المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل في خصائص النبي عليه السلام] - مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى - جـ ٥

[الرحيباني]

فهرس الكتاب

- ‌[كِتَابُ النِّكَاحِ]

- ‌[تَنْبِيهٌ مِنْ يَكْرَه نِكَاحهَا]

- ‌[فَصْلٌ النَّظَر لِمَنْ أَرَادَ الْخِطْبَةَ]

- ‌[تَنْبِيهٌ لَا تُسَافِرُ مُسْلِمَةٌ مَعَ أَبِيهَا الْكَافِرِ]

- ‌[فَصْلٌ التَّصْرِيحُ بِالنِّكَاحِ لِمُعْتَدَّةٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خَصَائِصِ النَّبِيِّ عليه السلام]

- ‌[بَابُ أَرْكَانِ النِّكَاحِ وَشُرُوطِهِ]

- ‌[فَصْلٌ شُرُوطُ النِّكَاحِ]

- ‌[فَصْلٌ الْوَكِيلُ يَقُومُ مَقَامَ الولى فِي الزَّوَاج غَائِبًا وَحَاضِرًا]

- ‌[فَصْلٌ اسْتَوَى وَلِيَّانِ فَأَكْثَرَ لِامْرَأَةٍ فِي دَرَجَةٍ]

- ‌[فَصْلٌ قَالَ لِأَمَتِهِ الَّتِي يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا لَوْ كَانَتْ حُرَّةً إذَنْ أَيْ وَقْتَ الْقَوْلِ]

- ‌[بَابُ مَوَانِعِ النِّكَاحِ]

- ‌[تَتِمَّةٌ يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهُ مِنْ الزِّنَا]

- ‌[فَصْلٌ الْمُحَرَّمَاتِ الْمُؤَقَّتَة فِي النِّكَاحُ]

- ‌[النَّوْع الْأَوَّل يُحَرَّمُ لِأَجْلِ الْجَمْعِ]

- ‌[تَتِمَّةٌ اشْتَرَى جَارِيَةً وَوَطِئَهَا حَلَّ لَهُ شِرَاءُ أُمِّهَا وَأُخْتِهَا وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا]

- ‌[فَصْلٌ مَنْ مَلَكَ نَحْوَ أُخْتَيْنِ كَامْرَأَةٍ وَعَمَّتِهَا أَوْ وَخَالَتِهَا فِي عَقْدِ وَاحِد]

- ‌[فَصْلٌ النَّوْعُ الثَّانِي مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ إلَى أَمَدٍ الْمُحَرَّمَاتُ لِعَارِضٍ يَزُولُ]

- ‌[تَنْبِيهٌ تَزَوَّجَ الْمُرْتَدُّ كَافِرَةً مُرْتَدَّةً ثُمَّ أَسْلَمَا]

- ‌[بَابُ الشُّرُوطِ فِي النِّكَاحِ]

- ‌[تَنْبِيهٌ ادَّعَى أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ شَرْطِ التَّحْلِيلِ وَقَصَدَ أَنَّهُ نِكَاحُ رَغْبَةٍ]

- ‌[فَصْلٌ شَرَطَ الزَّوْجَةَ مُسْلِمَةً فَبَانَتْ كَافِرَةً]

- ‌[تَتِمَّةٌ مَنْ عَتَقَتْ وَزَادَهَا زَوْجُهَا فِي مَهْرِهَا]

- ‌[بَابُ الْعُيُوبِ فِي النِّكَاحِ]

- ‌[تَنْبِيهٌ أَنْكَرَ الزَّوْج الْعُنَّةَ وَلَمْ يَدَّعِ وَطْئًا]

- ‌[فَصْلٌ لَا يَثْبُتُ خِيَارٌ فِي عَيْبٍ زَالَ بَعْدَ عَقْدٍ]

- ‌[فَصْلٌ وَلِي الصَّغِيرَة أَوْ الْأَمَة زَوْجهَا بمعيب يرد بِهِ عالما بالعيب]

- ‌[بَابُ نِكَاحِ الْكُفَّارِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ إنْ أَسْلَمَ الزَّوْجَانِ مَعًا]

- ‌[فَصْلٌ أَسْلَمَ كَافِرٌ وَتَحْتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ بِعَقْدٍ]

- ‌[فَصْلٌ أَسْلَمَ حُرٌّ وَتَحْتَهُ إمَاءٌ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ أَوْ أَقَلُّ فَأَسْلَمْنَ مَعَهُ]

- ‌[فَصْلٌ أَسْلَمَ عَبْدٌ وَتَحْتَهُ إمَاءٌ فَأَسْلَمْنَ مَعَهُ مُطْلَقًا]

- ‌[فَصْلٌ ارْتَدَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ أَوْ هُمَا أَيْ الزَّوْجَانِ مَعًا]

- ‌[كِتَابُ الصَّدَاقِ]

- ‌[فَصْلٌ شُرِطَ عِلْمُ الصَّدَاقِ]

- ‌[فَصْلٌ تَزَوَّجَهَا عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ مَالٍ مَغْصُوبٍ تَعْلَمُهُ هِيَ أَيْ الزَّوْجَةُ]

- ‌[فَصْلٌ وَلِأَبٍ تَزْوِيجُ بِكْرٍ وَثَيِّبٍ بِدُونِ صَدَاقِ مِثْلِهَا]

- ‌[فَصْلٌ تَزَوَّجَ عَبْدٌ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ]

- ‌[فَصْلٌ تَمْلِكُ زَوْجَةٌ حُرَّةٌ وَسَيِّدٌ أَمَةً بِعَقْدٍ جَمِيعَ مَهْرِهَا الْمُسَمَّى]

- ‌[فَصْلٌ يَسْقُطُ الصَّدَاقُ كُلُّهُ بِفُرْقَةِ لِعَانٍ]

- ‌[فَصْلٌ اخْتَلَفَا الزَّوْجَانِ أَوْ اخْتَلَفَ وَرَثَتُهُمَا فِي قَدْرِ صَدَاقٍ]

- ‌[فَصْلٌ هَدِيَّةُ زَوْجٍ لَيْسَتْ مِنْ الْمَهْرِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمُفَوِّضَةِ]

- ‌[فَصْلٌ وَلَا مَهْرَ بِفُرْقَةٍ قَبْلَ دُخُولٍ أَوْ خَلْوَةٍ]

- ‌[فَصْلٌ لِزَوْجَةٍ مَنْعُ نَفْسِهَا مِنْ زَوْجٍ حَتَّى تَقْبِضَ مَهْرًا]

- ‌[بَابُ الْوَلِيمَةِ وَآدَابُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ]

- ‌[فَصْلٌ حُكْم إجَابَة الْوَلَائِم غَيْرِ الشَّرْعِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ لأهل الْعِلْم]

- ‌[فَصْلٌ آدَابِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ الطَّعَامِ مِنْ أَعْلَى الصَّحْفَةِ أَوْ وَسَطِهَا]

- ‌[تَتِمَّةٌ جَعْلُ مَاءِ الْأَيْدِي فِي طَسْتٍ وَاحِدٍ بَعْد الْفَرَاغ مِنْ الطَّعَام]

- ‌[فَصْلٌ إعْلَانُ نِكَاحٍ وَضَرْبٌ فِيهِ بِدُفٍّ مُبَاحٍ]

- ‌[بَابُ عِشْرَةِ النِّسَاءِ وَالْقَسْمِ وَالنُّشُوزِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا]

- ‌[فَرْعٌ قَالَ سَيِّدُ أَمَة لِمَنْ يَدَّعِي أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِعْتُكهَا]

- ‌[فَصْلٌ وَطْءُ زَوْجٍ امْرَأَتَهُ وَسَيِّدٍ أَمَتَهُ فِي حَيْضٍ]

- ‌[تَنْبِيهٌ عَزْل الزَّوْج وَالسَّيِّد عَنْ زَوْجَته وَسُرِّيَّتِهِ]

- ‌[فَائِدَةٌ إجْبَارُ الزَّوْج زَوْجَته عَلَى اجْتِنَابِ الْمُحَرَّمَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ يَلْزَمُ الزَّوْجَ لزوجته وَطْءُ وَمَبِيتٌ فِي الْمَضْجَعِ]

- ‌[تَتِمَّةٌ ظَاهَرَ الزَّوْج وَلَمْ يُكَفِّرْ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْعُ الزَّوْجِ كُلٍّ مِنْ زَوْجَاتِهِ مِنْ خُرُوجٍ مِنْ مَنْزِلِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْقَسْمِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فَأَكْثَرَ]

- ‌[فَصْلٌ تُسَنُّ تَسْوِيَةُ زَوْجٍ فِي وَطْءٍ بَيْنَ زَوْجَاتِهِ]

- ‌[فَصْلٌ تَزَوَّجَ بِكْرًا وَمَعَهُ غَيْرُهَا]

- ‌[تَتِمَّةٌ أَقْرَعَ بَيْن زَوْجَاته وَخَرَجَتْ الْقُرْعَةُ لِغَيْرِ الْجَدِيدَتَيْنِ وَسَافَرَ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ النُّشُوزُ]

- ‌[كِتَابُ الْخُلْعِ]

- ‌[فَائِدَةٌ الْخُلْعُ فِي الْحَيْضِ]

- ‌[فَصْلٌ الْخُلْعُ فَسْخٌ لَا يَنْقُصُ بِهِ عَدَدُ طَلَاقٍ]

- ‌[تَنْبِيهٌ شُرُوطُ الْخُلْع تِسْعٌ]

- ‌[فَصْلٌ لَا يَصِحُّ الْخُلْعُ إلَّا بِعِوَضٍ]

- ‌[فَصْل الْخُلْعُ عَلَى مَا لَا يَصِحُّ مَهْرًا لِجَهَالَةٍ]

- ‌[فَصْلٌ طَلَاقٌ مُنَجَّزٌ بَعُوضٍ أَوْ مُعَلَّقٌ عَلَى عِوَضٍ يُدْفَعُ لَهُ كَخُلْعٍ فِي إبَانَةٍ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْ سُئِلَ الْخُلْعَ عَلَى شَيْءٍ فَطَلَّقَ]

- ‌[تَتِمَّةٌ قَالَتْ طَلِّقْنِي عَشْرًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ]

- ‌[فَصْلٌ خَالَعَتْهُ الزَّوْجَةُ فِي مَرَضِ مَوْتِهَا الْمَخُوفِ]

- ‌[فَرْعٌ الْخُلْعُ حِيلَةً لِإِسْقَاطِ يَمِينِ طَلَاقٍ]

- ‌[فَصْلٌ قَالَ لِزَوْجَتِهِ خَالَعْتكِ بِأَلْفٍ مَثَلًا فَأَنْكَرَتْهُ]

- ‌[كِتَابُ الطَّلَاقِ]

- ‌[فَائِدَةٌ طَلَاقُ الْمُرْتَدِّ بَعْدَ الدُّخُولِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْ صَحَّ طَلَاقُهُ مِنْ بَالِغٍ وَمُمَيِّزٍ يَعْقِلُهُ صَحَّ تَوْكِيلُهُ وَتَوَكُّلُهُ فِيهِ]

- ‌[بَابُ سُنَّةِ الطَّلَاقِ وَبِدْعَتِهِ]

- ‌[فَصْلٌ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَحْسَنَ طَلَاقٍ أَوْ أَجْمَلَهُ]

- ‌[فَرْعٌ الْخُلْعُ وَالطَّلَاقُ زَمَنَ بِدْعَةٍ بِسُؤَالِ الزَّوْجَةِ]

- ‌[بَابُ صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَكِنَايَتِهِ]

- ‌[فَصْلٌ كِنَايَات الطَّلَاق نَوْعَانِ]

- ‌[فَصْلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَمْرُك بِيَدِك]

- ‌[فَرْعٌ طَلَّقَ فِي قَلْبِهِ وَلَمْ ينطق لسانه]

- ‌[بَابُ مَا يَخْتَلِفُ بِهِ عَدَدُ الطَّلَاقِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ وَجُزْءُ طَلْقَةٍ كَهِيَ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا تُخَالِفُ الْمَدْخُولُ بِهَا غَيْرَهَا]

- ‌[بَابُ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الطَّلَاقِ]

- ‌[بَابُ الطَّلَاقِ فِي الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ]

- ‌[فَصْلٌ يُسْتَعْمَلُ نَحْوُ طَلَاقٍ كَظِهَارٍ وَعِتْقٍ اسْتِعْمَالَ الْقَسَمِ بِاَللَّهِ تَعَالَى]

- ‌[فَرْعٌ لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ بِشَهْرٍ قَبْلَ مَا قَبْلُ قَبْلِهِ رَمَضَانُ]

- ‌[بَابُ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالشُّرُوطِ]

- ‌[فَصْلٌ قَالَ عَامِّيٌّ غَيْرُ نَحْوِيٍّ لِزَوْجَتِهِ أَنْ قُمْتِ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ النُّونِ فَأَنْتِ طَالِقٌ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَعْلِيق الطَّلَاقِ بِالْحَيْضِ وَالطُّهْرِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالطَّلَاقِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاق بِالْحَلِفِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاق بِالْكَلَامِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاق بِالْإِذْنِ فِي الْخُرُوجِ وَالْقُرْبَانِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاق بِالْمَشِيئَةِ]

- ‌[فَرْعٌ قَالَ لزوجته إنْ كُنْتِ تُرِيدِينَ أَنْ أُطَلِّقَكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ مِنْ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ مُتَفَرِّقَةٍ]

- ‌[بَابُ التَّأْوِيلِ فِي الْحَلِفِ]

- ‌[تَنْبِيهٌ لَا يَخْلُو الْحَالِفُ الْمُتَأَوِّلُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ]

- ‌[فَصْلٌ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَوْ غَيْرِهِ إنِّي أُحِبُّ الْفِتْنَةَ وَأَكْرَهُ الْحَقَّ وَلَمْ يَحْنَثْ]

- ‌[تَتِمَّةٌ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أَطَأْك فِي رَمَضَانَ نَهَارًا]

- ‌[بَابُ الشَّكِّ فِي الطَّلَاقِ]

- ‌[كِتَابُ الرَّجْعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْم التَّطْلِيق ثَلَاثًا]

- ‌[كِتَابُ الْإِيلَاءِ وَأَحْكَامُ الْمُولِي]

- ‌[فَصْلٌ جَعَلَ الْمَوْلَى غَايَتَهُ شَيْئًا لَا يُوجَدُ فِي أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ غَالِبًا]

- ‌[تَنْبِيهٌ تَعْلِيق الْإِيلَاء بِشَرْطٍ]

- ‌[فَائِدَةٌ آلَى مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْ نِسَائِهِ وَقَالَ لِأُخْرَى أَشْرَكْتُك مَعَهَا وَنَحْوُهُ]

- ‌[فَصْلٌ الْإِيلَاءُ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ يَصِحُّ طَلَاقُهُ]

- ‌[كِتَابُ الظِّهَارِ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ يَصِحُّ مِنْهُ الظِّهَارُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ]

- ‌[فَصْلٌ لَمْ يَجِد المكفر عَنْ ظِهَاره رقبة]

- ‌[فَصْلٌ لَمْ يَسْتَطِعْ المكفر لِظِهَارِهِ صَوْمًا لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ]

- ‌[تَتِمَّةٌ وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ مِنْ ظِهَارِ زَوْجَتَيْنِ أَوْ مِنْ ظِهَارٍ وَقَتْلٍ]

- ‌[كِتَابُ اللِّعَانِ]

- ‌[فَصْلٌ شُرُوطُ اللِّعَانِ ثَلَاثَةٌ]

- ‌[تَنْبِيهٌ مَاتَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ قَبْلَ تَتِمَّة اللِّعَانِ]

- ‌[فَصْلٌ يَثْبُتُ بِتَمَامِ تَلَاعُنِ الزَّوْجَيْنِ أَرْبَعَةُ أَحْكَامٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُلْحَقُ بِالنَّسَبِ وَفِيمَا لَا يُلْحَقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْ ثَبَتَ أَنَّهُ وَطِئَ امْرَأَتَهُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ عَيَانًا]

- ‌[كِتَابُ الْعِدَدِ]

- ‌[فَرْعٌ عِدَّةُ مَوْطُوءَة بِشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا]

- ‌[فَصْلٌ وُطِئَتْ مُعْتَدَّةٌ بِشُبْهَةٍ أَوْ وُطِئَتْ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ]

- ‌[فَرْعٌ وَطِئَ أَجْنَبِيَّةً أَوْ تَزَوَّجَ مُعْتَدَّةً مِنْ غَيْرِهِ]

- ‌[فَصْلٌ الْإِحْدَاد فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ بِأَيَّامِهَا عَلَى مَيِّتٍ]

- ‌[تَتِمَّةٌ الْبَدْوِيَّةُ كَالْحَضَرِيَّةِ فِي لُزُومِ الْمَوْضِعِ الَّذِي مَاتَ زَوْجُهَا وَهِيَ بِهِ]

- ‌[بَابُ اسْتِبْرَاءِ الْإِمَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ اسْتِبْرَاءُ الْحَامِل]

- ‌[كِتَابُ الرَّضَاعِ]

- ‌[فَصْلٌ شُرُوط الْحُرْمَةِ بِالرَّضَاعِ]

- ‌[فَصْلٌ تَزَوَّجَ ذَاتَ لَبَنٍ مِنْ غَيْرِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَتَزَوَّجَ صَغِيرَة فَأَرْضَعَتْهَا]

- ‌[فَصْلٌ أَفْسَدَتْ نِكَاحَ نَفْسِهَا بِرَضَاعٍ قَبْلَ الدُّخُولِ]

- ‌[فَرْعٌ أَرْضَعَتْ زَوْجَتُهُ الْأَمَةُ زَوْجَةً لَهُ صُغْرَى]

- ‌[فَصْلٌ شَكَّ الزَّوْج فِي وُجُودِ رَضَاعٍ]

- ‌[كِتَابُ النَّفَقَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ الْوَاجِبُ عَلَى الزَّوْجِ دَفْعُ قُوتٍ لِزَوْجَةٍ وَخَادِمِهَا]

- ‌[فَصْلٌ مُطَلَّقَةٌ رَجْعِيَّةٌ كَزَوْجَةٍ فِي نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ وَسُكْنَى]

- ‌[فَصْلٌ مَا يَلْزَم الزَّوْج مِنْ تُسَلِّمهُ زَوْجَته]

- ‌[فَصْلٌ مَتَى أَعْسَرَ زَوْجٌ بِنَفَقَةِ مُعْسِرٍ فَلَمْ يَجِدْ الْقُوتَ أَوْ أَعْسَرَ بِكِسْوَتِهِ]

- ‌[بَابُ نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ]

- ‌[فَصْلٌ إعْفَافُ مَنْ تَجِبُ لَهُ النَّفَقَةُ]

- ‌[فَصْلٌ تَلْزَمُ السَّيِّدَ نَفَقَةٌ وَكِسْوَةٌ وَسُكْنَى عُرْفًا بِالْمَعْرُوفِ لِرَقِيقِهِ]

- ‌[فَصْلٌ عَلَى مَالِكِ بَهِيمَةٍ إطْعَامُهَا]

- ‌[بَابُ الْحَضَانَةِ]

- ‌[فَصْلٌ بَلَغَ صَبِيٌّ مَحْضُونٌ سَبْعَ سِنِينَ عَاقِلًا]

الفصل: ‌[فصل في خصائص النبي عليه السلام]

[فَصْلٌ فِي خَصَائِصِ النَّبِيِّ عليه السلام]

فَصْلٌ فِي خَصَائِصِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الَّتِي ذَكَرَهَا أَصْحَابُنَا: ابْنُ حَامِدٍ وَالْقَاضِي وَغَيْرُهُمَا، وَاحْتِيجَ إلَى بَيَانِهَا لِئَلَّا يَرَى جَاهِلٌ بَعْضَ الْخَصَائِصِ فِي الْخَبَرِ الصَّحِيحِ، فَيَعْمَلَ بِهَا أَخْذًا بِأَصْلِ التَّأَسِّي، فَوَجَبَ بَيَانُهَا لِتُعْرَفَ، وَأَيُّ فَائِدَةٍ أَهَمُّ مِنْ هَذِهِ. وَمَا يَقَعُ فِي ضِمْنِ الْخَصَائِصِ مِمَّا لَا فَائِدَةَ، فِيهِ الْيَوْمَ، فَقَلِيلٌ لَا تَخْلُو أَبْوَابُ الْفِقْهِ عَنْ مِثْلِهِ؛ لِلتَّدَرُّبِ وَمَعْرِفَةِ الْأَدِلَّةِ.

(خُصَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِوَاجِبَاتٍ وَمَحْظُورَاتٍ وَمُبَاحَاتٍ وَكَرَامَاتٍ قَالَهُ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ) وَقَدْ بَدَأَ بِالْوَاجِبَاتِ، فَقَالَ:(وَجَبَ عَلَيْهِ وِتْرٌ) لِخَبَرِ: «ثَلَاثٌ هُنَّ عَلَيَّ فَرَائِضُ، وَلَكُمْ تَطَوُّعٌ: النَّحْرُ وَالْوِتْرُ وَرَكْعَتَا الضُّحَى» . رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَضَعَّفَهُ. وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَقَلُّ الضُّحَى لَا أَكْثَرُهُ، وَقِيَاسُهُ فِي الْوِتْرِ كَذَلِكَ، قِيلَ: وَالْأَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ عَلَى ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ؛ لِأَنَّهُ نَهَى عَنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى رَكْعَةٍ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ " وَكَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ الضُّحَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هَذَا غَلَطٌ، وَلَمْ يَكُنْ يُوَاظِبُ عَلَى الضُّحَى بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ بِسُنَّتِهِ.

(وَ) وَجَبَ عَلَيْهِ (قِيَامُ لَيْلٍ) وَلَمْ يُنْسَخْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ. قَالَهُ الْقَاضِي، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَالْوِتْرُ غَيْرُ قِيَامِ اللَّيْلِ؛ لِحَدِيثٍ سَاقَهُ ابْنُ عَقِيلٍ:«الْوِتْرُ وَالتَّهَجُّدُ وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ» . قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ:

ص: 29

فَرَّقَ أَصْحَابُنَا هُنَا بَيْنَ الْوِتْرِ وَقِيَامِ اللَّيْلِ. انْتَهَى. وَأَكْثَرُ الْوَاصِفِينَ لِتَهَجُّدِهِ صلى الله عليه وسلم اقْتَصَرُوا عَلَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، وَذَلِكَ هُوَ الْوِتْرُ، وَتَقَدَّمَ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ أَنَّ التَّهَجُّدَ بَعْدَ نَوْمٍ، وَعَلَيْهِ فَإِنْ نَامَ ثُمَّ أَوْتَرَ، فَتَهَجَّدَ وَوَتَرَ، وَإِنْ أَوْتَرَ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ فَوَتَرَ لَا تَهَجُّدَ.

(وَ) وَجَبَ عَلَيْهِ (سِوَاكٌ لِكُلِّ صَلَاةٍ) ، لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «أَمَرَ بِهِ لِكُلِّ صَلَاةٍ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ.

(وَ) وَجَبَ عَلَيْهِ (أُضْحِيَّةٌ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِهَا، وَلَوْ عَبَّرَ بِالتَّضْحِيَةِ لَكَانَ أَوْلَى، لِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ اسْمٌ لِلشَّاةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا يُضَحَّى بِهِ.

(وَ) وَجَبَ عَلَيْهِ أَيْضًا (رَكْعَتَا فَجْرٍ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «ثَلَاثٌ كُتِبَتْ عَلَيَّ وَهُنَّ لَكُمْ تَطَوُّعٌ: الْوِتْرُ وَالنَّحْرُ وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ.

(وَ) وَجَبَ عَلَيْهِ أَيْضًا (تَخْيِيرُ نِسَائِهِ) رضي الله عنهن (بَيْنَ فِرَاقِهِ) طَلَبًا لِلدُّنْيَا (وَالْإِقَامَةِ مَعَهُ) طَلَبًا لِلْآخِرَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ} [الأحزاب: 28] الْآيَتَيْنِ. وَلِئَلَّا يَكُونَ مُكْرِهًا لَهُنَّ عَلَى الصَّبْرِ عَلَى مَا آثَرَهُ لِنَفْسِهِ مِنْ الْفَقْرِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنْ تَعَوَّذَ مِنْ الْفَقْرِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ تَعَوُّذٌ مِنْ فِتْنَةِ فِتْنَتِهِ كَمَا تَعَوَّذَ مِنْ الْغِنَى وَتَعَوَّذَ مِنْ فَقْرِ الْقَلْبِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ:«لَيْسَ الْغِنَى بِكَثْرَةِ الْعَرَضِ، وَإِنَّمَا الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ» .

«وَخَيَّرَهُنَّ، وَبَدَأَ مِنْهُنَّ بِعَائِشَةَ، فَاخْتَرْنَ الْمُقَامَ» .

(وَ) وَجَبَ عَلَيْهِ أَيْضًا (إنْكَارُ مُنْكَرٍ رَآهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ) فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِالْخَوْفِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ وَعَدَهُ بِالْعِصْمَةِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ، وَلَا إذَا كَانَ الْمُرْتَكِبُ يَزِيدُهُ الْإِنْكَارُ إغْرَاءً؛ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ إبَاحَتُهُ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْأُمَّةِ. ذَكَرَهُ السَّمْعَانِيُّ فِي الْقَوَاطِعِ.

ص: 30

(وَ) وَجَبَ عَلَيْهِ أَيْضًا (مُشَاوَرَةٌ فِي الْأَمْرِ مَعَ أَهْلِهِ وَأَصْحَابِهِ) ذَوِي الْأَحْلَامِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: «وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ» وَالْحِكْمَةُ أَنْ يَسْتَنَّ بِهَا الْحُكَّامُ بَعْدَهُ، فَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم غَنِيًّا عَنْهَا بِالْوَحْيِ.

(وَ) وَجَبَ عَلَيْهِ أَيْضًا (مُصَابَرَةُ عَدُوٍّ كَثِيرٍ) إذَا كَانَ زَائِدًا عَلَى الضِّعْفِ (لِلْوَعْدِ بِالنَّصْرِ) أَيْ: لِأَنَّهُ مَوْعُودٌ بِالْعِصْمَةِ وَالنَّصْرِ، بَلْ رَوَى الدَّمِيرِيِّ وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ لَمْ يُقْتَلْ نَبِيٌّ أُمِرَ بِالْقِتَالِ.

ثُمَّ أَشَارَ إلَى الْمَحْظُورِ بِقَوْلِهِ: (وَمُنِعَ) صلى الله عليه وسلم (مِنْ رَمْزٍ بِعَيْنٍ وَإِشَارَةٍ بِهَا) لِحَدِيثِ: «مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ الْأَعْيُنِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَهِيَ الْإِيمَاءُ إلَى مُبَاحٍ مِنْ نَحْوِ ضَرْبٍ وَقَتْلٍ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَسُمِّيَ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ، لِشَبَهِهِ بِالْخِيَانَةِ وَبِإِخْفَائِهِ، وَلَا يَحْرُمُ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِهِ إلَّا فِي مَحْظُورٍ.

(وَ) مِنْ (نَزْعِ لَأْمَةِ حَرْبٍ) أَيْ: سِلَاحِهِ كَدِرْعِهِ إذَا (لَبِسَهَا قَبْلَ لِقَاءِ عَدُوٍّ) وَيُقَاتِلُهُ إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ؛ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي قِصَّةِ أُحُدٍ لَمَّا أُشِيرَ عَلَيْهِ بِتَرْكِ الْحَرْبِ بَعْدَ أَنْ لَبِسَ لَأْمَتَهُ: «مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَلْبَسَ لَأْمَةَ الْحَرْبِ ثُمَّ يَنْزِعَهَا حَتَّى يُنْجِزَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدُوِّهِ» . وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ اخْتِصَاصِ الْأَنْبِيَاءِ (وَ) مِنْ (إمْسَاكِ مَنْ كَرِهْت نِكَاحَهُ) كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ تَخْيِيرِ نِسَائِهِ، وَاحْتَجَّ لَهُ بِخَبَرِ الْعَائِذَةِ بِقَوْلِهَا: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْك، وَهُوَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:«لَقَدْ اسْتَعَذْتِ بِمَعَاذٍ، الْحَقِي بِأَهْلِكِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

(وَ) مِنْ (شِعْرٍ وَخَطٍّ وَتَعَلُّمِهِمَا) قَالَ تَعَالَى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} [يس: 69] وَقَالَ: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} [العنكبوت: 48]

ص: 31

الْآيَةَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ، أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ» . وَنَحْوُهُ فَلَيْسَ بِشِعْرٍ؛ لِأَنَّهُ كَلَامٌ مَوْزُونٌ بِلَا قَصْدِ زِنَتِهِ، وَاتَّفَقَ أَهْلُ الْعَرُوضِ وَالْأَدَبِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ شِعْرًا إلَّا بِالْقَصْدِ، وَاخْتَلَفُوا فِي الرَّجَزِ، أَشِعْرٌ هُوَ أَمْ لَا؟ وَكَانَ يُمَيِّزُ بَيْنَ جَيِّدِ الشِّعْرِ وَرَدِيئِهِ.

(وَ) مِنْ (نِكَاحِ كِتَابِيَّةٍ) لِأَنَّهَا تَكْرَهُ صُحْبَتَهُ، وَلِأَنَّهُ أَشْرَفُ مِنْ أَنْ يَضَعَ مَاءَهُ فِي رَحِمِ كَافِرَةٍ. وَفِي الْخَبَرِ:«سَأَلْت رَبِّي أَنْ لَا أُزَوَّجَ إلَّا مَنْ كَانَ مَعِي فِي الْجَنَّةِ فَأَعْطَانِي» ) . رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ. (وَ) مِنْ نِكَاحِ (أَمَةٍ) وَلَوْ مُسْلِمَةً، لِأَنَّ نِكَاحَهَا مُعْتَبَرٌ بِخَوْفِ الْعَنَتِ، وَهُوَ مَعْصُومٌ، وَبِفِقْدَانِ مَهْرِ الْحُرَّةِ وَنِكَاحُهُ غِنًى عَنْ الْمَهْرِ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً، وَخَرَجَ بِالنِّكَاحِ التَّسَرِّي.

وَمِنْ أَخْذِ (صَدَقَةٍ) لِنَفْسِهِ وَلَوْ تَطَوُّعًا، وَلَوْ كَانَتْ غَيْرَ مَأْكُولَةٍ، وَكَذَا لِكَفَّارَةٍ؛ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ:«إنَّ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ إنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ، وَأَنَّهَا لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ، وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ» ) . وَصِيَانَةً لِمَنْصِبِهِ الشَّرِيفِ؛ لِأَنَّهَا تُنْبِئُ عَنْ ذُلِّ الْآخِذِ وَعِزِّ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ، وَأُبْدِلَ بِهَا الْفَيْءَ الَّذِي يُؤْخَذُ عَلَى سَبِيلِ الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ الْمُنْبِئِ عَنْ عِزِّ الْآخِذِ وَذُلِّ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ.

(وَ) مِنْ (زَكَاةٍ عَلَى أَقَارِبِهِ) وَهُمْ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ عَلَى قَوْلٍ فِي بَنِي الْمُطَّلِبِ، وَكَذَا مَوَالِيهِمْ؛ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«إنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لَنَا، وَإِنَّ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هُوَ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَيَكُونُ تَحْرِيمُهَا عَلَى هَؤُلَاءِ بِسَبَبِ انْتِسَابِهِمْ إلَيْهِ، عُدَّ مِنْ خَصَائِصِهِ، أَمَّا صَدَقَةُ النَّفْلِ فَلَا تَحْرُمُ عَلَيْهِمْ.

(وَ) مِنْ (أَنْ يُهْدِيَ لِيُعْطَى أَكْثَرَ) قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: عَلَى قَوْلِ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: «وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرْ» . لَا تُهْدِ لِتُعْطَى أَكْثَرَ، هَذَا

ص: 32

الْأَدَبُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَاصَّةً، وَأَنَّهُ لَا إثْمَ عَلَى أُمَّتِهِ فِي ذَلِكَ. وقَوْله تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} [الأحزاب: 50] إلَى قَوْلِهِ: {اللاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ} [الأحزاب: 50] الْآيَةَ، تَدُلُّ عَلَى (أَنَّ مَنْ لَمْ تُهَاجِرْ) مَعَهُ (لَمْ تَحِلَّ لَهُ: قَالَهُ الْقَاضِي) أَبُو يَعْلَى. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ أَنَّهُ شَرْطٌ فِي قَرَابَاتِهِ فِي الْآيَةِ، لَا الْأَجْنَبِيَّاتِ، فَالْأَقْوَالُ ثَلَاثَةٌ. وَذَكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ نَسْخَهُ، وَلَمْ يُبَيِّنْهُ.

(وَكَانَ) عليه الصلاة والسلام (لَا يُصَلِّي) فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ (عَلَى مَدِينٍ) مَاتَ وَ (لَا وَفَاءَ لَهُ) كَأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْهُ إذَا كَانَ (بِلَا ضَامِنٍ) وَيَأْذَنُ عليه الصلاة والسلام لِأَصْحَابِهِ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ (ثُمَّ نُسِخَ) الْمَنْعُ (فَكَانَ) آخِرًا (يُصَلِّي عَلَيْهِ، وَيُوفِي دَيْنَهُ مِنْ عِنْدِهِ) لِخَبَرِ " الصَّحِيحَيْنِ: «أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ فَمَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ فَتَرَكَ دَيْنًا فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ» (وَلَا يُوَرَّثُ بَلْ تَرِكَتُهُ صَدَقَةٌ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «إنَّا مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ» وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ هَذَا لَا يَخْتَصُّ بِنَبِيِّنَا، بَلْ سَائِرُ الْأَنْبِيَاءِ مِثْلُهُ، فَهُوَ مِنْ خَصَائِصِ الْأَنْبِيَاءِ. (وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ) أَيْ: الْأَصْحَابِ أَنَّهُ (لَا يُمْنَعُ مِنْ الْإِرْثِ. وَفِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ " لَا يَرِثُ؛ وَلَا يَعْقِلُ بِالْإِجْمَاعِ) وَاقْتَصَرَ عَلَى ذَلِكَ فِي " الْإِنْصَافِ ".

ثُمَّ شَرَعَ فِي الْمُبَاحَاتِ بِقَوْلِهِ: (وَأُبِيحَ لَهُ) صلى الله عليه وسلم (التَّزَوُّجُ بِأَيِّ عَدَدٍ شَاءَ،) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} [الأحزاب: 51] الْآيَةَ، وَلِأَنَّهُ مَأْمُونُ الْجَوْرِ. وَمَاتَ عَنْ تِسْعٍ كَمَا هُوَ مَشْهُورٌ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " كَانَ لَهُ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأَيِّ عَدَدٍ شَاءَ ثُمَّ مُنِعَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ} [الأحزاب: 52] انْتَهَى (ثُمَّ نُسِخَ تَحْرِيمُ الْمَنْعِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:

ص: 33

{إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} [الأحزاب: 50] الْآيَةَ. (لِتَكُونَ الْمِنَّةُ لَهُ صلى الله عليه وسلم) بِتَرْكِ التَّزَوُّجِ عَلَيْهِنَّ، وَقِيلَ: نُسِخَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} [الأحزاب: 51] الْآيَةَ.

(وَ) لَهُ صلى الله عليه وسلم (التَّزَوُّجُ بِلَا وَلِيٍّ وَلَا شُهُودٍ) لِأَنَّ اعْتِبَارَ الشُّهُودِ لَأَمِنَ الْجُحُودِ، وَهُوَ مَأْمُونٌ مِنْهُ، وَالْمَرْأَةُ لَوْ جَحَدَتْ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهَا، وَاعْتِبَارُ الْوَلِيِّ لِلْمُحَافَظَةِ عَلَى الْكَفَاءَةِ، وَهُوَ فَوْقَ الْأَكْفَاءِ.

وَلَهُ التَّزَوُّجُ أَيْضًا بِلَا (مَهْرٍ) وَهُوَ بِمَعْنَى الْهِبَةِ، فَلَا يَجِبُ مَهْرٌ ابْتِدَاءً وَلَا انْتِهَاءً لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} [الأحزاب: 50]، الْآيَةَ وَكَانَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ فِي زَمَنِ الْإِحْرَامِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ:«أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَكَحَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ» لَكِنَّ أَكْثَرَ الرَّوِيَّاتِ أَنَّهُ كَانَ حَلَالًا، كَمَا رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا. وَفِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ قَالَتْ:«تَزَوَّجَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ حَلَالَانِ بِسَرِفَ» . وَقَالَ أَبُو رَافِعٍ: «تَزَوَّجَهَا وَهُوَ حَلَالٌ، وَكُنْت السَّفِيرَ بَيْنَهُمَا» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ. وَقَدْ رَدَّ بِهَذَا رِوَايَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ الْأُولَى.

وَلَهُ التَّزَوُّجُ (بِلَفْظِ هِبَةٍ) لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ (وَيَحِلُّ لَهُ) نِكَاحُ الْمَرْأَةِ (بِتَزْوِيجِ اللَّهِ) تَعَالَى مِنْ غَيْرِ تَلَفُّظٍ بِعَقْدٍ (كَزَيْنَبِ) قَالَ تَعَالَى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب: 37] وَإِذَا تَزَوَّجَ صلى الله عليه وسلم بِلَفْظِ الْهِبَةِ لَا يَجِبُ مَهْرٌ بِالْعَقْدِ وَلَا بِالدُّخُولِ، لِظَاهِرِ الْآيَةِ.

وَلَهُ أَنْ (يُرْدِفَ الْأَجْنَبِيَّةَ خَلْفَهُ) لِقِصَّةِ أَسْمَاءَ. وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ «امْرَأَةٍ مِنْ غِفَارٍ:

ص: 34

أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَرْدَفَهَا عَلَى حَقِيبَتِهِ» . وَلَهُ أَنْ يَخْلُوَ بِهَا لِقِصَّةِ أُمِّ حَرَامٍ.

(وَ) لَهُ أَنْ (يُزَوِّجَهَا) أَيْ الْأَجْنَبِيَّةَ (لِمَنْ شَاءَ بِلَا إذْنِهَا وَإِذْنِ وَلِيِّهَا، وَأَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6] .

(وَإِنْ كَانَتْ) الْمَرْأَةُ (خَلِيَّةً) مِنْ مَوَانِعِ النِّكَاحِ (وَرَغِبَ) صلى الله عليه وسلم (فِيهَا، وَجَبَتْ عَلَيْهَا الْإِجَابَةُ، وَحَرُمَ عَلَى غَيْرِهِ خِطْبَتُهَا) لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ.

وَأُبِيحَ لَهُ صلى الله عليه وسلم (وِصَالُ صَوْمٍ) لِخَبَرِ " الصَّحِيحَيْنِ ": «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ الْوِصَالِ. فَقِيلَ: إنَّك تُوَاصِلُ، فَقَالَ: إنِّي لَسْت مِثْلَكُمْ، إنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى» ؛ أَيْ: أُعْطِيَ قُوَّةَ الطَّاعِمِ وَالشَّارِبِ.

(وَ) أُبِيحَ لَهُ (خُمُسُ خُمُسِ الْغَنِيمَةِ) وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ الْوَقْعَةَ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال: 41] .

وَأُبِيحَ لَهُ (الصَّفِيُّ مِنْ الْمَغْنَمِ) وَهُوَ شَيْءٌ يَخْتَارُهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ مِنْ الْغَنِيمَةِ، كَجَارِيَةٍ وَسَيْفٍ وَدِرْعٍ، وَمِنْهُ صَفِيَّةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها.

وَأُبِيحَ لَهُ (دُخُولُ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ) مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، وَأُبِيحَ لَهُ (الْقِتَالُ فِيهَا) أَيْ: فِي مَكَّةَ (سَاعَةً) مِنْ النَّهَارِ، وَكَانَتْ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى الْعَصْرِ (وَ) لَهُ (أَخْذُ الْمَاءِ مِنْ الْعَطْشَانِ) وَالطَّعَامِ مِنْ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ.

وَأُبِيحَ لَهُ (أَنْ يَقْتُلَ بِغَيْرِ إحْدَى الثَّلَاثِ) نَصًّا، يَعْنِي بِالثَّلَاثِ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ، الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ " وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ

ص: 35

عَنْ الْقَاضِي فِي " الْجَامِعِ " وَابْنِ عَقِيلٍ: وَيُبَاحُ لَهُ مِلْكُ الْيَمِينِ مُسْلِمَةً كَانَتْ الْأَمَةُ أَوْ مُشْرِكَةً كِتَابِيَّةً، وَلَا يَسْتَشْكِلُ جَوَازُ التَّسَرِّي بِالْكِتَابِيَّةِ بِمَا عَلَّلُوا بِهِ نِكَاحَ الْكِتَابِيَّةِ مِنْ كَوْنِهَا تَكْرَهُ صُحْبَتَهُ، لِأَنَّ التَّسَرِّيَ لَا يَسْتَلْزِمُ الصُّحْبَةَ، فَلَا يَسْتَلْزِمُ كَرَاهَتَهَا، وَلِأَنَّ الْعَقْدَ بِالنِّكَاحِ أَصَالَةُ التَّوَالُدِ فَاحْتِيطَ لَهُ، وَيَلْزَمُ فِي النِّكَاحِ أَنْ تَكُونَ الزَّوْجَةُ الْمُشْرِكَةُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، بِخِلَافِ الْمِلْكِ

ثُمَّ ذَكَرَ الْكَرَامَاتِ بِقَوْلِهِ (وَأُكْرِمَ) صلى الله عليه وسلم " بِأَنْ جُعِلَ خَاتَمَ (الْأَنْبِيَاءِ) قَالَ تَعَالَى: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 40](وَ) جُعِلَ (خَيْرَ الْخَلْقِ وَسَيِّدَ وَلَدِ آدَمَ) لِحَدِيثِ «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ» ؛ أَيْ وَلَا فَخْرَ أَكْمَلُ مِنْ هَذَا الْفَخْرِ الَّذِي أُعْطِيتُهُ، أَوْ لَا أَقُولُ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الِافْتِخَارِ، بَلْ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ أَوْ لِلتَّبْلِيغِ، وَحَدِيثِ «لَا تُفَضِّلُوا بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ» . وَنَحْوِهِ أُجِيبَ عَنْهُ بِأَجْوِبَةٍ مِنْهَا أَنَّ الْمُرَادَ تَفْضِيلٌ يُؤَدِّي إلَى التَّنْقِيصِ، وَنَوْعُ الْآدَمِيِّ أَفْضَلُ الْخَلْقِ.

(وَ) هُوَ (أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ) يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ: «أَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ» . (وَأَوَّلُ شَافِعٍ) وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ وَأَوَّلُ (قَارِعٍ) يَقْرَعُ (بَابَ الْجَنَّةِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ.

(وَ) هُوَ (أَكْثَرُ الْأَنْبِيَاءِ تَبَعًا) لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ: «أَنَا أَكْثَرُ الْأَنْبِيَاءِ تَابِعًا» ) . وَحَدِيثِ الْبَزَّارِ: «يَأْتِي مَعِي مِنْ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِثْلُ السَّيْلِ وَاللَّيْلِ» .

وَحَدِيثِ مُسْلِمٍ: «مَا صُدِّقَ نَبِيٌّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ مَا صُدِّقْت؛ إذْ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ مَنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ إلَّا الرَّجُلُ الْوَاحِدُ» ) ". (" وَأُعْطِيَ جَوَامِعَ الْكَلِمِ ") رَوَاهُ مُسْلِمٌ. أَيْ أَلْفَاظًا قَلِيلَةً تُفِيدُ مَعَانِيَ كَثِيرَةً.

(وَصُفُوفُ أُمَّتِهِ فِي الصَّلَاةِ كَصُفُوفِ الْمَلَائِكَةِ) لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ: «أَلَّا تُصَفُّونَ

ص: 36

كَمَا تُصَفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا، يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الْمُتَقَدِّمَةَ وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ» .

(وَأُمَّتُهُ أَفْضَلُ الْأُمَمِ) قَالَ تَعَالَى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110](وَتَشْهَدُ عَلَيْهِمْ) أَيْ: عَلَى الْأُمَمِ (بِتَبْلِيغِ رُسُلِهِمْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة: 143] .

(وَأَصْحَابُهُ خَيْرُ الْقُرُونِ) لِحَدِيثِ «خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَأُمَّتُهُ مَعْصُومَةٌ مِنْ اجْتِمَاعٍ عَلَى الضَّلَالَةِ) لِحَدِيثِ: «لَا تَجْتَمِعُ هَذِهِ الْأُمَّةُ عَلَى ضَلَالَةٍ أَبَدًا» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَفِي سَنَدِهِ ضَعِيفٌ. لَكِنْ أَخْرَجَ الْحَاكِمُ لَهُ شَوَاهِدَ، (وَ) لِذَلِكَ كَانَ (إجْمَاعُهُمْ) أَيْ: إجْمَاعُ مُجْتَهِدِيهِمْ (حُجَّةً) وَاخْتِلَافُهُمْ رَحْمَةً.

(وَنَسَخَ شَرْعُهُ الشَّرَائِعَ) لِمَا مَرَّ أَنَّهُ خَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ، وَقَدْ أَمَرَ بِتَرْكِ شَرَائِعِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ، (وَلَا يُنْسَخُ) شَرْعُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ (وَكِتَابُهُ مُعْجِزٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ} [الإسراء: 88] الْآيَةَ. (وَمَحْفُوظٌ عَنْ التَّبْدِيلِ) وَالتَّحْرِيفِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ} [فصلت: 42] بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْكُتُبِ، وَقَدْ اشْتَمَلَ عَلَى جَمِيعِ الْكُتُبِ الْإِلَهِيَّةِ وَزِيَادَةً، وَجَمَعَ كُلَّ شَيْءٍ، وَيُسِّرَ لِلْحِفْظِ، وَنَزَلَ مُنَجَّمًا، وَعَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ - أَيْ أَوْجُهٍ - مِنْ الْمَعَانِي الْمُتَّفِقَةِ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ الْقِرَاءَاتِ السَّبْعَ، وَبِكُلِّ لُغَةٍ مِنْ لُغَاتِ الْعَرَبِ، لَكِنَّ أَكْثَرَهُ بِلُغَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ، فَفِيهِ خَمْسُونَ لُغَةً ذَكَرَهَا الْوَاسِطِيُّ فِي الْإِرْشَادِ ".

(وَإِذَا ادَّعَى) عَلَى غَيْرِهِ (أَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ) بِشَيْءٍ؛ (فَالْقَوْلُ)(قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم)(بِلَا يَمِينٍ) لِأَنَّهُ مَعْصُومٌ، وَالصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ.

(وَكَانَ لَهُ الْقَضَاءُ بِعِلْمِهِ) لِأَنَّ اللَّهَ عَصَمَهُ، فَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِ خَطَأٌ يُقَرُّ عَلَيْهِ.

ص: 37

وَلَهُ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَقْضِيَ وَيُفْتِيَ (وَهُوَ غَضْبَانُ) ، (وَ) لَهُ أَنْ (يَحْكُمَ) لِنَفْسِهِ وَوَلَدِهِ (وَيَشْهَدُ لِنَفْسِهِ وَوَلَدِهِ، وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ) أَوْ لِوَلَدِهِ، لِحَدِيثِ خُزَيْمَةَ؛ لِأَنَّهُ مَعْصُومٌ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يَشْهَدُ وَيَقْبَلُ وَيَحْكُمُ عَلَى عَدُوِّهِ وَبِإِبَاحَةِ الْحِمَى لِنَفْسِهِ، وَتَقَدَّمَ فِي (إحْيَاءِ الْمَوَاتِ) ؛ (وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ) أَيْ: الْأَصْحَابِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي " الْفُرُوعِ "(وُجُوبُ قَسْمٍ عَلَيْهِ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ) وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُنَّ (كَغَيْرِهِ) قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " وَذَكَرَهُ فِي " الْمُجَرَّدِ " وَ " الْفُنُونِ " وَ " الْفُصُولِ " انْتَهَى؛ لِقَوْلِهِ: صلى الله عليه وسلم «اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ» . رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَرُوِيَ مُرْسَلًا وَهُوَ أَصَحُّ (وَابْنُ الْجَوْزِيِّ قَالَ: الْقَسْمُ غَيْرُ وَاجِبٍ) عَلَيْهِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْمُسَوَّدَةِ: وَأُبِيحَ لَهُ تَرْكُ الْقَسْمِ، قَسْمِ الِابْتِدَاءِ وَقَسْمِ الِانْتِهَاءِ. قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي فِي " الْجَامِعِ "

(وَجُعِلَ) صلى الله عليه وسلم (أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6] .

(وَيَلْزَمُ كُلَّ أَحَدٍ أَنْ يَقِيَهُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ) وَلَهُ طَلَبُ ذَلِكَ حَتَّى مِنْ الْمُحْتَاجِ، وَيَفْدِي بِمُهْجَتِهِ مُهْجَتَهُ صلى الله عليه وسلم؛ فَإِنَّهُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَمِثْلُهُ لَوْ قَصَدَهُ ظَالِمٌ فَعَلَى مَنْ حَضَرَهُ أَنْ يَبْذُلَ نَفْسَهُ دُونَهُ.

(وَ) يَلْزَمُ كُلَّ أَحَدٍ (أَنْ يُحِبَّهُ أَكْثَرَ مِنْ نَفْسِهِ) - لِحَدِيثِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «لَنْ يُؤْمِنَ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ مَحَبَّةُ الْإِجْلَالِ وَالتَّعْظِيمِ، لَا مَحَبَّةُ الشَّوْقِ النَّاشِئَةِ فِي الْغَالِبِ عَنْ الْعِشْقِ؛ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَتَشَوَّقُ لِمَحْبُوبِهِ وَوَلَدِهِ وَيَوْلَعُ بِهِمَا أَكْثَرَ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَمَّا الْإِجْلَالُ وَالتَّعْظِيمُ فَكُلُّ مُسْلِمٍ يُجِلُّهُ وَيُعَظِّمُهُ وُجُوبًا؛ وَيُقَدِّمُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ. أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَعْضِ تَعَالِيقِهِ - (وَ) أَكْثَرُ مِنْ (مَالِهِ وَوَلَدِهِ) وَوَالِدِهِ

ص: 38

(وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) لِحَدِيثِ أَنَسٍ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. زَادَ النَّسَائِيُّ: «وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» .

(وَحَرُمَ) عَلَى غَيْرِهِ (نِكَاحُ زَوْجَاتِهِ بَعْدَهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا} [الأحزاب: 53] حَتَّى مَنْ فَارَقَهَا فِي الْحَيَاةِ، دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ.

قَالَهُ فِي " شَرْحِ الْإِقْنَاعِ "؛ وَأَمَّا تَحْرِيمُ سَرَارِيهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى غَيْرِهِ، فَلَمْ أَرَهُ فِي كَلَامِ أَصْحَابِنَا نَفْيًا وَلَا إثْبَاتًا. وَلِلشَّافِعِيَّةِ فِيهِ وَجْهَانِ؛ وَجَزَمَ الطَّاوُسِيُّ وَالْبَارِزِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْهُمْ بِالتَّحْرِيمِ قِيَاسًا عَلَى زَوْجَاتِهِ، قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ ": وَظَاهِرُ الْأَدِلَّةِ أَنَّهَا لَا تَحْرُمُ عَلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ وَلَا أُمٍّ لِلْمُؤْمِنِينَ، لَكِنَّ الْمَنْعَ أَقْوَى مَنْعًا انْتَهَى.

(وَهُنَّ أَزْوَاجُهُ دُنْيَا وَأُخْرَى) لِلْخَبَرِ (وَ) جُعِلْنَ (أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ) قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَالزَّوْجِيَّةُ بَاقِيَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُنَّ مَنْ مَاتَتْ عَنْهُ، أَوْ مَاتَ عَنْهَا. قَالَ تَعَالَى:{وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: 6] فِي تَحْرِيمِ النِّكَاحِ، وَ (فِي وُجُوبِ احْتِرَامِهِنَّ وَطَاعَتِهِنَّ وَتَحْرِيمِ عُقُوقِهِنَّ) دُونَ الْخَلْوَةِ وَالنَّظَرِ وَالْمُسَافَرَةِ وَنَحْوِهَا، وَلَا يَتَعَدَّى تَحْرِيمُ نِكَاحِهِنَّ إلَى قَرَابَتِهِنَّ؛ فَلَا تَحْرُمُ بَنَاتُهُنَّ، وَلَا أُمَّهَاتُهُنَّ، وَلَا أَخَوَاتُهُنَّ وَنَحْوُهُنَّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إجْمَاعًا:{وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24](وَجُعِلَ ثَوَابُهُنَّ وَعِقَابُهُنَّ ضِعْفَيْنِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الأحزاب: 30] الْآيَتَيْنِ.

(وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُسْأَلْنَ شَيْئًا إلَّا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب: 53](وَيَجُوزُ أَنْ يُسْأَلَ غَيْرُهُنَّ) مِنْ النِّسَاءِ مُشَافَهَةً. وَأَفْضَلُهُنَّ خَدِيجَةُ وَعَائِشَةُ، وَمَا ثَبَتَ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِعَائِشَةَ

ص: 39

حِينَ قَالَتْ لَهُ: قَدْ رَزَقَك اللَّهُ خَيْرًا مِنْهَا: لَا وَاَللَّهِ مَا رَزَقَنِي اللَّهُ خَيْرًا مِنْهَا، آمَنَتْ بِي حِينَ كَذَّبَنِي النَّاسُ، وَأَعْطَتْنِي مَالَهَا حِينَ حَرَمَنِي النَّاسُ» . وَمَا رُوِيَ «أَنَّ عَائِشَةَ أَقْرَأَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ جِبْرِيلَ، وَخَدِيجَةُ أَقْرَأَهَا جِبْرِيلُ مِنْ رَبِّهَا السَّلَامَ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ» ، يَدُلُّ عَلَى تَفْضِيلِ خَدِيجَةَ، وَخَبَرِ:«فَاطِمَةُ بُضْعَةٌ مِنِّي» وَقَوْلُهُ لَهَا: «أَمَّا تَرْضِينَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ أَهْلِ الْجَنَّةِ» يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فَاطِمَةَ أَفْضَلُ. وَاحْتَجَّ مَنْ فَضَّلَ عَائِشَةَ بِمَا احْتَجَّتْ بِهِ مِنْ أَنَّهَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الدَّرَجَةِ، وَفَاطِمَةُ مَعَ عَلِيٍّ فِيهَا، (وَأَوْلَادُ بَنَاتِهِ) صلى الله عليه وسلم (يُنْسَبُونَ إلَيْهِ) لِحَدِيثِ «إنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ مُشِيرًا إلَى الْحَسَنِ» . رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى (دُونَ أَوْلَادِ بَنَاتِ غَيْرِهِ؛ لِحَدِيثِ) :«إنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْ نَبِيًّا قَطُّ إلَّا جَعَلَ ذُرِّيَّتَهُ مِنْ صُلْبِهِ، غَيْرِي، فَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَ ذُرِّيَّتِي مِنْ صُلْبِ عَلِيٍّ» ذَكَرَهُ فِي " الْخَصَائِصِ الصُّغْرَى "

(وَالنَّجَسُ مِنَّا طَاهِرٌ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم وَمِنْ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ) ، وَيَجُوزُ أَنْ يُسْتَشْفَى بِبَوْلِهِ وَدَمِهِ، رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ:«أَنَّ أُمَّ أَيْمَنَ شَرِبَتْ بَوْلَهُ، فَقَالَ: إذَنْ لَا تَلِجُ النَّارُ بَطْنَك» . لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ، وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي الضُّعَفَاءِ:«أَنَّ غُلَامًا حَجَمَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ حِجَامَتِهِ شَرِبَ دَمَهُ، فَقَالَ: وَيْحَك مَا صَنَعْت بِالدَّمِ؟ قَالَ: غَيَّبْتُهُ فِي بَطْنِي. قَالَ: اذْهَبْ فَقَدْ أَحْرَزْت نَفْسَك مِنْ النَّارِ» . قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: وَكَانَ السِّرُّ فِي ذَلِكَ مَا صَنَعَهُ الْمَلَكَانِ مِنْ غَسْلِهِمَا جَوْفَهُ (وَهُوَ) صلى الله عليه وسلم (طَاهِرٌ بَعْدَ مَوْتِهِ بِلَا نِزَاعٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ) وَاخْتَلَفُوا فِي غَيْرِهِ مِنْ الْآدَمِيِّينَ، وَالْمَذْهَبُ عِنْدَنَا أَنَّ غَيْرَهُ أَيْضًا طَاهِرٌ

(وَلَمْ يَكُنْ لَهُ) صلى الله عليه وسلم (فَيْءٌ) أَيْ: ظِلٌّ فِي شَمْسٍ وَلَا قَمَرٍ (لِأَنَّهُ نُورَانِيٌّ، وَالظِّلُّ نَوْعُ ظُلْمَةٍ) ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ، وَيَشْهَدُ لَهُ أَنَّهُ سَأَلَ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَ فِي جَمِيعِ أَعْضَائِهِ وَجِهَاتِهِ نُورًا، وَخَتَمَ بِقَوْلِهِ:«وَاجْعَلْنِي نُورًا» (وَكَانَتْ الْأَرْضُ تَجْذِبُ أَتْفَالَهُ) لِلْأَخْبَارِ (وَسَاوَى الْأَنْبِيَاءَ فِي مُعْجِزَاتِهِمْ، وَانْفَرَدَ بِالْقُرْآنِ) فَآدَمُ خَلَقَهُ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَمُحَمَّدٌ شَقَّ صَدْرَهُ وَمَلَأَهُ ذَلِكَ الْخُلُقَ النَّبَوِيَّ، وَأَعْطَى إدْرِيسَ عُلُوَّ الْمَكَانِ، وَمُحَمَّدًا الْمِعْرَاجَ وَلَمَّا نَجَّى إبْرَاهِيمَ مِنْ النَّارِ نَجَّى

ص: 40

مُحَمَّدًا مِنْ نَارِ الْحَرْبِ، وَلَمَّا أَعْطَاهُ مَقَامَ الْخُلَّةِ أَعْطَى مُحَمَّدًا مَقَامَ الْمَحَبَّةِ؛ بَلْ جَمَعَهُ لَهُ مَعَ الْخُلَّةِ، كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي يَعْلَى فِي الْمِعْرَاجِ. فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ: أَتَّخِذُهُ خَلِيلًا وَحَبِيبًا، وَهُوَ مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ: مُحَمَّدٌ حَبِيبُ الرَّحْمَنِ، وَلَمَّا أَعْطَى مُوسَى قَلْبَ الْعَصَا حَيَّةً أَعْطَى مُحَمَّدًا حُنَيْنَ الْجِذْعِ الَّذِي هُوَ أَغْرَبُ، وَلَمَّا أَعْطَاهُ انْفِلَاقَ الْبَحْرِ أَعْطَى مُحَمَّدًا انْشِقَاقَ الْقَمَرِ الَّذِي هُوَ أَبْهَرُ، لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ، وَلَمَّا أَعْطَاهُ تَفْجِيرَ الْمَاءِ مِنْ الْحَجَرِ، أَعْطَى مُحَمَّدًا نَبْعَ الْمَاءِ مِنْ بَيْنِ الْأَصَابِعِ، وَلَمَّا أَعْطَاهُ الْكَلَامَ أَعْطَى مُحَمَّدًا الدُّنُوَّ وَالرُّؤْيَةَ، وَأَعْطَى يُوسُفَ شَطْرَ الْحُسْنِ، وَأَعْطَى مُحَمَّدًا الْحُسْنَ كُلَّهُ، وَلَمَّا أَعْطَى دَاوُد تَلْيِينَ الْحَدِيدِ، أَعْطَى مُحَمَّدًا اخْضِرَارَ الْعُودِ الْيَابِسِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلَمَّا أَعْطَى سُلَيْمَانَ كَلَامَ الطَّيْرِ أَعْطَى مُحَمَّدًا أَنْ كَلَّمَ الْحَجَرَ وَالشَّجَرَ وَالزَّرْعَ وَالضَّبَّ، وَلَمَّا أَعْطَى عِيسَى إبْرَاءَ الْأَكْمَهِ وَالْأَبْرَصِ وَإِحْيَاءَ الْمَوْتَى، أَعْطَى مُحَمَّدًا رَدَّ الْعَيْنِ بَعْدَ سُقُوطِهَا، وَهَكَذَا.

(وَ) أُحِلَّتْ لَهُ (الْمَغَانِمُ) وَلَمْ تَحُلَّ لِنَبِيٍّ قَبْلَهُ؛ لِحَدِيثِ: «أُعْطِيت خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ نَبِيٌّ مِنْ قَبْلِي» وَالْأَنْبِيَاءُ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُؤْمَرْ بِالْجِهَادِ فَلَمْ تَكُنْ لَهُ غَنَائِمُ وَالْمَأْذُونُ لَهُ مَمْنُوعٌ مِنْهَا، فَتَأْتِي نَارٌ مِنْ السَّمَاءِ فَتُحْرِقُهَا إلَّا الذُّرِّيَّةَ.

(وَجُعِلَتْ لَهُ وَلِأُمَّتِهِ الْأَرْضُ مَسْجِدًا) أَيْ: مَحَلَّ سُجُودٍ، فَأَيَّمَا رَجُلٍ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فِي مَكَان صَلَّى، وَلَمْ تَكُنْ الْأُمَمُ الْمُتَقَدِّمَةُ تُصَلِّي إلَّا فِي الْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ (وَ) جُعِلَ لَهُ وَلِأُمَّتِهِ «تُرَابُهَا طَهُورًا» ) أَيْ: مُطَهِّرًا وَهُوَ التَّيَمُّمُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْمَاءِ شَرْعًا رَوَى ذَلِكَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا.

«وَنُصِرَ بِالرُّعْبِ» ) أَيْ: بِسَبَبِ خَوْفِ الْعَدُوِّ مِنْهُ (مَسِيرَةَ شَهْرٍ) أَمَامَهُ وَشَهْرٍ خَلْفَهُ مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِ الْمَدِينَةِ. رَوَى ذَلِكَ الشَّيْخَانِ، وَجُعِلَتْ الْغَايَةُ شَهْرًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ إذْ ذَاكَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَعْدَائِهِ أَكْثَرُ مِنْ شَهْرٍ.

ص: 41

(وَبُعِثَ لِلنَّاسِ كَافَّةً) قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ} [سبأ: 28] وَأَمَّا عُمُومُ رِسَالَةِ نُوحٍ بَعْدَ الطُّوفَانِ؛ فَلِانْحِصَارِ الْبَاقِينَ فِيمَا كَانُوا مَعَهُ، وَأُرْسِلَ إلَى الْجِنِّ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِلَى الْمَلَائِكَةِ عَلَى قَوْلٍ.

(وَأُعْطِيَ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ) وَهُوَ الشَّفَاعَةُ الْعُظْمَى؛ لِأَنَّ فِيهِ يَحْمَدُهُ الْأَوَّلُونَ وَالْآخَرُونَ، وَعَلَى مَا فِي " الْمَوَاهِبِ " وَ " الْخَصَائِصِ " وَغَيْرِهِمَا الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ: جُلُوسُهُ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْعَرْشِ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ: عَلَى الْكُرْسِيِّ.

(وَمُعْجِزَاتُهُ بَاقِيَةٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) كَالْقُرْآنِ، وَانْقَطَعَتْ مُعْجِزَاتُ الْأَنْبِيَاءِ بِمَوْتِهِمْ؛ إذْ أَكْثَرُ مُعْجِزَاتِ بَنْيِ إسْرَائِيلَ كَانَتْ حِسِّيَّةً تُشَاهَدُ بِالْأَبْصَارِ؛ كَنَاقَةِ صَالِحٍ، وَعَصَا مُوسَى، فَانْقَرَضَتْ بِانْقِرَاضِ أَعْصَارِهِمْ، وَلَمْ يُشَاهِدْهَا إلَّا مَنْ حَضَرَهَا، وَمُعْجِزَةُ الْقُرْآنِ تُشَاهَدُ بِالْبَصِيرَةِ، فَتَسْتَمِرُّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَلَا يَمُرُّ عَصْرٌ إلَّا وَيَظْهَرُ فِيهِ شَيْءٌ أَخْبَرَ أَنَّهُ سَيَكُونُ؛ إذْ مَا يُدْرَكُ بِالْعَقْلِ يَعْلَمُهُ مَنْ جَاءَ بَعْدَ الْأَوَّلِ

(وَنَبَعَ الْمَاءُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ بِبَرَكَةٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى حَلَّتْ فِيهِ) أَيْ: الْمَاءِ (بِوَضْعِ أَصَابِعِهِ، فَجَعَلَ يَفُورُ؛ وَيَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ) حِينَ كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَكَذَلِكَ رُوِيَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " وُقُوعُهُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَنَفَذَ الْمَاءُ، فَجَعَلَ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ، فَفَارَ الْمَاءُ مِنْ بَيْنِ أُصْبُعَيْهِ، فَشَرِبُوا، وَتَوَضَّئُوا وَهُمْ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ (لَا أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ نَفْسِ اللَّحْمِ وَالدَّمِ كَمَا ظَنَّهُ بَعْضُ الْجُهَّالِ، قَالَهُ فِي " الْهَدْيِ ") قَالَ فِي " شَرْحِ الْإِقْنَاعِ ": وَفِيهِ نَظَرٌ؛ فَإِنَّ هَذَا الْقَوْلَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقُرْطُبِيِّ، وَبِهِ صَرَّحَ النَّوَوِيُّ فِي " شَرْحِ مُسْلِمٍ "، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ جَابِرٍ: فَرَأَيْت الْمَاءَ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ. قَالَ فِي " الْمَوَاهِبِ ": وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَكِلَاهُمَا مُعْجِزَةٌ لَهُ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ، وَلَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ غَيْرِ مُلَابَسَةِ مَاءٍ وَلَا وَضْعِ إنَاءٍ، تَأَدُّبًا مَعَ

ص: 42

اللَّهِ تَعَالَى؛ إذَا هُوَ الْمُنْفَرِدُ بِابْتِدَاعِ الْمَعْدُومَاتِ وَإِيجَادِهَا مِنْ غَيْرِ أَصْلٍ.

(وَيَجِبُ عَلَى مَنْ دَعَاهُ) النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (قَطْعُ صَلَاتِهِ وَإِجَابَتُهُ) : لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ} [الأنفال: 24] .

(وَتَطَوُّعُهُ) صلى الله عليه وسلم (قَاعِدًا) بِلَا عُذْرٍ (كَتَطَوُّعِهِ قَائِمًا فِي الْأَجْرِ) لِمَا رَوَى أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد عَنْ «ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي جَالِسًا، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ، فَقَالَ: مَالَكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ؟ قُلْت: حُدِّثْت أَنَّك قُلْت: صَلَاةُ الْقَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ قَالَ: أَجَلْ، وَلَكِنِّي لَسْتُ كَأَحَدٍ مِنْكُمْ» . قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " وَحَمْلُهُ عَلَى الْعُذْرِ لَا يَصِحُّ؛ لِعَدَمِ الْفَرْقِ (وَقَالَ الْقَفَّالُ) تَطَوُّعُهُ بِالصَّلَاةِ قَاعِدًا (عَلَى النِّصْفِ) مِنْ أَجْرِ الْقَائِمِ (كَغَيْرِهِ) وَيَرُدُّهُ مَا سَبَقَ.

(وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ رَفْعُ صَوْتِهِ فَوْقَ صَوْتِهِ صلى الله عليه وسلم) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ} [الحجرات: 2](وَلَا أَنْ يُنَادِيَهُ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} [الحجرات: 4] أَوْ أَيْ: وَلَا أَنْ يُنَادِيَهُ (بِاسْمِهِ كَيَا مُحَمَّدُ، بَلْ) يَقُولُ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ يَا نَبِيَّ اللَّهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} [النور: 63] قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: وَالْكُنْيَةُ مِنْ الِاسْمِ، وَأَمَّا مَا وَقَعَ لِبَعْضِ الصَّحَابَةِ مِنْ نِدَائِهِ بِكُنْيَتِهِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ قَائِلُهُ، أَوْ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ. (وَيُخَاطَبُ فِي الصَّلَاةِ) بِقَوْلِهِ:(السَّلَامُ عَلَيْك أَيَّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ) وَتَبْطُلُ بِخِطَابِ مَخْلُوقٍ غَيْرِهِ، «وَخَاطَبَ صلى الله عليه وسلم إبْلِيسَ بِقَوْلِهِ: أَلْعَنُك بِلَعْنَةِ اللَّهِ» وَلَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَفِي " الْفُرُوعِ " قَبْلَ التَّحْرِيمِ أَوْ مُؤَوَّلٌ انْتَهَى فَظَاهِرُهُ

ص: 43

عَدَمُ الْخُصُوصِيَّةِ

وَكَانَتْ الْهَدِيَّةُ حَلَالًا لَهُ (فَكَانَ إذَا أُتِيَ بِطَعَامٍ سَأَلَ عَنْهُ، أَهَدِيَّةٌ أَوْ صَدَقَةٌ؟ فَإِنْ قِيلَ: صَدَقَةٌ)، قَالَهُ لِأَصْحَابِهِ:" كُلُوا " وَلَمْ يَأْكُلْ، وَإِنْ قِيلَ: هَدِيَّةٌ ضَرَبَ بِيَدِهِ وَأَكَلَ مَعَهُمْ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ (بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ وُلَاةِ الْأُمُورِ فَلَا تَحِلُّ لَهُمْ هَدِيَّةُ رَعَايَاهُمْ) لِمَا رَوَى أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «هَدَايَا الْعُمَّالِ غُلُولٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ

(وَمَنْ رَآهُ فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآهُ حَقًّا؛ لِأَنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ بِهِ) لِأَنَّ اللَّهَ عَصَمَهُ مِنْهُ، لَكِنْ لَا يَعْمَلُ الرَّائِي بِمَا سَمِعَهُ مِنْهُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْأَحْكَامِ لِعَدَمِ الضَّبْطِ، لَا لِلشَّكِّ فِي رُؤْيَتِهِ.

(وَكَانَ لَا يَتَثَاءَبُ) لِأَنَّهُ مِنْ الشَّيْطَانِ، وَاَللَّهُ عَصَمَهُ مِنْهُ (وَعَرَضَ عَلَيْهِ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ مِنْ آدَمَ إلَى مَنْ بَعْدَهُ) كَمَا عَلَّمَ آدَمَ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ؛ (لِحَدِيثِ الدَّيْلَمِيِّ:«مُثِّلَتْ لِي الدُّنْيَا بِالْمَاءِ وَالطِّينِ، وَعُلِّمْت الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا؛ كَمَا عُلِّمَ آدَم الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا» ) وَعَرَضَ عَلَيْهِ أُمَّتَهُ بِأَسْرِهِمْ حَتَّى رَآهُمْ؛ لِحَدِيثِ الطَّبَرَانِيِّ: «عُرِضَتْ عَلَيَّ أُمَّتِي الْبَارِحَةَ لَدَى هَذِهِ الْحُجْرَةِ أَوَّلُهَا وَآخِرُهَا، صُوِّرُوا لِي بِالْمَاءِ وَالطِّينِ، حَتَّى إنِّي لَأَعْرَفُ بِالْإِنْسَانِ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدِكُمْ بِصَاحِبِهِ» . وَعَرَضَ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا هُوَ كَائِنٌ فِي أُمَّتِهِ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، لِحَدِيثِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ:«أَرَأَيْت مَا تَلْقَى أُمَّتِي بَعْدِي وَسَفْكَ بَعْضِهِمْ دِمَاءَ بَعْضٍ» .

(وَيَبْلُغُهُ سَلَامُ النَّاسِ بَعْدَ مَوْتِهِ) لِحَدِيثِ أَحْمَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ عِنْدَ قَبْرِي إلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عليه السلام» .

(وَالْكَذِبُ عَلَيْهِ) صلى الله عليه وسلم (لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى غَيْرِهِ) لِأَنَّهُ عَلَيْهِ كَبِيرَةٌ؛ لِلْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مَعْنَاهُ، وَالْكَذِبُ عَلَى غَيْرِهِ صَغِيرَةٌ، إلَّا فِيمَا يَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ «وَمَنْ تَعَمَّدَهُ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ فِي النَّارِ» )

ص: 44

(وَتَنَامُ عَيْنَاهُ وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ) لِخَبَرِ " الصَّحِيحَيْنِ ": «إنَّ عَيْنَايَ تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي» . وَفِي الْبُخَارِيِّ فِي خَبَرِ الْإِسْرَاءِ: «وَكَذَلِكَ الْأَنْبِيَاءُ تَنَامُ أَعْيُنُهُمْ، وَلَا تَنَامُ قُلُوبُهُمْ» . وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ نَوْمُهُ فِي الْوَادِي عِنْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ؛ لِأَنَّ طُلُوعَ الْفَجْرِ وَالشَّمْسِ إنَّمَا يُدْرَكُ بِالْعَيْنِ، وَهِيَ نَائِمَةٌ، أَوْ يُقَالُ: كَانَ لَهُ نُوَمَانِ أَحَدُهُمَا تَنَامُ عَيْنُهُ وَقَلْبُهُ، وَالثَّانِي عَيْنُهُ دُونَ قَلْبِهِ، وَكَانَ نَوْمُ الْوَادِي مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِقَوْلِهِ:«وَلَا يَنَامُ قَلْبِي» ، وَالْفِعْلُ كَالنَّكِرَةِ؛ فَيَعُمُّ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ، فَلَا نَقْضَ بِنَوْمِهِ وَلَوْ كَانَ مَضْجَعًا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ:«أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم اضْطَجَعَ، وَنَامَ حَتَّى نَفَخَ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ» (وَ) كَانَ صلى الله عليه وسلم (يَرَى مِنْ خَلْفِهِ كَ) مَا يَرَى مِنْ (أَمَامِهِ رُؤْيَةً بِالْعَيْنِ حَقِيقَةً نَصًّا) كَمَا ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " وَالْأَخْبَارُ الْوَارِدَةُ فِيهِ مُقَيَّدَةٌ بِحَالِ الصَّلَاةِ، فَهِيَ مُقَيَّدَةٌ؛ لِقَوْلِهِ:«لَا أَعْلَمُ مَا وَرَاءَ جِدَارِي هَذَا» .

قَالَهُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ

(وَالدَّفْنُ فِي الْبُنْيَانِ مُخْتَصٌّ بِهِ لِئَلَّا يُتَّخَذَ قَبْرُهُ مَسْجِدًا) وَلِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ مَرْفُوعًا: «لَمْ يُقْبَرْ نَبِيٌّ إلَّا حَيْثُ قُبِضَ» . (وَاسْتُحِبَّتْ زِيَارَتُهُ لِرِجَالٍ وَنِسَاءٍ) لِعُمُومِ مَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ حَجَّ فَزَارَ قَبْرِي بَعْدَ وَفَاتِي فَكَأَنَّمَا زَارَنِي فِي حَيَاتِي» . وَفِي رِوَايَةٍ: «مَنْ زَارَ قَبْرِي وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي» . وَكَقَبْرِهِ الشَّرِيفِ وَفِي عُمُومِ الزِّيَارَةِ تَبَعًا لَهُ قَبْرُ صَاحِبَيْهِ رضي الله عنهم، وَتُكْرَهُ لِلنِّسَاءِ زِيَارَةُ مَنْ عَدَاهُمْ عَلَى الصَّحِيحِ، وَتَقَدَّمَ. (وَخُصَّ بِصَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْعَصْرِ) اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. قَالَ ابْنُ بَطَّةَ: كَانَ خَاصًّا بِهِ، وَكَذَا أَجَابَ الْقَاضِي؛ «لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ، وَيَنْهَى عَنْهُمَا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَوَى الْحُمَيْدِيُّ بِسَنَدِهِ عَنْهَا: «مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ عِنْدِي قَطُّ» . وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَغَيْرِهِمْ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ أَنَّهُ مِنْ قَضَاءِ الرَّاتِبَةِ إذَا فَاتَتْ، وَلَيْسَ بِخُصُوصِيَّةٍ حَيْثُ اسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى جَوَازِ قَضَاءِ الرَّاتِبَةِ فِي وَقْتِ النَّهْيِ (وَقَدْ ذُكِرَ كَثِيرٌ مِنْ ذَلِكَ مُفَرَّقًا فِي مَوَاضِعِهِ) . وَخَصَائِصُهُ صلى الله عليه وسلم -

ص: 45