الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَالنِّكَاحُ بِحَالِهِ، أَوْ زَوْجُ غَيْرِهَا؛ وَقَفَ الْأَمْرُ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَإِنْ سَبَقَتْهُ وَقَفَ عَلَى الِانْقِضَاءِ، سَوَاءٌ كَانَتْ كِتَابِيَّةً أَوْ غَيْرَهَا، كُلُّ ذَلِكَ إنْ دَخَلَ بِهَا.
[فَصْلٌ أَسْلَمَ كَافِرٌ وَتَحْتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ بِعَقْدٍ]
فَصْلٌ (وَإِنْ أَسْلَمَ) كَافِرٌ (وَتَحْتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ) نِسْوَةٍ (بِعَقْدٍ أَوْ لَا، فَأَسْلَمْنَ كُلُّهُنَّ) فِي عِدَّتِهِنَّ (أَوْ كُنَّ كِتَابِيَّاتٍ) أَوْ كَانَ بَعْضُهُنَّ كِتَابِيَّاتٍ، وَبَعْضُهُنَّ غَيْرُهُنَّ، فَأَسْلَمْنَ فِي عِدَّتِهِنَّ؛ لَمْ يَكُنْ لَهُ إمْسَاكُهُنَّ كُلُّهُنَّ بِغَيْرِ خِلَافٍ (اخْتَارَ وَلَوْ) كَانَ (مُحَرِّمًا أَرْبَعًا مِنْهُنَّ وَلَوْ مِنْ مَيِّتَاتٍ) لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ اسْتِدَامَةٌ لِلنِّكَاحِ وَتَعْيِينٌ لِلْمَنْكُوحَةِ؛ فَصَحَّ مِنْ الْمُحْرِمِ، بِخِلَافِ ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ؛ وَالِاعْتِبَارُ فِي الِاخْتِيَارِ بِوَقْتِ ثُبُوتِهِ، فَلِذَلِكَ صَحَّ أَنْ يَخْتَارَ مِنْ الْمَيِّتَاتِ: لِأَنَّهُنَّ كُنَّ أَحْيَاءً وَقْتَهُ (إنْ كَانَ) الزَّوْجُ (مُكَلَّفًا، وَإِلَّا) يَكُنْ مُكَلَّفًا (وَقَفَ الْأَمْرُ حَتَّى يُكَلَّفَ) فَيَخْتَارَ مِنْهُنَّ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ لَا حُكْمَ لِقَوْلِهِ.
(وَلَيْسَ لِوَلِيِّهِ الِاخْتِيَارُ) لَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى الشَّهْوَةِ، فَلَا تَدْخُلُهُ الْوِلَايَةُ، وَسَوَاءٌ تَزَوَّجَهُنَّ بِعَقْدٍ أَوْ عُقُودٍ، وَسَوَاءٌ اخْتَارَ الْأَوَائِلَ أَوْ الْأَوَاخِرَ نَصًّا؛ لِمَا رَوَى قَيْسُ بْنُ الْحَارِثِ قَالَ:«أَسْلَمْت وَتَحْتِي ثَمَانِ نِسْوَةٍ، فَأَتَيْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْت لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: اخْتَرْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوَيْد الثَّقَفِيِّ: «أَنَّ غَيْلَانَ بْنَ سَلَمَةَ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ، فَأَسْلَمْنَ مَعَهُ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَخْتَارَ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ " عَنْ الزُّهْرِيِّ مُرْسَلًا (وَعَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ وَلَوْ غَيْرَ مُكَلَّفٍ
(نَفَقَتُهُنَّ إلَى أَنْ يَخْتَارَ) مِنْهُنَّ أَرْبَعًا، لِأَنَّهُنَّ مَحْبُوسَاتٌ لِأَجْلِهِ، وَهُنَّ فِي حُكْمِ الزَّوْجَاتِ.
(وَيَتَّجِهُ: بِاحْتِمَالٍ) مَرْجُوحٍ (فِي غَيْرِ مُكَلَّفٍ) كَصَغِيرٍ (فَقِيرٍ) أَوْ مَجْنُونٍ إذَا أَوْجَبْنَا النَّفَقَةَ فِي مَالِهِ إلَى الْبُلُوغِ أَوْ الْإِفَاقَةِ؛ فَإِنَّهُ (يَذْهَبُ مَالُهُ فِي نَفَقَتِهِنَّ لِكَثْرَتِهِنَّ) وَيَصِيرُ كَلًّا عَلَى النَّاسِ، مَعَ أَنَّ الْمَطْلُوبَ شَرْعًا فِعْلُ مَا فِيهِ الْحَظُّ وَالْمَصْلَحَةُ لَهُ، وَالْمَصْلَحَةُ هَا هُنَا (اخْتِيَارُ وَلِيِّهِ) لَهُ أَرْبَعًا وَتَرْكُ مَا عَدَاهُنَّ (سِيَّمَا الْمَجْنُونُ) فَإِنَّهُ أَحَقُّ بِأَنْ يَخْتَارَ لَهُ مِنْ الصَّغِيرِ (لِأَنَّهُ) أَيْ: الْمَجْنُونَ (لَيْسَ لَهُ حَدٌّ يَنْتَهِي إلَيْهِ) فَيَنْتَظِرُ، بِخِلَافِ الصَّغِيرِ؛ فَإِنَّ بُلُوغَهُ يَحْصُلُ أَلْبَتَّةَ، وَلِهَذَا اخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّ وَلِيَّهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي التَّعْيِينِ، وَضَعُفَ الْوَقْفُ، وَخَرَّجَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ صِحَّةَ اخْتِيَارِ الْأَبِ مِنْ الزَّوْجَاتِ أَرْبَعًا وَفَسْخَهُ، وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ طَلَاقِ الْأَبِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ": فَإِنْ قُلْنَا: يَصِحُّ طَلَاقُ وَالِدِهِ عَلَيْهِ، صَحَّ اخْتِيَارُهُ لَهُ، وَإِنْ لَا فَلَا. انْتَهَى.
وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ لَا يَخْتَارُ لَهُ الْوَلِيُّ، وَيَقِفُ الْأَمْرُ حَتَّى يَبْلُغَ، قَالَهُ الْأَصْحَابُ؛ لِأَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى الشَّهْوَةِ وَالْإِرَادَةِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ يُوقَفُ الْأَمْرُ حَتَّى يَبْلُغَ عَلَى الصَّحِيحِ، قَالَهُ الْقَاضِي فِي " الْجَامِعِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " " وَالشَّرْحِ " (وَيَعْتَزِلُ الْمُخْتَارَاتِ) وُجُوبًا (حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الْمُفَارَقَاتِ) إنْ كَانَتْ الْمُفَارَقَاتُ أَرْبَعًا فَأَكْثَرَ وَإِلَّا اعْتَزَلَ مِنْ الْمُخْتَارَاتِ بِعَدَدِهِنَّ لِئَلَّا يَجْمَعَ مَاءَهُ فِي رَحِمِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ (وَأَوَّلُهَا) أَيْ: الْعِدَّةِ (هُنَا مِنْ حِينِ اخْتِيَارِهِ) لِلْمُخْتَارَاتِ؛ لِأَنَّهُ وَقَّتَ فُرْقَةَ الْمُفَارَقَاتِ (أَوْ يَمُتْنَ) عَطْفٌ عَلَى تَنْقَضِي أَيْ: يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَعْتَزِلَ الْمُخْتَارَاتِ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الْمُفَارَقَاتِ أَوْ يَمُتْنَ (فَلَوْ كُنَّ) أَيْ الزَّوْجَاتُ (ثَمَانِيًا
فَاخْتَارَ أَرْبَعًا؛ لَمْ يَطَأْ وَاحِدَةً) مِنْهُنَّ (حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الْمُفَارَقَاتِ، فَلَوْ كُنَّ خَمْسًا فَفَارَقَ إحْدَاهُنَّ؛ فَلَهُ وَطْءُ ثَلَاثٍ فَقَطْ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الْمُفَارَقَةِ، أَوْ كُنَّ سِتًّا، فَلَهُ وَطْءُ ثِنْتَيْنِ، أَوْ كُنَّ سَبْعًا) ؛ فَلَهُ وَطْءُ وَاحِدَةٍ، كُلَّمَا انْقَضَتْ عِدَّةُ مُفَارَقَةٍ حَلَّتْ لَهُ وَاحِدَةٌ مُخْتَارَةٌ، (وَإِنْ أَسْلَمَ بَعْضُهُنَّ) أَيْ الزَّوْجَاتِ الزَّائِدَاتِ عَلَى أَرْبَعٍ (وَلَيْسَ الْبَاقِي) أَيْ؛ الْمُتَخَلِّفُ عَنْ الْإِسْلَامِ مِنْهُنَّ (كِتَابِيَّاتٍ مَلَكَ إمْسَاكًا وَفَسْخًا فِي مُسْلِمَةٍ) مِنْ الزَّوْجَاتِ إنْ زِدْنَ عَلَى أَرْبَعٍ (خَاصَّةً) فَلَا يَخْتَارُ مِمَّنْ لَمْ يُسْلِمْنَ، (وَلَهُ) أَيْ مَنْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ، فَأَسْلَمَ مِنْهُنَّ خَمْسٌ فَأَكْثَرُ (تَعْجِيلُ إمْسَاكٍ مُطْلَقًا) أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ الْبَوَاقِي بَعْدَ مَنْ أَسْلَمَ كِتَابِيَّاتٍ أَمْ لَا، فَيَخْتَارُ أَرْبَعًا مِمَّنْ أَسْلَمْنَ.
(وَلَهُ تَأْخِيرُهُ) أَيْ الِاخْتِيَارِ (حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الْبَقِيَّةِ، أَوْ يُسْلِمْنَ) فَإِنْ مَاتَ اللَّائِي أَسْلَمْنَ، ثُمَّ أَسْلَمَ الْبَاقِيَاتُ؛ فَلَهُ الِاخْتِيَارُ مِنْهُنَّ وَمِنْ الْمَيِّتَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَقْدٍ، وَإِنَّمَا هُوَ تَصْحِيحٌ لِلْعَقْدِ الْأَوَّلِ فِيهِنَّ (فَإِنْ لَمْ يُسْلِمْنَ) أَيْ: الْبَاقِيَاتُ (أَوْ أَسْلَمْنَ، وَقَدْ اخْتَارَ أَرْبَعًا) مِمَّنْ أَسْلَمْنَ أَوَّلًا (فَعِدَّتُهُنَّ مُنْذُ أَسْلَمَ) لِأَنَّ الْإِسْلَامَ سَبَبٌ مَنَعَ اسْتِدَامَةَ نِكَاحِهَا، وَإِنَّمَا كَانَتْ مُبْهَمَةً قَبْلَ الِاخْتِيَارِ؛ إذْ لَيْسَتْ إحْدَاهُنَّ أَوْلَى بِالْفَسْخِ مِنْ غَيْرِهَا، فَبِالِاخْتِيَارِ تَعَيَّنَتْ، وَالْعِدَّةُ مِنْ حِينِ السَّبَبِ (وَمَنْ لَمْ يَخْتَرْ أُجْبِرَ) عَلَى الِاخْتِيَارِ (بِحَبْسٍ ثُمَّ تَعْزِيرٍ) إنْ أَصَرَّ عَلَى الْحَبْسِ لِيَخْتَارَ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهِ، فَأُجْبِرَ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْهُ إذَا امْتَنَعَ، كَسَائِرِ حُقُوقِهِ (وَيَكْفِي فِي الِاخْتِيَارِ) أَنْ يَقُولَ (أَمْسَكْت هَؤُلَاءِ أَوْ تَرَكْت هَؤُلَاءِ أَوْ اخْتَرْت هَذِهِ لِفَسْخٍ أَوْ) اخْتَرْت هَذِهِ (لِإِمْسَاكٍ، أَوْ أَبْقَيْت هَؤُلَاءِ وَنَحْوَهُ) كَبَاعَدْت هَؤُلَاءِ، وَلَا يَكُونُ الِاخْتِيَارُ إلَّا (مُنْجَزًا) فَلَا يَصِحُّ مُعَلَّقًا، وَيَأْتِي.
(وَيَحْصُلُ اخْتِيَارٌ بِوَطْءٍ أَوْ طَلَاقٍ) لِأَنَّهُمَا لَا يَكُونَانِ إلَّا فِي زَوْجَةٍ (فَمَنْ طَلَّقَهَا فَهِيَ مُخْتَارَةٌ) وَ (لَا) يَحْصُلُ اخْتِيَارٌ (بِظِهَارٍ أَوْ إيلَاءٍ) لِأَنَّهُمَا كَمَا يَدُلَّانِ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي الْمَنْكُوحَةِ يَدُلَّانِ عَلَى اخْتِيَارِ تَرْكِهَا، فَيَتَعَارَضُ الِاخْتِيَارُ وَعَدَمُهُ،
فَلَا يَثْبُتُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، (وَ) إنْ قَالَ:(سَرَّحْت هَؤُلَاءِ، أَوْ فَارَقْتَهُنَّ؛ لَمْ يَكُنْ طَلَاقًا لَهُنَّ) إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ؛ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ (وَلَا اخْتِيَارَ لِغَيْرِهِنَّ) لِأَنَّهُ لَيْسَ صَرِيحًا فِيهِ (لَا أَنْ يَنْوِيَهُ) فَيَعْمَلُ بِمَا نَوَاهُ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ يَحْتَمِلُهُ، وَالنِّيَّةُ مُعَيِّنَةٌ لِلْمَقْصُودِ (كَذَا فِي " الْإِقْنَاعِ ") وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَدَّمَهُ فِي " الْمُغْنِي "" وَالشَّرْحِ "" وَالْفُرُوعِ " قَالَهُ فِي " الْإِنْصَافِ ".
(وَإِنْ وَطِئَ الْكُلَّ) قَبْلَ الِاخْتِيَارِ بِالْقَوْلِ (تَعَيَّنَ الْأُوَلُ) أَيْ: الْأَرْبَعُ الْمَوْطُوآتُ مِنْهُنَّ أَوَّلًا، لِلْإِمْسَاكِ، وَمَا بَعْدَهُنَّ لِلتَّرْكِ اسْتِدْلَالًا بِتَقْدِيمِهِنَّ فِي الْوَطْءِ عَلَى تَقْدِيمِهِنَّ فِي الرَّغْبَةِ عِنْدَهُ.
(وَيَتَّجِهُ:) مَحَلُّ تَعْيِينِ الْأَوَّلِ لِلْإِمْسَاكِ حَيْثُ عَلِمْنَ (فَإِنْ جَهِلْنَ) أَيْ الْمَوْطُوآتُ الْأُوَلُ (فَ) الْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَحَدُ شَيْئَيْنِ، إمَّا (الْكَفُّ) عَنْ الْجَمِيعِ إلَى أَنْ يَظْهَرَ الْحَالُ (أَوْ الْقُرْعَةُ) بَيْنَهُنَّ، فَمَنْ خَرَجْنَ بِالْقُرْعَةِ؛ فَهُنَّ الْمُخْتَارَاتُ، فَيُمْسِكُهُنَّ وَيَتْرُكُ مَا عَدَاهُنَّ وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَإِنْ طَلَّقَ الْكُلَّ ثَلَاثًا، أُخْرِجَ مِنْهُنَّ أَرْبَعٌ بِقُرْعَةٍ) فَكُنَّ الْمُخْتَارَاتِ، فَيَقَعُ بِهِنَّ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الطَّلَاقَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ، فَإِذَا أَوْقَعَ الطَّلَاقَ عَلَى الْجَمِيعِ أَخْرَجَ الْأَرْبَعَ الْمُطَلَّقَاتِ بِالْقُرْعَةِ. كَمَا لَوْ طَلَّقَ أَرْبَعًا مِنْهُنَّ لَا بِعَيْنِهِنَّ (وَلَهُ نِكَاحُ الْبَوَاقِي) بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الْأَرْبَعِ الْمُخْرَجَاتِ بِقُرْعَةٍ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ بِهِنَّ، فَلَوْ كُنَّ ثَمَانِيًا، فَكُلَّمَا انْقَضَتْ عِدَّةُ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمُطَلَّقَاتِ؛ فَلَهُ نِكَاحُ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمُفَارَقَاتِ.
تَنْبِيهٌ: إذَا أَسْلَمَ ثُمَّ طَلَّقَ الْجَمِيعَ، ثُمَّ أَسْلَمْنَ فِي الْعِدَّةِ؛ اخْتَارَ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا فَإِذَا اخْتَارَ؛ تَبَيَّنَّا أَنَّ طَلَاقَهُ وَقَعَ بِهِنَّ؛ لِأَنَّهُنَّ زَوْجَاتٌ، وَيَعْتَدِدْنَ مِنْ حِينِ
طَلَاقِهِ، وَبَانَ الْبَوَاقِي بِاخْتِيَارِهِ لِغَيْرِهِنَّ، وَلَا يَقَعُ بِهِنَّ طَلَاقُهُ، وَلَهُ نِكَاحُ أَرْبَعٍ مِنْهُنَّ إذَا انْقَضَتْ عِدَّةُ الْمُطَلَّقَاتِ؛ وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الَّتِي قَبْلَهَا أَنَّ طَلَاقَهُنَّ قَبْلَ إسْلَامِهِنَّ فِي زَمَنٍ لَيْسَ لَهُ الِاخْتِيَارُ فِيهِ، فَإِذَا أَسْلَمْنَ تَجَدَّدَ لَهُ الِاخْتِيَارُ حِينَئِذٍ. (وَالْمَهْرُ) وَاجِبٌ (لِمَنْ انْفَسَخَ نِكَاحُهَا بِالِاخْتِيَارِ إنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا) لِاسْتِقْرَارِهِ بِالدُّخُولِ كَالدِّينِ (وَإِلَّا) يَكُنْ دَخَلَ بِهَا (فَلَا) مَهْرَ لَهَا؛ لِتَبَيُّنِ أَنَّ الْفُرْقَةَ وَقَعَتْ بِإِسْلَامِهِمْ جَمِيعًا، كَفَسْخِ النِّكَاحِ لِعَيْبِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ، وَلِأَنَّهُ نِكَاحٌ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ فِي الْإِسْلَامِ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ، كَالْمَجُوسِيِّ يَتَزَوَّجُ أُخْتَهُ، ثُمَّ يُسْلِمَانِ قَبْلَ الدُّخُولِ.
(وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ اخْتِيَارٍ بِشَرْطٍ) كَقَوْلِهِ (مَنْ أَسْلَمَتْ فَقَدْ اخْتَرْتهَا) أَوْ مَنْ دَخَلَتْ الدَّارَ فَقَدْ فَارَقْتهَا؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ قَدْ يُوجَدُ فِيمَنْ يُحِبُّهَا فَيُفْضِي إلَى تَنْفِيرِهِ، وَلِذَلِكَ لَمْ تَدْخُلْ الْقُرْعَةُ فِيهِ.
(وَلَا) يَصِحُّ (فَسْخُ نِكَاحِ مُسْلِمَةٍ لَمْ يَتَقَدَّمْهَا) أَيْ: حَالَةَ الْفَسْخِ (إسْلَامُ أَرْبَعٍ) سِوَاهَا، وَلَيْسَ فِيهِنَّ أَرْبَعُ كِتَابِيَّاتٍ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْفَسْخِ الطَّلَاقَ فَيَقَعُ؛ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ، وَإِنْ اخْتَارَ إحْدَاهُنَّ قَبْلَ إسْلَامِهَا لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَقْتِ اخْتِيَارٍ، وَإِنْ فَسَخَ نِكَاحَهَا لَمْ يَنْفَسِخْ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجُزْ الِاخْتِيَارُ لَمْ يَجُزْ الْفَسْخُ.
(وَإِنْ مَاتَ) مَنْ أَسْلَمَ (قَبْلَ اخْتِيَارٍ) وَتَحْتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ (فَعَلَى الْجَمِيعِ) مِمَّنْ أَسْلَمَ مِنْ نِسَائِهِ (أَطْوَلُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ عِدَّةِ وَفَاةٍ أَوْ) عِدَّةِ (حَيَاةٍ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مُخْتَارَةً أَوْ مُفَارَقَةً وَعِدَّةُ الْمُخْتَارَةِ عِدَّةُ الْوَفَاةِ، وَعِدَّةُ الْمُفَارَقَةِ ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ، فَأَوْجَبْنَا أَطْوَلَهُمَا احْتِيَاطًا، وَتَعْتَدُّ حَامِلٌ بِوَضْعِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَخْتَلِفُ عِدَّتُهَا، وَصَغِيرَةٌ وَآيِسَةٌ بِعِدَّةِ وَفَاةٍ؛ لِأَنَّهُ أَطْوَلُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ (وَيَرِثُ مِنْهُ) أَيْ: الْمَيِّتِ (أَرْبَعٌ) مِمَّنْ أَسْلَمَ عَلَيْهِنَّ وَأَسْلَمْنَ (بِقُرْعَةٍ) كَمَا لَوْ مَاتَ عَنْ نِسْوَةٍ؛ نِكَاحُ بَعْضِهِنَّ فَاسِدٌ وَجُهِلَ.
(وَإِنْ أَسْلَمَ) كَافِرٌ (وَتَحْتَهُ نَحْوُ أُخْتَيْنِ) كَامْرَأَةٍ وَعَمَّتِهَا، أَوْ امْرَأَةٍ وَخَالَتِهَا، فَأَسْلَمَتَا مَعَهُ أَوْ فِي الْعِدَّةِ إنْ دَخَلَ بِهِمَا، أَوْ لَمْ تُسْلِمَا وَهُمَا كِتَابِيَّتَانِ (اخْتَارَ مِنْهُمَا وَاحِدَةً) لِمَا رَوَى الضَّحَّاكُ بْنُ فَيْرُوزَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:«أَسْلَمْت وَعِنْدِي امْرَأَتَانِ أُخْتَانِ، فَأَمَرَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ أُطَلِّقَ إحْدَاهُمَا» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَفِي لَفْظٍ لِلتِّرْمِذِيِّ " اخْتَرْ أَيَّهُمَا شِئْت ".
وَلِأَنَّ الْمُبْقَاةَ امْرَأَةٌ يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُهَا ابْتِدَاءً، فَجَازَ اسْتِدَامَتُهُ كَغَيْرِهَا، وَلِأَنَّ أَنْكِحَةَ الْكُفَّارِ صَحِيحَةٌ، وَإِنَّمَا حَرُمَ الْجَمْعُ، وَقَدْ أَزَالَهُ، كَمَا لَوْ طَلَّقَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ إحْدَاهُمَا، وَلَا مَهْرَ لِغَيْرِ الْمُخْتَارَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا، لِأَنَّهُ نِكَاحٌ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ فِي الْإِسْلَامِ، أَشْبَهَ تَزَوُّجَ الْمَجُوسِيِّ أُخْتَهُ، وَحَيْثُ اخْتَارَ إحْدَى الْأُخْتَيْنِ وَنَحْوِهِمَا، لَمْ يَطَأْ الْمُخْتَارَةَ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ أُخْتِهَا وَنَحْوِهَا، لِئَلَّا يَجْمَعَ مَاءَهُ فِي رَحِمِ نَحْوِ أُخْتَيْنِ، (وَإِنْ كَانَتَا) أَيْ: مَنْ أَسْلَمَ كَافِرٌ عَلَيْهِمَا (أُمًّا وَبِنْتًا) وَأَسْلَمَتَا أَوْ إحْدَاهُمَا، وَكَانَ أَوْ كَانَتَا كِتَابِيَّتَيْنِ (وَ) قَدْ (دَخَلَ بِأُمِّهَا) وَحْدَهَا (فَسَدَ نِكَاحُهُمَا) أَيْ: الْأُمِّ وَالْبِنْتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] وَهَذِهِ أُمُّ زَوْجَتِهِ، فَتَدْخُلُ فِي عُمُومِهَا، وَلِأَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ الْبِنْتَ وَحْدَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا، حَرُمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا إذَا أَسْلَمَ، فَإِذَا لَمْ يُطَلِّقْهَا وَتَمَسَّكَ بِنِكَاحِهَا فَمِنْ بَابِ أَوْلَى، وَأَمَّا الْبِنْتُ فَلِأَنَّهَا رَبِيبَةٌ دَخَلَ بِهَا. حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا.
(وَإِلَّا) يَكُنْ دَخَلَ بِالْأُمِّ (فَ) يَفْسُدُ (نِكَاحُ الْأُمِّ وَحْدَهَا) لِتَحْرِيمِهَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ عَلَى بِنْتِهَا عَلَى التَّأْبِيدِ، فَلَمْ يَكُنْ اخْتِيَارُهَا، وَالْبِنْتُ لَا تَحْرُمُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِأُمِّهَا، فَتَعَيَّنَ النِّكَاحُ فِيهَا، بِخِلَافِ الْأُخْتَيْنِ.
(وَلَوْ أَسْلَمَتْ مَنْ) أَيْ: امْرَأَةٌ (تَزَوَّجَتْ بِاثْنَيْنِ) فَأَكْثَرَ (فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ؛ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَخْتَارَ أَحَدَهُمَا) أَوْ أَحَدَهُمْ (وَلَوْ أَسْلَمُوا) أَيْ: هِيَ وَالزَّوْجَانِ أَوْ الْأَزْوَاجُ (مَعًا) فِي آنٍ وَاحِدٍ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ " وَذَكَرَهُ الْقَاضِي مَحَلُّ وِفَاقٍ