛ لِوُجُودِ التَّمْكِينِ مِنْهَا، وَإِنَّمَا الْمَانِعُ مِنْهُ (وَإِنْ اخْتَلَفَا) أَيْ: الزَّوْجَانِ (وَلَا بَيِّنَةَ) لِأَحَدِهِمَا بِمَا ادَّعَاهُ (فِي بَذْلِ تَسْلِيمِ) زَوْجَةٍ لِزَوْجٍ (أَوْ) اخْتَلَفَا (فِي وَقْتِهِ) بِأَنْ قَالَتْ: بَذَلْت التَّسْلِيمَ مِنْ سَنَةٍ، فَقَالَ: بَلْ مِنْ شَهْرٍ (حَلَفَ) زَوْجٌ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّسْلِيمِ (وَ) إنْ اخْتَلَفَا (فِي نُشُوزِهَا) بَعْدَ الِاعْتِرَافِ بِالتَّسْلِيمِ، حَلَفَتْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذَلِكَ، (وَ) كَذَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي (أَخْذِ نَفَقَةٍ) كَدَعْوَى الزَّوْجِ أَنَّهَا أَخَذَتْ نَفَقَتَهَا وَأَنْكَرَتْ (حَلَفَتْ) ؛ لِأَنَّهَا مُنْكِرَةٌ، وَالْأَصْلُ مَعَهَا، لَكِنْ لَوْ كَانَتْ مَثَلًا بِدَارِ أَبِيهَا، وَادَّعَتْ أَنَّهَا خَرَجَتْ بِإِذْنِهِ فَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ (وَاخْتَارَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ، وَابْنُ الْقَيِّمِ (فِي النَّفَقَةِ: الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الْعُرْفُ) ؛ لِأَنَّهُ تَعَارَضَ الْأَصْلُ وَالظَّاهِرُ، وَالْغَالِبُ أَنَّهَا تَكُونُ رَاضِيَةً، وَإِنَّمَا تُطَالِبُهُ عِنْدَ الشِّقَاقِ (وَيَتَّجِهُ) مَا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَابْنُ الْقَيِّمِ (هُوَ الصَّوَابُ) ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ لِلْعَدْلِ، لَكِنَّ الْمَذْهَبَ مَا تَقَدَّمَ.
[فَصْلٌ مَتَى أَعْسَرَ زَوْجٌ بِنَفَقَةِ مُعْسِرٍ فَلَمْ يَجِدْ الْقُوتَ أَوْ أَعْسَرَ بِكِسْوَتِهِ]
فَصْلٌ (وَمَتَى أَعْسَرَ) زَوْجٌ (بِنَفَقَةِ مُعْسِرٍ) فَلَمْ يَجِدْ الْقُوتَ (أَوْ) أَعْسَرَ (بِكِسْوَتِهِ) أَيْ: الْمُعْسِرِ (أَوْ) أَعْسَرَ (بِبَعْضِهِمَا) أَيْ: بَعْضِ نَفَقَةِ الْمُعْسِرِ أَوْ بَعْضِ كِسْوَتِهِ (أَوْ) أَعْسَرَ (بِمَسْكَنِهِ) أَيْ: الْمُعْسِرِ خُيِّرَتْ (أَوْ صَارَ) الزَّوْجُ (لَا يَجِدُ نَفَقَةً)
لِزَوْجَتِهِ (لَا يَوْمًا دُونَ يَوْمٍ خُيِّرَتْ) الزَّوْجَةُ لِلُحُوقِ الضَّرَرِ الْغَالِبِ بِذَلِكَ بِهَا إذْ الْبَدَنُ لَا يَقُومُ بِدُونِ كِفَايَتِهِ (وَلَوْ غَيْرَ حُرَّةٍ مُكَلَّفَةٍ) إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهَا حُرَّةً بَالِغَةً رَشِيدَةً أَوْ رَقِيقَةً أَوْ سَفِيهَةً أَوْ صَغِيرَةً (دُونَ سَيِّدِهَا أَوْ وَلِيِّهَا) فَلَا خِيرَةَ لَهُ؛ وَلَوْ كَانَتْ مَجْنُونَةً؛ لِاخْتِصَاصِ الضَّرَرِ بِهَا (بَيْنَ فَسْخِ) نِكَاحِ الْمُعْسِرِ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] وَلَيْسَ الْإِمْسَاكُ مَعَ تَرْكِ الْإِنْفَاقِ إمْسَاكًا بِمَعْرُوفٍ، فَتَعَيَّنَ التَّسْرِيحُ وَقَالَ صلى الله عليه وسلم:«امْرَأَتُك تَقُولُ أَطْعِمْنِي وَإِلَّا فَارِقْنِي» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَرَوَاهُ الشَّيْخَانِ مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ،.
وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَسَعِيدٌ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ قَالَ: سَأَلْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ عَنْ الرَّجُلِ لَا يَجِدُ مَا يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ قَالَ: يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَلِأَنَّ هَذَا أَوْلَى بِالْفَسْخِ مِنْ الْعَجْزِ بِالْوَطْءِ فَتَمْلِكُ الْفَسْخَ (فَوْرًا وَمُتَرَاخِيًا) ؛ لِأَنَّهُ خِيَارٌ لِدَفْعِ ضَرَرٍ أَشْبَهَ خِيَارَ الْعَيْبِ فِي الْمَبِيعِ؛ (وَ) بَيْنَ مُقَامٍ مَعَهُ (مَعَ مَنْعِ نَفْسِهَا) بِأَنْ لَا تُمَكِّنُهُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلَّمْ إلَيْهِ عِوَضُهُ (وَبِدُونِهِ) أَيْ: بِدُونِ مَنْعِ نَفْسِهَا مِنْهُ بِأَنْ تُمَكِّنَهُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا (وَلَا يَمْنَعُهَا تَكَسُّبُ وَلَدِ مُوسِرَةٍ وَلَا يَحْبِسُهَا) مَعَ عُسْرَتِهِ إذَا لَمْ تَفْسَخْ؛ لِأَنَّهُ إضْرَارٌ بِهَا، وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُ حَبْسَهَا إذَا كَفَاهَا الْمُؤْنَةَ وَأَغْنَاهَا عَمَّا لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ (وَلَا يَلْزَمُهَا الْمُقَامُ بِمَنْزِلِهِ) بَلْ لَهَا أَنْ تُقِيمَ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَتْ حَيْثُ كَانَ مَأْمُونًا عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ إلَيْهَا عِوَضَ الِاسْتِمْتَاعِ (وَلَهَا أَيْ: زَوْجَةِ الْمُعْسِرِ الْفَسْخُ بَعْدَهُ) أَيْ: بَعْدَ رِضَاهَا بِالْمُقَامِ مَعَهُ (وَكَذَا لَوْ قَالَتْ: رَضِيت بِعُسْرَتِهِ أَوْ تَزَوَّجْتُهُ عَالِمَةً بِهِ) أَيْ بِعُسْرَتِهِ فَلَهَا الْفَسْخُ لِمَا يَتَجَدَّدُ لَهَا مِنْ النَّفَقَةِ كُلَّ يَوْمٍ (أَوْ قَالَتْ أَسْقَطْت النَّفَقَةَ الْمُسْتَقْبَلَةَ ثُمَّ بَدَا لَهَا الْفَسْخُ فَلَهَا ذَلِكَ) ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ يَتَجَدَّدُ وُجُوبُهَا كُلَّ يَوْمٍ فَيَتَجَدَّدُ لَهَا الْفَسْخُ كَذَلِكَ وَلَا يَصِحُّ إسْقَاطُ نَفَقَتِهَا فِيمَا لَمْ يَجِبْ لَهَا كَالشَّفِيعِ يُسْقِطُ شُفْعَتَهُ، قَبْلَ الْبَيْعِ، وَكَذَا لَوْ أَسْقَطَتْ الْمَهْرَ أَوْ النَّفَقَةَ قَبْلَ النِّكَاحِ. (وَتَبْقَى نَفَقَةُ مُعْسِرٍ وَكِسْوَتُهُ وَمَسْكَنُهُ) لِزَوْجَتِهِ (إنْ أَقَامَتْ) مَعَهُ
(وَلَمْ تَمْنَعْ نَفْسَهَا) مِنْهُ (دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ) لِوُجُوبِهَا عَلَى سَبِيلِ الْعِوَضِ كَالْأُجْرَةِ، وَيَسْقُطُ مَا زَادَ عَلَى نَفَقَةِ مُعْسِرٍ (وَمَنْ قَدَرَ يَكْتَسِبُ) مَا يُنْفِقُ عَلَى زَوْجَتِهِ فَتَرَكَهُ (أُجْبِرَ) كَالْمُفْلِسِ لِقَضَاءِ دَيْنِهِ وَأَوْلَى.
(وَيَتَّجِهُ) إجْبَارُهُ عَلَى اكْتِسَابٍ (فِي) عَمَلٍ (لَائِقٍ بِهِ) فَالتَّاجِرُ يُجْبَرُ عَلَى الِاكْتِسَابِ فِي التِّجَارَةِ، وَكُلُّ مُحْتَرِفٍ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِحِرْفَتِهِ؛ فَلَا يُكَلَّفُ صَاحِبُ الْحِرْفَةِ الْجَيِّدَةِ تَعَاطِي حِرْفَةٍ رَزِيَّةٍ بِحَيْثُ يَضَعُ تَعَاطِيَهُ إيَّاهَا مِقْدَارَهُ عِنْدَ أَقْرَانِهِ كَالْبَزَّازِ يَتَعَاطَى الْكُسَاحَةَ؛ فَإِنَّ هَذَا تَكْلِيفٌ فَوْقَ الْوُسْعِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى لَا يُكَلِّفُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَمَنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ) مِنْ الْأَزْوَاجِ (كَسْبٌ) فِي بَعْضِ زَمَنِهِ (أَوْ) تَعَذَّرَ عَلَيْهِ (بَيْعٌ فِي بَعْضِ زَمَنِهِ) أَيَّامًا يَسِيرَةً؛ فَلَا فَسْخَ (أَوْ مَرِضَ) أَيَّامًا يَسِيرَةً، فَعَجَزَ عَنْ الْكَسْبِ؛ فَلَا فَسْخَ لِزَوْجَتِهِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الِاقْتِرَاضُ إلَى زَوَالِ الْعَارِضِ (أَوْ عَجْزٍ عَنْ اقْتِرَاضٍ أَيَّامًا يَسِيرَةً عُرْفًا) فَلَا فَسْخَ لَهَا؛ لِأَنَّهُ يَزُولُ عَنْ قَرِيبٍ، وَلَا يَكَادُ يَسْلَمُ مِنْهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ (أَوْ أَعْسَرَ) بِنَفَقَةِ (مَاضِيهِ) أَوْ أَعْسَرَ (بِنَفَقَةِ مُوسِرٍ أَوْ) بِنَفَقَةٍ (مُتَوَسِّطَةٍ أَوْ) أَعْسَرَ (بِأُدْمٍ أَوْ) أَعْسَرَ (بِنَفَقَةِ خَادِمٍ فَلَا فَسْخَ) لِإِمْكَانِ الصَّبْرِ عَلَى ذَلِكَ (وَتَبْقَى نَفَقَةُ الْمُوسِرِ أَوْ الْمُتَوَسِّطِ) وَالْخَادِمِ (وَ) يَبْقَى (الْأُدْمُ) دَيْنًا (فِي ذِمَّتِهِ) لِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ كَالصَّدَاقِ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ مِنْ جِنْسِ وَاجِبِ نَفَقَتِهَا؛ فَلَهُ احْتِسَابُهُ مِنْ نَفَقَتِهَا إنْ كَانَتْ مُوسِرَةً، وَإِلَّا فَلَا.
(وَمَنْ مَنَعَ نَفَقَةً أَوْ كِسْوَةً أَوْ بَعْضَهُمَا) عَنْ زَوْجَتِهِ (وَقَدَرَتْ عَلَى) أَخْذِ ذَلِكَ مِنْ (مَالِهِ) وَلَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْوَاجِبِ (أَخَذَتْ كِفَايَتَهَا وَكِفَايَةَ وَلَدِهَا الصَّغِيرِ عُرْفًا) أَيْ: بِالْمَعْرُوفِ.
(وَيَتَّجِهُ وَ) لَهَا أَخْذُ كِفَايَةِ وَلَدِهَا (الْمَجْنُونِ لِعَجْزِهِ عَنْ تَحْصِيلِ مَا يَقْتَاتُ بِهِ)، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَ) أَخَذَتْ نَفَقَةَ (خَادِمِهَا بِالْمَعْرُوفِ بِلَا إذْنِهِ) «لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِهِنْدَ بِنْتِ عُتْبَةَ حِينَ قَالَتْ لَهُ: إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، وَلَيْسَ يُعْطِينِي مِنْ النَّفَقَةِ مَا يَكْفِنِي وَوَلَدِي خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ، فَإِنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُعْطِيهَا بَعْضَ الْكِفَايَةِ، وَلَا يُتِمُّهَا لَهَا؛ فَرَخَّصَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَهَا فِي أَخْذِ تَمَامِ الْكِفَايَةِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ حَاجَةٍ؛ إذْ لَا غَنَاءَ عَنْهَا وَلَا قِوَامَ إلَّا بِهَا، وَلِأَنَّهَا تَتَجَدَّدُ بِتَجَدُّدِ الزَّمَانِ شَيْئًا فَشَيْئًا فَتَشُقُّ الْمُرَافَعَةُ بِهَا إلَى الْحَاكِمِ وَالْمُطَالَبَةُ بِهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ.
(وَلَا تَقْتَرِضُ) امْرَأَةٌ (لِوَلَدِهَا عَلَى أَبٍ وَيَتَّجِهُ) أَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ مِنْ الِاقْتِرَاضِ لِلْوَلَدِ عَلَى أَبِيهِ (مَعَ حُضُورِهِ) ؛ لِأَنَّهُ إشْغَالٌ لِذِمَّتِهِ بِدُونِ سَبَبٍ يَقْتَضِيهِ، أَمَّا لَوْ غَابَ فَاسْتَدَانَتْ لَهَا وَلِأَوْلَادِهَا الصِّغَارِ، رَجَعَتْ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ بَلْ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْفَصْلِ الْآتِي بَعْدَ الْبَابِ.
(وَلَا يُنْفَقُ عَلَى مَحْجُورٍ) عَلَيْهِ (مِنْ مَالِهِ بِلَا إذْنِ وَلِيِّهِ) ؛ لِأَنَّهُ تَعَدٍّ، فَيَضْمَنُهُ الْمُنْفِقُ، لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ (وَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ) زَوْجَةُ مُوسِرٍ مَنَعَهَا مَا وَجَبَ لَهَا مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ كِسْوَةٍ أَوْ بَعْضِهِمَا عَلَى الْأَخْذِ مِنْ مَالِهِ؛ فَلَهَا رَفْعُهُ إلَى حَاكِمٍ فَيَأْمُرُهُ بِدَفْعِهِ لَهَا فَإِنْ امْتَنَعَ (أَجْبَرَهُ حَاكِمٌ) عَلَيْهِ (فَإِنْ أَبَى) الدَّفْعَ (حَبَسَهُ أَوْ دَفَعَهَا) أَيْ: النَّفَقَةَ لِزَوْجَتِهِ (مِنْهُ) أَيْ: مِنْ مَالِهِ (يَوْمًا بِيَوْمٍ) حَيْثُ أَمْكَنَ، لِقِيَامِ الْحَاكِمِ مَقَامَهُ عِنْدَ امْتِنَاعِهِ مِمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا عُرُوضًا أَوْ عَقَارًا، بَاعَهُ وَأَنْفَقَ مِنْهُ (فَإِنْ)
(غَيَّبَ مَالَهُ أَوْ صَبَرَ عَلَى الْحَبْسِ) فَلَهَا الْفَسْخُ؛ لِتَعَذُّرِ النَّفَقَةِ عَلَيْهَا مِنْ جِهَتِهِ كَالْمُعْسِرِ (أَوْ غَابَ مُوسِرٌ) عَنْ زَوْجَتِهِ فَوْقَ نِصْفِ سَنَةٍ، وَتَقَدَّمَ فِي أَثْنَاءِ الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ بَابِ عِشْرَةِ النِّسَاءِ (وَتَعَذَّرَتْ نَفَقَةٌ) عَلَيْهَا بِأَنْ لَمْ يَتْرُكْ لَهَا النَّفَقَةَ، وَلَمْ تَقْدِرْ لَهُ عَلَى مَالٍ، وَلَمْ يُمْكِنْهَا تَحْصِيلُ نَفَقَتِهَا (بِاسْتِدَانَةٍ أَيْ اقْتَرَضَ عَلَى ذِمَّةِ زَوْجِهَا، أَوْ تَعَذَّرَ عَلَى الْحَاكِمِ أَخْذُهَا مِنْ وَكِيلِهِ) أَيْ: وَكِيلِ زَوْجِهَا الْغَائِبِ (فَلَهَا الْفَسْخُ) لِتَعَذُّرِ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا مِنْ مَالِهِ كَحَالِ الْإِعْسَارِ، بَلْ هَذَا أَوْلَى بِالْفَسْخِ، وَفِي الْإِقْنَاعِ " وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ غَائِبًا، وَلَمْ يَتْرُكْ لَهَا نَفَقَةً، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى مَالٍ لَهُ وَلَا اسْتِدَانَةَ وَلَا الْأَخْذَ مِنْ وَكِيلِهِ إنْ كَانَ لَهُ وَكِيلٌ كَتَبَ الْحَاكِمُ إلَيْهِ.
قَالَ شَارِحُهُ لَمْ أَجِدْ الْكِتَابَةَ إلَيْهِ فِي كَلَامِهِمْ، بَلْ الْكُتُبُ الْمَشْهُورَةُ لَمْ يَذْكُرُوهَا. وَعَمِلَ قُضَاتُنَا عَلَى عَدَمِ الْكِتَابَةِ، وَكَذَا أَفْتَى بِهِ مَشَايِخُنَا وَقَالَ فِي الْإِقْنَاعِ " فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ خَبَرُهُ قَالَ شَارِحُهُ: قُلْت: أَوْ عُلِمَ إذْ لَمْ نَرَ فِي كَلَامِهِمْ هَذَا الْقَيْدَ، وَقَالَ فِي الْإِقْنَاعِ " وَتَعَذَّرَتْ النَّفَقَةُ كَمَا تَقَدَّمَ؛ فَلَهَا الْفَسْخُ انْتَهَى.
وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ خِلَافًا لَهُ، وَلَوْ فَسَخَ الْحَاكِمُ نِكَاحَ الزَّوْجَةِ لِفَقْدِ مَالٍ لِزَوْجِهَا الْغَائِبِ يُنْفَقُ مِنْهُ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ مَالٌ قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: الظَّاهِرُ صِحَّةُ الْفَسْخِ وَعَدَمُ نَقْضِهِ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهَا إنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا، وَأَمَّا مَا كَانَ غَائِبًا عَنْهَا لَا عِلْمَ لَهَا بِهِ؛ فَلَا تُكَلَّفُ الصَّبْرَ لِاحْتِمَالِهِ، وَلَا تُشْبِهُ مَسْأَلَةَ الْمُتَيَمِّمِ إذَا نَسِيَ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ فِي قَبْضَتِهِ وَيَدِهِ، وَنِسْيَانُهُ لَا يَخْلُو مِنْ تَقْصِيرٍ وَتَفْرِيطٍ، بِخِلَافِ هَذِهِ، قَالَ: وَلَمْ أَجِدْ فِي الْمَسْأَلَةِ نَقْلًا.
(وَلَا يَصِحُّ) الْفَسْخُ (فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بِلَا حَاكِمٍ) ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَافْتَقَرَ
إلَى الْحَاكِمِ كَالْفَسْخِ لِلْعُنَّةِ (فَيَفْسَخُ) الْحَاكِمُ (بِطَلَبِهَا) ؛ لِأَنَّهُ لَحِقَهَا؛ فَلَا تَسْتَوْفِيهِ إلَّا بِطَلَبِهَا (أَوْ تَفْسَخُ) هِيَ (بِأَمْرِهِ) أَيْ: الْحَاكِمِ (وَهُوَ) أَيْ: فَسْخُ الْحَاكِمِ (تَفْرِيقٌ لَا رَجْعَةَ فِيهِ) قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ " قُلْت وَكَذَا فَسْخُهَا بِأَمْرِهِ كَالْفَسْخِ لِلْعُنَّةِ (قَالَ) الْإِمَامُ (مَالِكٌ: سَمِعْت النَّاسَ يَقُولُونَ إذَا لَمْ يُنْفِقْ الرَّجُلُ عَلَى امْرَأَتِهِ؛ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا) فَقِيلَ لَهُ قَدْ كَانَتْ الصَّحَابَةُ يَغْزُونَ وَيَحْتَاجُونَ، فَقَالَ: لَيْسَ النَّاسُ الْيَوْمَ كَذَلِكَ إنَّمَا تَزَوَّجَتْهُ رَجَاءً، يَعْنِي أَنَّ نِسَاءَ الصَّحَابَةِ كُنَّ يُرِدْنَ الدَّارَ الْآخِرَةَ، وَالنِّسَاءُ الْيَوْمَ يَتَزَوَّجْنَ رَجَاءَ الدُّنْيَا.
(وَلَهُ) أَيْ: الْحَاكِمِ (بَيْعُ عَقَارٍ وَعَرْضٍ لِغَائِبٍ وَ) تَرَكَ زَوْجَتَهُ بِلَا نَفَقَةٍ وَلَا مُنْفِقٍ (إنْ لَمْ يَجِدْ) الْحَاكِمُ مَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا (غَيْرُهُ) أَيْ: ثَمَنِ الْعَقَارِ وَالْعَرْضِ؛ لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ.
(وَيُنْفِقُ) الْحَاكِمُ (عَلَيْهَا يَوْمًا بِيَوْمٍ) كَمَا هُوَ الْوَاجِبُ عَلَى الْغَائِبِ.
فَائِدَةٌ: قَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: إذَا ثَبَتَ عِنْدَ الْحَاكِمِ صِحَّةُ النِّكَاحِ وَمَبْلَغُ الْمَهْرِ فَإِنْ عُلِمَ مَكَانُهُ كَتَبَ إلَيْهِ: إنْ سَلَّمْت إلَيْهَا حَقَّهَا، وَإِلَّا بِعْت عَلَيْك بِقَدْرِهِ؛ فَإِنْ أَبَى، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِمَكَانِهِ بَاعَ بِقَدْرِ نِصْفِهِ؛ لِجَوَازِ طَلَاقِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ.
(وَلَا يَجُوزُ) أَنْ يُعَجِّلَ لَهَا (أَكْثَرَ) مِنْ نَفَقَةِ يَوْمٍ بِيَوْمٍ كَنَفَقَةِ أُسْبُوعٍ أَوْ شَهْرٍ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ، وَقَدْ يَقْدُمُ، أَوْ تَبِينُ مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ (ثُمَّ إنْ بَانَ) الْغَائِبُ (مَيِّتًا قَبْلَ إنْفَاقِهِ) أَيْ: الْحَاكِمِ عَلَيْهَا أَوْ فِي أَثْنَائِهِ (حُسِبَ عَلَيْهَا) مِنْ مِيرَاثِهَا مِنْ زَوْجِهَا (مَا أَخَذَتْهُ) وَأَنْفَقَتْهُ بِنَفْسِهَا أَوْ بِأَمْرِ حَاكِمٍ، لِتَبَيُّنِ عَدَمِ اسْتِحْقَاقِهَا لَهُ.
(وَمَنْ أَمْكَنَهُ أَخْذُ دَيْنِهِ) الَّذِي يَصِيرُ بِأَخْذِهِ مُوسِرًا (فَ) هُوَ (مُوسِرٌ) كَمَا لَوْ كَانَ بِيَدِهِ (وَيَتَّجِهُ فَيَلْزَمُهُ) حِينَئِذٍ (نَفَقَةُ مُوسِرٍ لِمَا مَضَى) ؛ لِأَنَّهُ إمَّا مُفَرِّطٌ بِتَرْكِ مَالِهِ عِنْدَ مَنْ يُمْكِنُهُ أَخْذُهُ مِنْهُ أَوْ مُتَعَمِّدٌ إبْقَاءَهُ تَحْتَ يَدِهِ، وَعَلَى كُلٍّ فَعَلَيْهِ