الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[بَابُ الشُّرُوطِ فِي النِّكَاحِ]
ِ أَيْ مَا يَشْتَرِطُهُ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْآخَرِ مِمَّا لَهُ فِيهِ غَرَضٌ وَ (مَحِلُّ الْمُعْتَبَرِ مِنْهَا) أَيْ: مِنْ الشُّرُوطِ (صُلْبُ الْعَقْدِ) أَيْ: عَقْدِ النِّكَاحِ (وَكَذَا لَوْ اتَّفَقَا) أَيْ: الزَّوْجَانِ (عَلَيْهِ) أَيْ: الشَّرْطِ (قَبْلَهُ) أَيْ: قَبْلَ الْعَقْدِ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْخِرَقِيِّ وَأَبِي الْخَطَّابِ وَأَبِي مُحَمَّدٍ وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَعَلَى هَذَا جَوَابُ أَحْمَدَ فِي مَسَائِلِ الْحِيَلِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْوَفَاءِ بِالشُّرُوطِ وَالْعُقُودِ وَالْعُهُودِ يَتَنَاوَلُ ذَلِكَ تَنَاوُلًا وَاحِدًا، وَقِيلَ فِي فَتَاوِيه: إنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَمَنْصُوصُ أَحْمَدَ، وَظَاهِرُ قَوْلِ قُدَمَاءِ أَصْحَابِهِ وَمُحَقِّقِي الْمُتَأَخِّرِينَ. قَالَ: فِي " الْإِنْصَافِ ": وَهُوَ الصَّوَابُ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى " وَظَاهِرُ هَذَا وَصَرِيحُهُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَخُصُّ النِّكَاحَ، بَلْ الْعُقُودُ كُلُّهَا فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ. وَ (لَا) يَلْزَمُ الشَّرْطُ (بَعْدَ) لُزُومِ (عَقْدٍ) لِفَوَاتِ مَحِلِّهِ.
(وَهِيَ) أَيْ: الشُّرُوطُ فِي النِّكَاحِ (قِسْمَانِ)(أَحَدُهُمَا: صَحِيحٌ لَازِمٌ لِلزَّوْجِ، فَلَيْسَ لَهُ فَكُّهُ) وَهُوَ مَا لَا يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ (بِدُونِ إبَانَتِهَا) أَيْ: الزَّوْجَةِ، فَإِنْ بَانَتْ مِنْهُ انْفَكَّتْ الشُّرُوطُ، لِأَنَّهُ بِزَوَالِ الْعَقْدِ يَزُولُ مَا هُوَ مُرْتَبِطٌ بِهِ (وَيُشْرَعُ وَفَاؤُهُ) أَيْ: الزَّوْجِ (بِهِ) أَيْ: الشَّرْطِ نَدْبًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ الْوَفَاءُ لَأُجْبِرَ الزَّوْجُ عَلَيْهِ، وَمَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إلَى وُجُوبِ الْوَفَاءِ وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ (كَ) اشْتِرَاطِ الْمَرْأَةِ أَوْ وَلِيِّهَا عَلَى زَوْجِهَا (زِيَادَةَ مَهْرٍ) قَدْرًا مُعَيَّنًا (أَوْ) اشْتِرَاطِ كَوْنِ مَهْرِهَا مِنْ (نَقْدٍ مُعَيَّنٍ) فَيَتَعَيَّنُ كَثَمَنِ مَبِيعٍ (أَوْ) اشْتِرَاطِ
(أَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ دَارِهَا أَوْ بَلَدِهَا، أَوْ لَا يَتَزَوَّجَ) عَلَيْهَا (أَوْ لَا يَتَسَرَّى عَلَيْهَا، أَوْ لَا يُفَرِّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَبَوَيْهَا، أَوْ) لَا يُفَرِّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ (أَوْلَادِهَا، أَوْ أَنْ تُرْضِعَ وَلَدَهَا الصَّغِيرَ، أَوْ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى وَلَدِهَا (مُدَّةً مَعْلُومَةً) وَتَكُونُ النَّفَقَةُ مِنْ الْمَهْرِ، وَظَاهِرُهُ إنْ لَمْ يُعَيِّنْ الْمُدَّةَ؛ لَمْ يَصِحَّ، لِلْجَهَالَةِ. (وَيُرْجَعُ) بِالْإِنْفَاقِ (لِعُرْفٍ أَوْ) اشْتِرَاطِ (أَنْ يُطَلِّقَ ضَرَّتَهَا أَوْ أَنْ يَبِيعَ أَمَتَهُ) لِأَنَّ لَهَا فِيهِ قَصْدًا صَحِيحًا. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ قَوِيٍّ وَلَا يَكْفِي) مَنْ شَرَطَتْ عَلَيْهِ زَوْجَتُهُ طَلَاقَ ضَرَّتِهَا طَلَاقٌ (رَجْعِيٍّ إنْ رَاجَعَهَا) بَعْدَ طَلَاقِهِ لَهَا، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُرَاجِعْهَا، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا؛ فَيَكْفِيهِ ذَلِكَ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهَا قَدْ بَانَتْ مِنْهُ (أَوْ) أَيْ: وَلَا يَكْفِيهِ بَيْعُ أَمَتِهِ (بِشَرْطِ خِيَارٍ إنْ رَدَّهَا) لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِذَلِكَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
وَيُرْوَى صِحَّةُ الشَّرْطِ فِي النِّكَاحِ، وَكَوْنُ الزَّوْجِ لَا يَمْلِكُ فَكَّهُ، عَنْ عُمَرَ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَمُعَاوِيَةَ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ:«إنَّ أَحَقَّ مَا وَفَّيْتُمْ بِهِ مِنْ الشُّرُوطِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَحَدِيثُ: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» . وَهُوَ قَوْلُ مَنْ سَمَّى مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ فِي عَصْرِهِمْ، وَرَوَى الْأَثْرَمُ أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَشَرَطَ لَهَا دَارَهَا، ثُمَّ أَرَادَ نَقْلَهَا، فَتَخَاصَمُوا إلَى عُمَرَ، فَقَالَ عُمَرُ: لَهَا شَرْطُهَا، فَقَالَ الرَّجُلُ: إذَنْ يُطَلِّقُنَا، فَقَالَ عُمَرُ: مَقَاطِعُ الْحُقُوقِ عِنْدَ الشُّرُوطِ، وَلِأَنَّهُ شَرَطَ لَهَا مَنْفَعَةً مَقْصُودَةً لَا تَمْنَعُ الْمَقْصُودَ مِنْ النِّكَاحِ فَكَانَ لَازِمًا؛ كَمَا لَوْ اشْتَرَطَتْ كَوْنَ الْمَهْرِ مِنْ غَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:«كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ» أَيْ: لَيْسَ فِي حُكْمِ اللَّهِ وَشَرْعِهِ، وَهَذَا مَشْرُوعٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا دَلَّ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ وَعَلَى مَنْ نَفَى
ذَلِكَ الدَّلِيلَ، وَقَوْلُهُمْ: إنَّ هَذَا يُحَرِّمُ الْحَلَالَ، لَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لِلْمَرْأَةِ إذَا لَمْ يَفِ بِهِ خِيَارُ الْفَسْخِ، وَقَوْلُهُمْ: إنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَصْلَحَةِ الْعَقْدِ، مَمْنُوعٌ؛ فَإِنَّهُ مِنْ مَصْلَحَةِ الْمَرْأَةِ، وَمَا كَانَ مِنْ مَصْلَحَةِ الْعَاقِدِ؛ كَانَ مِنْ مَصْلَحَةِ الْعَقْدِ، كَاشْتِرَاطِ الرَّهْنِ فِي الْبَيْعِ (فَإِنْ لَمْ يَفِ) زَوْجٌ لَهَا بِمَا شَرَطَتْهُ (فَلَهَا الْفَسْخُ) لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ عُمَرَ، وَلِأَنَّهُ شَرْطٌ لَازِمٌ فِي عَقْدٍ، فَثَبَتَ حَقُّ الْفَسْخِ بِتَرْكِ الْوَفَاءِ بِهِ كَالرَّهْنِ وَالضَّمِينِ فِي الْبَيْعِ (عَلَى التَّرَاخِي) لِأَنَّهُ خِيَارٌ يَثْبُتُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ؛ أَشْبَهَ خِيَارَ الْقِصَاصِ.
وَحَيْثُ قُلْنَا: لَهَا الْفَسْخُ، فَإِنَّهَا تَفْسَخُ (بِفِعْلِهِ) أَيْ: الزَّوْجِ مَا شَرَطَتْ عَلَيْهِ الزَّوْجَةُ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ كَالتَّزَوُّجِ وَالتَّسَرِّي وَالسَّفَرِ بِهَا، وَ (لَا) تَمْلِكُ الْفَسْخَ (بِعَزْمِهِ) عَلَى الْفِعْلِ قَبْلَهُ، لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْمُخَالَفَةِ. (وَلَا يَسْقُطُ) خِيَارُهَا (إلَّا بِمَا يَدُلُّ عَلَى رِضًى مِنْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ تَمْكِينٍ) مِنْ نَفْسِهَا (مَعَ الْعِلْمِ بِعَدَمِ وَفَائِهِ بِمَا شَرَطَ) أَنْ لَا يَفْعَلَهُ، فَإِنْ مَكَّنَتْهُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِهِ، لَمْ يَسْقُطْ لِفَسْخِهَا، لِأَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى رِضَاهَا بِتَرْكِ الْوَفَاءِ فَلَا أَثَرَ لَهُ كَإِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ قَبْلَ الْبَيْعِ، وَإِذَا شَرَطَتْ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ أَوْ لَا يَتَسَرَّى عَلَيْهَا، فَفَعَلَ ذَلِكَ، ثُمَّ قَبْلَ أَنْ تَفْسَخَ طَلَّقَ أَوْ بَاعَ. قَالَ فِي " الِاخْتِيَارَاتِ: " قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا لَا تَمْلِكُ الْفَسْخَ.
فَائِدَةٌ: وَلَا تَلْزَمُ هَذِهِ الشُّرُوطُ إلَّا فِي النِّكَاحِ الَّذِي شُرِطَتْ فِيهِ، فَإِنْ بَانَتْ مِنْهُ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثَانِيًا؛ لَمْ تَعُدْ الشُّرُوطُ؛ لِأَنَّ زَوَالَ الْعَقْدِ زَوَالٌ لِمَا هُوَ مُرْتَبِطٌ بِهِ.
(وَيَتَّجِهُ: وَيُقْبَلُ قَوْلُهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ بِيَمِينِهَا (فِي عَدَمِ عِلْمِهَا) بِفِعْلِهِ مَا شَرَطَتْ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا (وَ) يُقْبَلُ قَوْلُهَا أَيْضًا فِي (نَفْيِ تَمْكِينٍ) مِنْ نَفْسِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَخْفَى.
(وَيَتَّجِهُ: أَنَّ هَذِهِ)(الشُّرُوطَ) الْمُتَقَدِّمَةَ (تَلْزَمُ) الزَّوْجَ (حَيْثُ الْتَزَمَهَا) مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهَا مُبَاحَةٌ لَهُ قَبْلَ الْتِزَامِهَا، فَلَمَّا الْتَزَمَهَا صَارَتْ لَازِمَةً لَهُ (وَإِنْ لَمْ تَسْأَلْهُ) أَيْ: تَلْتَمِسْ مِنْهُ الزَّوْجَةُ (فِيهَا) أَيْ: فِي الشُّرُوطِ الِالْتِزَامَ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ بِالْعَقْدِ، فَلَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِهِ؛ لِحَدِيثِ «الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ إلَّا شَرْطًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا» وَهُوَ مُتَّجِهٌ
(لَكِنْ لَوْ شَرَطَ) لَهَا (أَنْ لَا يُسَافِرَ بِهَا فَخَدَعَهَا، وَسَافَرَ بِهَا؛ ثُمَّ كَرِهَتْهُ، وَلَمْ تُسْقِطْ حَقَّهَا مِنْ الشَّرْطِ لَمْ) يَكُنْ لَهُ أَنْ (يُكْرِهَهَا بَعْدَ) ذَلِكَ عَلَى السَّفَرِ؛ لِبَقَاءِ حُكْمِ الشَّرْطِ، فَإِنْ أَسْقَطَتْ حَقَّهَا مِنْ الشَّرْطِ؛ يَسْقُطُ مُطْلَقًا. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " إنَّهُ الصَّوَابُ.
(وَمَنْ شَرَطَ) لِزَوْجَتِهِ (أَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ مَنْزِلِ أَبَوَيْهَا فَمَاتَ أَحَدُهُمَا) أَيْ: أَحَدُ أَبَوَيْهَا (بَطَلَ الشَّرْطُ) لِأَنَّ الْمَنْزِلَ صَارَ لِأَحَدِهِمَا بَعْدَ أَنْ كَانَ لَهُمَا، فَاسْتَحَالَ إخْرَاجُهَا مِنْ مَنْزِلِ أَبَوَيْهَا فَبَطَلَ الشَّرْطُ.
(وَمَنْ شَرَطَ سُكْنَاهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ (مَعَ أَبِيهِ) فَسَكَنَتْ (ثُمَّ أَرَادَتْهَا) أَيْ: السُّكْنَى (مُنْفَرِدَةً؛ فَلَهَا ذَلِكَ) أَيْ طَلَبُهُ بِإِسْكَانِهَا مُنْفَرِدَةً، لِأَنَّهُ لِحَقِّهَا لِمَصْلَحَتِهَا، لَا لِحَقِّهِ لِمَصْلَحَتِهِ، فَلَا يَلْزَمُ فِي حَقِّهَا، وَلِهَذَا لَوْ سَلَّمَتْ نَفْسَهَا مَنْ شَرَطَتْ دَارَهَا فِيهَا أَوْ فِي دَارِهِ لَزِمَهُ تَسَلُّمُهَا (لَا إنْ عَجَزَ) عَنْ إفْرَادِهَا بِمَنْزِلٍ وَحْدَهَا؛ فَلَيْسَ لَهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ مَا عَجَزَ عَنْهُ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَتَبِعْهُ فِي " الْإِقْنَاعِ "(وَلَوْ تَعَذَّرَ سُكْنَى مَنْزِلٍ شُرِطَ) عَلَى الزَّوْجِ (بِنَحْوِ خَرَابِ) مَسَاكِنِهِ أَوْ تَعْطِيلِ مَحَلَّتِهِ (سَكَنَ بِهَا) الزَّوْجُ (حَيْثُ أَرَادَ) سَوَاءٌ رَضِيَتْ أَوْ لَا (وَسَقَطَ حَقُّهَا) مِنْ الْفَسْخِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ عَارِضٌ، وَقَدْ زَالَ، فَرَجَعْنَا إلَى الْأَصْلِ، وَهُوَ مَحْضُ حَقِّهِ.
(ثَانِيهِمَا) أَيْ: ثَانِي قِسْمَيْ الشُّرُوطِ فِي النِّكَاحِ (فَاسِدٌ، وَهُوَ نَوْعَانِ: نَوْعٌ) مِنْهُمَا (يُبْطِلُ النِّكَاحَ مِنْ أَصْلِهِ وَهُوَ) أَيْ: الْمُبْطِلُ لِلنِّكَاحِ مِنْ أَصْلِهِ (أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ) أَحَدُهَا - (نِكَاحُ الشِّغَارِ) بِكَسْرِ الشِّينِ، قِيلَ: سُمِّيَ بِهِ لِقُبْحِهِ تَشْبِيهًا بِرَفْعِ الْكَلْبِ رِجْلَهُ لِيَبُولَ، وَقِيلَ: هُوَ الرَّفْعُ، كَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ رَفَعَ رِجْلَهُ لِلْآخَرِ عَمَّا يُرِيدُ، وَقِيلَ: هُوَ الْبُعْدُ كَأَنَّهُ بَعُدَ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْأَظْهَرُ أَنَّهُ مِنْ الْخُلُوِّ، يُقَالُ: شَغَرَ الْمَكَانُ إذَا خَلَا، وَمَكَانٌ شَاغِرٌ أَيْ خَالٍ - وَشَغَرَ الْكَلْبُ إذَا رَفَعَ رِجْلَهُ؛ لِأَنَّهُ أَخْلَى ذَلِكَ الْمَكَانَ مِنْ رِجْلِهِ، وَقَدْ فَسَّرَهُ الْإِمَامُ بِأَنَّهُ فَرْجٌ بِفَرْجٍ، فَالْفُرُوجُ كَمَا لَا تُورَثُ وَلَا تُوهَبُ فَلِئَلَّا تُعَاوَضَ بِبُضْعٍ أَوْلَى (وَهُوَ أَنْ يُزَوِّجَهُ) أَيْ: يُزَوِّجُ رَجُلٌ رَجُلًا (وَلِيَّتَهُ) أَيْ: بِنْتَهُ أَوْ أُخْتَهُ وَنَحْوَهُمَا (عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الْآخَرُ وَلِيَّتَهُ، وَلَا مَهْرَ بَيْنَهُمَا) أَيْ: سَكَتَا عَنْهُ، أَوْ شَرَطَا نَفْيَهُ وَلَوْ لَمْ يَقُولَا: وَبُضْعُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَهْرٌ لِلْأُخْرَى (أَيْ: يُجْعَلُ بُضْعُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَعَ دَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ مَهْرًا لِلْأُخْرَى) وَلَا تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ نِكَاحَ الشِّغَارِ فَاسِدٌ، قَالَ: وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُمَا فَرَّقَا فِيهِ بَيْنَ الْمُتَنَاكِحَيْنِ، لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: نَهَى عَنْ الشِّغَارِ. وَالشِّغَارُ: أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الْآخَرُ بِنْتَهُ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ مِثْلَهُ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ. وَرَوَى عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: قَالَ: «لَا جَلَبَ وَلَا جَنْبَ وَلَا شِغَارَ فِي الْإِسْلَامِ» رَوَاهُ الْأَثْرَمُ، وَلِأَنَّهُ جَعَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَقْدَيْنِ سَلَفًا فِي الْآخَرِ؛ فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْنِي ثَوْبَك عَلَى أَنْ أَبِيعُك ثَوْبِي، وَلَيْسَ فَسَادُهُ مِنْ قِبَلِ التَّسْمِيَةِ، بَلْ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ وَقَفَهُ عَلَى شَرْطٍ فَاسِدٍ، وَلِأَنَّهُ شَرْطُ تَمْلِيكِ الْبُضْعِ لِغَيْرِ الزَّوْجِ؛ فَإِنَّهُ جَعَلَ تَزْوِيجَهُ إيَّاهَا مَهْرًا لِلْأُخْرَى فَكَأَنَّهُ مَلَّكَهُ إيَّاهَا بِشَرْطِ انْتِزَاعِهَا مِنْهُ.
(فَإِنْ سَمَّوْا) لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا (مَهْرًا) كَأَنْ يَقُولَ: زَوَّجْتُك ابْنَتِي عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي ابْنَتك، وَمَهْرُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِائَةٌ، أَوْ قَالَ
أَحَدُهُمَا: وَمَهْرُ ابْنَتِي مِائَةٌ، وَمَهْرُ ابْنَتِك خَمْسُونَ، أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ؛ صَحَّ الْعَقْدُ عَلَيْهِمَا بِالْمُسَمَّى نَصًّا. قَالَ فِي " الْمُجَرَّدِ " " وَالْفُصُولِ " فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ: الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ النِّكَاحَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ فِي هَذَا الْعَقْدِ تَشْرِيكٌ، وَإِنَّمَا حَصَلَ فِيهِ شَرْطٌ؛ فَبَطَلَ الشَّرْطُ، وَصَحَّ الْعَقْدُ، وَمَحِلُّ الصِّحَّةِ: إنْ كَانَ الْمُسَمَّى لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا (مُسْتَقِلًّا) عَنْ بُضْعِ الْأُخْرَى، فَإِنْ جُعِلَ الْمُسَمَّى دَرَاهِمَ وَبُضْعَ الْأُخْرَى لَمْ يَصِحَّ كَمَا تَقَدَّمَ (وَلَوْ قَلَّ) صَحَّ النِّكَاحُ، وَسَوَاءٌ كَانَ مَهْرَ الْمِثْلِ أَوْ أَقَلَّ (خِلَافًا لِلْمُنْتَهَى) بِقَوْلِهِ: فَإِنْ سَمَّوْا مَهْرًا مُسْتَقِلًّا غَيْرَ قَلِيلٍ، وَلَا حِيلَةَ؛ صَحَّ.
فَمَفْهُومُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِالْقَلِيلِ سَوَاءٌ كَانَ حِيلَةً أَوْ لَا؛ لِجَعْلِهِ إيَّاهُ قَسِيمًا لِلْحِيلَةِ، كَمَا فِي " التَّنْقِيحِ " وَغَيْرِهِ، وَهُوَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَهْرُ قَلِيلًا وَلَمْ يَكُنْ حِيلَةً؛ فَهُوَ صَحِيحٌ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَا حِيلَةَ)(فَإِنْ كَانَ الْمَهْرُ قَلِيلًا حِيلَةً؛ لَمْ يَصِحَّ؛) لِمَا تَقَدَّمَ فِي بُطْلَانِ الْحِيَلِ عَلَى مُحَرَّمٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ " وَالْإِقْنَاعِ " وَغَيْرِهِمَا (إنْ كَانَ كَثِيرًا صَحَّ) وَلَوْ حِيلَةً، وَعِبَارَةُ " الْمُنْتَهَى " تَبِعَ فِيهِ صَاحِبَ " التَّنْقِيحِ " وَاعْتَرَضَ الْحَجَّاوِيُّ " التَّنْقِيحَ " فِي حَاشِيَتِهِ عَلَيْهِ.
(وَإِنْ سَمَّى) الْمَهْرَ (لِإِحْدَاهُمَا) دُونَ الْأُخْرَى (صَحَّ نِكَاحُهَا) أَيْ: مَنْ سَمَّى الْمَهْرَ لَهَا (فَقَطْ) لِأَنَّ فِي نِكَاحِ الْمُسَمَّى لَهَا تَسْمِيَةً وَشَرْطًا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ سُمِّيَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَهْرٌ.
وَإِنْ قَالَ: زَوَّجْتُك جَارِيَتِي هَذِهِ عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي ابْنَتك، وَتَكُونُ رَقَبَتُهَا صَدَاقًا لِابْنَتِك؛ لَمْ يَصِحَّ تَزْوِيجُ الْجَارِيَةِ فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ لَهَا صَدَاقًا سِوَى تَزْوِيجِ ابْنَتِهِ. وَإِذَا زَوَّجَ ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يَجْعَلَ رَقَبَةَ الْجَارِيَةِ صَدَاقًا لَهَا؛ صَحَّ، لِأَنَّ الْجَارِيَةَ تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ صَدَاقًا.
وَإِنْ زَوَّجَ عَبْدَهُ امْرَأَةً وَجَعَلَ رَقَبَتَهُ صَدَاقًا لَهَا، لَمْ يَصِحَّ الصَّدَاقُ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا يَمْنَعُ صِحَّةَ النِّكَاحِ، فَيَفْسُدُ الصَّدَاقُ، وَيَصِحُّ النِّكَاحُ، وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ. قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ ".
(وَنِكَاحُ الْمُحَلِّلِ) وَهُوَ الثَّانِي مِنْ الْأَشْيَاءِ الْأَرْبَعَةِ الْمُبْطِلَةِ لِلنِّكَاحِ مِنْ أَصْلِهِ، سُمِّيَ
مُحَلِّلًا لِقَصْدِهِ الْحِلَّ فِي مَوْضِعٍ لَا يَحْصُلُ فِيهِ الْحِلُّ (وَهُوَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا) أَيْ: الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا (عَلَى أَنَّهُ إذَا أَحَلَّهَا) لِمُطَلَّقِهَا أَيْ وَطِئَهَا (طَلَّقَهَا أَوْ) يَتَزَوَّجُهَا عَلَى أَنَّهُ إذَا أَحَلَّهَا لِلْأَوَّلِ (فَلَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا) وَهُوَ حَرَامٌ بَاطِلٌ، لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ مِنْهُمْ عُمَرُ، وَابْنُهُ، وَعُثْمَانُ، وَهُوَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ مِنْ التَّابِعِينَ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ:«الْمُحَلِّلُ وَالْمُحَلَّلُ لَهُ مَلْعُونَانِ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم» وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالتَّيْسِ الْمُسْتَعَارِ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: هُوَ الْمُحَلِّلُ، لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ» .
(أَوْ يَنْوِيَهُ) أَيْ: التَّحْلِيلَ (الزَّوْجُ) وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّرْطَ فِي الْعَقْدِ، فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ أَيْضًا. قَالَ إسْمَاعِيلُ بْنُ سَعْدٍ: سَأَلْت أَحْمَدَ عَنْ الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ وَفِي نَفْسِهِ أَنْ يُحِلَّهَا لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ وَلَمْ تَعْلَمْ الْمَرْأَةُ بِذَلِكَ. قَالَ: هُوَ مُحَلِّلٌ، إذَا أَرَادَ بِذَلِكَ الْإِحْلَالَ؛ فَهُوَ مَلْعُونٌ، وَهَذَا ظَاهِرُ قَوْلِ الصَّحَابَةِ. وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَهُ: تَزَوَّجْتهَا أَحِلُّهَا لِزَوْجِهَا لَمْ يَأْمُرنِي، وَلَمْ يَعْلَمْ، قَالَ: لَا، الْإِنْكَاحُ رَغْبَةٌ إنْ أَعْجَبَتْك أَمْسَكْتهَا، وَإِنْ كَرِهْتهَا فَارَقْتهَا، وَإِنْ كُنَّا نَعُدُّهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سِفَاحًا. وَقَالَ: لَا يَزَالَا زَانِيَيْنِ وَلَوْ مَكَثَا عِشْرِينَ سَنَةً، إذَا عُلِمَ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُحِلَّهَا، وَهَذَا قَوْلُ عُثْمَانَ. وَجَاءَ رَجُلٌ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: إنَّ عَمِّي طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا أَيَحِلُّهَا لَهُ رَجُلٌ؟ قَالَ: مَنْ يُخَادِعْ اللَّهَ يَخْدَعْهُ.
(أَوْ يَتَّفِقَا) أَيْ: الزَّوْجَانِ (عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى أَنَّهُ نِكَاحُ مُحَلِّلٍ (قَبْلَهُ) أَيْ: قَبْلَ الْعَقْدِ، وَلَمْ يُذْكَرْ حَالَ الْعَقْدِ؛ فَلَا يَصِحُّ إنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْهُ، وَيَنْوِي حَالَ الْعَقْدِ أَنَّهُ نِكَاحُ رَغْبَةٍ، فَإِنْ نَوَى ذَلِكَ حَالَ الْعَقْدِ، صَحَّ؛ لِخُلُوِّهِ عَنْ نِيَّةِ التَّحْلِيلِ وَشَرْطِهِ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ حَدِيثُ ذِي الرُّقْعَتَيْنِ الْآتِي
(أَوْ
يُزَوِّجُ عَبْدَهُ بِمُطَلَّقَتِهِ ثَلَاثًا بِنِيَّةِ تَمْلِيكِهِ) أَيْ الْعَبْدِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ (لَهَا) أَيْ: لِلزَّوْجَةِ أَوْ بِنِيَّتِهِ بَيْعَهُ أَوْ بَعْضِهِ مِنْهَا (لِيَفْسَخَ نِكَاحُهَا) بِمِلْكِهَا زَوْجَهَا أَوْ بَعْضَهُ (فَيَحْرُمُ الْكُلُّ وَلَا يَصِحُّ) النِّكَاحُ. قَالَ أَحْمَدُ: هَذَا نَهَى عَنْهُ عُمَرُ، يُؤَدَّبَانِ جَمِيعًا، وَعَلَّلَ فَسَادَهُ بِشَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا - أَنَّهُ يُشْبِهُ الْمُحَلِّلَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا زَوَّجَهَا إيَّاهُ لِيُحَلِّلَهَا لَهُ، وَالثَّانِي كَوْنُهُ لَيْسَ بِكُفْءٍ لَهَا. انْتَهَى.
وَلَا يَحْصُلُ بِنِكَاحِ الْمُحَلِّلِ الْإِحْصَانُ (وَلَا تَحِلُّ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ) الْمُطَلِّقِ ثَلَاثًا لِفَسَادِهِ، وَيَلْحَقُ فِيهِ النَّسَبُ لِلشُّبْهَةِ بِالِاخْتِلَافِ فِيهِ.
(وَلَوْ نَوَى الزَّوْجُ عِنْدَ الْعَقْدِ غَيْرَ مَا شُرِطَ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ نِكَاحُ رَغْبَةٍ، صَحَّ قَالَهُ الْمُوَفَّقُ وَغَيْرُهُ) . وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ حَدِيثُ ذِي الرُّقْعَتَيْنِ، وَهُوَ مَا رَوَى أَبُو حَفْصٍ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ قَدَمَ مَكَّةَ رَجُلٌ وَمَعَهُ إخْوَةٌ لَهُ صِغَارًا، وَعَلَيْهِ إزَارٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ رُقْعَةٌ، وَمِنْ خَلْفِهِ رُقْعَةٌ، فَسَأَلَ عُمَرَ، فَلَمْ يُعْطِهِ شَيْئًا، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إذْ نَزَعَ الشَّيْطَانُ بَيْنَ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا، فَقَالَتْ: هَلْ لَك أَنْ تُعْطِيَ ذَا الرُّقْعَتَيْنِ شَيْئًا وَيُحِلَّك لِي؟ قُلْت: نَعَمْ إنْ شِئْت فَأَخْبَرُوهُ بِذَلِكَ، قَالَ: نَعَمْ، فَتَزَوَّجَهَا وَدَخَلَ بِهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَتْ أَدْخَلَتْ إخْوَتَهُ الدَّارَ، فَجَاءَ الْقُرَشِيُّ يَحُومُ حَوْلَ الدَّارِ، وَقَالَ: يَا وَيْلَاهُ غَلَبَ عَلَى امْرَأَتِي، فَأَتَى عُمَرَ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ غُلِبْتُ عَلَى امْرَأَتِي قَالَ: مَنْ غَلَبَك؟ قَالَ ذُو الرُّقْعَتَيْنِ، قَالَ: أَرْسِلُوا إلَيْهِ، فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ: كَيْف مَوْضِعُك مِنْ قَوْمِك؟ قَالَ: لَيْسَ بِمَوْضِعِي بَأْسٌ، قَالَتْ: إنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَقُولُ لَك: طَلِّقْ امْرَأَتَك، فَقُلْ: لَا وَاَللَّهِ لَا أُطَلِّقُهَا؛ فَإِنَّهُ لَا يُكْرِهُك، فَأَلْبَسَتْهُ حُلَّةً فَلَمَّا رَآهُ عُمَرُ مِنْ بَعِيدٍ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَزَقَ ذَا الرُّقْعَتَيْنِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ: أَتُطَلِّقُ امْرَأَتَك؟ قَالَ: لَا وَاَللَّهِ لَا أُطَلِّقُهَا؛ قَالَ عُمَرُ: لَوْ طَلَّقْتهَا لَأَوْجَعْت رَأْسَك بِالسَّوْطِ. وَرَوَاهُ سَعِيدٌ أَيْضًا بِسَنَدِهِ بِنَحْوٍ مِنْ هَذَا وَقَالَ: مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ.